إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

منهج الإمام الباقر عليه السلام مع مخالفيه

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • منهج الإمام الباقر عليه السلام مع مخالفيه

    بسم الله الرحمن الرحيم

    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم

    وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
    وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
    السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته



    حديث عظيم وجليل له أبعاد متعددة وهو يحكي الواقع المعاش لأتباع أهل البيت في الوقت الراهن وهم بأمس الحاجة إلى مثل هذه الأحاديث المغيبة عن الجمهور حتى لأتباع أهل البيت وقد حرص أئمتنا عليهم السلام أن يوصلوها إلى شيعتهم ومواليهم وأن يعملوا على طبقها ، وهذه الرواية تحتاج إلى بسط من الشرح والتوضيح لأنها كما ذكرنا تحمل في طياتها عدة أبعاد:

    البعد الأول: مفهوم التشيع عند الإمام الباقر عليه السلام

    تطالعنا الرواية في بدايتها بالترحم على الشيعة الذين يتحملون مسئولية الدعوة إلى أهل البيت عليهم السلام فيوجد فريقان أحدهما: من يواليهم ويشايعهم . والفريق الثاني : من لم يكن على هذا المنوال بل ولم يعرفوهم وعبر الإمام عليه السلام عن هذا الفريق بـ ( الناس )
    حول معنى الشيعة الذين حملهم الأئمة مسئولية الدعوة إليهم وقد اهتم الإمام الباقر عليه السلام بهذا المفهوم وتحديده ضمن روايات تحدث فيها عن هذا المفهوم ، وقد تكلمنا في بعض أحاديثنا السابقة حول مفهوم الشيعة عند الإمام الباقر عليه السلام وإليك خلاصة ذلك فنقول : أما مفهوم التشيع عند الإمام الباقر u فلابد من أخذه من الروايات التي وردت عنه في هذا المجال وهي تشكل مجموعة كبيرة لا يستهان بها ويمكن أن يستخلص منها عدة عناصر ومواصفات بدورها تشكل لنا مفهوم التشيع والإنسان الشيعي .

    العناصر الأساسية لمفهوم التشيع
    1- طاعة الله .
    2- تقوى الله .
    3- التواضع .
    4- التخشع .
    5- الأمانة .
    6- كثرة ذكر الله .
    7- الالتزام بالصلاة .
    8- الالتزام بالصوم .
    9- البر بالوالدين .
    10- التعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة .
    11- التعاهد للغارمين أي المديونين .
    12- التعاهد للأيتام .
    13- صدق الحديث .
    14-كثرة تلاوة القرآن .
    15- كف الألسن عن الناس إلا في خير .
    16- المتبع سيرة النبي صلى الله عليه وآله .
    17- المتبع سيرة علي u وأولاده المعصومين عليهم السلام .
    18- كثرة السجود .
    19- كثرة الدموع من خشية الله .
    20- كثرة البكاء خوفا من الله .
    هذه عشرون وصفاً يلزم الشيعي المشايع لأهل البيت عليهم السلام أن يتصف بها حتى يتحقق مفهوم التشيع الصحيح في حقه .

