بَيَّنَتْ المَرجَعيَّةُ الدِينيّةُ العُليَا فِي النَجَفِ الأشرَفِ ,اليَومَ , الجُمْعَةَ , السَادِسِ عَشَر مِنْ رَبيعٍ الأوّلِ ,1438 هِجري,
المُوافقَ ,لِ, السَادِس عَشَر مِنْ كانونِ الأوّلِ ,2016م ,
وعلى لِسَانِ , وَكيلِها الشَرعي , الشَيخ عَبد المَهْدي الكَربَلائي,خَطيبِ , وإمَامِ الجُمعَةِ فِي الحَرَمِ الحُسَيني المُقَدّسِ :
وبِمُنَاسبَةِ ذِكْرَى وِلادَةِ النَبيِّ الأكرَمِ مُحَمّدٍ , صَلَى اللهُ عَلَيه وآلِه وسَلّم, أمورَاً ثَلاثَةً :
الأمرُ الأوَّلُ :
________
ونَحنُ نَعيشُ ذِكرَى وِلادَةِ الرَسولِ الأكرَمِ , صَلى اللهُ عَلَيه وآلِه وسَلّمِ , وحَفيدِه الإمَامِ جَعفرِ الصَادِقِ , عَلَيه السَلامُ,
فَلنَستَضِيءُ بِكَلِمَاتِ سَيّدِ البُلَغَاءِ , الإمَامِ عَليِ ,أميرِ المُؤمنين , عَلَيه السَلامُ, لِيَرشدُنَا إلَى خِصَالِ النَبيّ الأعظَمِ وشَمَائِلِه
,والتي بِهَا اصطَفَاه اللهُ , تَعَالَى , عَلَى جَميعِ خَلْقِه , فَاختَارَه سَيّداً للأنبيَاءِ ورُسَلِه .
قَالَ أميرُ المُؤمنين فِي نَهجِ البَلاغَةِ فَهو إمَامُ مَن اتَقَى وبَصيرَةُ مَن اهتَدَى , سِرَاجٌ لَمَعَ ضَوئُه ,وشِهَابٌ سَطعَ نُورُه ،
وزَندٌْ بَرَقَ لَمعُه , سِيرَتُه القَصَدُ وسُنَته الرِشدُ , وكَلامُه الفَصْلُ , وحُكمُه العَدلُ , أرسلَه عَلَى حَينِ فَترَةٍ مِن الرُسلِ ،
وهَفوةٍ عَن العَمَلِ ، وغَبَاوةٍ مِن الأُمَمِ) ,
ثُمّ يَصِفُ أميرُ المُؤمنين حَالَ النّاسِ قَبلَ بِعثَتِه إلَيهم ,:
(بَعَثَه والنّاسُ ضُلاّلٌ فِي حَيرَةٍ , وخَابطون فِي فتنةٍ , قد استَهوَتْهم
الأهوَاءُ ، واستزلتْهم الكبرياءُ ، واستخفتهم الجَاهِليّةُ الجَهلاءُ ,حَيَارَى فِي زِلزَالٍ مِن الأمرِ ، وبَلاءٍ مِن الجَهلِ ,
فَبَالغَ, صَلَى اللهُ عَليه وآلِه , فِي النَصيحَةِ ، ومَضَى عَلَى الطَرِيقَةِ ، ودَعَا إلَى الحِكمَةِ والمَوعِظَةِ الحَسنَةِ)
فَوصَفَ , عَليه السَلامُ, مَا كَانَ سَبَباً في ضَيَاعِ النّاسِ وتَخبُّطِهم قَبل البِعثَةِ , مِن غَلَبَةِ الأهوَاءِ وتَفَشّي الفَسَادِ وظُهورِ الفِتَنِ ,
والحروبِ والصِرَاعَاتِ ,واتّسَاعِ عَوامِل الشَرِ , ومَا أفرَزَتُه عَوَامِلُ التَكَبُّرِ والغرورِ لَدَى المُستكبرين,
وقَد قَابَلَ , صَلى اللهُ عَليه وآلِه وسَلّم, تلكَ الأوضَاعَ والظروفَ المُعَقّدَةَ , بِمَا تَحمِلَه نَفسه الشَريفةُ مِن عَطفٍ ورَحمَةٍ
