إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الزمن يحمل مصير الإنسان

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الزمن يحمل مصير الإنسان

    بسم الله الرحمن الرحيم

    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
    وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
    وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله

    السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته


    العمر.. الزمن.. الحياة.. هذه كلمات توحي للإنسان بكل وجوده، في كل امتداداته في الثواني والدقائق والساعات والأيام والشهور والسنين:
    دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني
    لا بدّ للإنسان من أن يحدّق في الزمن الذي يستهلك حياته ويفنيه بشكل تدريجي؛ يحدّق فيه باعتبار أنه هو الذي يحمل في داخله مصير الإنسان من خلال سلوكه، مصيره الذي يجعل منه إنساناً فاعلاً في الحياة التي يحياها، ليكون الإنسان الذي يعطي الحياة عقلاً من عقله عندما يستغل الزمن في تنمية عقله، ويعطيها عاطفة من قلبه عندما يربّي قلبه على التوازن في العاطفة، ويعطي الوجود حركة من جهده بما يبني للناس حياتهم ويرفع مستواهم ويقوّي مواقعهم ومواقفهم عندما يربي جهده على أن يكون الجهد النافع.

    وعندما ينفتح الإنسان على ربه، فإنه يقرأ في وحيّ ربه أن عمره هو رأس ماله الذي يتاجر به مع الله: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره* ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره}، {أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى}، فإذا فرّغت عمرك من عملك وتركته في حالة فراغ وضياع وعبث ولعب، فإنك تُحشر إلى الله بعمر ليس فيه أيّ غنىأو معنى، أما إذا ملأت عمرك بالخيرات والحسنات،فإن عمرك سوف يرتفع بك إلى مواقع القرب من الله والنعيم في الجنة، لأن قصة العمر هي قصة ما يحمل في داخله.
    وقد تحدّث الله تعالى في القرآن الكريم في أكثر من آية عن هذا العمر: {والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجاً وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يُعمّر من معمّر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير}. فالله تعالى يحسب لك عمرك بحسب ما يعلمه من الظروف المحيطة بوجودك مما يجعلك تمتد في العمر أو يقف عمرك بك في منتصف الطريق، كله في كتاب.

    ويتحدّث الإمام عليّ (ع) عن هذا العمر فيقول: "إن عمرك عدد أنفاسك وعليها رقيب"، فكل نفس يصعد ويهبط هو جزء من عمرك، وهذا ما عبّر عنه الإمام زين العابدين (ع) في دعاء الصباح والمساء عندما استقبل صباحه: "اللهم وهذا يومٌ حادثٌ جديد، وهو علينا شاهد عتيد ـ هذا اليوم في دقائقه وثوانيه وساعاته يشهد عليك ما فعلت فيه ـ إن أحسنّا ودّعنا بحمد، وإن أسأنا فارقنا بذم".


