إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

القريةُ الآمنةُ المطمئةُ مَثلُ اللهِ للاعتبارِ بها مَنهَجَاً وسُلُوكَا :

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • القريةُ الآمنةُ المطمئةُ مَثلُ اللهِ للاعتبارِ بها مَنهَجَاً وسُلُوكَا :

    القريةُ الآمنةُ المطمئةُ مَثلُ اللهِ للاعتبارِ بها مَنهَجَاً وسُلُوكَا :
    ________________________________

    لَقَد قَدّمَ سَمَاحَةُ السَيّدِ أحمَد الصَافي , الوكيلِ الشَرعي لِلمَرجَعيّةِ الدينيّةِ الشَريفَةِ ,
    فِي خُطبَةِ الجُمعَةِ الأولَى , اليَوم

    في الحَرمِ الحُسَيني المُقدّسِ ,
    مَجموعَةً مِن المَفاهيمِ القُرآنيةِ فِي وجهَتِهَا الأخلاقيّةِ والاقتصاديّةِ والسُلُوكيّةِ والتَدبيريّةِ ,

    وآثارَ ذلك في المَصيرِ والجزَاءِ,والتي تَمسُُّ واقعَنا الاجتماعِي المُعاصِرِ,تناولتهما الآيتان الشريفتان في سورةِ النَحلِ في قَولِه تَعَالى :

    ((يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112))) , النحل.

    فالآيةُ الأولَى ((يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ))(111),.

    تُؤكّدُ وتَجزِمُ بأنّه لا بُدَّ مِن أنْ يَأتيَ ذلك اليَومُ , وهو اليومُ الذي يُحَاوِلُ الإنسانُ فيه أنَ يَدفَعَ عَن نَفسِه مَا استطاعَ إلى ذلك سَبيلا .

    لأنَّ الأهوالَ التي سيُلاقيها لا تُتَحَمّلُ يَقيناً , و سَيُحاولُ بِكُلِّ حِيلَةٍ وبِكُلِّ قُوّةٍ أنْ يَدفعَ عَن نفسِه مَا سَيَحِلُّ به ,

    وذلك مِن خِلالِ الجِدَالِ عَن نَفسِه ,
    وهَذه حَالةٌ عَامّةٌ للجميعِ , فالبعضُ سَيُجَادِلُ مِن دونِ حُجّةٍ , والآخرُ سَيُظهرُ نفسه بأنّه صَاحِبُ حَقٍّ

    , والمُجَادَلةُ بالنتيجةِ هُناك لا تَنفَعَه ,لأنَّ اللهَ تعَالى يقولُ(( وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ )) ,

    ولنلاحِظ دِقّةَ التعبيرِ القُرآنيِ في هذه الآيةِ الشريفةِ ,وهي أنَّ المُجَادَلةَ لا تُغيِّرُ مِن الواقعِ شيئاً ,

    لأنّه سبحانه وتعَالى يَقولُ :

    ((قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29))), ق,.

    والقرآنُ الكريمُ يُعطي للإنسانِ النتيجةَ مِن أولِّ الأمرِ , ويُخبِرَه ب(( وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ ))

    ,فَلا يَستثني أي نفسٍ مِن هذا اليومِ , وهو يومُ الوفَاءِ ,والجزَاءِ عَلى كُلِّ عَمَلٍ , وكَسبٍ .

    وأنَّ الواقعَ لا يَتبَدّلُ عمّا هو عليه , وإنْ يَرى الإنسَانُ هَولَ الآخرةِ ويُحاولَ أنْ يدفعَ عن نفسه ,.

    ولكنّ اللهَ ليس بظّلامٍ للعبيدِ (( وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ )) ,فاللهُ تعالى لا يَظلمُ أحدَاً وليس مِن صِفاتِه الظُلمُ , وهو غير مُحتاجٌ إليه ,

    إذ مَن يَحتاجُ إلى الظُلمِ ,
    هو الناقصُ ,والذي يَخَافُ أنْ يفوتَه شَيءٌ ,.

    وعندما نتناولُ قضيةَ الظُلمِّ نَجدُ أنَّ الإنسَانَ إمّا أنْ يَظلمَ نفسه أو يَظلمَ الآخرين , وعندما يَقهرُ الإنسانُ نفسَه على الأوضاعِ الدنيّةِ

    والقبيحةِ يكونُ قد ظَلَمَ نفْسَه .

    إنَّ القرآنَ الكريمَ عَرَضَ في بعضِ الحَالاتِ لِضَربِ مَثَلٍ بالقريةِ والمَدينةِ والدّولَةِ , ولا خصوصيةَ للقريةِ في مَا يَقصِدُه

    مِن أغرَاضٍ حَكيمَةٍ ,
    إذ أنّه يَهدفُ إلى بيانِ أنَّ مَا يقدمه مِن أمثلةٍ هي لها علاقةٌ بنا , وتُؤمِنُ لنا طُرقَ الهدايةِ ,.

    قالَ اللهُ تعالى :

    ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112))) , النَحل.

    والقريةُ هنا , يُقصَدُ بها أهلَ القريةِ على نحو المَجَازِ في الإسنادِ كَمَا هو معروفٌ عند أهلِ البلاغةِ واللغةِ ,أو يُقصَدُ بها النّاسُ عَامةً

    وهذه القريةُ المثاليةُ والتي جعلها اللهُ تعالى مثلاً للاعتبارِ بها ,كانتْ في حالةِ استقرارٍ وأمنٍ وأمانٍ و اطمئنانٍ ,.

    وقد رَبطَ القرآنُ الكريمُ بين حَالةِ الاطمئنانِ بذكرِ اللهِ وحالةِ الاستقرارِ ,

    ((الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ))(28)الرعد.

