بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
رجع بعض الشيعة بعد استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) إلى محمد بن أمير المؤمنين (عليه السلام) المعروف بمحمّد بن الحنفية، وهو أكبر أولاد الإمام علي (عليه السلام) بعد الحسن والحسين (عليهما السلام)، وكان سيّداً عالِماً فاضلاً شجاعاً وجيهاً في بني هاشم، وكان يقيم في مكّة التي كان يُقيم فيها أيضاً عبد الله بن عباس الذي عاصر علياً والحسن والحسين (عليهم السلام) ونصرهم بسيفه ولسانه، وكان قد اُصيب ببصره في أواخر حياته، وتوفّي سنة 68ه، وكان هو وأولاده مقرّبين من ابن الحنفية ويتشاورون معه في الثأر لدماء الحسين (عليه السلام) وأهل بيته من بني هاشم، وقد أتاح هذا التقارب بين البيت العلوي والبيت العباسي إلى تأسيس حركة قوية استطاعت الإطاحة بالحكم الاُموي وإقامة الدولة العباسية.
والظاهر من بعض الروايات أنّ محمّد بن الحنفية كان يرى نفسه لائقاً لمنصب الإمامة، خاصّة وهو لا يرى عليه إماماً بعد قتل الحسين (عليه السلام)، ولعلّ الحكمة في ذلك هو حرص أهل البيت (عليهم السلام) على عدم إقامة الحجّة عليه حذراً من تكذيبه فيكون من أهل النار، كما تكرّر هذا الأمر مع آخرين في إمامة باقي الأئمّة (عليهم السلام)، كزيد بن علي بن الحسين الذي لم يخبره والده الإمام السجاد (عليه السلام) بإمامة أخيه محمد الباقر (عليه السلام) فينكرها فيكون من أهل النار كما أشارت إلى هذا المعنى بعض الروايات[1] .
وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) قد أوصى ولده محمداً بطاعة أخويه الحسن والحسين (عليهما السلام)، كما أوصاهما به خيراً، ولذا كان يحظى بمعاملة خاصّة ورعاية أكبر من الحسن والحسين (عليهما السلام) عملاً بوصية والدهما.
روى أبو عبد الله (عليه السلام) قال: «ولمّا حضرت الحسن الوفاة قال: يا قنبر امضِ فادعُ لي محمد بن علي. قال: فأتيتُه فلمّا دخلتُ عليه قال: هل حدث إلاّ خير؟ قلت: أجب أبا محمد. فعجّل عن شسع نعله فلم يسوّه، فخرج معي يعدو. فلمّا قام بين يديه سلّم، فقال له الحسن: اجلس فليس يغيب مثلك عن سماع كلام يُحيي به الأموات، ويموت به الأحياء، كونوا أوعية العلم ومصابيح الدجى فإنّ ضوء النهار بعضه أضوأ من بعض، أما علمت أنّ الله عزّ وجلّ جعل ولد إبراهيم أئمّة وفضّل بعضهم على بعض، وآتى داود زبوراً، وقد علمت بما استأثر الله محمّداً (صلى الله عليه وآله).
يا محمد بن علي إنّي لا أخاف عليك الحسد، وإنّما وصف الله تعالى به الكافرين فقال: ﴿كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾[2] ، ولم يجعل الله للشيطان عليك سلطاناً.
يا محمد بن علي ألا اُخبرك بما سمعت من أبيك (عليه السلام) فيك؟ قال: بلى. قال: سمعتُ أباك يقول يوم البصرة: مَن أحبّ أن يبرّني في الدنيا والآخرة فليبرّ محمداً.
يا محمد بن علي لو شئت أن اُخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك.
يا محمد بن علي أما علمت أنّ الحسين بن علي بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدي وعند الله في الكتاب الماضي وراثة النبيّ أصابها في وراثة أبيه واُمّه، علم الله أنّكم خير خلقه فاصطفى محمّداً، واختار محمد علياً، واختارني عليٌّ للإمامة، واخترتُ أنا الحسين»[3].
