إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قراءة في قول الصادق (ع) : «يغفر الله لزائر الحسين ما تقدّم من ذنبه وما تأخر»

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قراءة في قول الصادق (ع) : «يغفر الله لزائر الحسين ما تقدّم من ذنبه وما تأخر»

    بسم الله الرحمن الرحيم
    قال الصدوق : حدثني محمد بن الحسن ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «من أتى قبر أبي عبد الله عليه السلام عارفاً بحقه ، غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر» ([1]) .

    أقول : رواة هذا الطريق ، فيما يعرف الخبير ، أعلى شأناً من التوثيق والتعديل ، وأجلّ من أن يذكروا في الصناعة والمصطلح ، وأسمى رتبة من أن تمتدحهم هذه السطور ؛ فهم أئمّة هذه الطائفة وجهابذتها وأساطينها ؛ ولا يخفى أنّ فيه صفوان وعبد الله بن مسكان ، وهما ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهما .
    معنى غفران : «ما تقدّم من الذنوب وما تأخّر» في علم الكلام
    لكن ما معنى غفران ما تأخر من الذنوب ؛ فإن كان معناه ما هو المأنوس عند الكثير من أنّ الله سيغفر الذنوب الآتية ؛ فلازمه تسويغ ارتكابها عن عمد ، وتغريرٌ بفعلها عن دراية ، وارتضاءٌ لاجتراحها عن قصد ، وهو من أبطل الباطل في الشرائع والأديان والعقول .
    وإن كان المقصود هو غفران الذنوب التي لا تجامع العمد والقصد ، تلك التي تقع سهواً مثلاً ؛ فهي مغفورة بحديث الرفع وآية الإصر وغيرهما ، من دون حاجة لأن تغفر مرّة ثانية بمثل زيارة قبر الحسين : ؛ للزوم تحصيل الحاصل . وعليه فتفسير الحديث باطل على كلا التقديرين . وآية الإصر هي آخر آيات سورة البقرة ، فيما تعرف .
    والذي أراه -على نحو الجملة- في مثل هذه الخطابات المقدّسة ، أنّ معنى الغفران هنا هو دخول الجنّة والسلامة من الخلود في النّار ، حتّى لو جاء العبدُ في يوم الحساب عاصياً لله تعالى وحوسب على عصيانه ، لا أنّه لا يحاسب مطلقاً على كلّ ما ارتكب من الذنوب ، ولهذا القول جنح بعض العلماء([2]).
    وفي هذا المعنى طائفة من الروايات الصحيحة تومىء إليه وتشير لمعناه ؛ فمن ذلك حجّ بيت الله الحرام وجوباً ، بل ندباً أيضاً بمقتضى اطلاق بعض الأخبار ؛ ففي هذا المعنى أخرج الصدوق بسند صحيح قال : حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، عن مفضل بن صالح ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «الحاجّ ثلاثة ؛ فأفضلهم نصيباً رجل غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، ووقاه الله عذاب النار ، وأمّا الذي يليه فرجل غفر له ما تقدم من ذنبه ويستأنف العمل فيما بقي من عمره ، وأما الذي يليه فرجل حفظ في أهله وماله» ([3]). وقد روى أبو داود في سننه عن أمّ المؤمنين أم سلمة رضوان الله عليها عن النبيّ (k) نحو ذلك مختصراً ([4]).
    أقول : فلاحظ قوله (k) : «غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، ووقاه الله عذاب النار» فهو ظاهر فيما قلناه من دخول الجنّة ، والسلامة من النّار ، كما أنّه في نفس الوقت ليس ظاهراً في عدم المؤاخذة والعقاب ، بل غايته أنّ هذا الصنف من العباد حتّى لو حوسب يوم الجزاء على معاصيه وآثامه ، وعوقب عليها إلاّ أنّه في سلامة من الخلود في النّار ، وأصله في القرآن عدّة آيات ؛ منها : قوله تعالى : إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ( ([5]).
    يشهد له ، ولتفاوت مقدار الثواب ، ما أخرجه الصدوق في ثواب الأعمال قال : حدثني أبي عن سعد ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن صالح ، عن عبد الله بن هلال ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قلت : جعلت فداك ما أدنى ما لزائر الحسين عليه السلام؟!. فقال لي : «يا عبد الله ، إنّ أدنى ما يكون له أنّ الله يحفظه في نفسه وماله حتى يردّه إلى أهله ؛ فإذا كان يوم القيامة كان الله الحافظ له» ([6]) .
    ورجاله ثقات ، إلاّ محمد بن صالح وابن هلال ، فلم يحضرني حالهما مع هذه العجالة . لكن مع ذلك فمتنه حجّة بشهادة بقيّة الأخبار الماضية والآتية..، وممّا هو واضح للغاية في ذلك..
    ما أخرجه الكليني بسند حسن بل صحيح عن : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله (A) قال : «الحاج على ثلاثة أصناف : صنف يعتق من النار ، وصنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمّه ، وصنف يحفظ في أهله وماله ، وهو أدنى ما يرجع به الحاج» ([7]) . فقارن بين هذا وبين ما أخرجه الصدوق لتجد أنّ الغفران في بعض مراتبه يعني الانعتاق من النّار .
    وهنا لا بدّ من التذكير بما مرّ من أنّ الله سبحانه وتعالى ، قد جعل لكربلاء ، ناهيك عن الضريح المقدّس ، حرمة عظيمة على غرار الكعبة وبيت الله الحرام ، وأنّها كالكعبة : «حرماً آمناً مباركاً» وقد تقدّمت بعض الأحاديث الصحيحة في ذلك ، فتذكّر . ففي ثبوت الغفران المطلق (=لما تقدم وما تأخّر) لحاجّ بيت الله الحرام ، تنبيهٌ لثبوته في زائر قبر الحسين حذو القذّة بالقذّة ، هذا إن لم نقل أولى ، والمقصود جهة الثواب طبعاً دون بقيّة الجهات ، فلا تغفل .
    ومن هذا الباب أيضاً ما أخرجه الشيخ الصدوق ، في كتاب فضائل الأشهر الثلاثة ، بسنده المعتبر عن ابن عبّاس عن النبيّ (k) قال : «من صام شهر رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر»([8]). وقد رواه بعينه الإمام أحمد في مسنده المعروف عن أبي هريرة عن النبيّ (k)([9]) .
    ولا بأس بالاستطراد إلى أنّ من الأعمال التي توجب غفران ما تقدّم من الذنوب وما تأخّر منها ، زيارة سلطان المتّقين ، علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه ؛ فلقد أخرج شيخ مشايخنا الصدوق بسند صحيح ، قال : حدثني محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي الوشاء ، قال : أبو الحسن الرضا عليه السلام : «أني سأقتل بالسم مظلوماً ؛ فمن زارني عارفاً بحقي ، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر» ([10]).




    ([1]) ثواب الأعمال (الصدوق) : 86 .

    ([2]) انظر شرح صحيح مسلم (للنووي) 3 : 57 .

    ([3]) الخصال (الصدوق) : 147 .

    ([4]) سنن أبي داود 1 : 392 .

    ([5]) سورة الفرقان : 70 .

    ([6]) ثواب الأعمال (الصدوق) : 90 .

    ([7]) الكافي (الكليني) 4 : 262 .

    ([8]) فضائل الأشهر الثلاثة (الصدوق) : 105 .

    ([9]) مسند أحمد 2 : 386 .

    ([10]) عيون أخبار الرضا (الصدوق) 1 : 292 .






المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X