إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تفنيد نظرية الأمر بين الأمرين

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تفنيد نظرية الأمر بين الأمرين



    السلام عليكم جميعاً.


    لقد أعددت هذا البحث لإثبات امتناع الإختيار و الحرية عقلاً. فإنّه و إن كان التركيز فيه على نقض كلام علماء الشيعة الإمامية، إلا انّه يصلح لإبطال أدلة سائر القائلين بالاختيار ايضاً.

    و معلوم ان فكرة العدل الإلهي لن يكون لها اي معنى مع امتناع الإختيار و حرية الإرادة.

    و قد تعرضت لمسألة العصمة و ارتباطها بالجبر في نهاية البحث.

    و انّي اعلن استعدادي للإجابة عن اي سؤال ضمن هذا الموضوع، و حتى للمناظرة فيه.

    ملاحظة: اضطررت الى عرض الموضوع في مشاركتين لتجاوز عدد حروفه ما يسمح به البرنامج الذي يعتمده المنتدى

    و الآن إليكم البحث:


    لا اختيار و لا حُرّيّة، بل جبرٌ و علّيّة
    بحثٌ في إثبات الجبر الفلسفي (الحتمية)

    بقلم: الجهباذ
    الجبر و التفويض و ما يعبَّر عنه بالأمر بين الأمرين

    إنّ أتباع الأديان (او الشرائع) السماوية اختلفوا في مسألة الجبر؛ فمنهم من يثبته، و منهم من ينفيه. فأمّا مثبتوه فقد ذهبوا الى التحسين و التقبيح الشرعيين (و ما الى ذلك). و أمّا نفاة الجبر فقد عجزوا عن إثبات الإختيار، و إبطال الجبر الفلسفي. فتخبّطوا تخبّطاً عجيباً؛ فمنهم من صرّح بالتفويض (الملازم للصدفة)، و منهم من غيّر تعريف الإختيار (و محصّل كلامهم هو: ان الإختيار هو عدم الشعور بالجبر؛ و واضح ان هذا المعنى لا ينفي الجبر الفلسفي). و منهم من قال بمضمون التفويض دون التصريح به. و ما ذلك كله إلا لتعيّن الجبر عقلاً (للضرورة العلية و المعلولية، و امتناع الترجّح بلا مرجِّح)، كما سيتبيّن من خلال البحث.

    يقول مرتضى المطهّري في هذا المضمار: "شرعت البحوث الكلامية عند منتصف القرن الأول الهجري كما ينبئنا التاريخ و كانت مسألة «الجبرو الاختيار» أقدم بحوث الكلام. و في الدرجة الأولي فإن بحث «الجبر و الاختيار» موضوع إنساني، و في الدرجة الثانية فإنه موضوع إلهي أو طبيعي. فإذا كان موضوع بحثنا الإنسان أهو مختار أم مجبور فذلك موضوع إنساني. و إذا كان البحث منصبا على موضوع القضاء و القدر و إرادة اللّه سبحانه أهي قد تركت الإنسان حرا أم جعلته مجبورا فتلك مسألة إلهية. و إذا كان البحث متجها إلي نظام العلة و المعلول و العوامل الطبيعية الأخري أهي قد سلبت حرية الإنسان أم احترمت إرادته؟ فتلك مسألة طبيعية.
    و لكنها علي أية حال مسألة إنسانية تتعلق بمصير الإنسان، و لعله لم يوجد إنسان دخل مرحلة الفكر العلمي و الفلسفي و لو حديثا و لم يواجه هذه المسألة. و كذلك فإنه لم يوجد مجتمع بدأ حياته و لم يتدارس هذه المسألة.
    و لما ورد المجتمع الإسلامي مرحلة الفكر العلمي بتلك الصورة السريعة لأسباب عديدة ليس هنا محل ذكرها فإنه قد منح الأولوية لمسألة الجبر و الاختيار.
    و ليس من الضروري لبيان سبب ذلك التناول السريع لهذه المسألة في القرن الأول الهجري أن ننسب ذلك الى عوامل خارجة عن العالم الإسلامي، فطرح تلك المسألة في ذلك الوقت في العالم الإسلامي طبيعي جدا، و لو لم تطرح لتساءلنا حينئذ: كيف يمكن في مجتمع بدأ هذه الحياة العقلية المتوثبة أن لا تطرح فيه تلك المسألة.
    إن المجتمع الإسلامي مجتمع ديني يتخذ القرآن دستور حياته، و قد أثار هذا الكتاب العظيم مسائل عديدة مثل الجبرو الاختيار، و القضاء و القدر الإلهي، الجزاء و المكافأة و بصورة كثيفة .
    و لما كان القرآن يدعو إلي التدبر و التفكير فقد توجه المسلمون و بعمق نحو البحث في الجبر و الاختيار شاؤوا ذلك أم أبوا.
    مسألة العدل: إن بحث «الجبر و الاختيار» يؤدي بذاته إلي البحث في «العدل» فهناك رابطة مباشرة بين الاختيار و العدل من جهة، و الجبر و نفي العدل من جهة أخري، أي عندما يكون الإنسان مختارا فإنه يصبح للجزاء و المكافأة العادلة مفهوم و معنى أما الإنسان المسلوب الإرادة و المحروم من الحرية أو الذي يقابل الإرادة الإلهية أو العوامل الطبيعية مغلول اليدين مغمض العينين فإنه لا معني للتكليف و لا للجزاء بالنسبة إليه.
    "
    المصدر: العدل الإلهي لمرتضى المطهّري، ص 20، 21 http://www.hawzah.net/ar/Article/Vie...جهات-نظر-شيعية


    موقف الإمامية:

    و أمّا علماء الشيعة الإمامية فقد انقسموا في مسألة الضرورة العلية و المعلولية، و ما يُعرف بقاعدة «الشيء ما لم يجب لم يوجد» الى ثلاث طوائف؛ فمنهم من أنكر الضرورة العلية مطلقاً و قال بالاولوية العلية، و هم المتكلمون؛ و منهم من قبلها مطلقاً، كالفلاسفة؛ و الطائفة الأخيرة قالت بالتفصيل، و هم بعض الاصوليين (كالعلّامة الحلّي و النائيني و الخوئي و باقر الصدر). و الغريب ان كُلّاً يدّعي وصلاً بليلى و يقول: «لا جبر و لا تفويض بل امر بين امرين»؛ و ليلى لا تُقرّ لأيٍّ منهم بِذاكا. فالذين انكروا القاعدة رأساً و الذين خصصوها (باستثنائهم «الفاعل المختار» و «الافعال الاختيارية») فاتهم انه متى انتفت العلة فلابد ان تحلّ محلها اللاعلة، لأن النقيضين لا يرتفعان. كما ان المخصصين نسوا ان القاعدة عقلية فلا تقبل التخصيص. ففساد هذين المبنَيين واضح. و أمّا الذين تمسكوا بالقاعدة فلم يلتفتوا الى انها تفيد الجبر و تنسف مذهبهم. و يظهر من كلماتهم انهم يقولون بالإختيار الإعتباري (اي عدم الإحساس بالجبر) لكنهم لا يجرؤون على التصريح بذلك، لِما لا يخفى.

    يقول عقيل البندر: "أمَّا أهل الكلام، فيرفضون مذهب الجبر بكلِّ صوَره وأشكاله ولا يقولون به، بل يقولون بالاختيار الذي يعني عندهم حريَّة الإنسان في اختيار الفعل، وهو صادر عنه وهو مسؤول عنه، الأمر الذي يؤكِّد عليه المنهج الكلاميّ ويحول دون كلِّ الشُبُهات المُثارة حوله، اعتماداً على الأصول التي اعتمدها من قبيل حاكميَّة قانون الحسن والقبح العقليّ الذّاتيّ على فعل الله، وأنَّ أفعاله تعالى يجب أن تكون معلَّلةً بالأغراض، وعليه كان العدل عندهم هو تنزيه الله عن أفعال الإنسان وأعماله، فحيث صدرت منه بإرادته واختياره صحَّ منه تعالى مجازاته ثواباً على الطاعة وعقاباً على المعصية."

    يلاحظ عليه: هذا هو التفويض بعينه (رادوا يكحلوها، عموها). ثم انّ الحسن و القبح اعتباريان و لا دليل على كونهما ذاتيين (كما أقر بهذه الحقيقة جملة من أعلام الإمامية، كالمحقق الطوسي و المحقق الاصفهاني و العلّامة الطباطبائي و باقر الصدر و غيرهم، حتى ابن سينا. بل بتعبير محمد السند في بحث الإمامة الإلهية: "المحقق الاصفهاني ومن بعده ذهب إلى أنها اعتبارية مطلقا ولا يمكن اقامة البرهان عليها وهذا هو المذهب السائد إلى الان."). كما انّه لا دليل على وجود اي غرض حقيقي في الوجود، بل ان الحكمة و الغرض و الغاية اُمور لا وجود لها وراء اعتبار العقلاء.


    "وأمَّا أهل الحكمة والفلسفة من الإماميَّة ، فهم يؤكِّدون على جهةٍ أُخرى وهي أنَّ فعل الله لا يُعلَّل بغرضٍ ولا يصدر لداعٍ، بل إنَّما غرضه ذاته ومراده نفسه، والقاعدة التي قال بها المتكلِّمون غير حاكمةٍ على فعل الله سبحانه وتعالى وإنَّما تخصُّ أفعال الآدميين.
    وبالجملة: إنَّ كلَّ القيود والحدود التي طوّق المتكلِّمون بها فعل الله وسلطانه هي مرفوضةٌ لدى الفلاسفة ولا اعتبار لها عندهم، وخلصوا إلى تفسير (الأمر بين الأمرين) برفض التفويض رفضاً قاطعاً فقبلوا الاختيار بحدود ضيّقة،
    حيث جعلوا الإنسان بحكم المضطرِّ كما هو مذهب ابن سينا، أو أنَّ الاختيار الذي يتَّصف به هو عين الجبر ، وهو مذهب صدر المتألِّهين.
    وبناء على ذلك تكون دائرة الاختيار الإنسانيِّ التي رسمها الفلاسفة أضيق وأصغر من الدَّائرة التي رسمها المتكلِّمون؛ لأنَّ المدرسة الأولى قيّدت فعل الإنسان في حين قيَّدت المدرسة الثانية فعل الله.
    "
    بحث الأمر بين الأمرين السند و الدلالة، مجلة المنهاج، العدد 58 http://www.iicss.iq/?id=11&sid=845

    أقول: أهلاً بناصرَينا، صدرا و ابن سينا.


    و مع انّ بحثنا عقلي، إلا ان نقل كلام آخر للبندر، هذه المرة حول سند حديث الأمر بين الأمرين ( من نفس المصدر) لا يخلو من فائدة: "حديث الأمر بين الأمرين, وقفة سنديَّة
    على الرغم من اعتماد المذهب الإماميّ ـ شبه الكليّ ـ على هذه الرواية في بلوَرة النظريَّة الوسطيَّة والحياديَّة إزاء معضلة القضاء والقدر والجبر والتفويض، ولكنَّنا لم نجد لهم بحثاً ـ على ما يبدو ـ في الخلفيَّة السنديَّة لها ولم يعالجوها على المستوى السندي بملاحظة رجال سندها؛ لإثبات صحَّتها أو ضعفها من هذه الناحية.
    وما نَصبُوا إليه هنا هو ملاحظة السلَّم السنديّ لهذه الرواية ومعرفة طبيعة حالها من هذا الجانب. بدايةً لقد وردت الرواية المتقدِّمة في كتب الإماميَّة والتي ورد فيها ذكر عبارة (الأمر بين الأمرين) بسنَدين ، وهما على النحو التالي:
    السند الأوَّل: الموجود في كتاب الكافي والتوحيد والبحار ونور البراهين، فلو أخذنَا السند الذي أورده الصدوق في توحيده باعتباره يتناول أغلب الرجال التي ذكرتها الكتب الأُخرى ، وهو كما يلي:
    «علي بن محمَّد بن عمران الدقَّاق، عن محمَّد بن أبي عبد الله الكوفيّ، عن الخُنيس بن محمَّد، عن محمَّد بن يحيى الخزَّاز، عن المفضَّل بن عمر ، عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال:...» الرواية.
    أمَّا الراوي الأوَّل، فهو مجهول لم يُذكر في كتب الرجال سوى ما أشار إليه السيِّد الخوئيّ أنَّه من مشايخ الصدوق.
    وأمَّا الراوي الثاني، وهو الراوي الذي يَبدأ به سند الكافي، فقد وثَّقه النجاشيّ، ولكن ذكر أنَّه يَروي عن الضعفاء وكان يقول بالتشبيه.
    وأمَّا الراوي الثالث ، فلم نجد له أثراً في كُتب الرجال، وبذلك يكون غايةً في المجهوليَّة وبه يكون الراوي مهملا، إلا أنَّ البعض يَذهب إلى وجود التصحيف بينه وبين الحسين بن محمَّد بن الفضل، الأمر الذي يَدعمه سند الكافي حيث أهمل الخُنيس بن محمَّد، وذكر الحسين بن محمَّد، وهو ثقة عند النجاشي
    وأمَّا الراوي الرابع ، فهو ثقة عند النجاشيّ أيض.
    وأمَّا الراوي الخامس، فقد ضعَّفه النجاشيّ، وكذلك العلامة في خلاصة الأقوال، وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ هذا الرجل فيه نقاشٌ عريض في كُتب الرجال وبحوث الجرح والتعديل، ويُمكن معرفته عند الرجوع إليها.

