إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

البلاغة الميسرة 2

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • البلاغة الميسرة 2

    الدرس الحادي عشر: الاستعارةُ التصريحيةُ والْمَكنيَّةُ
    أهداف الدرس:
    1- أن يتعرّف الطالب إلى الاستعارة بقسميها.
    2- أن يميّز بين الاستعارة التصريحية والمكنية.
    3- أن يتعرّف إلى بلاغة الاستعارة المكنية وجمالها.


    123
    الاستعارةُ التصريحيةُ والْمَكنيَّةُ:
    تعريفُهَا: الاستعارةُ لغةً: مِن قولهِم، استعارَ المالَ: إذا طلبَه عاريةً.

    الاستعارةُ التصريحيةُ والْمَكنيَّةُ هي استعمالُ اللفظُ في غيرِ مَا وُضِعَ لَهُ لعلاقةِ المشابهةِ بَينَ المَعنَى الحقيقي والمعنى المستعملِ فيهِ، مع قرينةٍ صارفةٍ عن إرادةِ المعنَى الأصليِّ.

    ومعنى تصريحية أي مصرح فيها بلفظ المشبه به الذي استعمل في المشبه وأريد به المشبه، ومعنى مكنية أي مخفي فيها لفظ المشبه به استغناء بذكر شيء من لوازمه، فلم يذكر فيها من أركان التشبيه سوى المشبه.

    وقد سبقَ أنَّ التشبيهَ أولُ طريقةٍ دلتْ عليها الطبيعةُ، لإيضاحِ أمرٍ يجهلُه المخاطبُ، بذكر شيءٍ آخر، معروفٍ عندَه، ليقيسَه عليه، وقد نتجَ من هذه الطريقة، طريقة أخرى في تراكيبِ الكلامِ، تَرى فِيهَا ذكرَ المشبَّهِ به أو المشبَّهِ فقط1 وترى الاستعارة تشبيهاً حذف أحد طرفيه.

    وتُسمَّى هذه بـ "الاستعارةِ"، وقد جاءتْ هذه التراكيبُ المشتملةُ عَلَى الاستعارةِ


    125
    أبلغَ مِن تراكيبِ التشبيهِ، وأشدَّ وقعاً في نفسِ المخاطَبِ, لأنَّه كلَّمَا كانَتْ داعيةً إِلَى التحليقِ في سماءِ الخَيَالِ، كانَ وقعُها في النفسِ أشدَّ، ومنزلتُها في البلاغةِ أعلَى.

    وما يبتكرُهُ أُمراءُ الكلامِ من أنواع ِصور الاستعارةِ البديعةِ، الّتي تأخذُ بمجامعِ الأفئدةِ، وتملكُ على القارئ والسامعِ لبَّهما وعواطفهُما هو سرُّ بلاغةِ الاستعارةِ.

    فمنَ الصورِ المجملةِ الّتي عليها طابعُ الابتكار وروعةُ الجمالِ قولُ أمير المؤمنين عليه السلام:
    "أَيُّهَا النَّاسُ: لَا تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ الْهُدَى لِقِلَّةِ أَهْلِهِ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى مَائِدَةٍ شِبَعُهَا قَصِيرٌ، وَ جُوعُهَا طَوِيلٌ. أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّمَا يَجْمَعُ النَّاسَ الرِّضَا وَ السُّخْطُ، وَ إِنَّمَا عَقَرَ نَاقَةَ ثَمُودَ رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَعَمَّهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ لَمَّا عَمُّوهُ بِالرِّضَا، فَقَالَ - سُبْحَانَهُ -: "فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ.."2.

    نَأخُذُ مِنْ كلامِ أميرِ المؤمنينَ عليه السلام استعمالَه لفظَةَ المائِدةِ استعمالاً مجازياً, فإنَّ المرادَ مِنَ المَائِدَةِ"الدنيا"، والعلاقَةُ بينهُمَا هِيَ المشابَهَةُ والقَرٍينَةُ لفظيةٌ3. وإذَا تَأَمَّلنَا هَذَا المَجَازَ، رَأيْنَا أنَّه تضمَّن تشبيهاً حُذِف منْهُ لفظُ المشبَّهِ "الدنيا"، واستُعِيرَ له لَفْظُ المشبَّهِ بهِ "المائدة" ليقومَ مقامَه بادِّعاءِ أنَّ المشبَّهَ بِهِ هُوَ عَينُ المشبَّهِ، وهَذَا أبعدُ مدىً فِي البَلاغَةِ، وأدخَلُ في المُبالَغَةِ، ويُسمَّى هَذَا المجازُ "استعارةً"، ولمَّا كانَ المشبَّهُ بِهِ مصرّحاً بِهِ فِي هَذَا المَجَازِ سمّيَ استعارةً تصريحيةً.

    ومن كلام لأمير المؤمنين عليه السلام "..فَاتَّعِظُوا - عِبَادَ اللهِ - بِالْعِبَرِ النَّوَافِعِ، وَاعْتَبِرُوا بِالْآيِ السَّوَاطِعِ، وَازْدَجِرُوا بِالنُّذُرِ الْبَوَالِغِ، وَانْتَفِعُوا بِالذِّكْرِ


    126
    وَالْمَوَاعِظِ، فَكَأَنْ قَدْ عَلِقَتْكُمْ مَخَالِبُ الْمَنِيَّةِ.."4.

    حيثُ إنَّ المَنِيّةَ لَا مَخَالِبَ لَهَا, فيَعنِي أنَّ هَذَا الَّلفظَ استُعمِلَ فِي غيرِ معنَاه الحقيقيّ لعلاقةٍ هِي المشابهةُ كذلكَ, وبقرينةٍ لفظيَّةٍ, اذاً فَهُوَ مَجَازٌ, وقَدْ شُبِّهتْ فيهِ المنيةُ بالمفترِسِ بجامعٍ القَتلِ، فإنَّ الَّذي يُفهَمُ منهُ أَنْ يشبِّه المنيةَ بالوحشِ المفترِسِ، فأَصلُ الكلامِ قَد علقتْكُم المنيَّةُ كالوحشِ ينهشُكُم بمخالِبِهِ، ثمَّ حُذِفَ المشبّهُ بِهِ فصَارَ "قَدْ عَلِقَتْكُمْ مَخَالِبُ الْمَنِيَّةِ"، على تخيُّلِ أنَّ المنيةَ قَد تمثَّلتْ فِي صورةِ وحشٍ قاتِلٍ ذي مخالبٍ، ورُمزَ للمشبَّهِ بهِ المحذوفِ بشيءٍ مِنْ لَوازِمِهِ وهُوَ "مخالبُها"، ولمَّا كانَ المشبَّهُ بِهِ فِي هَذِهِ الاستعارةِ محْتجَباً سُمِّيت "استعارة ًمكنيةً"، ومثلُ ذَلكَ يُقَالُ فِي هَذَا البيتِ مِنَ الشِّعرِ:
    وَإِذا المَنِيَّةُ أَنشَبَت أَظفارَها أَلفَيتَ كُلَّ تَميمَةٍ لا تَنفَعُ5

    فقد شبَّهَ المنيةَ، بالسَّبُعِ، بجامعِ الاغتيالِ في كلٍّ، واستعارَ السَّبُعَ للمنيةِ وحذفَه، ورمزَ إليه بشيءٍ من لوازمهِ، وهو الأظفارُ على طريق الاستعارةِ المكنيةِ.

    127
    القواعد الرئيسة
    الاسْتِعارَةُ مِنَ المجاز اللّغَويَّ، وهيَ تَشْبيهٌ حُذِفَ أحَدُ طَرفَيْهِ، فَعلاقتها المشابهةُ دائماً، وهي قسمانِ:
    1- تَصْريحيّةٌ، وهي ما صُرِّحَ فيها بلَفظِ المشبَّه بهِ.
    2- مَكنِيَّةٌ، وهي ما حُذِفَ فيها المشَبَّهُ بهِ ورُمِزَ لهُ بشيء مِنْ لوازمه.
    تمارين
    1- عيِّنِ التصريحيةَ والمكنيةَ من الاستعارات الآتية مع بيان السبب:
    قال دعبِل الخُزَاعِيُّ:
    لا تَعجَبي يا سَلْمُ مِنْ رَجُلٍ ضحكَ المشيبُ برأسهِ فبكى

    قال الشاعر:
    وإِذا السعادةُ لاحظتْك عيونُها نَمْ فالمخاوِفُ كلُّهُنَّ أَمانُ

    قال المتنبي يَصِفُ دخول رسولِ الرّوم على سيف الدولة:
    وَأقْبَلَ يَمشِي في البِساطِ فَما درَى إلى البَحرِ يَسعَى أمْ إلى البَدْرِ يرْتَقي

    وقال تعالى على لسان زكريا عليه السلام:
    ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا6.

    وقال البحتري:
    فَمَا قَاتَلَتْ عَنْهُ المَنَايَا جُنُودُهُ وَلاَ دَافَعَتْ أمْلاَكُهُ وَذَخَائِرُهْ

    2- ضع الأسماء الآتية في جمل بحيث يكون كلُّ منها استعارة تصريحية مرة، ومكنية أخرى:

    الشمس - البلبل - البحر - الأزهار - البرق.
    للمطالعة
    بلاغةُ الاستعارةِ7:
    سبق لك أَنَّ بلاغة التشبيه آتيةٌ من ناحيتين: الأُولى تأْليف أَلفاظه، والثانية ابتكار مشبَّه به بعيد عن الأَذهان، لا يجولُ إِلّا في نفس أديبٍ وهب الله له استعدادًا سليماً في تعرُّف وجوه الشَّبه الدقيقة بين الأَشياء، وأودعه قدْرةً على ربْطِ المعاني وتوليدِ بعضها من بعض إلى مدىً بعيدٍ لا يكاد ينتهي.

    وسرُّ بلاغة الاستعارة لا يتعدَّى هاتين الناحيتين، فبلاغتها من ناحية اللفظ، أنَّ تركيبها يدلّ على تناسي التشبيه، ويحمْلُكَ عمدًا على تخيُّل صورة جديدة تُنْسيك رَوْعَتُها ما تضمَّنه الكلام من تشبيه خفيٍّ مستور.

    انظر إِلى قول البُحْتُرِيِّ في الفتح بن خاقان:
    يَسمُو بكَفٍّ، على العافينَ، حانيَةٍ تَهمي، وَطَرْفٍ إلى العَلياءِ طَمّاحِ

    ألستَ ترى كفَّه وقد تمثَّلتْ في صورة سحابةٍ هتَّانةٍ تصُبُّ وَبْلَهَا على العافينَ السائلين، وأنَّ هذه الصورة قد تملّكتْ عليك مشاعرك، فأذْهلتْكَ عمّا اختبأَ في الكلام من تشبيه؟

    وأمَّا بلاغةُ الاستعارة من حيثُ الابتكارُ ورَوْعَة الخيال، وما تحدثه من أثرٍ في نفوس سامعيها، فمجالٌ فسيحٌ للإبداع، وميدانٌ لتسابق المُجِيدين من فُرسان الكلام.

    انظر إلى قوله - عزَّ شأْنه - في وصف النار:
    ﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ8، ترتسمْ أمامك النار في صورة مخلوقِ ضَخْمٍ بطَّاشٍ مُكْفَهِرِّ الوجه عابسٍ يغلي صدرُه حقدًا وغيظاً.

    ثمّ انظر إلى قول أبي العتاهية في تهنئةِ المهديِّ بالخلافة:
    أتتْهُ الخِلاَفَةُ مُنْقادَةً إلَيْهِ تُجَرِّرُ أذْيالَها

    تجدْ أنَّ الخِلافة غادةٌ هيفاءُ مُدَلَّلَة مَلُولٌ فُتِنَ الناس بها جميعاً، وهي تأْبى عليهم وتصدُّ إِعراضاً، ولكنها تأْتي للمهدي طائعة في دلال وجمال تجرُّ أَذيالها ذلاً وخفرًا.

    هذه صورة لا شكّ رائعة أَبْدع أَبو العتاهية في تصويرها، وستبقى حُلوة في الأسماع حبيبةً إِلى النفوس ما بقي الزمان".

    وانظر إلى قول الشريف الرَّضِيِّ في الودَاع:
    نَسرِقُ الدّمعَ في الجُيوبِ حَياءً وَبِنَا مَا بِنَا مِنَ الأشواقِ

    هو يسرق الدمع حتّى لا يُوصمَ بالضعف والخَور ساعةَ الوداع، وقد كان يستطيع أن يقول: "نَستُر الدمع في الجيوب حياءً", ولكنّه يريد أن يسمو إِلى نهاية المُرْتقَى في سحر البيان، فإنَّ الكلمة "نسْرِقُ" ترسُم في خيالك صورةً لشدّة خوفه أَنْ يظهر فيه أثرٌ للضعف، ولمهارته وسرعته في إِخفاء الدمع عن عيون الرقباء.
    هوامش
    1- فالاستعارةُ ليست إلا تشبيهاً مختصراً، لكنها أبلغُ منهُ كقولك: رأيتُ أسداً في المدرسةِ، فأصلُ هذه الاستعارةِ "رأيتُ رجلا ًشجاعاً كالأسدِ في المدرسةِ" فحذفتَ المشبهَّ " لفظُ رجلٍ" وحذفتَ الأداةَ ــ الكاف - وحذفتَ وجهَ الشبهِ "الشجاعةَ" وألحقتهُ بقرينةٍ "المدرسةِ" لتدلَّ على أنكَ تريدُ بالأسدِ شجاعاً.
    2- نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام ج2، ص181.
    3- مر معنى ذلك في درس المجاز.
    4- نهج البلاغة,خطب الامام علي عليه السلام ج1، ص 148.
    5- أبو ذُؤَيب الهذلي 27 هـ / 648 م خُوَيلد بن خالد بن محرِّث أبو ذُؤيب من بني هُذَيل بن مُدْرِكَةَ المُضَرِيّ. شاعر فحل، مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، وسكن المدينة واشترك في الغزو والفتوح، وعاش إلى أيام عثمان فخرج في جند عبد الله بن سعد بن أبي السرح إلى إفريقية سنة (26 هـ) غازياً.
    فشهد فتح إفريقية وعاد مع عبد الله بن الزبير وجماعة يحملون بشرى الفتح إلى عثمان، فلما كانوا بمصر مات أبو ذؤيب فيها.
    وقيل مات بإفريقية.
    أشهر شعره عينية رثى بها خمسة أبناء له أصيبوا بالطاعون في عام واحد مطلعها:
    "أَمِنَ المَنُونِ ورَيْبِهِ تتوجّعُ".
    قال البغدادي: هو أشعر هذيل من غير مدافعة. وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة وفاته، فأدركه وهو مسجّى وشهد دفنه.
    له (ديوان أبي ذؤيب).

    6- سورة مريم، الآية:4.
    7- علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة، ص 95 - 96.
    8- سورة الملك، الآية: 8.




    يتبع

  • #2
    الدرس الثاني عشر: الاستعارة التمثيلية
    أهداف الدرس:
    1- أن يتعرّف الطالب إلى الاستعارة التمثيلية.
    2- أن يُحسن استخدام الاستعارة التمثيلية.


    133

    الاستعارة التمثيلية:
    يقسّم البلاغيون الإستعارة من جهة الإفراد والتركيب إلى قسمين: مفردة، ومركبة.
    الاستعارة المفردة: وهي ما كان المستعار فيها لفظاً مفرداً، كما هو الحال في الإستعارة التصريحية والمكنيّة، وقد سبقت الإشارة إليهما.
    الاستعارة (المركبة) التمثيلية: وهي ما كان المستعار فيها مثلاً، أو تركيباً، استعمل في غير ما وضع له مع وجود علاقة مشابهة بين المستعار منه والمستعار له. وهذا النوع من الاستعارة فيه روائع التعبير الفني يستخدمه الأديب عن طريق قول مأثور، أو حكمة، أو مثل مضروب.

    تأمّل الأمثلة التالية:
    قال الله تعالى:
    ï´؟يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِï´¾1.

    قال المتنبي:
    إذا رأيتَ نيُوب الليث بارزةً فلا تظنَّنَّ أنّ الليثَ يبتسمُ


    135

    قال الشاعر:
    أُعلّمه الرِّماية كلَّ يومٍ فلما اشتدَّ ساعدُه رماني

    روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يلدغ المؤمن من جُحرٍ مرتين"2.

    جاء في المثل: "لكلّ جواد كبوة، ولكل صارم نبوة".

    بالتأمّل بالأمثلة السابقة، تجد أنّ كلّاً منها يتّصل بمناسبة خاصة بعينها، يرتبط بها ارتباطاً وثيقاً، بحيث يصبح كل مقال ومناسبته، كطرفي التشبيه، لا تتم المشابهة إلا بهما.

    وليس من الضروري أن تعرف المناسبة التي يرتبط بها المثال، فمعناه يفرض عليك المناسبة التي يمكنك أن تربطه بها.

    ففي الآية الكريمة، في المثال الأول
    ï´؟يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْï´¾، هؤلاء هم اليهود، الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالجلاء عن المدينة، فصاروا يخربون بيوتهم قبل الخروج منها، ولكن هذا التعبير يمكن أن يطلق على كلِّ حالة تشبه الحالة التي قيل فيها لأوّل مرة، فمثلاً، ربُّ الأُسرة، الذي يبذّر أمواله فيما لا نفع فيه لأسرته، ويترك ما فيه تربيتهم وسعادتهم, تقول عنه ï´؟يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْï´¾، والطالب الذي يهمل دروسه ويشغل نفسه باللّعب، ويهمل القيام بواجباته، تقول عنه:"يخربون بيوتهم بأيديهم" كأنّما صارت العبارة مثلاً يطلق على كل حالة تشبه الحالة التي قيل فيها من قبل، فالتعبير يشبّه حالاً بحال، حال من يهمل دروسه، أو من يترك تدبير شؤون أُسرته، بحال من يخرب بيته بيده، فالتعبير إذاً مجازي، وقد نقل التركيب الدال على المشبّه به للمشبّه على سبيل الاستعارة، والعلاقة بين الطرفين هي المشابهة، ولكنّ أحد الحالين محذوف دائماً، ولأنّها

    136

    تمثل حالاً بحالة سمّيت (الاستعارة تمثيلية)، مع قرينة حالية تفهم من السياق مانعة من إرادة المعنى الأصلي.

    وفي المثال الثاني:
    يقول المتنبي: إذا رأيت الأسد، فاغر الفم، بارز الأنياب، فلا تظنَّ أنه يبتسم لك، فلو ظننت ذلك، فأنت مقضيٌ عليك، وهذا المعنى تُشبّه به حال من يخدعك مظهره عن حقيقة أمره، وعندئذٍ يكون استعمال اللّيث في مثل هذه الحال مجازاً، وقد نقل التركيب الدال على المشبّه به، للمشبّه على سبيل الاستعارة التمثيلية، والعلاقة بين الطرفين المشابهة، وهي ظهور الأنياب لغير الضحك، والقرينة حالية.

    وفي المثال الثالث:
    يقول الشاعر: إنّه يعلّم الرماية بالسهام لمن يتوقع معاونته والوقوف إلى جانبه، ولكن ما إنْ أتْقَنْ هذا التلميذ الجاحد الرماية حتى وجه سهامه إلى معلمه، ويقال هذا المعنى حينما يريد أن يشبّه حال مَن يأخذ بيد إنسان ويعلمه ويدرّبه على أمور تنفعه في حياته، فلا يلبث أن ينقلب عليه مستخدماً ما تعلّمه في الكيد لأُستاذه وولي نعمته. والعلاقة بين الطرفين هي المشابهة كما هو واضح.

    وانظر في المثال الرابع: الحديث الشريف، تجده سار مسار الأمثال، فقد شبهت به حال من يخطئ مرة، ويستفيد من هذا الخطأ، فلا يعود ثانية إليه، بحال المؤمن الذي لدغ مرة من ثعبان مختبئ في حجره فلم يَعُد يقترب من الجحر أو من غيره ثانية، فتقول لهذا الإنسان: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. والحديث لا يريد هذا المعنى بل قصد المعنى المجازي الذي بيّناه.

    ولاحظ المثلين المشهورين في المثال الخامس (لكلّ جواد كبوة، ولكلّ صارم نبوة) يضربان لتصوير حال من يصدر منه الخطأ بالرغم منه في مجال غير معروف عنه الخطأ فيه، فهو كالجواد الأصيل الذي تعوّد الجري والسبق وربما


    137

    أتى عليه يوم فتعثَّر، أو هو كالسيف القاطع ربما يأتي عليه يوم فينبو ويكلّ عن القطع.

    فكلُّ مثلٍ هو (استعارة تمثيلية). وذلك لاستعارة الصورة المركبة للمشبّه به ونقلها إلى المشبّه. والقرينة الحالية تمنعك من أنْ تظنَّ أنّ التعبير يعني حقيقةً أنّ الحصان كبا أو أنّ السيف نبا. وتدرك أنّه مثلٌ فقط للحال الذي تشاهده.

    القاعدة:
    1- الاستعارة التمثيلية: تركيب لغوي من قول مأثور، أو حكمة، أو مثل استعمل في غير ما وضع له، مع وجود علاقة مشابهة بين المستعار منه والمستعار له.
    2- لا بدّ في الاستعارات بأنواعها من وجود قرينة (حالية أو مقالية) مانعة من إرادة المعنى الحقيقي.
    3- ملاحظة: هناك أنواع أُخرى من الاستعارة أعرضنا عنها, لغرض التركيز على أشهرها، وأكثرها نفعاً واستخداماً.


    138

    القواعد الرئيسة
    1- الاستعارة التمثيلية هي ما كان المستعار فيهما مثلاً، أو تركيباً استعمل في غير ما وضع له مع وجود علاقة مشابهة.
    2- لا بدّ في الاستعارة التمثيلية من وجود قرينة حالية أو مقالية مانعة من إرادة المعنى الحقيقي.
    تمارين
    افرض حالاً، تجْعَلُها مشبهاً لكُل من التراكيب الآتية، ثم أجرِ الاستعارة في ثلاثة تراكيب.
    1- إنَّك لا تَجْني من الشَّوْكِ العنبَ.
    2- يبتغي الصَّيْدَ في عرِّيسَة الأسد3.
    3- أخذ القوْسَ باريها.
    4- استسمنت ذا ورم.
    5- أنت تضرب في حديد بارد.
    6- هو يبني قصوراً بغير أساس.
    7- المورد العذب كثير الزحام.
    8- اعقلها وتوكل4.
    9- أنت تحصد ا زرعت.
    10- ألق دلوك في الدِّلاء

    بيِّن نوع كلّ إستعارة من الإستعارات الآتية وأجرها:

    قال المتنبي:
    غاض الوفاء فما تلقاهُ في عِدّة ٍ وأَعْوز الصّدقُ في الأخبار والقسمِ5

    قال البحتري:
    إذا ما الجرحُ رُمَّ على فَساد ٍ تبيّن فيه إهمال الطّيبِ6

    وقال الشاعر:
    متى يبلغُ البنيانُ يوماً تمامَهُ إذا كنت تبنِيهِ وغيرُكَ يهدمُ

    وقال تعالى:
    ï´؟اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَï´¾7.

    وقال تعالى:
    ï´؟وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًاï´¾8.

    وَمَنْ مَلك البلاد بغير حرْبٍ يهونُ علَيْه تسليمُ البلاد
    للمطالعة
    من شعرائنا: الشاعر العبدي الكوفي
    وهو أبو محمَّد سفيان بن مصعب العبدي الكوفي. من شعراء أهل البيت الطاهرين، المتزلِّفين إليهم بولائه وشعره، المقبولين عندهم لصدق نيَّته وانقطاعِهِ إليهم، وقد تضمّن شعره غير يسيرٍ من مناقب مولانا أمير المؤمنين الشَّهيرة، وأكثرَ من مدحِه ومدحِ ذريَّته الأطيبين وأطاب، وتفجَّع على مصائبهم ورثاهم على ما انتابهم من المحن، ولم نجدْ في غير آلِ الله له شعراً. استنشده الإمام الصادق صلوات الله عليه شعره كما في رواية ثقة الإسلام الشيخ الكليني، بإسناده عن أبي داود المسترقّ عنه قال: "دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال: قولوا لأم فروة: تجيءُ فتسمع ما صنع بجدها. قال: فجاءت فقعدت خلف الستر ثم قال: فأنشدنا. قال: فقلت: فر وجودي بدمعك المسكوب.

    قال: فصاحت وصحن النساء.

    عده شيخ الطايفة في رجاله من أصحاب الإمام الصادق ولم يك صحبته مجرد ألفة معه، أو محض اختلاف إليه، أو أن عصرا واحدا يجمعهما لكنه حظي بزلفة عنده منبعثة عن صميم الود وخالص الولاء، وإيمان لا يشوبه أي شائبة حتى أمرالإمام عليه السلام شيعته بتعليم شعره أولادهم وقال: إنه على دين الله. كما رواه الكشي في رجاله بإسناده عن سماعة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا معشر الشيعة علموا أولادكم شعر العبدي فإنه على دين الله.

    وينم عن صدق لهجته، واستقامة طريقته في شعره، وسلامة معانيه عن أي مغمز، أمر الإمام عليه السلام إياه بنظم ما تنوح به النساء في المأتم كما رواه الكشي في رجاله (ص 254). وكان يأخذ الحديث عن الصادق عليه السلام في مناقب العترة الطاهرة فينظمه في الحال ثم يعرضه عليه كما رواه ابن عياش في "مقتضب الأثر" عن أحمد بن زياد الهمداني قال: حدثني علي بن إبراهيم بن هاشم قال: حدثني أبي عن الحسن بن علي سجاده عن أبان بن عمر ختن آل ميثم قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه سفيان بن مصعب العبدي قال: جعلني الله فداك ما تقول في قوله تعالى ذكره: وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم؟! قال: هم الأوصياء من آل محمد الإثني عشر لا يعرف الله إلا من عرفهم وعرفوه. قال: فما الأعراف جعلت فداك؟! قال: كتائب من مسك عليها رسول الله والأوصياء يعرفون كلا بسيماهم. فقال سفيان: أفلا أقول في ذلك شيئا؟! فقال من قصيدة:
    أيا ربعهم هل فيك لي اليوم مَربعُ؟! وهلْ لليالٍ كُنَّ لي فيكَ مرجعُ؟!

