اللهم صل على محمد وآل محمد
إنّ الحديث المتواتر بين الفريقين عن النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : " إنّ أُمّتي ستفترق بعدي على ثلاث و سبعين فرقة ، فرقة منها ناجية و اثنتان و سبعون في النار " 1 يلزم الباحث المسلم الطالب للنجاة الأُخروية الفحص عن خصوص تلك الفرقة الناجية ، و التمسّك بها دون بقية فرق المسلمين ; لأنّ مؤدّى الحديث النبوي أنّ الاختلاف الواقع ليس في دائرة الظنون و الاجتهاد المشروع ، بل هو في دائرة الأُصول و الأركان من الأُمور القطعية و اليقينية ، أي ممّا قام الدليل القطعي و اليقيني عليها ، و إن لم تكن ضرورية في زمن أو أزمان معيّنة نتيجة التشويش أو التعتيم الذي تقوم به الفرق الأُخرى .
و الحديث ـ مضافاً إلى كونه ملحمة نبوية ـ يحدّد معالم الوحدة التي يجب أن تقيمها الأُمّة الإسلامية بأن تكون على منهاج الحقّ و الهدى الذي تسير عليه الفرقة الناجية ، و إنّ الأُمّة و إن اشتركت في الإقرار بالشهادتين و الانتماء إلى الملّة الواحدة إلاّ أنّ ذلك لا يعدو الأحكام بحسب ظاهر الإسلام في النشأة الدنيوية ، إلاّ أنّها مفترقة بحسب واقع الإسلام و الإيمان الذي به النجاة الأُخروية ; فهناك ديانة بحسب إقرار اللسان تترتّب عليها أحكام المواطنة في النظام الاجتماعي السياسي ، و هناك ديانة بحسب القلب و الأعمال تترتّب عليها أحكام الآخرة من النجاة من النار و إعطاء الثواب .
و هذه الأُمور المستفادة من الحديث الشريف المتواتر إنّما هي بلحاظ الإنسان البالغ العاقل المكلّف ، الذي قد اجتمعت فيه شرائط التكليف ، أمّا الصبي و المجنون و الجاهل القاصر أو المعتوه أو الأبله و حديث العهد بالإسلام و نحوهم ممّن لم تقم عليه الحجّة و تتمّ شرائط التكليف لديه ، فهم معذورون ، و عاقبة المعذور ـ كما سيأتي ـ موقوفة على المشيئة الإلهية الأُخروية ، التي فُسّرت في الروايات بإقامة امتحان إلهي له يوم القيامة إن أطاع فيه نجا و إن عصى هلك .
و قد أُطلق على أفراد المعذور في الكتاب و السُـنّة عدّة تسميات ، كـ : ﴿ ... الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ﴾ 2 ، و ﴿ ... مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ ... ﴾ 3 ، و ﴿ ... أَصْحَابُ الأَعْرَافِ ... ﴾ 4 ، و الّذين ﴿ ... خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا ... ﴾ 5 ، و ﴿ ... وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ... ﴾ 6 ، و أُطلق عليهم أيضاً : " الضلاّل " ، بمعنى : الضالّ " القاصر " ; إذ هذا أحد معانيه ، و إلاّ فهو يطلق على " المقصّر " المخلّد في النار أيضاً . .
لذلك لا مفرّ لهذا الإنسان ـ المكلّف المختار ـ و لا مخلص و لا نجاة له إلاّ بالفحص عن الفرقة الناجية من فرق المسلمين ، و ليس له أن يتعامى عن عمد و يسلك طريق الضلال و الغواية و يرجو مع ذلك النجاة ، كما أنّ البحث الجادّ بين فرق المسلمين في إطار الوحدة لا بُدّ أن يُتحرّى فيه ـ بمقتضى الحديث الشريف و التوصية النبوية ـ عن الحقّ الذي تسلكه الفرقة الناجية لكي تتّبعها بقيّة الفرق ، فإنّ منهاج الهدى لا يرسم بضلال القاصر المستضعف .
و لكي تتمّ الفائدة من هذا الحديث المتواتر ـ حديث الفرقة الناجية ـ الذي أقرّت بمضمونه جلّ فرق المسلمين ، نذكر بعض النقاط التالية :
الأُولى
إنّ الكلام في النجاة في الحديث الشريف هو بحسب الاستحقاق و الامتثال ، لا بحسب الشفاعة و الشفقة الإلهية و الرحمة الواسعة ، أي بحسب ما يلزمه حكم العقل باتّباع الأدلّة و البراهين الشرعية و العقلية الأولية ، فإنّ العقل يوجب التجنّب عن التعرّض للسخط الإلهي و احتمال العقوبة الأُخروية ، و إن لم يكن بين استحقاق العقوبة و وقوعها تلازم ; لاحتمال الشفاعة و نحوها ، فإنّ التعرّض لمثل العقوبة الأُخروية التي أشفقت منها السماوات و الأرض يعدّ من الإلقاء في الهلكة ، هذا فضلا عن الأصناف الأُخرى لحكم العقل من وجوب شكر المنعم و قبح التمرّد و الطغيان على المولى ، و غيرها من أنماط حكم العقل و الفطرة .