    السند الثاني: ما ذكره صاحب الفصول المهمَّة، وهو كما يلي : «عن تميم بن عبد الله، عن أبيه، عن أحمد بن علي الأنصاري، عن يزيد بن عمر بن معاوية الشاميّ، قال دخلت على عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) بمرو، فقلت له: يا ابن رسول الله روي لنا عن الصادق (عليه السلام) أنَّه قال : «لا جبر ولا تفويض ... » الرواية.
    ويُمكن أن تٌعدّ هذه الرواية ضعيفة أيضا، فقد ضعّف العلامة الحلي تميم بن عبد الله، مضافاً إلى أنَّ أحمد بن علي الأنصاري مجهول لم نعثر عليه في كُتب الرجال، هذا أقلّ ما يُقال بحقِّ السند الثاني لهذه الرواية.
    وإذا كان سنديَّ الرواية المتقدِّمة بهذا الشكل ورجالها بهذه الدَّرجة من التوثيق حسب ما يراه أعمدة الجرح والتعديل الإماميَّة فهل يُمكن القول بأنَّ الرواية صحيحة ؟؟ إذ أنَّ الرواية تكون ضعيفة بوهن أحد الرجال في السند ، فكيف إذا سرى الضعف والوهن إلى أكثر من راوٍ واحد؟!
    من هنا فالقول بضعف الرواية له وجهه المبرر له، إلا أن يُقال: إنَّ ضعف السند مجبورٌ بعمل المشهور، أو يُقال : إنَّ رجال السند في هذه الرواية هم من مشايخ الصدوق ـ لو سلمنا بصحَّة ذلك طبعاً ـ ومشايخ الصدوق ثقات، أو يقال : إنَّ هناك مبنىً لا يٌناقش في سند الروايات التي تعني بالمطالب العقائديَّة والأحاديث المتعرِّضة لأصول الدين ولا يبحث عن حال الرجال الناقلين لها، وعليه تُعدّ مسالة (الأمر بين الأمرين) وما يتعلَّق بها من مسائل عقائديَّة أُخرى ثابتةً بغضِّ النَّظر عن الطبيعة السنديَّة لهذه الرواية، والتعليق هنا متروك لأهل الفنِّ والاختصاص.
    "
    الأمر بين الأمرين السند والدلالة عقيل البندر (*) تُعدّ مسألة القضاء والقدَر من العقائد المهمَّة لدى المسلمين، وهي من القضايا التي نَطق بها القرآن الكريم في غير آيةٍ من آياته الشريفة على اختلاف المعاني المُستفادة منها، كقوله تعالى : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ...} (الإسراء: 23)، وقوله تعالى: {وَاللهُ يَقْضِي بِالحَقِّ ...} (غافر : 20)، وقوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ ...} (الإسراء: 4)، مضافاً إلى ما ورد في الموروث النبويّ والإماميّ الدَّال على هذا الأمر. ورغم كلِّ ذلك نجدهم قد اختلفوا اختلافاً حاداً في تفسير حقائقه ونتائجه، ولم يكن هذا الموضوع


    و إليك اقتباس من كتاب التجديد الكلامي عند الشهيد الصدر: "ولذلك فالمشكلة لا تنحل إلاّ ببحث (المسألة الثانية الفلسفية): وهي ناشئة من (شبهة فلسفية تنفي الاختيار حتى بعد الاعتراف بأن الفعل فعل الإنسان وهذه الشبهة مركبة من مقدمتين:
    المقدمة الأولى: ان الاختيار ينافي الضرورة فان الضرورة تساوق الاضطرار المقابل للاختيار من قبيل حركة يد المرتعش التي هي ضرورية.
    المقدمة الثانية: أن صدور الفعل من الإنسان يكون بالضرورة لأن الفعل صادر منه ممكن من الممكنات فتحكمه القوانين السائدة في كل عالم الإمكان القائلة (بأن الممكن ما لم يجب بالغير لم يوجد) فالجمع بين هاتين المقدمتين تثبت ان الإنسان غير مختار في أفعاله إذ لا يصدر منه فعل إلاّ بالضرورة والضرورة تنافي الاختيار). بلغة أخرى أن الشبهة ناشئة من التلازم بين الضرورة التي تفرضها عموم قانون العلية لعالم الممكنات وبين الحرية التي تتنافى مع الضرورة... فكيف نوفق بين العلية والحرية؟ هذه هي المعضلة التي أرهقت عقول الفلاسفة والاصوليين!... لقد طرحت عدة مسالك لحل المعضلة استعرضها الشهيد الصدر في بحثه الأصولي وناقشها... هذه المسالك تتراوح بين انكار المقدمة الأولى... (الضرورة تنافي الاختيار) وبين انكار المقدمة الثانية: (قوانين العلية)، أو انكار عموم قوانين العلية وأنها لا تشمل الافعال الإنسانية الاختيارية (محاولة المحقق النائيني) وبين مسلك آخر يرى ان الطبيعة جهزت الإنسان بقابليات يصعب معها التنبؤ بتصرفه والاختيار ينتزع مِنْ هذه الفرصة..
    ان كل هذه المحاولات قاصرة عن اثبات الاختيار.. وانما حلت المشكلة صورياً.."


    فتحصّل: انّ القائلين بالضرورة العلّيّة لا يقولون بالإختيار إلا بألسنهم و أقلامهم، و انّ منكريها لا ينكرون الصدفة إلا بأقلامهم و ألسنتهم، و المفصّلين يخصّصون ما لا يخصَّص.


    و قد ذهب الفلاسفة و من تبعهم، كالخراساني (في كفاية الاُصول) الى ان الشقاوة و السعادة ذاتيّتان، و ان الذاتيّات لا تعلّل. فقد جاء في موقع مركز الأبحاث العقائدية: "تقرير رأي الآخوند في المسألة: إن الثواب والعقاب من الأمور المتولدة من المعصية والطاعة، وهما بدورهما وليدا الشقاوة والسعادة الذاتيتين، لذلك فلا مجال للسؤال: لم صار الشقي شقيا والسعيد سعيدا؟ لأن الشقاوة من لوازم الذات وكذلك السعادة، وكل منهما لا يقبل التعليل لأن الذاتي لا يعلل ولا يسأل عن علته فلا يسأل مثلا: لمَ كان الإنسان ناطقا لأن النطق ذاتي للإنسان؟ وحين بلغ صاحب الكفاية إلى هنا قال: إن القلم حين وصل هنا انكسر، كدليل على أن الأذهان لا يمكنها أن تتجاوز هذا المكان.
    وقد تمت مناقشة ما طرحه الآخوند في الكفاية من قبل أكابر الأصوليين بعده، ذلك أن رايه في هذا الموضوع قد يترتب عليه الاعتقاد بمحذور الجبر.
    ومن جملة الاعتراضات على الآخوند ما أورده الشيخ النائيني، من أن ما وقع فيه صاحب الكفاية من شبهة الجبر إنما كان نتيجة مترتبة على قوله باتحاد الطلب والإرادة، فقال: إنه لو كانت الأفعال معلولة للإرادة وكانت الإرادة معلولة لمباديها السابقة ولم يكن بعد الإرادة فعل من النفس وقصد نفساني لكانت شبهة الجبر مما لا دافع لها، ولقد وقع في الجبر من وقع مع أنه لم يكن من أهله (يقصد بذلك الآخوند)، وليس ذلك الا لإنكار التغاير بين الطلب والإرادة، وحسبان أنه ليس وراء الإرادة شيء هو المناط في اختيارية الفعل (فوائد الأصول ج1 ص 132).
    "

    يرد عليه: ان الخلاف لا علاقة له بالطلب و الإرادة، بل هو ناشئ مِن تعميم و تخصيص قاعدة «ان الشيء ما لم يجب لم يوجد». فالمشكلة هي ان النائيني و من تبعه (من القائلين بما يُعرف بنظرية "الطلب" او "السلطنة") كالخوئي و الصدر، يخصصون القاعدة، مع انها عقلية، و يستثنون منها ما يعبِّرون عنه بالأفعال الإختيارية. و سيوافيك تفصيل كلامهم و ردّنا عليه.


    "وعلق السيد حسين البروجردي على صاحب الكفاية قائلاً: إن ما ذكره قدس سره من أن السعادة والشقاوة ذاتيان للإنسان في غير محله، وذلك لان في خلقة الإنسان وطينته جهتين وحيثيتين كما تدل عليه الآيات والأخبار، مثل الآية المباركة : ï´؟ إِنَّا خَلَقنَا الإِنسَانَ مِن نُطفَةٍ أَمشَاجٍ نَبتَلِيهِ ï´¾ (الإنسان:2) ... وهاتان الجهتان: جهة نورانية وجهة ظلمانية وبذلك يتردد ويتفكر في مقام اختيار الإطاعة والعصيان فيختار أحدهما بالإرادة والاختيار. (حاشية على كفاية الأصول: تقريرات بحث بحث البروجردي للحجتي ج1 ص170)."

    يرد عليه: اولاً، انه لا ملازمة بين التردد و التفكر و بين الإختيار؛ كما انّ ثبوت الإرادة لا يثبت الإختيار و الحرّية. و ثانياً، ان الآيات و الأخبار لا ترفع الإشكال الحاصل من قاعدة «الشيء ما لم يجب لم يوجد».
    و للبروجردي كلام مطوّل ردّاً على الخراساني، في كتاب نهاية الاُصول في مبحث الطلب و الإرادة، أعرضنا عنه لتناقضاته و قلّة فائدته.


    "ومنهم السيد الخوئي الذي يرى أن الإنسان في بطن أمه لا يملك أكثر مما يملكه ذاتياً حيوان آخر، وبعد ذلك تنشأ فيه الصفات النفسانية، أي أن السيد الخوئي قد انكر أن يكون للإنسان القابلية ولو اقتضاءً للسعادة أو الشقاوة (محاضرات في أصول الفقه ج2 ص 113)."

    يرد عليه، اوّلاً: ان ذلك مخالف لما يحصل في الواقع الخارجي، كما انه مخالف لظاهر نصوصكم. و ثانياً: ان كيفية نشوء الصفات النفسانية -بعد الولادة- غير اختيارية أيضاً؛ فلا يندفع الإشكال.


    "ومنهم السيد محمد تقي الحكيم الذي قال: (السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه) فربما استدل له على الجبر، ولكن الظاهر أن المراد منه: هو (علم الله) تعالى بحالة الإنسان في المستقبل، فإنه تعالى يعلم والجنين في بطن أمه إنه سيكون شقيا أو سعيدا، سيصدر منه الأفعال المنحرفة أو الصالحة، لعلمه المحيط بالغيب، ولكن علمه لا يؤثر في الخلق والإيجاد، وإنما المؤثر فيه إشاءته وإرادته، والله تعالى وإن كان واحدا في ذاته و صفاته، وصفاته عين ذاته، ولكنه لا يعمل إلا وفق الصفة المناسبة لفعله، فالله تعالى لا يؤثر في الخلق والإيجاد بعلمه بل بمشيئته وإرادته، فيعلم تعالى من الأزل بأن هذا الفعل المنحرف أو الصالح سيصدر من هذا الشخص باختياره وإرادته، فإذا صدر من دون إرادة الإنسان واختياره، فإنه سيصدر على خلاف علمه تعالى (الطلب والإرادة ص41)."


    يرد عليه: اولاً: لا فرق بين ان يكون المؤثر في أفعال الإنسان هو علم الله او إرادته و مشيئته، فإن الجبر واقع على كلا التقديرين. و اشتراط الإختيار مصادرة على المطلوب.
    ثانياً: ان صفات الله من العلم و الإرادة و المشيئة و غيرها، كلها عين ذاته، فهي جميعاً حقيقة واحدة.


