السلام عليكم و رحمه الله و بركاته
الاجابة للشيخ صالح الكرباسي
تسمى الآية ( 61 ) من سورة آل عمران بآية المباهلة ، و هي : ﴿ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ [1] .
أما المعنى اللغوي للمباهلة فهي الملاعنة و الدعاء على الطرف الآخر بالدمار و الهلاك ، و قوله عَزَّ و جَلَّ { نَبْتَهِلْ } أي نلتعن .
و قد نزلت هذه الآية حسب تصريح المفسرين جميعاً في شأن قضية و قعت بين رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) و نصارى نجران ، و اليك تفصيلها .
قصة المباهلة :
كتب النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) كتابا إلى " أبي حارثة " أسقف نَجران دعا فيه أهالي نَجران إلى الإسلام ، فتشاور أبو حارثة مع جماعة من قومه فآل الأمر إلى إرسال وفد مؤلف من ستين رجلا من كبار نجران و علمائهم لمقابلة الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) و الاحتجاج أو التفاوض معه ، و ما أن وصل الوفد إلى المدينة حتى جرى بين النبي و بينهم نقاش و حوار طويل لم يؤد إلى نتيجة ، عندها أقترح عليهم النبي المباهلة ـ بأمر من الله ـ فقبلوا ذلك و حددوا لذلك يوما ، و هو اليوم الرابع و العشرين [2] من شهر ذي الحجة سنة : 10 هجرية .
لكن في اليوم الموعود عندما شاهد وفد نجران أن النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) قد إصطحب أعز الخلق إليه و هم علي بن أبي طالب و ابنته فاطمة و الحسن و الحسين ، و قد جثا الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) على ركبتيه استعدادا للمباهلة ، انبهر الوفد بمعنويات الرسول و أهل بيته و بما حباهم الله تعالى من جلاله و عظمته ، فأبى التباهل .
قال العلامة الطريحي ـ صاحب كتاب مجمع البحرين ـ : و قالوا : حتى نرجع و ننظر ، فلما خلا بعضهم إلى بعض قالوا للعاقِب و كان ذا رأيهم : يا عبد المسيح ما ترى ؟ قال والله لقد عرفتم أن محمدا نبي مرسل و لقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، والله ما باهَل قومٌ نبيًّا قط فعاش كبيرهم و لا نبت صغيرهم ، فإن أبيتم إلا إلف دينكم فوادعوا الرجل و انصرفوا إلى بلادكم ، و ذلك بعد أن غدا النبي آخذا بيد علي و الحسن و الحسين ( عليهم السَّلام ) بين يديه ، و فاطمة ( عليها السَّلام ) خلفه ، و خرج النصارى يقدمهم أسقفهم أبو حارثة ، فقال الأسقف : إني لأرى و جوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا لأزاله بها ، فلا تباهلوا ، فلا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة ، فقالوا : يا أبا القاسم إنا لا نُباهِلَك و لكن نصالحك ، فصالحهم رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) على أن يؤدوا إليه في كل عام ألفي حُلّة ، ألف في صفر و ألف في رجب ، و على عارية ثلاثين درعا و عارية ثلاثين فرسا و ثلاثين رمحا .
و قال النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) : " و الذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلّى على أهل نجران ، و لو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير و لأضطرم عليهم الوادي نارا ، و لما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا " [3] .
في من نزلت آية المباهلة :
لقد أجمع العلماء في كتب التفسير و الحديث على أن هذه الآية نزلت في خمسة هم :
1. النبي الأكرم محمد رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) .
2. الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) .
3. السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السَّلام ) .
4. الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) .
5. الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) .
ففي صحيح مسلم : و لما نزلت هذه الآية : ﴿ ... فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ ... ﴾ [4] دعا رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) عليا و فاطمة و حسنا و حسينا فقال : " اللهم هؤلاء أهلي " [5] .
و في صحيح الترمذي : عن سعد بن أبي وقَّاص قال : لما أنزل الله هذه الآية : ﴿ ... نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ ... ﴾ [6] دعا رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) عليا و فاطمة و حسنا و حسينا ، فقال : " اللهم هؤلاء أهلي " [7] .