    يقول فيها:
    وأنتم ولاةُ الحشرِ والنشرِ والجزاءِ وأنتمْ ليومِ المفزعِ الهولِ مفزعُ
    وأنتم على الأعراف وهي كثائب من المسك ريّاها بكم يتضوّعُ
    ثمانيةٌ بالعرش إذ يحملونه ومن بعدهم في الأرض هادون أربعُ

    إن الواقف على شعر شاعرنا (العبدي) وما فيه من الجودة. والجزالة. والسهولة. والعذوبة. والفخامة. والحلاوة. والمتانة. يشهد بنبوغه في الشعر، وتضلعه في فنونه، ويعترف له بالتقدم والبروز9.

    تعليق


    • #3
      الدرس الثالث عشر: المجاز المرسل
      أهداف الدرس:
      1- أن يتعرّف الطالب إلى المجاز المرسل.
      2- أن يدرك علاقات المجاز المرسل.
      3- أن يحسن استخدام المجاز المرسل.


      143
      المجازُ المرسلُ:
      عرفْنَا فيما مضَى أنَّ المجازَ الّلغويّ، إمّا أن تكون علاقته المشابهة فهو الاستعارة، وإمّا أن تكون علاقته غير المشابهة فهو المجاز:
      يقولُ المتنبّي:
      لَـهُ أَيـادٍ إِلَيَّ سابِـقَةٌ أُعَـدُّ مِنها وَلا أُعَـدِّدُهـا

      انظرْ إِلى الكلمةِ "أيادٍ" فِي قولِ المتنبّي, أَتَظُنُّ أنَّه أَرادَ بها الأياديَ الحقيقيّةَ؟ لَا. إِنَّه يُريدُ بِهَا النِّعَمَ، فكَلِمَةُ أَيادٍ هنَا مجازٌ، ولكنْ هلْ تَرَى بَينَ الأَيدي والنِّعَمِ مشابهةً؟ لَا. فَمَا العلاقَةُ إِذاً, بَعدَ أَنْ عَرَفْتَ فِيمَا سَبَقَ مِنَ الدُّروسِ أَنَّ لكلِّ مجازٍ علاقةً، وأَنَّ العربيَّ لا يُرسل كلمةً في غيرِ معنَاهَا إِلَّا بَعْدَ وجودِ صلةٍ وعلاقةٍ بَينَ المعنيين؟ تأَمَّلْ تجدْ أَنَّ اليَدَ الحقيقيّةَ هِيَ الَّتي تَمنحُ النِّعَمَ, فهيَ سببٌ فِيهَا، فالعلاقة - إِذاً- السببيةُ، وهَذَا كَثيرٌ شائِعٌ فِي لُغَةِ العَرَبِ1.

      1- يقولُ اللهُ - تَعَالَى -:
      ï´؟هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاء رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُï´¾2.

      مَا الَّذي يُنزِّلُهُ - تَعَالَى - مِنَ السَّماءِ عَلَى عِبَادِهِ حقيقةً؟ الرزقُ أمِ الغيثُ؟ ومَا


      145
      العَلَاقَةُ بَيْنَ لَفْظِ "رزقاً" المذكورِ فِي الآيةِ والغيث؟ نحنُ نَعْلمُ أنَّ السَّماءَ لَا تُمطرُ ذهباً ولَا فضَّةً, ولَا تُمطِرُ طَعَامَاً، ونعلمُ بأنَّ اللهَ يُكرِمُ عبادَهُ بإنزالِ الغيثِ مِنَ السَّماء، فالمقصُودُ - إذن - مِنْ لفظِ "رزقاً"هُوَ المَاءُ المنهمِرُ مِنَ السَّماءِ. ولمَّا كانَ الرِّزقُ مسبَّباً عنِ الغيثِ، بِمعنَى أنَّ الغَيثَ سببٌ فِي الِّرزقِ، كانتِ العلاقةُ بينهُمَا علاقةَ المسبّبِ بالسَّببِ، والمجازُ الَّذي يُذكَرُ فيهِ المسبَّبُ ليدلَّ عَلَى السَّبَبِ هوَ مَجَازٌ مُرسَلٌ علاقتُهُ المسَبَّبيَّةُ.

      2- يقولُ - تَعَالَى -:
      ï´؟وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍï´¾3.
      إنَّ كلمَةَ "رقبةٍ" فِي الآيةِ يُرَادُ بِهَا الإنسَانُ، ومِنَ السَّهل أنْ نَفهَمَ أنَّ استعمالَها فِي الآيةِ مجازيٌّ، فإنَّه لَا يمكنُ أنْ يكونَ المقصودُ تحريرَ جزءٍ مِنَ الإنسانِ وتركَ الباقِي, وليسَ بينَهَا وبَيْنَ الإنسانِ أيُّ مشابَهَةٍ, فلَا بدَّ مِنْ وجُودِ علاقةٍ أخرَى, فَمَا هِيَ؟ إنَّ الرَّقبةَ جزءٌ مِنْ جَسَدِ الإنسانِ ولَهَا شأنٌ كبيرٌ فيهِ، فأُطلقَ الجزءُ وأُرِيدَ الكلُّ, ولِذَلكَ يُقَالُ: إِنَّ العلاقةَ هنَا الجزئيَّةُ.

      ومثلُ الآيةِ الكريمةِ فِي الدَّلالةِ عَلَى العلاقَةِ الجزئيَّة بَيْنَ المَعنَى الحقيقيّ والمَعنَى المجازيّ قولُ الشاعرِ4 يَتَحدَّثُ عَنْ شَخصٍ أسْدَى لهُ الشَّاعرُ معروفاً فقابَلَ معروفَهُ بالجحودِ والعدَاءِ:
      أُعَلِّمُه الرمايَةَ كُلَّ يَومٍ فَلَمّا اشتدَّ ساعِدهُ رَماني5
      وَكَمْ علّمتُه نظمَ القوافي فَلما قالَ قافيةً هجاني


      146
      وكمَا نَعلمُ أنَّ القافِيَةَ تُطْلقُ عَلَى الجزءِ الأخيرِ مِنَ بيتِ الشِّعرِ, ومِنَ البَدِيهيّ أنَّ الشَّاعِرَ لمْ يُرِدْ هَذَا المَعنَى لِلَفظةِ القَافِيَةِ، إذ إنَّ نَظْمَ الشِّعرِ ومَا يُعبَّرُ عَنهُ مِن هِجَاءٍ أو غيرِهِ، لَا يكونُ بالقافيةِ وحدَهَا، بل بالبيتِ أو أكثرَ مِنَ الشِّعرِ، فالشَّاعِرُ أرَادَ هنَا بلفظةِ "قافيةً" بيتاً أو أكثرَ مِنَ الشَّعرِ، معْ أنَّ لفظةَ"قافيةً" لَا تَدُلُّ إلَّا عَلَى الجزءِ الأخِيرِ مِنْهُ، إذاً، فإنَّ العَلاَقَةَ بَيْنَ الَّلفظِ المذكورِ "قافيةً" والمَعنَى المرادِ"الشِّعْر" هِيَ علاقةُ الجزءِ بالكلِّ, والمجازُ الَّذي يُذكَرُ فيهِ الجزءُ ليدلَّنَا عَلَى الكلِّ هُوَ مَجَازٌ مرسلٌ علاقَتُهُ الجزئيّةُ.

      3- يقولُ - تَعَالَى -:
      ï´؟وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًاï´¾6.
      نَنْظُرُ فِي قولِهِ - تَعَالَى -, فَهَل مَا يُوضَعُ فِي الأذُنِ ليَسُدَّهَا هُوَ الإصبعُ كلُّهَا؟ لا, لأنَّ الإنسانَ لَا يَستطيعُ أنْ يَضَعَ إِصبعَهُ كلَّهَا فِي أُذنِهِ، بَلْ بعضاً منهَا وهِيَ الأَنَامِلُ, ولِهَذَا نقولُ: إنَّ الأصابعَ فِي الآيةِ الكريمةِ أُطلقتْ وأُريدَ أطرافُهَا, والأطرافُ جزءٌ والأصابِعُ كلٌّ, والمَجَازُ الَّذي يُذكَرُ فيهِ الكلُّ ليدلَّ عَلَى الجزءِ هوَ مجازٌ مرسلٌ عَلاقتُهُ الكليَّة. ومثلُ الآيةِ الكريمةِ آياتٌ أخرَى نَذْكُرُ مِنْهَا قولَه - تَعَالَى -:
      ï´؟وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَاï´¾7 حيثُ أَطلقَ الكُلَّ "الأيدي" وَارَادَ الجزءَ "الأكفَّ"8.

      4- قالَ اللهُ - تَعَالَى -:
      ï´؟وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًاï´¾9.

      147
      اليَتَامَى هُمُ الَّذينَ مَاتَ آباؤهُم وهُم صغَارٌ، وقدِ اختصَّ هَذَا الاسمُ بمَنْ لمْ يبلغْ منْهُم مبلغَ الرِّجالِ، فهلْ يُعقَلُ أنَّ اللهَ يأمُرُ أنْ يُعطَى هؤلاءِ أموالَ آبائِهِم وهُمْ مَا زَالُوا بحاجةٍ إلَى كَافِلٍ يكفلُهم وقيِّم يقومُ بأمورِهم؟, أبداً، فالآيةَ تأمُرُ بإعطاءِ الأموالِ إلى مَنْ وصَلوا سِنَّ البلوغ والرُّشدِ منهُم بَعدَ أنْ كانُوا يَتامَى، فكلمةُ "اليتامى" هنَا مجازٌ, لأنَّها استُعمِلتْ فِي البالغين الرَّاشِدينَ, والعَلاقَةُ "اعتبار ما كانَ"وهِيَ إحدَى علاقاتِ المجازِ المرسلِ.
      5- قالَ - تَعَالَى- عَنْ لسَانِ نوحٍ عليه السلام: ï´؟وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًاï´¾10.
      فَهَلْ قَصَدَ نوحٌ عليه السلام أنَّ أطفالَ قومِهِ يولدُونَ فجَّاراً وكفَّاراً منذُ السَّاعةِ الأُولى مِنْ ولادتِهِم، أم أنَّ فجورَهُم سيكونُ بعدَ بلوغِهم سنَّ الرُّشدِ؟ ومَا الاعتبارُ الَّذي أُقيمتْ بِهِ العلاقةُ بَينَ الفاجرِ الكافرِ و المولودِ؟ يولدُ المَولودُ عَلَى الفطرةِ بريئاً لا ذنبَ لهُ ولَا إثْمَ عليهِ، ولكنَّ مَنْ يحيطونَ بِهِ يأخذونَهُ نَحوَ الإيمانِ أو يدفعونَهُ نَحوَ الكفرِ، ولمَّا كانَ الفجَّارُ والكفَّارُ هُم أكثرُ المحيطين بمواليدِ قومِ نوحٍ، عَرَفَ نُوحٌ عليه السلام أنَّ هؤلاءِ الأطفالَ سيكونونَ بَعدَ بلوغِهِم سنَّ الرُّشدِ صورةً لِمَن يحيطونَ بِهِم، فدَعَا نوحٌ عليهِم جميعَاً. وقَدْ ذَكَرَ اللهُ - عزَّ وجلَّ - عَلَى لسَانِ نوحٍ لفظَي "فاجرًا كفَّارا" قاصِداً بِهِمَا المولودَ باعتبارِ مَا سَيَكونُ عليهِ، وهَذَا مجازٌ مرسلٌ علاقتُهُ "اعتبارُ مَا سَيَكُونُ".

      6- قال الله تعالى:
      ï´؟كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهï´¾11.

      148
      هَذَا وعيدٌ مِنَ اللهِ - تَعَالَى -، أيْ فليدعُ أهلَ نادِيهِ ومجلسِهِ, يَعنِى عشيرتَهُ, فلينتصِرْ بِهِم إذَا حلَّ عقابُ اللهِ بِهِ, والأَمرُ - هنَا - للسُّخريةِ والاستخفافِ، فإِنَّنَا نَعرِفُ أنَّ مَعنَى النادِي مكانُ الاجتماعِ، ولكنَّ المقصودَ بِهِ فِي الآيةِ الكريمةِ مَنْ فِي هَذَا المكانِ مِنْ عشيرتِهِ ونُصرائِهِ، فِهُوَ مجازٌ أُطلقَ فيهِ المحلُّ وأريدَ الحالُّ، فالعلاقةُ "المحلِّيَّةُ", وهِيَ إحدَى عَلاقاتِ المَجَازِ المُرسَلِ.

      7- يقول الله عزَّ وجلَّ:
      ï´؟وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَï´¾12.
      بِخِلافِ العَلاقَةِ فِي الحَالَةِ السَّابِقَةِ تَأتِي هَذِهِ الآيةُ الكريمَةُ, فالرَّحمَةُ أمرٌ معنويُّ ومَعنَى مِنَ المعانِي لَا يُحَلُّ فِيهِ, وإنَّمَا يُحَلُّ فِي مَكَانِهِ, فاستعمالُهُ - هُنَا - هُوَ استعمالٌ مجازيٌّ, قَدْ أُطلقَ فيهِ الحالُّ وأُرِيدَ المَحَلُّ, وإذَا ذُكِرَ الحالُّ وأُرِيدَ المَحَلُّ، فالعلاقَةُ "حالّيّة"، وهِيَ كَذَلِكَ إِحْدَى هَذِهِ العَلاَقَاتِ.

      استنتاج:
      مِنْ خِلالِ الأمثلَةِ السَّابِقَةِ رأيْنَا أنَّ كلَّ مَجَازٍ مِمَّا سَبَقَ كانَت لَهُ علاقةٌ غيرُ المشابهةِ مَع قرينةٍ مانعةٍ مِنْ إرادةِ المَعنَى الأصليّ، وَهَذَا النَّوعُ مِنَ المَجَازِ الُّلغَويّ يُسمَّى "المجازُ المرسلُ". وقَد ذَكَرنَا بَعْضَ العَلاقَاتِ وأعرَضنَا عَن ذِكرِ بعضِهَا الآَخَرِ الذي يُمكنُ إرجَاعُه إلَى مَا مَرَّ ذِكرُهُ.


      149
      القواعد الرئيسة
      1- المجازُ الْمُرسَلُ: كلمةٌ اسْتُعْمِلَتْ في غَيْر مَعناها الأَصْليِّ لعلاقةٍ غير المشابهةِ مَعَ قرينةٍ مانعةٍ من إِرادةِ المعنَى الأصْليِّ.
      2- مِنْ عَلاقات المجاز المُرْسَل: السَّببيَّةُ - المسَبَّبيَّةُ - الجُزئيةُ - الكليَّةُ - اعْتبَارُ ما كانَ - اعتبارُ ما يكونُ - المَحَليِّةُ - الحالِّيَّةُ.
      تمارين
      بيِّنْ كلَّ مجازٍ مرسَلٍ وعلاقتَه فيما يأتي:
      قال تعالى:
      ï´؟وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَï´¾13.

      قال تعالى في شأْن موسى عليه السلام:
      ï´؟..فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ..ï´¾14.

      وقال تعالى:
      ï´؟فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍï´¾15.

      وقال تعالى عن المنافقين:
      ï´؟يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْï´¾16.

      قال تعالى:
      ï´؟وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا...ï´¾17.

      قال تعالى:
      ï´؟وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَï´¾18.

      قال ابن الزَّيات في رثاءِ زوْجه:
      أَلاَ منْ رأى الطِّفْلَ المُفارقَ أمَّه بَعِيدَ الكَرى عَيْنَاهُ رويت

      ويُنسبُ إلى السموأل:
      تسِيلُ على حدِّ السُّيوفِ نُفوسُنَا وَلَيْسَ على غَيْر السُّيُوف تَسيلُ

      وقال الشاعر:
      أَلِمَّا على مَعْنٍ وَقولاَ لِقبرهِ سَقتْك الغواديَ مربعاً ثُمَّ مَرْبعا

      وقال الشاعر:
      لا أركبُ البحرَ أخشى عليَّ منهُ المعاطبْ
      طينٌ أنا وَهْوَ ماءٌ والطينُ في الماء ذائبْ

      وقال آخر:
      وما مِنْ يدٍ إلا يَدُ اللهِ فَوْقَها ولاَ ظَالم إِلاَّ سيُبْلى بأَظْلَمِ

      وقال المتنبي في ذم كافور:
      إنّي نَزَلْتُ بكَذّابِينَ، ضَيْفُهُمُ عَنِ القِرَى وَعَنِ الترْحالِ محْدُودُ

      وقال أيضاً:
      رَأيتُكَ محْضَ الحِلْمِ في محْضِ قُدرَةٍ وَلوْ شئتَ كانَ الحِلمُ منكَ المُهنّدَا
      للمطالعة
      الشاعر العبدي الكوفي
      الشريف وهو أبو محمَّد سفيان بن مصعب العبدي الكوفي. من شعراء أهل البيت الطاهرين عليهم السلام، المتزلِّفين إليهم بولائه وشعره، المقبولين عندهم لصدق نيَّته وانقطاعِهِ إليهم، وقد تضمّن شعره غير يسيرٍ من مناقب مولانا أمير المؤمنين عليه السلام الشَّهيرة، وأكثرَ من مدحِه ومدحِ ذريَّته الأطيبين وأطاب، وتفجَّع على مصائبهم ورثاهم على ما انتابهم من المحن، ولم نجدْ في غير آلِ الله له شعراً.

      عدّه شيخ الطائفة في رجاله من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام ولم يك صحبته مجرّد ألفة معه، أو محض اختلاف إليه، أو أن عصراً واحداً يجمعهما لكنه حظي بزلفة عنده منبعثة عن صميم الود وخالص الولاء، وإيمان لا يشوبه أي شائبة حتى أمرالإمام عليه السلام شيعته بتعليم شعره أولادهم وقال: إنّه على دين الله. كما رواه الكشي في رجاله بإسناده عن سماعة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا معشر الشيعة علّموا أولادكم شعر العبدي فإنّه على دين الله.

      وينم عن صدق لهجته، واستقامة طريقته في شعره، وسلامة معانيه عن أي مغمز، أمر الإمام عليه السلام إياه بنظم ما تنوح به النساء في المأتم كما رواه الكشي في رجاله (ص 254). وكان يأخذ الحديث عن الصادق عليه السلام في مناقب العترة الطاهرة فينظمه في الحال ثم يعرضه عليه كما رواه ابن عياش في "مقتضب الأثر" عن أحمد بن زياد الهمداني قال: حدثني علي بن إبراهيم بن هاشم قال: حدثني أبي عن الحسن بن علي سجاده عن أبان بن عمر ختن آل ميثم قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه سفيان بن مصعب العبدي قال: جعلني الله فداك ما تقول في قوله تعالى ذكره: وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم؟! قال: هم الأوصياء من آل محمد الإثني عشر لا يعرف الله إلا من عرفهم وعرفوه. قال: فما الأعراف جعلت فداك ؟ ! قال: كتائب من مسك عليها رسول الله والأوصياء يعرفون كلا بسيماهم. فقال سفيان: أفلا أقول في ذلك شيئا؟! فقال من قصيدة:
      أيا ربعهم هل فيك لي اليوم مَربعُ؟! وهلْ لليالٍ كُنَّ لي فيكَ مرجعُ؟!

      يقول فيها:
      وأنتم ولاةُ الحشرِ والنشرِ والجزاءِ وأنتمْ ليومِ المفزعِ الهولِ مفزعُ
      وأنتم على الأعراف وهي كثائب من المسك ريّاها بكم يتضوّعُ
      ثمانيةٌ بالعرش إذ يحملونه ومن بعدهم في الأرض هادون أربعُ

      إن الواقف على شعر شاعرنا (العبدي) وما فيه من الجودة. والجزالة. والسهولة. والعذوبة. والفخامة. والحلاوة. والمتانة. يشهد بنبوغه في الشعر، وتضلعه في فنونه، ويعترف له بالتقدم والبروز19.
      هوامش
      1- علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة، ص 97.
      2- سورة غافر، الآية: 13.
      3- سورة النساء، الآية: 92.
      4- مالك بن فهم الأزدي، 480 ق. هـ - 157 شاعر، أول من مُلِّكَ على العرب بأرض الحيرة، أصله من قحطان، هاجر من اليمن بعد سيل العَرِم في جماعة من قومه، فنزل بالعراق وابتنى بستاناً في موقع الحيرة وامتدت أيدي رجاله بحكم تلك الأنحاء فلم يكن عليها سلطان غير سلطانه. وعاش فيها نحو عشرين سنة. قتله ابنه سليمة بن مالك غِيلة، و قيل خطأً (وكان مالكا أراد اختبار يقظة ابنه في أثناء الحراسة ومقدار احترازه في الظلام، في ليلة نوبته، فرماه سليمة خطأ، وهو يظنه عدوّاً، فخاف أن يقتله أخوه معن جزاء ما فعل، فرحل إلى فارس.) ومن أولاده جَذِيمة الوَضَّاح (نحو 366 ق. هـ، 268م) المعروف بالأبرش ثالث ملوك الدولة التنوخية في العراق، وعمرو بن مالك بن فهم، وعوف بن مالك بن فهم، وهناءة بن مالك بن فهم.
      5- استد الشيء: أي استقام.
      6- سورة نوح، الآية: 7.
      7- سورة المائدة، الآية: 38.
      8- ولهذه العلاقة شواهد في الشعر العربي كقول احمد شوقي في قصيدة بعنوان (نكبة دمشق) يتحدث فيها عن الكفاح ضد المستعمرين:
      بلادٌ ماتَ فِتْيَتُها لتَحْيى وزالوا دونَ قومِهم ليبقوا
      فمن المؤكد أن الشاعر لم يرد أن الموت قد اصاب الفتية كلَّهم، وإنما عمّم الموت عليهم ليصور مبالغتهم في طلب الموت دفعا للاستعمار، فذكر "الفتية" كلهم قاصدا بذلك بعضهم بقرينة معنوية هي استحالة موت الفتية جميعهم، فالعلاقة بين اللفظ المذكور "فتيتها" وبين ما أراده الشاعر "بعضهم" هو علاقة الكل بالجزء. والمجاز الذي يذكر فيه الكل ليدل على الجزء هو مجاز مرسل علاقته الكلية.

      9- سورة النساء، الآية: 2.
      10- سورة نوح، الآيتان: 26-27.
      11- سورة العلق، الآيات: 15-17.
      12- سورة آل عمران، الآية: 107.
      13- سورة آل عمران، الآية: 107.
      14- سورة طه، الآية: 40.
      15- سورة الصافات، الآية: 101.
      16- سورة آل عمران، الآية: 167.
      17- سورة يوسف، الآية: 36.
      18- سورة يوسف، الآية: 82.
      19- الغدير، الأميني، ج2، ص300-301.



      يتبع

      تعليق


      • #4
        الدرس الرابع عشر: المجازُ العقليّ
        أهداف الدرس:
        1- أن يتعرّف الطالب إلى المجاز العقلي.
        2- أن يدرك علاقات المجاز العقلي.
        3- أن يكتسب مهارة استخدام المجاز العقلي.


        155

        المجازُ العقليّ1:
        المجازُ العَقليُّ أسلُوبٌ مِنْ أَسَالِيبِ الُّلغَةِ العَرَبِيَّةِ, يُعَبِّرُ عَنْ سَعَةِ هَذِهِ الُّلغَةِ, وقُدرتِهَا عَلَى تَجَاوزِ حدودِ الحقيقةِ إِلَى الخَيَالِ. وقَدْ قَالَ فِيهِ عبدُ القاهِرِ الجرجانيّ2: "هَذَا الضَّربُ مِنَ المَجَازِ عَلَى حدَّتِهِ, كَنْزٌ مِنْ كنُوزِ البَلاغَةِ, ومادةُ الشَّاعر المفلقِ, والكاتبِ البَليغِ فِي الإبداعِ والإحسَانِ والاتِّساعِ فِي طَريقِ البَيَانِ"3.

        والمَجَازُ العقليُّ غير اللغويّ، لأن الأخير يُستعمل فيه اللفظ في غير ما وُضع له ويراد غير ما وُضع له، بينما يُستعمل اللفظ في المجاز العقليّ فيما وُضع له.
        فلو قلنا "بنى وزير التعليم العالي جامعةٌ" استعملنا فعل بنى في معناه، وكذلك كلمة الوزير، وأردنا منها دلالتهما الموضوعة، ولكننا سلكنا مسلك مجاز آخر هو الموسوم بالمجاز العقلي والذي يكون فيه المجاز في إسناد وبناء


        157

        الجامعة إلى الوزير، أي أنّنا ادّعينا في العقل أنّه الوزير, لأنّه الآمر بالبناء مسبِّبهُ هو الباني مع أنه ليس الباني حقيقة. وهذا يختلف عما لو استعملنا لفظ السبب في المُسَبّب وأردنا منه المُسَبِّب كما في المجاز اللغوي المرسل، حيث لا يعود الوزير مستعملاً في الموضوع له.

        والعقل هو القرينة على هذا المجاز العقلي وهذا الادعاء والتنزيل، وهذا المجاز في الإسناد, لأن الوزير يستحيل في العادة أن يبنيَ جامعةً وحده، بل هو لا يشارك في بنائها في العادة إلا رمزياً بوضع حجر الأساس، بل رجاله من مهندسين وعُمال هم الذين قاموا بهذا العمل، وإسناد البناء إليه مجاز عقليّ وإسناد للفعل إلى غير صاحبه. ولِهَذَا النَّوعِ مِنَ المَجَازِ علاقاتٌ مختلفةٌ باختلافِ الإسنادِ سنوضِّحُهَا مِنْ خِلَالِ الأمثِلَةِ الآتيةِ:
        1- علاقة السببية: يقولُ اللهُ سبحانَهُ حِكَايَةً عَنْ فِرعَونَ:
        ï´؟وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَï´¾4.
        فِي هَذِهِ الآيةِ نجدُ يُشبه في تحليله المثل السابق, فالفعلُ "ابنِ" أسنِدَ إلَى غيرِ فاعِلِهِ الحقيقيّ, فإنَّ هَامَانَ - وهُوَ الوزيرُ والمستشارُ - لَا يَقومُ بِفعلِ البِنَاءِ بنفسِهِ, وإنَّمَا مَنْ يَقُومُ بالفعلِ هُمُ العمَّالُ والبنَّاؤونَ, وهُوَ مَنْ يُعطِي الأَمرَ, ولكنْ لمَّا كانَ هَذَا الوزيرُ سَبَباً فِي بِنَاءِ الصَّرحِ, أُسنِدَ الفعلُ إليهِ, فعلاقَةُ هَامَانَ بالبِنَاءِ علاقَةٌ سَبَبِيَّةٌ, ولأنَّ الفِعلَ - هنَا - أُسنِدَ إِلَى سَبَبِهِ, وَهَذَا الإِسنَادُ غيرُ حقيقيّ, لأنَّ الإسنَادَ الحقيقيّ هُوَ إسنَادُ الفِعْلِ إلَى فَاعِلِهِ الحقيقيّ, فالإسنادُ هَذَا مَجَازِيٌّ, ويُسَمَّى بـ "المجاز العقلي".