    و لباقر الايرواني بحث جيّد في المقام، نورده على طوله لفائدته، مع ردّنا على بعضه طبعاً: «هذا ويمكن أن يقال:- إنّ الجواب المذكور وإن حصل به التخلّص من مشكلةٍ ولكن سوف نقع في مشكلةٍ أخرى وهي أنّه حينما يصدر الفعل عن إرادةٍ من مكلّفٍ نسأل هل أنّ هذه الإرادة من الأمور الممكنة أو من الأمور الواجبة - أي هل هي موجودٌ ممكنٌ أو هي موجودٌ واجب - ؟ إنّها ممكنة وإذا كانت ممكنة فهي تحتاج إلى علّة وليست تلك العلّة إلا الإرادة الإلهيّة فانتهت إرادة المكلف إلى إرادة الله عزّ وجلّ وبذلك عادت المشكلة من جديد، فأنا أردت أن أفعل هذا لأنّ إرادتي نشأت من إرادة الله عز وجل لأنها ممكنٌ وكلّ ممكنٍ يحتاج إلى علّة ولا علّة إلا الإرادة الإلهيّة فلزم الإشكال، فما هو الجواب ؟
    أجاب الفلاسفة وتبعهم صاحب الكفاية(قده):- بأنّه ماذا يلزم من إشكالٍ لو كانت الإرادة ناشئة من الإرادة الإلهية ؟! إنّه لا يلزم إلا أنّه كيف يعاقبنا الله عزّ وجلّ على شرب الخمر مثلاً مادامت إرادتي منتهية إلى إرادته ونحن نقول إنَّ الثواب والعقاب ليس من باب الاستحقاق بل من باب أنّهما من اللوازم الذاتيّة للإطاعة والعصيان، فاللازم الذاتي للإطاعة لازمٌ لا ينفكّ وهو الثواب واللازم الذاتي للعصيان هو العقاب فالثواب والعقاب ليس من باب الاستحقاق بل من باب أنهما لازمان ذاتيّان للإطاعة والعصيان، وهما من الوازم إرادة المكلف فمن لوازم إرادته السيئة العصيان ومن لوازم إرادته الحسنة الطاعة فالطاعة والعصيان من اللوازم الذاتية لإرادة المكلّف والإرادة من اللوازم الذاتية لشقاوة الشخص وسعادته فالسعيد يريد الصلاة والشقي يريد شرب الخمر والنار، فإذن الإرادة ناشئة من الشقاوة الذاتيّة أو من السعادة الذاتيّة، والشقاوة والسعادة من أين هما ناشئان ؟ إنّهما ذاتيّان ولا يحتاجان إلى علّة موجدةٍ غير العلة الموجدة للذات كالأربعة والزوجيّة فالزوجيّة من اللوازم الذاتيّة للأربعة والذي يحتاج إلى علّة هو الأربعة فوجود الأربعة يحتاج إلى علّة أمّا وجود الزوجية فهو ذاتيٌّ للأربعة ومادام ذاتيّاً فالذاتي لا يعلّل - يعني لا يحتاج إلى علّة مغايرة للعلّة الموجدة للذات -، فإذن الله عزّ وجلّ أوجد ذات الشقي وذات السعيد ولم يوجد الشقاوة لأنّ الشقاوة ذاتيّة للذات ولا السعادة وبالتالي ينقطع السؤال وهو أنّه لم صار السعيد سعيداً والشقيّ شقيّاً ؟ فإنّ هذا السؤال أشبه بسؤال لِمَ صارت الأربعة زوجاً ؟ إنّها من اللوازم الذاتيّة ولا تحتاج إلى علّة أخرى غير العلّة الموجدة للذات وهنا أيضاً كذلك فالشقاوة والسعادة لا تحتاج إلا إلى العلّة الموجدة للذات، وليس من حقّ الشقي أن يعترض على الله ويقول يا رب لم جعلتني شقيّاً ؟ فيجيبه ويقول:- أنا أوجدتك ولم أوجد الشقاوة لك فإنّ الشقاوة ذاتيّة لك . إذن العقاب يكون من ناحية أنّه ذاتيٌّ للإطاعة التي هي لازمٌ ذاتيّ للإرادة والتي هي لازمٌ ذاتي للشقاوة والتي هي لازمٌ ذاتي للذات فالعقاب إذن صار أمراً ذاتيّاً لا يقبل الانفكاك عن ذات الشقي فارتفع الإشكال فالثواب والعقاب من هذا الباب.
    وتوجد عبارة لصدر المتألهين في الأسفار تتناغم مع ما نقلناه حيث قال:- ( وأمّا الثواب والعقاب فهما من لوازم الأفعال الواقعة بالقضاء فإنّ الأغذية الرديئة كما أنها أسبابٌ للأمراض الجسمانيّة كذلك العقائد الفاسدة والأعمال الباطلة أسبابٌ للأمراض النفسانيّة وكذلك في جانب العقاب ).
    وبالجملة:- كما أن البذر الجيّد يخرج نباته طيباً والرديء لا يخرج إلا رديئاً فإنّ هذا من اللوازم الذاتيّة فهنا هذا العاصي هو شقيّ شقاوة ذاتيّة فحينئذٍ تعطي نتائج رديئة وأحد هذه النتائج هي الإرادة والإرادة أيضاً تسبّب لنا العصيان والعصيان يسبب لنا العقاب فكلّ هذه لوازم لا أنّها ثابتة بالاستحقاق حتى يشكل العاصي ويقول يا رب لمَ تعاقبني ؟ فإنّ الجواب يأتي بأنّ العقاب ليس من باب الاستحقاق بل من باب أنّ ذاتك خبيثة أوجبت الإرادة السيئة والإرادة السيئة أو جبت العصيان والعصيان أوجب العقوبة وكلّ هذه لوازم، وبالتالي لا يحق للشقي أن يقول يا رب لمَ جعلتني شقيّاً ؟ فإن الجواب الإلهي يأتي ويقول أنّي لم أجعلك شقيّاً وإنما أوجدت ذاتك لا أكثر كما أوجدت ذات الأربعة لا أنّ الزوجية جعلتها بجعلٍ آخر غير جعل الأربعة.
    والإشكال عليه واضحٌ:- فإنّ هذا منافٍ للنصوص الواضحة في مسألة الشفاعة والمغفرة والعفو الإلهي فإنه بناءً على هذا سوف لا توجد شفاعة من قبل الأئمة عليهم السلام لأنّ العقاب صار لازماً ذاتياً للعاصي وهل يمكن أن يشفع الإمام في زوال الزوجيّة عن الأربعة ؟! إنّه غير ممكن لأنها لازمٌ ذاتيّ، والله تعالى أيضاً لا يستطيع أن يغفر لنا، إنّه بناءً على هذا الكلام لا الشفاعة ممكنة ولا العفو الإلهي يحصل فإنّه إذا كانت العقوبة والمثوبة من باب اللازم الذاتي فسوف يترتب هذا المعنى . إذن هذه الفكرة باطلة جزماً ومخالفة لضروريات الدين الثابتة عندنا.
    هذا مضافاً إلى أنّ الإشكال يبقى يعني أنّ الشقي يمكن أن يشكل ويقول يا رب لمَ جعلتني شقيّاً ؟ فيأتي الجواب:- إنّي لم أجعلك شقيّاً وإنما أوجدت ذاتك، فيشكل الشقي من جديد ويقول:- لمَ أوجدتني مادمت تعلم أن ذاتي شقيّة فقد أوجدت شقاوتي وخلقتها بالتبع ؟ من قبيل الزوجية إذا كان الشخص يكره الزوجية ويحب الفردية فأنا إذا أوجدت أربع برتقالات فهو سوف يتأذّى وهل ينفع أن أقول له أنا أوجدت أربع برتقالات ولم أوجد الزوجية ؟! فيقول صحيحٌ أنّك ابتداءً لم توجد الزوجيّة ولكن قد أوجدتها بالتبع فمن أوجد الذات فقد أوجد لوازمها الذاتية بالتبع فأوجدت شقاوتي وأوجدت الزوجية فعاد الإشكال من جديد لهذا الشقي وهو إشكالٌ وارد.
    إذن الجواب المذكور قابلٌ للإشكال بما أشرنا إليه.
    والأنسب في مقام الجواب عن أصل الشبهة أن يقال:- إنّ الله عزّ وجلّ حينما خلق الإنسان خلق معه الإرادة وأيضاً جعله مختاراً في إعمالها فإعماله لإرادته بهذا الشكل أو بذاك الشكل هو قد منحه له وأودع في ذاته هذه القدرة، وبناءً على هذا فلا نحتاج آنذاك في إعمال الارادة إلى علّةٍ فذلك التساؤل لا يأتي وسوف ينقطع - أعني أنّ الإرادة ممكنٌ من الممكنات وكلّ ممكنٍ يحتاج إلى علّة – لأنّ صفة الاختياريّة لإعمال الارادة صفة ذاتيّة فلا تحتاج آنذاك إلى علّة إذ لو احتاجت الإرادة في إعمالها بهذا الشكل أو بذاك إلى علة لم تكن اختياريّة والمفروض أن الله عزّ وجلّ كما أعطى الإنسان الإرادة أعطاه القدرة على إعمالها بهذا الشكل أو بذاك الشكل ومادام قد أعطاه القدرة المذكورة فلا يحتاج آنذاك في إعماله للإرادة إلى علّة حتى يقال سوف ننتهي إلى الارادة الألزليّة، كّلا فإن هذه صفةٌ ذاتيّة لهذا الشيء، مثل نوريّة النور فنوريّة النور لا تحتاج إلى علّة وهنا أيضاً كذلك فاختياريّة الإرادة هي من لوازم الإرادة أو أنَّ الله عزّ وجلّ منحها للإنسان وبعد أن منحها له لا يحتاج حينئذٍ في إعمالها بهذا الشكل أو ذاك إلى علّة.
    وإذا قلت:- إنّ هذه دعوى فما هو المثبت لها، يعني أنّ الله عزّ وجلّ حينما أعطانا الإرادة منحنا القدرة على إعمالها بهذا الشكل أو بذاك فهذه دعوى تحتاج إلى دليلٍ وما هو الدليل ؟
    قلت:- إنَّ الوجدان قاضٍ بذلك فإننا نجد بوجداننا أنّ الأفعال التي تصدر منّا تصدر بإرادتنا وأنّ إعمالنا لإرادتنا هو تحت اختبارنا وإرادتنا فأنا مختار في أن أُعمِل إرادتي بهذا الشكل أو بذاك الشكل ومادمت مختاراً في إعمال إرادتي فلا أحتاج حينئذٍ إلى علّة أخرى حتى يقال سوف ننتهي إلى الإرادة الأزليّة، وبهذا الجواب نتخلّص من الإشكال السابق.
    نعم أقول:- صحيحٌ أنّا تخلصنا من الإشكال السابق ولكن ربّ سائل يقول:- إنَّ الله عزّ وجلّ إذا خلق الناس وأودع فيهم الإرادة كما أودع فيهم القدرة على إعمالها والكل بمستوىً واحدٍ فلماذا رجّح فلان إعمال إرادته بهذا الشكل السيء بينما فلان الآخر رجّح إعمال إرادته بذلك الشكل الحسن فمن أين نشأ هذا بعدما كان الله عزّ وجلّ قد أعطى الجميع بدرجة واحدة ؟ إنّ هذا التساؤل تساؤل جديد وأجنبيٌّ عن الإشكال السابق فالإشكال السابق قد اندفع حيث اتضح أنّه لا نحتاج إلى الإرادة الأزليّة في إعمال الإرادة باعتبار أنّ إعمال إرادة هو شيء اختياريّ لأنّ الله منحنا الاختيار في
    كيفيّة إعمال الارادة فلا نحتاج إلى الارادة الأزليّة كما اندفعت شبهة الجبر ولكن هذا تساؤلٌ آخر بمنأى عن شبهة الجبر .»

    يرد عليه: إنّ "كيفية إعمال الإرادة" لا يُتصوّر فيها إلا حالات ثلاث؛ فإما ان تتحقق بلا علة، و هذا في غاية السخف. او تكون واجبة لذاتها، و هذا أسخف من الأول. او تكون واجبة بغيرها، فتكون موجَبة و مجبورة.