و في مسند أحمد بن حنبل : مثله [8] .
و في تفسير الكشاف : قال في تفسير قوله تعالى : ﴿ ... فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ ... ﴾ [9] ، فأتى رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) و قد غدا محتضنا الحسين ، آخذا بيد الحسن ، و فاطمة تمشي خلفه و علي خلفها ، و هو يقول :
" إذا أنا دعوت فأَمّنوا " فقال أسقف نجران : يا معشر النصارى لأرى و جوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا و لا يبقى على وجه الأرض نصارى إلى يوم القيامة ... " [10] .
و هناك العشرات من كتب التفسير و الحديث ذكرت أن آية المباهلة نزلت في أهل البيت ( عليهم السَّلام ) لا غير ، و لا مجال هنا لذكرها .
نقاط ذات أهمية :
و ختاماً تجدر الإشارة إلى نقاط ذات أهمية و هي :
1. إن تعيين شخصيات المباهلة ليس حالة عفوية مرتجلة ، و إنما هو إختيار إلهي هادف و عميق الدلالة ... و قد أجاب الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) حينما سئل عن هذا الإختيار بقوله : " لو علم الله تعالى أن في الأرض عبادا أكرم من علي و فاطمة و الحسن و الحسين لأمرني أن أباهل بهم ، و لكن أمرني بالمباهلة مع هؤلاء فغلبت بهم النصارى " [11] .
2. إن ظاهرة الإقتران الدائم بين الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) و أهل بيته ( عليهم السَّلام ) تنطوي على مضمون رسالي كبير يحمل دلالات فكرية ، روحية ، سياسية مهمة ، إذ المسألة ليست مسألة قرابة ، بل هو إشعار رباني بنوع و حقيقة الوجود الامتدادي في حركة الرسالة ، هذا الوجود الذي يمثله أهل البيت ( عليهم السَّلام ) بما حباهم الله تعالى من إمكانات تؤهلهم لذلك .
3. لو حاولنا أن نستوعب مضمون المفردة القرآنية { أنفسنا } لأستطعنا أن ندرك قيمة هذا النص في سلسلة الأدلة المعتمدة لإثبات الإمامة ، إذ أن هذه المفردة القرآنية تعتبر علياً ( عليه السَّلام ) الشخصية الكاملة المشابهة في الكفاءات و الصفات لشخصية الرسول الأكرم ( صلَّى الله عليه و آله ) بإستثناء النبوة التي تمنح النبي خصوصية لا يشاركه فيها أحد مهما كان موقعه و منزلته .
4. فالإمام علي ( عليه السَّلام ) إنطلاقاً من هذه المشابهة الفكرية و الروحية هو المؤهل الوحيد لتمثيل الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) في حياته و بعد مماته لما يملكه من هذه المصداقية الكاملة .
و قد أكَّد رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) هذه الحقيقة في أحاديث واضحة الشكل و المضمون . [1] القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 57 .
[2] ما ذكرناه هو المشهور بين المفسرين و المؤرخين ، و هناك أقوال أخرى .
[3] مجمع البحرين : 2 / 284 ، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي ، المولود سنة : 979 هجرية بالنجف الأشرف / العراق ، و المتوفى سنة : 1087 هجرية بالرماحية ، و المدفون بالنجف الأشرف / العراق ، الطبعة الثانية سنة : 1365 شمسية ، مكتبة المرتضوي ، طهران / إيران .
[4] القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 57 .
[5] صحيح مسلم : 4/1871 ، طبعة : دار إحياء التراث العربي/ بيروت .
[6] القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 57 .
[7] صحيح الترمذي : 5/225 حديث : 2999 ، طبعة : دار الكتاب العربي / بيروت .
[8] مسند أحمد بن حنبل : 1/ 185 ، طبعة : دار صادر / بيروت .
[9] القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 57 .
[10] تفسير الكشاف : 1/ 193 ، طبعة : دار الكتاب العربي / بيروت .
[11] المباهلة : 66 ، لعبد الله السبيتي ، طبعة : مكتبة النجاح ، طهران / إيران .
نزول سورة الدهر في فضل أهل البيت "ويطعمون الطعام..."