وبَذَلَ كُلَّ مَا بِوسعِه مِن نَصيحَةٍ , لإصلاحِ النّاسِ ودَعَوةٍ بالحِكمَةِ والمَوعِظَةِ الحَسنَةِ وبأسلُوبٍ عُقلائي واحترامٍ للآخرين ,وبِلا مَلَلٍ ,
وكَانَ يَتَعَامَلُ مَعهم كالأبِ الرَحيمِ والحَنونِ , طَلبَاً لهدايتهم , فَكانَتْ ثِمَارُ هَذِهِ الدَعوَةِ الحَسنَةِ والأسلُوبِ الحَكيمِ أنْ :
(قد صُرِفَتْ نحوه أفئِدَةُ الأبرَارِ ، وثُنيَتْ إليه أزمةُ الأبصَارِ , دُفِنَ به الضَغائنُ , وأُطفِأ به الثَوائِرُ , ألفّ به إخواناً ،
وفَرّقَ به أقرَاناً , أعَزّ به الذِلَة ، وأذَلّ به العِزَة)
, فَقَد استَطَاعَ بِحكمَتِه ومَوعِظَتِه الحَسنَةِ ,وخُلُقِه وأدَبِه ,الذي استَقطَبَ القُلوبَ وخَطفَ الأبصَارَ والأفئدةَ,
وأنْ يَنصَرِفَ بِتلكَ الأفئدَةِ نحو المَهمّةِ الإلهيّةِ , وتَميلُ إليه النُفوسُ , وتَنقَادُ إليه طَوعَاً ,
واستَطَاعَ بأدَبِه وشَفَقتِه ورَحمَتِه وحِكمَتِه الرَبَانيّةِ ,وعُلومه الإلهيّةِ , أنْ يُطفأَ نَارَ الفِتَنِ والعِدوَانِ ,.
الأمرُ الثَانِي:
___________
فِي هَذه الأيَامِ السَعيدَةِ بِذكرَى المَولِدِ النَبويّ الشَريفِ , تَتَوَاصَلُ قُوّاتُنَا الأمنيّةُ بِمُخَتَلَفِ صِنفوهِا
ومَن يُسَانِدُهم مِن المُتَطَوعِين الأبطَالِ , ورِجَالِ العَشَائِرِ الغَيَارَى ,
تَتَحَقّقُ مَلاحِمُ المَجْدِ والكَرَامَةِ والعِزّةِ فِي جَبَهَاتِ القِتَالِ مَعَ الإرهَابيين الدّواعِشِ ,
ومَا ذَلك إلاّ بصَبرِ وصِمودِ وثَبَاتِ هَذه القُوّاتِ وعَزمِهَا عَلَى تَحقيقِ النَصرِ النِهَائِي عَلَى العَدّوِ.
وإذا كَان لَنَا أنْ نَصِفَ رِجَالاً فِي هَذَا العَصرِ بِأنّهٌم صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيه وبَاعُوا أنفسَهٌم لَه ,عَزّ وجَلّ ,
وقَاتَلوا فِي سَبيلِه , فَمِنهُم مَن قُتِلَ ومِنهُم مَن يَنتَظرُ ومَا بَدّلوا تَبدِيلا ,
فَهُم هَؤلاءِ المُقَاتِلون , الذين افتَرَشوا الرِمَالَ فِي الصَحرَاءِ القَاسِيّةِ بِبَردِهَا , حَامِلين أروَاحَهُم عَلَى أكفِّهم ,
لِيَحفِظوا لِلإسلامِ أصَالته وجَوهَره , ولِلوَطنِ كَرَامَته وعِزّته ولِيصونوا أعراضَه , فَهنيئاً لَهم هَنيئَا ,
هَذا التوفيقُ الإلهيّ والتسديدُ لِلسَيرِ عَلى خُطَى النَبيّ الأكرمِ , ونَهجِ القُرآنِ الكريمِ , بِجِهَادِهم وتَضحيَاتِهم وبُطولاتِهم.
