إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

منشأ الهموم والغموم ووسائل تفريجها في نظر الإمام الحسين عليه السلام

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • منشأ الهموم والغموم ووسائل تفريجها في نظر الإمام الحسين عليه السلام

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
    للهموم من أثر كبير على النفس والقلب والإيمان،ومالها من انعكاسات على سلوك وأخلاق وتصرفات الإنسان المصاب بالهم، فغالبا ما تجعل هذه الهموم الإنسان على غير طبيعته المعهودة، وقد تخرجه تلك الهموم والغموم في كثير من الأحيان عن الانضباط فيتصرف بما لا يليق به وبأسرته.
    ولذلك: ينبغي التوقف أولا عند معنى الهم والغم ثم ننظر كيف انتهج المولى أبو عبد الله عليه السلام منهجا جديدا في معالجة الهموم والغموم، وما هي نظريته في منشأ الهموم وعوامل تفريجها.
    يقول عليه الصلاة والسلام: «كم من همٍ يضعف فيه الفؤاد، وتقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك عمن سواك فكشفته وفرجته فأنت ولي كل نعمة ومنتهى كل رغبة». (تاريخ الطبري: ج4، ص231).
    وللإحاطة بجميع جوانب البحث نطرق المسائل الآتية:

    المسألة الاولى: ما هو (الهم) و(الغم)؟ وبم يختلفان
    يقول اللغويون: (الهم) هو الحزن .(راجع الصحاح، الجوهري: ج2، ص278).

    و(الغم) هو الكرب. (راجع تاج العروس، الزبيدي: ج17، ص522).
    في حين يعطي القرآن الكريم معنى دلاليا آخر يشير إلى وجود فرق مهم بينهما مع اتحادهما في الأثر النازل على القلب.
    فالحزن والكرب أو الهم والغم شعوران وجدانيان يلقيان بثقليهما على القلب فيصاب بالكدورة والانقباض، ناهيك عن تعثر البال وتزلزل الخاطر. والآيات الكريمة كثيرة في هذا الصدد فعلى سبيل الاستشهاد لبيان المعنى، قال تعالى في سورة طه (الآية:40): {وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ} وهو إشارة إلى نبي الله موسى الكليم عليه السلام.
    وقال تعالى في سورة الأنبياء (الآية: 88): {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}، وهو نبي الله يونس عليه السلام صاحب الحوت.
    والآيتان الكريمتان تدلان على وقوع أمر معين لكل من نبي الله موسى ويونس عليهما السلام، فتسبب هذا الأمر الواقع عليهما بالغم.

    بمعنى آخر: إن الغم لا يكون إلا عند نزول أمر معين ووقوع فعل يسوء صاحبه فيصاب بالغم، فنبي الله موسى عليه السلام حينما قتل نفسا أصيب بالغم، ويونس عليه السلام حينما ترك قومه وذهب مغاضبا التقمه الحوت فكان في ظلمات ثلاث فأصابه الغم بسبب هذا الأمر الواقع.
    أما الهم فهو عكس الغم من حيث الوقوع والأثر النفسي، أي: أن الهم لا يكون إلا بتوقع وقوع أمرٍ سيء أو أن الإنسان ينبئ بحدوث أمرٍ سيء؛ كمن أخبره الطبيب بأن هناك وباءٌ سوف يحل بالمدينة أو أنه حينما يبلغ العشرين ستسوء حالته الصحية، أو كمن أراد السفر فيقال له: أن الطريق معرض للصوص وغيرها.
    إذن: الغم هو ما يصيب القلب من انقباض وكدورة نتيجة أمرٍ واقع، والهم هو ما يصيب القلب من الحزن، والذهن من القلق.

    المسألة الثانية: إجتماع الهم والغم في بعض الأحيان فيكونان (المصيبة)
    حينما خلق الله تعالى الحياة الدنيا جعلها محفوفة بالبلايا والمكاره مما يجعل البلاء يتفاوت في مراتب الشدة ويتنوع في مجاريه الحياتية، فمرة يصيب العافية، ومرة يصيب المال، وأخرى الولد وأخرى الإيمان ــ نعوذ بالله ــ من مواطن الابتلاء بالإيمان.
    وقد أشار القرآن إلى كثير من هذه الابتلاءات وبين آثارها على الإنسان ونبه إلى طريقة التعامل معها ونهى عن الانزلاق في نتائجها كالجزع والتقصير والكفر وغيرها.
    وفي نفس الوقت أشار القرآن الكريم إلى منزلة الفائز في هذه الابتلاءات لدرجة أنه خصهم بصلاة الرحمن جلت قدرته لاسيما في مواطن المصيبة والتي كما أسلفنا تتكون من اجتماع الهم والغم في منزل واحد، قال تعالى في سورة البقرة (الآيتان: 156، 157):{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ *أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}، ولشدة ما يصيب القلب من الانقباض والكدورة وانحصار الدم فيه استحق أصحاب المصائب هذه الرتبة.