{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً* وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً* فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَومِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً* وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً*
قصة الآية في حياة أهل البيت(ع)
وجاء في تفسير الكشاف، عن ابن عباس «أن الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) في ناسٍ معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على وَلدك، فنذر عليّ وفاطمة، وفضة ـ جارية لهما ـ إن برئا أن يصوموا ثلاثة أيام. فشفيا وما معهم شيءٌ، فاستقرض عليّ من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلا الماء، وأصبحوا صياماً. فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم، وقف عليهم يتيم فآثروه، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك.
فلما أصبحوا أخذ علي رضي الله عنه بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلّم)، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع، قال: ما أشدّ ما يسوءني ما أرى بكم. وقام فانطلق معهم، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها، وغارت عيناها، فساءه ذلك، فنزل جبريل وقال: خذها يا محمد، هنّاك الله في أهل بيتك، فأقرأه السورة»[1] .
هذا وقد أورد الرواية القمي في تفسيره بصيغة أخرى، مرفوعة إلى أبيه عن عبدالله بن ميمون عن أبي عبدالله(ع) قال: "كان عند فاطمة(ع) شعير فجعلوه عصيدة (شعير يلتّ بالسمن ويطبخ)، فلما أنضجوها ووضعوها بين أيديهم جاء مسكين فقال: مسكين رحمكم الله، فقام علي(ع) فأعطاه ثلثاً، فلم يلبث أن جاء يتيم فقال يتيم رحمكم الله فقام علي(ع)، فأعطاه الثلث، ثم جاء أسير، فقال: أسير رحمكم الله، فأعطاه(ع) الثلث وما ذاقوها، فأنزل الله سبحانه الآيات فيهم، وهي جارية في كل مؤمن فعل ذلك لله عزّ وجل"[2].
وفي مطلق الأحوال، إذا كانت هذه الآيات قد نزلت بهذه المناسبة، فإنها في الوقت الذي تدل فيه على فضل أهل البيت(ع) في تكريم الله لهم، فإنها لا تختص بهم في الإِيحاء الأخلاقي العام للشخصية المسلمة التي تقدّم النموذج القدوة، بل تنطلق لتتحرك في الخط الأخلاقي في كل زمانٍ ومكان.
قصة الآية في حياة أهل البيت(ع)
وجاء في تفسير الكشاف، عن ابن عباس «أن الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) في ناسٍ معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على وَلدك، فنذر عليّ وفاطمة، وفضة ـ جارية لهما ـ إن برئا أن يصوموا ثلاثة أيام. فشفيا وما معهم شيءٌ، فاستقرض عليّ من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلا الماء، وأصبحوا صياماً. فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم، وقف عليهم يتيم فآثروه، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك.
فلما أصبحوا أخذ علي رضي الله عنه بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلّم)، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع، قال: ما أشدّ ما يسوءني ما أرى بكم. وقام فانطلق معهم، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها، وغارت عيناها، فساءه ذلك، فنزل جبريل وقال: خذها يا محمد، هنّاك الله في أهل بيتك، فأقرأه السورة»[1] .
هذا وقد أورد الرواية القمي في تفسيره بصيغة أخرى، مرفوعة إلى أبيه عن عبدالله بن ميمون عن أبي عبدالله(ع) قال: "كان عند فاطمة(ع) شعير فجعلوه عصيدة (شعير يلتّ بالسمن ويطبخ)، فلما أنضجوها ووضعوها بين أيديهم جاء مسكين فقال: مسكين رحمكم الله، فقام علي(ع) فأعطاه ثلثاً، فلم يلبث أن جاء يتيم فقال يتيم رحمكم الله فقام علي(ع)، فأعطاه الثلث، ثم جاء أسير، فقال: أسير رحمكم الله، فأعطاه(ع) الثلث وما ذاقوها، فأنزل الله سبحانه الآيات فيهم، وهي جارية في كل مؤمن فعل ذلك لله عزّ وجل"[2].
وفي مطلق الأحوال، إذا كانت هذه الآيات قد نزلت بهذه المناسبة، فإنها في الوقت الذي تدل فيه على فضل أهل البيت(ع) في تكريم الله لهم، فإنها لا تختص بهم في الإِيحاء الأخلاقي العام للشخصية المسلمة التي تقدّم النموذج القدوة، بل تنطلق لتتحرك في الخط الأخلاقي في كل زمانٍ ومكان.