    التشيع هو الإسلام

    فمفهوم التشيع هو مفهوم الإسلام بلا فرق بينهما فلو بحثنا عن حقيقة التشيع لرأيناه هو الإسلام المحمدي الصافي النقي الذي لا يشوبه أي شائبة لذلك أكد الإمام الباقر عليه السلام على أن التشيع لهم وموالاتهم هي : طاعة الله وولايته والتقوى فمن التزم ذلك فهو لهم ولي ، ومن كان لله عصياً ومخالفأ فهو لهم عدو حتى لو ادعى مشايعتهم كما قال لجابر الجعفي في الرواية الآتية : ( مَنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعاً فَهُوَ لَنَا وَلِيٌّ وَ مَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِياً فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ وَ مَا تُنَالُ وَلَايَتُنَا إِلَّا بِالْعَمَلِ وَ الْوَرَعِ ) [2]
    وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ( الباقر عليه السلام ) قَالَ : لَا تَذْهَبْ بِكُمُ الْمَذَاهِبُ فَوَ اللَّهِ مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ[3]
    يعني لا تذهب بكم مذاهب الأفكار والكلام والتخيلات وتتكلون علينا بدون عمل.
    وفي الرواية التالية تؤكد أن المتخلف عن تلك المفاهيم الحقة والصفات العالية يكون بعيداً عن التشيع كما ورد عَنْ حُمَيْدِ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ أُنَاساً أَتَوْا أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام فَسَأَلَهُمْ عَنِ الشِّيعَةِ هَلْ يَعُودُ غَنِيُّهُمْ عَلَى فَقِيرِهِمْ وَ هَلْ يَعُودُ صَحِيحُهُمْ عَلَى مَرِيضِهِمْ وَ هَلْ يَعْرِفُونَ ضَعِيفَهُمْ وَ هَلْ يَتَزَاوَرُونَ وَهَلْ يَتَحَابُّونَ وَهَلْ يَتَنَاصَحُونَ فَقَالَ الْقَوْمُ وَ مَا هُمُ الْيَوْمَ كَذَلِكَ .
    فَقَالَ : أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام لَيْسَ هُمْ بِشَيْ‏ءٍ حَتَّى يَكُونُوا كَذَلِكَ [4]

    الدعوى الباطلة

    يحاول البعض أن يشيع بين الناس أن مجرد الانتساب إلى التشيع لأهل البيت عليهم السلام كاف في تحقق مفهوم التشيع الصحيح ويكون سبباً في نجاتهم حتى لو تقاعسوا عن العمل بل يتمادى البعض إلى أبعد من ذلك ويحاول أن يصور لهم أن مجرد ممارستهم لبعض الأعمال البسيطة كفيلة بغفران ذنوبهم وهذا ما شجع الكثير على التساهل في أمور الدين ، كما أن هذا في الواقع تغرير بهم وإيقاعهم في متاهات لا نهاية لها وتربيتهم تربية منحرفة عن أهداف الأئمة عليهم السلام .

    لكن الروايات الواردة عن الإمام الباقر عليه السلام في هذا المجال تخالف ذلك كله وتفند هذه الدعوى ففي الحديث الصحيح عَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أُوَدِّعُهُ
    فَقَالَ : يَا خَيْثَمَةُ أَبْلِغْ مَنْ تَرَى مِنْ مَوَالِينَا السَّلَامَ وَ أَوْصِهِمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَظِيمِ ، وَ أَنْ يَعُودَ غَنِيُّهُمْ عَلَى فَقِيرِهِمْ ، وَ قَوِيُّهُمْ عَلَى ضَعِيفِهِمْ وَ أَنْ يَشْهَدَ حَيُّهُمْ جِنَازَةَ مَيِّتِهِمْ وَ أَنْ يَتَلَاقَوْا فِي بُيُوتِهِمْ فَإِنَّ لُقِيَّا بَعْضِهِمْ بَعْضاً حَيَاةٌ لِأَمْرِنَا رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً أَحْيَا أَمْرَنَا
    يَا خَيْثَمَةُ أَبْلِغْ مَوَالِيَنَا أَنَّا لا نُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِلا بِعَمَلٍ وَ أَنَّهُمْ لَنْ يَنَالُوا وَلَايَتَنَا إِلَّا بِالْوَرَعِ وَ أَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَصَفَ عَدْلا ثُمَّ خَالَفَهُ إِلَى غَيْرِهِ [5]
    وهكذا نرى الإمام عليه السلام يؤكد على العمل والورع والتقوى وأنهم لن ينالوا ولاية أهل البيت عليهم السلام إلا بالورع عن محارم الله .