    «وفي الجواب نقول:- لا يبعد أن يكون منشأ الاختلاف عوامل خارجيّة وليست ذاتيّة، وأعني بذلك أنّ فعل الآباء له تأثيرٌ وضعيٌّ - والروايات قد أشارت إلى هذا الشيء فإنها أشارت إلى أنّه إذا فعلت شيئاً معروفاً فسوف يؤثّر في عقبك - ففعل الآباء يؤثّر على الأبناء فإذا كان والدي وجدّي يصنعا المعروف فهذا يؤثر على إعمال إرادتي، أو دعاء الاباء والأجداد فإبراهيم عليه السلام دعا لذرّيته فخرجت هذه الذريّة الصالحة التي منها النبي صلى الله عليه وآله - وهذا كمثالٍ من باب حصر العوامل ولعله هناك عوامل أخرى - . إذن هذه عوامل خارجيّة لعلّها هي الأسباب في اختلاف الناس في إعمال إرادتهم.
    لا أن يقال:- إنَّ الشقاوة الذاتيّة أو السعادة الذاتيّة كما ورد في الحديث:- ( الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه ) تلك الشقاوة وتلك السعادة تؤثّر في مجال إعمال الإرادة بهذا الشكل أو بذاك الشكل، وواضح أنه لا نقول إنّ تلك الشقاوة هي شقاوة على مستوى العلّة التامّة بل نفسّرها بنحو المقتضي فمحذور الجبر سوف يندفع حينئذٍ مادامت تلك الشقاوة ليست على مستوى العلّة التامّة، ولكن الذي أريد أن أقوله هو إنّه حتى لو فسّرناها على نحو المقتضي فالتساؤل يبقى لأنّه بالتالي أنا انتخبت إعمال إرادتي بهذا الشكل استناداً إلى الشقاوة الذاتيّة التي هي بنحو المقتضي فحينئذٍ يقال فلماذا صار هذا شقيّاً بنحو المقتضي وذاك صار سعيداً بنحو المقتضي فهذا كلّه من الله عز وجل ؟ فعاد الإشكال من زاويةٍ أخرى، فلماذا جعل الله عزّ وجلّ أبا ذر الغفاري سعيداً في بطن أمّه على مستوى المقتضي وجعل معاوية وأمثاله شقيّاً على مستوى المقتضي ؟ فهذه الفكرة تحلّ المشكلة.
    »



    يرد عليه: إنّ من البديهي ان العوامل الخارجية ليست اختيارية، و كذلك المقتضي للشقاوة و السعادة. و حيث ان العلة التامة لا تشمل اي عنصر آخر (و لو شملته لكان غير اختياري ايضاً، و إلا لزم التسلسل) فتكون كل أجزائها جبرية في جميع الأحوال؛ فمن اين يأتي الإختيار الموهوم، المبرر لاستحقاق الثواب و العقاب، يا تُرى؟


    و أمّا مبسوط كلام النائيني فإليك نصه: «وأمّا الموضع الثاني فالحقّ فيه أيضاً أنّ هناك مرتبة اُخرى بعد الإرادة تسمّى بالطلب وهو نفس الاختيار وتأثير النفس في حركة العضلات وفاقاً لجماعة من محقّقي المتأخّرين، ومنهم المحقّق صاحب الحاشية(رحمه الله)، والبرهان عليه أنّ الصفات القائمة بالنفس من الإرادة والتصوّر والتصديق كلّها غير اختياريّة فإن كانت حركة العضلات مترتّبة عليها من غير تأثير النفس فيها وبلا اختيارها فيلزم أن لا تكون العضلات منقادة للنفس في حركاتها وهو باطل وجداناً، وللزم أن تصدق شبهة أمام المشكّكين في عدم جواز العقاب بأنّ الفعل معلول للإرادة، والإرادة غير اختياريّة وأن لا يمكن الجواب عنها ولو تظاهر الثقلان كما ادّعاه، وأمّا الجواب عنها بأنّ استحقاق العقاب مترتّب على الفعل الاختياري أي الفعل الصادر عن الإرادة وإن كانت الإرادة غير اختياريّة فهو لا يسمن ولا يغني من جوع بداهة أنّ المعلول لأمر غير اختياري غير اختياري.
    والحاصل: أنّ علّية الإرادة للفعل هادم لأساس الاختيار ومؤسّس لمذهب الجبر
    بخلاف ما إذا أنكرنا علّية الصفات النفسانيّة من الإرادة وغيرها للفعل، وقلنا: بأنّ النفس مؤثّرة بنفسها في حركات العضلات من غير محرّك خارجي، وتأثيرها المسمّى بالطلب إنّما هو من قبل ذاتها فلا يلزم محذور أصلا ويثبت الأمر بين الأمرين.
    إن قلت: إنّ الأمر الرابع الذي بنيت عليه ثبوت الأمر بين الأمرين هل هو ممكن أو واجب؟ لا سبيل إلى الثاني وعلى الأوّل فهل علّته التامّة اختياريّة أو غير اختياريّة وعلى الأوّل يلزم التسلسل، وعلى الثاني يتمّ مذهب الجبر.
    قلنا: لا إشكال في كونه حادثاً وممكناً إلاّ أنّه نفس الاختيار الذي هو فعل النفس وهي بنفسها، تؤثّر في وجوده فلا يحتاج إلى علّة موجبة لا ينفكّ عنها أثرها، إذ العلّية بنحو الإيجاب إنّما هي في غير الأفعال الاختياريّة، نعم لا بدّ في وجوده من فاعل، وهو النفس،
    ومرجّح وهي الصفات النفسانيّة، والاحتياج إلى المرجّح إنّما هو من جهة خروج الفعل عن العبثية، وإلاّ فيمكن للإنسان إيجاد ما هو منافر لطبعه فضلا عن إيجاد ما لا يشتاقه لعدم فائدة فيه، ثمّ إنّ المرجّح المخرج للفعل عن العبثية هي الفائدة الموجودة في نوعه دون شخصه بداهة أنّ الهارب والجائع يختار أحد الطريقين وأحد القرصين مع عدم وجود مرجّح في واحد بالخصوص و انكار ذلك مكابرة واضحة»
    المصدر: اجود التقريرات، ص89-92

    يرد عليه: إنّ إنكار علّيّة الصفات النفسانية لا وجه له؛ كما ان جعل الصفات النفسانية هي المرجِّح يثبت الجبر ايضاً، لأنها غير اختيارية كما أقرّ.


    و ها هو كلام الخوئي موافقاً لشيخه النائيني: "قال الشيخ الرئيس في كتاب الشفاء في البحث عن وجوب معيّة المعلول لعلّته ما لفظه : فلا يبعد أن يكون الشيء مهما وجد وجب بالضرورة.
    وقال صاحب الأسفار في حاشيته على الكتاب : يريد بيان أنّ العلّة ما لم يجب كونها علّة لم تكن علّة بالحقيقة ، وأنّ المعلول ما لم يجب وجوده بالغير لم يكن موجوداً.
    وقد صرّح بهذه القاعدة كثير منهم في مواضع عديدة ، والمهمّ لنا هو معنى القاعدة وما قصدوا بها عند استدلالاتهم ، وبيان أنّها صحيحة أو فاسدة .
    الذي ظهر لنا في معنى أصل القاعدة من كلماتهم : أن تكوّن كلّ شيء وتحصّله في الأعيان أو الأذهان فرع تمامية علّته بما لها من الأجزاء والشرائط وارتفاع الموانع ، وعند ذلك يجب وجود المعلول ، فوجود كلّ شيء مسبوق بضرورة سابقة وتعيّن وجوبي في مرتبة علّته .
    ولا يخفى أنّ هذا المعنى من الضروريات الأوّلية في الجملة ، إذ كلّ عاقل يحكم بضرورة عقله بأنّ المعلول لا يتحقّق في موطن وجوده بأدنى إخلال في ناحية علّته بعدم تمامية مقتضيه ، أو بعدم وجود شرطه ، أو من جهة وجود مانعه ، وإنّما الكلام في سعة هذه القاعدة وضيقها .
    فنقول : لو كان المراد بوجوب الشيء قبل وجوده وجوده الاضطراري الناشئ عن استحالة تخلّف المعلول عن علّته ولزوم معيّته لها في الزمان، بحيث لا يتخلّل بين وجوديهما جزء من الزمان ، وإن كان أحدهما مترتّباً على الآخر ، ومن ثَمّ يقال : وجدت العلّة فوجد معلولها ، فهو معنى معقول مطابق للبرهان في المعاليل والمسبّبات الصادرة عن عللها وأسبابها من غير إرادة واختيار، وذلك فإنّ الشيء بعد ما فرض ممكناً احتاج في وجوده إمّا إلى إرادة فاعل مختار أو إلى بلوغه مرتبة الوجوب بالغير من جهة علّته ، وإلاّ كان وجوده مع إمكانه ترجّحاً بلا مرجّح ، وهو محال .
    وإن اُريد به لزوم وجوب الشيء قبل وجوده ولو فيما كان الوجود مستنداً إلى إرادة الفاعل المختار ، ليرجع محصّل القاعدة إلى استحالة وجود كلّ ممكن اختيارياً كان أو غير اختياري ما لم يصل إلى حدّ الوجوب وضرورة الوجود ، فهو معنى يخالفه الوجدان ، ولم يقم على طبقه برهان .
    وإيفاء البحث في هذا المقام بأن يقال : إنّ الممكن بما أنّه ممكن لا يقتضي في نفسه الوجود والعدم ، فهما بالإضافة إليه ككفّتي الميزان ، فلا يعقل أن يوجد في الخارج إلاّ وله موجد ، وإلاّ لزم الترجّح بلا مرجّح ، وهو باطل بضرورة العقل وقد اُشير إليه في قوله تعالى : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْء أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) فالممكن يستحيل أن يوجد من غير موجد ، كما يستحيل أن يكون هو الموجد لنفسه .
    ثمّ إن كان الموجد فاعلا بالاضطرار فلابدّ في صدور الممكن منه من وصوله إلى حدّ العلّية التامّة ، الذي يستحيل معه تخلّف المعلول عنه ، إذ قبل ذلك كان الممكن باقياً على إمكانه فيستحيل وجوده ، لأنّه ترجح بلا مرجّح .
    وهذا معنى أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد ، بمعنى أنّ الممكن الصادر من الفاعل بغير الاختيار إن لم يصل إلى حدّ الإلجاء والوجوب يستحيل وجوده ، فوجود الممكن مساوق لوجوبه ، كما أنّ عدمه مساوق لامتناعه ، فإنّه لا يكون معدوماً إلاّ بعدم علّته التامّة ، وفي هذا الفرض كان وجوده محالا ، وإلاّ لزم الترجّح بلا مرجّح .
    وبالجملة : أمر الممكن دائر بين الوجوب والامتناع الغيريّين ، فإنّه مع فرض وجود علّته التامّة واجب ومع عدمها ممتنع ، لكن مثل هذا الوجوب والامتناع لا ينافي الإمكان الذاتي الذي هو بمعنى عدم اقتضاء الماهية في نفسها للوجود والعدم وعدم إبائها لشيء منهما .
    وأمّا لو كان الفاعل فاعلا بالاختيار فهو وإن كان ممّا لابدّ منه في صدور الفعل وتحقّقه ، لما عرفت من استحالة وجود الممكن بلا موجد له، إلاّ أنّه لا يعتبر فيه وصول الأمر إلى حدّ الإلجاء والاضطرار ، بل لابدّ من أن لا يكون كذلك ، وإلاّ خرج الفعل عن كونه اختيارياً ، وهو خلف .
    "

    يرد عليه: انّ الضروريات الأوّلية لا تُخصَّص، سواء قام عليها برهان أم لا. و دعوى مخالفة الوجدان لشمولية هذه القاعدة البديهية، لا دليل عليها. فإنّ فعل الإنسان لَمِنَ الممكنات، و الممكن لا يوجد ما لم يجب بغيره؛ فإنّ الإختيار الذي يوجِب الفعل، إنْ كان غير الإنسان، فهذا جبر بلباس الإختيار؛ و إن كان الإختيار نفس الإنسان، فهذا خلاف الفرض الذي أقررتموه "أمر الممكن دائر بين الوجوب والامتناع الغيريّين". و أمّا الإرادة فلا يختص بها الإنسان؛ و هي لا تقتضي شيئاً بحدّ ذاتها.


    "وبالجملة : فرض كون الفعل اختيارياً يستلزم كون أمره وجوداً وعدماً بيد الفاعل وتحت سلطانه ، فلو فرض وجود جميع المقدّمات التي يتوقّف عليها وجود الفعل ، وكان شوق الإنسان إليه في غاية مرتبة القوّة والشدّة ، لم يكن الفعل مع ذلك خارجاً عن تحت قدرة الإنسان ، بل كان أمره بيده ، فله أن يعمل قدرته في وجوده الذي نعبّر عنه بالاختيار ، وله أن لا يعملها فيه ."

    يرد عليه: إنّ أصل "فرض كون الفعل اختيارياً" لا مبرر عقلي له (بل و لا وجداني)، و انما هو مصادرة مأخوذة من الشرع؛ و تقديم قول الشرع على امر هو "من الضروريات الأوّلية" لأمر خطير.


    "فتحصّل : أنّ قاعدة أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد لا تجري في الأفعال الاختيارية ، ومَن أسراها إليها قد التبس عليه الأمر ، فلم يميّز بين الفاعل بالاختيار والعلّة الاضطرارية ."
    المصدر: مجمع الرسـائل - رسـالة في الأمر بين الأمرين http://www.al-khoei.us/books/?id=418

    يرد عليه: انّ الذي قد التبس عليه الأمر هو من يخصص الأوّليات.

    و مع ان النائيني و الخوئي يجيزان تخصيص قاعدة "ان الشيء ما لم يجب لم يوجَد"، إلا ان الخوئي كان أشدّ تطرّفاً من استاذه، فقد أجاز الترجيح بلا مرجح ايضاً. فماذا عسانا ان نقول غير انّك إن عشت أراك الدهر عجباً!


