إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الأسس الصحيحة للمناظرة التي اعتمدها الإمام الكاظم(عليه السلام)

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الأسس الصحيحة للمناظرة التي اعتمدها الإمام الكاظم(عليه السلام)


    بسم الله الرحمن الرحيم

    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
    وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك

    وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
    السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته



    الذي يتابع القنوات الفضائيّة ومواقع الانترنيت وغرف البالتاك في هذه الأيام، يُشاهد كثرة المناظرات وتعدّدها، وكلّ طرف يدعو الآخر للمناظرة واثبات أحقيّة دعوته.


    لكن المُشاهد – ومع الأسف الشديد – أن أغلب هذه المناظرات لا تبتني على الأسس الصحيحة والقواعد السليّمة للمناظرة، كما أرادها الدين الإسلامي الحنيف، والذي أكّد عليها مصدري التشريع الإسلامي: الكتاب، والسنّة المطهّرة.


    والمتابع لمناظرات أئمتنا(عليهم السلام) يجدهم قد خاضوا كلّ أنواع المناظرات مع المخالفين لهم، سواء كانت في داخل الدائرة المذهبية الواحدة، أو المذاهب الإسلامية، أو مع أصحاب الديانات الأخرى، بل وحتى مع الكفّار والزنادقة الذين لا يؤمنون بخبر السماء.


    وقد سلك أئمتنا(عليهم السلام) الأسس الصحيحة للمناظرة، التي تؤدي إلى إقناع المخالف بالرأي الصواب، وقد جمعت هذه المناظرات في كتب مستقلّة، قام بجمعها بعض الفضلاء.


    نتعرّض هنا إلى بعض مناظرات الإمام الكاظم(عليه السلام) التي بنيت على تلك الأسس الصحيحة.


    أولاً: الهدف من المناظرة هو الوصول إلى الحقيقة، لا التغلّب على المناظر.


    وهذا ما يتّصف به أتباع مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)، إذ أنّ هدفهم الأول والأخير هو معرفة الحقيقة وإتباع الحقّ، لذلك تجدهم يردّون على القول الخاطئ حتى إذا صدر من واحد منهم، وهذا ما فعله الإمام الكاظم(عليه السلام) حينما ردّ على قول هشام بن الحكم.


    ردّ الإمام الكاظم على هشام بن الحكم:


    في كتاب أصول الكافي: عن محمّد بن أبي عبد الله، عن محمّد بن إسماعيل، عن علي بن العباس، عن الحسن بن عبد الرحمن الحماني، قال: قلت لأبي إبراهيم(عليه السلام): إنّ
    هشام بن الحكم زعم أنّ الله تعالى جسم ليس كمثله شيء، عالم سميع بصير، قادر، متكلّم، ناطق، والكلام والقدرة والعلم يجري مجرى واحد، ليس شيء منها مخلوقاً.

    فقال(عليه السلام): ( قاتله الله! أما علم أنّ الجسم محدود؟! والكلام غير المتكلّم؟ معاذ الله وأبرأ إلى الله من هذا القول، لا جسم، ولا صورة، ولا تحديد، وكلّ شيء سواه مخلوق، وإنّما تكون الأشياء بإرادته ومشيئته من غير كلام ولا تردد في نفس ولا نطق لسان)(1).


    ولبعض علمائنا كلام حول هذه الرواية لا مجال لذكره هنا.


    بينما نلاحظ أنّ بعض المخالفين لأئمة أهل البيت(عليهم السلام) كان الهدف من مناظراتهم هو إسكات الخصم والتغلب عليه فقط, وهذا ما وحصل لأبي حنيفة مع الإمام الكاظم(عليه السلام).


    موقف أبي حنيفة من الإمام الكاظم(عليه السلام):

    في كتاب الاحتجاج للطبرسي: دخل أبو حنيفة المدينة ومعه عبد الله بن مسلم، فقال له: يا أبا حنيفة: إنّ هاهنا جعفر بن محمد من علماء آل محمد، فاذهب بنا إليه نقتبس منه علماً. فلّما أتيا إذ هما بجماعة من علماء شيعته ينتظرون خروجه أو دخولهم عليه، فبينما هم كذلك إذ خرج غلام حدث، فقام الناس هيبةً له، فالتفت أبو حنيفة فقال: يابن مسلم: من هذا؟

    قال: موسى ابنه.