        158

        2- علاقة الفاعلية: يقولُ الشَّاعِرُ5:
        سَتُبدي لَكَ الأَيّامُ ما كُنتَ جاهِلاً وَيَأتيكَ بِالأَخبارِ مَن لَم تُزَوِّدِ
        فِي هَذَا البيتِ إسنادُ الإبداءِ إلَى الأيَّامِ, ونَحنُ نَعلمُ أنَّه لَا يُمكنُ للأيَّامِ أنْ تُبدِيَ وتُظهِرَ, وإنَّمَا هِيَ زمانٌ لِحُصولِ الإبْدَاءِ, وقَد أرادَ الشَّاعرُ حقيقةً أنْ يقولَ لمُخَاطَبِهِ: إنَّ حَوادِثَ الأيَّامِ ستُبدِي لَكَ, فإسنادُهُ الإبْدَاءَ إلَى الأيَّامِ, مجازٌ عقليٌّ, وبِمَا أنَّ الأيَّامَ جزءٌ مِنَ الزَّمَانِ, ومَحَلٌّ لِوقُوعِ الإبداءِ, تكونُ العلاقَةُ علاقَةً"زمانيّة".

        ومثلُ هَذَا لَو قُلنَا: "نهارُ الزَّاهِدِ صائمٌ وليلُهُ قائِمٌ", فإنَّ الصَّومَ أُسنِدَ إلَى النَّهارِ, والنّهارُ لَا يصومُ, وإنَّمَا هُوَ زمانٌ للصِّيامِ, وأُسنِدَ القِيَامُ إلَى الَّليلِ, والَّليلُ لَا يَقُومُ, وإنما يقامُ فِيهِ, ونُلاحِظُ فِي هَذَا المثالِ أنَّه لَا يُوجَدُ فعلٌ يُسنَدُ إليهِ وإنَّمَا اسمُ فاعلٍ, وهَذَا جائزٌ, لأنَّ اسمَ الفاعِلِ شبيهُ الفِعلِ فِي قُوّتِهِ وَكَذَلِكَ اسمُ المفعولِ والمَصْدَرِ.

        3- علاقة المكانية
        : يقولُ الحَيصَ بِيص6:
        مَلكْنا فكان العَفْوُ منَّا سَجيَّةً فلمَّا مَلَكْتُمْ سالَ بالدَّمِ أبْطَحُ7
        لَقَدْ أُسْنِدَ سَيَلانُ الدمِ إلَى أبطحَ, أيْ إلَى غَيرِ فَاعِلِهِ لأنَّ الأبطَحَ مكانُ سَيَلانِ الدَّمِ وهُوَ لَا يَسِيلُ، وإنَّمَا يَسِيلُ مَا فيهِ وهُوَ الدَّمُ, ولمَّا كانَ الإسنادُ إلَى مَكانِ جَرَيانِ الدَّمِ صَارَ الإسنادُ مجَازِيَّا عَلاقَتَه "المكانيةُ".


        159

        4- علاقة المصدرية: يقولُ أبُو فِراسٍ الحَمْدَانِيُّ:
        سَيَذكُرُني قَومي إِذا جَدَّ جِدُّهُم وَفي اللَيلَةِ الظَّلماءِ يُفتَقَدُ البَدرُ
        فقد أسندَ الجِدَّ إلى الجِدِّ، أي الاجتهادِ، وهو ليسَ بفاعلِ له، بل فاعلُه الجادُّ - فأصله جدَّ الجادُّ جدًّا، أي اجتهدَ اجتهاداً، فحذفَ الفاعلَ الأصليَّ وهو الجادُّ، وأسندَ الفعلَ إلى الجِدِّ وهو مصدرُ الفاعلِ الحقيقيّ, ولِهَذَا كانت علاقة الإسنادَ المجازيَّ هُنَا هي "المصدريةٌ".

        5- علاقة الفاعلية:
        يقولُ اللهُ - تَعَالَى-:
        ï´؟وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًاï´¾8.
        الحِجَابُ فِي أَصلِهِ سَاتِرٌ, وليسَ مَستُوراً, وهنا نقولُ: أُسنِدَ الوَصْفُ المبنيُّ للمَفعولِ إلَى الفَاعِلِ, وكان حقّه أن يُسْنَدَ الى المفعول: لأن اسم المعفول يطلب نائب فاعل أي: مفعولاً، لا فاعلاً، فإذا أُسند إلى الفاعل كانَ هَذَا مَجَازاً عَقليَّاً عَلاقَتُهُ "الفاعليَّةُ". ومثلُ الآيةِ المبارَكَةِ قولُهُ - تَعَالَى-:
        ï´؟إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّاï´¾9.

        6- علاقة المفعولية:
        يقول الله -تعالى-:
        ï´؟أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًاï´¾10.
        الحرمُ لَا يكونُ آمِنَاً, لأنَّ الإحسَاسَ بالأمنِ مِنْ صفاتِ الأحياءِ, وإنَّمَا هُوَ مأمونٌ فيه, فاسمُ الفَاعِلِ - هنَا - أسنِدَ إلَى المفعولِ, وهَذَا مَجَازٌ عَقليٌّ عَلَاقَتُهُ "المفعوليَّةُ"11.


        160

        القواعد الرئيسة
        1- المجاز العقلي هو إسناد الفعل أو ما في معناه إلى غير ما هو له لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة الإسناد الحقيقي.
        2- الإسناد المجازي يكون إلى سبب الفعل أو زمانه أو مكانه أو مصدره أو بإسناد المبني للفاعل إلى المفعول أو المبني للمفعول إلى الفاعل.
        تمارين
        وضّح المجاز العقلي فيما يأتي وبين علاقته وقرينته:
        - قال تعالى:
        ï´؟أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًاï´¾12

        كان المنزلُ عامراً وكانَت حجرُهُ مضيئةً
        عظمتْ عظمَتُهُ وصَالتْ صولتُه

        لقد لمتِنَا يا أمَّ غيلانَ فِي السُّرَى ونمتِ وما لَيْلُ المَطّيِّ بنائِمِ
        ضربَ الدهرُ بينهم وفرَّق شملَهم
        والهمُّ يَختَرِمُ الجسيمَ نحافةً ويُشيبُ ناصيةَ الصبيِّ ويُهرِمُ
        فبتُّ كأنِّي ساوَرَتنِي ضئيلةٌ مِنَ الرُّقشِ فِي أنيابِها السُّمُّ ناقعُ

        - وقال تعالى:
        ï´؟إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْï´¾13.

        اعطِ مثالاً في كلٍّ من هذه الموارد:

        - مجاز عقلي علاقته السببية.
        - مجاز عقلي علاقته المفعولية.
        - مجاز عقلي علاقته المكانية.
        - مجاز عقلي علاقته الزمانية.
        - وقال أيضاً:
        ï´؟لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَï´¾14.
        للمطالعة
        بلاغةُ المجازِ المرسلِ والمجازِ العقليِّ15
        فوائد بلاغية للمجازين المرسل والعقلي:
        إنَّ للمجازِ المرسل، على أنواعه، وكذلك العقليِّ، على أقسامه، فوائدَ كثيرةً منها:
        1- الإيجاز، فإنَّ قوله: بنَى الأميرُ المدينةَ أوجزُ من ذكر البَنّائينَ والمهندسينَ ونحوهِما، ونحوه غيره.
        2- سعةُ اللفظِ وطرق التعبير، فإنه لو لم يجزْ إلا جرَى ماءُ النهرِ كان لكلِّ معنَى تركيبٌ واحدٌ، وهكذا بقيّةُ التراكيب.
        3- إيرادُ المعنى في صورةٍ دقيقةٍ قريبة إلى الذهنِ، إلى غير ذلك من الفوائدَ البلاغيةِ.
        4- المبالغة الموجودة، ففي إسناد بناء الجامعة إلى الوزير، مبالغة لطيفة.
        5- جمالية الدقة في اختيار العلاقة.

        إذا تأمّلت أنواع المجاز المرسل والعقلي رأيت أنّها في الغالب تؤدّي المعنَى المقصود بإيجاز، فإذا قلت:"هزمَ القائدُ الجيشَ" أو "قرّرَ المجلس كذا" كان ذلك أوجزَ من أنْ تقول: "هزمَ جنودُ القائد الجيش"، أو "قرّر أهل المجلس كذا"، ولا شكَّ أنَّ الإيجاز ضربٌ من ضروب البلاغة. وهناك مظهر آخر للبلاغة في هذين المجازين هو المهارة في تخيّر العلاقة بين المعنى الأصلي والمعنى المجازيِّ، بحيث يكون المجاز مصوّراً للمعنى المقصود خير تصوير كما في إطلاق العين على الجاسوس، والأذن على سريع التأثّر بالوشاية. والخفِّ والحافر على الجمال والخيل في المجاز المرسل، وكما في إسناد الشيء إلى سببه أو مكانه أو زمانه في المجاز العقلي،فإنّ البلاغة توجبُ أنْ يختار السبب القوي والمكان والزمان المختصّين.

        وإذا دقّقتَ النظر رأيت أنَّ أغلب ضروب المجاز المرسل والعقلي لا تخلو من مبالغة بديعة ذات أثر في جعل المجاز رائعاً خلّاباً، فإطلاقُ الكلِّ على الجزء مبالغة ومثله إطلاق الجزء وإرادة الكلّ، كما إذا قلت: "فلان فم" تريد أنّه شره يلتقم كلَّ شيء. أو "فلانٌ أنفٌ" عندما تريد أن تصفه بعظم الأنف فتبالغ فتجعله كلّه أنفاً. وممّا يؤثر عن بعض الأدباء في وصف رجل أنافيٍّ16 قوله: "لست أدري أهو في أنفه أمْ أنفهُ فيه".
        هوامش
        1- ويسمّيه بعض البلاغيين بالمجاز الحُكْمي او الاسناد المجازي.
        2- عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني، أبو بكر. 471 هـ - 1078 م واضع أصول البلاغة، كان من أئمة اللغة، من أهل جرجان (بين طبرستان وخراسان) له شعر رقيق. من كتبه (أسرار البلاغة- ط)، و(دلائل الإعجاز- ط)، و(الجمل- خ) في النحو، و(التتمة- خ) نحو، و(المغني) في شرح الإيضاح، ثلاثون جزءاً، اختصره في شرح آخر سماه (المقتصد- خ) الجزء الثاني منه، و(إعجاز القرآن- ط)، و(العمدة) في تصريف الأفعال، و(العوامل المائة- ط).
        3- دلائل الاعجاز ص 228
        4- سورة غافر، الآية: 36.
        5- طُرَفَةٌ بن العبد بن سفيان بن سعد، أبو عمرو، البكري الوائلي. 86 - 60 ق. هـ/ 539 - 564 م شاعرٌ جاهليٌ من الطبقة الأولى، كان هجاءً غير فاحش القول، تفيض الحكمة على لسانه في أكثر شعره، ولد في بادية البحرين وتنقّل في بقاع نجد. اتصل بالملك عمرو بن هند فجعله في ندمائه، ثم أرسله بكتاب إلى المكعبر عامله على البحرين وعُمان يأمره فيه بقتله، لأبيات بلغ الملك أن طرفة هجاه بها، فقتله المكعبر شابّاً.
        6- سعد بن محمد بن سعد بن الصيفي التميمي أبو الفوارس. 492 - 574 هـ / 1098 - 1178 م شاعر مشهور من أهل بغداد كان يلقب بأبي الفوارس نشأ فقيهاً وغلب عليه الأدب والشعر وكان يلبس زي أمراء البادية ويتقلد سيفاً ولا ينطق بغير العربية الفصحى.
        وتوفي ببغداد عن 82عاماً. له (ديوان شعر -ط) الجزء الأول منه ببغداد ورسائل أورد ابن أبي أصيبعة نتفاً منه.

        7- الابطح: مسيل واسع فيه دقاق الحصى.
        8- سورة الإسراء، الآية: 45.
        9- سورة مريم، الآية:61.
        10- سورة القصص، الآية: 57.
        11- الفعلُ المبنيُّ للفاعلِ واسمِ الفاعلِ إذَا أُسندا إلى المفعولِ فالعلاقةُ "المفعوليةُ"، والفعلُ المبنيُّ للمجهولِ واسمُ المفعولِ إذ أُسندا إلى الفاعلِ فالعلاقةُ الفاعليةُ، واسمُ المفعولِ المستعمَلُ في موضعِ اسمِ الفاعلِ مجازٌ، علاقتُه "المفعوليةُ"، واسمُ الفاعل المستعمل في موضع اسمِ المفعول ِمجازٌ، علاقتُه "الفاعليةُ".
        12- سورة القصص، الآية: 57.
        13- سورة القصص، الآية: 4.
        14- سورة هود، الآية: 43.
        15- علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة، ص 103 - 104.
        16- رَجُلٌ أُنافِيٌّ بِالضَّمِّ أَي: عَظِيمُ الأنْفِ.



        يتبع

        تعليق


        • #5
          الدرس الخامس عشر: الكنايةُ
          أهداف الدرس:
          1- أن يتعرّف الطالب إلى معنى الكناية لغةً واصطلاحاً.
          2- أن يدركَ أقسام الكناية.
          3- أن يتقن استخدام الكناية في كتابته الأدبية.


          165

          الكنايةُ1:
          الكنايةُ لغةً: مَا يَتَكلَّمُ بِهِ الإِنسَانُ ويُرِيدُ بِهِ غَيرَهُ وهِيَ مَصْدَرُ "كَنَيْتُ" أو "كَنَوْتُ" بكَذَا إذَا تَرَكْتُ التَّصرِيحَ بِهِ.

          واصطلاحاً: لفظٌ أُرِيدَ بِهِ غيرُ معنَاه الَّذي وُضِعَ لَهُ، مَعْ جَوَازِ إِرَادَةِ المَعْنَى الأصليِّ لِعَدمِ وجودِ قرينةٍ مانعةٍ مِنْ إرادَتِهِ.

          وحتَّى نقفَ عَلَى مفهومِ الكِنَايَةِ تعالَوا بِنَا ننظرُ فِي شَكوَى أعرابيَّةٍ إلَى أَحَدِ الوُلاةِ، فَقَد جَاءَتْ أعرابيَّةٌ إلَى قَيسِ بنِ سَعد2 فقالَتْ لَهُ: أَشكُو إليكَ قلَّةَ الفَئرَانِ فِي بَيْتِي.

          فَمَا كانَ مِنْ ذَلكَ الوَالِي إلَّا أنْ مَلَأَ بيتَهَا طَعَامَاً وكِسَاءً.

          ولَا يَخفَى عَلى فَهمِنَا أنَّ تِلكَ الشَّاكيَةَ لمْ تُردْ أنْ تملأَ بيتَهَا فِئْرَانَاً, وإنَّما أرادتْ أنْ تَشكوَ للوالِي شدَّةَ فقرِهَا، حتَّى أنَّ الفئرانَ هَجَرَتْ بيتَهَا, لأنَّها لَا تَجِدُ مَا تَقتَاتُ بِهِ، وقَد فَطِنَ الوالِي لمُرادِهَا مِنْ عبارتِهَا تِلكَ، فَفَعَلَ مَا فَعَلَ لِمعرِفَتِهِ أنَّه يَلزَمُ مِنْ قلَّةِ الفئرانِ فِي بيتِ تِلكَ الأعرابيَّةِ الشَّاكيَةِ فقرُهَا وحاجتُهَا, مَعْ أنَّهُ


          167

          مِنَ الجائزِ أنْ يكونَ بيتُهَا قليلَ الفئرانِ عَلَى الحقيقةِ.

          وتنقسمُ الكنايةُ بحسبِ المعنَى الَّذي تُشيرُ إليهِ إِلَى ثلاثةِ أقسامٍ:
          والكناية وسط بين الحقيقة والمجاز، فليست مجازاً وليست حقيقة, وذلك لأنها يُستعمل فيها اللفظ في معناه الحقيقي الموضوع، أو الالفاظ - إن كانت الكناية مركبة من ألفاظ - في معانيها الموضوعة لها، فتختلف بهذا عن المجاز اللغوي، ولكننا لا نريد من هذه الألفاظ معانيها الحقيقية، بل نريد لازم تلك المعاني، وبهذا تختلف الكناية عن الحقيقة.

          أولاً: الكناية عن صفة:
          نَقْرَأُ كلامَ الخنساءِ3, تِلكَ الشَّاعرةَ البَاكِيَةَ المفجوعَةَ تَرثِي أخَاهَا بأعذَبِ الأَبيَاتِ, وتَختَصِرُ مآثِرَهُ ببيتٍ حَمَلَ الكَثِيرَ, فَتَقُولُ:
          طويلُ النِّجادِ رَفِيعُ العِمَادِ كثيرُ الرَّمَادِ إذا مَا شَتَا

          لَقَد وَرَدَ فِي بيتِ الخَنْسَاءِ ثلاثَةُ أوصَافٍ لصَخْرَ هي: طويلُ النِّجادِ, ويَعنِي فِي الأصلِ أنَّ مَحمِلَ سيفِهِ طويلٌ، ورَفِيعُ العِمَادِ, ويَعنِي فِي الأصَلِ أنَّ عَمودَ بَيتِهِ مرتَفِعٌ، وكثيرُ الرَّمَادِ, ويَعنِي فِي الأصلِ أنَّ مُخَلَّفَاتِ نارِهِ كثيرةٌ.

          والأسئلةُ الَّتي تُلحُّ عَلَيْنَا، ونُرِيدُ أنْ نُجِيبَ عَلَيهَا:
          1- مَاذَا قَصَدَتِ الخَنْسَاءُ مِنْ وَرَاءِ وَصفِ كلٍّ مِنْ الأوصَافِ السَّالِفَةِ؟
          2- ومَا عَلاقَةُ المَعنَى الأصِيلِ لكلِّ وصفٍ مِنَ الأَوصَافِ السَّالفةِ بالمَعنَى الَّذي قصدتْهُ الخَنْسَاءُ؟


          168

          3- وهَلْ مِنَ الجَائِزِ لَنَا إرادةُ المعانِي الحقيقيَّةِ الواردةِ للأوصافِ السَّالِفةِ؟

          كثيراً مَا يَعرُضُ لَنَا عِبَارةٌ أو أكثرُ لَا نَأخذُهَا بمعنَاهَا الأصيلِ، وإنَّما نَستَدِلُّ بِهَا عَلَى معنىً آخرَ, لأنَّ قائِلَهَا إنَّما أرادَ أنْ يُومِئَ لَنَا بعبارَتِهِ تِلكَ عَنْ معنىً مكنونٍ فِي نفسِهِ.

          وهَذَا مَا نَجِدُهُ عندَ الخَنْسَاءِ فِي رِثَاءِ أخِيهَا، عندَمَا أرادَتْ أنْ تَذْكُرَ مَحَامِدَهُ، فكانَ مِمَّا وَصَفَتْهُ بِهِ أنَّ مَحْمِلَ سَيفِهِ طويلٌ (طويل النِّجَاد) وهَذَا يقتضِي أنَّ صَاحِبَهُ طويلُ القامَةِ, إذْ ليسَ مِنَ المُنَاسِبِ أنْ يكونَ مَحْمِلُ سيفِ المَرءِ طِويلاً وهُوَ قَصِيرُ القَامَةِ، وهَكَذَا فإنَّ المُرَادَ بقولِهَا (طويل النِّجَاد) أَنَّ صَخْراً طويلٌ يملأُ العينَ.

          ووصفتْهُ بأنَّ عَمُودَ بيتِهِ مرتفِعٌ (رفيع العِمَاد) قاصدةً بِذَلكَ أنَّهُ وجيهٌ عظيمُ المَنْزِلَةِ، كَمَا وصَفَتْهُ بأنَّ مخلَّفَاتِ نارِهِ كثيرةٌ (كثير الرماد) ولمْ تقصدْ بِذَلِكَ إلَّا أنَّهُ كريمٌ مضيافٌ.
          ولكنْ ثمَّةَ علاقةٌ تَظْهَرُ بَينَ المَعنَى الأصِيلِ والمَعنَى المقصودِ، فطولُ النَّجادِ فِي قَولِ الخَنسَاءِ لعل المراد منه أنّه كلما ارتفع عماد الخيمة ووسطها اتّسعت وامتدت أطرافها لطول الخطوط المنحنية الواصلة إلى أطرافها حينئذٍ، وهذا لازم له لازم، فسعة البيت لكثرة الضيوف، وكثرة الضيوف تدل على الوجاهة وعلوّ المركز.

          كَمَا أنَّ مِنْ مستلزَمَاتِ كَثرةِ الرَّمَادِ كثرةَ حرقِ الحَطَبِ للطبخِ، ما يلازم كثرةَ الضيوفِ، وهَذَا دليلُ الكرمِ.

          وعَلَى الرَّغْمِ مِنْ أنَّ المَعنَى الأصيلَ ليسَ هُوَ المقصودَ إلَّا أنَّه ليْسَ ممتنِعَاً، فمِنَ الجَائِزِ لَنَا إرَادَةُ المَعنَى الأصيلِ فِي كَونِ مَحمِلِ سَيفِ صَخر طويلاً عَلَى


          169

          الحقيقةِ، وكَذَا ارتفاع عَمُودِ بيتِهِ وكثرَة مُخَلَّفَاتِ نارِهِ. ولمَّا كانَ كلُّ تَركِيبٍ مِنَ التَّرَاكِيبِ السَّابِقَةِ، وهِيَ"طَويلً النجادِ"، و"رفيعُ العِمَادِ"، و"كثيرُ الرَّمَادِ"، كُنيَ بِهِ عَنْ صِفَةٍ لازِمَةٍ لمَعنَاه، كانَ كلُّ تركيبٍ مِنْ هَذِهِ ومَا يُشبِهُهُ "كنايةً عَنْ صِفَةٍ" وهِيَ القِسمُ الأوَّلُ مِنَ الكنَايَةِ.
          وهَذَا القِسْمُ مِنَ الكِنَايَةِ لَهُ نَوعَانِ:
          أ- كنايةٌ قريبةٌ: وهِيَ مَا يَكونُ الانتقَالُ فِيَها إِلَى المَطلوبِ بغيرِ وَاسِطةٍ بَينَ المَعنَى المنتَقَلِ عَنهُ، والمَعنَى المنتَقَلِ إِليهِ، كقولِ الخَنْسَاءِ فِي رِثَاءِ صَخْر:
          طَوِيلُ النِّجادِ، رَفِيعُ العمادِ....

          ب- كنايةٌ بعيدة: وهِيَ مَا يَكونُ الانتقالُ فيها إِلَى المطلوبِ بواسطةٍ، أو بوسائطَ، نحوُ: "فلانٌ كثيرُ الرمادِ" كنايةٌ عن المضيافِ، والوسائطُ: هِيَ الانتقالُ مِنْ كثرَةِ الرَّمادِ إِلَى كثرَةِ الإحراقِ، ومِنهَا إِلَى كثرةِ الطبخِ والخبزِ، ومِنهَا إِلَى كثرةِ الضيوفِ، ومِنهَا إِلَى المَطلوبِ وهُوَ المِضيافُ الكريمُ.

          ثانياً: الكناية عن الموصوف:
          يقولُ الشَّاعرُ4:
          الضاربين بِكُلِ أَبيضَ مِخْذَمٍ وَالطاعِنين مَجامِعَ الأَضغان5

          أرادَ الشَّاعرُ أنْ يَصِفَ ممدوحِيهِ بأنَّهم يطعنونَ القلوبَ وقتَ الحَربِ, فانصَرَفَ عَنِ التَّعبِيرِ بالقلوبِ إِلَى مَا هُوَ أملحُ وأوقَعُ فِي النَّفسِ وهُوَ "مجامعُ الأضغانِ", لأنَّ القلوبَ تُفهمُ مِنهُ, إذ هِيَ مُجتَمَعُ الحِقْدِ والبُغْضِ والحَسَدِ وغيرِهَا. ولَا يَخفَى أنَّ مَا أرادَ الشَّاعِرُ أنْ يَكْنِيَ عَنهُ لَيسَ صِفَةً, لأنَّه صَرَّحَ بِتِلكَ الصِّفَةِ فِي كَلَامِهِ, وإنَّما أرَادَ المَعنَى البَعيدَ, فذَكَرَ صِفَةً مُختَصَّةً كانًتْ كِنَايَةً عَنِ المَوصُوفِ


          170

          الَّذي هُوَ القلبُ, وهذا مثلُ قولِ الشَّاعِرِ قولُ أميرِ الشُّعراءِ6:
          وَلي بَينَ الضُلوعِ دَمٌ وَلَحمٌ هُما الواهي الَّذي ثَكِلَ الشَبابا

          فإنَّ الموصُوفَ فِي هَذَا المِثَالِ بالدَّمِ والَّلحمِ بَينَ الضُلوعِ - أيضاً - هُوَ القَلبُ لَا غيرُ، فَقَد كَنَى الشَّاعرُ عَنْ هَذَا الموصُوفِ بِمَا يَدُلُّ عَليهِ مِنْ أنَّه دمٌ ولحمٌ, ويَقَعُ بَينَ الضلوعِ، فالمَكْنِيُّ عَنهُ هُنَا موصوفٌ أيضاً, وكلُّ كِنَايةٍ يَكونُ المَكنِي عَنهُ فِيهَا موصوفاً اصطُلِحَ عَلَى تَسمِيَتِهَا "كِنَايةً عَنْ مَوْصُوفٍ" وهِيَ القِسمُ الثَّانِي مِنْ أَقسَامِ الكِنَايَةِ7.
          ولِهَذَا القِسمِ مِنَ الكِنَايَةِ أيضاً نَوعَانِ:
          أ- أنْ يكونَ للموصوفِ صفةٌ مخَتصَّةٌ، فتُذكَرُ الصَّفَةُ لتَكونَ كنايَةً عَنْ ذَاكَ الموصوفِ، مثلُ "مجامعُ الأضغانِ" كناية عن "القلبِ" أو كقولِهِ - تَعَالَى -:
          ï´؟أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِï´¾8, كناية عن البناتِ والنّساءِ.