    دعوى الحب لا يكفي في التشيع

    عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ : قَالَ لِي يَا جَابِرُ :
    أَيَكْتَفِي مَنِ انْتَحَلَ التَّشَيُّعَ أَنْ يَقُولَ بِحُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ ؟
    فَوَ اللَّهِ مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَأَطَاعَهُ ، وَمَا كَانُوا يُعْرَفُونَ يَا جَابِرُ إِلَّا بِالتَّوَاضُعِ وَالتَّخَشُّعِ وَ الْأَمَانَةِ وَ كَثْرَةِ ذِكْرِ اللَّهِ وَ الصَّوْمِ وَ الصَّلاةِ وَ الْبِرِّ بِالْوَالِدَيْنِ وَ التَّعَاهُدِ لِلْجِيرَانِ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَ أَهْلِ الْمَسْكَنَةِ وَ الْغَارِمِينَ وَ الأَيْتَامِ وَ صِدْقِ الْحَدِيثِ وَ تِلاوَةِ الْقُرْآنِ وَ كَفِّ الأَلْسُنِ عَنِ النَّاسِ إِلا مِنْ خَيْرٍ وَ كَانُوا أُمَنَاءَ عَشَائِرِهِمْ فِي الْأَشْيَاءِ .
    قَالَ جَابِرٌ : فَقُلْتُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا نَعْرِفُ الْيَوْمَ أَحَداً بِهَذِهِ الصِّفَةِ .
    فَقَالَ يَا جَابِرُ لا تَذْهَبَنَّ بِكَ الْمَذَاهِبُ حَسْبُ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ أُحِبُّ عَلِيّاً وَ أَتَوَلاهُ ثُمَّ لَا يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ فَعَّالا .
    فَلَوْ قَالَ إِنِّي أُحِبُّ رَسُولَ اللَّهِ فَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ عليه السلام ثُمَّ لا يَتَّبِعُ سِيرَتَهُ وَ لا يَعْمَلُ بِسُنَّتِهِ مَا نَفَعَهُ حُبُّهُ إِيَّاهُ شَيْئاً .
    فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْمَلُوا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَ بَيْنَ أَحَدٍ قَرَابَةٌ .
    أَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَكْرَمُهُمْ عَلَيْهِ أَتْقَاهُمْ وَ أَعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِهِ .
    يَا جَابِرُ وَ اللَّهِ مَا يُتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى إِلَّا بِالطَّاعَةِ وَ مَا مَعَنَا بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ وَ لَا عَلَى اللَّهِ لِأَحَدٍ مِنْ حُجَّةٍ .
    مَنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعاً فَهُوَ لَنَا وَلِيٌّ وَ مَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِياً فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ وَ مَا تُنَالُ وَلَايَتُنَا إِلَّا بِالْعَمَلِ وَ الْوَرَعِ [6]
    الانتحال هي الدعوى الكاذبة الزائفة فدعوى الحب مع مخالفة المدعي لمن يحبه في العمل والسلوك والأخلاق والمنهجية كل ذلك يثبت بطلان دعواه ، ولنترك الحديث إلى العلامة المجلسي لأن يشرح لنا الحديث ضمن تعليقاته على فقرات الحديث .
    فيعلق العلامة المجلسي :
    1- على كلمة (حَسْبُ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ أُحِبُّ عَلِيّاً وَ أَتَوَلَّاهُ ثُمَّ لَا يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ فَعَّالًا) من هذه الرواية بقوله :
    ( أي لو قال المخالف إني أحب رسول الله وهو أفضل من علي ؛ فكما أنكم تتكلون على حب علي عليه السلام أنا أتكل على حب محمد صلى الله عليه وآله مع مخالفته في القول بأوصيائه يمكنه أن يقول فكذا لا ينفعكم حب علي مع مخالفتكم له في الأقوال والأفعال ).
    2- على كلمة ( لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَ بَيْنَ أَحَدٍ قَرَابَةٌ ) بقوله :
    ( أي ليس بين الله وبين الشيعة قرابة حتى يسامحكم ولا يسامح مخالفيكم مع كونكم مشتركين معهم في مخالفته تعالى . أوليس بينه وبين علي عليه السلام قرابة حتى يسامح شيعة علي عليه السلام ولا يسامح شيعة الرسول .
    والحاصل : إن جهة القرب بين العبد وبين الله إنما هي بالطاعة والتقوى ولذا صار أئمتكم أحب الخلق إلى الله فلو لم تكن هذه الجهة فيكم لم ينفعكم شيء .