    قال: والله لأجبهنَّه(2) بين يدي شيعته.


    قال: مه! لن تقدر على ذلك.


    قال: والله لافعلنّه، ثمّ التفت إلى موسى(عليه السلام) فقال... إلى آخر الرواية(3).


    وفي بعض المصادر: والله لأخجلنّه.

    ____________
    1- أصول الكافي 1: 106 حديث7 باب النهي عن الجسم والصورة.
    2- جَبَهْتُهُ: صككت جبهته، وجبهته بالمكروه : إذا استقبلته به. الصحاح 6: 2230
    3- الاحتجاج 2: 331 باب 269. وأخرجه الفتال النيشابوري في روضة الواعظين: 48، والشيخ الصدوق في أماليه: 334 مجلس64 حديث4 .


    وفي بعضها الآخر: والله أخجّله.


    إذاً لم يكن هدف أبي حنيفة من سؤال الإمام الكاظم(عليه السلام) هو التعلّم ومعرفة الحقيقة، وذلك واضح جلّي من قوله : (لأجبهنّه) أو (لأخجلنَّه) أو (والله أخجّله).


    ويمكن أن يكون أبو حنيفة استصغر سنّ الإمام الكاظم(عليه السلام)، إذ الوارد في الرواية: (فبينما هم كذلك إذ خرج غلام حدث)، وهو لا يعلم أنّ أئمة أهل البيت(عليهم السلام) قد زقّوا العلم زقاً.


    ثانياً: احترام المناظر وعدم الإساءة له ولعقيدته ورموزه.


    من الأمور المهمّة والأسس الصحيحة للمناظرة، هو احترام المخالف والمُناظر وعدم الإساءة والاستهزاء به وبعقيدته وبرموزه وإن اختلفنا معه في تقييم مبادئه ورموزه . فكلّ شخص له رموز يعتقد بهم ويحترمهم ويأخذ عقيدته منهم، ولا يرضى بتوجيه أيّ إساءة له، بل يعتبرها من الخطوط الحمراء التي لا يمكن الدنوّ منها.


    لذلك فإنّ الشريعة المقدسة نهت عن سب الكافرين، لأنّه يؤدي إلى سبّ الله تعال
    ى: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدوًا بِغَيرِ عِلمٍ ﴾ (1).


    وكذلك نهى علي(عليه السلام) عن سب أهل صفّين، بل أجاز ذكر معايبهم فقط.

    ____________
    1- الأنعام (6): 108


    مواقف الإمام الكاظم(عليه السلام)

    أولاً: عدم استهزائه بأبي حنيفة:

    حينما رأى أبو حنيفة الإمام الكاظم(عليه السلام) وهو صغير السنّ، كما ورد في الرواية بلفظ: (خرج غلام حدث السن)، سأله سؤالاً اختبارياً لا سؤال تعلّم ومعرفة، والظاهر من طبيعة السؤال أنّ أبا حنيفة لم يحترم الإمام الكاظم(عليه السلام) وإن لم يكن إماماً مفترض الطاعة، لوجود والده الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)، فسأله قائلاً: يا غلام: أين يضع الغريب في بلدتم هذه؟

    فالإمام سلام الله عليه أجابه جواباً علمياً وفي غاية الأدب والاحترام، ولم ينهره ولم يستهزئ به وبسؤاله فقال له: (يتوارئ خلف الجدار، ويتوقّى أعين الجار، وشطوط الأنهار، ومسقط الثمار، ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، فحينئذ يضع حين يشاء).


    وحينما سمع أبو حنيفة الجواب من الإمام وعرف غزارة علمه سأله سؤالاً آخراً علمياً حول الجبر والتخيير فقال: يا غلام : ممّن المعصية؟


    قال: يا شيخ لا تخلو من ثلاث:


    إمّا أن تكون من الله وليس من العبد شيء، فليس للحكيم أن يأخذ عبده بما لم يفعله.


    وإمّا أن تكون من العبد ومن الله، والله أقوى الشريكين، فليس للشريك الأكبر أن يأخذ الشريك الأصغر بذنبه.


