إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الثوابت الأربعة في ثورة الإمام الحسين عليه السلام

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الثوابت الأربعة في ثورة الإمام الحسين عليه السلام

    بسم الله الرحمن الرحيم
    حتميّة الشهادة:من أبرز سمات ثورة الإمام الحسين عليه السلام الدعوة إلى الشهادة‌، والاستماتة في سبيل الله، ولم يزل الحسين عليه السلام منذ أن غادر مكّة إلى العراق‌، إلى يوم عاشوراء، يؤكّد لمَن يلقاه‌، ولمَن يصحبه أن‌ّ سبيله وسبيل ‌مَن يصحبه الموت‌.ومهما شك‌ الإنسان في شأن من شؤون هذه الثورة الفريدة في التاريخ فلن يشك‌ أن‌ الحسين كان ينعى نفسه إلى الناس في خروجه إلى العراق‌، وكان يعلن إلى الناس أن‌ سبيل مَن يخرج معه الشهادة لا محالة‌، وأن‌ مَن يخرج معه لن تتخطّاه الشهادة‌.روى أصحاب السير أن‌ّ الحسين عليه السلام لمّا أراد الخروج إلى العراق قام خطيباً فقال‌: "خُط‌ّ الموت على ولد آدم مخط‌ّ القلادة على جيد الفتاة‌، وما أولهني إلى أسلافي ‌اشتياق يعقوب إلى يوسف‌، وخير لي مصرع أنا لاقيه".
    والإمام عليه السلام في هذه الخطبة ينعى نفسه إلى الناس‌، ويفتح خطابه للناس بالتعريف على الموت‌.ثم يدعو الناس إلى الخروج معه‌، ويطلب منهم مهجهم وأن يوطّنوا أنفسهم في الخروج معه للقاء الله.".. من كان باذلاً فينا مهجته‌، موطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا، فإنّي راحل مصبحاً إن شاء الله".لقد كان الحسين عليه السلام يرى أن لا سبيل له للقضاء على فتنة بني أميّة التي طالت هذا الدّين وهذه الأمّة إلّا بقتله وقتل مَن معه من أهل بيته وأصحابه‌، وكان يعرف هذه الحقيقة بوضوح‌، ولم يكن يشك‌ّ في ذلك‌. وهذا ما كان ‌يخفى على أولئك النفر الذين كانوا ينصحون الحسين عليه السلام إلّا يغترّ بكتب‌أهل العراق ودعوتهم له- ولم يكن بوسع الحسين عليه السلام أن يفصح لهم عمّا يراه ويعرفه‌.وآخر مرّة أعلن الحسين عليه السلام لأهل بيته وأصحابه أن مآلهم الشهادة ‌ليلة العاشر من محرّم‌، جمع الحسين عليه السلام أصحابه وخطب فيهم‌، وأحلّهم من بيعته وقال لهم‌: "ذروني وهؤلاء القوم فإنّهم لا يطلبون غيري‌، ولو أصابوني وقدروا على قتلي لما طلبوكم‌".فلمّا توثّق من عزمهم على الشهادة معه قال لهم‌:"إنّكم تقتلون غداً، كذلك‌، لا يفلت منكم رجل قالوا: الحمد
    الله الذي شرّفنا بالقتل معك".أجل‌، إن‌ّ مَن يقرأ سيرة الحسين من المدينة إلى كربلاء من دون مسبقات ذهنيّة لا يشك‌ في أن‌ الحسين عليه السلام لم يكن يطمع في مسيرته هذه بالحكم و السلطان‌، ولم يكن يتوقع في هذه المسيرة غير القتل والسبي له ولمَن معه من أنصاره ولأهل بيته وحرمه ونسائه‌.ولم يكن العبادلة الأربعة‌: (عبد الله بن مسعود، عبد الله بن عباس‌، وعبد الله بن عمر، وعبد الله ابن الزبير) الذين نصحوا الحسين بالإعراض‌عن العراق أعرف من الحسين وأخبر منه بحال العراق وحال الناس في‌العراق في هذه الفترة‌.وهذه السمة كما ذكرت هي أبرز معالم عاشوراء وسماتها، وإلغاء هذه السمة هو تجريد عاشوراء من قيمتها التاريخية الكبيرة‌. حتمية الفتح‌:
    والإمام عليه السلام يقرر هنا هذه الثابتة الثانية‌، بنفس الدرجة من ‌الجزم الذي يقرر به الثابتة الأولى، وهي مفهوم الجملة الثانية "ومَن لم يلحق بي لم يدرك الفتح".ولهذه الجملة منطوق وهو واضح, ومفهوم‌وهو أن‌ من لحق به أدرك‌الفتح‌، ولا يقل‌ المفهوم في الوضوح عن المنطوق‌..