الأمرُ الثَالِثُ:
_________
إنَّ مُقتَضَى صِدقِ الانتِمَاءِ لِلنَبيّ الأعظمَِ والإحيَاءِ الحَقيقي لِمُنَاسبَةِ مِيلادِه المُبارَكِ , أنْ نُحييهَا فِي قُلوبِنَا
قَبل أنْ نُحييهَا في مَجَالِسِنَا ,
وأنْ نَتذَكّرَ خِصَاله مِن الرحمَةِ والعَطفِ والشَفقَةِ فِي نِفوسِنَا قَبلَ أنْ نَذكرَهَا بألسنتِنَا وأقلامِنَا ,
ولقد سُعِدنَا واستبشرنَا خَيراُ بالمَجَالسِ المُحتَفِلَةِ مِن مُختَلَفِ الطَوائفِ ,
ولكن أمَلنَا أنْ تَتَلاَقَى القُلوبُ قبل أنْ تَجتَمِعَ الأجسَامُ , وأنْ تَتصَافَحَ المَشَاعِرُ النَبيلةُ قبل أنْ تَتصَافِحَ الأيدي ,
وكَفَانَا بِبَلدِنَا العرَاق, الغَني بِفكرِه وحَضَارتِه وثَروتِه ,ما عَانينا مِن صِرَاعَاتٍ ومَآسٍ , ولِنبَدَأُ صَفحَةً جَديدَةً ,
نَأخذُ فيها مِن مَنهجِ النَبي الأعظَمِ , ومُلئُها المَحبَةُ والسَلامُ , يَحترِمُ فيها بَعضنا البَعضَ الآخرَ , ويَفيء له بِحقوقِه,
ويُراعِي مُقتَضَيَاتِ التَعايشِ السّلمِي مَعَه.
إنّمَا يَشهده عَالَمُنا الإسلامي في هذا الوَقتِ مِن حروبٍ وصِرَاعَاتٍ , أزهَقَتْ مِئَاتِ الآلافِ مِن الأبريَاءِ ,
وشَرّدَتْ المَلايينَ مِن بُلدَانِنَا ودَمّرَتْ الكثيرَ مِن المُدنِ وخربتها ,هو أمرٌ يَدعو للخَجَلِ , لا للحُزنِ والأسَى وحَسب ,
الخَجَلُ مِن اللهِ تَعَالى , ومِن رَسولِه ,ومِن إنسانيتنا ,
أنْ يَبلَغَ الحَالُ بِهَذِهِ الأمةِ المَفجوعَةِ أنْ يُقَاتِلَ بَعضهم البَعضَ وتَمتَلئَ القُلوبُ بالكَراهيّةِ تِجَاه الآخرِ ,و لا يَتوانونَ فِي ذَلِكَ.
حَقّاً إنّه أمرٌ يَدعو للخَجَلِ , ومَا وصلَ إليه عَالمنا الإسلامي ,حتى صَار حَاضِرُه ومُستقبُله تَتَحَكّمُ به مَصَالحُ وأطمَاعُ الآخرين,
وبَعد أنْ كانَ مَصدَرَاً لِلخيرِ والرَحمَةِ والازدهَارِ لِشعوبِ العَالمِ ,أصبحَ مَحَلاًّ لِصرَاعَاتِ الاستعلاءِ والطمَعِ .
ولا حَولَ ولا قُوّةً إلاّ باللهِ العَلي العَظيمِ , ربّنا آمِنِّا مِن الفِتَنِ ونَجِّنَا مِن المِحَنِ واعمر بالإيمَانِ قُلوبنَا.
____________________________________________
تَدْوينُ – مُرتَضَى عَلي الحِليّ –
____________________________________________
الجُمعَةُ – السَادِسُ عَشَر مِن رَبيعٍ الأوّلِ - 1438, هجري .