    وإمّا أن تكون من العبد وليس من الله شيء، فإن شاء عفى وإن شاء عاقب.


    فقال – أي الراوي عبد الله بن مسلم – فأصابت أبا حنيفة سكتة كأنّما ألقم فوه الحجر.

    قال: فقلت له : ألم أقل لك لا تتعرّض لأولاد رسول الله(صلى الله عليه وآله)(1).


    ثانياً: استهزاء محمد بن الحسن الشيباني بكلام الإمام الكاظم(عليه السلام).


    في كتاب الإرشاد للشيخ المفيد:

    سأل محمد بن الحسن أبا الحسن موسى(عليه السلام) - بمحضر من الرشيد وهم بمكّة – فقال له: أيجوز للمحرِم أن يظلُل عليه محمله؟


    فقال له موسى(عليه السلام) : لا يجوز له ذلك مع الاختيار.


    فقال له محمد بن الحسن: أفيجوز أن يمشي تحت الظلال مختاراً؟


    فقال له: نعم.


    فتضاحك محمد بن الحسن من ذلك.


    فقال له أبو الحسن موسى(عليه السلام): أتعجب من سُنّة النبيّ وتستهزئ بها، إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كشف ظلاله في إحرامه، ومشى تحت الظلال وهو محرِم، إنّ أحكام الله يا محمد لا تقاس، فمن قاسم بعضها على بعض فقد ضلّ عن السبيل.


    فسكت محمد بن الحسن لا يرجع جواباً(2).



    ثالثاً: أبو يوسف القاضي والإمام الكاظم(عليه السلام).


    روى الشيخ الصدوق – في كتابه (عيون أخبار الإمام الرضا(عليه السلام)-) عن أبيه، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عن أصحابه، قال: قال أبو يوسف للمهدي وعنده موسى بن جعفر(عليه السلام): أتأذن لي أن أسأله عن مسائل ليس عنده فيها شيء؟
    ____________
    1- أصول الكافي 1: 106 حديث7 باب النهي عن الجسم والصورة.
    2- عيون أخبار الإمام الرضا(عليه السلام) 1: 76 حديث6.



    قال له : نعم. فقال لموسى بن جعفر(عليه السلام): أسائل؟


    قال: (نعم).


    قال: ما تقول في التظليل للمحرم؟


    قال: (لا يصح).


    قال: فيضرب الخباء في الأرض ويدخل البيت؟


    قال: (نعم).


    قال: فما الفرق بين هذين؟


    قال أبو الحسن(عليه السلام): (ما تقول في الطامث أتقضي الصلاة)؟


    قال: لا.


    قال: فتقضي الصوم؟


    قال نعم.


    قال: (ولم)؟


    قال: هكذا جاء.


    قال أبو الحسن(عليه السلام): (وهكذا جاء هذا).


    فقال المهدي لأبي يوسف: ما أراك صنعت شيئاً؟!


    قال: رماني بحجر دامغ(1).


    انظر أيّها القارئ الكريم إلى قول أبي يوسف: أسأله عن مسائل ليس عنده فيها شيء؟


    مناظرة الإمام الكاظم(عليه السلام) وهارون الرشيد:


    في ختام هذه المقالة نورد المناظرة التي جرت بين الإمام الكاظم(عليه السلام) وهارون
    ____________
    1- عيون أخبار الإمام الرضا(عليه السلام) 1: 76 حديث6 .


    الرشيد، والتي تحتوي على مواضيع متعدّدة علمية بينها الإمام(عليه السلام) للرشيد.


    روى الشيخ الصدوق في عيون أخبار الإمام الرضا(عليه السلام)، قال: وحدّث أبو أحمد هاني بن محمد العبدي، قال : حدّثني أبو محمد، رفعه إلى موسى بن جعفر(صلى الله عليه وآله)، قال: (لمّا أُدخلت على الرشيد سلّمت عليه فردّ عليّ السلام ثمّ قال: يا موسى بن جعفر، خليفتين يُجبى إليهما الخراج؟


    فقلت: (يا أمير المؤمنين! أُعيذك بالله أن تبوء باثمي وإثمك، وتقبل الباطل من أعدائنا علينا، فقد علمت بأنّه قد كذب علينا منذ قبض رسول الله(صلى الله عليه وآله)، كما علم ذلك عندك، فإن رأيت بقرابتك من رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن تأذن لي أُحدّثك بحديث أخبرني به أبي عن آبائه عن جدّي رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟


    فقال: قد أذنت لك.