    أما اختلاف أنواع الابتلاءات فقد دل عليها قوله تعالى في سورة البقرة (الآية155): {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }.
    إذن: فقد تجتمع على الإنسان في مرحلة من مراحل حياته ابتلاءات يكون فيها الهم والغم قرينين وهو ما أشار إليه الإمام الحسين عليه السلام في دعائه.
    والإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء قد جعل للهم دلالتين وللغم دلالتين في دعاءه.
    أما الهم فقد دل عليه بقوله: «كم من همٍ يضعف فيه الفؤاد، وتقل فيه الحيلة» وهذا كاشف عن أمرٍ لم يقع وإنما سيقع مستقبلا وكلما كانت القرائن على قرب وقوع البلاء كلما كان الهم أعظم، ووفقا لذلك فقد جعل الإمام الحسين للهم علامتين وهما:
    1ــ ضعف الفؤاد.
    2ــ قلة الحيلة.
    وقد دل عليه أي على الغم بعلامتين وهما:
    1ــ يخذل فيه الصديق
    ولا يخذل الصديق إلا عند ملاحظته وملامسته لوقوع البلاء فيخذل صاحبه عندها.
    2ــ ويشمت فيه العدو
    ولا يشمت العدو إلا بوقوع مكروه في خصمه. فكلتا الحالتين ــ أي خذلان الصديق وشماتة العدو ــ لا تحصل إلا عند وقوع البلاء، فيخذل الأول ويشمت الثاني، وكلاهما من حيث حجم البلاء النازل به عليه السلام واحد، أي يصبح الصديق الخاذل والعدو الشامت في رتبة واحدة من البلاء، مما يزيد في غم المؤمن.
    فأين يكون المخرج عند اجتماع الهم والغم؟.
    هذا ما يجيب عليه الإمام الحسين عليه السلام بقوله: «أنزلته بك، وشكوته إليك، رغبة مني إليك عمن سواك».
    وهذه حالة خاصة بسيد الشهداء عليه السلام؛ إذ في الغالب يلجأ الإنسان في المصائب إلى الأهل والأخوان وينسى لعظم مصيبته اللجوء إلى الله تعالى فيلتمس من المخلوق قبل أن يلتمس من الخالق.

    لكن الإمام الحسين عليه السلام يبدأ من الله تعالى وإليه يعود فلا ينزل هذه المصيبة إلا في حضرة قدسه ولا يشكو همه وغمه إلا إلى الله تعالى، وهذا يكشف عن حجم البلاء النازل به فهو بين هم ما ستوقعه الحرب من البلاء على أبنائه وعياله وأصحابه وأطفاله وبناته، وبين الغم الذي يكشف عن يقينه بما سيحل به وبأهل بيته، وهذه من خواصه الفريدة؛ إذ الداخل إلى الحرب لا يصيبه الغم وإنما الهم لأنه غير متيقن مما سيحل به فقد لا يصيبه مكروه ويعود إلى أهله سالما غانما ولذا فهو مهموم تحسبا من وقوع أذى.
    بينما سيد الشهداء عليه السلام كانت نتائج الحرب كلها حاضرة أمام عينيه، بل أينما وقع نظره رأى ما يدور في هذا المكان أو ذاك من حوادث.
    ولذلك لم يصب أحد من أولياء الله بمثل ما أصيب به حتى الأنبياء عليهم السلام فهم في حالة الهم في نزول البلاء وليس الغم لأنهم يرجون دفع البلاء عنهم في جميع لحظات الحرب أو البلاء، قال تعالى في سورة يوسف (الآية: 110): {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ }.
    في حين كان سيد الشهداء عليه السلام موقناً لا محالة بما سيحل به مفوضا أمره إلى الله تعالى، لأنه مأمور بالذهاب إلى هذا البلاء وتلقيه بنفس راضية مطمئنة ولطالما بيّن ذلك في يوم عاشوراء حيث قال: «هون ما نزل بي أنه بعين الله» (الانتصار، العاملي: ج9، ص62).

