إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التربية الأخلاقية في القرآن الكريم-القسم الثالث

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التربية الأخلاقية في القرآن الكريم-القسم الثالث

    بسم الله الرحمن الرحيم
    و هاهنا مسلك ثالث مخصوص بالقرآن الكريم لا يوجد في شيء مما نقل إلينا من الكتب السماوية، و تعاليم الأنبياء الماضين سلام الله عليهم أجمعين، و لا في المعارف المأثورة من الحكماء الإلهيين، و هو تربية الإنسان وصفا و علما باستعمال علوم و معارف لا يبقى معها موضوع الرذائل، و بعبارة أخرى إزالة الأوصاف الرذيلة بالرفع لا بالدفع.

    و ذلك كما أن كل فعل يراد به غير الله سبحانه فالغاية المطلوبة منه إما عزة في المطلوب يطمع فيها، أو قوة يخاف منها و يحذر عنها، لكن الله سبحانه يقول: "إن العزة لله جميعا": يونس - 65، و يقول: "إن القوة لله جميعا": البقرة - 165، و التحقق بهذا العلم الحق لا يبقى موضوعا لرياء، و لا سمعة، و لا خوف من غير الله و لا رجاء لغيره، و لا ركون إلى غيره، فهاتان القضيتان إذا صارتا معلومتين للإنسان تغسلان كل ذميمة وصفا أو فعلا عن الإنسان و تحليان نفسه بحلية ما يقابلها من الصفات الكريمة الإلهية من التقوى بالله، و التعزز بالله و غيرهما من مناعة و كبرياء و استغناء و هيبة إلهية ربانية.
    و أيضا قد تكرر في كلامه تعالى: أن الملك لله، و أن له ملك السماوات و الأرض و أن له ما في السماوات و الأرض و قد مر بيانه مرارا، و حقيقة هذا الملك كما هو ظاهر لا تبقى لشيء من الموجودات استقلالا دونه، و استغناء عنه بوجه من الوجوه فلا شيء إلا و هو سبحانه المالك لذاته و لكل ما لذاته، و إيمان الإنسان بهذا الملك و تحققه به يوجب سقوط جميع الأشياء ذاتا و وصفا و فعلا عنده عن درجة الاستقلال، فهذا الإنسان لا يمكنه أن يريد غير وجهه تعالى، و لا أن يخضع لشيء، أو يخاف أو يرجو شيئا، أو يلتذ أو يبتهج بشيء، أو يركن إلى شيء أو يتوكل على شيء أو يسلم لشيء أو يفوض إلى شيء، غير وجهه تعالى، و بالجملة لا يريد و لا يطلب شيئا إلا وجهه الحق الباقي بعد فناء كل شيء، و لا يعرض إعراضا و لا يهرب إلا عن الباطل الذي هو غيره الذي لا يرى لوجوده وقعا و لا يعبأ به قبال الحق الذي هو وجود باريه جل شأنه.
    و كذلك قوله تعالى: "الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى": طه - 8، و قوله: "ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء": الأنعام - 102، و قوله: "الذي أحسن كل شيء خلقه": السجدة - 7، و قوله: "و عنت الوجوه للحي القيوم": طه - 111 و قوله: "كل له قانتون": البقرة - 116، و قوله: "و قضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه": الإسراء - 23، و قوله: "أ و لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد": فصلت - 53، و قوله: "ألا إنه بكل شيء محيط": فصلت - 54، و قوله: "و أن إلى ربك المنتهى": النجم - 42.
    و من هذا الباب الآيات قوله تعالى: "و بشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا إليه راجعون" إلى آخرها فإن هذه الآيات و أمثالها مشتملة على معارف خاصة إلهية ذات نتائج خاصة حقيقية لا تشابه تربيتها نوع التربية التي يقصدها حكيم أخلاقي في فنه، و لا نوع التربية التي سنها الأنبياء في شرائعهم، فإن المسلك الأول كما عرفت مبني على العقائد العامة الاجتماعية في الحسن و القبح و المسلك الثاني مبني على العقائد العامة الدينية في التكاليف العبودية و مجازاتها، و هذا المسلك الثالث مبني على التوحيد الخالص الكامل الذي يختص به الإسلام على مشرعه و آله أفضل الصلاة هذا.
    فإن تعجب فعجب قول بعض المستشرقين من علماء الغرب في تاريخه الذي يبحث فيه عن تمدن الإسلام، و حاصله: أن الذي يجب للباحث أن يعتني به هو البحث عن شئون المدنية التي بسطتها الدعوة الدينية الإسلامية بين الناس من متبعيها، و المزايا و الخصائص التي خلفها و ورثها فيهم من تقدم الحضارة و تعالي المدنية، و أما المعارف الدينية التي يشتمل عليها الإسلام فهي مواد أخلاقية يشترك فيها جميع النبوات، و يدعو إليها جميع الأنبياء هذا.
    و أنت بالإحاطة بما قدمناه من البيان تعرف سقوط نظره، و خبط رأيه فإن النتيجة فرع لمقدمتها، و الآثار الخارجية المترتبة على التربية إنما هي مواليد و نتائج لنوع العلوم و المعارف التي تلقاها المتعلم المتربي، و ليسا سواء قول يدعو إلى حق نازل و كمال متوسط و قول يدعو إلى محض الحق و أقصى الكمال، و هذا حال هذا المسلك الثالث، فأول المسالك يدعو إلى الحق الاجتماعي، و ثانيها يدعو إلى الحق الواقعي و الكمال الحقيقي الذي فيه سعادة الإنسان في حياته الآخرة، و ثالثها يدعو إلى الحق الذي هو الله، و يبني تربيته على أن الله سبحانه واحد لا شريك له، و ينتج العبودية المحضة، و كم بين المسالك من فرق!.
    و قد أهدى هذا المسلك إلى الاجتماع الإنساني جما غفيرا من العباد الصالحين، و العلماء الربانيين، و الأولياء المقربين رجالا و نساء، و كفى بذلك شرفا للدين.
    على أن هذا المسلك ربما يفترق عن المسلكين الآخرين بحسب النتائج، فإن بناءه على الحب العبودي، و إيثار جانب الرب على جانب العبد و من المعلوم أن الحب و الوله و التيم ربما يدل الإنسان المحب على أمور لا يستصوبه العقل الاجتماعي الذي هو ملاك الأخلاق الاجتماعية، أو الفهم العام العادي الذي هو أساس التكاليف العامة الدينية، فللعقل أحكام، و للحب أحكام.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X