    و لمحمد باقر الصدر محاولة يائسة ايضاً في حل المعضلة (التي لا تعضل إلا من أصرّ على نفي الجبر)، و إليك مضمونها: "وهنا يظهر ابداع الصدر لنظريته المشهورة التي تعتبر الحل الجذري الوحيد لهذه المعضلة الا وهي (نظرية السلطنة): فالسلطنة مفهوم قبالة مفهومي الوجوب والإمكان، وخروج الممكن من حد الاستواء يتحقق بأحد أمرين: إما الوجوب بالغير وإما السلطنة يقول باقر الصدر: (فلو وجدت ذات في العالم تمتلك السلطنة رأى العقل بفطرته السليمة ان هذه السلطنة تكفي للوجود). والسلطنة تشترك مع الإمكان من حيث تساوي نسبتها إلى الوجود والعدم ولكنها تختلف عنه في كون الإمكان لا يكفي لتحقيق أحد الطرفين بل يحتاج تحقيقه إلى مؤونة زائدة وأما السلطنة فيستحيل فرض الحاجة معها إلى ضم شيء آخر إليها لتحقيق أحد الطرفين إذ بذلك تخرج عن كونها سلطنة وهي كالوجوب لانها كافية لتحقيق الشيء وتمتاز عنه أن صدور الفعل من الوجوب ضروري ومن السلطنة ليس ضرورياً فالبون شاسع بين (له ان يفعل) و(عليه أن يفعل).
    ويرى باقر الصدر ان السلطنة موجودة في الإنسان والدليل على ذلك منحصر في الشرع والوجدان.
    "


    و يقول الصدر نفسه: "ان قاعدة ان الشيء ما لم يجب لم يوجد لو كان قاعدة قام عليها البرهان فلا معنى للالتزام بالتخصيص إذ ما يقوم عليه البرهان العقلي لا يقبل التخصيص والتقييد ولكن الصحيح انها ليست قاعدة مبرهنة بل هي قاعدة وجدانية من المدركات الأولية للعقل وان كان قد يبرهن على ذلك بان الحادثة لو وجدت بلا علة ووجوب لزم ترجيح أحد المتساويين على الآخر بلا مرجح وهو محال لكنك ترى ان استحالة الترجيح أو الترجح بلا مرجح هي عبارة أخرى عن ان المعلول لا يوجد بلا علة اذن فلا بدّ من الرجوع في هذه القاعدة إلى الفطرة السليمة مع التخلص من تشويش الاصطلاحات والألفاظ لنرى ما هو مدى حكم الفطرة والوجدان بهذه القاعدة فننتقل إلى النقطة الثانية."
    و للتفصيل راجع كتاب بحوث في علم الاصول لمحمود الهاشمي https://books.rafed.net/view.php?typ...id=655&page=35

    يرد عليه: اولاً: أنّى للسلطنة ان توجِد شيئاً دون ان توجِبه؟ فذلك أشبه بالأولوية التي لا قيمة لها. فإنّه لا يوجَد إلا ما قد وجب، و ما لم يجب، امتنع وجوده. و أمّا ايجادها للفعل دون أن توجَب بذلك، فهو ترجّح بلا مرجِّح.
    ثانياً: ما الدليل على اختصاص الإنسان بهذه السلطنة دون سائر الحيوانات؟
    ثالثاً: لا دليل على ان السلطنة وجدانية. بل حتى لو كانت كذلك، فالعاقل لا يقدّم الوجدان على العقل.
    رابعاً: الإستشهاد بالشرع مصادرة على المطلوب إثباته.
    خامساً: كيف تُخصص ما كان "من المدركات الأولية للعقل"! فإنّ كون الواحد نصف الإثنين من المدرَكات الأولية ايضاً، فهل يجوز تخصيصه؟
    سادساً: انّ امر الموجود دائر بين أمرين: فإما ان يجب لذاته او يجب بغيره. و بديهي ان الحادث (السلطنة و كذلك فعل الإنسان) لا يجب لذاته.
    و على أي حال، فإن السلطنة هذه ممتنعة؛ فليست موجَبة و لا موجِبة (اي لا علة و لا معلولة)، و هذا مما لا يُعقل وجوده (و لا سيما في الحادث).
    ---------------------------

    قلتُ: انّ "الفعل الإختياري" حادث، و لكل حادث محدِث، لبداهة امتناع الصدفة. و لا يكون المحدِث نفسُ الشخص (لأنه حادث ايضاً، و يلزم من ذلك الدور او التسلسل)، بل غيره، فتعيّن الجبر. او قُل: ان "الفعل الإختياري" ترجيح، فإن كان المرجِّح فيه نفس الفاعل لزم الدور او التسلسل. و إن كان المرجِح غيره لزم الجبر. و من أجاز الترجيح بلا مرجِّح ففي عقله شيء؛ حيث انّ ذلك يقتضي ان يكون الترجيح نتيجة الصدفة، و هذا في غاية الشناعة. ثُم كيف لا يسري الحكم لفعل الله؟ فعندها يجوز ان يكون فعله بلا مرجح ايضاً، و ذلك يُخرِجه عن الحكمة.
    و على أي تقدير، فإنّ «الإختيار» (او الفعل الإختياري) إن كان موجَباً بغيره فهذا خلاف فرضه اختياراً، و لا ينبغي تسميته بذلك. و إن لم يكن موجَباً بغيره فهذا خلاف فرضه ممكناً و حادثاً.

    و ان من الغرابة و السذاجة بمكان ان يظن ظان ان صفات الإنسان الجسدية وحدها قهرية، و ان الخصوصيات النفسية (كلها او بعضها) اختيارية. فواضح ان اختيارية اي صفة تقتضي ان يكون الشخص موجوداً قبل ان يوجَد (لكي يختار تلك الصفة)، و ذلك لا يستلزم التسلسل فحسب، بل اجتماع النقيضين ايضاً (كون الشخص موجوداً و لا موجود في آن واحد). و أما اذا اُقِرَّ بأن جميع صفات الإنسان الجسمية و النفسية جبرية، فمِن اين جاء الإختيار! و أين يُزَجّ «الأمر بين الأمرين»!

    مضافاً الى ذلك، فاِن الاختيار المدّعى، الذي هو الملاك الوحيد في استحقاق الثواب و العقاب، اِما ان يكون متساوياً بين جميع الأفراد -كمّاً و كيفاً- او لا. فاِن لم يكن متساوياً، فلا يكون ذلك التفاوت (في كمّ الاختيار او كيفه؛ او كليهما) اختيارياً، و لا سائر صفات الإنسان اختيارية، فما هو الشيء الاِختياري إذاً؟ و اما اذا كان الاختيار المزعوم متساوياً بين الجميع، فعندها لا يمكن ان يكون اختلاف الأفعال بين الأفراد ناتجاً عن أمر متساوٍ و مشترك بينهم، حيث ان الأشياء المتطابقة لا يُعقل ان تتفاوت في انفعالاتها و تأثيراتها في ظروف مماثلة؛ فتعيّن ان يكون تفاوت الأفعال ناتجاً عن العوامل القهرية غير المتساوية. و بعبارة اُخرى: إنّ تطابق المقدمات يؤدي بالضرورة الى تطابق النتائج؛ و اختلاف النتائج ينشأ من تغاير المقدمات (و لو يسيراً) لا محالة.

    ثمّ اِنّ اِرادة الله التكوينية اِمّا اَنْ تتعلق بالشيء او لا؛ فإن تعلقت به صدق الجبر و العلّيّة؛ و إن لم تتعلق به صدق التفويض و اللاعلّيّة. و لا يسعكم القول باَنّ الاِرادة الكونية تتعلق بالشيء و لا تتعلق به في آن واحد؛ او اَنّها لا متعلقة به و لا غير متعلقة به في نفس الوقت. فإن قيل: ان الإرادة التكوينية تتعلق ببعض الامور بنحو الإجمال لا التفصيل؛ فيقال ردّاً على ذلك: ان التفاصيل و الجزئيات يصدق فيها التفويض و الصدفة حينئذ. و لا فرق -من حيث النتيجة- بين تعلق الإرادة التكوينية بالشيء بشكل مباشر او غير مباشر.
    و رُب قائل يقول: ان إرادة الله التكوينية في أفعال الإنسان -الإرادية- إنما هي إذْن منه بالفعل (او بإرادة الفعل)، لا أكثر.
    فنقول: مَن أراد شرب الخمر، هل أذن الله له تكويناً بإرادة شربه و تركه؟ أم أذن في إرادة شربه فقط؟ فإن لم يأذن بإرادة تركه، فقد أجبر الفاعل على إرادة الشرب. و إن كان أذن بكليهما، فكيف ترجحت إرادة الشرب على إرادة الترك؟ فإن كان المرجِح من الشخص نفسه، فذلك يستلزم التسلسل او الدور. و إن كان المرجِح من غيره فيلزم الجبر. و امتناع الترجّح بلا مرجِح من البديهيات.

    و بذلك يتّضح وجه امتناع الاَمر بين الاَمْرين؛ فذلك لاقتِضائه الجمع بين النقيضين او رفْعهما، باعتبار اَنّ الجبر مساوق للعِلّيّة، والتفويض مساوق لللاعِلّيّة. و إن شئتَ فقل: ان الجبر هو عدم التفويض، و التفويض هو عدم الجبر. و من الملفت اَنّ دليلكم الوحيد على اَنّ الجبر و التفويض ضدّان و ليسا نقيضين هو الشرع. و الحال انّ العقل ينبغي ان يكون هو الحاكم على الشرع و ليس العكس. فليس للشرع ان يخصِّص أحكام العقل أبداً. و كذلك بالنسبة الى الوجدان و الفطرة، فإن العقل مقدَّم عليهما، فلا يقيّدانه. نعم، اِنّ الوجدان يميّز بين الفعل الاِرادي و اللااِرادي؛ لكنه لا يشخّص اختيارية و حُرّية مقدمات الإرادة في اي فعل إرادي؛ بل ان جبرية جميع المقدمات ثابتة بالضرورة العقلية، كما مَرّ.


    بقية البحث في المشاركة التالية.

  • #2
    ادامة البحث:

    و اما عدم اقتضاء علم الله للجبر بدعوى تابعية العلم للمعلوم، فذلك انما يتم فيما لو كان علم الله انفعالياً -كعلمنا- لا فعلياً. فإن كون علم الله انفعالياً تابعاً للمعلوم يقتضي ان تكون ذاته تابعة للمعلوم ايضاً، لأن علم الله عين ذاته. و عليه، فهو علم فعلي مسبِّب للمعلوم و علة له. و بما انه علم تفصيلي بكل جزئيات الوجود، فيكون علة لكل الجزئيات، و لا وجه لاستثناء ما يُسمى بالافعال الاختيارية، لأن ذلك يقتضي جهل الله بها؛ و هو خلاف ما تذهبون اليه من شمولية علمه.
    بل حتّى لو وُجِد علم إنفعالي لا يتخلّف، لكان هذا العلم كاشفاً عن الجبر، و إن لم يكن مسبِّباً له.

    و أما «اللوح المحفوظ» و «لوح المحو و الإثبات»، فالأول هو عبارة عن علم الله بما سوى نفسه (على القول بعدم وحدة الوجود)، و لذلك فإنّ ما في هذا اللوح لا يتخلّف و لا يتغير ابداً. و أما اللوح الثاني فلوح اعتباري لا تأثير له (فإمّا ان يوافق اللوح المحفوظ او يتخلف عن الواقع). و إنه لمن المضحك المبكي ان يعتقد احد ان بإمكانه تغيير ذرة من قدَره المحتوم المكتوب في اللوح المحفوظ. و أما تغيير ما في لوح المحو و الإثبات، فما الفائدة منه ما لم يؤثِّر في اللوح المحفوظ؟ ثُم انّ الجهل بما في اللوح المحفوظ لا يقتضي الاختيار (فالجهل بالمحتوم لا يساوق الاختيار، كما يتوهم البعض).
    و كذا الحال بالنسبة لما يُعرف بالإرادة التشريعية؛ فهي مجازيّة ايضاً، و إلا لما تخلفت كلما خالفت الإرادة التكوينية. و قد تقدّم بيان ضرورة تعلق الإرادة التكوينية بكل صغير و كبير دفعاً للصدفة و التفويض او الوقوع في الشرك الأفعالي.
    ---------------------------

    يقول جعفر السبحاني ردّاً على من يستفيد الجبر من قاعدة «الشيء ما لم يجب لم يوجد»: «إنَّ القاعدة قاعدة متقنة لا غبار عليها غير أنَّ استنتاج الجبر من القاعدة أمر عجيب؛ لأنّها لا تعطي أزيد من أنَّ المعلول إنّما يتحقق بالإِيجاب و الإِلزام، و أمَّا كون الفاعل، فاعلاً موجباً (بالفتح)، و مجبوراً، فلا يستفاد منها.
    توضيح ذلك : إنَّ الفاعل لو كان فاعلا طبيعياً غير شاعر و لا مختار ، أو شاعراً غير مختار ، يصدر الفعل منه بالوجوب مع امتناع العدم ، و يكون الفعل واجباً ، و الفاعل موجَباً (بالفتح) . و أمَّا إذا كان الفاعل مدركاً و مختاراً ، فصدور الفعل منه يتوقف على اتّصاف فعله بالوجوب ، و العامل الذي يضفي هذا الوصف على المعلول هو
    نفس الفاعل ، فهو باختياره و حريته يوصل الفعل إلى حدّ يكون صدوره عنه على نحو الوجوب و اللزوم . فعندئذٍ يكون الفاعل المدرك المختار فاعلاً موجباً أي معطياً الوجوب لفعله و مَنْ هو كذلك لا يتصف هو و لا فعله بالجبر . فالاستنتاج نبع من المغالطة بين الفاعل الموجَب و الفاعل الموجِب ، و هو أحد أقسام المغالطة.»