          ب- أنْ يكونَ للموصوفِ صفاتٌ مختصّةٌ بموصوفٍ واحدٍ، فنَذكُرُهَا كنايةً عَنْ ذَاكَ الموصوفِ، مثلُ:"الحيّ، مستوي القامَةِ، عريضُ الأظفارِ" كناية عن الإنسانِ، وقوله - تعالى -:
          ï´؟وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍï´¾9 كناية عن السفينةِ.

          ج- يقولُ زيادٌ الأعجمُ10 فِي مدحِ عبدِ اللهِ بنِ الحَشْرَجِ:11


          171

          إِنَّ السَّماحَةَ وَالمُروءَةَ وَالنَّدى في قُبَّةٍ ضُرِبَت عَلى ابنِ الحَشرَجِ

          فَقَد أرادَ الشَّاعِرَ - هنَا - أنْ يَنسِبَ إلَى ممدوحِهِ سَمَاحَةَ النَّفسِ والمروءةَ والنَّدى, فَعَدَلَ عَن نِسبَتِهَا إليهِ مباشرةً, وتَرَكَ التَّصريحَ بالاسمِ بأنْ يقولَ: "ابنُ الحشرجِ مختصٌّ بِهَا" بَلْ نسبَ إِلَى مَكانِهِ وهُوَ القبَّةُ المضروبَةُ عَليهِ, وقَالَ: إنَّ هَذِهِ الصِّفاتِ فِي القبَّةِ الَّتي ضُرِبَتْ عَلَيهِ: ونسبَةُ الصِّفاتِ إلَى القبَّةِ تَستَلزِمُ نسبتَهَا إلَى المَمدُوحِ, فالانتقالُ مِنْ جهةِ أنَّه إذَا أثبتَ الأَمرَ فِي مَكَانِهِ فَقَد أثبتَ له. ومثلُ ذَلكَ مَا لَو قُلنَا فِي وصفِ أعدائِنَا: "المكرُ قَد نُسِجَ فِي ثِيابِهِم", فَقَد أَردْنَا أنْ نَنسِبَ صفةَ المَكرِ إِلَى أعدائِنَا، فعَدَلنَا عَنْ نِسبَتِهَا إليهِم مباشرةً ونسبناهَا إِلَى مَا لَهُ اتصالٌ بِهِم وهُوَ ثيابُهُم، فالمَكْنِيُّ عنهُ - هنَا- هُوَ "نسبةُ صفةِ المكرِ إِلى الأَعدَاءِ" وكلُّ كِنَايةٍ يكونُ المَكنى عَنه فِيهَا نسبةَ صفةٍ اصطُلِحَ عَلَى تسميتِهَا "كنايةٌ عن نسبةٍ" وهِيَ القِسمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقسَامِ الكنَايةِ.

          وهَذِهِ الكنايةُ نوعانِ:
          أ- إمَّا أنْ يكونَ ذو النِّسبةِ مذكوراً فِيهَا، كقولِ الشَّاعِرِ12:
          الْيُمْنُ يَتْبَعُ ظلَّهُ والمجدُ يمشي في ركابه

          ب- وإمَّا أنْ يكونَ ذو النِّسبةِ غيرَ مذكورٍ فِيهَا: كقولِناَ: خيرُ الناسِ مَنْ يَنفعُ النَّاسَ، كنايةً عَنْ نَفي الخيريَّةِ عَمَّنْ لَا ينفعُهم. وكقولِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي"13.


          172

          القواعد الرئيسة
          1- الكنايةُ لفظٌ أُطلقَ وأريدَ به لازمُ معناهُ مع جوازِ إرادة ذلك المعنَى.
          2- تنقسمُ الكنايةِ باعتبارِ المَكْنِيِّ عنه ثلاثةَ أقسامٍ، فإنَّ المَكْنِيِّ عنه قد يكون صفةً، وقد يكون موصوفاً، وقد يكون نسبةً.
          تمارين
          1- بيّنِ الصفةَ التي تلزمُ منْ كلِّ كنايةٍ منَ الكناياتِ الآتيةِ:
          - نَؤُومُ الضحى.
          - ألقى فلانٌ عصاهُ.

          - ناعمةُ الكَفَّيْنِ.
          - قرعَ فلانٌ سِنَّهُ.

          - يشارُ إليه بالبَنَانِ.
          - قال تعالى:
          ï´؟وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًاï´¾14.

          - ركبَ جناحي نعامةٍ.
          - لوتِ الليالي كفَّه على العصا.

          - قال المتنبّي في وصف فرسه:
          وأصْرَعُ أيَّ الوحشِ قَفَّيتُهُ بِهِ وَأنْزِلْ عنهُ مثلَهُ حينَ أركَبُ

          - فلانٌ لا يضعُ العصا على عاتقِه.

          2- بينِ الموصوفَ المقصودَ بكلِّ كنايةٍ من الكناياتِ الآتيةِ:

          قال الشاعر:
          قَوْمٌ تَرَى أَرْمَاحَهُمْ يَوْمَ الْوَغَى مَشْغُوفَةً بِمَوَاطِنِ الكِتْمَانِ

          - وقال تعالى:
          ï´؟أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍï´¾15.

          - قال أبو نواس:
          فلما شَربناها ودَبَّ دبيبُها إلى مَوْضع الأسْرار قلتُ لها قفي

          - وقال المعريُّ في السيف:
          سليلُ النار دقَّ ورقَّ حتى كأنّ أباه أورثَهُ السُّلالا

          - كبرتْ سنُّ فلانٍ وجاءهُ النذيرُ.
          - سئلَ أعرابيٌّ عن سببِ اشتعال شيبهِ، فقال: هذا رغوةُ الشبابِ.
          - وسئلَ آخرُ، فقال: هذا غبارُ وقائعِ الدهرِ.

          3- بيّنِ النسبةَ التي تلزم كلَّ كناية من الكنايات الآتية:

          - قال أعرابيٌّ: دخلتُ البصرةَ، فإذا ثيابُ أحرارٍ على أجسادِ العبيدِ.
          - وقال في مدح كافور:
          إنّ في ثَوْبِكَ الذي المَجْدُ فيهِ لَضِيَاءً يُزْري بكُلّ ضِيَاءِ
          للمطالعة
          بلاغةُ الكِنايةِ 16:
          الكنايةُ مَظهرٌ من مظاهر البلاغةِ، وغايةٌ لا يصل إليها إلّا من لطف طبعُه، وصفتْ قريحتُه، والسرُّ في بلاغتها أنّها في صور كثيرةٍ تُعطيك الحقيقةَ، مصحوبةً بدليلها، والقضيةً وفي طيِّها برْهانها، كقول البحتري في المديح:
          يَغضُّونَ فَضْلَ اللّحظِ مِن حَيثُ ما بدا لهمْ عَنْ مَهيبٍ، في الصّدورِ، مَحبَّبِ

          فإنّه كَنَى عن إكبار الناس للممدوحِ، وهيبتِهم إيّاه، بغضِّ الأبصارِ الّذي هو في الحقيقة برهانٌ على الهيبة والإجلالِ، وتظهرُ هذه الخاصّةُ جليّةً في الكناياتِ عن الصفةِ والنسبةِ.

          ومن أسباب بلاغةِ الكنايات أنّها تضعُ لكَ المعاني في صورة المحسوساتِ، ولا شكَّ أنّ هذه خاصّةُ الفنون، فإنَّ المصوّرَ إذا رسم لك صورةً للأملِ أو لليأسِ، بهرَكَ وجعلكَ ترى ما كنتَ تعجزُ عن التعبير عنه واضحاً ملموساً، فمثلُ كثيرِ الرمادِ في الكناية عن الكرمِ، ورسول ُالشرِّ، في الكنايةِ عن المزاحِ.

          ومن خواصِّ الكنايةِ: أنّها تُمكّنُك منْ أنْ تَشْفيَ غلَّتَك منْ خصمِك منْ غيرِ أنْ تجعلَ له إليك سبيلاً، ودون أنْ تخدشَ وجهَ الأدب، وهذا النوعُ يُسمَّى بالتعريضِ، ومثالُه قولُ المتنبّي في قصيدة، يمدحُ بها كافوراً:

          فِراقٌ وَمَنْ فَارَقْتُ غَيرُ مُذَمَّمِ
          وَمَا مَنزِلُ اللّذّاتِ عِندي بمَنْزِلٍ
          سَجِيّةُ نَفْسٍ مَا تَزَالُ مُليحَةً
          رَحَلْتُ فكَمْ باكٍ بأجْفانِ شَادِنٍ
          وَمَا رَبّةُ القُرْطِ المَليحِ مَكانُهُ بـ
          فَلَوْ كانَ ما بي مِنْ حَبيبٍ مُقَنَّعٍ
          رَمَى وَاتّقى رَميي وَمن دونِ ما اتّقى
          إذا ساءَ فِعْلُ المرْءِ ساءَتْ ظُنُونُهُ
          وَأَمٌّ وَمَنْ يَمّمْتُ خيرُ مُيَمَّمِ
          إذا لم أُبَجَّلْ عِنْدَهُ وَأُكَرَّمِ
          منَ الضّيمِ مَرْمِيّاً بها كلّ مَخْرِمِ
          عَلَيّ وَكَمْ بَاكٍ بأجْفانِ ضَيْغَمِ
          ـأجزَعَ مِنْ رَبّ الحُسَامِ المُصَمِّمِ
          عَذَرْتُ وَلكنْ من حَبيبٍ مُعَمَّمِ
          هوًى كاسرٌ كفّي وقوْسي وَأسهُمي
          وَصَدَّقَ مَا يَعتَادُهُ من تَوَهُّمِ
          فإنّه كَنَى عن سيف الدولة، أوّلا: بالحبيبِ المعمّم، ثمّ وصفه بالغدرِ الّذي يدّعي أنّه من شيمةِ النساءِ، ثمّ لامه على مبادهته بالعدوانِ، ثمّ رماه بالجبنِ, لأنّه يرمي ويتّقي الرمي بالاستتارِ خلف غيره، على أنَّ المتنبّي لا يُجازيه على الشرِّ بمثله, لأنّه لا يزال يحمل له بين جوانحه هوًى قديماً، يكسرُ كفّه وقوسه، وأسهمه، إذا حاول النِّضَال، ثمّ وصفه بأنّه سيّءُ الظنِّ بأصدقائهِ, لأنّه سيّءُ الفعل كثيرُ الأوهام والظنون، حتّى ليظنَّ أنَّ الناس جميعاً مثلَه في سوءِ الفعل، وضعفِ الوفاء. فانظر كيف نالَ المتنبّي من هذا، ومن أوضح مميّزات الكنايةِ التعبيرُ عن القبيح بما تُسيغُ الآذانُ سماعَه، وأمثلة ذلك كثيرة جدّاً في القرآن الكريم وكلام العربِ، فقد كانوا لا يُعبّرون عمّا لا يحسنُ ذكره إلّا بالكنايةِ، وكانوا لشدّة نخوتهِم يكنّونَ عن المرأة بالبيضةِ والشاةِ.

          ومن بدائع الكنايات قولُ بعض العرب:

          أَلاَ يا نَخْلةً مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ عَلَيْك وَرَحْمَةُ اللهِ السّلامُ

          فإنّه كَنَى بالنخلةِ، عن المرأة الّتي يُحبُّها.
          هوامش
          1- توضيح: إذا أطلق لفظ وكان المراد منه غير معناه فلا يخلو إمَّا: أن يكون معناه الأصلي مقصودا أيضا، ليكون وسيلة إلى المراد. وإمَّا: ألا يكون مقصودا - فالأول - الكناية و - الثاني - المجاز.
          2- هو من كبار صحابة أمير المؤمنين عليه السلام وكان أبوه من كبار صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً.
          3- الخَنساء, ( 24 هـ/ 644 م) تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد، الرِّيَاحِيّة السُلمية من بني سُليم من قَيْس عيلان من مُضَر. أشهر شواعر العرب وأشعرهن على الإطلاق، من أهل نجد، عاشت أكثر عمرها في العهد الجاهليّ، وأدركت الإسلام فأسلمت. ووفدت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع قومها بني سُلَيم. فكان رسول الله يستنشدها ويعجبه شعرها،أكثر شعرها وأجوده رثاؤها لأخويها صخر ومعاوية وكانا قد قُتلا في الجاهلية. لها ديوان شعر فيه ما بقي محفوظاً من شعرها. وكان لها أربعة بنين شهدوا حرب القادِسيّة فجعلت تحرضهم على الثبات حتى استُشْهِدُوا جميعاً فقالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم.
          4- عمرو بن مَعْدِي كَرِب بن ربيعة بن عبد الله الزبيدي. 100 ق. هـ - 21 هـ / 525 - 642 م، فارس اليمن، وصاحب الغارات المذكورة، وفد على المدينة سنة 9هـ، في عشرة من بني زبير، فأسلم وأسلموا وعادوا, توفي على مقربة من الريّ وقيل: قتل عطشاً يوم القادسية.
          5- المِخْذَم بالذال المعجمة السيف، والأضغان: جمع ضِغْن، وهو الحقد.
          6- لقبٌ للشاعر المصري أحمد شوقي.
          7- يشترط في هذه الكنايةِ: أن تكون الصفةُ أو الصفاتُ مختصّةً بالموصوف، ولا تتعداهُ ليحصل الانتقالُ منها إليه.
          8- سورة الزخرف، الآية: 18.
          9- سورة القمر، الآية: 13.
          10- زياد بن سليمان أو سليم الأعجم، أبو أُمَامة العبدي، مولى بني عبد القيس. 100 هـ / 718 م. من شعراء الدولة الأموية وأحد فحول الشعر العربي بخراسان، كانت في لسانه عُجْمَة، فَلُقِّبَ بالأعجم، ولد ونشأ بأصفهان وانتقل إلى خراسان، فسكنها وطال عمره ومات فيها.
          11- هو عبد الله بن الحشرج بن الأشهب بن ورد بن عمرو بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. وكان عبد الله بن الحشرج سيداً من سادات قيس وأميراً من أمرائها، وَلِيَ أكثر أعمال خراسان، ومن أعمال فارس، وكرمان. وكان جواداً ممدحاً.
          12- الهاشمي، جواهر البلاغة، ج 1، ص 14.
          13- الحر العاملي، وسائل الشيعة (آل البيت)، ج20، ص 171.
          14- سورة الكهف، الآية: 42.
          15- سورة الزخرف، الآية: 18.
          16- علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة، ص 112 - 113.



          يتبع

          تعليق


          • #6
            الدرس السادس عشر: الخبر -1-
            أهداف الدرس:
            1- أن يتعرّف الطالب إلى معنى الخبر وفائدته البلاغية.
            2- أن يدرك بيان الأغراض التي يُستخدم فيها الخبر.


            181
            الخَبَرُ:
            تعريف الخبر:

            كلامٌ يحتملُ الصدقَ والكذبَ لذاتهِ، وإن شئتَ فقل: "الخبرُ هو ما يتحقّقُ مدلولهُ في الخارجِ بدون النطقِ به" نحو: العلمُ نافعٌ. فقد أثبتنا صفةَ النفعِ للعلم، وتلكَ الصفةُ ثابتةٌ له، سواءٌ تلفظتَ بالجملةِ السابقة أمْ لم تتلفظْ, لأنَّ نفعَ العلمِ أمرٌ حاصلٌ في الحقيقةِ والواقعِ، وإنما أنتَ تحكي ما اتفقَ عليه الناسُ قاطبةً، وقضَتْ به الشرائعُ، وهُدِيتْ إليه العقولُ، بدونِ نظر ٍإلى إثباتٍ جديدٍ.

            والمرادُ: بصدقِ الخبر مُطابقتُه للواقعِ، والمرادُ بكذبهِ عدمُ مطابقتهِ له1.

            ولتوضيحِ مَعنَى الخَبَرِ نأخُذُ قولَ أبِي إسحاقَ الغَزِّيَّ2:
            لَوْلا أبو الطيِّبِ الكِنْدِيُّ مَا امتَلَأتْ مَسَامِعُ النَّاسِ مِنْ مَدْحِ ابنِ حَمْدَانِ


            يخبرُنَا أبو إسحاقَ بأنَّ أبَا الطيِّب المتنبِّي هُوَ الَّذي نَشَرَ فَضَائِلَ سَيْفِ الدَّولةِ ابنِ حَمْدَان، وأذَاعَهَا بَينَ النَّاسِ, فيقولُ: لولا أَبو الطيِّبِ مَا ذَاعَتْ شُهرةُ هَذَا الأمِيرِ ولَا عَرَفَ النَّاسُ مِنْ شَمَائِلِه كلَّ الَّذي عَرَفُوهُ. وهَذَا قولٌ يَحتَمِلُ أنْ يكونَ الغَزِّيُّ صادقاً فيهِ, كَمَا يُحتَمَلُ أنْ يكونَ كاذباً, فهُوَ صادقٌ إنْ كانَ قولُهُ مطابِقَاً


            183
            للواقِعِ, وكاذِبٌ إنْ كانَ قولُهُ غيرَ مطابِقٍ للواقِعِ.

            وهَذَا المتنبَّيْ نفسُهُ يقولُ:3
            لَا أشْرَئِبُّ إلَى مَا لَمْ يَفُتْ طَمَعَاً وَلَا أَبِيتُ عَلَى مَا فَاتَ حَسْرَانَا

            فهُوَ يُخبِرُ عَنْ نفسِهِ بأنَّه قانِعٌ راضٍ بحالِهِ الَّتي هُوَ فِيهَا, فَليسَ مِنْ عادتِهِ أنْ يَتَطَلّعَ مستشرِفَاً إلَى مَا هُوَ آتٍ, وَلَيسَ مِنْ دَأبِهِ أنْ يَندَمَ عَلَى مَا فَاتَ, ومِنَ المحتَمَلِ أنْ يَكونَ كاذِبَاً غيرَ صادقٍ.

            الأغراضُ الَّتي مِن أَجلِهَا يُلقَى الخَبَرُ4
            الأصلُ في الخبر أن يلقَى لأحدِ غرضينِ:
            1- إمَّا إفادةُ المخاطبِ الحكمَ الَّذي تضمنتْهُ الجملةُ، إذَا كان جاهلاً له، ويسمَّى هذا النوع ُ "فائدةُ الخبرِ"نحوُ قولِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم - لأصحابِهِ -: "الدِّينُ النصيحةُ، قُلنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: للهِ، ولكتابهِ، ولرسولهِ، ولأئمةِ المسلمينَ، وعامتِهِم"5.

            2- وإمَّا إفادةُ المخاطبِ أنَّ المتكلمَ عالمٌ أيضاً بأنهُ يعلمُ الخبرَ، كما تقولُ لتلميذٍ أخفَى عليكَ نجاحَه في الامتحانِ - وعلمتَه من طريقٍ آخرَ: "أنتَ نجحتَ في الامتحانِ"، ويسمَّى هذا النوعُ "لازمَ الفائدةِ"، لأنَّه يلزم ُ في كلِّ خبرٍ له هذا الغرض أن يكونَ المخبَرُ به عنده علمٌ أو ظَن بهِ.

            3- وقد يخرجُ الخبرُ عن الغرضينِ السابقينِ إلى أغراضٍ أخرى تُستفادُ بالقرائنِ، ومنْ سياقِ الكلامِ.


            184
            أهمُّهَا:
            أ- الاسترحامُ والاستعطافُ، كقولِ أميرِ المؤمنينَ علي عليه السلام فِي دعاءِ كُمَيْلٍ: "يا سَيِّدِي فَكَيْفَ بي وَاَنَا عَبْدُكَ الضَّعيـفُ الـذَّليـلُ الْحَقيـرُ الْمِسْكيـنُ الْمُسْتَكينُ"6.

            ب- إظهارُ الضعفِ والخشوعِ، كقولهِ تعالى على لسانِ النبّي زكريّا عليه السلام:
            ï´؟قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّاï´¾7.

            ج- إظهارُ التحُّسرِ على شيءٍ محبوبٍ كقولِهِ - تَعَالَى- عَلَى لسانِ أمِّ مريمَ عليها السلام:
            ï´؟قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىï´¾8.

            د- إظهارُ الفرحِ بمُقْبِلٍ، والشماتةِ بمدبرٍ، كقولِهِ - تَعَالَى-:
            ï´؟وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًاï´¾9.

            هـ- التَّذكيرُ بِمَا بَيْنَ المراتِبِ مِنَ التَّفاوتِ كقولِهِ - تَعَالَى-:
            ï´؟لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَï´¾10.

            و- الفخرُ: كقولِ الإمامِ عليّ بنِ الحسينِ عليهما فِي خطبتِهِ المَعروفَةِ: "أيُّها النَّاس أنَا ابنُ مكةَ ومِنَى، أنَا ابنُ زمزمَ والصَّفَا، أنَا ابنُ مَنْ حَمَلَ الرُّكنَ بأَطرَافِ الرداء، أنَا ابنُ خَيرِ مَنِ ائتزرَ وارتدَى...الخ"11.


            185
            ز- المدحُ: كقولِ عبدِ اللهِ بنِ رَوَاحَةٍ12 فِي مَدحِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم:
            تَحمِلُهُ الناقَةُ الأَدماءُ13 مُعتَجِراً بِالبُرْدِ كَالبَدْرِ جَلّى لَيلَةَ الظُلَمِ
            وَفي عِطافَيهِ14 أَو أَثناءِ بُرْدَتِهِ ما يَعلُمُ اللَهُ مِن دينٍ وَمِن كَرَمِ

            وقد يجيءُ لأغراضٍ أخرى. والمرجعُ في معرفة ذلك إلى الذوقِ والعقلِ السليمِ.

            خاتمة:
            إذَا نظرنَا إلَى الجملِ فِي كلِّ الأمثِلَةِ السَّابِقَةِ، وجَدْنَا كلَّ جملةٍ مكوّنةً مِنْ رُكنينِ رئيسين هُمَا المحكومُ عليهِ والمَحكومُ بِهِ, ويُسمَّى الأولُ مسنداً إليهِ، والثاني مسنداً, أمَّا مَا عداهُمَا، فهُو "قيدٌ" في الجملةِ وليسَ ركناً فيهَا15.


            186
            القواعد الرئيسة
            - الخبرُ مَا يصحُّ أنْ يُقالَ لقائِلِه إنَّه صَادِقٌ فِيهِ أو كاذبٌ، فإنْ كانَ الكلامُ مطابِقاً للواقِعِ كانَ قائِلُهُ صادقاً وإنْ كانَ غيرَ مطابقٍ لَهُ كانَ قائلُهُ كاذِبَاً.

            - الأصلُ فِي الخبرِ أنْ يُلْقَى لأحدِ غَرَضَينِ:
            أ- إفادةِ المخاطَبِ الحكمَ الَّذي تضمنَتْهُ الجملةُ، ويُسمَّى ذَلكَ الحُكمُ "فائدةَ الخبر".
            ب- إفادةِ المخاطَبِ أنَّ المتكلِّمَ عَالِمٌ بالحكمِ ويُسمَّى ذَلكَ "لازمَ الفائدة".

            ج- قد يُلقَى الخبرُ لأغراضٍ أخرَى تُفهَمُ مِنَ السِّياقِ, منها مَا يأتِي:
            - الاسترحامُ.
            - إظهارُ الضَّعفِ.
            - إظهارُ التَّحسّرِ.
            - إظهارُ الفرحِ.
            - التذكيرُ بِمَا بَينَ المَراتِبِ مِنْ تَفَاوتٍ.
            - الفخرُ.
            - المدحُ.
            تمارين
            بيّنْ أغراضَ الكلامِ فيما يأتي:
            - من كلام لأمير المؤمنين عليه السلام: "مَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ أَصْلَحَ اللهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ أَصْلَحَ أَمْرَ آخِرَتِهِ أَصْلَحَ اللهُ لَهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَاعِظٌ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ حَافِظٌ"16.

            - يقول ابو العتاهية:
            بكيتُكَ يا عليُّ بدَمْع عِينِيْ فَمَا أغنى البُكاء ُعليك شَيّا
            وكانَتْ في حَيَاتك لي عِظاتٌ وأنْتَ اليَومَ أوعَظُ مِنْكَ حَيّا

            - إنكَ لتَكْظِمُ الغَيْظَ، وتَحْلُمُ عندَ الغضبِ، وتَتَجاوزُ عند القُدْرة، وتَصْفحُ عن الزَّلَّة.