    3- على كلمة : ( وَ مَا مَعَنَا بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ ) بقوله :
    ( أي ليس معنا صك ، وحكم ، ببرائتنا وبرائة شيعتنا من النار ، وإن عملوا بعمل الفجار ) .
    4- وعلى كلمة ( وَ لا عَلَى اللَّهِ لأَحَدٍ مِنْ حُجَّةٍ ) بقوله :
    أي ليس لأحد على الله حجة إذا لم يغفر له بأن يقول : كنت من شيعة علي ، فلِمَ لم يغفر لي ، لأن الله لم يحتم بغفران من ادعى التشيع بلا عمل ، أو المعنى ليس لنا على الله حجة في إنفاذ من ادعى التشيع من العذاب .
    ثم قال : ويؤيده أن في( المجالس ) : ومال لنا على الله حجة . [7]
    5- وعلى كلمة : ( مَنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعاً ) بقوله :
    ( كأنه جواب عمّا يتوهم في هذا المقام أنهم عليهم السلام حكموا بأن شيعتهم وأولياءهم لا يدخلون النار .
    فأجاب عليه السلام : بأن العاصي لله ليس بولي لنا ، ولا تدرك ولا يتنا إلا بالعمل بالطاعات والورع عن المعاصي . [8]
    خير الأمور أوسطها
    بعد أن تقدم أن مجر الدعوى لمحبة آل الرسول دون العمل لا يكفي بل لا بد من الورع والتقوى والعمل الصالح هذا في الجانب العملي .
    أما في الجانب العقائدي فيخاطب الإمام شيعته ويدعوهم إلى الحالة الوسطية بين الإفراط والتفريط فلا يجوز للشيعة أن يغالوا في أئمتهم ويضعوهم أعلى مما وضعهم الله ورسوله وأنفسهم ، كما لا يجوز أن يبخسوهم حقوقهم بإنكار فضائلهم ومقاماتهم العالية التي رتبهم الله فيها فأئمة أهل البيت عليهم السلام مع أتباعهم الحقيقيين على الطريقة الوسطى ، ودعوا إلى نبذ التطرف في جانب الإفراط وهو الغلو وجانب التفريط وهو نصب العداء لأهل الحق ، وحاول أئمة الهدى أن يجنبوا أتباعهم هذين الخطين المنحرفين وهذان الخطان ليسا من الدين في شيء وإنما أوجدهما الجهل لذلك دعا الأئمة عليهم السلام أتباعهم إلى الحالة الوسطية التي هي الصراط المستقيم .
    فعَنْ أَبَانٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ( الباقر عليه السلام ) قَالَ :
    يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ - شِيعَةِ آلِ مُحَمَّدٍ - كُونُوا النُّمْرُقَةَ الْوُسْطَى يَرْجِعُ إِلَيْكُمُ الْغَالِي وَيَلْحَقُ بِكُمُ التَّالِي
    فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ سَعْدٌ جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا الْغَالِي ؟
    قَالَ : قَوْمٌ يَقُولُونَ فِينَا مَا لا نَقُولُهُ فِي أَنْفُسِنَا فَلَيْسَ أُولَئِكَ مِنَّا وَلَسْنَا مِنْهُمْ .
    قَالَ : فَمَا التَّالِي ؟
    قَالَ : الْمُرْتَادُ يُرِيدُ الْخَيْرَ يُبَلِّغُهُ الْخَيْرَ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ .
    ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا .
    فَقَالَ: وَ اللَّهِ مَا مَعَنَا مِنَ اللَّهِ بَرَاءَةٌ وَ لا بَيْنَنَا وَ بَيْنَ اللَّهِ قَرَابَةٌ وَ لا لَنَا عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ وَ لَا نَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا بِالطَّاعَةِ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُطِيعاً لِلَّهِ تَنْفَعُهُ وَلَايَتُنَا وَ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ عَاصِياً لِلَّهِ لَمْ تَنْفَعْهُ وَلَايَتُنَا وَيْحَكُمْ لَا تَغْتَرُّوا وَيْحَكُمْ لَا تَغْتَرُّوا [9] .
    هذه الرواية تريد أن تفهم الشيعة أنه لا يجوز لكم أن تغالوا في أهل البيت وتقولوا فيهم ما لم يقولوه في أنفسهم كأن تدعوا لهم الربوبية أو الإلوهية وغير ذلك مما هم منه براء وهم أنفسهم لا يرتضونه وقد أنكروا ذلك في عدة روايات .
    وإنما يجب عليكم أن تختاروا حالة الوسطية وتكونوا النُّمْرُقة الوسطى وهي الوسادة الصغيرة التي يتكأ عليها الإنسان والجمع نمارق قال تعالى وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ) (الغاشية:15) فالأئمة يريدون من شيعتهم أن يكونوا حالة الوسط .