واختيار الإمام الحسن (عليه السلام) لفظ «اختار» بمعنى أنّ الإمام السابق هو الذي يختار الإمام اللاحق لا ينافي كون الإمام (عليه السلام) معيّناً من الله عزّ وجلّ، فإنّ الإمام لا يختار إلاّ مَن اختاره الله عزّ وجلّ. وإلى هنا تكون الحجّة قد اُقيمت على محمد بن الحنفية بإمامة أخيه الحسين (عليه السلام). ولا يوجد بين أيدينا نصّ يُخبر فيه الإمام الحسين (عليه السلام) أخيه محمد بإمامة ولده علي السجاد (عليه السلام) من بعده.
وعلى كلّ حال فقد تبنّى محمد بن الحنفية القضايا الشيعية بعد مقتل أخيه الحسين مدّة من الزمن لم نجد في النصوص التاريخية تحديداً لها، وقد انتهت بإقامة الحجّة عليه بإمامة ابن أخيه علي بن الحسين (عليهما السلام).
وقد لجأ الإمام السجاد (عليه السلام) بشكل واسع إلى إثبات إمامته بالمعاجز والاُمور الخارقة للعادة. فبدأ أوّلاً مع عمّه محمد ابن الحنفية حينما التقى به في مكّة ودعاه إلى قبول إمامته وحاجّه بإنطاق الحجر الأسود، فرضي محمد بذلك ورجع إلى القول بإمامة ابن أخيه علي بن الحسين (عليهما السلام).
روي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «لمّا قُتل الحسين بن علي (عليهما السلام) أرسل محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين (عليه السلام) وخلا به، ثمّ قال: يابن أخي قد علمتُ أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان جعل الوصية والإمامة من بعده لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ثمّ إلى الحسن ثمّ إلى الحسين، وقد قُتل أبوك رضي الله عنه وصلّى الله عليه ولم يوصِ، وأنا عمّك وصنو أبيك، وأنا في سنّى وقدمتي أحقّ بها منك في حداثتك فلا تنازعني الوصيّة والإمامة، ولا تخالفني. فقال له علي بن الحسين (عليهما السلام): يا عمّ اتّقِ الله ولا تدّعِ ما ليس لك بحقّ، إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين. يا عمّ إنّ أبي صلوات الله عليه أوصى إليّ قبل أن يتوجّه إلى العراق، وعهد إليّ في ذلك قبل أن يستشهد بساعة، وهذا سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندي، فلا تعرض لهذا فإنّي أخاف عليك نقص العمر وتشتّت الحال، وإنّ الله تبارك وتعالى آلى أن لا يجعل الوصيّة والإمامة إلاّ في عقب الحسين (عليه السلام)، فإن أردت أن تعلم فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك.
قال الباقر (عليه السلام): وكان الكلام بينهما وهما يومئذٍ بمكة فانطلقا حتى أتيا الحجر الأسود، فقال علي بن الحسين (عليهما السلام) لمحمد: ابدأ فابتهِل إلى الله واسأله أن يُنطق لك الحجر ثمّ اسأله. فابتهل محمد في الدعاء وسأل الله ثمّ دعا الحجر فلم يجبه، فقال علي بن الحسين (عليهما السلام): أما إنّك يا عمّ لو كنت وصيّاً وإماماً لأجابك. فقال له محمد: فادعُ أنت يابن أخي واسأله. فدعا الله علي بن الحسين (عليهما السلام) بما أراد ثم قال: أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الأوصياء وميثاق الناس أجمعين لمّا أخبرتنا بلسانٍ عربيٍّ مبين: مَن الوصي والإمام بعد الحسين بن علي؟ فتحرّك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه، ثم أنطقه الله بلسانٍ عربيٍّ مبين فقال: اللهمّ إنّ الوصيّة والإمامة بعد الحسين بن علي إلى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وابن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فانصرف محمد وهو يتولّى علي بن الحسين (عليهم السلام)»[4].