    إن‌ الإمام عليه السلام لا يريد بالفتح هنا الفتح العسكري الميداني‌، ولا يمكن أن يريد به هذا المعنى الذي يطلبه القادة العسكريون في حروبهم‌. إذاً الإمام عليه السلام يريد بالفتح معنى آخر، أقرب إلى المفاهيم الحضارية منه إلى المفاهيم العسكرية‌. إن‌ الإمام عليه السلام يجد أن بني أمية قد عملوا على استعادة الجاهلية إلى الإسلام بأفكارها وقيمها، وحتى المواقع السياسية والاجتماعية التي حررها الإسلام من نفوذ الجاهلية‌، استعادها بنو أمية إلى ‌دائرة نفوذهم من جديد، واحتلوا مواقع السلطة والنفوذ والمال في المجتمع الإسلامي الجديد..وقد تحولت هذه المواقع اليوم بكل نفوذها إلى أيدي بني أمية دون أن يكون قد حصل تغيير جوهري في أفكار بني أمية ومواقفهم‌.لقد واجه الحسين عليه السلام كارثة بالمعنى الدقيق‌، حلت بهذا الدين‌، وبهذه ‌الأمة‌.وكان هم‌ الحسين عليه السلام في هذه المرحلة الحساسة من التاريخ:أ - إلغاء الشرعية وسلب الصفة الشرعية عن دولة بني أمية‌، وهذا العمل كان أعظم ما قام به الحسين عليه السلام في هذه الثورة‌، ونجح الحسين عليه السلام في ذلك نجاحاً كاملاً، وقد دام حكم بني أمية بعد الحسين عليه السلام زمناً طويلاً، غير أن‌ بني أمية لم يعد
    لهم في نظر المسلمين بعد وقعة الطف موقع الشرعية الدينية في الحكم‌، بعنوان خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإمرة المؤمنين‌، وإن كانوا يسمون أنفسهم بهذه أو تلك‌، وكانوا في نظر عامة المسلمين حكاماً زمنيين ملكوا الحكم عنوة‌، و"بالعنف"، ولم يكن لهم شأن مثل شأن الخلفاء من قبلهم إلى ولاية الإمام الحسن عليه السلام بعد أبيه عليه السلام، ولم يأخذ الناس عنهم دينهم كما كانوا يأخذون عن الخلفاء من قبلهم‌. ولم تعد لموقع الخلافة القدسية التي ‌كانت لها قبل وقعة عاشوراء.ب- إعادة روح الجهاد والمسؤولية والمقاومة إلى الناس‌، لقد سلب بنو أمية فيما سلبوا إرادة الناس‌، فأصبح ‌الناس‌، تبعاً لآل أمية‌، لا رأي لهم‌، ولا عزم لهم‌، ولست أدري‌ماذا فعل بنو أمية‌، خلال السنوات التي حكم فيها معاوية بن أبي سفيان وابنه يزيد بن‌معاوية‌, حتى أحضر عبيد الله بن زياد رأس الحسين عليه السلام ابن بنت رسول الله في مجلس عام في قصره‌، قد أذن للناس فيه فينكث شفتي ابن رسول الله بخيزرانة كانت بيده‌، فلم ينكر عليه أحد غير زيد بن أرقم‌, الذي كان يحضر عندئذ هذا المجلس‌، وعبد الله بن عفيف الذي سمع من ابن زياد كلامه في علي‌ عليه السلام والحسين عليه السلام وأهل بيته‌، فأغضبه ذلك‌، فسب‌ ابن زياد وشتمه على رؤوس الناس وأسخطه وأغضبه‌، وأهانه‌.
    ولم يذكر المؤرخون غيرهما مَن اعترض على ابن زياد..والحركة التي يقدم عليها الحسين عليه السلام تستجمع كل الشروط التي يطلبها الله تعالى من عباده ليهبهم النصر وهي‌: الإيمان‌، والإخلاص‌، والتقوى‌، والجهاد في سبيل الله.ولم يشك‌ الحسين عليه السلام لحظة واحدة أن‌ الله تعالى ينصره في هذه الحركة‌، وأن‌ النصر لن يُخطئه وهذه هي الحتمية الثانية في هذه الحركة‌.3- العلاقة بين الفتح والشهادة:وهي القضية الثالثة في القضايا الأربع التي يتضمنها كتاب الحسين عليه السلام. وهذه الحتمية نستخرجها من ضم‌ الحتميتين الأولى والثانية‌.ففي القضية الأولى: يخبر الإمام عن استشهاد كل مَن يخرج معه إلى العراق‌.وفي القضية الثانية: يعلن الإمام أن‌ الذين يخرجون معه‌، فقط ينالون الفتح‌.والنتيجة التي نستخرجها من ضم‌ هاتين القضيتين‌: أن‌ الذين يخرجون مع الحسين عليه السلام ينالون الفتح بالشهادة‌. ولا يتيسر لنا فهم هذه النقطة إلا إذا فسرنا (الفتح‌) على النهج الذي فسرناه به, عندئذٍ تستقيم لنا العلاقة بين الفتح والشهادة‌.