    يرد عليه: أحقّاً تقول ان "نفس الفاعل ، فهو باختياره و حريته يوصل الفعل إلى حدّ يكون صدوره عنه على نحو الوجوب و اللزوم"! فالحرية منافية للوجوب السابق عليها، و الذي هو مقتضى القاعدة المزبورة. أي ان الحرية الحقيقية من الممتنعات لأن العلّية اقتضت ذلك؛ فنظام العلّية لا مجال للحرّية فيه إطلاقاً (فالعلية هي الوجوب، والحرية هي اللاوجوب؛ فالتناقض واضح). و لذلك أقول ان فلاسفة الشيعة (اي كل من يتبنى القاعدة من الشيعة) يقولون بحرّيّةٍ اعتباريةٍ للإنسان، و إلا لأنكروا القاعدة أو خصصوها (و إن كان تخصيصها قبيحاً، و إنكارها أقبح).
    و نكرر ما أوردناه على الخوئي، فنقول: إنّ فعل الإنسان من الممكنات، و الممكن لا يوجد ما لم يجب بغيره؛ فإنّ الإختيار الذي يوجِب الفعل، إنْ كان غير الإنسان، فهذا جبر بلباس الإختيار؛ و إن كان الإختيار نفس الإنسان، فلازمه التسلسل او الدور.

    و قد نقل السبحاني إشكال الفارابي على نفاة الجبر، فقال: "و قد نقل صدر المتألهين هذا الإِشكال عن المعلّم الثاني الفارابي حيث قال في نصوصه : « إن ظن ظان أنَّه يفعل ما يريد و يختار ما يشاء ، استكشف عن اختياره هل هو حادث فيه بعدما لم يكن أو غير حادث؟ ؛ فإن كان غير حادث فيه ، لزم أن يَصْحَبُهُ ذلك الاختيار منذ أوّل وجوده ، ولزم أن يكون مطبوعاً على ذلك الاختيار لا ينفك عنه ، و إن كان حادثاً ـ و لكل حادث محدث ـ فيكون اختياره عن سبب اقتضاه و محدث أحدثه ، فإمَّا أن يكون هو أوغيره ، فإن كان هو نفسه ، فإمَّا أن يكون إيجاده للاختيار بالاختيار ، و هذا يتسلسل إلى غيرالنهاية ، أو يكون وجوداً لاختيار فيه لا بالاختيار فيكون مجبوراً على ذلك الاختيار من غيره ، و ينتهي إلى الأسباب الخارجة عنه التي ليست باختياره »"

    ثم ينتصر السبحاني لاُستاذه الخميني بعد ان ردّا أجوبة الآخرين (صدر الدين الشيرازي، العلّامة الحائري، المحقق الخراساني، النائيني، الخوئي، العلّامة الطباطبائي) على إشكال الفارابي، و يقول: «الجواب السادس: ما أفاده السيّد الأُستاذ الإِمام الخميني ـ دام ظله ـ بتوضيح و تحرير منا ، و حاصله : إنَّ الكبرى ممنوعة و هي جعل مِلاك الفعل الاختياري كونه مسبوقاً بالإِرادة حتى تخرج الإِرادة عن إطار الفعل الاختياري ، بل المناط في اختيارية الفعل سواء أكان فعلاً جوارحياً أو جوانحياً كونه صادراً عن فاعل مختار بالذات ، غير مجبور في صميم ذاته ، و لا مضطر في حاق وجوده ، بل الاختيار مخمور في ذاته و واقع حقيقته ، و الإِنسان من مصاديق تلك الضابطة في أفعاله الاختيارية.»

    يرد عليه: متى جعل الفارابي "مِلاك الفعل الاختياري كونه مسبوقاً بالإِرادة" حتى يُجاب بأن المناط ليس ذلك و انما كذا و كذا؟


    "و إليك بيانه : إن ما يصدر من الإِنسان من الأفعال على قسمين ، قسم منه يصدر عن طريق الآلات و الأسباب الجسمانية كالخياطة و البناء ، و هذا القسم من الفعل يكون مسبوقاً بالتصور و التصديق ، و الشوق إلى الفعل ، و العزم و الجزم الذي يلازم تحريك العضلات نحو المراد . و هذا ما يسمّى بالأفعال الجوارحية. و قسم يصدر منه بلا آلة بل بخلاقية منها ، و هذا كالأجوبة التي تصدر من العالم النحوي الذي له ملكة علم النحو عند السؤال عن مسائله ؛ فإنَّ هذه الأجوبة تصدر واحدة بعد الأخرى لا بتصور و لا بتصديق ، و لا بشوق ، و لا بعزم سابق على الأجوبة . و ليس صدور تلك الأجوبة عن النفس كصدور الأفعال الجوارحية من الأكل و الشرب مسبوقة بمبادئها ، بل هي تظهر في لوح النفس ، و تصدر عنها بدون هذه التفاصيل. و هذه الأجوبة التي تعد صوراً علمية ، موجودة للنفس مخلوقة لها ، خلقاً اختيارياً بحيث لو شاء ترك ، مع أنّها ليست مسبوقة بالإِرادة و لا بمبادئها ، بل كفى في كونها اختيارية كون النفس « فاعلاً مختاراً بالذات » بحيث تكون حقيقتها كونها مختارة ، و كونها مختارة نفس حقيقتها. و بذلك يظهر أن وِزان الإرادة بالنسبة إلى النفس وزان الصور العلمية . فكما أنَّ صدور الصور العلمية لا يتوقف على المبادئ السابقة ، فكذلك ظهور الإِرادة في الضمير. و كما أنَّ ظهور تلك الأجوبة ، ظهور اختياري لدى النفس ، فكذلك الإِرادة ، وليس مناط اختياريتها سبق إرادة أخرى ، لما عرفت من عدم كونها مسبوقة بها ، بل المِلاك في اختياريتها كون النفس فاعلاً مختاراً بالذات ، و ليس الاختيار مفصولاً عن ذاتها و هويتها."

    يرد عليه: ما/مَن هو منشأ ماهية هذا "الإختيار الذاتي" للنفس؟ هل هو الإنسان نفسه؟ فلازِمه التسلسل. أم منشأها غيره؟ فهذا جبر، لأن كل موجود مقيّد بماهيته، و كذلك النفس؛ فلا يمكنها مخالفة ماهيتها او تغييرها.


    "و إن شئتَ فاستوضح الحال بأفعاله سبحانه ، فإنّها كلها اختيارية ، لكن لا بمعنى كونها مسبوقة بالإرادة التفصيلية الجزئية الحادثة لكونه سبحانه منزّهاً عن مثل هذه الإرادة ، و قد عرفتَ أنَّ حقيقة إرادته و واقع كونه مريداً هو كونه فاعلاً مختاراً بالذات ، فلأجل ذلك تصبح أفعاله سبحانه في ظل هذا الاختيار الذاتي ، أفعالاً اختيارية و النفس الإِنسانية في خلاقيتها بالنسبة إلى الصور العلمية و الإِرادة التفصيلية مثال للواجب سبحانه ، { وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. و ما اشتهر من أنَّ ملاك الفعل الاختياري السبق بالإِرادة ، فإنَّما هو ناظر إلى الأفعال الجوارحية الصادرة من الإنسان عن طريق الأسباب و الآلات ، و لا يعم كل فعل اختياري . و يمكن أن يقال : إنَّ تعريف الفعل الاختياري بسبق الإِرادة من قبيل جعل ما بالعرض مكان ما بالذات ، بل المِلاك في كونه فعلاً اختيارياً للإِنسان هو انتهاء الفعل إلى فاعل مختار بالذات ، و صدوره عنه بالإرادة . غير أنَّا لتسهيل الأمر على الطلاّب نتوافق على هذا التعريف في مورد الأفعال الجوارحية لا مطلقاً."

    يرد عليه: بل إنّ الله مضطر ايضاً، إلا ان اضطراره واجب بنفسه (بخلاف الإنسان الذي هو مضطر بغيره). و قد نتعرض لهذه القضية في موضوع آخر.


    "إلى هنا خرجنا بهذه النتائج :
    1ـ إنَّ الأفعال النفسانية تصدر عن النفس لا بإرادة مسبقة بل يكفي في صدورها الإِختيار الذاتي الثابت للنفس.
    2ـ إنّ هذه الأفعال كما هي غير مسبوقة بالإِرادة غير مسبوقة بمبادئها أيضاً ، فليس قبل صدورها تصوّر ، و لا تصديق ولا شوق ، و لا عزم و لا جزم.
    3ـ إنَّ الأفعال القلبية اختيارية للنفس بمِلاك الاختيار الذاتي الثابت لها. و أمَّا الدليل على ثبوت اختيار ذاتي للنفس فيكفي في ذلك :
    أوّلاً: قضاء الفطرة و البداهة بذلك ؛ فإنّ كل نفس كما تجد ذاتها حاضرة لديها فهكذا تجد كونها مختارة ، و أنَّ سلطان الفعل و الترك بيدها ، و لها أن تقْدم على عمل و أن لا تقدم عليه ، و لا شيء أظهر عند النفس من هذا الاختيار ، و إنَّ أنكره الإِنسان فإنّما ينكره باللسان و هو معتقد به."

    يرد عليه: اولاً: البداهة تقضي بالجبر العلّيّ، و ليس بنقيضه.
    ثانياً: ان البهائم ايضاً تجد "أنَّ سلطان الفعل و الترك بيدها ، و لها أن تقْدم على عمل و أن لا تقدم عليه"، و ذلك لا يجعلها مختارة او مسؤولة عن تصرفاتها.


    "وثانياً: إنَّ فاقد الكمال لا يكون معطيه ، فالنفس واجدة للاختيار في مقام الفعل و يعد فعلها فعلاً اختيارياً لأجل كونه مسبوقاً بالإرادة . فمفيض الاختيار في مقام الفعل واجد له في مقام الذات . و هذا نظير ما يقال : إنَّ الصور التفصيلية الظاهرة في الضمير من أفعال النفس ، و هي واجدة لها في مقام الذات ، فمَن كانت له ملكة علم النحو ، ثمّ سئل مسائل كثيرة ، فأجاب عنها واحدة بعد الأخرى بأجوبة تفصيليلة فهي كانت موجودة في صميم الملكة و ذات النفس بوجود بسيط إجمالي ، لا بوجود تفصيلي . و هذا يدلنا على أنَّ كل ما يظهر للنفس في مقام الفعل والتفصيل ، و منه الاختيار ، فهي واجدة له في مقام الذات بوجه بسيط إجمالي مناسب لمقام الذات . إذا عرفتَ ذلك فنحن في غنى عن إيضاح الجواب ، و لعل ما ذكرناه هو مقصود صاحب المحاضرات كما نقلنا عنه . ولكنه دام ظله يصرّ على أمر لا دخالة له في الإِجابة ، و هو أنَّه ليست الإِرادة علّة تامة للفعل بل الفعل ـ على الرغم من وجوده و تحققه ـ يكون تحت اختيار النفس و سلطانها ، و لو كانت الإِرادة علّة تامة لحركة العضلات و مؤثرة فيها لم يكن للنفس تلك السلطنة ، و كانت عاجزة عن التأثير فيها مع فرض وجودها."

    يرد عليه: هذه مصادرة؛ فإنّ الإختيار غير ثابت للنفس في مقام الفعل (فكون الفعل مسبوقاً بالإرادة لا يجعله اختيارياً)، حتى يقال "فمفيض الاختيار في مقام الفعل واجد له في مقام الذات".


    "أقول : لو كانت الإِرادة علّة تامة للفعل ، أو كانت جزءاً أخيراً من العِلة التامة كما هو الحق بحيث يكون تحقق الفعل معها ضرورياً ، فلا ينافي ذلك سلطان النفس و اختيارها قبل الإِرادة ؛ إذ لها أن تتأمل فيما يترتب على الفعل و الإِرادة من الآثار السيئة و لا تريدها ، ولكنها باختيارها أوجدت الإرادة و حققتها ، و معها وجب صدور الفعل من النفس. و مثل هذا لا يوجب خروج الفعل عن كونه اختيارياً . فالإيجاب بالاختيار لا ينافي الاختيار ، و الفعل و إن كان يتحقق وجوده بعدها ، لكن لا يخرجه اللزوم عن كونه فعلاً اختيارياً ، وهذا كالملقي نفسه من شاهق باختيار ، لا يعد هبوطه و سقوطه فعلاً خارجاً عن الاختيار ، لكون مبادئه بالاختيار . فالذي يجب التركيز عليه هو اختيارية الإرادة ، ولا يضر وجوب الفعل بعد حصولها إذا كانت الإرادة اختيارية . فالتركيز على عدم وجوب الفعل بعد الإِرادة ـ فراراً عن اضطرارية الفعل ـ ليس بأولى من التركيز على وجوب الفعل بعد الإرادة ، إذا كانت الإِرادة فعلاً اختيارياً للنفس باختيار ذاتي لها. فالذي تنحل به العقدة هو كون الإِرادة تحت سلطان النفس لا كون الفعل غير واجب بعد حصول الإرادة."
    المصدر: كتاب الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل، جعفر السبحاني، ج2، ص303-314 http://research.rafed.net/عقائد-الشي...-الجبر-الفلسفي
    و كتاب لب الأثر في الجبر و القدر http://mazaheb.ir/?تابخانه/ساغŒر-?تاب...مراً-اختيارياً

    أقول: لا ريب في امتناع "اختيارية الإرادة" بمعنى حرّيتها، و لو حرّية آخر جزء من مقدماتها، لخروج ذلك الجزء عن المعلولية و الوجوب.

