يشكل الوحي أبرز ظاهرة غريبة في العالم الإنساني الذي هو عبارة عن (إيحاء، إشارة، كلمة، كتابة)، وتسمى الكلمة الإلهية التي تلقى إلى الأنبياء وحياً، ويكون ذلك الوحي إما عن طريق رسول منظور مسموع كتبليغ جبريل (ع)، أو بسماع غير منظور كسماع موسى كليم الله، أو بإلقاء في الروع، أو تسخير نحو قوله تعالى: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)، يقول النبي (ص): (انقطع الوحي وبقيت المبشرات)، كالرؤيا المؤمنة، إفهام، وتسخير... وقد عرف الشيخ المفيد الوحي بأنه الكلام الخفي الإفهامي المخصص، ويراه (المفسر الطبرسي) بمعنى إلقاء فحوى المطلوب بشكل خفي إلى المرسل إليه، بحيث يخفي على الغير.
والوحي هو مصطلح قرآني من أعرق وأهمّ المصطلحات الإسلامية، والإيمان به هو القاعدة الأساسية للإقرار بالمسعى الرسالي عامة، ومن دونه لتمزقت الهوية، وسقط الانتماء. وقد أوضح بعض العلماء الرساليين أن إضافة الوحي إلى الله تعالى يجعل هذا الفعل الجليل بقدرته تخصيصاً رسالياً خاصاً، وهذا الصنف من الوحي انتهى بوفاة نبينا محمد (ص)، ولا وحي يحصل بعده.
وبقيت بعض الأمور التي أطلق عليها الرسول الكريم (ص) بالمبشرات، علماً أن الرؤيا التي يصح تأويلها، لا يمكن تسميتها بالوحي. واستخدم القرآن الكريم الوحي بمعنى الإلقاء في النفوس لبعض العباد، إذ قال تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى)، وهذا المعنى الذي ارتكز على بقاء الاتصال الإلهي مع ما ورد من تفسيرات أُخَر للوحي، وهو بمعنى الإلهام لبعض الناس، ومثل هذا اللون من الإلقاء كان يحصل لأئمة أهل البيت (ع) ويتحقق للأولياء، وكذلك الرؤيا، وغير ذلك من أمور الوحي، نجد أن القرآن الكريم يورد كلمة (الوحي) على مفهوم الوسوسة في معنى آخر، أي أن هناك إلقاء خبيثاً في النفس، وقد وضح هذا المفهوم في قوله تعالى: (إِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ)، واستعملها كذلك بمعنى الإشارة المفهمة إفهاماً خفياً للمراد.
وجاءت بمعنى التسخير أيضاً، ولهذا شخص أهل الاختصاص حالات الوحي بالوحي المباشر، وبواسطة ملك مقرب، وهذا المألوف في عالم الرسالات النبوية، ومن ثم الوحي بواسطة رؤيا، وحسب قول أمير المؤمنين (ع): (رؤيا الأنبياء وحي).