السَادِسُ عَشَر مِن كانونٍ الأوّلِ - 2016 م .
___________________________________________
المُوافقَ ,لِ, السَادِس عَشَر مِنْ كانونِ الأوّلِ ,2016م ,
وعلى لِسَانِ , وَكيلِها الشَرعي , الشَيخ عَبد المَهْدي الكَربَلائي,خَطيبِ , وإمَامِ الجُمعَةِ فِي الحَرَمِ الحُسَيني المُقَدّسِ :
وبِمُنَاسبَةِ ذِكْرَى وِلادَةِ النَبيِّ الأكرَمِ مُحَمّدٍ , صَلَى اللهُ عَلَيه وآلِه وسَلّم, أمورَاً ثَلاثَةً :
الأمرُ الأوَّلُ :
________
ونَحنُ نَعيشُ ذِكرَى وِلادَةِ الرَسولِ الأكرَمِ , صَلى اللهُ عَلَيه وآلِه وسَلّمِ , وحَفيدِه الإمَامِ جَعفرِ الصَادِقِ , عَلَيه السَلامُ,
فَلنَستَضِيءُ بِكَلِمَاتِ سَيّدِ البُلَغَاءِ , الإمَامِ عَليِ ,أميرِ المُؤمنين , عَلَيه السَلامُ, لِيَرشدُنَا إلَى خِصَالِ النَبيّ الأعظَمِ وشَمَائِلِه
,والتي بِهَا اصطَفَاه اللهُ , تَعَالَى , عَلَى جَميعِ خَلْقِه , فَاختَارَه سَيّداً للأنبيَاءِ ورُسَلِه .
قَالَ أميرُ المُؤمنين فِي نَهجِ البَلاغَةِ فَهو إمَامُ مَن اتَقَى وبَصيرَةُ مَن اهتَدَى , سِرَاجٌ لَمَعَ ضَوئُه ,وشِهَابٌ سَطعَ نُورُه ،
وزَندٌْ بَرَقَ لَمعُه , سِيرَتُه القَصَدُ وسُنَته الرِشدُ , وكَلامُه الفَصْلُ , وحُكمُه العَدلُ , أرسلَه عَلَى حَينِ فَترَةٍ مِن الرُسلِ ،
وهَفوةٍ عَن العَمَلِ ، وغَبَاوةٍ مِن الأُمَمِ) ,
ثُمّ يَصِفُ أميرُ المُؤمنين حَالَ النّاسِ قَبلَ بِعثَتِه إلَيهم ,:
(بَعَثَه والنّاسُ ضُلاّلٌ فِي حَيرَةٍ , وخَابطون فِي فتنةٍ , قد استَهوَتْهم
الأهوَاءُ ، واستزلتْهم الكبرياءُ ، واستخفتهم الجَاهِليّةُ الجَهلاءُ ,حَيَارَى فِي زِلزَالٍ مِن الأمرِ ، وبَلاءٍ مِن الجَهلِ ,
فَبَالغَ, صَلَى اللهُ عَليه وآلِه , فِي النَصيحَةِ ، ومَضَى عَلَى الطَرِيقَةِ ، ودَعَا إلَى الحِكمَةِ والمَوعِظَةِ الحَسنَةِ)
فَوصَفَ , عَليه السَلامُ, مَا كَانَ سَبَباً في ضَيَاعِ النّاسِ وتَخبُّطِهم قَبل البِعثَةِ , مِن غَلَبَةِ الأهوَاءِ وتَفَشّي الفَسَادِ وظُهورِ الفِتَنِ ,
والحروبِ والصِرَاعَاتِ ,واتّسَاعِ عَوامِل الشَرِ , ومَا أفرَزَتُه عَوَامِلُ التَكَبُّرِ والغرورِ لَدَى المُستكبرين,
وقَد قَابَلَ , صَلى اللهُ عَليه وآلِه وسَلّم, تلكَ الأوضَاعَ والظروفَ المُعَقّدَةَ , بِمَا تَحمِلَه نَفسه الشَريفةُ مِن عَطفٍ ورَحمَةٍ