            - قال أبو فِراسٍ الْحَمْدَاني:
            إنّا، إذَا اشْتَدّ الزّمَا ـنُ وَنَابَ خَطْبٌ وَادْلَهَمْ
            ألفيتَ، حولَ بيوتنا عُدَدَ الشّجَاعَة ِ وَالكَرَمْ
            لِلِقَا العِدَى بِيضُ السّيُو ـفِ وَلِلنَّدَى حُمْرُ النَّعَمْ
            هَذَا وَهَذَا دَأبُنَا يُوَدى دمٌ ويُرَاقُ دَمْ

            - قال الشاعر:
            مَضَت الليالي البيضُ في زَمَن الصِّبا وَأَتَى الْمَشِيبُ بِكَل يوْم أَسْودِ

            - قال مروانُ بْنُ أبي حَفْصَةَ من قصيدة طويلة يَرثي بها مَعْنَ بن زائدةَ:

            مَضَى لِسَبِيلِهِ مَعْنٌ وأبْقَى
            كَأَنَّ الشَّمْسَ يومَ أُصِيبَ مَعْنٌ
            هَوَى الجَبَلُ الذي كانَتْ نِزارٌ
            فإن يَعْلُ البِلادَ به خُشُوعٌ
            أصَابَ الموْتُ يَوْمَ أصاب
            وكانَ النّاسُ كلُّهُمُ لمَعْنٍ،
            مَحامِدَ لَنْ تَبِيدَ ولَنْ تُنالا
            مِن الإظْلامِ مُلْبَسَةٌ جلالا
            تَهُدُّ مِن العَدُوِّ به الجِبالا
            فقَدْ كانَتْ تَطُولُ به اخْتِيالا
            مَعْناً مِنَ الأَحياءِ أكْرَمَهُمْ فَعالاَ
            إلى أنْ زارَ حُفْرَتَهُ، عِيالا
            - وقال أبو العتاهية قبل موته:

            إلهي لا تعذبني فإني
            فما ليَ حيلةٌ إلا رجائي
            وكمن مِنْ زَلْةٍ لي في الخطايا
            إذا فكرتُ في نَدَمي عليها
            أجنُّ بزهرة الدنيا جنوناً
            ولو أنِّي صدقتُ الزهدَ عنها
            يظنُّ الناسُ بي خيراً وإني
            مقرٌّ بالذي قد كانَ مني
            لعفوكَ إن عفوت وحُسْنَ ظني
            وأنت عليَّ ذو فضل ومَنِّ
            عضضت أناملي وقَرَعْتُ سني
            وأقطع طول عمري بالتمنّي
            قلبتُ لأهلها ظهرَ المجنِّ
            لَشَرُّ الناس إن لم تعف عني
            - وقال أبو النواس أثناء مرض الموت:

            دَبّ فيَّ السّقام سُفْلاً وعُلْوَا
            ليسَ مِنْ ساعَة ٍ مضَتْ ليَ
            ذَهَبَتْ جدَّتي بطاعة ِ نَفسِي
            لَهْفَ نَفْسي على لَيالٍ وأيّا
            قد أسأنَا كلَّ الإساءَة ِ فاللّـ
            وأراني أموتُ عُضْواً، فعُضْوَا
            إلاّ نَقَصَتْني بِمرِّها بيَ جُزْوَا
            وتذَكّرْتُ طاعَةَ للهِ نِضْوَا
            مٍ تَمَلّيتُهنّ لِعْباً، ولَهْوَا
            ـهُمّ صَفحاً عنّا، وغفراً وعفْوَا
            للمطالعة
            من شعرائنا: ابن العرندس17
            الشيخ صالح بن عبد الوهاب بن العَرَنْدَس الحِلِّي الشهير بابنِ العَرَنْدَسِ، أحد أعلام الشيعة ومن علمائها و مؤلفيها في الفقه والأصول، وله مدائح ومراث لأئمّة أهل البيت عليهم السلام تنمّ عن تفانيه في ولائهم ومناوءته لأعدائهم. عقد له العلّامة السَّمَاوِيّ في "الطليعة" ترجمة أطراه فيها بالعلم والفضل والتُّقَى والنُّسْك و المشاركة في العلوم. وأشفعَ ذلك الخطيبُ الفاضلُ اليعقوبيّ في "البابليات" وأثنى عليه ثناء جميلاً، وذكر في "الطليعة" أنّه توفي حدود 840 هـ بالحلّة الفيحاء ودفن فيها وله قبر يزار ويتبرك به. كان ابن العرندس يحاول في شعره كثيراً الجناس على نمط الشيخ علاء الدِّين الشفهيني وتعلوه القوّة والمتانة، ويُعرب عن تضلّعه من العربية واللغة. ومن شعره رائية اشتهر بين الأصحاب أنّها لم تقرأ في مجلس إلّا وحضره الإمام الحجّة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، منها:

            وقفـتُ على الدار التي كنتُـمُ بها
            وسالت عليها من دموعِيْ سحائبٌ
            فَراقَ فِراقُ الروح لِيْ بَعْدَ بُعدِكُـمْ
            وقد أقلعتْ عنها السحابُ ولم يُجد
            إمامُ الهدى سِبْطُ النبوّةِ والدُ الأئمة
            إمامٌ أبوه المُرْتَضَى عَلَمُ الهُـدَى
            إمامٌ بَكَتْهُ الإنْسُ والجِنُّ والسَّـمَا
            له القُبَّةُ البيضاءُ بالطَّـفِّ لم تَزَلْ
            وفيـهِ رسـولُ اللهِ قالَ وقولُـهُ
            حُبِـيْ بثلاثٍ ما أحـاطَ بِمِثْلِـهَا
            له تُرْبَـةٌ فيـها الشِّـفَاءُ وَقُبَّـةٌ
            وذُرِّيَّـةٌ دُرِّيَّـةٌ منــهُ تِسْـعَةٌ
            أيُقْتَـلُ ظَمْآناً حُسَـيْنٌ بِكَرْبَـلَا
            ووالدُهُ السَّاقِي على الحَوْضِ في
            فَمَغْنَاكُـمُ من بَعـد مَعْنَـاكُـمُ فَقْـرُ
            إلى أن تَرَوَّى البانُ بالدَّمْعِ والسِّـدْرُ
            ودارَ برسـمِ الدارِ في خاطِرِي الفِكْرُ
            ولا دَرُّ مِنْ بعـدِ الحسـينِ لهـا دَرُّ
            ربُّ النُّـهَى مـولـىً لـه الأمْـرُ
            وصيُّ رسولِ اللهِ والصِّنْوِ والصِّهْـرُ
            وَوَحْشُ الفَلَا والطَّيْرُ والبَرُّ والبَحْـرُ
            تَطُـوفُ بِهَا طَـوْعاً ملائكـةٌ غُـرُّ
            صحيحٌ صـريحٌ ليسَ في ذلِكُـمْ نَكْرُ
            وليٌّ فَمَنْ زَيْدٌ هـناكَ وَمَنْ عَمْـرُو
            يُجَابُ بها الدَّاعِي إذا مَسَّـهُ الضُّـرُّ
            أَئِمَّـةُ حَـقٍّ لا ثَمَـانٍ ولا عَشْــرُ
            وفي كلِّ عضـوٍ مِنْ أناملِـهِ بَحْـرُ
            غَدٍ وفاطمـةٌ ماءُ الفُـرَاتِ لها مَهْـرُ
            هوامش
            1- الهاشمي، جواهر البلاغة، ص 55.
            2- شاعر مجيد اتى في قصائده الطوال بكل بديع ولد بغزة وهي بلدة بالشام وتوفي سنة 524هـ.
            3- اشرأب الى الشيء: تطلع اليه.
            4- الهاشمي، جواهر البلاغة، ص 55 - 56.
            5- الريشهري، ميزان الحكمة، ج 4 ، ص3278.
            6- الشيخ عباس القمي، مفاتيح الجنان.
            7- سورة مريم، الآية: 4.
            8- سورة آل عمران، الآية: 36.
            9- سورة الاسراء، الآية:81.
            10- سورة الحشر، الآية: 20
            11- العلامة المجلسي، بحار الانوار، ج 45، ص 138.
            12- عبد الله بن رواحه بن ثَعْلَبَةَ الأنصاريّ من الخزرج، أبو محمد. 8 هـ / 629 م صحابيّ، يُعَدُّ من الأمراء والشعراء الراجزين. كان يكتب في الجاهلية. وشَهِدَ العَقَبَةَ مع السبعينَ من الأنصار، وكان أحد النقباء الاثنى عشر، وشهد بدراً وأحداً والخندق والحديبية، واستخلفه النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المدينة في إحدى غزواته، وصحبه في عمرة القضاء، وله فيها رجز.
            وكان أحد الأمراء في وقعة مؤتة (بأدنى البلقاء في أرض الشام) فاستشهد فيها.

            13- الناقة الأدماء: شديدة البياض، والمعتجر: المُلْتَفّ.
            14- عِطْفَا الرجل: جانباه عن اليمين والشمال.
            15- لمزيد من التفصيل في المسند والمسند اليه تراجع كتب النحو او البلاغة.
            16- الامام علي عليه السلام، نهج البلاغة، ج4، ص 20.
            17- الشيخ الأميني، الغدير، ج7، ص 14.


            يتبع

            تعليق


            • #7
              الدرس السابع عشر: الخبر - 2 - أَضْرُب الخَبر وخُروجُه عن مُقتَضَى الظاهر
              أهداف الدرس:
              1- أن يتعرّف الطالب إلى صور الخبر في علم المعاني.
              2- أن يتعرّف إلى حالات خروج الخبر عن مقتضى الظاهر.


              193
              أولاً: أضربُ الخَبَرِ:
              حيثُ كانَ الغرضُ من الكلامِ الإفصاحَ والإظهارَ، يجبُ أن يكونَ المتكلمُ مع المخاطَبِ كالطبيبِ مع المريضِ، يشخِّصُ حالتَهُ، ويعطيهِ ما يناسبُها.
              فحقُّ الكلامِ أن يكونَ بِقدْرِ الحاجةِ، لا زائداً عنها، لِئلا يكونَ عبثاً، ولا ناقصاً عنها، لئلا يُخِلَّ بالغرضِ، وهو: الإفصاحُ والبيانُ.
              ولهذا تختلفُ صورُ الخبرِ في أساليب اللغةِ باختلافِ أحوالِ المخاطبِ الَّذي تعتريهِ ثلاثةُ أحوالٍ:
              1- أنْ يكونَ المخاطبُ خاليَ الذهنِ من مضمونِ الخبرِ، غيرَ مترددٍ فيه, ولا مُنْكِرٍ له, وفي هذه الحالِ لا يَرى المتكلمُ حاجةً إلى توكيدِ الحكمِ، لعدمِ الحاجةِ إلى التوكيدِ, كقولِهِ - تَعَالَى :
              ï´؟الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَاï´¾1 وقولِ أميرِ المؤمنينَ عليّ عليه السلام: "أفضلُ الزُّهدِ إخفاءُ الزُّهدِ"2.

              ويسمَّى هذا الضربُ من الخبرِ "ابتدائياً"، ويستعملُ هذا الضربُ حين يكون المخاطبُ خاليَ الذهنِ من مدلولِ الخبرِ، فيتمكنُ فيه لمصادفتهِ إيّاهُ خَالِياً.


              195
              2- أنْ يكونَ المخاطبُ متردّداً في الخبرِ، طالباً الوصولَ معرفتهِ، والوقوفَ على حقيقته، فيستحسنُ تأكيدُ الكلامِ المُلقَى إليه تقويةً للحُكم، ليتمكَّنَ من نفسهِ، ويطرحَ الخلافَ وراء ظهرهِ، كقولِهِ - تَعَالَى -:ï´؟لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًاï´¾3 فَقَد جَاءَ الكلامُ فِي الآيةِ الكريمةِ مؤكَّداً "بقد" واللامٌ4 أو كقولِ السَريّ الرَّفاء5:
              إنَّ البِناءَ إذا ما انهدَّ جانبُه لم يأمَنِ الناسُ أنْ يَنهدَّ باقِيه

              فإنَّه جَاءَ مؤكدًاً "بإنَّ". ويُسمَّى هَذَا الضَّربُ مِنَ الخبرِ (طَلَبِيّاً) ويؤتَى بالخبرِ مِنْ هَذَا الضَّربِ حِينَ يكونُ المخاطبُ شاكَّاً فِي مدلولِ الخبرِ، طالباً التثبُّتَ من صدقهِ.
              3- أنْ يكونَ المخاطَبُ مُنْكِراً للخبرِ الَّذي يرادُ إلقاؤهُ إليه، معتقداً خلافَهُ، فيجبُ تأكيدُ الكلامِ له بمؤكِّدٍ أو مؤكِّدَينِ أو أكثرَ، على حسبِ حالهِ من الإنكارِ، قوةً وضعفاً، كقوله -تعالى-:
              ï´؟إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىï´¾6، وكقولِهِ - تَعَالَى - عَنْ النبّي يعقوبَ عليه السلام: ï´؟وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُï´¾7 وقولِهِ:ï´؟لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْï´¾8 ولذلك جاءَ الكَلامُ فِي الآياتِ مؤكَّداً بمؤكِّداتٍ, هِيَ إن وضمير الفصل في الآية الأولى وإن اللام في الثانية، والقسم الذي

              196
              ظهرت اللام الواقعة في جوابه)، ونون التوكيد الثقيلة في الثالثة.

              ويسمَّى هذا الضربُ مِنَ الخبرِ (إنكارياً)، ويؤتَى بالخبرِ مِنْ هَذَا الضَّربِ حِينَ يكونُ المخاطَبُ مُنْكِراً، وكمَا يكونُ التأكيدُ فِي الإثباتِ، يكونُ في النَّفي أيضاً.

              أدواتُ التوكيدِ كثيرةٌ، أشهرُها:
              أ- إنَّ:
              ï´؟إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌï´¾9.
              ب- لامُ الابتداءِ:
              ï´؟إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّاï´¾10.
              ج- حروفُ التنبيهِ:
              ï´؟أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَï´¾11.
              د- القَسَمُ:
              ï´؟تَاللّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَï´¾12.
              هـ- نونَا التَّوكِيدِ:
              ï´؟وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَï´¾13.
              و- الحروفُ الزائدةُ:
              ï´؟أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍï´¾14.
              ز- قدْ قبل الفعل الماضي:
              ï´؟لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِï´¾15
              ح- ضميرُ الفصل:
              ï´؟أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَï´¾16.

              ثانياً: خُروجُ الخبَر عَنْ مُقتَضَى الظَّاهِرِ

              قدْ تقتضي الأحوالُ العدولَ عن مقتضَى الظاهرِ، ويورَدُ الكلامُ على خلافهِ لاعتباراتٍ يلحظُها المتكلِّمُ ومنها:


              197
              1- تنزيلُ خالي الذهنِ منزلةَ السائلِ المترددِ: إذا تقدمَ في الكلام ما يشيرُ إلى حكمِ الخبر، كقولِهِ - تَعَالَى- عَلَى لِسَانِ النبّي يوسفَ عليه السلام: ï´؟وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَï´¾17.
              إنَّ هَذَا الحُكمَ لمَّا كانَ مسبوقاً بجملةٍ أخرَى وهِيَ قولُهُ - تَعَالَى-: ï´؟وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِيï´¾ وهِيَ تُشِيرُ إِلَى أنَّ النَّفسَ محكومٌ عليهَا بشيءٍ غيرِ محبوبٍ أصبحَ المخاطَبُ مستشرفِاُ متطلعاً إلى نوعِ هَذَا الحكمِ، فنُزِّلَ مِنْ أجلِ ذَلكَ منزلةَ الطَّالبِ المتردِّدِ وألقيَ إليهِ الخَبَرُ مؤكَّداً. وكقولِهِ - تَعَالَى - مخَاطِبَاً النبيَّ نوحاً عليه السلام: ï´؟وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَï´¾18، فإنَّ اللهَ سبحانَه لمَّا نَهَى نوحاً عنْ مخاطبتِهِ فِي شأنِ مخالفِيهِ, دفَعَهُ ذَلكَ إلَى التطلَّع إلَى مَا سيصيبُهُم فنُزِّلَ لذَلكَ منزلَةَ السائلِ المتردِّدِ؟ أحُكِمَ عليهم بالإغراقِ أمْ لَا؟ فأُجِيبَ بقولِهِ: ï´؟إِنَّهُم مُّغْرَقُونَï´¾.

              2- تنزيلُ غيرِ المنُكِر منزلةَ المنكِر: إذا ظهرَ عليه شيءٌ من أماراتِ الإنكارِ، كقولِهِ - تَعَالَى -،
              ï´؟ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَï´¾19، فمَا السبَبُ فِي إلقاءِ الخبرِ إليهِم مؤكَّداً؟ السببُ هوَ ظهورُ أَمَاراتِ الإنكارِ عليهِم, فإنَّ غفلتَهُم عنِ الموتِ وعدمَ استعدادِهِم لَه بالعملِ الصَّالحِ يُعَدّانِ من علاماتِ الإنكارِ، ومِنْ أجلِ ذَلكَ نُزِّلوا منزلَةَ المنكرين وأُلقيَ إِليهِمُ الخَبَرُ مؤكَّداً بمؤكِّدَين هُمَا "إنَّ" و"اللامُ". وكقولِ حَجَلِ بنِ نضْلَةَ القيسيِّ20:
              جاءَ شقيقٌ عارضاً رُمْحَهُ إنّ بَني عمِّكَ فيهم رِماحْ21

              فـ "شقيقٌ" رَجلٌ لا يُنكرُ رماحَ بني عمّه، ولكنَّ مجيئهُ على صورةِ المُعْجَبِ


              198
              بشجاعتهِ، واضعاً رُمحَه على فخذيهِ بالعرضِ - وهو راكبٌ - أو حَاملاً له عرضاً على كتفهِ في جهةِ العدُوِّ بدون اكتراثهِ به، بمنزلةِ إنكارهِ أنَّ لبني عمّهِ رماحاً، ولنْ يجدَ منهم مُقاوماً له، كأنَّهم كلَّهم في نظرهِ عزّل، ليسَ مع أحد منهم رمحٌ. فَأُكِّدَ له الكلامُ، وخُوطبَ خطابَ المنكر.

              3- تنزيلُ المنكِرِ منزلةَ الخالي، إذا كانَ لديه دلائلُ وشواهدُ لو تأمَّلها لارتدعَ وزال إنكارُه، كقولِهِ - تَعَالَى-:
              ï´؟وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُï´¾22، فمَا وجهُ ذَلكَ؟ الوجهُ أنّ بَينَ أيدي هؤلاء من البراهينِ الساطعةِ والحُجَجِ القاطعةِ مَا لَو تأمَّلوا لوجدوا فيهِ نهايةَ الإِقناعِ ولِذَلكَ لَمْ يُقِمِ اللهُ لهذَا الإِنكارِ وزنَاً ولَمْ يعتدَّ بِهِ فِي توجيهِ الخِطَابِ إليهِم.

              199
              القواعد الرئيسة
              لِلْمخَاطِبِ ثَلاَثُ حالاتٍ23:
              1- أَن يَكونَ خاليَ الذِّهْنِ مِنَ الحُكْمِ، وفي هذه الحال يُلْقَى إلَيْهِ الخبَرُ خالياً مِنْ أدواتِ التوٍ كيد، ويُسَمَّى هذا الضَّرْبُ من الخَبر ابتدائيّا.

              2- أن يِكونَ مُترَدِّدا في الحكُمِ طالباً أَنْ يَصِلَ إلى اليقين في معرفَتهِ، و في هذه الحال يَحْسُنُ توكيده له لِيَتَمَكنَ مِنْ نفسه، ويُسَمَّى هذا الضَّرب طلبيًّا.

              3- أَنْ يَكون مُنْكرًا لهُ، وفى هذه الحال يَجبُ أَنْ يُؤَكَّدَ الْخَبَر بمؤكِّدٍ أَوْ أَكْثَرَ على حَسب إِنكاره قوّةً وضَعْفاً، وَيُسَمَّى هذا الضَّرْبُ إِنكاريًّا.

              4- لِتَوْكِيدِ الخَبَرِ أدواتٌ كثيرَةٌ منها إِنّ، والقَسمُ, ولاَمُ الابْتِدَاء، ونُونَا التَّوْكيدِ، وأَحْرُفِ التَّنْبيه، و الْحُرُوفُ الزَّائِدَةُ، وقَدْ قبل الفعل الماضي, وضمير الفصل.

              5- إِذَا ألقيَ الْخَبَرُ خالِياً من التَّوْكِيدِ لخالي الذِّهْن، ومؤَكَّدا استحسانا للسائل المُتَردِّدِ، و مؤكدًا وُجُوباً لِلْمُنكِر، كان ذلك الخبرُ جارياً عَلَى مُقْتَضى الظَّاهِر.

              6- قد يَجْري الخَبَرُ عَلَى خلافِ ما يَقْتَضِيهِ الظَّاهِرُ لاعتبارات يَلْحَظها المتكَلِّمُ ومنْ ذلك ما يأتي:
              أ- أَنْ يُنَزَّلَ خاليَ الذِّهْن مَنْزلَةَ السائل المُتَرَدِّدِ، إذَا تَقَدَّمَ في الكلام ما يُشِيرُ إِلى حُكْمِ الخَبَرِ.
              ب- أَنْ يُجْعلَ غَيْرُ الْمُنْكرِ كالْمُنْكِر، لِظُهور إمارات الإِنكار عَلَيْهِ.
              ج- أَنْ يُجْعَلَ الْمُنْكِرُ كغَيرِ المنكر، إن كانَ لدَيْهِ دَلائلُ وشَوَاهِدُ لَوْ تأملها لارْتَدَعَ عَنْ إِنْكارهِ.
              تمارين
              1- بيِّن أَضربَ الخبر فيما يأتي وعَيّنْ أَداة التوكيد:
              - يقول أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: "الدَّهرُ يُخْلِقُ الاْبْدَانَ، وَيُجَدِّدُ الاْمَالَ، وَيُقَرِّبُ الْمَنِيَّةَ، ويُبَاعِدُ الأُمْنِيَّةَ، مَنْ ظَفِرَ بِهِ نَصِبَ، ومَنْ فَاتَهُ تَعِبَ"24.

              - قال الأرجاني:
              ذَهَبَ التكَرُّم وَالوَفَاءُ مِنَ الوَرَى وتصَرَّمَا إلا منَ الأشعارِ
              وفَشَتْ خِياناتُ الثِّقاتِ وغَيْرِهِمْ حتى اتهَمْنَا رؤْيَةَ الأبْصارِ

              - وقال العبَّاس بن الأَحْنَف:
              فأُقِسمُ ما تركي عِتابَكِ عنْ قِلىً ولكنْ لِعِلْمِيْ أنّهُ غيرُ نافعِ

              - وقال محمّد بن بشير:
              إنى وإنْ قصُرَتْ عن همتي جِدَتِي وكان ماليَ لاَ يَقْوَى عَلَى خُلُقِيْ
              لَتَارِكٌ كلَّ أمرٍ كان يُلْزِمُنِيْ عارًا وَيُشْرعُنِي في المَنْهَلِ الرَنِقِ

              - قال - تعالى -:
              ï´؟أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَï´¾25.

              - وقال - تعالى -:
              ï´؟قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَï´¾26.

              - قال أبو نُوَاس:
              ولقد نَهَزْتُ مع الغُوَاةِ بِدَلْوِهِمْ وَأَسَمْتُ سَرْحَ اللَّهْوِ حيثُ أَسَامُوا
              وبَلَغْتُ ما بَلَغَ امرؤٌ بِشَبَابِهِ، فإذا عُصَارَةُ كلِّ ذاكَ أَثَامُ

              - وقال أعرابيٌّ:
              ولَمْ أَر كالمَعْرُوفِ، أمَّا مَذاقُهُ، فَحُلْوٌ، وأما وجْهُهُ، فَجَمِيلُ

              - وقال كَعْب بن سعدٍ الغَنَوِيّ:
              ولستُ بُمبدٍ للرجالِ سَرِيرَتي ومَا أنَا عَنْ أسرارِهِمْ بِسَؤلِ

              - وقال المَعَرِّيُّ في الرثاء:
              إنَّ الذي الوَحْشَةُ في دارِهِ تُؤْنِسُهُ الرَّحمةُ فِي لَحْدِهِ

              2- بين وجه خروج الخبر عن مقتضى الظاهر في كل مثال من الأمثلة الآتية:
              - قال - تعالى -:
              ï´؟وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْï´¾27.

              - وقال:
              ï´؟قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُï´¾28.

              - وقال أيضاً:
              ï´؟يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌï´¾29.

              - إِنَّ الفراغ لَمَفْسدةٌ (تقوله لمنْ يعرفُ ذلك ولكنه يَكره العمَلَ).

              - العلم نافعٌ (تقول ذلك لمن ينكر فائدة العلوم).

              - قال أبو الطَّيِّب:
              تَرَفّقْ أيّهَا المَوْلَى عَلَيهِمْ فإنّ الرّفْقَ بِالجانِيْ عِتَابُ
              للمطالعة
              من شعرائنا المعاصرين: الشيخ أحمد الوائلي30
              الشيخ أحمد ابن الشيخ حسون بن سعيد بن حَمُّود. عالم بارز وخطيب وكاتب وأديب شاعر. ولد في النجف الأشرف في 17 ربيع الأوّل سنة 1347 هـ / 1927 م، وتتلمذ على أبيه الخطيب الشاعر، وعلى غيره ثمّ التحق بجمعيّة منتدى النشر متدرّجاً في مناهجها، ثمّ أكمل خارجها مراحل الدراسة الحوزوية العالية على يد أساتذة النجف ومجتهديها المشهورين، ثمّ ساهم في المنهج الإصلاحيّ يومذاك. ضمّ إلى جانب ذلك الدراسة المنهجيّة الأكاديمية منتهياً بالحصول على شهادة الدكتوراه من جامعة القاهرة.

              يتميّز شعر الأستاذ الوائلي بفخامة الألفاظ وبريق الكلمات وإشراقة الديباجة، فهو يُعْنَى كثيراً بأناقة قصائده، وتلوين أشعاره بريشة مترفة.
              لذلك فهو شاعر محترف مجرّب، ومن الرعيل الأوّل المتقدّم من شعراء العراق. وهو شاعر ذو لسانين فصيح ودارج، وأجاد وأبدع بكليهما، وهي بحقّ من عيون الشعر الشعبي كقصيدة (حمد)، وقصيدة (سيارة السهلاني)، وقصيدة (شُّبَّاك العباس)، وقصيدة (سوق ساروجه)، وقصيدة (داخل لندن)، وقصيدة (وفد النجف)، وكلّها من القصائد الرائعة. ويجري الشعر على لسانه مجرى السهل الممتنع، بل يرتجله ارتجالاً.

              وللوائلي دواوين صغيرة مطبوعة تحت عنوان الديوان الأوّل والديوان الثاني من شعر الشيخ أحمد الوائلي، وقد جمعت بعض قصائده الّتي تنوّعت في مضامينها في ديوانه المسمّى باسم (ديوان الوائلي)، والّتي كانت من غرر أشعاره في المدح، والرثاء، والسياسة. ومن شعره في أهل البيت قصيدة في رثاء أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام لم تطبع كغيرها في ديوان شعره مطلعها:
              أَفِيـــــضِيْ فَـــبَرْدُ الليلِ مدَّ حواشِيهِ وعُــبِّيْ فــــؤادُ الكرمِ رَاقَتْ دَوَالِيهِ

              ومنها:
              أطلَّ عليَّ يحملُ الهَدْيَ مِشْعَلاً لشَعْبٍ تمادى في الضَّلالِ ودَاجِيهِ
              أسفَّ فأعطى لابنِ هِنْدٍ زِمَامَهُ فَضَلَّ بِهِ في مَهْمَهٍ مِنْ فَيَافِيهِ
              فهبَّ عليٌّ والدروبُ حَوَالِكٌ مُعَتّمَةٌ والأُفْقُ غابتْ دَرَارِيهِ
              بِيُمْنَاهُ بتّارٌ ويُسْرَاهُ مِشْعَلُ الهُدَى وكتابُ اللهِ يَنْثَالُ مِنْ فِيهِ

              وهي أكثر من أربعين بيتاً طُبعت في كتاب شعراء الغَرِيّ للخاقاني مع مجموعة أخرى من شعره القديم.

