إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

شبهة حديث: «ما زال سرّنا مكتوماً حتى صار في يد ولد كيسان»

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شبهة حديث: «ما زال سرّنا مكتوماً حتى صار في يد ولد كيسان»

    بسم الله الرحمن الرحيم
    إنّ أمر الإمامة التي تدّعي الشيعة أنّها الفيصل بين الإيمان والكفر وأنها أصل النجاة عندهم، قد أحيطت بسرّية بالغة وكتمان شديد من قبل الشيعة، فلو كانت الإمامة أمراً مهماً وصنواً للنبوّة، فلماذا كانت متّسمة بهذا الخفاء، بحيث يتولى نشرها ولد كيسان؟ حيث كشفت بعض نصوصهم أن بداية إذاعة أمر الولاية كان على يد ولد كيسان «ما زال سرّنا مكتوماً حتى صار في يد ولد كيسان»، بل نجدهم قد أخفوا حتى أسماء أئمتهم.



    مرتكزات الشبهة
    لقد ارتكزت هذه الشبهة على الخلط بين مفهوم الإمامة أي ما نسمّيه الإمامة العامة وبين مصداق الإمامة، وهو الشخص الذي يتلبس بهذه الإمامة خارجاً، وهو ما نسمّيه الإمامة الخاصة، هذا أولاً.

    وثانياً: استند في هذه الشبهة إلى مجموعة من الروايات، وحدّد دلالاتها وفق فهمه، ثمّ أسّس على ذلك شبهته. والروايات ما يلي:
    1ـ ما رواه الكليني في الكافي، عن أبي جعفر (ع) قال: «ولاية الله أسرّها إلى جبرائيل، وأسرّها جبرائيل إلى محمد، وأسرهّا محمد إلى علي، وأسرّها علي إلى من شاء الله، ثمّ أنتم تذيعون ذلك، من الذي أمسك حرفاً سمعه؟
    قال أبو جعفر: في حكمة آل داود ينبغي لمسلم أن يكون مالكاً لنفسه مقبلاً على شأنه، عارفاً بأهل زمانه، فاتّقوا الله ولا تذيعوا حديثنا[1]».
    2ـ وكذلك ما رواه الكليني، عن أبي جعفر (ع) قال: «... ولا تبثّوا سرّنا ولا تذيعوا أمرنا[2]».
    3ـ في حديث آخر عن أبي جعفر (ع) قال: «المذيع حديثنا كالجاحد له[3]».
    4ـ وفي رواية: «إنّ أمرنا مستور مقنّع بالميثاق، فمن هتك علينا أذلّه الله[4]».
    5ـ تحدد بعض النصوص إذاعة أمر الولاية على يد طائفة الكيسانية، فتقول: «ما زال سرّنا مكتوماً حتى صار في يد ولد كيسان[5]».
    هذه مجمل الروايات التي نقلها المخالفون والتي أرادوا أن يثبتوا من خلالها سرّية أمر الإمامة وإحاطته بالكتمان.
    فإذن لابدّ من دراسة هذه الروايات، وفهم المراد بالسرية فيها، ثمّ بعد ذلك الحكم بصحّة هذه الدعوى أو بطلانها، فنحاول أن نسلّط الضوء على هذه الروايات بموضوعية دون أن نلوي عنق الروايات بما يتلاءم وما نعتقده من مبدأ.
    الجواب: الإمامة أمر واضح وصريح في الدين الإسلامي
    الإمامة كما مرّ بحثها هي من الاُمور المكمّلة للرسالة المحمدية والمنجزة لوظائفها، وقد بيّنا موقعيتها حسب الفهم الشيعي الذي نعتقد بأنّه هو الفهم الموافق للشريعة، وهذه الإمامة لم تكن سرية كما يزعم المخالفون في شبهتهم، بل هي أمر قد صرّح به النبيّ’ في موارد عديدة وجاء ذلك في كثير من الأحاديث الصحيحة، ومن تلك الموارد:
    1ـ ما صرّح به النبي’ حين دعا عشيرته الأقربين للإسلام، لما نزلت هذه الآية على رسول الله’: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ[6]}، فجاء ذلك مترافقاً مع بدايات الدعوة إلى دين الإسلام.
    وكانت هذه الدعوة في السنة الثالثة من البعثة، وهي المرّة الاُولى التي أظهر فيها الرسول’ الدعوة إلى الإسلام، وشخّص فيها الإمام من بعده وعرّفه للأقربين إليه حين قال النبيّ’ لعلي (ع): «أنت وصيي وخليفتي بعدي[7]». وقد مرّ ذلك مفصلاً في البحوث السابقة.
    فنلاحظ أنّ النبيّ’ قد ذكر الخلافة والإمامة في أوّل يوم دعي فيه إلى التصريح بالدعوة إلى الإسلام، فنعرف حينئذ أن الإمامة جزء مهم من الرسالة النبوية.
    2ـ شرع بعد ذلك رسول الله’ في التصريح بها في مجتمع خاص ولجماعة معيّنة وفي مناسبات عديدة، فهناك الكثير من الأحاديث الصحيحة التي نقلت لنا تؤكّد ذلك، مثل حديث الثقلين المتواتر، الذي ورد ذكره في صحيح مسلم وصحّحه الحاكم والذهبي وابن كثير في تفسيره، وذكره البغوي في المصابيح والألباني في الأحاديث الصحيحة وغيرهم[8] وكذلك حديث المنزلة[9]، وغيرها من الأحاديث التي صرّح النبيّ’ فيها بالإمامة.
    3ـ ثمّ انتقل النبيّ’ إلى مرحلة التصريح لعموم المسلمين، والتي كان فيها لدى النبيّ’ بعض المخاوف؛ لمعرفته بطبيعة المجتمع آنذاك وما يحمله من رواسب جاهلية قد تؤدي بالمجتمع الإسلامي إلى رفض هذا الأمر، لكن الله تعالى أمره بالتصريح ونبذ مخاوفه جانباً {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ[10]} فأعلن رسول الله’ هذا الأمر في حجة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجة، وكان معه من الصحابة والأعراب وممن يسكن حول مكة والمدينة وغيرهم مائة وعشرون ألفاً[11] وهم شهدوا معه حجة الوداع وسمعوا منه حديث الغدير «من كنت مولاه فعلي مولاه» وهذا الحديث في أعلى مراتب الصحة، فضلاً عن كونه متواتراً، كما صرّح بذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء[12]، وابن حجر المكي في الصواعق المحرقة[13]، والفقيه ضياء الدين المقبلي[14] وسوف يأتي بحث ذلك مفصلاً.
    وبهذا يتّضح أن الإمامة هي أمر صريح وجوهري وحيوي بالنسبة للإسلام، فلا يمكن أن يسعى الشيعة لإخفاء الإمامة بهذا المعنى، بحيث يكون الإخفاء والكتمان لهذا المبدأ جزءاً من عقيدتهم، وعليه لابدّ أن يكون الكتمان المذكور في الروايات المروية عن الأئمّة (ع) له معنى آخر، وأن يكون مرتبطاً بموضوع آخر، ولابدّ أن تكون له مبررات موضوعية وفي مقاطع زمنية محددة.

