يعد سيدنا العباس بن علي ع من اشهر التابعين الذي استشهدوا في سبيل الحق والحرية على مر العصور وتشرف بصحبة 5 من الائمة المعصومين ع ونهل من علومهم الشريفة وهم الامام علي والحسن والحسين وابنه السجاد وولده الباقر .وقد اخذ منهم علما جما حتى قال الامام المعصوم :لقد زق العباس بن علي العلم زقا (1).و هذا من أبدع التشبيه و الاستعارة فان الزق يستعمل في تغذية الطائر فرخه حين لم يقو على الغذاء بنفسه و حيث استعمل الامام علي (ع) و هو العارف بأساليب الكلام هذه اللفظة هنا نعرف أن أبا الفضل (ع) كان محل القابلية لتلقي العلوم و المعارف منذ كان طفلاً و رضيعاً كما هو كذلك بلا ريب.
ومن المؤلم جدا ان لايصل الينا شئ من النصوص التي نقلها العباس عن ابائه الطاهرين فيذكر العسقلاني: ان للعباس (عليه السلام) رواية احاديث عن ابيه امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) ففي الإصابة في تمييز الصحابة((2 ) ) تحت رقم 5692 قال: - وروى عنه-اي عن علي (عليه السلام) - من الصحابة ولداه الحسن والحسين وابن مسعود وأبو موسى وابن عباس وأبو رافع وابن عمر وأبو سعيد وصهيب وزيد بن أرقم وجرير وأبو أمامة وأبو جحيفة والبراء بن عازب وأبو الطفيل وآخرون ومن التابعين من المخضرمين أو من له رؤية عبد الله بن شداد بن الهاد وطارق بن شهاب وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبد الله بن الحارث بن نوفل ومسعود بن الحكم ومروان بن الحكم وآخرون ومن بقية التابعين عدد كثير من أجلهم أولاده محمد وعمر والعباس.
والنص الذي نقلناه اعلاه يكشف لنا ان العباس (عليه السلام) كان يروي احاديث الامام علي (عليه السلام) باب مدينة العلم النبوي. فالعباس (عليه السلام) الذي لم يفارق تلك الأعتاب المقدّسة لحظة واحدة ولم يبتعد عن تلك الأبواب المحترمة خطوة، فليله ونهاره ملازم لخدمتهم ملازمة الظلّ لذي الظلّ مع حرصهم على تثقيف الأباعد وتعليم الغرباء فكيف لا يثقّفون الأقارب ولا يعلّمون الأرحام، ومن المعلوم أنّ بالملازمة يحصل العلم سماعاً وتعليماً وقد قيل: ولد الفقيه نصف فقيه، والمشّاؤون من الفلاسفة مشوا في ركاب أرسطو كما أنّ الرواقيّين منهم لازموا رواقه فأمتاز الفريقان في فنّ الفلسفة وشهر الجمعان بالحكمة.
فكيف لا يمتاز العبّاس الأكبر (عليه السلام) وهو خرّيج كلّية الحقائق وتلميذ أساتذة الحقّ وجهابذة الملّة وفطاحل علماء الشريعة المقدسة، ومن تخرّج من تلك المدراس الروحانية العرفانية وجعل في الصفّ المقدّم من صفوف تلك الكلّيّات الراقية ,فبالحريّ أن يفوز بالنجاح وأن يحصل له الامتياز على من عدى أساتذته العظماء وأساتذة علماء الأُمة قاطبة ومعلّمي علماء الإسلام عامّة الفنون كما يقول الشيخ المظفر.
فالعباس (عليه السلام) الذي ادرك من حياة ابيه ما يقرب من 10 سنوات ادراكا وفهما اذا عرفنا ان العباس تميز بطفولة عبقرية مميزة فحفظ احاديث ابيه وهو في سن الخامسة وبالتالي فانه لعشر سنين كان ملازما لأبيه علي (عليه السلام) في ايامه وسفره وليله ونهاره ,فحتما سمع ووعى مئات ان لم نقل الاف كلمات واحاديث الامام علي (عليه السلام) التي نقلها عن النبي الخاتم (عليه السلام) وبالتالي كان العباس خزانة العلم العلوي بعد اخويه السبطين ‘.