ما هي آية المباهلة و في من نزلت هذه الآية ؟
الاجابة للشيخ صالح الكرباسي
تسمى الآية ( 61 ) من سورة آل عمران بآية المباهلة ، و هي : ﴿ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ [1] .
أما المعنى اللغوي للمباهلة فهي الملاعنة و الدعاء على الطرف الآخر بالدمار و الهلاك ، و قوله عَزَّ و جَلَّ { نَبْتَهِلْ } أي نلتعن .
و قد نزلت هذه الآية حسب تصريح المفسرين جميعاً في شأن قضية و قعت بين رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) و نصارى نجران ، و اليك تفصيلها .
قصة المباهلة :
كتب النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) كتابا إلى " أبي حارثة " أسقف نَجران دعا فيه أهالي نَجران إلى الإسلام ، فتشاور أبو حارثة مع جماعة من قومه فآل الأمر إلى إرسال وفد مؤلف من ستين رجلا من كبار نجران و علمائهم لمقابلة الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) و الاحتجاج أو التفاوض معه ، و ما أن وصل الوفد إلى المدينة حتى جرى بين النبي و بينهم نقاش و حوار طويل لم يؤد إلى نتيجة ، عندها أقترح عليهم النبي المباهلة ـ بأمر من الله ـ فقبلوا ذلك و حددوا لذلك يوما ، و هو اليوم الرابع و العشرين [2] من شهر ذي الحجة سنة : 10 هجرية .
لكن في اليوم الموعود عندما شاهد وفد نجران أن النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) قد إصطحب أعز الخلق إليه و هم علي بن أبي طالب و ابنته فاطمة و الحسن و الحسين ، و قد جثا الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) على ركبتيه استعدادا للمباهلة ، انبهر الوفد بمعنويات الرسول و أهل بيته و بما حباهم الله تعالى من جلاله و عظمته ، فأبى التباهل .
قال العلامة الطريحي ـ صاحب كتاب مجمع البحرين ـ : و قالوا : حتى نرجع و ننظر ، فلما خلا بعضهم إلى بعض قالوا للعاقِب و كان ذا رأيهم : يا عبد المسيح ما ترى ؟ قال والله لقد عرفتم أن محمدا نبي مرسل و لقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، والله ما باهَل قومٌ نبيًّا قط فعاش كبيرهم و لا نبت صغيرهم ، فإن أبيتم إلا إلف دينكم فوادعوا الرجل و انصرفوا إلى بلادكم ، و ذلك بعد أن غدا النبي آخذا بيد علي و الحسن و الحسين ( عليهم السَّلام ) بين يديه ، و فاطمة ( عليها السَّلام ) خلفه ، و خرج النصارى يقدمهم أسقفهم أبو حارثة ، فقال الأسقف : إني لأرى و جوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا لأزاله بها ، فلا تباهلوا ، فلا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة ، فقالوا : يا أبا القاسم إنا لا نُباهِلَك و لكن نصالحك ، فصالحهم رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) على أن يؤدوا إليه في كل عام ألفي حُلّة ، ألف في صفر و ألف في رجب ، و على عارية ثلاثين درعا و عارية ثلاثين فرسا و ثلاثين رمحا .
و قال النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) : " و الذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلّى على أهل نجران ، و لو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير و لأضطرم عليهم الوادي نارا ، و لما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا " [3] .
في من نزلت آية المباهلة :
لقد أجمع العلماء في كتب التفسير و الحديث على أن هذه الآية نزلت في خمسة هم :
1. النبي الأكرم محمد رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) .
2. الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) .
3. السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السَّلام ) .
4. الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) .
5. الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) .
ففي صحيح مسلم : و لما نزلت هذه الآية : ﴿ ... فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ ... ﴾ [4] دعا رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) عليا و فاطمة و حسنا و حسينا فقال : " اللهم هؤلاء أهلي " [5] .
و في صحيح الترمذي : عن سعد بن أبي وقَّاص قال : لما أنزل الله هذه الآية : ﴿ ... نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ ... ﴾ [6] دعا رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) عليا و فاطمة و حسنا و حسينا ، فقال : " اللهم هؤلاء أهلي " [7] .