الثانية
إنّ المقصود من النجاة في الحديث الشريف هو النجاة من الدخول في النار و من ذوق حريق العذاب ، لا في النجاة من الخلود فيها و من دوام العذاب ; فإنّ آراء المتكلّمين تكاد تتّفق أنّ الخلود للجاحدين و أهل العناد ، سواء كان الجحود في توحيد الذات أو الصفات ، أو في التشريع و الرسالة ، أو في الولاية والإمامة ، أو في الغاية و المعاد ، و نحوها من أُصول الاعتقاد . .
و بعبارة أُخرى : إنّ مفاد الحديث في دخول الجنّة عند الحساب و الميزان ، لا في دخول الجنّة بعد أحقاب من العذاب في النار .
الثالثة
إنّ معذورية أفراد المعذور ـ كما يأتي ـ لا يعني تنجّز نجاته بل هي مرهونة بالمشيئة الإلهية ، و التي فُسّرت في عدّة من الأخبار بالامتحان ، كما لا يعني أنّ مسار هؤلاء هو طريق هدى بل مفروض العذرية تخبّط المعذور في الضلال و الغواية ، فلا تلازم بين العذرية والأمان و لا بينها و بين ضمان النجاة ، و لا بينها و بين اتّخاذ خطأ و ضلال المعذور منهاجاً يتبجّح به . و سيأتي أنّ في الروايات ما يدلّ على أنّه يبيّن الحقّ لأفراد المعذور في امتحان يوم القيامة .
الرابعة
إنّ هناك جملة من الآيات و الأحاديث النبوية المستفيضة و المتواترة الأُخرى الدالّة على مفاد حديث الفرقة الناجية نفسه ، لكن بألفاظ مختلفة و دلالات متعدّدة التزامية و مطابقية . .
منها : " مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية " 7 ; و في بعض الطرق : " و ليس في عنقه بيعه لإمام زمانه " 8 ، و نحو ذلك .
و منها : "مثل أهل بيتي كسـفينة نوح ، مَن ركبها نجا ومَن تركها هلك " 9 .
و منها : ذيل حديث الثقلين ; و مفهومه : " ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا أبداً " .
و غيرها من الأحاديث النبوية الواردة في عليّ ( عليه السلام ) و أهل بيته .
الخامسة
قد وردت جملة من الروايات المستفيضة في امتحان أقسام المعذور يوم القيامة ، منها : صحيحة هشام ; عن أبي عبـد الله (عليه السلام) : سُئل عمّن مات في الفترة ـ أي في زمان انقطاع الرسل و غياب الحجّة ـ و عمّن لم يدرك الحنث ـ أي البلوغ ـ و المعتوه ، فقال : " يحتجّ الله عليهم يرفع لهم ناراً فيقول لهم : ادخلوها ، فمَن دخلها كانت عليه برداً و سلاماً ، و من أبى قال : ها أنتم قد أمرتكم فعصيتموني " 10 .
و في صحـيحة أُخرى قال ( عليه السلام ) : " ثلاثة يحتجّ عليهم : الأبكم ، و الطفل ، و من مات في الفترة ، فيرفع لهم نار فيقال لهم : ادخلوها ، فمَن دخلها كانت عليه برداً و سلاماً ، و مَن أبى قال تبارك و تعالى : هذا قد أمرتكم فعصيتموني " 11 .
و في بعض الروايات : " إنّ أولاد المشركين خدم أهل الجنّة " 12 .
و منها : صحـيح زرارة ; قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) : هل سئل رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) عن الأطفال ؟ فقال : " قد سئل فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين " . .
ثمّ قال : " يا زرارة ! هل تدري ما قوله الله أعلم بما كانوا عاملين ؟! "
قلت : لا . قال : " لله عزّ و جلّ فيهم المشيئة ; إنّه إذا كان يوم القيامة أُتي بالأطفال ، و الشيخ الكبير الذي قد أدرك السن [ النبيّ ] ولم يعقل من الكبر و الخرف ، و الذي مات في الفترة بين النبيّين ، و المجنون ، و الأبله الذي لا يعقل ، فكلّ واحد يحتجّ على الله عزّ و جلّ ، فيبعث الله تعالى إليهم ملكاً من الملائكة و يؤجّج ناراً فيقول : إنّ ربّكم يأمركم أن تثبوا فيها . فمَن وثب فيها كانت عليه برداً و سلاماً ، و مَن عصاه سبق إلى النار " 13 .
و هناك جملة عديدة من الروايات ، فلاحظها في محالّها 14 ، كما أنّ هناك جملة أُخرى من الروايات دالّة على دخول أطفال المشركين مع آبائهم في النار ، لكنّها محمولة على عصيانهم في الامتحان .
و في رواية لزرارة ، قال : قال أبو جعفر ( عليه السلام ) ـ و أنا أُكلّمه في المستضعفين ـ : " أين ﴿ ... أَصْحَابُ الأَعْرَافِ ... ﴾ 4 ؟! أين المرجون لأمر الله ؟! أين الّذين ﴿ ... خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا ... ﴾ 5 ؟! أين ﴿ ... وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ... ﴾ 6 ؟! أين أهل تبيان الله ؟! أين ﴿ ... الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ﴾ 2 ؟! ﴿ فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾ 15 " 16 . .
