لطالما نردّد ذكر الصلاة على محمد وآل محمد في كلّ حركاتنا وسكناتنا وفي تسهيل أمورنا، وكلّنا نعرف أنّ الصلاة على محمد وآل محمد تسرّع استجابة الدعاء، ولو أردنا أن نحصي فضلها لاحتجنا إلى صفحات وصفحات، ولكن هناك تساؤلاً يطرح نفسه ألا وهو: ما معنى أن يصلي الله عز وجل على النبيّ المختار صلى الله عليه واله؟ وما هي هذه الصلاة التي نحن نصلّيها؟ وما هو هذا الأمر العظيم الذي أمرنا به الله عز وجل وابتدأ به تعالى؟
يقول صاحب تفسير الأمثل:
(إنّ الله وملائكته يصلّون على النّبيّ).
إنّ مقام النّبي صلى الله عليه واله ومنزلته من العظمة بمكان، بحيث إنّ خالق عالم الوجود، وكلّ الملائكة الموكّلين بتدبير أمر هذا العالم بأمر الله سبحانه يصلّون عليه، وإذا كان الأمر كذلك فضمّوا أصواتكم إلى نداء عالم الوجود هذا، فـ (.يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(/ (الأحزاب:56).
إنّه جوهرة نفيسة لعالم الخلقة، وقد جُعل بينكم بلطف الله، فلا تستصغروا قدره، ولا تنسوا مقامه ومنزلته عند الله وملائكة السماوات.. إنّه إنسان ظهر من بينكم، لكنّه ليس إنساناً عادياً، بل هو إنسان يتلخّص عالم الوجود في وجوده.
وهنا أمور يجب الالتفات إليها:
1. (الصلاة) وجمعها (صلوات)، كلّما نُسبت إلى الله سبحانه فإنّها تعني (إرسال الرحمة)، وكلّما نُسبت إلى الملائكة فإنّها تعني (طلب الرحمة).
2. إنّ التعبير بـ (يصلّون) وهو فعل مضارع يدلّ على الاستمرار، يعني أنّ الله وملائكته يصلّون عليه دائماً وباستمرار صلاة دائمة خالدة.
3. اختلف المفسّرون في الفرق بين (صلّوا) و(سلّموا)، والذي يبدو أنسب للأصل اللغوي للكلمتين، وأوفق لظاهر الآية القرآنية، هو: أنّ (صلّوا) أمر بطلب الرحمة والصلاة على النّبي صلى الله عليه واله، أمّا (سلِّموا) فتعني التسليم لأوامر نبيّ الإسلام الأكرم صلى الله عليه واله، كما ورد في الآية (65) من سورة النساء (..ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)/ (النساء:65).
وكما نقرأ في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام: أنّ أبا بصير سأله فقال: كيف صلاة الله على رسوله؟ فقال: "يا أبا محمد تزكيته له في السماوات العلى. فقلت: قد عرفت صلاتنا عليه، فكيف التسليم؟ فقال: هو التسليم له في الأمور".(1)
أو أن يكون بمعنى (السلام) على النّبيّ صلى الله عليه واله بـ (السلام عليك يا رسول الله) وما أشبه ذلك، والذي يعني طلب سلامة النّبيّ صلى الله عليه واله من الله سبحانه.
وعن علي عليه السلام قال: "قلت: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد".(2)
ومن هذا الحديث تتّضح كيفية الصلاة على النّبيّ صلى الله عليه واله، وكذلك يتّضح معنى (السلام).
وعلى الرغم من أنّ هذين المعنيين للسلام يبدوان مختلفين تماماً، إلّا أنّه يمكن عطفهما وإرجاعهما إلى نقطة واحدة إذا دقّقنا فيهما، وهي: التسليم القولي والفعلي للنبيّ صلى الله عليه واله؛ لأنّ مَن يسلّم عليه ويرجو من الله سلامته، يعشقه ويعرفه كنبيّ مفترض الطاعة.(3)
...............................
(1) بحار الأنوار: ج17، ص19.
(2) بحار الأنوار: ج91، ص86.
(3) تفسير الأمثل ج13، ص222ـ225.
تم نشره في رياض الزهراء العدد96
تعليق