              وله قصيدة في الامام الحسين عليه السلام:
              الجراحاتُ والدَّم المطلولُ أينعتْ فالزَّمانُ منها خَميْلُ
              ومضتْ تُنْشِئُ الفُتُـوحَ وبعضُ فيما يُعْطِيهِ فَـتْحٌ جَلِيْلُ
              والدَّمُ الحـُـرُّ ماردٌ يُنبئُ الأحـرارَ والثائرينَ: هـذا السبيلُ
              وحديثُ الجِرَاحِ مَجْدٌ وَأَسْمَى سِيرِالمجدِ ما رَوَتْهُ النُّصُولُ
              ثمّ عُذْراً إنْ تِهتُ يا دَمُ، يا جُرْحُ، فقدْ أسكرَ البيانَ الشَّمُولُ
              هوامش
              1- سورة الكهف، الآية: 46.
              2- الشريف الرضي، نهج البلاغة، ج4، ص7.
              3- سورة الفتح، الآية: 18.
              4- الضرب الطلبي الذي يحسن توكيده ولا يجب قد يأتي مؤكَّداً بمؤكِّدٍ واحد كما في البيت الآتي، وقد يكون مؤكداً بأكثر من مؤكِّد كما في الآية. والعبرة في الفصل بينه وبين الضرب الإنكاري معرفة حال المخاطب او تحليلها في سياق الكلام، فيرجى التنبه والالتفات.
              5- السرّي بن أحمد بن السرّي الكندي أبو الحسن 366 هـ / 976 م شاعر أديب من أهل الموصل، كان في صباه يرفو ويطرز في دكان له، فعرف بالرفاء ولما جاد شعره ومهر في الأدب قصد سيف الدولة بحلب، فمدحه وأقام عنده مدة، ثم انتقل بعد وفاته إلى بغداد. ومدح جماعة من الوزراء والأعيان، ونفق شعره إلى أن تصدى له الخالديان، وكانت بينه، وبينهما مهاجاة فآذياه وأبعداه عن مجالس الكبراء. فضاقت دنياه واضطر للعمل في الوراقة (النسخ والتجليد)، فجلس يورق شعره ويبيعه، ثم نسخ لغيره بالأجرة.
              وركبه الدين، ومات ببغداد على تلك الحال. وكان عذب الألفاظ، مفتناً في التشبيهات ولم يكن له رواء ولا منظر.
              من كتبه (ديوان شعره ط)، و(المحب والمحبوب والمشموم والمشروب - خ).

              6- سورة البقرة، الآية: 120.
              7- سورة يوسف، الآية: 68.
              8- سورة آل عمران، الآية: 186.
              9- سورة الحجرات، الآية: 14.
              10- سورة يوسف، الآية: 8.
              11- سورة الانعام، الآية: 62.
              12- سورة النحل، الآية: 56.
              13- سورة يوسف، الآية: 32.
              14- سورة الزمر، الآية: 37.
              15- سورة الفتح، الآية: 18.
              16- سورة البقرة، الآية: 12.
              17- سورة يوسف، الآية: 53.
              18- سورة هود، الآية: 37.
              19- سورة المؤمنون، الآية: 15.
              20- شاعر جاهلي.
              21- عارضا رمحه أي جاعلا رمحه و هو راكب على فخذيه بحيث يكون عرض الرمح في جهة العدو و ذلك ادلالا بشجاعته و استخفافا بمن يقابلهم حتى كأنه يعتقد أنهم لا سلاح عندهم.
              22- سورة البقرة، الآية: 163.
              23- علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة، ص 127.
              24- الامام علي عليه السلام، نهج البلاغة، ج4، ص 16.
              25- سورة يونس، الآية: 62.
              26- سورة المؤمنون، الآيات: 1-4.
              27- سورة التوبة، الآية: 103.
              28- سورة الاخلاص، الآيتان: 1-2.
              29- سورة الحج، الآية: 1.
              30- الحاج حسين الشاكري، علي في الكتاب والسنة والأدب، ج 5، ص 286 - 289.



              يتبع

              تعليق


              • #8
                الدرس الثامن عشر: الإنشاءُ - 1 -
                أهداف الدرس:
                1- أن يتعرّف الطالب إلى مبحث الإنشاء في علم المعاني.
                2- أن يتعرّف إلى صيغ الأمر ومعانيه.


                205
                الإنشاءُ:
                لغةً الإيجادُ
                وفي الاصطلاحِ:
                مَا لَا يحتملُ صدقاً ولاَ كذباً، كالأمرِ والنهيِ والاستفهامِ والتمنِّي والنداءِ وغيرها، فإنكَ إذا قلتَ: "اللّهُمَّ ارحمْني" لا يصحُّ أن يقالَ لك: صادقٌ أو كاذبٌ.

                وقيلَ - أيضاً - فِي تعريفِ الإنشاءِ: هُوَ مَا لَا يحصلُ مضمونُهُ ولَا يَتَحقَّقُ إلَّا إذَا تلفَّظتَ بهِ.

                فطلبُ الفعلِ فِي: افعَلْ، وطلبُ الكفِّ في لاَ تَفْعَلْ، وطلبُ المحبوبِ في: الَّتمَنِّي، وطلبُ الفهم في: الاستفهامِ، وطلبُ الإقبالِ في النِّداء، كلُّ ذلك ما حصلَ إلا بنفسِ الصّيغِ المتلَفظِ بها.

                أقسامُ الإنشاءِ
                الإنشاءُ غيرُ الطلبيِّ:

                ما لا يستدعي مطلوباً غيرَ حاصلٍ وقتَ الطلبِ، وهو على أقسامٍ:
                1- المدحُ والذمُّ: ويكونان بـ "نعْمَ" و"حبَّذا" و"ساءَ" و"بئسَ" و"لا حبَّذا"، كقولِهِ -


                207
                تَعَالَى -: ï´؟وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌï´¾1، و قولِهِ - تَعَالَى -: ï´؟...وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَï´¾2.

                2- ألفاظُ العقودِ الإيقاعات:
                سواءٌ كانتْ بلفظِ الماضي، نحو: "بعتُ" و"وهبتُ" و"قبلتُ البيع أو الهبة" أم بغيره، نحو: "هذا لك" في العقود، ونحو "زوجتي طالقٌّ" و"عبدي حرٌّ" في الايقاعات.

                3- القَسَمُ:
                سواءٌ كان بالواو أو بغيرِها، نحو: "واللهِ" و "تاللهِ" و "لعمرُك". - كقولِهِ - تَعَالَى - :
                ï´؟فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًاï´¾3، وقولِهِ - تَعَالَى - : ï´؟لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَï´¾4.

                4- التعجّبُ،
                ويأتي قياساً بصيغةِ "ما أفعلَه" و"أفعلْ بهِ" كقولِهِ - تَعَالَى -:
                ï´؟أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا...ï´¾5، وكقولِ الصِّمَّة بنِ عَبْدِ الله6:
                بنفسي تلْكَ الأرض ما أَطْيَب الرُّبَا! ومَا أَحْسَنَ اَلْمُصْطَافَ والمتَرَبَّعَا

                5- الرجاءُ:
                ويأتي بـ "عسَى" و"حرَى" و"اخلولقَ" كقولهِ - تَعَالَى -:
                ï´؟فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِï´¾7.

                وأنواعُ الإنشاءِ هَذِهِ (غير الطلبي) ليستْ مِنْ مَبَاحِثِ عِلمِ المعاني, ولذلكَ نقتصرُ فيهَا عَلَى مَا ذَكَرنَا.


                208
                الإنشاءُ الطلبيُّ:
                هوَ الَّذي يستدعِي مطلوباً غيرَ حاصلٍ وقتَ الطلبِ -حسبَ اعتقادِ المتكلِّمِ - وهو المبحوثُ عنه في علمِ المعاني، لما فيه منَ اللطائفِ البلاغيّةِ، وأنواعُه خمسةٌ:
                1- الأمرُ:
                ï´؟اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءï´¾8.
                2- النهيُ:
                ï´؟وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍï´¾9.
                3- الاستفهامُ:
                ï´؟قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِï´¾10.
                4- التمنيِّ:
                ï´؟يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًاï´¾11.
                5- النداءُ:
                ï´؟يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَï´¾12.

                هَذِهِ هِيَ أَنواعُ الإنشاءِ الطلبيِّ الَّتي سنبحثُ عنهَا فِي هَذَا الكتابِ.

                الأمرُ:

                وهو طلبُ حصولِ الفعل من المخاطَبِ على سبيلِ الاستعلاءِ، وصِيَغُهُ أربعٌ هي:
                1- فعلُ الأمرِ, كقولِهِ - تَعَالَى -:
                ï´؟أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِï´¾13.

                2- المضارعُ المجزومِ بلام الأمر كقولِهِ - تَعَالَى -:
                ï´؟وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُï´¾14.

                209
                3- أو باسم فعل الأمر, كقولِهِ - تَعَالَى -: ï´؟يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْï´¾15.

                4- المصدر النائب عن فعلِ الأمرِ كقولِهِ - تَعَالَى -:
                ï´؟فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ...ï´¾16.

                وقد تخرجُ صيغةُ الأمرِ عن معناها الأصليِّ- وهو طلب الفعل من العالي للداني على وجه الإِيجاب والإِلزام - فتدلُّ عَلَى معانٍ أخرَى يُدركُها السَّامعُ مِنَ السِّياقِ و قرائِنِ الأَحوالِ ومنها:
                1- الدُّعاءُ، كقولِهِ - تَعَالَى - عَن لِسَانَ سُليمَانَ عليه السلام:
                ï´؟رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّï´¾17، فإنَّه يخاطبُ مالكَه وخالقَه، والمالكُ لَا يأمُرُهُ أَحدٌ مِن خَلقِهِ. وإِنَّما يُرادُ بِهَذَا الأمرِ الدعاءُ، وكَذلكَ كلُّ صيغةٍ للأَمرِ يُخاطِبُ بِهَا الأَدنَى مَن هُوَ أَعلى منه منزلةً وشأناً.

                2- الالتماسُ,
                كقولِ امرؤ القيس18:
                قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ بِسِقْطِ اللِوى بَينَ الدَخُولِ فَحَومَلِ

                فإنه يتخيَّل صاحبين يستوقفهما ويستبكيهما جرياً على عادةِ الشُّعراءِ،


                210
                إذ يتخيَّلُ أحدُهم أَنَّ لَهُ رفيقين يصطحبانِهِ فِي غدُوِّهِ ورواحِهِ، فيوجِّه إليهمَا الخِطَابَ، ويفضِي إليهِما بسرِّه ومكنونِ صدرِه، بصيغةِ الأمر وإِذا صدرت منْ رفيقٍ لرفيقِهِ أو مِنْ ندٍّ لِنِدِّه لم يُردْ بها الإيجابُ والإلزامُ. وإنَّما يُرادُ بِهَا محضُ الالتماسِ19.

                3- الإرشادُ،
                كقولِهِ - تَعَالَى -:
                ï´؟يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُï´¾20، فإنَّه - تَعَالَى - لا يريدُ تكليفاً ولا يقصدُ إِلَى إِلزامٍ, وإِنَّما ينصحُ الَّذين يتداينونَ, ويرشدُهُم إلَى الطَّريقِ المُثلَى لحفظِ الحقوقِ وتجنُّبِ المخاصَمَةِ, فالأَمرُ هنا للنصحِ والإِرشادِ, لا للإِيجابِ والإلزامِ.

                4- التهديدُ،
                كقولِهِ - تَعَالَى -:
                ï´؟اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌï´¾21.

                5- التعجيزُ،
                كقولِهِ - تَعَالَى -:
                ï´؟فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِï´¾22.

                6- الإباحةُ،
                كقولِهِ - تَعَالَى -:
                ï´؟وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِمِنَ الْفَجْرِï´¾23.

                7- التسويةُ،
                كقولِهِ - تَعَالَى -:
                ï´؟فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُواï´¾24.

                8- الإكرامُ
                كقولِهِ - تَعَالَى -:
                ï´؟ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَï´¾25، وقوله تعالى: ï´؟ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِï´¾26.

                9- الامتنانُ،
                كقولِهِ - تَعَالَى -:
                ï´؟فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّبًاï´¾27.

                211
                10- الإهانةُ والتحقيرُ، كقولِهِ - تَعَالَى -: ï´؟قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًاï´¾28، وقولِ جريرٍ يهجُو الشَّاعرَ النُّمَيْرِيَّ29:
                فَغُضَّ الطَّرْفَ إِنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ فَلا كَعْباً بَلَغْتَ وَلا كِلابَا

                11- التمنِّي،
                كقولِ امرؤ القيس:
                ألا أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ ألا انْجَلِي بِصُبْحِ وَمَا الإصباحُ مِنْكَ بِأَمْثَلِ

                12- الاعتبارُ،
                كقولِهِ - تَعَالَى -:
                ï´؟انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهï´¾30.

                13- الإذنُ، نحو قولك: (ادخلْ) لمن طرقَ الباب. وكقولِهِ - تَعَالَى - لأهلِ الجنَّةِ:
                ï´؟ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَï´¾31. وقولِهِ: ï´؟ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِï´¾32.

                14- التكوينُ (الخلق)، كقولِهِ - تَعَالَى -:
                ï´؟إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُï´¾33.

                15- التخييرُ، كقولِهِ - تَعَالَى -:
                ï´؟فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةًï´¾34، وقوله: ï´؟إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌï´¾35.

                212
                16- التعجّبُ، كقولِهِ - تَعَالَى -: ï´؟انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاًï´¾36.

                213
                القواعد الرئيسة
                - الإنشاءُ مَا لَا يصحُ أنْ يُقَالَ لقائَلهَ إنَّه صادقٌ فيهِ أو كاذبٌ.

                - الإِنْشاء نوعان طَلبَيٌّ و غَيْرُ طلبيّ:
                1- فالطلبيُّ ما يَسْتَدْعي مَطْلوباً غَيرَ حاصل وقتَ الطلب، ويكونُ بالأمر، والنهْي، والاستفهام، والتمني، والنِّداء.
                2- وغَيْر الطَّلبي ما لا يَسْتَدْعي مطلوباً، وله صيَغ كَثيرة منها: التَّعَجُّب، والمدح، والذم، والقَسَمُ، وأفعالُ الرجاء، وكذلك صِيَغُ العُقُودِ.

                - الأمر طَلَبُ الْفِعْل على وجْهِ الاِسْتِعْلاء.

                - لِلأَمْر أَرْبَعُ صِيَغٍ: فِعْلُ الأمر، والْمُضَارعُ المقرونُ بلام الأَمْر،واسمُ فِعْل الأَمْر، والمَصْدرُ النَّائِبُ عَنْ فِعْل الأَمْر.

                - قَدْ تَخْرُجُ صِيغ الأَمْر عَنْ مَعْناها الأصليِّ إِلى مَعانِ أُخْرَى تُسْتفادُ مِنْ سِياق الكلام، كالإِرشَادِ، والدّعاءِ، والالْتماس، والتمني، والتَّخْيير والتَّسْوية والتَّعْجيزِ، والتَّهْديدِ، والإِباحةِ, والتعجّبُ....
                تمارين
                1- بيّن نوع الإنشاء في كل مثال من الأمثلة الآتية:
                - قال أبو تمام:
                لا تسقني ماءَ المَلَامِ فإنَّني صَبٌّ قدِ استعذبتُ ماءَ بُكائي

                وقال ابن الزيات:
                يا ناصِرَ الدين إِذْ رَثَّتْ حبائلُه لأنتَ أكرمُ مَن آوَى ومَنْ نَصَرَا

                - وقال أميةَ بن أبي الصَّلْت في طلب حاجة:
                أَأَذْكُرُ حاجَتِي أَم قد كَفانِي حَياؤُكَ، إِنَّ شِيمَتَكَ الحَياءُ

                - وقال زُهيْرُ بن أبى سُلْمى:
                نِعْمَ امرَءًا هَرِمٌ، لم تَعْرُ نائِبَةٌ إِلاَّ وكانَ لِمُرتْاعٍ بها وَزَرا

                - قال امرؤ القيس:
                أجارتَنا إنا غَريبانِ هاهُنا وكلُّ غريبٍ للغريب نسيبُ

                - وقال آخر:
                يا ليتَ منْ يمْنَع المعروفَ يَمْنعُهُ حتى يذوقَ رجالٌ غِبَّ ما صنعوا

                - وقال دِعْبلُ الخُزاعيُّ:
                ما أكْثر النَّاسِ! لا بلْ ما أقَلَّهُمُ! اللهُ يَعلَمُ أَنّي لَم أَقُلْ فَنَدا
                إنِّي لأفْتَحُ عيني حِين أفتَحُها على كثير ولكنْ لا أرى أَحدا

                2- حدّد صيغ الامر في الأبيات الآتية ومفاد كل واحد منها:

                - قال المتنبي:
                وَكُنْ عَلى حَذَرٍ للنّاسِ تَسْتُرُهُ وَلا يَغُرَّكَ مِنهُمْ ثَغْرُ مُبتَسِمِ

                - وقال علي الجارم:
                يا خَلِيلَيَّ خَلِّيانِي وَما بِي أَوْ أعِيدَا إِلَيَّ عَهْدَ الشَّبابِ

                - وقال عنترة:
                يا دَارَ عَبْلَةَ بالْجِواءِ تَكَلَّمِي وعِمِي صَباحاً دَارَ عَبْلَةَ واسْلَمِي

                - قال مسلم بن الوليد:
                اسْلَمْ يزيدُ فَما في الدين من أوَدٍ إذا سلمتَ وما في المُلكِ منْ خَلل

                - وقال ابن الرومي:
                أرني الذي عاشَرْتَهُ فَوَجدْتَه مُتَغاضِياً لَكَ عَنْ أقَلِّ عِثَارِ

                - وقال - تعالى -:
                ï´؟اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاء عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَï´¾37.
                للمطالعة
                من شعرائنا المعاصرين: السيّد مصطفى جمال الدِّين38.
                السيّد مصطفى بن جعفر ابن الميرزا عناية الله، من أسرة جمال الدِّين، وهي أسرة مشهورة بالعلم والشرف والأدب. أديب كبير وعالم فاضل مؤلّف وَعَلَم بارز. ولد بقرية المؤمنين التابعة لسوق الشيوخ(في العراق) عام 1346هـ ‍/ 1927 م. وأرسله أهله إلى النجف الأشرف للدراسة في الحوزة العلمية صبيّاً، فتدرّج في مراحلها حتّى حضر بحوث مرحلة الخارج على أيدي أمثال السيّد الخوئي قدس سرهوغيره، وتأثّر بمنهج الشيخ المظفّر الإصلاحيّ وساهم فيه إلى جانب زملائه العديدين من رموز دينيّة وسياسيّة معاصرة، ووقف في خضمّ ذلك مع حركة التجديد في النجف المنادية بتغيير المناهج الدراسيّة وتطويرها، كما برز شاعراً مميّزاً من الرعيل الأوّل له أسلوبه الخاصّ ورؤيته الفريدة الّتي صقلتها في موهبته مواكبته لمجمل حركة الأدب العربي، فجاء شعره امتداداً لمدرسة العمود الّتي كادت أن تأتي عليها نزعات التحديث والاستلاب، وله في ذلك أتباع من الشعراء الشباب. وقد واصل إلى جانب ذلك دراسته الأكاديمية متخرّجاً من كليّة الفقه عام 1382هـ / 1962م، ثمّ من جامعة بغداد في مرحلتي الماجستير والدكتوراه برسالتين مشهورتين تُعدّان إلى جانب مؤلّفاته الأخرى في النحو والأصول والأدب ثروة هامّة للحركة الثقافية المعاصرة. وقد صدر له أخيراً (الديوان) قبل وفاته بعام. كما ارتبط بأغلب أدباء العربية بعلائق متينة، وشارك في مؤتمرات شعريّة وملتقيات كثيرة، كما كتبت عنه الصحافة الأدبية واحتفى به الشعراء والمثقّفون. هاجر من بلده العراق في عام 1401هـ/ 1980م إلى الكويت ثمّ إلى سوريا حيث شارك في تجربة معارضة النظام المتسلّط على العراق إلى جانب مشاركته في رعاية الحركة الثقافيّة والأدبيّة حتّى وافته المنيّة في دار الهجرة في عام 1417هـ - 1996م، وبذلك فقد الأدب العربيّ المعاصر واحداً من أعلامه الكبار، والحوزات والمؤسّسات العلمية شيخاً من روّادها المميّزين. وله من قصيدة في أمير المؤمنين عليه السلام:

                سَمَوْتَ فكيف يلحقُكَ القَصِيدُ
                وكيف يُطالُ شَأْوُكَ في جَنَاح
                فَهَبْنِي ما أقولُ.. فإنّ فِكْراً
                فلستَ الأرضَ يقطعها مُغِذٌّ
                أبا حسنٍ وإن أعيىَ خَيَالِي
                وأجنحةُ الخيالِ لها حُدُودُ؟!
                قوادِمُهُ مَزَامِيرٌ وَعُودُ!!
                إليك رَقَى.. سَيُتْعِبُه الصُّعُودُ
                ولستَ النورَ يُدْرِكُ ما يريدُ
                فقصّرَ دونَ غايَتِهِ النَّشِيدُ

                وله أيضاً قوله:

                ظَمِئَ الشعرُ أم جفاكَ الشُّعُورُ
                كيف تَعْنُو للجَدْبِ أغراسُ فِكْرٍ
                كيفَ يَظْمَا مَنْ فيهِ يَجْرِي الغَدِيرُ
                لعليٍّ بها تَمُتُّ الجُذُورُ
                ومنها:

                سيّدي أيّها الضميرُ المُصَفَّى
                لك مَهْوَى قلوبِنَا، وعلى زا
                وإذا هَزّتِ المخاوفُ رُوحاً
                قَرَّبَتْنَا إلى جراحِكَ نارٌ
                باعدتنا عن (قومنا) لغةُ الحُبّ
                بعضُ ما يُبْتَلَى بهِ الحبُّ هَمْسٌ
                إنّ أقسى ما يحملُ القلبُ أن
                نحن نَهْواكَ، لا لشيءٍ، سوى أنّـ
                ضرب الله بين وَهْجَيْكُمَا حد
                وإذا الشمسُ آذَنَتْ بمَغِيبٍ
                والصراطُ الّذي عليهِ نَسِيرُ
                دِكَ نُرْبِيْ عُقُولَنَا، وَنَمِيْر ُ
                وارتمَى خافقٌ بها مذعورُ
                وهدانا إلى ثُبَاتِكَ نورُ
                فظنّوا: أنّ اللُبَابَ القُشُورُ
                من ظُنونٍ.. وبعضُهُ تشهيرُ
                يُطلبَ منهُ لِنَبْضِهِ تفسيرُ
                ـك من أحمدٍ أخ ووزيرُ
                داً: فأنتَ المَنَارُ وَهْوَ المنيرُ
                غطّتِ الكونَ مِنْ سَنَاهَا البدورُ
                هوامش
                1- سورة ص، الآية: 30.
                2- سورة آل عمران، الآية: 151.
                3- سورة النساء، الآية: 65.
                4- سورة الحجر، الآية: 72.
                5- سورة مريم، الآية: 38.
                6- الصِّمَّةُ بنُ عبد الله بن الطُّفَيْل بن قُرَّةَ القُشَيْريّ، من بني عامر بن صعصعة، من مضر. 95 هـ / 713 م شاعر غَزل بَدْوِيٌّ، من شعراء العصر الأموي، ومن العشاق المُتَيّمِين. كان يسكن بادية العراق، وانتقل إلى الشام. ثم خرج غازياً يريد بلاد الدَّيْلَم، فمات في طَبَرِسْتَان.
                7- سورة المائدة، الآية: 52.
                8- سورة العنكبوت، الآية: 45.
                9- سورة لقمان، الآية: 18.
                10- سورة الزمر، الآية: 9.
                11- سورة النساء، الآية: 73.
                12- سورة المائدة، الآية: 67.
                13- سورة الاسراء، الآية: 78.
                14- سورة البقرة، الآية: 282.
                15- سورة المائدة، الآية: 105.
                16- سورة محمد، الآية: 4.
                17- سورة النمل، الآية: 19.
                18- امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي. 130 - 80 ق. هـ / 496 - 544 م شاعر جاهلي، أشهر شعراء العرب على الإطلاق، يمانيُّ الأصل، مولده بنجد، كان أبوه ملك أسد وغَطَفَان، وأمه أخت المُهَلْهل الشاعر. قال الشعر وهو غُلَام، وجعل يُشَبِّبُ، ويلهو، ويعاشر صعاليك العرب، فبلغ ذلك أباه، فنهاه عن سيرته فلم ينته، فأبعده إلى حَضْرَمَوْت، موطن أبيه وعشيرته، وهو في نحو العشرين من عمره. أقام زَهَاء خمسِ سنين، ثم جعل ينتقل مع أصحابه في أحياء العرب، يشرب، ويطرب، ويغزو، ويلهو، إلى أن ثار بنو أسد على أبيه فقتلوه، فبلغه ذلك وهو جالس للشراب فقال: رحم الله أبي! ضَيّعني صغيراً وحَمّلني دمه كبيراً، لا صحو اليوم، ولا سكر غداً، اليوم خمر، وغداً أمر. ونهض من غده فلم يزل حتى ثأر لأبيه من بني أسد، وقال في ذلك شعراً كثيراً كانت حكومة فارس ساخطة على بني آكل المرار (آباء امرؤ القيس) فأوعزت إلى المنذر ملك العراق بطلب امرئ القيس، فطلبه، فابتعد وتفرق عنه أنصاره، فطاف قبائل العرب حتى انتهى إلى السموأل، فأجاره ومكث عنده مدة. ثم قصد الحارث بن أبي شمر الغَسّاني والي بادية الشام لكي يستعين بالروم على الفرس فسيّره الحارث إلى قيصر الروم يوستينيانس في القسطنطينية، فوعده، وماطله، ثم ولّاه إمارة فِلَسْطِين، فرحل إليها، ولما كان بأنقرة ظهرت في جسمه قروح، فأقام فيها إلى أن مات.
                19- علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة، ص 146.
                20- سورة البقرة، الآية: 282.
                21- سورة فصلت، الآيات: 40.
                22- سورة يونس، الآية: 38.
                23- سورة البقرة، الآية: 187.
                24- سورة الطور، الآية: 16.
                25- سورة الحجر، الآية: 46.
                26- سورة ق، الآية: 34.
                27- سورة النحل، الآية: 114.
                28- سورة الإسراء، الآية: 50.
                29- محمد بن عبد الله بن نُمَيْر بن خرشة الثَّقَفِي النُّمَيْرِيّ. 90 هـ / 708 م شاعر غَزِل، من شعراء العصر الأموي، مولده ومنشؤه ووفاته في الطائف. كان كثيرَ التشبيب بزينب أخت الحجاج، وأرقُّ شعره ما قاله فيها من قصيدته التي مطلعها:
                تضوع مسكاً بطن نعمان إذ مشت به زينبٌ في نسوةٍ عَطِرَاتِ

                30- سورة الانعام، الآية: 99.
                31- سورة الحجر، الآية: 46.
                32- سورة ق، الآية: 34.
                33- سورة يس، الآية: 82.
                34- سورة النساء، الآية: 3.
                35- سورة المائدة، الآية: 33.
                36- سورة الاسراء، الآية: 48.
                37- سورة الطور، الآية: 16.
                38- الحاج حسين الشاكري، علي في الكتاب والسنة والأدب، ج 5، ص 286 - 289.



