بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
وعندما منح الإسلام المرأة هذه المكانة الفُضلى في صعيد الإنسان وجعلها طرفاً مساوياً للرجل، لا يزيد عليها في تكوينه، ولا يشمخ في معلم يُحجمها أمامه، إنّها هو، وإنّه هي، إلا في بعض خصائص فطرية اقتضتها طبيعة المهمة التي أُنطيت بها، وهي معملية إنشاء الإنسان بإدارة الله سبحانه.
ولكي يكون هذا العنصر الإنساني على مستوى المسؤولية في هذه الحياة ومفتاح مجتمعه – هذا المجتمع الذي يتطلب الثورة نحو الإبداع والكمال والسمو – لابدّ من توفر الجوانب التالية فيه:
1- العمل الجاد على الخروج من دائرة الانغلاق الاجتماعي الذي يلفّ المرأة في أكثر من بيئة، على أساس أنّها مخلوقة ضعيفة، مخدعها بيتها، لا تقوى على مقابلة الشرور والآثام، وتستجيب لرغبات عاطفتها الجياشة عند احتدامها، واضطرامها. ولا شكّ أنّ المرأة تزخر بالعاطفة بحكم مهمتها التي أوكلها الله سبحانه إليها، من تحمّل الأذى والمتاعب في أعباء حمل الجنين، وآلام الولادة، وتربية الطفل، وكلّ ما يدخل في هذا الإطار من إرهاق ومشاق، غير أنّ هذه العاطفة التي تُساعد على تحمّل هذه المتاعب والمصاعب يمكن أنْ يتحكم بها عند من أعمل عقله على هواه: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (التحريم/ 11).
فالإيمان بالله هو القوة المانعة من انسياق العاطفة إلى مهاوي الجهل والرذيلة، وبه يمكن للإنسان أنْ يدفعَ عنه صولة العاطفة عند هبوبها، قال رسول الله (ص): "ثلاث أخافهن على أمّتي من بعدي الضلالة بعد المعرفة، ومضلات الفتن، وشهوة البطن والفرج"، وقال الإمام الصادق (ع): "من عرف الله خاف الله، ومن خاف الله سخت نفسه عن الدنيا".
2- التنوير الفكري برسالة الإسلام، ومدى حرصه على إسعاد الإنسان بصفته المالك لقدرة تسيير مجتمعه، وتهيئة متطلباته، وإنقاذه من الجهل والتخبط العشوائي، ورفعه إلى مستوى إنسانيته الكاملة التي منحها الله سبحانه له، ليفرّقه عن سائر مخلوقاته، ويُجسد خصائصه الذاتية النفسية والأخلاقية. قال رسول الله (ص): "طلب العلم فريضة"، وعن الإمام عليّ (ع) أنّه قال: "أيها الناس، اعلموا أنّ كمالَ الدين طلب العلم والعمل به، ألا وإنّ طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال، إنّ المال مقسوم مضمون لكم، قد قسمه عادل بينكم، والعلم مخزون عند أهله، وقد أمرتُم بطلبه من أهله فاطلبوه". وقال الإمام الباقر (ع): "عالم يُنتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد". وقال الإمام الصادق (ع): "قرأت في كتاب عليّ (ع) أنّ الله لم يأخذ على الجهّال عهداً بطلبِ العلمِ، حتى أخذ على العلماء عهداً ببذل العلم للجهّال، لأنّ العلم كان قبل الجهل".
إنّ التنوير بالفكر الإسلامي ضروري للمسلم كي يحسّ بمسؤوليته الرسالية، نظراً إلى أنّ فاقد الشيء لا يُعطيه. ومن هذا المُنطلق الواقعي فإنّ العمل الصالح لا يُمكن أن يؤثر بالغير مادام الإنسان نفسه جاهلاً بطبيعته، أو غير مُتعمق في نفسه، وما لم يجسد مُعطياته وتأثيره فيه أوّلاً، فإنّه لا يستطيع أن يُضفيه على الآخرين، وكلّما ازداد تلاحماً وتفاعلاً معه، زخر عطاؤه بالثقة والقبول.