    المسألة الثالثة: علاقة الهم بالفؤاد
    غالبا ما نجد الدلالة اللفظية بين أهل اللغة والقرآن مختلفة، فدلالة الفؤاد عند اللغويين هي القلب، وقيل: وسطه، وقيل: غشاء القلب، والقلب حبته وسويداؤه (لسان العرب لابن منظور: ج3، ص329).
    والدلالة اللفظية للفؤاد في القرآن: هي الفكر (تفسير الميزان، محمد حسين الطباطبائي: ج12، ص312)، قال تعالى في سورة النجم (الآية: 11): {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}.
    وقال تعالى في سورة النحل (الآية: 78): {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }.
    قال العلامة الطباطبائي قدس سره: (ــ والآية تشير ــ إلى مبادئ العلم الذي أنعم بها على الإنسان فمبدأ التصور هو الحس والعمدة فيه السمع والبصر، وإن كان هناك غيرهما من اللمس والذوق والشم ومبدأ الفكر هو الفؤاد) (تفسير الميزان، محمد حسين الطباطبائي: ج12، ص312).
    ومن هنا أراد الإمام أبو عبد الله عليه السلام أن يظهر للناس العلاقة بين الفؤاد ــ الذي عرفته عنه الآية بأنه الفكر ــ وبين الهموم التي تضعف هذا الفكر، أي الفؤاد.
    أما كيف يتم ذلك؟ فمن خلال انشغال فكر الإنسان بهذا البلاء يضعف فؤاده وينسى ذكر الله تعالى، ويرى أن مصيبته ليس لها مثيل وأنه ابتلي بما لم يُبتلَ به غيره، وكلما ازداد البلاء وعظم أمره كلما كانت النتيجة عكسية على الفكر وانشغاله وتشتت البال وشروده.

    في حين يعيد الإمام عليه السلام الفؤاد إلى جادة الطريق ويرجعه إلى موطنه ومهده حينما أنزله من منزل الانشغال والاضطراب إلى منزل الأنس والطمأنينة، فقال عليه السلام: «أنزلته بك وشكوته إليك»، أي حينما يكون الدافع في الشكوى إلى الله تعالى في نزول البلاء وتعاظمه على الإنسان، هو الرغبة إلى الله تعالى عمن سواه من الخلق فالنتيجة حتما ستكون: «فكشفته وفرجته».
    وهذا يكشف عن أمرين:
    أحدهما: أن الإنسان في الشدائد والكروب والخوف والحزن يفزع إلى الأقرب والأحب لديه دون أن يدرك ذلك، ولا غرابة في هذا، لان هذا الشعور متمركز في اللاوعي لاسيما وأن الإنسان في المراحل الأولى من عمره يلجأ إلى الأم ومن ثم إلى الأب أو الزوجة أو الزوج أو إلى الأخ، وحتى في الالتجاء إلى الأخوان نرى أن البعض من حيث اللاوعي أو اللاشعور يذهب إلى الأحب إلى قلبه منهم وهذا في لحظات ورود الشدة، أما في حالة الاستقرار فقد يبحث الإنسان في هذه الحالة بوعي عن الأكفأ والآنس لحل مشكلته.
    في حين نرى الإمام الحسين عليه السلام يفزع في كل كرب وشدة وهمّ ــ وهو الذي يضعف معه الفؤاد ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو ــ إلى الله تعالى رغبة منه عمن سواه، وإن هذه الرغبة من صميم الفؤاد ــ أي الفكر ــ.
    وهذا يعني: أنه عليه السلام قد فزع والتجأ وشكا إلى الأقرب والأحب إلى قلبه لأن الرغبة أحد مصاديق الحب وهي شعور وجداني إنساني ينبعث من القلب فيحرك المشاعر نحو المقصد وهو الله تعالى.
    والأمر الآخر: هو الخلوص في التوحيد لله تعالى، بمعنى لم يكن في قلبه من هو أحب إليه من الله تعالى وأن جميع المتعلقات الدنيوية من الأبناء والأخوان والوالدين والأقرباء والأصحاب والمال وغير ذلك، كل هذه المتعلقات الدنيوية لم تكن تنال الشراكة في قلبه وحبه لله تعالى، وإلا لكان قد شكا هذا الهم إلى أحد أولئك.