وهنا نتساءل اين ذهب مئات او الاف الاحاديث التي سمعها العباس (عليه السلام), وبالتالي نقلها الى كبار اصحاب الائمة ^ ,ونحتمل انه كتبها في رقاع او جلد وبالتالي نبحث عن سر اختفائها وتضييعها المتعمد من قبل المؤسسات الحاكمة في التاريخ. ان ذهاب تراث ابي الفضل العباس (عليه السلام)الذي نقله عن ابيه باب مدينة العلم النبوي خسارة كبرى للبشرية وللإسلام .
ولو رجعنا الى مقدار رواية الكثير من الصحابة عن النبي الخاتم’ لوجدناها ارقاما كبيرة ,فعائشة تروي اكثر من الفي حديث خلال 8 سنوات من معاشرتها للنبي ’. فقد قال الحافظ الذهبي في السير: مسند عائشة ألفين ومئتين وعشرة أحاديث. واذا ما علمنا ان النبي ’ قد تزوجها بعد غزوة بدر في شوال سنة 2 هـ، لاستطعنا ان نحسب عدد الاحاديث التي روتها في السنة ,اي بمعدل 276 حديث تقريبا في كل سنة . وروى ابو هريرة 5374 حديثا. خلال اقل من اربع سنين قضاها مع النبي ‘. اذن ان ابا هريرة اتى عام خيبر وهو سنة 7 للهجرة كما روي في «تاريخ خليفة بن خياط»: «وفيها ـ أي السنة السابعة ـ أسلم أبو هريرة وعمران بن حصين زمان خيبر». قال أبو داود في الصلاة، باب: السجود في إذا السماء انشقت واقرأ، عقب حديث برقم (1407): «أَسْلَمَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَنَةَ سِتٍّ عَامَ خَيْبَرَ، وَهَذَا السُّجُودُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ آخِرُ فِعْلِهِ». وقال ابن عبد البر «أسلم أبو هريرة وعمران بن حصين عام خيبر» (3 )..
وبالتالي فهو يسمع ويروي 1343 حديث في السنة. اذا علمان ان شهادة النبي ، كانت في بداية عام 11 للهجرة في صفر. فهؤلاء قد لعبت السياسة دورها بنقل تراثهم المليء بالغث والسمين والذي اذا ما وضعناها في مجهر النقد العلمي لوجدنا عدد كبيرا منها يسئ الى الله عز وجل والى عظمة النبوة الخاتمة والى مكانة الانبياء فراجع كتاب ابو هريرة للمرحوم ابو رية ففيه دراسة علمية لعدد من احاديث الصحاح.
لكن اهل السياسة من حكام السقيفة ومن بعدهم ملوك ال امية وال العباس , تعمدوا اخفاء هذا التراث الكبير الذي رواه العباس (عليه السلام) عن ابيه امير المؤمنين (عليه السلام) وبذلك خسرنا هذا الارث العباسي الكبير. ولو وصلنا لرأينا كثير من الروايات المهمة التي نقلها العباس (عليه السلام), وربما ايضا نسمع من سيدنا العباس (عليه السلام) تعليقاته المهمة وشرحه العلمي المميز على هذه الروايات النبوية التي تنقل لنا صورة من فقه وعلم العباس الاكبر الذي حرمت الاجيال منه بسبب سياسات الظلمة من بني العباس واسلافهم.(4)
الخطيب الحسيني والباحث التاريخي الشيخ عقيل الحمداني -كربلاء المقدسة -بجوار مرقد العباس ع 4 شعبان 1437.
الهوامش*****************************
(1) ثمرات الاعواد ج1 ص105 .
(2) أبن حجر ، الإصابة في تمييز الصحابة ج4 ص564
(3) ابن عبد البر ، الاستيعاب ،ص ج1 ، ص374.
(4) كتابنا جنة فضائل العباس ع ج1 وهو اكبر موسوعة عن حياة ابي الفضل ع تحليلا ودراسة باكثر من 2200 صفحة وباربع اجزاء كبيرة ولازال مخطوطا حتى الان
تعليق