    فقلت: أخبرني أبي، عن آبائه، عن جدّي رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: (إنّ الرحم إذا مسّت الرحم تحرّكت واضطربت) فناولني يدك جعلني الله فداك.


    قال: ادن مني! فدنوت منه، فأخذ بيدي ثمّ جذبني إلى نفسه وعانقني طويلاً ثمّ تركني وقال: اجلس يا موسى! فليس عليك بأس، فنظرت إليه فإذا به قد دمعت عيناه، فرجعت إليّ نفسي فقال: صدقت وصدق جدّك(صلى الله عليه وآله)، لقد تحرّك دمي واضطربت عروقي حتى غلبت عليّ الرقة وفاضت عيناي، وأنا أُريد أن أسألك عن أشياء تتلجلج في صدري منذ حين لم أسأل عنها أحداً، فإن أنت أجبتني عنها خلّيت عنك ولم أقبل قول أحد فيك، وقد بلغني عنك أنّك لم تكذب قطّ، فأصدقني فيما أسألك ممّا في قلبي.


    فقلت: ما كان علمه عندي فانّي مخبرك به إن أنت أمنتني.


    قال: لك الأمان إن صدقتني وتركت التقية التي تعرفون بها معشر بني فاطمة.


    فقلت: ليسأل أمير المؤمنين عمّا يشاء.


    قال: أخبرني لِمَ فُضلّتم علينا ونحن وأنتم من شجرة واحدة، وبنو عبد المطّلب ونحن وأنتم


    واحد، إنّا بنو عبّاس وأنتم ولد أبي طالب، وهما عمّا رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقرابتهما منه سواء؟


    فقلت : نحن أقرب.


    قال: وكيف ذلك؟


    قلت: لأنّ عبد الله وأبا طالب لأب وأُم، وأبوكم العبّاس ليس هو من أُم عبد الله ولا من أُم أبي طالب.


    قال: فلم ادعيتم أنّكم ورثتم النبي(صلى الله عليه وآله) والعم يحجب ابن العم، وقبض رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقد توفّي أبو طالب قبله والعباس عمّه حي؟


    فقلت له: إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني عن هذه المسألة، ويسألني عن كلّ باب سواه يريده.


    فقال: لا، أو تجيب.


    فقلت: فآمني.


    قال: قد آمنتك قبل الكلام.


    فقلت: إنّ في قول عليّ بن أبي طالب(عليه السلام): إنّه ليس مع ولد الصلب ذكراً كان أو أُنثى لأحد سهم إلاّ الأبوين والزوج والزوجة، ولم يثبت للعم مع ولد الصلب ميراث، ولم ينطق به الكتاب العزيز والسنة، إلاّ أنّ تيماً وعدياً وبني أُميّة قالوا: (العم والد) رأياً منهم بلا حقيقة ولا أثر عن رسول الله(صلى الله عليه وآله).


    ومن قال بقول عليّ من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء، هذا نوح بن دراج يقول في هذه المسألة بقول عليّ(عليه السلام) وقد حكم به، وقد ولّاه أمير المؤمنين المصرين الكوفة والبصرة وقد قضى به، فانهى إلى أمير المؤمنين فأمر بإحضاره وإحضار من يقول بخلاف قوله، منهم : سفيان الثوري، وإبراهيم المدني، والفضيل بن عياض، فشهدوا أنه قول عليّ(عليه السلام) في هذه المسألة. فقال لهم فيما أبلغني بعض العلماء من أهل الحجاز: لم لا تفتون وقد قضى به نوح بن دراج؟


    فقالوا: جسر وجبنّا.


    وقد أمضى أمير المؤمنين قضيته بقول قدماء العامة عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: (أقضاكم علي) وكذلك عمر بن الخطاب قال: (علي أقضانا) وهو اسم جامع، لأنّ جميع ما مدح به النبي(صلى الله عليه وآله) أصحابه من القرابة والفرائض والعلم داخل في القضاء.