3- الالتزام في الأداء. فإنّ الإسلام المسلم الذي يقرن قوله بعمله هو الذي يُرضي الله سبحانه: (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف/ 3). وجاء في وصية النبيّ (ص) لأبي ذر (رض) قوله: "من وافق قوله فعله فذلك الذي أصاب حظه، ومن خالف قوله فعله، فإنّما يوبخ نفسه". وقال الإمام عليّ (ع): "من لم يختلف سرّه وعلانيته، وفعله ومقالته، فقد أدّى الأمانة، وأخلص العبادة".
وهذه النصوص تؤكد لنا ضرورة الالتزام بالأداء العملي في المسؤولية الرسالية، والواقع أنّ صرف الشعور بالمسؤولية لا يوصل المسلم إلى الهدف، ومن أجل أن يكون الإنسان مثمراً لابدّ أنْ ينسجمَ قوله مع عمله، وفعله الخارجي مقياس جهده في أداء رسالته الإيمانية.
وهذه الجوانب الأساسية لابدّ أن تتوفر في كلِّ إنسان يعمل على أداء الرسالة التي يتبناها عقائدياً، سواء أكان ذلك الإنسان رجلاً أو امرأة، فهما أمام هذه المهمة سواء. وإنّ الحديث الشريف حين يُحمّل الإنسان مسؤولية رعاية الآخرين، لم يستثن أحداً، وإنّما يُبقي الطلب على عمومه: "كلّكم راعْ وكلّكم مسؤول عن رعيته"، لم يظهر لنا تخصيص من قريب أو بعيد في حصر الأداء على جهة مُعينة، وعند ذلك يأخذ الأمر على وجه الشمول..
ولهذا فالمرأة لا يمكن أنْ تخرج نفسها من مسؤولية العمل الرسالي في مسيرة الإسلام، نعم يمكن أنْ تخصص في مهام تتحكم بها ظروفها الخاصة فتحدد عندها طبيعة العمل كماً أو كيفاً، وهذا لا يؤثر على التزامها الرسالي، ولا يُضعف من توجهاتها، وتطلعاتها الإيمانية، فلا يكلف الله شخصاً إلا قدر طاقته، وهو أعرف بطاقاته وقدرته بعد شعوره التام بضرورة تحمّل المسؤولية.
انّ للمرأة إمكانية فائقة في عملية تغيير المجتمع من خلال تربية الأولاد، والاهتمام بتنشئتهم نشأة صالحة تؤهله لتحمل المسؤولية في بناء مجتمعه، كما لها قابليتها في مجال التعليم والتربية المدرسية، وقد اثبتت التقارير العلمية انّ قدرتها في هذا الميدان مهمة للغاية، خاصة إذا رافق عملها الالتزام العقائدي.
ومعلوم أنّ الالتزام العقائدي في الخط الجهادي النسوي مثّل دوراً رائعاً في مسيرة الإسلام منذ شروقه، وحتى عصرنا هذا الطافح بالظلم والقمع والطغيان، وشهيدات العقيدة الإسلامية أكدن على هذه الحقيقة، ويذكرنا التاريخ انّ السيدة البطلة زينب ابنة عليّ بن أبي طالب (ع) أجّجت الثورة في وجه الباطل ضد الأمويين بعد مقتل أخيها الإمام الحسين (ع) يوم عاشوراء، سواء أكان في كربلاء، أم في الكوفة، أم في الشام، أم المدينة بعد عودتها من كربلاء، وكانت في كلِّ هذه الأدوار مثال المرأة الداعية إلى مبدئها القويم، الذي ضحى من أجله أبوها وأخوتها، وكلّ أهل بيتها الكرام الطاهرين.