                يتبع

                تعليق


                • #9
                  الدرس التاسع عشر: الإنشاء - 2 - النَّهي والاستفهام
                  أهداف الدرس:
                  1- أن يتعرّف الطالب إلى صيغتيّ النهي والاستفهام الإنشائيتين.
                  2- أن يتدرّب على استخدام صيغتي النهي والاستفهام.


                  219

                  النَّهي:
                  هو طلبُ المتكلِّمِ من المخاطَبِ الكفَّ عن الفعلِ، على سبيلِ الاستعلاءِ.

                  ولَهُ صيغةٌ واحدةٌ لَا تَتَغَيَّرُ, وهِيَ المضارِعُ المقرونُ بـ "لا الناهية" كقولِهِ - تَعَالَى -:
                  ï´؟وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُï´¾1, وقولِهِ: ï´؟وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَï´¾2.

                  فإنَّ طالبَ الكفِّ فِي الآياتِ أعظَمُ وأعلَى مِمَّن طُلِبَ مِنهُ, فالطالبُ هوَ اللهُ, والمطلوبُ منهُم هُم عبادُهُ.

                  وهَذَا هُوَ النَّهيُ الحقيقيُّ.

                  وقد يُستفادُ مِنَ النَّهيِّ معانٍ أخرَى يدركها السامعُ من السِّياقِ وقرائنِ الأَحوالِ:
                  1- الدعاءُ، كقولِهِ - تَعَالَى -:
                  ï´؟لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَاï´¾3.

                  2- السؤال:
                  كقول المذنب للقاضي: "اعفُ عنّي".


                  221

                  3- الالتماسُ، كقولِ أبي الطيِّبِ فِي سيفِ الدولةِ:
                  فَلا تُبلِغاهُ ما أَقولُ فَإِنَّهُ شُجاعٌ مَتى يُذكَرْ لَهُ الطَّعْنُ يَشْتَقِ4

                  4- الإرشادُ،
                  كقولِهِ - تَعَالَى-:
                  ï´؟لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْï´¾5. وقولِ الشاعر6:
                  وَلا تَجلِس إِلى أَهلِ الدَنايا فَإِنَّ خَلائِقَ السُفَهاءِ تُعْدِيْ

                  5- التيئيسُ،
                  كقولِهِ - تَعَالَى- عن المنافقين:
                  ï´؟لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْï´¾7.

                  6- التمنّي،
                  كقولِ الشَّاعِرِ8:
                  لا تبزغي يا شمس في أفقٍ حَيَاً من زينبٍ فلقد أَطَلْتِ أَنِينَهَا

                  7- التهديدُ،
                  كقولك لولدك مهدِّدَاً: (لا تذهبْ إلى مجالسِ البَطَّالينَ).

                  8- التوبيخُ،
                  كقولِ أبي الأسودِ الدُّؤَلِيّ9:
                  لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وتَأْتِيَ مِثْلَهُ عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ

                  9- التحقيرُ،
                  كقولِ الحطيئة يهجو الزِّبْرِقَانَ بنَ بدر10:


                  222

                  دَعِ المَكارِمَ لا تَرحَل لِبُغيَتِها وَاقعُدْ فَإِنَّكَ أَنتَ الطاعِمُ الكاسي
                  الاستفهامِ:
                  هو طلبُ الفهم، فيما يكونُ المستفهَمُ عنه مجهولاً لدى المتكلّم، وقد يكونُ لغيرِ ذلك كما سيأتي، ويقعُ الاستفهام بأدواتٍ كثيرة نقتصر في البحث على "الهمزة" و"هل" منها، لمزيد أهميةٍ لهما11.

                  ونشير الى باقي الادوات إشارةً:
                  أقسامُ أدواتِ الاستفهامِ:
                  تنقسمُ أدواتُ الاستفهام إلى ثلاثةِ أقسامٍ:
                  1- ما يُطْلَبُ به التصوّرُ.
                  2- ما يُطْلَبُ به التَّصديقُ.
                  3- ما يُطْلَبُ به التصوّرُ مرةً، والتصديقُ أخرَى.

                  والتصوّرُ،
                  هو إدراكُ المفردِ، بمعنى أنْ لا يكونَ هناك نسبةٌ، فـ "زيدٌ" و"عمروٌ" و"القرآنُ" و"اللهُ". ونحوها كلُّها مفردٌ، فهي تصوراتٌ.

                  والتصديقُ:
                  هو إدراكُ النسبةِ، أي نسبةُ الفعل إلى فاعلهِ أو المبتدأُ إلى خبرهِ، فـ "زيدٌ قائمٌ" و"اللهُ عالمٌ" و"محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم نبيٌّ".. ونحوها كلُّها نسبةٌ، فهي تصديقاتٌ.

                  وخلاصة القول:
                  إنَّ العلم َإنْ كانَ إذعاناً للنسبةِ فتصديقٌ، وإلا فتصوُّرٌ.

                  والتصديقُ كما يكونُ في الإثباتِ، كذلكَ يكونُ في النفي.


                  223

                  همزةُ الاستفهامِ:
                  منْ أدواتِ الاستفهام "الهمزةُ"، وهي مشتركةٌ، فتأتي تارةً لطلبِ التصورِ، وأخرى لطلبِ التصديقِ.
                  1- أمَّا ما كانَ لطلبِ التصوّرِ، فيلي الهمزةَ المسؤولُ عنه، والسؤالُ حينئذٍ عن المفرد لا النسبةِ، بمعنى: أنَّ السائلَ يعلمُ بالنسبةِ، وإنما لا يعلمُ شيئاً من أطرافِها.

                  مثلاً يعلمُ أنهُ وقعَ فعلٌ ما، لكنهُ لا يعرفُ المسنَد، أو المسنَد إليه، أو المفعولَ، أو الحالَ، أو الظرفَ، أو الصفةَ.. أو نحوها.

                  ففي قولنا: "ضربَ زيدٌ عمراً، راكباً، في الصحراءِ", يقعُ المجهولُ بعد همزة الاستفهامِ.
                  فنقولُ في الجهلِ بالفعلِ: "أَضَرَبَهُ أمْ قَتَلَهُ"؟
                  ونقولُ في الجهلِ بالفاعلِ: "أجوادٌ الضاربُ أمْ رضَا"؟
                  ونقولُ في الجهلِ بالمفعول: "أعمروٌ المضروبَ أمْ محمدٌ"؟
                  ونقولُ في الجهلِ بالصفة: "أعليٌّ القائدُ أمِ التاجرُ"؟
                  ونقولُ في الجهل بالحالِ: "أراكباً كانَ حسنٌ أمْ راجلاً"؟
                  ونقول ُفي الجهلِ بالظرفِ: "أفي الصحراءِ أمْ في البلدِ حصل الأمر"؟
                  وهكذا..

                  وقد علِمنا من هذه الأمثلة: أنَّ النسبةَ معلومةٌ، وإنما المجهولُ مفردٌ من المفرداتِ.


                  224

                  2- وأمَّا ما كانَ لطلبِ التصديقِ، فالهمزةُ تدخلُ على الجملةِ، والسؤالُ يقع عن النسبةِ، كقولنا: "أجاءَ زيدٌ؟" فيما لم نعلمْ بالمجيء.

                  ثمّ إنَّ الغالبَ أن يؤتَى للهمزةِ التي لطلبِ التصور بمعادلٍ، كما تبين في الأمثلة: من معادلةِ (أمْ) للهمزة.

                  بخلافِ طلب التصديقِ فلا يؤتَى للهمزة بمعادلِ، كما تقدَّم في المثال.

                  ثمَّ إنَّ جوابَ الهمزة التي لطلبِ التصور: تعيينُ أحدِ الشِّقين:
                  فنقولُ في السؤال الأول: "ضربَهُ".
                  ونقولُ في السؤال الثاني: "جوادٌ".
                  ونقولُ في السؤال الثالث: "عمروٌ".
                  وهكذا...

                  بخلاف الهمزةِ التي لطلبِ التصديق، فالجوابُ: (نعمْ) أو (لا).

                  هل الاستفهامية:

                  من أدواتِ الاستفهامِ هلْ، وهي مختصةٌ بطلبِ التصديقِ، فيرادُ بها معرفةُ وقوع النسبةِ وعدم وقوعها، ولذا لا يذكرُ معها معادلٌ، كما يكون ُجوابها: (نعمْ) أو (لا).
                  نقولُ: (هلْ قامَ زيدٌ)؟ والجواب: (نعم) أو (لا).

                  وتنقسمُ هلْ إلى:
                  أ- بسيطةٍ، وهي أن يكون المستَفهَمُ عنه بها وجودَ الشيء وعدمَه، كما نقولُ: "هل العنقاء موجودة"؟ الجواب: لا، و: "هلِ الخِلُّ الوفِيُّ موجودٌ"؟


                  225

                  ب- مركبةٌ، وهي أن يكون المستفهَمُ عنه بها صفةَ زائدةَ على الوجودِ، كما نقول: "هلِ الخفاشُ يبصرُ"؟, و"هلِ النَّباتُ حسَّاسٌ"؟

                  بقيةُ أدواتِ الاستفهام:

                  1- مَنْ: موضوعةٌ للاستفهامِ عن العقلاء، كقولِهِ - تَعَالَى-:
                  ï´؟مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَاï´¾12، وقد ينعكسُ، فتستعملُ (ما) للعاقلِ، و(مَن) لغيرهِ.

                  2- ما
                  تكونُ للاستفهام عن غير العقلاءِ، وهي أقسام ٌ:
                  الأول: إيضاحُ الاسمِ، نحو ما الْعَسْجَدُ؟ فيقال في الجواب: إنه ذهبٌ.
                  الثاني: بيانُ حقيقةِ الشيء، مثلاً يقال: "ما الأسدُ"؟ فيقالُ في الجواب: "حيوانٌ مفترسٌ".
                  الثالث: بيانُ صفةِ الشيءِ، مثلاً يقالُ: "ما الحيوانُ"؟ فيقال في الجواب: "حساسٌ نامٍ متحركٌ بالإرادةِ".

                  3- متَى:
                  موضوعةٌ للاستفهامِ عن الزمانِ، مستقبلاً كان أم ماضياً، كقولِهِ - تَعَالَى-:
                  ï´؟...مَتَى نَصْرُ اللّهِ...ï´¾13، وقولِهِ - تَعَالَى -: ï´؟وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَï´¾14.

                  4- أيّانَ: موضوعةٌ للاستفهامِ عن زمان المستقبلِ فقط، كقولِهِ - تَعَالَى-:
                  ï´؟يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِï´¾15, وقولِهِ - تَعَالَى-: ï´؟أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَï´¾16.

                  226

                  5- كيفَ: موضـوعـةٌ للاستفهامِ عن الحالِ، كقولِهِ - تَعَالَى -: ï´؟فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًاï´¾17. وقولِهِ: ï´؟فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَï´¾18.

                  6- أينَ: موضوعةٌ للاستفهام عن المكانِ، كقولِهِ - تَعَالَى -:
                  ï´؟ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَï´¾19، وقولِهِ: ï´؟يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّï´¾20.

                  7- أنّى: موضوعةٌ للاستفهامِ، وتأتي بمعنَى:
                  أ- كيفَ، كقولِهِ - تَعَالَى -:
                  ï´؟أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَاï´¾21.
                  ب- وبمعنى من أينَ, كقولِهِ - تَعَالَى -:
                  ï´؟يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَاï´¾22.
                  ج- وبمعنى متَى، كقولِنَا: "زرْني أنَّى شئتَ".

                  8- كم:
                  موضوعةٌ للاستفهام عن عددٍ مبهمٍ، كقولِهِ - تَعَالَى -:
                  ï´؟قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَï´¾23.

                  9- أيُّ: موضوعةٌ للاستفهام عن تمييزِ أحد المتشارِكينِ في أمرٍ يعمُّهما: شخصاً، أو زماناً أو مكاناً، أو حالاً، أو عدداً، عاقلاً أو غيره، كقولِهِ - تَعَالَى -:
                  ï´؟أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّاï´¾24.

                  227

                  القواعد الرئيسة
                  1- النَّهيُ طَلَبُ الكَفِّ عَن الْفِعْل عَلَى وَجْهِ الاستعلاء.
                  2- لِلنَّهْي صِيغَةٌ واحِدةُ هي المضَارعُ مَعَ لا النَّاهِيَةِ
                  3- قَدْ تَخْرُجُ صِيغَةُ النَّهي عَنْ مَعْناها الحقيقيّ إلى مَعانٍ أخرى تُسْتَفَادُ مِنَ السياق و قَرَائن الأحوال، كالدُّعاء، والالتماس، والتمني، والإرشاد، والتوبيخ، والتيئيس، والتهديد، و التحْقِير.
                  4- الاِسْتِفْهامُ طلَبُ الْعِلْمِ بشيء لَمْ يَكُن مَعْلوماً مِنْ قَبْلُ، ولهُ أَدَوَاتٌ كثِيرَةٌ مِنْها: الْهَمْزَةُ، وهلْ.
                  5- يُطْلَبُ بالْهَمْزَةِ أَحَدُ أَمْرَيْن:
                  أ- التَّصَورُ، وهو إِدْراكُ الْمُفْرَدِ، وفي هذِهِ الحَال تأتي الهمْزَةُ متلوَّةً بالْمَسْؤُول عَنْهُ ويُذْكَرُ لهُ في الغَالِب مُعَادِلٌ بَعْدَ أَمْ.
                  ب- التَّصْديقُ وهو إِدْراكُ النِّسْبَةِ، وفي هذِه الحال يمتَنعُ ذكْرُ الْمُعَادِل.
                  6- يُطْلَبُ بهل التَّصْدِيقُ لَيْسَ غَيْرُ، وَيَمتَنِعُ مَعَهَا ذكْرُ الْمُعَادل.
                  7- لِلاِسْتِفْهَام أَدَوَاتٌ أخرى غيْرُ الهمزة وهَلْ، وهي: مَنْ, ما, مَتَى, أَيَّان, كَيفَ, أيْنَ, أَنَّى, كمْ, أي.
                  8- جَمِيعُ الأَدَوَاتِ الْمُتَقَدِّمةِ يُطلَبُ بها التصوُّر، ولذلِك يكونُ الجوابُ معَهَا بَتعْيين الْمَسْؤُول عَنْهُ.
                  تمارين
                  1- بيّن صيغةَ النهي والمراد منها في كل مثال من الأَمثلة الآتية:
                  - قال تعالى:
                  ï´؟وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَاï´¾25.
                  - وقال أبو العلاء:
                  لا تَحلِفَنّ على صِدقٍ ولا كَذِبٍ فما يُفيدُكَ، إلاّ المأثمَ، الحَلَفُ

                  - وقال تعالى:
                  ï´؟لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَï´¾26.

                  - وقال تعالى عن المنافقين:
                  ï´؟لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْï´¾27.

                  - قال أبو الطيّب في مدح سيف الدولة:
                  لا تَطْلُبَنّ كَريماً بَعْدَ رُؤيَتِهِ إنّ الكِرامَ بأسخاهُمْ يَداً خُتِمُوا

                  - وقال الشاعر:
                  لا تَحْسَبِ الْمجْد تَمْراً أنْتَ آكِلُهُ لَنْ تبْلُغَ المَجْدَ حتى تَلْعقَ الصَّبرا

                  - وقال الطغْرائي:
                  لا تطْمَحَنَّ إلى المراتِبِ قَبْل أن تتَكَاملَ الأدواتُ والأسبابُ

                  - وقال الشريف الرَّضِيّ:
                  لا تَأمنَنَّ عدُوًّا لانَ جانبُهُ خُشُونَةُ الصِّلِّ عُقْبَى ذلِكَ اللِينِ

                  - وقال أبو الطيب:
                  فَلا تَنَلْكَ اللّيالي إنّ أيْدِيَهَا إذا ضَرَبنَ كَسَرْنَ النَّبْعَ بالغَرَبِ

                  - وقال الشاعر:
                  لا تلهينَّكَ عنْ مَعادكَ لذَّةٌ تَفْنى وتُورثْ دائِمَ الحسراتِ

                  - وقال المتنبي:
                  لا تَحْسَبُوا مَن أسرْتم كانَ ذا رَمَقٍ فَلَيْسَ يأكُلُ إلاّ المَيْتَةَ الضَّبُعُ

                  - وقال أَبو العلاء:
                  لا تَطْويَا السِّرَّ عني يوْم نائبةٍ فإنَّ ذلِكَ ذَنْبٌ غيْرُ مُغتَفَرِ
                  و الخِلُّ كالماءِ يُبْدِي لي ضمائرَه مع الصَّفَاءِ ويُخْفِيهَا مع الكَدَرِ

                  - وقال الله تعالى:
                  ï´؟وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَï´¾28.
                  - وقال أبو الطيّب:
                  وَلا تَشَكَّ إلى خَلْقٍ فَتُشْمِتَهُ شكوَى الجريحِ إلى الغِرْبانِ وَالرَّخَمِ

                  2- بينِ الأغراض التي يدلُّ عليها الاستفهام في الأمثلة الآتية:

                  - قال أبو تمّام في المديح:
                  هَل اجتَمعتْ أَحْيَاءُ عَدْنَانَ كُلُّهَا بِمُلْتَحَمٍ إلاَّ وأَنْتَ أَمِيرُها؟

                  - وقال البحتريّ:
                  أأكفُرُكَ النَّعْمَاءَ عِندي، وَقد نمتْ عَليّ نُمُوَّ الفَجْرِ، والفَجْرُ ساطِعُ
                  وأنتَ الذي أعْزَزْتَني بَعدَ ذِلّتي فلا القوْلُ مَخفوضٌ ولا الطّرْفُ خاشعُ

                  - وقال ابن الرُّومِيّ في المدح:
                  أَلستَ المرءَ يَجْبِي كلَّ حمد إذا ما لم يكنْ للحمدِ جابِي

                  - وقال أبو تمام:
                  مَا للخُطوبِ طَغَتْ عليَّ كأنَّها جهلتْ بأنَّ نداكَ بالمِرْصَادِ

                  - وقال آخر:
                  فَدَعِ الوَعيدَ فما وَعيدُكَ ضَائِرِي أطَنينُ أجْنِحَةِ الذُّبابِ يَضِيرُ

                  - قال الشاعر:
                  أضاعوني وأيَّ فَتى أَضاعوا؟ لِيوْم كريهَة وسداد ثَغْر
                  للمطالعة
                  من شعرائنا: الكُمَيْتُ الأسديُّ29
                  هو الكميت بن زيد الأسديّ ينتهي نسبه إلى مضر بن نزار بن عدنان من أشعر شعراء الكوفة المُقَدَّمِينَ في عصره. عالم بلغات العرب خبير بأيّامها. ومن شعراء القرن الأوّل من الهجرة. كان في أيّام الدولة الأُمَوِيّة، وولد أيّام مقتل الحسين عليه السلام سنة إحدى وستين ومات في سنة ست وعشرين ومائة في خلافة مروان بن محمّد ولم يُدرك الدولة العبّاسية. وكان معروفاً بالتشيّع لبني هاشم مشهوراً بذلك قال أبو عبيدة: لو لم يكن لبني أسد منقبةٌ غيرُ الكميت لكفاهم. وقال أبو عِكْرِمَةَ الضَّبِّيُّ: لولا شعرُ الكُمَيْتِ لم يكن للّغة تَرْجُمَانٌ ولا للبيانِ لسانٌ.

                  محبّته لآل البيت عليهم السلام وإخلاصه لهم

                  قيل إنّ الكميت دخل على أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليه السلام في أيام التَشْرِيق بمنى فقال له جُعلت فداك إنّي قلت فيكم شعراً أُحِبُّ أن أُنْشِدَكَهُ. فقال: يا كُمَيْتُ اذكرِ اللهَ في هذه الأيّام المعدوداتِ، فأعاد عليه القول، فرقّ له أبو عبد الله، فقال هات: وبعث أبو عبد الله إلى أهله فقرب فأنشده فكثر البكاء حتّى أتى على قوله:
                  يصيب به الرامون عن قوس غيرهم فيا آخراً أسدى له الغيَّ أوّلُ

                  فرفع أبو عبد الله يديه فقال: اللهمّ اغفر للكميت. ودخل - أيضاً - على أبي جعفر محمّد بن عليّ عليه السلام فأعطاه ألف دينار وكسوة. فقال له الكميت: والله ما أحببتكم للدنيا ولو أردتُ الدنيا لأتيتُ من هي في يديه. ولكنّي أحببتُكُمْ للآخرة أمّا الثيابُ الّتي أصابت أجسامكم فأنا أقبلها لبركتها، وأمّا المال فلا أقبله. وحكى صاعد مولى الكميت. قال: دخلتُ معه على عليّ بن الحسين. فقال: إنّي قد مدحتُكَ بما أرجو أن يكون لي وسيلةٌ عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ أنشده قصيدته: "مَنْ لقلبٍ مُتَيَّمٍ مُسْتَهَاِم". فلمّا أتى على آخرها قال له: ثوابك نعجز عنه، ولكن ما عجزنا عنه، فإنّ الله لا يعجز عن مكافأتك، وأراد أن يُحسن إليه، فقال له: إن أردت أن تُحسن إليّ فادفع إليّ بعض ثيابك الّتي تلي جسدك أتبرّك بها فنزع ثيابه، ودفعها إليه ثمّ قال: اللهمّ إنّ الكُمَيْتَ جاد في آل رسول الله وذريّة نبيّك بنفسه حين ضنّ الناس، وأظهر ما كتمه غيره من الحقّ فأحْيِهِ سعيداً وأمِتْهُ شهيداً وأرِهِ الجزاء عاجلاً، فإنّا قد عجزنا عن مكافأته. والكُمَيْتُ بعد هذا من أعاظم الشعراء الّذين عرفهم العصر الأموي، ومن أصدقهم عاطفة... وشعره ليس عاطفياً كبقيّة الشعراء، بل إنّ شعره، شعر مذهبيّ، ذهنيّ، عقليّ, فهو شاعر يناضل عن فكرة عقائديّة معيّنة، وعن مبدأ واضح، ومنهج صحيح، ودعوة آمن بها وكرّس لها حياته وجهده وتحمّل في سبيلها الأذى ومات بسببها. وأغلب شعره السياسيّ أو الهاشميّات، وها هو يبدأ إحدى هاشميّاته قائلاً:

                  طَرِبتُ وما شَوقاً إلى البِيضِ أَطرَبُ
                  وَلكِنْ إِلى أهلِ الفَضَائِلِ والنُّهَى
                  إلى النَّفَرِ البِيْضِ الّذِينَ بِحُبِّهم
                  بَنِي هَاشِمٍ رَهطِ النَّبِيِّ فإنَّنِي
                  خَفَضتُ لَهُم مِنّي جَنَاحَي مَوَدَّةٍ
                  ولاَ لَعِبَاً منّي وذو الشَّيبِ يَلْعَبُ
                  وَخَيرِ بَنِي حَوَّاءَ والخَيرُ يُطلَبُ
                  إلى الله فِيمَا نَابَنِي أتَقَرَّبُ
                  بِهِم ولَهُم أَرضَى مِرَاراً وأغضَبُ
                  إلى كَنَفٍ عِطفَاهُ أهلٌ وَمَرحَبُ
                  هوامش
                  1- سورة الاسراء، الآية: 34.
                  2- سورة الانعام، الآية: 151.
                  3- سورة البقرة، الآية: 286.
                  4- أي أنه لِحُبِّهِ الحرب وشجاعته متى ذكر له وصف الحرب والطِّعَانِ اشتاق إليه.
                  5- سورة المائدة، الآية: 101.
                  6- أَبو العَلاء المَعَرِي 363 - 449 هـ / 973 - 1057 م أحمد بن عبد الله بن سليمان، التنوخيّ المعريّ. شاعر وفيلسوف، ولد ومات في معرّة النعمان، كان نحيف الجسم، أصيب بالجدري صغيراً فعمي في السنة الرابعة من عمره. وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة، ورحل إلى بغداد سنة 398 هـ، فأقام بها سنة وسبعة أشهر، وهو من بيت كبير في بلده، ولمّا مات وقف على قبره 84 شاعراً يرثونه.
                  7- سورة التوبة، الآية: 66.
                  8- عبد الحسين بن محمد من آل شكر - 1285 هـ - 1868 م, شاعر من شعراء النجف، في العراق. له ديوان شعر
                  9- ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل الدُّؤَلِيّ الكناني. 1 ق. هـ - 69 هـ / 605 - 688 م تابعي، واضع علم النحو، كان معدوداً من الفقهاء والأعيان والأمراء والشعراء والفرسان وحاضري الجواب. قيل إن امير المؤمنين عليّاً عليه السلام رسم له شيئاً من أصول النحو، فكتب فيه أبو الأسود، سكن البصرة في خلافة عمر وولي إمارتها في أيام علي عليه السلام، ولم يزل في الإمارة إلى أن استشهد علي عليه السلام، وكان قد شهد معه (صفين), مات بالبصرة.
                  10- حصين بن بدر بن خلف بن بهدلة، من تميم من بني بهدلة بن عوف بن كعب 45 هـ / 665 م شاعر صحابي مخضرم، عاش في الجاهلية وأدرك الإسلام، فأسلم وسمي بالزبرقان لجماله الشبيه بالقمر، وقيل لأنه كان يصبغ عمامته بالزعفران.
                  11- من أراد التفصيل في بقية الأدوات، فعليه بالكتب المبسوطة.
                  12- سورة الأنبياء، الآية: 59.
                  13- سورة البقرة، الآية: 214.
                  14- سورة يونس، الآية: 48.
                  15- سورة القيامة، الآية: 6.
                  16- سورة النحل، الآية: 21.
                  17- سورة النساء، الآية: 41.
                  18- سورة آل عمران، الآية: 25.
                  19- سورة الانعام، الآية: 22.
                  20- سورة القيامة، الآية: 10.
                  21- سورة البقرة، الآية: 259.
                  22- سورة آل عمران، الآية: 37.
                  23- سورة المؤمنون، الآية: 112.
                  24- سورة مريم، الآية: 73.
                  25- سورة الأعراف، الآية: 56.
                  26- سورة الحجرات، الآية: 11.
                  27- سورة التوبة، الآية: 66.
                  28- سورة البقرة، الآية: 188.
                  29- السيد محسن الأمين، أعيان الشيعة، ج 9، ص 35 - 37.


