بسم الله الرحمن الرحيم
ولله الحمد والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول الإمام زين العابدين سلام الله عليه في دعاء مكارم الأخلاق: «اللّهم صلّ على محمد وآله، وبلِّغ بإيماني أكمل الإيمان، واجعل يقيني أفضل اليقين، وانتهِ بنيّتي إلى أحسن النيات، وبعملي إلى أحسن الأعمال»..
من يكن قريباً من النور فإما أن يستفيد منه أو يحترق إن لم يكن أهلاً للاستفادة.. ومن يكن قريباً من البحر الفرات فإما أن ينهل من درره وعطاياه ويرتوي من عذب مائه وإما أن يغرق فيه ويكون من الهالكين!.
وهكذا الحال مع من كانوا قريبين من أهل البيت عليهم السلام، حيث نرى بعضهم تاه في ضلالته وتردى في جهالته مع أنه كان قريباً من المعصوم سلام الله عليه.
وها نحن اليوم نقرأ أدعيتهم سلام الله عليهم مع أننا لم نر أشخاصهم، نسأل الله تعالى التوفيق للعمل بها -وهنيئاً لمن وفقوا في هذا السبيل- أما من لم يطّلع على علومهم وأدعيتهم ولم ينهل من معينهم فليس بمستوى أن يوفّق إلى أي خير، إلا أن يتعرف عليهم ويعرف قدرهم وعظمتهم التي يقصر البيان عن وصفها. وما تشبيهنا لهم بالبحر أو النور إلا من باب المجاز.. فما النور والبحر إلى جانب أهل البيت عليهم الصلاة والسلام؟!
وهذه القطعة الرباعية (من دعاء مكارم الأخلاق) هي مفتاح كلّ خير؛ فالإمام سلام الله عليه يطلب من الله تعالى أكمل الإيمان، ومن اليقين أفضله، ومن النيات والأعمال أحسنها، ولاشك أن هذه الخصال تصنع أبا ذر وسلمان وحبيب بن مظاهر.. وأمثالهم.
ولعل في هذا الترتيب (الإيمان ثم اليقين ثم النية الحسنة ثم العمل الحسن) نوعاً من التسبيب الخارجي أي الواقعي.. فبنسبة درجات الإيمان يكون المجال مفتوحاً أمام النسبة المناسبة من اليقين، وبنسبة درجات اليقين يكون المجال مفتوحاً أمام النسبة المناسبة من النية الحسنة، وبنسبة درجات النية الحسنة يكون المجال مفتوحاً للنسبة المناسبة من العمل الحسن..
ومن دون اكتمال هذه الحلقات الأربع لا يتحقق التكامل.. فالإيمان وحده غير كاف بل لابد له من اليقين، واليقين وحده غير مجد من دون النية الحسنة، والنية الحسنة لا معنى لها إن لم تترجم إلى عمل حسن.
أجل.. إن الإيمان بلا يقين يعد نقصاً، والإيمان واليقين مالم يقترنا بالنية الحسنة فهما ناقصان، وكذلك تبقى دائرة الإيمان واليقين والنية الحسنة ناقصةً مالم تكتمل بالعمل الصالح. فهذه العناصر الأربعة تكمّل بعضها بعضاً ويدعو بعضها لبعض؛ فالإيمان يدعو إلى اليقين، واليقين يدعو إلى النية الحسنة، والنية الحسنة تدعو إلى العمل الحسن. ولكن حيث أن هناك جواذب ومؤثرات ضخمة وقوية تثقل من حركة الإنسان نحو التكامل وتبطئه، اقتضى الأمر أن يُعمل الإنسان كل قدراته وطاقاته من أجل أن يجمع بين هذه العناصر ويجمعها كلها في حوزته، ومن هنا نفهم موقف سيدنا مسلم بن عقيل (رضوان الله عليه) عندما عُرض عليه أن يفتك بابن زياد، فقال: «الإيمان قيد الفتك».(بحار الأنوار: ج44/ص344).
وأعلى منه قول الحق سبحانه: ï´؟وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْï´¾ (النمل: 14)، وهو ما يعني أن بعض الكافرين عندهم يقين قد يفوق يقين بعض المؤمنين، وإن كانوا يجحدونه، ولكن لا عمل لهم، ومن ثم فلا قيمة ليقينهم! ولا يقول أحد أن اليقين المشار إليه في الآية ال?ريمة مجاز، بل هي كلمة مستعملة في المعنى الحقيقي لليقين، ولكنه يقين أبتر لا يتبعه نية ولا عمل، ولذلك يؤول إلى الجحود والكفر!.
______________
المصدر: شرح دعاء مكارم الأخلاق
تعليق