    (( قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي )),(260)البقرة.

    إنَّ مَفهومَ الاطمئنَانِ مهمٌّ جدّاً ,وهو من النعمِ التي يَمُنُّ بها اللهُ على الإنسانِ المُؤمنِ ,

    لذا نَجدُ المؤمنَ مُطمئِنَاً في قَلبِه وعنده سكينةٌ , لِعِلْمه بارتباطِ مَصائرِ الأمورِ بيد اللهِ تعالى ,والذي بيده جَميعُ الأسبابِ ,

    والمُهمُّ أنْ لا يُهزَمُ الإنسانُ في داخلِه نفسيّاً ,وأنْ يعلمَ أنَّ اللهَ تعالى هو مَن يَرزقه , وهو مَن يَختارُ له ما فيه صَلاحُه ومَصلحتُه ,

    وما يُريدُه سبحانه ,
    ولا يكونُ إلاّ ما يُريدُه اللهُ عزّ وجلّ .

    ومَحَلِّ القَصدِ والشَاهدِ في الآيةِ الشريفةِ أنَّ القريةَ كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ , .... من السماءِ ,

    ومن الأرضِ , ومن الشرقِ والغربِ ,.

    فلماذا تَبدّلَ حَالُ هذه القريةِ المثاليّةِ , والحَالُ أنَّ اللهَ هو المُنعمُ والكريمُ واللطيفُ بعبادِه ,.

    وإنّما تبدّلَ هذا الحَالُ لأنَّ المسؤولين في القرية , وعليَّةَ القومِ لم يكونوا بمستوى المسؤوليةِ , فهؤلاءِ لم يتحملوا هذه النعَمَ

    بل حوّلها إلى الكُفرِ ,
    ولم يَكُن أهلُها مِن خِيرَةِ الناس والعُقلاء ,

    وكان عليهم أنْ يلتفتوا إلى هذه النِعَمِ حتى لا تنفرُ , والنعمُ تحتاجُ إلى الشكرِ , لا في اللسانِ فحسبِ ,

    بل بالعملِ وتفقدِ أحوالِ الآخرين ,
    وفي ما يرضي اللهَ تعالى ,.

    وللأسفِ لم تَكُن هذه القريةُ بهذا المستوى من الحِفاظِ على النِعَمِ وشكرهاِ , بل ((فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)) ,.

    والكفرُ هنا ليس هو الكفرُ الاعتقادي بل هو الكفرُ العملي , والذي سببه المَرضُ النفسي , وقِلّةِ العَقلِ ,.

    وكان نتيجةُ كُفرِ النِعَمِ وعدمِ شكرِهَا , أنْ ((فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ )) ,

    والذوقُ هنا هو التَحَسّسُ بلذةِ شيء أو النفرةُ منه ,والاستعمالُ هنا مَجازي ,وحقيقةً هذه المسألةُ هي مِن المَسائلِ التي تَهزّ الإنسانَ

    ,
    فالجوعُ والخوفُ ليس هما من الأمورِ السهلةِ ,والخوفُ يكونُ أشدَّّ من الجوعِ , وقد لا يرتبطان في بعض الأحيانِ

    فنجدُ إنساناً جائعا وغير خائفٍ,
    أو نجدُ إنساناً خائفا وغير جائعٍ ,ولكن هنا قد رَبطتْ الآيةُ الشريفةُ بينهما وجمعتهما جزاءً ومَصيراً

    , وإذاقةً للكفرِ بالنِعمَِ ,.

    وفي بعضِ المُشاهدَاتِ الحِسيّةِ نَرى صُوراً للآيةِ الشريفةِ في واقعِنا الراهنِ ,فهناكَ عائلةٌ فقيرةٌ وأخرى تعتاشُ على فتاتِ الطعامِ

    ,وأخرى تَرمي فَضْلَةَ الطَعامِ بَطَرَاً ,.

    والكلامُ هنا في الآيةِ الشريفةِ هو عَامٌّ للقرية والأمةِ والمُجتمعِ ,

    وعلى الذي يَتمتعُ بالنِعَمِ لا يَقولُ عندي نفطٌ وعندي صناعةٌ ,ففي حالِ الكفرِ بها عملاً , فلا يأمنُ مِن أنْ تكونَ عليه حَسرَةً ,

    وتَزولَ بلحظةٍ مَا .

    وما ينبغي هنا هو كيف نُحافِظُ على النِعَمِ ,ولا نَتمادَى في كفرِهَا وعَدمِ شكرِهَا ,.

    وإلاَّ فاللهُ تعالى لا يَسلِبُ النِعَمَ جزافاً , إلاَّ وقد اختلّ توازنُ الناسِ , وابتعدوا عن اللهِ وذكْرِه وشُكْرِه ,.

    وهُنا نَنصحُ أنفسَنا عندما نقرأُ هذه الآيةَ الشريفةَ , فالنعمُ تحتاجُ إلى صيانةٍ وشكرٍ والعَملِ بما يُريده اللهُ تَعَالَى , لنا ويُرضيه .


    _______________________________________________


    - تَدوينُ – مُرتَضَى عَليّ الحِلّي – بتَصَرِّفٍ مِنِّي -

    ______________________________________________
    التعديل الأخير تم بواسطة مرتضى علي الحلي 12; الساعة 31-03-2017, 09:58 PM.

  • #2
    بورك تدوينك استاذي الفاضل

    وجعل الله لك في كل حرفٍ أمناً وآماناً وقرباً منه تعالى ..



    تعليق


    • #3
      اللهُ يحفظكم أخي الكريم وتقديري لكم.

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
      x
      يعمل...
      X