ثمّ أخذ محمد بن الحنفية بعد هذا يُرجِع خواص الشيعة شيئاً فشيئاً إلى إمامة علي بن الحسين (عليهما السلام)، فقد روى أبو نصير قال: سمعت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) يقول: «كان أبو خالد الكابلي يخدم محمد بن الحنفية دهراً، وما كان يشكّ في أنّه إمام، حتى أتاه ذات يوم فقال له: جعلت فداك إنّ لي حرمة ومودّة وانقطاعاً، فأسألك بحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) إلاّ أخبرتني أنت الإمام الذي فرض الله طاعته على خلقه؟ قال: فقال: يا أبا خالد حلّفتني بالعظيم، الإمام عليّ بن الحسين (عليهما السلام) عليَّ وعليك وعلى كلّ مسلم.
فأقبل أبو خالد لمّا أن سمع ما قاله محمد بن الحنفية وجاء إلى علي بن الحسين (عليهما السلام)، فلمّا استأذن عليه فأخبر أنّ أبا خالد بالباب أذِن له. فلمّا دخل عليه دنا منه وقال: مرحباً بك يا كنكر، ما كنتَ لنا بزائر، ما بدا لك فينا؟ فخرّ أبو خالد ساجداً شكراً لله تعالى ممّا سمع من علي بن الحسين (عليهما السلام)، فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى عرفت إمامي. فقال له علي بن الحسين (عليهما السلام): وكيف عرفت إمامك يا أبا خالد؟ قال: إنّك دعوتني باسمي الذي سمّتني اُمّي التي ولدتني، وقد كنتُ في عمياء من أمري، ولقد خدمتُ محمد بن الحنفية عمراً من عمري ولا أشكّ إلاّ وأنّه إمام، حتى إذا كان قريباً سألته بحرمة الله وحرمة رسوله وبحرمة أمير المؤمنين فأرشدني إليك وقال: هو الإمام عليَّ وعليك وعلى جميع خلق الله كلّهم، ثم أذنت لي فجئتُ فدنوتُ منك وسمّيتني باسمي الذي سمّتني اُمّي، فعلمتُ أنّك الإمام الذي فرض الله طاعته عليَّ وعلى كلّ مسلم»[5] .
ولقد بقيت مجموعة من الناس يعتقدون بإمامة محمد بن الحنفية حتى بعد موته ويعتقدون بأنّه غائب في جبل رضوى وسيرجع بعد آن فينتقم من أعداء آل محمد، كما كان يعتقد ذلك السيد الحميري قبل توبته، قال:
ألا أنّ الأئمّة من قريشٍ ولاة الأمر أربعة سواءُ
عليٌّ والثلاثة من بنيه هم أسباطنا والأوصياءُ
فسبطُ سبط إيمان وبرّ وسبط قد حوته كربلاءُ
وسبط لا يذوق الموت حتى يقود الجيش يقدمه اللواءُ
يغيب فلا يرى عنّا زماناً برضوى عنده عسلٌ وماءُ [6]
وقد تواصلت جهود أئمّة أهل البيت السجاد والباقر والصادق (عليهم السلام) بإرشاد هذه الجماعة وهدايتهم للرجوع إلى الصراط المستقيم، وقد أفلحوا في ذلك حيث انقرضت هذه الجماعة ورجعت إلى القول بإمامة الأئمة من ذرية الحسين (عليه السلام).
فعن حيان السرّاج قال: سمعت السيّد الحميريّ يقول: كنت أقول بالغلوّ وأعتقد غيبة محمد بن علي بن الحنفية (رضي الله عنه)، قد ضللت في ذلك زمانا، فمنّ الله عليَّ بالصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) وأنقذني به من النار وهداني إلى سواء الصراط [7].
وقد كانت لمحمد بن الحنفية مواقف شجاعة في التصدّي لعبد الله بن الزبير ومحاولاته استغلال مواقف بني هاشم وشيعتهم ضدّ بني اُميّة وأخذ البيعة قهراً منهم وتعبئتهم في عسكره.
------------------------------------------------
[1] انظر بحار الأنوار 46: 180 / 42.
[2] البقرة: 109.
[3] بحار الأنوار 44: 74-75 / 2.
[4] بحار الأنوار 46: 111 / 2.
[5] بحار الأنوار 42: 94 / 23.
[6] بحار الأنوار 42: 78 / 7.
[7] بحار الأنوار 42: 79.
تعليق