                  يتبع

                  تعليق


                  • #10
                    الدرس العشرون: الانشاءُ - 3 - النداءُ والتمنِّي
                    أهداف الدرس:
                    1- أن يتعرّف الطالب إلى صيغتي النداء والتمنّي الإنشائيتين.
                    2- أن يُحسِنَ استخدام صيغتي النداء والتمنّي.


                    235

                    النداءُ:
                    إذَا أَردْنَا إقبالَ أَحدٍ علينَا دعونَاهُ بذكرِ اسمِهِ أو صفةٍ مِنْ صفاتِهِ بعدَ حرفٍ نائبٍ منابَ "أدعو"، ويسمَّى هذا بالنداءِ. فالنداءُ هوَ طلبُ توجّهِ المخاطَبِ إلى المتكلّمِ بحرفٍ يفيد معنَى: "أنادي".

                    وأَدواتُ النداءِ هِيَ: الهمزةُ، ويا، وأيُّ, وأي, وآ, وأيَا، وهَيَا، و وا.

                    1- الهمزةُ: كقولِ أميرِ المؤمنين عليّ عليه السلام فِي شِعرٍ منسوبٍ إليهِ:
                    أَحُسَينُ إِنّي واعِظٌ وَمؤَدِّبٌ فَافهَم فَأَنتَ العاقِلُ المُتَأَدِّبُ

                    2- يا:
                    كقولِهِ - تَعَالَى -:
                    ï´؟يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَï´¾1.

                    3- أيُّ:
                    كقولِ أميرِ المؤمنين عليّ عليه السلام:
                    "أيُّها النَّاس إنَّ أَخوَفَ مَا أَخَافُ عليكم اثنتانِ: اتّباعُ الهَوى، وطُولُ الأمَلِ. فأمَّا اتّباعُ الهَوَى، فيصدُّ عَنِ الحقّ، وأمَّا طُولُ الأمَلِ، فينسِي الآخرةَ"2
                    .

                    4- أيْ:
                    كقولِ الإمامِ علي بنِ الحسينِ عليهما السلام فِي دعاءِ أبي حمزةَ الثماليّ: "أَيْ رَبِّ


                    237

                    مِنْكَ اَطْلُبُ، وَاِلَيْكَ اَرْغَبُ، وِايّاكَ اَرْجُو، وَاَنْتَ اَهْل ذلِكَ، لا اَرْجُو غَيْرَكَ وَلا اَثِقُ إلاّ بِكَ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ"3.

                    5- أيا:
                    كقولِ الشريفِ المرتَضَى4:
                    أَيا ذاهباً ولّى وخلّفَ بعدَه عَليَّ مِنَ الأحزانِ مِلْءَ جَوانبي

                    هَيَا: كقولِ الشَّاعِرِ5:
                    فأصاخَ يرجُو أن يكون حَياً ويقول من طَمَع: هَيَا رَبَّا

                    6- كقولِ أبي العلاءِ المعرّيِ:

                    فوا عجباً كم يدعي الفضل ناقصٌ؟ ووا أسفاً كم يظهرُ النقصَ فاضلُ؟
                    بعد ذكرِ أدواتِ النِّداءِ والتَّعرُّفِ إليهَا نقولُ: إنَّ منهَا مَا يُستعمَلُ لنِدَاءِ القريبِ, ومنهَا مَا هوَ للبعيدِ, والأصلُ في نداءِ القريبِ أنْ يُنادَى بـ"الهمزةِ" أو "أي", كقولِ أميرِ المؤمنينَ عليّ عليه السلام في وصيتّهِ لولدِهِ الحسنِ عليهما السلام: "...أيْ بُنَي إنِّي وإنْ لمْ أكنْ عُمِّرتُ عُمْرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِم، وفَكَّرتُ فِي أَخْبَارِهِم، وسِرْتُ فِي آَثَارِهِم حتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِم"6.

                    وكقولِ الشاعر:


                    238

                    أَبُنَيَّ إِنَّ أَباكَ كارِبُ يَومِهِ فإِذا دُعِيتَ إِلى المَكارِمِ فاعْجَلِ7

                    فإنَّه فِي كِلا النداءينِ استعمالٌ للأصلِ8.

                    والأصلُ فِي نِداءِ البَعيدِ أَنْ ينادَى بغيرهِمَا مِن بقيَّة الأدواتِ، غيرَ أنَّ هناكَ أسبابَاً بلاغيَّة تدعُو إِلى مخالفةِ هَذَا الأصلِ، و سنَشرحُ هَذِهِ الأسبابَ فيما يأتِي:
                    1- كتبَ أبو الطيّب المتنبّي إِلى الوالِي وهوَ فِي الاعتقالِ:
                    أَمالِكَ رِقّي وَمَن شَأنُهُ هِباتُ اللُجَينِ وَعِتْقُ العَبيدِ
                    دَعَوتُكَ عِندَ اِنقِطاعِ الرَجا ءِ وَالمَوتُ مِنّي كَحَبلِ الوَريدِ

                    نتأَملُ هَذَا المثالَ، فنجدُ المنادَى فيهِ بعيداً، ولكنَّ أبَا الطيِّب نادُاه بالهمزةِ الموضوعة للقريبِ، فمَا السببُ البلاغيُّ هنَا؟ السببُ أَنَّ أبَا الطيِّب أرادَ أنْ يُبَيِّنَ أنَّ المنادَى عَلَى الرَّغمِ مِنْ بُعدِهِ فِي المكانِ، قريبٌ مِن قلبِهِ مستحضَرٌ فِي ذهنِهِ لا يغيبُ عنْ بالِهِ، فكأنَّه حاضرٌ معَه فِي مَكانٍ واحدٍ. وهذه لطيفةٌ بلاغيَّة تُسَوِّغُ استعمالَ "الهمزةِ" و"أي" فِي نداءِ البعيدِ.

                    2- وفي دعاءِ كُمَيل بنِ زيادٍ يقولُ أميرُ المؤمنينَ عليه السلام:
                    "يا رَبِّ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، يا اِلهي وَسَيِّدي وَمَوْلايَ وَمالِكَ رِقّى، يا مَنْ بِيَدِهِ ناصِيَتى ياعَليماً بِضُرّى وَمَسْكَنَتى، يا خَبيراً بِفَقْرى وَفاقَتى"
                    9.
                    نجدُ المنادَى فِي هَذَا الدُّعاءِ قريباً، بَل أقربُ إلينَا مِن حبلِ الوريدِ, وهوَ اللهُ - سبحانَه وتَعَالَى -, ولكنَّ الإمام عليّاً عليه السلام استعْملَ فيهِ أحرفَ النَّداء الموضوعةَ للبعيدِ فمَا سببُ هَذَا؟ السَّببُ أنَّ المنادَى هنَا جليلُ القَدْرِ خطيرُ الشَّأنِ, فكأَنَّ


                    239

                    بُعدَ درجتِهِ فِي العِظمِ بعدٌ فِي المسافةِ، ولذلكَ اختارَ عليه السلام في ندائِهِ الحرفَ الموضوعَ لنداءِ البعيدِ ليُشيرَ إلَى هَذَا الشَّأنِ الرَّفيعِ.
                    3- قالَ الإمامُ الحسينُ عليه السلام لرجلٍ اغتابَ عندَه رجلاً: "يَا هَذَا، كفَّ عَنِ الغِيبةِ، فإنَّها إدَامُ كلابِ النَّارِ"10.

                    فَفِي هَذَا الحديثِ كانَ المخاطَبُ فِي اعتقادِ الإمامِ الحسينِ عليه السلام وضيعَ الشَّأنِ صغيرَ القدرِ, فكأنَّ بُعدَ درجتِهِ فِي الانحطاطِ, بعدٌ في المسافة, فلذلك ناداه بأداةِ البعيدِ وهوَ منهُ قريبٌ.

                    4- يقول أبو العتاهية11:
                    أَيا بانِيَ الدُنيا لِغَيرِكَ تَبتَني وَيا جامِعَ الدُنيا لِغَيرِكَ تَجمَعُ

                    لأنَّ المخاطَبَ لغفلتِهِ و ذهولِهِ كأنَّه غيرُ حاضِرٍ معَ المتكلمِ فِي مكانٍ واحدٍ, فلذلكَ استخدمَ الشاعِرُ اداةَ البعيدِ في خطابِهِ وهوَ قريبٌ. ومثلُ هَذا البيتِ قولُ شاعرٍ:
                    أَيا جامِعَ الدنيَا لِغَير بَلاغَةٍ لِمنْ تَجْمَعُ الدُّنْيَا وأنت تَمُوتُ؟!12

                    قد تخرجُ ألفاظُ الندَاءِ عن معناها الأصليِّ إلى معانٍ أخرَى، تُفهَمُ من السِّياق بمعونةِ القرائنِ، ومن أهمِّ ذلكَ:
                    أ- الإغراءُ, كقولنا لمن أقبل يتظَّلَّمُ: يا مظلومُ.
                    ب- الاستغاثةُ, كقولِ أبي فراس:
                    يا لِلرِجالِ، أَمَا لِلهِ مُنتَصِفٌ مِنَ الطُغاةِ، أَمَا لِلدينِ مُنتَقِم13


                    240

                    ج- الندبةُ, كقولِ المتنبّي:
                    واحَرَّ قَلباهُ مِمَّن قَلبُهُ شَبِمُ وَمَن بِجِسمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ

                    د- الزجرُ, كقولِ الشيخِ البهائيّ14:
                    الا يَا خَائِضَاً بَحْرَ الأَمَانِي هَدَاكَ اللهُ مَا هَذَا التَّوَانِي
                    أَضَعْتَ العُمْرَ عِصْيَانَاً وَجَهْلا فَمَهْلاً أيُّهَا المَغْرُورُ مَهْلا

                    هـ- التحسُّر والتَّوجُّع, كقولِهِ - تَعَالَى -:
                    ï´؟...أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَï´¾15.
                    التمنِّي:
                    وهوَ طلبُ حصولِ شيءٍ عَلَى سبيلِ المحبةِ16

                    1- إمَّا لكونِهِ مستحيلاً، كقولِ أبي العتاهيّة17:
                    ألا ليتَ الشَّبابَ يعودُ يوماً فأُخبرَه بما صنع المَشِيبُ

                    2- وإمَّا لكونِهِ ممكناً غيرَ مطموعٍ في نيلِهِ, كقولِهِ - تَعَالَى -:
                    ï´؟يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍï´¾18.

                    وإذَا كانَ الامرُ المحبوبُ ممَّا يُرجَى حصولُهُ كانَ طلبُهُ ترجِّياً, ويعبَّر فيهِ "بعسى, ولعل" كقولِهِ - تَعَالَى -:
                    ï´؟لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًاï´¾19 وقولِهِ: ï´؟فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِï´¾20.

                    241

                    وقدْ تستعمَلُ فِي الترجِّي "ليتَ" لغرضٍ بلاغيًّ, وهو إبرازُ المرجوِّ فِي صورةِ المستحيلِ مبالغةً في بُعْدِ نيلِهِ، كقولِ المتنبّي:
                    فَيا لَيتَ ما بَيني وَبَينَ أَحِبَّتي مِنَ البُعدِ ما بَيني وَبَينَ المَصائِبِ

                    وقَدْ تستعملُ أيضاً للتندُّمِ, كقولِهِ - تَعَالَى -:
                    ï´؟ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًاï´¾21.

                    أدواتُ التمنّي:

                    للتمنّي أربعُ أدواتٍ, واحدةٌ أصليّةٌ هِي "ليتَ" وثلاثٌ غيرُ أصليّةٍ, نائبةٌ عنهَا, ويُتَمَنّى بِهَا لغرضٍ بلاغيٍّ, وهِي:
                    1- هلْ, كقولِهِ - تَعَالَى -:
                    ï´؟فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَاï´¾22
                    2- لو, كقولِهِ - تَعَالَى -:
                    ï´؟فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَï´¾23
                    3- لعلَّ, كقولِ قيس بنِ الملوّحِ24:
                    أَسِربَ القَطا هَل مَنْ يُعيرُ جَناحَهُ لَعَلّي إِلى مَن قَد هَوِيتُ أَطيرُ


                    242

                    القواعد الرئيسة
                    - النّداءُ طَلَبُ الإِقْبَال بحَرْفٍ نَائِبٍ منَابَ أَدْعُو.

                    - أدوات النِّدَاءَ: الْهَمْزَةُ، و"يَا"، و"آ"، و"أي" و"أَيا"، و"هيَا"، و"وا".

                    - الهمزة وأي لنداء القريب، وغيرهما لنداء البعيد.

                    - قد يُنَزِّل البعيد منزلة القريب، فينادَى بالهمزة و"أي"، إشارةً إلى قُربه من القلب و حضوره في الذهن.

                    - وقد يُنَزَّلُ القريب منزلة البعيد، فينادى بغير الهمزة و"أي"، إشارةً إلى عُلُوِّ مرتبته، أو انحطاط منزلته، أو غفلته وشرود ذهنه.

                    - يخرج النداءُ عن معناه الأصليِّ إلى معانٍ أخرَى تستفادُ من القرائن، كالزجر والتحسر والإغراء.

                    - التمني طَلَبُ أمْرٍ مَحْبُوبٍ، إمَّا لِكَونِهِ مُسْتَحِيلاً، وإِمَّا لكونه مُمكِناً غَيرَ مطموع في نَيْلِهِ.

                    - واللفظُ الْمَوْضُوعُ للتمني لَيتَ، وقد يُتَمَّنى بهَل وَلو، وَلَعلَّ، لِغَرَض بلاغيٍّ.

                    - إذا كان الأمرُ المحبوبُ مِما يُرجَى حُصُولُهُ كانَ طَلَبُهُ ترَجِّياً، ويُعَبّرُ فيهِ بلعلَّ أَوْ عَسَى، وقد تستعمل فيه لَيتَ لَغَرَض بلاغيّ 25.
                    تمارين
                    1- بيِّن ما في الأمثلة الآتية من تمنٍّ أو ترجٍّ، و ما جاء من الأدوات على غير وضعِهِ الأصليّ:
                    - قال مرْوانُ بن أبي حفصة في رثاء معْن بن زائدة:
                    فليتَ الشامِتِين بهِ فَدَوْهُ ولَيتَ العُمْرَ مُدَّ لَهُ فطَالا

                    - وقال أبو الطَّيِّب في رثاء أخت سيف الدولة:
                    فَلَيْتَ طالِعَةَ الشّمْسَينِ غَائِبَةٌ وَلَيتَ غائِبَةَ الشّمْسَينِ لم تَغِبِ

                    - وقال آخر:
                    عَسى اللَيالي الَّتي أَضنَت بِفُرقَتَنا جِسمي سَتَجمَعُنِي يَوماً وَتَجمَعُهُ

                    - وقال الله تعالى:
                    ï´؟وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَï´¾26.

                    - وقال تعالى:
                    ï´؟فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَï´¾27.

                    - وقال الشاعر:
                    أمَنْزلَتي مَيٍّ سلامٌ عليْكما هلِ الأزْمُنُ اللاتي مضَيْن رواجعُ

                    - وقال المتنبي:
                    لَيتَ المُلُوكَ على الأقدارِ مُعْطِيَةٌ فلَمْ يكُنْ لدَنيءٍ عندَهَا طَمَعُ

                    - وقال في المديح:
                    لَيْتَ المَدائحَ تَسْتَوْفي مَنَاقِبَهُ فَما كُلَيْبٌ وَأهْلُ الأَعْصُرِ الأُوَلِ

                    2- بيِّن أدوات النداء في الأمثلة الآتية، وما جرى منها على أصل وضعه في نداء القريب أو البعيد، و ما خرج منها عن ذلك مع بيان الأسباب البلاغية في الخروج:

                    - قال أبو الطَّيِّب:
                    يا صائِدَ الجَحْفَلِ المَرْهوبِ جانِبُهُ إنّ اللّيوثَ تَصيدُ النّاسَ أُحْدانَا

                    - وقال الشاعر:
                    أيا رَبِّ قَدْ أَحْسنتَ عودًا و بدْأةً إليَّ فلم ينْهَضْ بإحْسانِكَ الشُّكْرُ

                    - وقال الشاعر:
                    أَسُكَّانَ نَعْمَانِ الأَرَاكِ تَيَقَّنُوا بأنَّكمُ في ربعِ قلبيَ سكَّانُ

                    - وقال تعالى يحكى قول فرعون لموسى عليه السلام:
                    ï´؟وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًاï´¾28.

                    - وقال أبو العتاهية:
                    أيا منْ يُؤَمِّلُ طولَ الحياة وطولُ الحياة عليه خَطَرْ
                    إذا ما كبِرْتَ وبانَ الشَّبابُ فلا خيرَ في العيشِ بعدَ الكِبَرْ

                    - وقال أبو الطيب في مدح كافور من قصيدة أنشده إياها:
                    يا رَجاءَ العُيُونِ في كلّ أرْضٍ لم يكُنْ غيرَ أنْ أرَاكَ رَجَائي

                    - أي بُنَيَّ، أعدْ عليَّ ما سمعتَ مِنِّي.

                    - أمحمدُ، لا ترفعْ صوتكَ حتى لا يسمعَ حديثنا أحدٌ.

                    - أيا هذا، تَنَبَّهْ فالمكارهُ مُحْدِقَةٌ بك.

                    - يا هذا، لا تتكلمْ حتى يُؤْذَنَ لكَ.
                    للمطالعة
                    من شعرائنا: السيّد رضا الهندي29.
                    أبو أحمد السيّد رضا بن محمّد بن هاشم بن مير شجاعة عليّ التقويّ الرضويّ الموسويّ المعروف بالهنديّ، عالم شاعر مشتهر. ولد في النجف عام 1290 هـ / ‍1873م وترعرع فيها، ثمّ انتقل إلى سامرّاء عند الثامنة من عمره مع والده في العام 1298 هـ / ‍1880م، وهو عام الطاعون، حيث استقرّ فيها ثلاث عشرة سنة، ثمّ عاد إلى النجف فاشتغل بتحصيل العلم. قرأ على الشربياني، والسيّد محمّد الطباطبائي، والشيخ محمّد طه نجف، والشيخ حسن بن صاحب الجواهر. له مؤلّفات مهمّة في العقائد والأدب. توفّي بالفيصليّة - من أعمال الديوانية - في عام 1362 هـ / 1943 م بالسكتة القلبية ودفن بمقبرته الخاصّة قرب داره في الحويش. وله يمدح الإمام عليّاً بقصيدته المشهورة الّتي دعاها بـ‍ "الكوثرية":

                    أَمُفَلَّجُ ثغرُك أم جوهرْ
                    قد قال لثغرك صانعه
                    والخالُ بخدِّك أم مِسْكٌ
                    أم ذاك الخالُ بذاك الخدِّ
                    عجباً من جَمْرَتِهِ تَذْكُو
                    يا مَن تبدو ليَ وفْرَتُه
                    ورحيقُ رِضَابِكَ أم سُكَّرْ
                    إنَّا أعطيناك الكوثرْ
                    نَقَّطتَ به الورد الأحمرْ
                    فَتِيْتُ الندِّ على مجْمَرْ
                    وبها لا يَحْتَرِقُ العنبرْ
                    في صبحِ مُحَيّاه الأزهرْ
                    ومنها:
                    قدمُ العنقود ولحنُ العو
                    بَكِّر للسُكرِ قبيل الفجـ
                    هذا عَمَلِيْ فاسْلُكْ سُبُلِيْ
                    فلقد أسرفتُ وما أسلفـ
                    ـدِ يُعيد الخير وينفي الشرّ
                    ـرِ فصفوُ الدهر لمن بَكَّر
                    إن كنت تُقِرُّ على المُنْكَرْ
                    ـتُ لنفسيَ ما فيهِ أُعْذَرْ
                    ومنها:
                    سَوَّدت صحيفة أعمالِي
                    هو كهفيَ من نُوَبِ الدنيا
                    قد تَمَّت لِيْ بولايته
                    لِأُصيبَ بها الحظَّ الأوفَى
                    بالحفظِ من النارِ الكبرى
                    هل يمنعُنِيْ وهو الساقِيْ
                    أم يطردُنِيْ عن مائدةٍ
                    ووكلتُ الأمرَ إلى حيدرْ
                    وشفيعيَ في يوم المحشر
                    نِعَمٌ جَمَّت عن أن تُشْكَرْ
                    وأُخَصَصَ بالسَّهْمِ الأَوْفَرْ
                    والأمنِ من الفَزَعِ الأكبرْ
                    أن أشربَ مِنْ حوضِ الكوثرْ
                    وُضِعَتْ للقانعِ والمُعْتَرْ
                    وختامها:
                    آياتُ جلالِكَ لا تُحْصَى
                    من طوَّلَ فيكَ مدائِحَهُ
                    فَاقْبَلْ يا كعبةَ آمالِيْ
                    وصفاتُ كَمَالِكَ لا تُحْصَرْ
                    عن أدنى واجِبِهَا قَصَّرْ
                    مِنْ هَدْيِ مَدِيحِيَ مَا استَيْسَرْ
                    هوامش
                    1- سورة الأحزاب، الآية: 1.
                    2- الشريف الرضي قدس سره، نهج البلاغة، ج1، ص 93.
                    3- الشيخ عباس القمّي، مفاتيج الجنان، دعاء السحر.
                    4- علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم أبو القاسم. 355 - 436 هـ / 966 - 1044 م من أحفاد امير المؤمنين عليّ عليه السلام نقيب الطالبيين، وأحد الأئمة في علم الكلام والأدب والشعر, له تصانيف كثيرة منها (الغرر والدرر) يعرف بأمالي المرتضى، و(الشهاب بالشيب والشباب)، و(تنزيه الأنبياء) و(الانتصار) فقه، و(تفسير العقيدة المذهبة) شرح قصيدة للسيد الحميري، و(ديوان شعر) وغير ذلك الكثير.
                    5- الراعي النُمَيري, عُبَيد بن حُصين بن معاوية بن جندل، النُّمَيْرِيّ، أبو جندل. 90 هـ / 708 م.
                    كان من جلّة قومه، ولُقّبَ بالراعي لكثرة وصفه الإبل وكان بنو نمير أهل بيتٍ وسؤدد. وقيل: كان راعَي إبلٍ من أهل بادية البصرة.
                    عاصر جريراً والفرزدق وكان يفضّل الفرزدق فهجاه جرير هجاءً مُرّاً وهو من أصحاب الملحمات. وسماه بعض الرواة حصين بن معاوية.

                    6- الإمام علي عليه السلام، نهج البلاغة، ج3، ص 41.
                    7- عبد قيس بن خُفاف أبو جبيل البرجمي من بن عمرو بن حنظلة، شاعر تميمي جاهلي فحل، من شعراء المُفَضَّلِيّات، من البراجم، وهم بطون من أولاد حنظلة بن مالك من تميم.
                    8- كارب يومه أي مقارب يومه الذي يموت فيه.
                    9- الشيخ عباس القمّي، مفاتيح الجنان، دعاء كميل.
                    10- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج75، ص117.
                    11- إسماعيل بن القاسم بن سُوَيد العَيْنِيّ، العنزي، أبو إسحاق. 130 - 211 هـ/ 747 - 826 م شاعر مُكْثِر، سريع الخاطر، في شعره إبداع، يُعدُّ من مقدمي المولَّدين، من طبقة بشار وأبي نواس وأمثالهما. كان يجيد القول في الزهد والمديح وأكثر أنواع الشعر في عصره. ولد ونشأ قرب الكوفة، وسكن بغداد وتوفي فيها.
                    12- لم نعرف قائله.
                    13- من قصيدته المسماة " الشافية".
                    14- الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد بن محمد بن علي بن الحسين بن صالح الحارثي الهمداني العاملي الجبعي نزيل أصفهان ولد في بعلبك يوم الخميس لثلاث عشرة بقين من المحرم سنة 953 وتوفي في أصفهان 12 شوال سنة1030 ودفن في مشهد بجوار الامام الثامن علي بن موسى الرضا عليه السلام.
                    15- سورة الزمر، الآية: 56.
                    16- مختصر المعاني، ص 129.
                    17- سبقت ترجمته.
                    18- سورة القصص، الآية: 79.
                    19- سورة الطلاق، الآية: 1.
                    20- سورة المائدة، الآية: 52.
                    21- سورة الفرقان، الآية: 27.
                    22- سورة الأعراف، الآية: 53.
                    23- سورة الشعراء، الآية: 102.
                    24- قيس بن المُلَوَّح بن مزاحِمٍ العامري. مَجنون لَيلى 68 هـ / 687 م شاعر غَزِل، من المتيمين، من أهل نجد. لم يكن مجنوناً وإنما لقب بذلك لهيامه في حب ليلى بنت سعد التي نشأ معها إلى أن كبرت وحجبها أبوها، فهام على وجهه ينشد الأشعار ويأنس بالوحوش، فيرى حيناً في الشام وحيناً في نجد وحيناً في الحجاز، إلى أن وجد مُلْقى بين أحجار وهو مَيْتٌ فحمل إلى أهله.
                    25- علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة، ص 171.
                    26- سورة غافر، الآية: 36.
                    27- سورة الشعراء، الآية: 102.
                    28- سورة الاسراء، الآية: 101.
                    29- الحاج حسين الشاكري، علي في الكتاب والسنة والأدب، ج 5، ص 84.

                    تعليق

                    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                    حفظ-تلقائي
                    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                    x
                    يعمل...
                    X