    فإن‌ هذا الفتح لن يكون إلا بفتح الضمائر والقلوب والعقول‌، وتحرير عقول الناس ونفوسهم من سلطان التبعية لبني أمية‌، وتحرير الإسلام من ‌حركة التحريف والتشويه التي تجري في حضور السلاطين باسم الإسلام‌، ومن خلال موقع خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولن يتم‌ هذا الفتح إلا إذا تيسر لهؤلاء النفر الذين يخرجون مع الحسين عليه السلام من فتح نفوسهم وعقولهم وضمائرهم وتحريرها من سلطان بني أمية‌، ومن فتح الشرعية الإسلامية للخلافة وتحريرها من نفوذ بني أمية‌.ولن يتم‌ لهم هذا وذاك إلا بدم غزير وعزيز يهز ضمائر الناس هزاً عنيفاً، ويعيدهم إلى أنفسهم ووعيهم ورشدهم‌.وهذا هو الذي يقرره الإمام عليه السلام في هذا الكتاب الذي وجهه إلى محمد بن الحنفية‌: إن‌ هذا الفتح لن يتم لمن يخرج معه إلا بالقتل والشهادة.4- إن هذا الفتح لن يتكرر في التاريخ:وهذه هي الحتمية الرابعة في كتاب الحسين عليه السلام إلى محمد بن الحنفية وبني هاشم‌. يقول عليه السلام: "ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح" وهذا الكلام صريح فيما ذكرناه‌.إن‌ هذا الفتح الذي أجراه الله على يد الحسين عليه السلام وأنصاره لن يتكرر مرة أخرى في التاريخ‌.إن‌ في التاريخ نوعين من الأحداث‌: أحداث تتكرر كالحرب‌،
    والسلم‌، والمجاعات وفترات الرفاه‌، وفترات الضعف وفترات القوة‌، والهزيمة ‌والنصر وما إلى ذلك, وأحداث لن تتكرر، ولن تقع إلا مرة واحدة‌، فمَن أدركها فقد أدركها، ومَن لم يدركها فلن تعود بعد ذلك‌..والأحداث التي لن تتكرر في التاريخ على نحوين‌: فتوح لا سقوط بعدها، وسقوط لا فتوح بعده‌.وفتح (عاشوراء) فتح ليس بعده سقوط‌.. وهذا هو الذي يقرره الحسين عليه السلام في كتابه الذي نتحدث عنه‌. فيا ترى ما هذا الفتح الذي ليس بعده فتح‌؟وكيف يصح‌ مثل هذا القول‌، وقد تكررت بعده هزائم وانتكاسات ومصائب على المسلمين‌، وتكررت بعدها فتوحات وانتصارات كبيرة للمسلمين‌؟والجواب‌: أن‌ هذه الهزائم والانتكاسات حصلت للإسلام وللمسلمين بعد أن خرج الإسلام من مضايق التاريخ وتجاوزها، وانتشر على وجه الأرض, فلم تعد لهذه الأحداث خطر على كيان الإسلام‌..وفتنة بني أمية كانت من هذا النوع‌، لقد استحوذ بنو أمية على كل‌ المساحة الإسلامية‌، وعلى كل مواقع القوة والنفوذ في ‌المجمع الإسلامي‌, وذلك من خلال موقع الشرعية السياسية‌، وهو موقع خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان من هذا الموقع يأخذ الناس
    الحلال والحرام في هذا الدين‌، فعمل بنو أمية على تحريف هذا الدين من هذا الموقع بالذات‌.ولو كان الأمر يستقيم لهم لم يبق من الإسلام إلا الاسم‌، وكان الأمر كما قال الحسين عليه السلام لوالي المدينة يوم دعاه إلى مبايعة يزيد بعد موت معاوية‌: "وعلى الإسلام السلام إذا بُلي المسلمون بوال مثل يزيد".وفي عاشوراء استطاع الحسين عليه السلام أن يلغي شرعية الخلافة من آل‌ أمية‌، وبني العباس, فلم يعد بعد ذلك للهوهم وطربهم وإسرافهم وترفهم وظلمهم وعدوانهم خطر على الإسلام‌، مهما بلغ أثره التخريبي في المجتمع الإسلامي يومذاك‌، ولم يعد ينظر المسلمون إلى موقع الخلافة نظرة التقديس والتنزيه والشرعية‌، ولم يعودوا في نظر المسلمين غير حكام من عامة السلاطين‌، والحكام يظلمون ويسرفون كما يسرف غيرهم من السلاطين‌.واستمر حكام بني أمية‌، في موقع الولاية والحكم‌، واحتل‌ هذا الموقع بعدهم حكام بني العباس‌، إلا أن‌ الناس لم يأخذوا قط دينهم عنهم‌، ولم يأخذوا عنهم الحلال والحرام‌، كما كانوا يعملون في أيام الخلفاء الأوائل بعد رسول ‌الله صلى الله عليه وآله وسلم.إذاً كانت عاشوراء فتحاً ليس بعده فتح‌، وقد خص‌ الله تعالى بهذا الفتح الحسين عليه السلام ومن كان معه من أهل بيته من بني ‌هاشم وأصحابه فنالوا هذا الفتح يوم عاشوراء بقتلهم جميعاً معه‌.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X