    المبادرة إلى الطاعة

    وفي رواية عنه (ص): "بادر بأربع قبل أربع: بشبابك ـ وهو مرحلة القوة والحيوية ـ قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل مماتك"، بادر بما تملك من خلاله القدرة على الطاعة وعمل الخير، وعلى أن تتاجر مع الله تعالى بما جعله الله بين يديك. وفي صورة طريفة جداً تروى عن رسول الله(ص) يصف فيها أحوال الناس عند قيامهم لربّ العالمين يوم القيامة، فتقول الرواية: "يُفتح للعبد يوم القيامة على كلِّ يوم من عمره أربعة وعشرون خزانة عدد ساعات الليل والنهار، فخزانة يجدها مملوءة نوراً ـ من خلال عمله الذي يتحوّل إلى نور، وقد ورد في القرآن الكريم عن مسيرة المؤمنين يوم القيامة: {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم} {يقولون ربّنا أتمم لنا نورنا} ـ وسروراً، فيناله عند مشاهدتها من الفرح والسرور ما لو وُزّع على أهل النار لأدهشهم عن الإحساس بألم النار، وهي الساعة التي أطاع فيها ربه، ثم يُفتح له خزانة أخرى فيراها مظلمة، منتنة، مفزعة، فيناله عند مشاهدتها من الفزع والجزع ما لو قُسّم على أهل الجنة لنغّص عليهم نعيمها، وهي الساعة التي عصى فيها ربه ـ
    الساعة التي قضاها بالغيبة والنميمة والغش والكذب والخداع وأكل أموال الناس والزنا وشرب الخمر ولعب القمار ـ
    ثم يُفتح له خزانة أخرى فيراها فارغة ليس فيها ما يسرّه ولا ما يسوءه، وهي الساعة التي نام فيها أو اشتغل فيها بشيء من مباحات الدنيا، فيناله من الغبن والأسف على فواتها، ومن هذا قوله تعالى: {ذلك يوم التغابن}.
    لذلك، هذا الحديث يريد أن يبيّن لنا حقيقة، وهي أن من الأعمال ما يبقى أثرها إيجابياً حتى بعد أن ينقضي وقتها وهي الطاعات، {والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً}، صحيح أن هذه الطاعات قد تتعبك في الدنيا، ولكنك سوف تواجه النتائج الطيبة في الآخرة.. فعندما تريد أن تنطلق بأي عمل فكّر في النتائج ولا تفكّر في بدايات الأمور، وقد قال المثل: "السمّ في الدسم"، لأن اللذة تذهب وأثرها يبقى.
    ويحدّثنا الله عن نداء أهل النار: {وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل أولم نعمّركم ما يتذكّر فيه من تذكّر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير} {والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئاً إن الله عليم قدير}.، ونلاحظ في أدعية الإمام زين العابدين (ع) أنه يركّز على أن رغبة الإنسان بطول العمر ليست في عدد السنين، بل في نوعية العمر ومضمونه، وهذا ما نلاحظه في دعائه (ع) في "مكارم الأخلاق": "وعمّرني ما كان عمري بذلة في طاعتك ـ أريد منك يا ربّ أن تعطيني العمر الطويل بمقدار ما يكون عمري مبذولاً في طاعتك ـ فإذا كان عمري مرتعاً للشيطان فاقبضني إليك ـ فإذا صار الشيطان يصول في عمري ويجول ويوقعني في المعصية والخطيئة فاقبضني إليك ـ قبل أن يسبق مقتك اليّ أو يستحكم غضبك عليّ".
    ثم في دعاء يوم الثلاثاء نراه يقول(ع): "واجعل الحياة زيادةً لي في كل خير ـ اجعل كل يوم من عمري أفضل من سابقه ـ والوفاة راحةً لي من كل شر". وفي دعاء أبي حمزة الثمالي له(ع): "واجعلني ممن أطلت عمره، وحسّنت عمله، وأتممت عليه نعمتك، وأحييته حياة طيبة، في أدوم السرور وأسبغ الكرامة وأتمّ العيش".
    العمر رأس مال لا بد أن نتاجر مع الله به، وهو فرصة، والفرص تمر مرّ السحاب، فبادروا بالصلاة قبل الفوت، وبالتوبة قبل الموت، ولا تسوّف التوبة، لأن لا أحد يضمن لك عمرك. ونحن نقرأ في دعاء الإمام زين العابدين (ع) إذا نعي إليه ميت: "اللهم اكفنا طول الأمل، وقصّره عنا بصدق العمل، حتى لا نؤمّل استتمام ساعة بعد ساعة، ولا استيفاء يوم بعد يوم، ولا اتصال نفس بنفس، ولا لحوق قدم بقدم". نسأل الله تعالى أن يعيننا على أنفسنا بما يعين به الصالحين على أنفسهم، وأن يبصّرنا كيف نقطع عمرنا في طاعة الله، وكيف نتقي الله في كل أيامنا وليالينا: "واجعله أيمن يوم عهدناه، وأفضل صاحب صحبناه، وخير وقت ظللنا فيه".
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X