    تفسير روايات الكتمان والسرية
    لكي يتّضح التفسير الصحيح للخوف والكتمان والسرية في الروايات التي تمسّك بها المتخالفون، لابدّ أن نفهم تلك الأحاديث التي صدرت من الأئمّة بلحاظ الفترة الزمنية التي عاشوها، حيث كانت الإمامة والتصريح بها في تلك الفترة يعدّ من الاُمور الحسّاسة والخطيرة والتي تشكل تهديداً لكيانات السلطة الحاكمة آنذاك، فلابدّ عندئذ أن يكون أمر الإمامة في وقته سرياً، وأن يدعوا أئمّة أهل البيت (ع) إلى ضرورة كتمانها، خوفاً على حياتهم من القتل، وكذلك خوفاً على شيعتهم.
    وخير شاهد على ما ندّعي، قول القرطبي الذي يشرح فيه ما جرى على أهل بيت النبوّة من قتل وظلم وسبي وأسر، حين علّق على حديث «هلاك أمتي على يد غلمة من قريش» قائلاً: «وغير خاف ما صدر من الحجاج وسليمان بن عبد الملك وولده من سفك الدماء وإتلاف الأموال وإهلاك الناس بالحجاز والعراق وغير ذلك، وبالجملة فبنو أمية قابلوا وصيّة النبي (صلّى الله عليه وسلّم) في أهل بيته وأمته بالمخالفة والعقوق، فسفكوا دماءهم وسبوا نساءهم وأسروا صغارهم وخرّبوا ديارهم وجحدوا شرفهم وفضلهم واستباحوا لعنهم وشتمهم، فخالفوا رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) في وصيته، وقابلوه بنقيض مقصوده وأمنيته، فوا خجلهم إذا وقفوا بين يديه، ويا فضيحتهم يوم يعرضون عليه[15]»
    وعلّق المناوي بعدما نقل مقالة القرطبي، فقال: «وهذا الخبر من المعجزات[16]» وهذا الحسن البصري لا يذكر اسم علي (ع) خوفاً من القتل، روى المزّي عن الحسن البصري، عن يونس بن عبيد، قال: «سألت الحسن، قلت: يا أبا سعيد إنك تقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وإنك لم تدركه؟ قال: يا بن أخي، لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، ولولا منزلتك منّي ما أخبرتك، إنّي في زمان كما ترى ـ وكان في عمل الحجّاج ـ كلّ شيء سمعتني أقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فهو عن علي بن أبي طالب، غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر علياً[17]».
    وكذلك نجد الشعبي يقول: >ما لقينا من آل أبي طالب؟! إن أحببناهم قتلونا، وإن أبغضناهم أدخلونا النار[18]».
    وينقل لنا الطبري في تاريخه عن المغيرة أنّه قال لصعصعة بن صوحان: «إيّاك أن يبلغني عنك أنّك تعيب عثمان عند أحد من الناس، وإيّاك أن يبلغني عنك أنك تظهر شيئاً من فضل عليّ علانية، فإنك لست بذاكر من فضل عليّ شيئاً أجهله، بل أنا أعلم بذلك، ولكن هذا السلطان قد ظهر، وقد أخذنا بإظهار عيبه للناس، فنحن نَدَع كثيراً ممّا أمرنا به، ونذكر الشيء الذي لا نجد منه بُدّاً، ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا. فإن كنت ذاكراً فضله فاذكره بينك وبين أصحابك في منازلكم سرّاً، وأمّا علانية في المسجد فإنّ هذا لا يحتمله الخليفة لنا[19]».
    بل تجاوز الأمر هذا الحدّ بكثير حتى أصبح الرجل يخشى وهو في المنام ـ في عالم الرؤيا ـ أن يتّهم بالقرب من علي (ع).
    فقد روى الخطيب عن الفتح بن شخرف، قال: «حملتني عيني فنمت، فبينا أنا نائم إذا أنا بشخصين، فقلت للذي يقرب مني: من أنت يا هذا؟ فقال لي: من ولد آدم، قلت: كلّنا من ولد آدم، قلت: فما الذي وراءك؟ قال لي: علي بن أبي طالب، قال: قلت له: أنت قريب منه ولا تسأله؟! قال: أخشى أن يقول الناس إنّي رافضي!».
    إذن أهل البيت (ع) كانوا في أجواء يشاع فيها قتلهم وسفك دمائهم ودماء شيعتهم، ومن البدَهي أن يكون الحديث عن إمامتهم في ذلك الظرف محاطاً بالكتمان والسرّية.