    و مع انّ تعبير الفارابي جيّد، إلّا انّ تقرير الرازي للإشكال أجوَد؛ فإليك كلامه بتصرّف: «الجبرية: عوّلوا في تقرير قولهم على أنّ الممكن لابدّ له من مرجِّح، و هذه مقدمة بديهية؛ و إذا كان الأمر كذلك، فالحادث القادر على النقيضين يمتنع أن يرجِّح أحدهما على الآخر إلّا لمرجِّح، و ذلك المرجِّح ليس منه، و إلا لزم التسلسل، بل هو من غيره، و حينئذ يلزم الجبر».
    المصدر: المطالب العالية، ج9، ص247.


    و يقول جعفر علم الهدى (المتصدّي لأكثر الإشكالات و الأسئلة في شبكة رافد): "متى انتفى الإكراه في أعمالنا ينتفي الجبر أيضاً وذلك لأنّ الإكراه حقيقته ان يعمل الإنسان فعلاً باختياره وإرادته لكن لا بطيب النفس بل لأجل دفع الضرر المتوجّه إليه من المكره لو لم يفعل فمصب الإكراه هو الفعل الإختياري ولا محالة يكون مصب نقيضه وعدم الإكراه أيضاً الفعل الإختياري ، فعدم الإكراه يقتضي عدم الجبر أيضاً."

    يرد عليه: انّ الذي أوقعكم في هذه الهفوات و المغالطات هو التزامكم الأعمى بقواعد نقلية فاسدة و إصراركم عليها. فإنّه لا يوجد في العالم اي "فعل إختياري" حتى يكون مصبّاً لشيء. فهذه مصادرة منكم. انما مصب الجبر الفلسفي هو مطلق الفعل، و مصبّ الإكراه (و السخط
    ، او الرضا و الرغبة) هو الفعل الصادر عن كل ذي إدراك و شعور (الوعي)؛ فهو بذلك أخص من الجبر الفلسفي مطلقاً، و لا ينتفي العام (الجبر الفلسفي) بانتفاء الخاص (الإكراه)؛ فتأمّل.


    "انّ الإنسان يرى هناك فرقاً بين حركة النبض مثلاً وبين المشي ، فانّه لا يصدر الأوّل من الإنسان اختياراً بخلاف الثاني ، فانّه يصدر منه بالإرادة والاختيار وهو قادر على فعله وتركه."

    يرد عليه: الإرادة لا تستلزم الإختيار، فهي موجودة في سائر الحيوانات ايضاً (فإنها كذلك قادرة على -فعل- المشي و تركه)، و لم يدّع احد أنّها مختارة.


    "مقدّمات الفعل إذا كانت كلّها خارجة عن تحت الإختيار يكون الفعل جبريّاً ، امّا إذا كان بعضها ولو الجزء الأخير للعلّة التامّة إختياريّة لا يكون الفعل جبريّاً بل يكون إختياريّاً فقد يكون تصوّر شرب الماء غير اختياري بل ناشئ من العطش الشديد ، لكن في المرحلة الأخيرة مع وجود هذه المقدّمات اللاإختياريّة يرى الإنسان بالوجدان انّه قادر على شرب الماء وتركه كليهما ولا يكون مضطراً إلى أحدهما ، فإذا اعمل قدرته في شرب الماء كان فعلاً إختياريّاً ، لأن النتيجة تابعة لأخسّ المقدّمات.
    وبناء على ذلك نقول خلق الله الإنسان بحيث يكون مختاراً في أعماله وتصرّفاته ، فأصل خلقته ليست إختياريّة واقتضاء طبيعته للإختيار والإرادة أيضاً غير إختياري ، وهكذا مقدّمات الفعل البعيدة والقريبة قد تكون غير إختياريّة ، لكن لما يصل الأمر إلى اعمال القدرة فهو إختياري وذلك لأنّ الله تعالى خلقه هكذا
    "

    يرد عليه: كلامكم يقتضي ان تتعلق قدرة الله بالممتنعات (الجمع بين النقيضين)، اذ ان إعمال القدرة امر ممكن، و مقتضى قاعدة الشيء ما لم يجب لم يوجد هو ان يكون كل ممكن مسبوقاً بوجوب و ضرورة. و دعوى ان إعمال القدرة اختياري (لا واجب) مناقض لهذا الوجوب السابق.


    "ولو لم تكن أعماله إختياريّة لزم تخلف مراد الله تعالى حيث انّه أراد أن تكون أعمال الإنسان إختياريّة ، لكنّها تصدر منه بلااختيار."

    يرد عليه: اولاً: لعل المستشكل ينكر وجود الله أساساً.
    ثانياً: كيف عرفت مراد الله؟ فإمّا ان الله أراد أن تكون أعمال الإنسان اختياريّة إلا أنه عجز عن تحقيق ذلك لامتناعه عقلاً، او أنه لم يُرِد له الإختيار أصلاً. و لا يخفى ان اي استعانة بالشرع لدفع الإشكال، ستكون مصادرة واضحة على المطلوب.


    "وأمّا الدليل على أنّ الله تعالى خلق الإنسان هكذا فهو الوجدان والفطرة والعقل وترتّب الثواب والعقاب على الفعل ، وكلّ دليل يمكن ان يستدلّ به القائل بالإرادة والإختيار ـ بنحو الأمر بين الأمرين ـ في مقابل القول بالجبر."

    يرد عليه، اولاً: ان العقل بريء من هذه الفرية العظيمة براءة الذئب من دم يوسف. و قد أسلفنا ان الوجدان و الفطرة لا يقتضيان ذلك؛ و لو اقتضياه فلا يُلتفت اليهما لمخالفتهما العقل، فقد تقدم تفنيد نظرية الأمر بين الأمرين. و أمّا الثواب و العقاب فلا دليل عقلي عليهما؛ و تقدم كراراً ان الإحتجاج بالنصوص (نفس عبارة "الأمر بين الأمرين" منشأها رواياتكم، بغض النظر عن ضعفها السندي و الدلالي) في مثل هذه الموارد انما هو دور و مصادرة.
    و ثانياً: ما شأن الوجدان و الفطرة و الرد على دليل عقليّ فلسفيّ؟ فإنّ الكلام هو عن الجبر الفلسفي، و ليس عن الجبر الفطري او الوجداني.


    "وأمّا قاعدة الشيء ما لم يجب لم يوجد ، فهو صحيح لكن نفس اعمال القدرة بالإختيار مع المقدّمات الاخرى تكون علّة لوجود الشيء فلا ينافي كون الفعل إختياريّاً مع قاعدة الشيء ما لم يجب لم يوجد."
    قسم التعليقات من هذه الصفحة: http://research.rafed.net/عقائد-الشي...-الجبر-الفلسفي

    يرد عليه: سبق و أن أثبتنا امتناع اجتماع اختيار الممكن (اللاوجوب) و الوجوب السابق على كل ممكن. فالنتيجة هي ان الممكن موجَب في إعمال "قدرته" في الأفعال -و التروك- الإرادية، فلا اختيار و لا حُرّيّة. و انّ مقدمات الفعل (او الترك) جبرية كلّها.


    بقي هنالك أمر ينبغي الإشارة إليه ليكتمل البحث؛ و هو ان الأولوية العلية، حتى لو قبلناها جدلاً، فإنها غير اختيارية ايضاً. فإنّ الفعل لن يكون اختيارياً سواء أصَدَر عن اولويّة او ضرورة.


    خلاصة البحث:

    فتحصّل مما تقدّم: انّه ما مِن شيء في الوجود إلا و هو مسيّر، و ما من فعل إلا و هو موجَب، و ذلك لقاعدة الضرورة العلّية و المعلولية، و التي مفادها ان الشيء ما لم يجب لم يوجَد. و أفعال الإنسان الإرادية ليست مُستثناة من هذه القاعدة العقلية المسلّمة. و أمّا الإختيار و الحرية، فإنْ اُريدا مجازاً و اعتباراً، فبها؛ و إن قُصدا حقيقة، بمعنى أنهما مستثنيان من القاعدة و الوجوب (السابق عليهما، او اللاحق لهما)، فالعقل يمنعه.
    و قد رأينا كيف انّ جُل المحاولات تناولت الوجوب اللاحق و ركّزت عليه، و غفلت عن الوجوب السابق او أغفلته لعجزها عن معالجته.

    خلاصة الخلاصة:

    إنّ اختيار الإنسان حادث؛ و كل حادث موجَب بغيره. إذَن، اختيار الإنسان موجَب بغيره، و هذا خلاف الفرض.




    الجبر و العصمة

    يقول علي الميلاني في جواب مَن فَهم العصمة الجبرية لأهل البيت مِن كون الإرادة في آية التطهير إرادة تكوينية: «
    ويبقى سؤال: إذا كانت الارادة هذه تكوينيّة، فمعنى ذلك أن نلتزم بالجبر، وهذا لا يتناسب مع ما تذهب إليه الاماميّة من أنّه لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الامرين.
    وقد أجاب علماؤنا عن هذه الشبهة في كتبهم بما ملخصه:
    إنّ الله لمّا علم أنّ هؤلاء لا يفعلون إلاّ ما يؤمرون ، جاز له أن ينسب إلى نفسه إرادة إذهاب الرجس عنهم
    ».
    مختصراً من: http://www.aqaed.com/book/2/1.html#6

    يرد عليه: انّ نسبة هذه الإرادة الى الله إن كانت حقيقية، فإنها تثبت الجبر يقيناً. و إن كانت النسبة على نحو المجاز، فلا تفيد العصمة -و لا اي شيء آخر- بل يكون حالها حال الإرادة التشريعية الإعتبارية التي لا تسمن و لا تغني من جوع أبداً.

    التعديل الأخير تم بواسطة الجهباذ; الساعة 22-06-2017, 07:45 AM.

    تعليق


    • #3

      بسمه تعالى

      الاخ الكريم الجهباذ ، السلام عليكم


      اقتبس المطلع :

      لا اختيار و لا حُرّيّة، بل جبرٌ و علّيّة
      بحثٌ في إثبات الجبر الفلسفي (الحتمية)
      بقلم: الجهباذ
      الجبر و التفويض و ما يعبَّر عنه بالأمر بين الأمرين

      ------------------------------------------------------

      1- لعلكم تقصدون بدلا من ( الجبر والتفويض وما يعبر عنه بالامر بين الامرين ) هـــو كالاتي ( لا جبر ولا تفويض بل امر بين امرين ) .
      فهل هذا صحيح ام لا .

      2- الموضوع بحث فلسفي طويل ونقل جنابكم اراء لعدد من المتصدين لها وتعارضات بينهم . قد مررت عليها سريعا وهذا غير كافي بالطبع لطرح فلسفي مركز مع اصطلاحاته الخاصة التي تحتاج كل منها الى مقدمات وشروح لفهما ، فهل بالامكان توضيح رأيكم وفهمكم لجميع ما سبق بمخصر اقل طولا مما سبق ولكن مع توضيح ادلته ونتائجه بما يكفي استيعابه حيث لا استطيع ان ارى فهمكم ورايكم ودليلكم الخاص بوضوح .

      3- هذه النتيجة ( الفلسفية ) الجديدة التي توصلتم لها او تعتقدون بها ، هل يمكن استخراجها من القران او تطبيقها على مضامين آياته باعتبار القران هو الحق المبين والكتاب الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه او خلفه . وحتى يمكن الثقة بالنتيجة المستخلصة فلسفيا وكلاميا من خلال امكان وتحقق وجودها بما لا يقبل الشك وهو القران الكريم .

      هذه بعض الاسئلة والطلبات الاولية ان امكن ولنا عودة معكم اذا قدر الله

      الباحث الطائي
      التعديل الأخير تم بواسطة الباحث الطائي; الساعة 23-06-2017, 12:12 AM.
      لا إله إلا الله محمد رسول الله
      اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم
      الباحــ الطائي ـث

      تعليق


      • #4
        المشاركة الأصلية بواسطة الباحث الطائي مشاهدة المشاركة
        الاخ الكريم الجهباذ ، السلام عليكم
        و عليكم السلام اخي الفاضل.