وبَذَلَ كُلَّ مَا بِوسعِه مِن نَصيحَةٍ , لإصلاحِ النّاسِ ودَعَوةٍ بالحِكمَةِ والمَوعِظَةِ الحَسنَةِ وبأسلُوبٍ عُقلائي واحترامٍ للآخرين ,وبِلا مَلَلٍ ,
وكَانَ يَتَعَامَلُ مَعهم كالأبِ الرَحيمِ والحَنونِ , طَلبَاً لهدايتهم , فَكانَتْ ثِمَارُ هَذِهِ الدَعوَةِ الحَسنَةِ والأسلُوبِ الحَكيمِ أنْ :
(قد صُرِفَتْ نحوه أفئِدَةُ الأبرَارِ ، وثُنيَتْ إليه أزمةُ الأبصَارِ , دُفِنَ به الضَغائنُ , وأُطفِأ به الثَوائِرُ , ألفّ به إخواناً ،
وفَرّقَ به أقرَاناً , أعَزّ به الذِلَة ، وأذَلّ به العِزَة)
, فَقَد استَطَاعَ بِحكمَتِه ومَوعِظَتِه الحَسنَةِ ,وخُلُقِه وأدَبِه ,الذي استَقطَبَ القُلوبَ وخَطفَ الأبصَارَ والأفئدةَ,
وأنْ يَنصَرِفَ بِتلكَ الأفئدَةِ نحو المَهمّةِ الإلهيّةِ , وتَميلُ إليه النُفوسُ , وتَنقَادُ إليه طَوعَاً ,
واستَطَاعَ بأدَبِه وشَفَقتِه ورَحمَتِه وحِكمَتِه الرَبَانيّةِ ,وعُلومه الإلهيّةِ , أنْ يُطفأَ نَارَ الفِتَنِ والعِدوَانِ ,.
الأمرُ الثَانِي:
___________
فِي هَذه الأيَامِ السَعيدَةِ بِذكرَى المَولِدِ النَبويّ الشَريفِ , تَتَوَاصَلُ قُوّاتُنَا الأمنيّةُ بِمُخَتَلَفِ صِنفوهِا
ومَن يُسَانِدُهم مِن المُتَطَوعِين الأبطَالِ , ورِجَالِ العَشَائِرِ الغَيَارَى ,
تَتَحَقّقُ مَلاحِمُ المَجْدِ والكَرَامَةِ والعِزّةِ فِي جَبَهَاتِ القِتَالِ مَعَ الإرهَابيين الدّواعِشِ ,
ومَا ذَلك إلاّ بصَبرِ وصِمودِ وثَبَاتِ هَذه القُوّاتِ وعَزمِهَا عَلَى تَحقيقِ النَصرِ النِهَائِي عَلَى العَدّوِ.
وإذا كَان لَنَا أنْ نَصِفَ رِجَالاً فِي هَذَا العَصرِ بِأنّهٌم صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيه وبَاعُوا أنفسَهٌم لَه ,عَزّ وجَلّ ,
وقَاتَلوا فِي سَبيلِه , فَمِنهُم مَن قُتِلَ ومِنهُم مَن يَنتَظرُ ومَا بَدّلوا تَبدِيلا ,
فَهُم هَؤلاءِ المُقَاتِلون , الذين افتَرَشوا الرِمَالَ فِي الصَحرَاءِ القَاسِيّةِ بِبَردِهَا , حَامِلين أروَاحَهُم عَلَى أكفِّهم ,
لِيَحفِظوا لِلإسلامِ أصَالته وجَوهَره , ولِلوَطنِ كَرَامَته وعِزّته ولِيصونوا أعراضَه , فَهنيئاً لَهم هَنيئَا ,
هَذا التوفيقُ الإلهيّ والتسديدُ لِلسَيرِ عَلى خُطَى النَبيّ الأكرمِ , ونَهجِ القُرآنِ الكريمِ , بِجِهَادِهم وتَضحيَاتِهم وبُطولاتِهم.