    [1]الكليني، الكافي: ج2 ص224، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

    [2]المصدر نفسه: ج2 ص222.

    [3]المصدر نفسه: ج2 ص370.

    [4]المصدر السابق: ج2 ص227.

    [5]الكليني، الكافي: ج2 ص225، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

    [6]الشعراء: 214.

    [7]في حديث الدار أو حديث الإنذار، دعا رسول الله’ رجال عشيرته إلى وليمة، ودعاهم إلى الإسلام، فعن علي(ع) قال: «لما نزلت هذه الآية: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} فقال: يا علي، إنّ الله يأمرني أن أنذر عشيرتي... قال: فأخذ برقبتي، وقال: إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا». روي هذا الحديث بأسانيد صحيحة، روى أحمد قريباً منه في مسنده: ج1 ص111، ص159، الناشر: دار صادر ـ بيروت. وأخرجه الطبري في تاريخه: ج2 ص63، الناشر: مؤسّسة الأعلمي ـ بيروت. والحافظ النسائي في الخصائص: ص86ـ 87، مكتبة نينوى الحديثة ـ طهران.

    [8]مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص123 ح6119، كتاب الفضائل، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص109، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. ابن كثير، تفسير ابن كثير: ج4 ص122، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. البغوي، مصابيح السنة: ج2 ص522، رقم 2705، الناشر: دار القلم. الألباني، الأحاديث الصحيحة: ج4 ص355، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض.

    [9]كحديث الراية والسفينة والمؤاخاة وحديث تبليغ سورة براءة وحديث سدّ الأبواب وحديث باب حطة وغيرها.

    [10]المائدة: 67.

    [11]سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص: ص58، الناشر: ذوي القربى ـ قم.

    [12]قال الذهبي: «هذا حديث حسن عال جداً، ومتنه متواتر». سير أعلام النبلاء: ج8 ص335، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

    [13]وقال ابن حجر: «إنّه حديث صحيح لا مرية فيه، وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد وطرقه كثيرة جداً، ومن ثمّ رواه ستة عشر صحابياً... ولا التفات لمن قدح في صحته». الصواعق المحرقة: ج1 ص106ـ 107، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

    [14]قال الفقيه ضياء الدين المقبلي: «إن لم يكن هذا معلوماً فما في الدين معلوم» نقله العلاّمة الأميني في كتاب الغدير: ج1 ص307ـ 314، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

    [15]القرطبي، التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة: ص563، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

    [16]المناوي، فيض القدير شرح الجامع الصغير: ج6 ص459، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

    [17]المزّي، تهذيب الكمال: ج6 ص124، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

    [18]ابن قتيبة، عيون الأخبار: مج1 ج2 ص212, تحقيق: لجنة بدار الكتب المصرية, القاهرة, ط2 ـ 1996م.

    [19]الطبري، تاريخ الطبري: ج4 ص144، الناشر: مؤسّسة الأعلمي ـ بيروت. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3 ص430، الناشر: دار صادر ـ بيروت.


المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X