و في مسند أحمد بن حنبل : مثله [8] .
و في تفسير الكشاف : قال في تفسير قوله تعالى : ﴿ ... فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ ... ﴾ [9] ، فأتى رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) و قد غدا محتضنا الحسين ، آخذا بيد الحسن ، و فاطمة تمشي خلفه و علي خلفها ، و هو يقول :
" إذا أنا دعوت فأَمّنوا " فقال أسقف نجران : يا معشر النصارى لأرى و جوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا و لا يبقى على وجه الأرض نصارى إلى يوم القيامة ... " [10] .
و هناك العشرات من كتب التفسير و الحديث ذكرت أن آية المباهلة نزلت في أهل البيت ( عليهم السَّلام ) لا غير ، و لا مجال هنا لذكرها .
نقاط ذات أهمية :
و ختاماً تجدر الإشارة إلى نقاط ذات أهمية و هي :
1. إن تعيين شخصيات المباهلة ليس حالة عفوية مرتجلة ، و إنما هو إختيار إلهي هادف و عميق الدلالة ... و قد أجاب الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) حينما سئل عن هذا الإختيار بقوله : " لو علم الله تعالى أن في الأرض عبادا أكرم من علي و فاطمة و الحسن و الحسين لأمرني أن أباهل بهم ، و لكن أمرني بالمباهلة مع هؤلاء فغلبت بهم النصارى " [11] .
2. إن ظاهرة الإقتران الدائم بين الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) و أهل بيته ( عليهم السَّلام ) تنطوي على مضمون رسالي كبير يحمل دلالات فكرية ، روحية ، سياسية مهمة ، إذ المسألة ليست مسألة قرابة ، بل هو إشعار رباني بنوع و حقيقة الوجود الامتدادي في حركة الرسالة ، هذا الوجود الذي يمثله أهل البيت ( عليهم السَّلام ) بما حباهم الله تعالى من إمكانات تؤهلهم لذلك .
3. لو حاولنا أن نستوعب مضمون المفردة القرآنية { أنفسنا } لأستطعنا أن ندرك قيمة هذا النص في سلسلة الأدلة المعتمدة لإثبات الإمامة ، إذ أن هذه المفردة القرآنية تعتبر علياً ( عليه السَّلام ) الشخصية الكاملة المشابهة في الكفاءات و الصفات لشخصية الرسول الأكرم ( صلَّى الله عليه و آله ) بإستثناء النبوة التي تمنح النبي خصوصية لا يشاركه فيها أحد مهما كان موقعه و منزلته .
4. فالإمام علي ( عليه السَّلام ) إنطلاقاً من هذه المشابهة الفكرية و الروحية هو المؤهل الوحيد لتمثيل الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) في حياته و بعد مماته لما يملكه من هذه المصداقية الكاملة .
و قد أكَّد رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) هذه الحقيقة في أحاديث واضحة الشكل و المضمون . [1] القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 57 .
[2] ما ذكرناه هو المشهور بين المفسرين و المؤرخين ، و هناك أقوال أخرى .
[3] مجمع البحرين : 2 / 284 ، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي ، المولود سنة : 979 هجرية بالنجف الأشرف / العراق ، و المتوفى سنة : 1087 هجرية بالرماحية ، و المدفون بالنجف الأشرف / العراق ، الطبعة الثانية سنة : 1365 شمسية ، مكتبة المرتضوي ، طهران / إيران .
[4] القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 57 .
[5] صحيح مسلم : 4/1871 ، طبعة : دار إحياء التراث العربي/ بيروت .
[6] القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 57 .
[7] صحيح الترمذي : 5/225 حديث : 2999 ، طبعة : دار الكتاب العربي / بيروت .
[8] مسند أحمد بن حنبل : 1/ 185 ، طبعة : دار صادر / بيروت .
[9] القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 57 .
[10] تفسير الكشاف : 1/ 193 ، طبعة : دار الكتاب العربي / بيروت .
[11] المباهلة : 66 ، لعبد الله السبيتي ، طبعة : مكتبة النجاح ، طهران / إيران .