        لعلكم تقصدون بدلا من ( الجبر والتفويض وما يعبر عنه بالامر بين الامرين ) هـــو كالاتي ( لا جبر ولا تفويض بل امر بين امرين ) .
        فهل هذا صحيح ام لا .
        بل قصدتُ ما كتبته انا، و البحث بأكمله هو لإبطال -إمكان- وجود أمر بين الأمرين.


        2- الموضوع بحث فلسفي طويل ونقل جنابكم اراء لعدد من المتصدين لها وتعارضات بينهم . قد مررت عليها سريعا وهذا غير كافي بالطبع لطرح فلسفي مركز مع اصطلاحاته الخاصة التي تحتاج كل منها الى مقدمات وشروح لفهما ، فهل بالامكان توضيح رأيكم وفهمكم لجميع ما سبق بمخصر اقل طولا مما سبق ولكن مع توضيح ادلته ونتائجه بما يكفي استيعابه حيث لا استطيع ان ارى فهمكم ورايكم ودليلكم الخاص بوضوح .
        اولاً: غالب ادلتي لا تختص بشخصي بل موجودة عند غيري. كما ان الجبر و الحتمية امران ثابتان و محسومان فلسفياً، و لا ينكرهما إلا اتباع الأديان، و ذلك لتبرير الجزاء الأخروي.

        ثانياً: البحث قصير لو اخرجت منه الاقتباسات، و من الصعب اختصاره اكثر من ذلك. كما اني وضعت خلاصة و خلاصة الخلاصة.


        3- هذه النتيجة ( الفلسفية ) الجديدة التي توصلتم لها او تعتقدون بها ، هل يمكن استخراجها من القران او تطبيقها على مضامين آياته باعتبار القران هو الحق المبين والكتاب الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه او خلفه . وحتى يمكن الثقة بالنتيجة المستخلصة فلسفيا وكلاميا من خلال امكان وتحقق وجودها بما لا يقبل الشك وهو القران الكريم .

        هذه بعض الاسئلة والطلبات الاولية ان امكن ولنا عودة معكم اذا قدر الله

        الباحث الطائي
        كما ذكرتُ، فهذه ليست نتيجة فلسفية جديدة، بل ان القول بالجبر و الحتمية موجود منذ آلاف السنين.

        سأذكر لكم بعض الآيات، ملفِتاً الى:

        1- ان اصول الإعتقاد لا تؤخذ من الشرع. فالإختيار شرط العدل، و العدل من الأصول.

        2- النصوص الشرعية متهافتة، حتى آيات القرآن، و لا يمكن التوفيق و الجمع بينها إلا بالتأويلات المكثفة و المغالطات.

        و اما بعض الآيات التي تثبت الجبر:

        (و ما تشاءون إلا ان يشاء الله رب العالمين) فمشيئة المرء للإيمان او الكفر
        ، و التقوى او الفسوق تابعة لمشيئة الله.
        (و ما كان لنفس ان تؤمن إلا بإذن الله) فالكافر معذور في كفره لأن الله لم يأذن له بالإيمان.

        و قد اجمع المسلمون على ان إرادة الله -و مشيئته و امره و اذنه- التكوينية لا تتخلف (انما امره اذا اراد شيئاً ان يقول له كن فيكون) و (و ما امرنا إلا واحدة كلمح بالبصر). و ذهب المسلمون ما عدا المعتزلة -و من تبعهم- الى ضرورة تعلق ارادة الله و مشيئته و امره و اذنه بكل ما يحصل في الوجود.


        و دمتم في خير.

        تعليق


        • #5



          بسمه تعالى

          الاخ الكريم الجهباذ السلام عليكم ،،،
          اذن يظهر لي عنوان طرحكم : ( الجبر و التفويض و ما يعبَّر عنه بالأمر بين الأمرين ) فيه كبير خطاء حسب الفهم والمقصد الامامي للقضية !
          لاننا كشيعة امامية اثني عشرية قال أئمتنا بانه ( لا جبر ولا تفويض ، بل امر بين امرين ) وهذا لما كان هناك طائفة تعتقد بالجبر واخرى تعتقد بالتفويض .
          وعنوانكم يجعل عبارة " بالامر بين الامرين " التي تعبر عن الجبر والتفويض خاطئة ، واذا كان فهمكم خاطئ فهذا ينسف اصل ما طرحت فيما يتعلق بمعتقدنا بخصوص هذه القضية وكيف نفهما ! فالامر بين الامرين عندنا لا هو جبر محض ولا هو تفويض محض ولا هو جمع بين الجبر والتفويض ، بل هو بينهما ( امر بين امرين ) !

          لذلك ( واولا ) عليك تعديل قول معتقد الامامية بالصيغة الصحيحة المعبر عنها والتي هي تختلف عنوانا وحقيقة عما ذكرت فهذه اساسية وتعدل ادلتك كلها بما يوافق حقيقة معتقد الشيعة لا ما ذكره جنابكم ، حتى نستطيع التعاطي معك كطرح وادلة موجه لنا

          مسألة اخرى ، وهو لا يظهر لي بالدقة ما هو 1- دينك 2- مذهبك ، الذي انت عليه ، فاذا تسمح ارجوا بيانها او على الاقل ارسلها لي على الخاص اذا تشعر بالاحراج او فيها خصوصية . لانه اريد ان اعرف المنطلق الديني عقيدتا ومذهبا التي وراء ما لديكم . بعد اعتقادك بتهافت ايات القران ! ولاني اريد تطبيق نتائج اعتقادك على ايات القران ونرى تستقيم ام لا .
          التعديل الأخير تم بواسطة الباحث الطائي; الساعة 23-06-2017, 09:16 AM.
          لا إله إلا الله محمد رسول الله
          اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم
          الباحــ الطائي ـث

          تعليق


          • #6
            المشاركة الأصلية بواسطة الباحث الطائي مشاهدة المشاركة
            الاخ الكريم الجهباذ السلام عليكم ،،،
            اذن يظهر لي عنوان طرحكم : ( الجبر و التفويض و ما يعبَّر عنه بالأمر بين الأمرين ) فيه كبير خطاء حسب الفهم والمقصد الامامي للقضية !
            لاننا كشيعة امامية اثني عشرية قال أئمتنا بانه ( لا جبر ولا تفويض ، بل امر بين امرين ) وهذا لما كان هناك طائفة تعتقد بالجبر واخرى تعتقد بالتفويض .
            وعنوانكم يجعل عبارة " بالامر بين الامرين " التي تعبر عن الجبر والتفويض خاطئة ، واذا كان فهمكم خاطئ فهذا ينسف اصل ما طرحت فيما يتعلق بمعتقدنا بخصوص هذه القضية وكيف نفهما ! فالامر بين الامرين عندنا لا هو جبر محض ولا هو تفويض محض ولا هو جمع بين الجبر والتفويض ، بل هو بينهما ( امر بين امرين ) !

            لذلك ( واولا ) عليك تعديل قول معتقد الامامية بالصيغة الصحيحة المعبر عنها والتي هي تختلف عنوانا وحقيقة عما ذكرت فهذه اساسية وتعدل ادلتك كلها بما يوافق حقيقة معتقد الشيعة لا ما ذكره جنابكم ، حتى نستطيع التعاطي معك كطرح وادلة موجه لنا
            و عليكم السلام اخي المكرم.

            البحث هو لدحض عقيدة الأمر بين الأمرين، و اثبات امتناعها عقلاً، انطلاقاً من استحالة رفع النقيضين (بعد اثبات ان الجبر و التفويض نقيضان).


            مسألة اخرى ، وهو لا يظهر لي بالدقة ما هو 1- دينك 2- مذهبك ، الذي انت عليه ، فاذا تسمح ارجوا بيانها او على الاقل ارسلها لي على الخاص اذا تشعر بالاحراج او فيها خصوصية . لانه اريد ان اعرف المنطلق الديني عقيدتا ومذهبا التي وراء ما لديكم . بعد اعتقادك بتهافت ايات القران ! ولاني اريد تطبيق نتائج اعتقادك على ايات القران ونرى تستقيم ام لا .
            معتقدي ليس مهماً. و لكن النصوص ليست حجة علَي، بل العقل.

            تعليق


            • #7
              اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين


              بعد اذن اخينا الفاضل الباحث الطائي يمسح لي بمداخله على محاوره

              اقول بدل كل هذه المقدمات الطويلة والعريضة التي تحمل الكثير من الادلة واقول العلماء كان يجدر بك ان تدخل مباشر وتقول لا اعتقد بوجود الله ولا اعتقد ان الله عادل ؟ وينتهي الامر ونناقشك في اثبات ذلك والسلام ...

              فالموضوع اعتقد اخذ منك وقتا طويلا لجمع الادلة والاراء وحتى لو اتيتناك بادلة اخرى ونصوص صريحة تثبت انه لاجبر ولاتفويض وانما امر بين امرين فماهي الفائدة وانت تنكر كلام الله فهل يصعب ان تنكر كلام دونه ؟.

              وعندي سؤال لو تفضلت باجابته في خصوص موضوعك كيف صار بهذا الشكل الذي يحوي الكثير من الادلة المطلولة هل صار صدفه ام انك كتبته بيدك؟ .
              ماذا وجد من فقدك، وما الذى فقد من وجدك،لقد خاب من رضي دونك بدلا

              تعليق


              • #8
                أنا أقول لك أيها الطائي عن معتقده إإإإإإإإإإإإإإنه ملحـــــــــــــــد ويدعي انه كان شيعياً لثلاثين سنة ثم أهتدى هههه فإصبح ملحداً
                صن النفس وأحملها على ما يزينها---------تعش سالماً والقول فيك جميلٌ

                sigpic

                تعليق


                • #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة الصريح مشاهدة المشاركة
                  اقول بدل كل هذه المقدمات الطويلة والعريضة التي تحمل الكثير من الادلة واقول العلماء كان يجدر بك ان تدخل مباشر وتقول لا اعتقد بوجود الله ولا اعتقد ان الله عادل ؟ وينتهي الامر ونناقشك في اثبات ذلك والسلام ...
                  فالموضوع اعتقد اخذ منك وقتا طويلا لجمع الادلة والاراء وحتى لو اتيتناك بادلة اخرى ونصوص صريحة تثبت انه لاجبر ولاتفويض وانما امر بين امرين فماهي الفائدة وانت تنكر كلام الله فهل يصعب ان تنكر كلام دونه ؟. وعندي سؤال لو تفضلت باجابته في خصوص موضوعك كيف صار بهذا الشكل الذي يحوي الكثير من الادلة المطلولة هل صار صدفه ام انك كتبته بيدك؟ .
                  كوني لا التزم بالنص لا يعني ان تفرض علَي ما اناقشه من العقائد الأساسية. فإثبات الجبر يسقط العدل، و هو بدوره يسقط -حجية- النبوة و الإمامة و المعاد. كل ذلك بضربة واحدة. فهل تبقى
                  بعد ذلك اهمية لوجود خالق او عدمه؟ هذا السؤال للعلماء و ليس لجنابك. كما ينبغي التمييز بين الصدفة و العبثية.

                  و تحياتي
                  التعديل الأخير تم بواسطة الجهباذ; الساعة 23-06-2017, 04:03 PM.

                  تعليق


                  • #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة الجهباذ مشاهدة المشاركة

                    كوني لا التزم بالنص لا يعني ان تفرض علَي ما اناقشه من العقائد الأساسية. فإثبات الجبر يسقط العدل، و هو بدوره يسقط -حجية- النبوة و الإمامة و المعاد. كل ذلك بضربة واحدة. فهل تبقى
                    بعد ذلك اهمية لوجود خالق او عدمه؟ هذا السؤال للعلماء و ليس لجنابك. كما ينبغي التمييز بين الصدفة و العبثية.

                    و تحياتي

                    الجهباذ مجرد سؤال جعلك تناقض نفسك بالاول تقول انا لدي اشكلات عقلية وليس من عامة الناس وتزعم ان اسلوبك عقلي ...
                    وسألتك سؤال بسيط جدا فلماذا نرى هذه الردة الحادة من جنابك وهي تنافي اسلوب العقلاء

                    اخي المكرم اسلوب اللف والدوران معيب عقلاً
                    وهذا مافعلته في موضوعك وكان بامكانك تدخل مباشر وتحاور بوجود الله تعالى لان غاية موضوعك يريد الوصول الى هذه النقطة تحديداً


                    ووصفك الاخرين بالجهلاء ايضا معيب عقلاً مالم يكن لديك استقراء كامل لمعارفهم

                    ويمكنني ردك باسلوب ليس عقلائي لكن لا افعل لاني احترم المقابل اياً كان معتقده ولكن تحاول تغير الحوار فراراً من الاجابه .
                    على اي حال سوف نرى من هو صاحب العقل ومن منا الذي ينكر البديهيات العقلية

                    تكرماً ماهو الفرق بين العبثية والصدفة تفضل

                    ماذا وجد من فقدك، وما الذى فقد من وجدك،لقد خاب من رضي دونك بدلا

                    تعليق

                    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                    حفظ-تلقائي
                    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                    x
                    يعمل...
                    X