الأمرُ الثَالِثُ:
_________
إنَّ مُقتَضَى صِدقِ الانتِمَاءِ لِلنَبيّ الأعظمَِ والإحيَاءِ الحَقيقي لِمُنَاسبَةِ مِيلادِه المُبارَكِ , أنْ نُحييهَا فِي قُلوبِنَا
قَبل أنْ نُحييهَا في مَجَالِسِنَا ,
وأنْ نَتذَكّرَ خِصَاله مِن الرحمَةِ والعَطفِ والشَفقَةِ فِي نِفوسِنَا قَبلَ أنْ نَذكرَهَا بألسنتِنَا وأقلامِنَا ,
ولقد سُعِدنَا واستبشرنَا خَيراُ بالمَجَالسِ المُحتَفِلَةِ مِن مُختَلَفِ الطَوائفِ ,
ولكن أمَلنَا أنْ تَتَلاَقَى القُلوبُ قبل أنْ تَجتَمِعَ الأجسَامُ , وأنْ تَتصَافَحَ المَشَاعِرُ النَبيلةُ قبل أنْ تَتصَافِحَ الأيدي ,
وكَفَانَا بِبَلدِنَا العرَاق, الغَني بِفكرِه وحَضَارتِه وثَروتِه ,ما عَانينا مِن صِرَاعَاتٍ ومَآسٍ , ولِنبَدَأُ صَفحَةً جَديدَةً ,
نَأخذُ فيها مِن مَنهجِ النَبي الأعظَمِ , ومُلئُها المَحبَةُ والسَلامُ , يَحترِمُ فيها بَعضنا البَعضَ الآخرَ , ويَفيء له بِحقوقِه,
ويُراعِي مُقتَضَيَاتِ التَعايشِ السّلمِي مَعَه.
إنّمَا يَشهده عَالَمُنا الإسلامي في هذا الوَقتِ مِن حروبٍ وصِرَاعَاتٍ , أزهَقَتْ مِئَاتِ الآلافِ مِن الأبريَاءِ ,
وشَرّدَتْ المَلايينَ مِن بُلدَانِنَا ودَمّرَتْ الكثيرَ مِن المُدنِ وخربتها ,هو أمرٌ يَدعو للخَجَلِ , لا للحُزنِ والأسَى وحَسب ,
الخَجَلُ مِن اللهِ تَعَالى , ومِن رَسولِه ,ومِن إنسانيتنا ,
أنْ يَبلَغَ الحَالُ بِهَذِهِ الأمةِ المَفجوعَةِ أنْ يُقَاتِلَ بَعضهم البَعضَ وتَمتَلئَ القُلوبُ بالكَراهيّةِ تِجَاه الآخرِ ,و لا يَتوانونَ فِي ذَلِكَ.
حَقّاً إنّه أمرٌ يَدعو للخَجَلِ , ومَا وصلَ إليه عَالمنا الإسلامي ,حتى صَار حَاضِرُه ومُستقبُله تَتَحَكّمُ به مَصَالحُ وأطمَاعُ الآخرين,
وبَعد أنْ كانَ مَصدَرَاً لِلخيرِ والرَحمَةِ والازدهَارِ لِشعوبِ العَالمِ ,أصبحَ مَحَلاًّ لِصرَاعَاتِ الاستعلاءِ والطمَعِ .
ولا حَولَ ولا قُوّةً إلاّ باللهِ العَلي العَظيمِ , ربّنا آمِنِّا مِن الفِتَنِ ونَجِّنَا مِن المِحَنِ واعمر بالإيمَانِ قُلوبنَا.
____________________________________________
تَدْوينُ – مُرتَضَى عَلي الحِليّ –
____________________________________________
الجُمعَةُ – السَادِسُ عَشَر مِن رَبيعٍ الأوّلِ - 1438, هجري .
السَادِسُ عَشَر مِن كانونٍ الأوّلِ - 2016 م .
___________________________________________
تعليق