    قال المجلسي : وكأن التشبيه بالنمرقة باعتبار أنها محل الاعتماد ، والتقييد بالوسطى لكونهم واسطة بين الإفراط والتفريط ، أو التشبيه بالنمرقة الوسطى باعتبار أنها في المجالس صدر ومكان لصاحبه يلحق به ، ويتوجه إليه من على الجانبين .
    وقيل : المراد كونوا أهل النمرقة الوسطى .
    وقيل : المراد إنه كما كانت الوسادة التي يتوسد عليها الرجل إذا كانت رفيعة جداً أو خفيفة جداً لا تصلح للتوسد بل لا بد لها من حد من الارتفاع والانخفاض ، حتى يصلح لذلك ، كذلك أنتم في دينكم وأئمتكم لا تكونوا غالين تجاوزون بهم مراتبهم التي أقامهم عليها وجعلهم أهلاً لها وهي الإمامة والوصاية .... ) [10] .
    كما تشير الرواية إلى تنبيه بعض الشيعة الذين يحملون في أذهانهم أن مجرد الانتساب إلى علي عليه السلام وأولاده المعصومين عليهم السلام كاف في النجاة ولا يحتاج إلى عمل .
    فالإمام يصرح أنه لا توجد عندهم براءة لأحد بدون عمل وورع وتقوى وليس لهم على الله حجة وهذه الرواية أصرح من الرواية المتقدمة التي أشارت إلى عدم الحجة على الله سبحانه .
    البعد الثاني : منهج الدعوة إلى أهل البيت
    الإمام الباقر عليه السلام يقول : رحم الله عبدا من شيعتنا حببنا إلى الناس ولم يبغضنا إليهم ).
    الإمام يشير إلى الأسلوب الإيجابي ثم إلى الأسلوب السلبي ، إن السؤال الذي يطرح نفسه ما هي العوامل التي تحبب أهل البيت في أعين مخالفيهم ؟ حتى يجب على شيعتهم أن يلتزموا بها .
    إن الجواب المفصل على هذا السؤال سوف يأتي في الحديث عن منهج الإمام الصادق عليه السلام وأشير الآن مختصرا إلى ذلك :
    1- التخلق بأخلاق أهل البيت عليهم السلام والعمل بها عند الخاص والعام .
    2- التحبب إلى الناس ومعاملتهم بما يحب أن يعامله غيره به ففي الصحيح عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الباقر عليه السلام قَالَ :
    إِنَّ أَعْرَابِيّاً مِنْ بَنِي تَمِيمٍ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله فَقَالَ لَهُ أَوْصِنِي فَكَانَ مِمَّا أَوْصَاهُ تَحَبَّبْ إِلَى النَّاسِ يُحِبُّوكَ [11]
    3- الإحسان إلى الآخرين حتى وإن كانوا من المخالفين له ففي الصحيح عَنْ حَرِيزٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام مَنْ خَالَطْتَ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ يَدُكَ الْعُلْيَا عَلَيْهِمْ فَافْعَلْ [12]
    4- حفظ اللسان عن فضول الكلام فعن عبد الواحد بن المختار عن أبي جعفر عليه السلام قال لو أن لألسنتكم أوكية لحدث كل امرئ بما له [13]
    5- تعلم علومهم بصورة صحيحة وتعليمها مخالفيهم حتى يتسنى لهم الإطلاع على علوم أهل البيت ويعرفوا ما عندهم .
    6- التحرز في نقل روايات أهل البيت عليهم السلام وأن تكون بصورة صحيحة .
    7- غربلة تلك الأحاديث وتمييز الغث من السمين ويؤخذ الذي عليه شاهد من القرآن ويترك ما خالفه .
    8- كتم أسرار أهل البيت التي لا يناسب بثها وقد دلت على ذلك مجموعة كبيرة من الروايات
    9- التوقف عند الشبهات فيما ينسب إلى علومهم وأحاديثهم
    كما عن جابر قال دخلنا على أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام ونحن جماعة بعد ما قضينا نسكنا فودعناه و قلنا له أوصنا يا ابن رسول الله.
    فقال ليعن قويكم ضعيفكم و ليعطف غنيكم على فقيركم و لينصح الرجل أخاه النصيحة لنفسه و اكتموا أسرارنا .
    و لا تحملوا الناس على أعناقنا و انظروا أمرنا و ما جاءكم عنا فإن وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به و إن لم تجدوه موافقا فردوه وإن اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده و ردوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا و إذا كنتم كما أوصيناكم لم تعدوا إلى غيره فمات منكم قبل أن يخرج قائمنا كان شهيدا و من أدرك منكم قائمنا فقتل معه كان له أجر شهيدين و من قتل بين يديه عدوا لنا كان له أجر عشرين شهيدا [14]