    قال: زدني يا موسى! قلت : المجالس بالأمانات وخاصة مجلسك.


    فقال: لا بأس به.


    فقلت: إنّ النبي(صلى الله عليه وآله) لم يورّث من لم يهاجر، ولا أثبت له ولاية حتى يهاجر.


    فقال: ما حجّتك فيه؟


    قلت: قول الله تبارك وتعالى:
    ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ ﴾ (1), وإن عمّي العباس لم يهاجر.


    فقال لي: إنّي أسألك يا موسى: هل أفتيت بذلك أحداً من أعدائنا، أم أخبرت أحداً من الفقهاء في هذه المسألة بشيء؟


    فقلت: اللّهم لا، وما سألني عنها إلاّ أمير المؤمنين.


    ثم قال لي: لِمَ جوّزتم للعامّة والخاصّة أن ينسبوكم إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) ويقولوا لكم: يا بني رسول الله! وأنتم بنو علي، وإنّما يُنسب المرء إلى أبيه، وفاطمة إنّما هي وعاء، والنبي(صلى الله عليه وآله) جدكم من قبل أمكم؟


    فقلت: يا أمير المؤمنين! لو أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟


    فقال: سبحانه الله! ولِمَ لا أجيبه بل أفتخر على العرب والعجم وقريش وبذلك.


    فقلت له : لكنّه لا يخطب إليّ ولا أزوّجه.


    ____________
    1- الأنفال (8): 72.


    فقال: ولِمَ؟


    فقلت: لأنّه ولّدني ولم يلدك.


    فقال: أحسنت يا موسى!


    ثمّ قال: كيف قلتم إنّا ذريّة النبي، والنبي لم يعقب، وإنّما العقب للذكر لا للأنثى، وأنتم ولد الابنة ولا يكون لها عقب له.


    فقلت: أسألك بحقّ القرابة والقبر ومن فيه، إلاّ أعفيتني عن هذه المسألة.


    فقال: لا، أو تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد علي! وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم، كذا انهي إليّ، وليست أعفيك في كلّ ما أسألك عنه حتى تأتيني فيه بحجّة من كتاب الله، وأنتم تدعون معشر ولد عليّ أنّه لا يسقط عنكم منه شيء ألف ولا واو إلاّ تأويله عندكم. واحتججتم بقوله عزّ وجلّ: ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾ (1), واستغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم.


    فقلت: تأذن لي في الجواب؟


    قال: هات.


    فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴾ (2), من أبو عيسى يا أمير المؤمنين؟


    فقال: ليس لعيسى أب.


    فقلت: إنّما ألحقناه بذراري الأنبياء(عليهم السلام) من طريق مريمعليها السلام وكذلك أُلحقنا بذراري النبي(صلى الله عليه وآله) من قبل أُمّنا فاطمةعليها السلام.


    أزيدك يا أمير المؤمنين؟


    قال: هات.


    ____________
    1- الأنعام (6): 38.
    2- الأنعام (6): 84 - 85.


    قلت: قول الله عزّ وجلّ:
    ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ (1).


    ولم يدّع أحد أنّه أدخل النبي(صلى الله عليه وآله) تحت الكساء عند مباهلة النصارى إلاّ علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين، فأبناءنا الحسن والحسين، ونساءنا فاطمة، وأنفسنا علي بن أبي طالب(عليه السلام)، على أنّ العلماء قد أجمعوا على أنّ جبرائيل قال يوم أحد: (يا محمد! إنّ هذه لهي المواساة من علي) قال: (لأنّه مني وأنا منه).


    فقال جبرائيل: (وأنا منكما يا رسول الله) ثمّ قال: (لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ علي) فكان كما مدح الله عزّ وجلّ به خليله(عليه السلام) إذ يقول:
    ﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ (2) إنّا نفتخر بقول جبرائيل أنّه منّا.


    فقال: أحسنت يا موسى! أرفع إلينا حوائجك.


    فقلت له : إنّ أول حاجة لي أن تأذن لابن عمّك أن يرجع إلى حرم جدّه(صلى الله عليه وآله) وإلى عياله.


    فقال: ننظر إن شاء الله

    ____________
    1- آل عمران (3): 61.
    2- الأنبياء (21): 60.





المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X