    المسألة الرابعة: عوامل دفع الهموم والغموم
    يتناول المولى أبو عبد الله الحسين عليه السلام في هذا المورد من دعائه عوامل دفع جميع الهموم والغموم، وهي كالآتي:
    1ــ قوة الفؤاد
    2ــ توفر الحيلة
    3ــ وقوف الصديق ومساندته
    4ــ فقدان العدو
    5ــ الشكوى إلى الله تعالى
    6ــ اليقين بالفرج
    فهذه العوامل التي تناولها الإمام في دعائه قد تكون في بعض الأحيان سبب من أسباب الهم والغم، لكنها وفي أحيان أخرى يمكن أن تعد عوامل لدفع جميع أنواع الهموم والغموم.
    فـ(قوة الفؤاد):
    تدفع الهم من مد أنيابه ومخالبه إلى الفكر فتمنع تشتته، بل تعطي نتيجة عكسية، بمعنى: يصبح الإنسان واعياً ومدركا وعارفا بمخارج هذه الأزمة أو تلك الشدة، فينجو من هذا الكرب وهذه الشدة.
    و(توفر الحيلة): هي الأخرى تدفع بالهموم، لأن الهم هو ما يؤدي إلى فقدان الحيلة، بسبب تشتت الفكر أو بسبب تحقق وقوع البلاء، فيرى الإنسان نفسه لا محالة مصيبه هذا البلاء، ومثاله كمن أحاط بداره اللصوص وهو لا يملك ما يدفع به عن نفسه فيبقى محتاراً لا يدري ماذا يصنع، فإذا توفرت لديه الحيلة أي السبيل للخروج والنجاة أو دفع هذه الشدة، انكشف غمه وفرج همه.
    و(وقوف الصديق ومساندته):
    فمما لا شك فيه أن حضور الصديق ووقوفه في الشدائد يدفع بقسم كبير من الهموم، وإذا قام الصديق بخذلان صديقه يتضاعف الهم على الإنسان لأنه يولد في نفسه الشعور بالوحدة ويتعاظم عنده الإحساس بالخسارة من خلال انكشاف حقيقة هذا الصديق.
    ولذلك: كان أئمة أهل البيت عليهم السلام يوجهون المؤمنين إلى خطورة اتخاذ المرء صديقا لما يترتب على صحبته من فوائد وأضرار، فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:«لا تكون الصداقة إلا بحدودها فمن كانت في هذه الحدود أو شيء منها فأنسبه إلى الصداقة، ومن لم يكن فيه شيء منها فلا تنسبه إلى شيء من الصداقة.
    فأولها: أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة.
    والثانية: أن يرى زينك زينه وشينك شينه.
    والثالثة: أن لا تغيره عليك ولاية ولا مال.
    والرابعة: أن لا يمنعك شيئا تناله مقدرته.
    والخامسة: وهي تجمع هذه الخصال أن لا يسلمك عند النكبات» (الكافي للشيخ الكليني رحمه الله: ج2، ص639، ح6).
    وروي عن علي أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في ثلاث: في نكبته، وفي غيبته، وفي وفاته» (نهج البلاغة ص33).