    وفي رواية الكليني مع اختلاف يسير قال : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ دَخَلْنَا عَلَيْهِ جَمَاعَةً فَقُلْنَا يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّا نُرِيدُ الْعِرَاقَ فَأَوْصِنَا
    فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام لِيُقَوِّ شَدِيدُكُمْ ضَعِيفَكُمْ وَ لْيَعُدْ غَنِيُّكُمْ عَلَى فَقِيرِكُمْ وَ لَا تَبُثُّوا سِرَّنَا وَ لَا تُذِيعُوا أَمْرَنَا وَ إِذَا جَاءَكُمْ عَنَّا حَدِيثٌ فَوَجَدْتُمْ عَلَيْهِ شَاهِداً أَوْ شَاهِدَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَخُذُوا بِهِ وَ إِلَّا فَقِفُوا عِنْدَهُ ثُمَّ رُدُّوهُ إِلَيْنَا حَتَّى يَسْتَبِينَ لَكُمْ وَ اعْلَمُوا أَنَّ الْمُنْتَظِرَ لِهَذَا الْأَمْرِ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ وَ مَنْ أَدْرَكَ قَائِمَنَا فَخَرَجَ مَعَهُ فَقَتَلَ عَدُوَّنَا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ عِشْرِينَ شَهِيداً وَ مَنْ قُتِلَ مَعَ قَائِمِنَا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسَةٍ وَ عِشْرِينَ شَهِيداً [15]
    - وَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ع أَنَّهُ أَوْصَى رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَنْفَذَهُ إِلَى قَوْمٍ مِنْ شِيعَتِهِ فَقَالَ لَهُ :
    بَلِّغْ شِيعَتَنَا السَّلَامَ وَ أَوْصِهِمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَظِيمِ وَ بِأَنْ يَعُودَ غَنِيُّهُمْ عَلَى فَقِيرِهِمْ وَ يَعُودَ صَحِيحُهُمْ عَلِيلَهُمْ وَ يَحْضُرَ حَيُّهُمْ جَنَازَةَ مَيِّتِهِمْ وَ يَتَلَاقَوْا فِي بُيُوتِهِمْ فَإِنَّ لِقَاءَ بَعْضِهِمْ بَعْضاً حَيَاةٌ لِأَمْرِنَا رَحِمَ اللَّهُ امْرِأً أَحْيَا أَمْرَنَا وَ عَمِلَ بِأَحْسَنِهِ .
    قُلْ لَهُمْ إِنَّا لَا نُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِلَّا بِعَمَلٍ صَالِحٍ وَ لَنْ تَنَالُوا وَلَايَتَنَا إِلَّا بِالْوَرَعِ وَ إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمَنْ وَصَفَ عَمَلا ثُمَّ خَالَفَ إِلَى غَيْرِهِ [16]
    البعد الثالث: ما يسبب البغض لأهل البيت
    وفي الجانب السلبي ما هي العوامل التي تبغض أهل البيت في أعين مخالفيهم ؟
    حتى يجب على شيعتهم أن يتجنبوها وفيما يلي بعض الأمور التي يجب أن يتجنبها الشيعة :
    1- تحميل أهل البيت عليهم السلام سلبيات ما يصدر من الشيعة كما أشار الإمام الباقر عليه السلام إلى ذلك في الرواية المتقدمة بقوله ( ولا تحملوا الناس على أعناقنا )
    2- نقل بعض الأخبار المخالفة للقرآن ونسبتها لأهل البيت عليهم السلام
    3- تبديل أحاديث أهل البيت إلى الآراء الفاسدة .
    4- تحريف أحاديث أهل البيت وأقوالهم .
    5- الزيادة في كلام أهل البيت واستبدال الكلمة عشراً للرغبات والأهواء ، وإلى هذه العوامل يشير الإمام الباقر عليه السلام بقوله :
    ( أما والله لو يروون ما نقول ، ولا يحرفونه ، ولا يبدلونه علينا برأيهم ما استطاع أن يتعلق عليهم بشيء ، ولكن أحدهم يسمع منا الكلمة فينيط عشرا ويتناولها برأيه .
    رحم الله من سمع ما يسمع من مكنون سرنا فدفنه في قلبه .
    ثم قال : والله لا يجعل الله من عادانا ومن تولانا في دار واحدة [17].
    البعد الرابع
    أن الكثير من المصائب والويلات التي تحل بشيعة أهل البيت ناشيء من سوء تصرف الشيعة أنفسهم سواء كان في الجانب العلمي أو العملي وعدم متابعتهم لإرشادات ونصائح أئمتهم التي وضعوها لهم كما أشار إلى ذلك بقوله ( ما استطاع أن يتعلق عليهم بشيء ) أي لو التزموا بنفس رواياتنا الصحيحة ولم يحرفوها ولم يبدلوها لما استطاع أحد أن يتهمهم بالباطل والشبهات .
    الحكمة في الدعوة
    عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ صَانِعِ الْمُنَافِقَ بِلِسَانِكَ وَ أَخْلِصْ وُدَّكَ لِلْمُؤْمِنِ وَ إِنْ جَالَسَكَ يَهُودِيٌّ فَأَحْسِنْ مُجَالَسَتَهُ [18]

