◾خطبة الزهراء لنساء المهاجرين والأنصار◾
قال سويد بن غفلة : لما مرضت فاطمة المرضة التي توفيت فيها ، دخلت عليها نساء المهاجرين والأنصار يعدنها ، فقلن لها : كيف أصبحت من علتك يا ابنة رسول الله ؟
فحمدت الله وصلت على أبيها ، ثم قالت :
(أصبحت والله عائفة لدنيا كن ، قالية لرجالكن ، لفظتهم بعد ان عجمتهم ، وسئمتهم بعد ان سبرتهم ، فقبحا لفلول الحد واللعب بعد الجد ، وقرع الصفاة وصدع القناة ، وخطل الآراء وزلل الأهواء ، وبئس ما قدمت لهم أنفسهم ان سخط الله عليهم ، وفي العذاب هم خالدون ، لا جرم لقد قلدتهم ربقتها وحملتهم أوقتها ، وشننت عليهم عارتها ، فجدعا وعقرا وبعدا للقوم الظالمين . ويحهم انى زحزحوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة والدلالة ، ومهبط الروح الأمين والطبين بأمور الدنيا والدين ، الا ذلك هو الخسران المبين .
وما الذي نقموا من أبي الحسن عليه السلام ، نقموا والله منه نكير سيفه ، وقلة مبالاته لحتفه ، وشدة وطأته ، ونكال وقعته ، وتنمره في ذات الله . وتا لله لو مالوا عن المحجة اللائحة ، وزالوا عن قبول الحجة الواضحة لردهم إليها وحملهم عليها ، ولسار بهم سيرا سجحا ، لا يكلم خشاشه ، ولا يكل سائره ، ولا يمل راكبه ، ولأوردهم منهلا نميرا صافيا رويا ، تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباه ، ولأصدرهم بطانا ونصح لهم سرا واعلانا .
ولم يكن يتحلى من الدنيا بطائل ، ولا يحظي منها بنائل ، غير رى الناهل وشبعة الكافل ، ولبان لهم الزاهد من الراغب والصادق من الكاذب .
ولو ان أهل القرى امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فاخذناهم بما كانوا يكسبون ، والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين .
الا هلم فاسمع ، وما عشت أراك الدهر عجبا ، وان تعجب فعجب قولهم ، ليت شعري إلى أي سناد استندوا ، والى أي عماد اعتمدوا ، وبأية عروة تمسكوا ، وعلي اية ذرية أقدموا واحتنكوا ؟
لبئس المولى ولبئس العشير ، وبئس للظالمين بدلا .
استبدلوا والله الذنابي بالقوادم ، والعجز بالكاهل ، فرغما لمعاطس قوم يحسبون انهم يحسنون صنعا ، الا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ، ويحهم أفمن يهدى إلى الحق أحق ان يتبع امن لا يهدى الا ان يهدى ، فما لكم كيف تحكمون .
اما لعمري لقد لقحت ، فنظرة ريثما تنتج ثم احتلبوا ملا القعب دما عبيطا وذعافا مبيدا ، هنالك يخسر المبطلون ويعرف التالون غب ما أسس الأولون ، ثم طيبوا عن دنياكم أنفسا واطمئنوا للفتنة جاشا ، وأبشروا بسيف صارم وسطوة معتد غاشم ، وبهرج شامل ، واستبداد من الظالمين ، يدع فيئكم زهيدا ، وجمعكم حصيدا ، فيا حسرتا لكم ، وانى بكم وقد عميت عليكم ، أنلزمكموها وأنتم لها كارهون . ))
قال سويد بن غفلة : فأعادت النساء قولها على رجالهن ، فجاء إليها قوم من المهاجرين والأنصار معتذرين ، وقالوا : يا سيدة النساء لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الامر قبل أن يبرم العهد ويحكم العقد لما عدلنا عنه إلى غيره .
فقالت : إليكم عنى ، فلا عذر بعد تعذيركم ،ولا امر بعد تقصيركم .