    وأما (فقدان العدو)
    فهو كذلك من العوامل التي تؤدي إلى كشف الهموم، بمعنى: إذا وجد العدو وحلّ البلاء بالإنسان فإن من الأمور التي يتحسب لها المرء هي شماتة العدو حتى قد ينسيه هذا الأمر أصل البلاء الذي أصابه لما تخلفه الشماتة على الإنسان من آثار نفسية كبيرة.
    ومعنى الشماتة: هي فرح العدو بما يصيب الإنسان من مصيبة، وإظهار الشماتة: إظهار للفرح والسرور والبشاشة والضحك عند المصائب، وبالقول مثل الهزء والسخرية به.
    وقد نهى أئمة العترة عليهم السلام عن إبداء الشماتة لما يترتب على صاحب المصيبة من آلام نفسية كبيرة، وتعاظم للخصومة والعداوة، ومما ورد عن أئمة العترة عليهم السلام من الأحاديث الشريفة في بيان خطورة الشماتة على العلاقة الاجتماعية وتكون الأمراض النفسية، ما يلي:
    1ــ فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: «من شمت بمصيبة نزلت بأخيه لم يخرج من الدنيا حتى يفتتن» (الكافي للشيخ الكليني كتاب الإيمان والكفر، باب الشماتة، ج2، ص359).
    2ــ وعنه عليه السلام أيضا أنه قال: «لا تبدِ الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويصيرها بك» (نفس المصدر السابق).
    وأما (الشكوى إلى الله تعالى)
    فهي من أهم العوامل التي تعمل على تفريج الهموم لأنها تعيد القلب إلى وضعه الطبيعي وهو أشبه ما يكون بإرجاع السمكة إلى النهر، أو إعادة الطفل الرضيع إلى محالب أمه، وكذلك قلب الإنسان فإنه بالرجوع إلى الله تعالى وشكاية الهموم إليه يتحقق له الاستقرار والطمأنينة، لقوله تعالى في سورة الرعد ( الآية 28): { أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
    بل يبين أهل البيت عليهم السلام من خلال المناجاة أن الشكوى إلى الله تعالى لا تعطي فقط الاطمئنان وتفريج الهموم وإنما تخلف حلاوة خاصة في القلب، أي يتغير حال الإنسان من الشعور بالوحدة والغربة وأن لا ملجأ ولا ناصر ولا معين له، إلى الشعور بالأنس والحصانة والقوة والنصرة؛ فينتقل من تشتت الفكرة واضطراب القلب إلى حسن التدبير والسكينة.
    بل: ينقلب الحال به تماما فيصبح مسروراً، ثم متلذذا بهذا البلاء؛ لأنه من فعل الحبيب وهو يحقق للقلب التواصل في الشكوى، وهو ما أظهره الإمام الحسين عليه السلام فقال: «رغبة مني عمن سواك».
    هذه الرغبة التي أصلها الحب ستظهر بتجلياتها عليه حينما يباشر البلاء فعله عليه. ولذلك كان وجهه يتلألأ كلما اشتد به البلاء، أي كان وجهه المقدس مرآة تعكس التجليات التي تصحب عروجه إلى حظيرة القدس الإلهية ونزول الفيوضات الربانية.
    حتى إذا كان على رمضاء كربلاء وأوداجه تشخب دما ينتقل عليه السلام في هذه اللحظات إلى رتبة من المناجاة التي لم يبلغها ولي من الأولياء.
    ولذا: فقد حملت هذه المناجاة بيانا لمراتب التوحيد ودرجات اليقين ومنازل الحب ما لم تحملها مناجاة أخرى، وهي بذاك تكون كاشفة عن هذا السير الحسيني إلى الله تعالى.

    إذن: فنظريته عليه السلام في دفع الهموم وتفريجها تستند إلى ستة عوامل، وهي: (قوة الفؤاد، وتوفر الحيلة، ووقوف الصديق، وفقدان العدو، والشكوى إلى الله تعالى، واليقين بالفرج وهو سنام العوامل) فمن لا يمتلك اليقين بالفرج لم تنفعه العوامل المتقدمة في إزالة الآثار التي توجدها الهموم في القلب والفؤاد، أي فكر الإنسان، فكم من شدة بقيت آثارها النفسية والعقلية والروحية إلى سنين عديدة مع توفر بعض تلك العوامل وافتقادها إلى التعيين بأن الله المفرج لكل هم والكاشف لكل كرب وشدة، بل لا ينتفع المبتلى بالشكوى إلى الله تعالى لكونه غير موقن بأن الله تعالى يفرج عنه.

  • #2
    الأخت الكريمة
    ( عطر الولاية )

    طرحت فأبدعت

    دمت ودام عطائك

    ودائما بأنتظار جديدك الشيق


    ولولا أبو طالب وأبنه * لما مثل الدين شخصا وقاما
    فذاك بمكة آوى وحامى * وهذا بيثرب جس الحماما

    فلله ذا فاتحا للهدى * ولله ذا للمعالي ختاما
    وما ضر مجد أبي طالب * جهول لغا أو بصير تعامى
    كما لا يضر إياب الصبا * ح من ظن ضوء النهار الظلاما

    [/CENTER]

    تعليق


    • #3

      بسم الله الرحمن الرحيم
      اللهم صل على محمد و آل محمد
      الطيبين الطاهرين الأشراف و عجل فرجهم يا كريم

      حيا الله مروركم الكريم وفقكم الله لكل خير
      وسداد خطاكم ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
      x
      يعمل...
      X