    ---------------------------------------

    ــــــــــــــــــ

    [1] - شرح الأخبار - القاضي النعمان المغربي ج 3 ص 506.
    [2] الكافي ج : 2 ص : 74
    [3] الكافي ج : 2 ص : 73
    [4] مستدرك ‏الوسائل ج : 8 ص : 310 ح9520
    [5] الكافي ج : 2 ص : 176
    [6] الكافي ج : 2 ص : 74
    [7] أي يوجد في نسخة كتاب المجالس للشيخ الصدوق المعروف بالأمالي : ومالنا على الله من حجة .
    [8] انظر: ( مرآة العقول ج 8 ص51- 52 )
    [9] الكافي ج : 2 ص : 75
    [10] مرآة العقول ج 8 ص 54
    [11] وسائل‏الشيعة ج : 12 ص : 52 ح15518
    [12] وسائل‏الشيعة ج : 12 ص 9
    [13] بحار الأنوار ج : 2 ص : 75
    [14] بشارة المصطفى ص : 113
    [15] الكافي ج : 2 ص 222
    [16] مستدرك‏ الوسائل ج : 8 ص311ح9523
    [17] - شرح الأخبار - القاضي النعمان المغربي ج 3 ص 506.
    [18] مستدرك ‏الوسائل ج : 8 ص 316ح
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X