و تعبـيره ( عليه السلام ) عـن أفراد المعـذورين بـ : " أهل تبيان الله " لعلّ المراد به أنّه يبيّن تعالى لهم الهدى من الضلال في الامتحان المقام لهم عند الحساب .
السادسة
هناك جملة أُخرى من الروايات يظهر منها دخول أفراد المعذور إلى الجنّة ، و لكنّها محمولة ومقيّدة بامتحانهم و طاعتهم فيه ، و من ثمّ نجاتهم ، كما تقدّم حمل جملة من الروايات الواردة في دخول أطفال المشركين النار على عصيانهم في الامتحان ; بمقتضى العديد من الروايات المستفيضـة المفصّلة المقيّدة لدخول الجنّة أو النار بالامتحان عند الحساب . .
منها : صحيح زرارة ; قال : دخلت أنا و حمران ـ أو : أنا و بكير ـ على أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : قلت له : إنّا نمدّ المطمار ؟ قال : " و ما المطمار ؟! " قلت : التُتر ، فمَن وافقنا من علوي أو غيره تولّيناه ، و مَن خالفنا من علوي أو غيره برئنا منه . .
فقال : " يا زرارة ! قول الله أصدق من قولك ; فأين الّذين قال الله عزّ و جلّ : ( إلاّ المستضعفينَ من الرجال والنساء . . . ) ؟! أين المرجون لأمر الله ؟! أين الّذين ( خلطوا عملا صالحاً وآخر سيئاً ) ؟! أين ( أصحاب الأعراف ) ؟! أين ( المؤلّفة قلوبهم ) . . . " .
و زاد فيه جميل ، عن زرارة : فلمّا كثر بيني و بينه الكلام قال : " يا زرارة ! حقّاً على الله أن [ لا ] يدخل الضلاّل الجنّة " 17 ; بناءً على نسخة بدون " لا " النافية . .
و في رواية العيّاشي : " يا زرارة! حقّاً على الله أن يدخلك الجنّة " 18 .
و صدر الرواية قد روي بطرق متعدّدة ، و موردها في الأصل أنّه ( عليه السلام ) سأل زرارة : " متأهّل أنت ؟! " ، فقال : لا . ثمّ ذكر زرارة أنّه لا يستحلّ نكاح هؤلاء فذكر ( عليه السلام ) أنّ المستضعفين لا زالوا على الولاء ، لا ولاء الإيمان بل ولاء ظاهر الإسلام من المناكحة و حلّية ذبيحتهم و . . . ففي رواية لحمران عنه ( عليه السلام ) : " هم من أهل الولاية . . . أما إنّها ليست بولاية في الدين و لكنّها الولاية في المناكحة و الموارثة و المخالطة ، و هم ليسوا بالمؤمنين و لا بالكفّار ، و هم المرجون لأمر الله عزّ و جلّ " 19 .
و الحاصل أنّ هذه الرواية و مثيلاتها محمولة على النجاة ـ و مقيّدة لها ـ بالطاعة عند الامتحان في الحساب مع تبيان الحقّ لهم و اختيارهم له ; لما مرّ من روايات مستفيضة دالّة على ذلك مضافاً إلى كون مثل هذه الروايات متعرّضة إلى أحكام الحياة الاجتماعية مع هؤلاء . .
و مثل هذا التقييد في صحيح ضريس الكناسي : عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : قلت له : جعلت فداك ، ما حال الموحّـديـن المقـرّين بنبوّة محمّـد ( صلى الله عليه و آله و سلم ) من المسلمين المذنبين ، الّذين يموتون و ليس لهم إمام و لا يعرفون ولايتكم ؟
فقال : " أمّا هؤلاء فإنّهم في حفرهم لا يخرجون منها ، فمَن كان له عمل صالح ولم يظهر منه عداوة فإنّه يخدّ له خدّاً إلى الجنّة التي خلقها الله بالمغرب ـ أي البرزخية لا الأُخروية ـ فيدخل عليه الروح في حفرته إلى يوم القيامة حتّى يلقى الله فيحاسبه بحسناته و سيئاته ، فإمّا إلى الجنّة و إمّا إلى النار ، فهؤلاء الموقوفون لأمر الله " . .
قال (عليه السلام) : " و كذلك يفعل بالمستضعفين ، و البله ، و الأطفال ، و أولاد المسلمين الّذين لم يبلغوا الحلم " . . الحديث 20 .
وذيل الرواية صريح في كون حالهم موقوفاً على المشيئة الإلهية ، التي قد فسرت في روايات عديدة بالامتحان ، وحاشا لعدله تعالى أن يدخِل النار بغير موجب .
و مثلها رواية الأعمش ، عن الصادق (عليه السلام) : " أصحاب الحدود فسّاق ، لا مؤمنون و لا كافرون ، و لا يخلدون في النار و يخرجون منها يوما ما ، و الشفاعة لهم جائزة ، و للمستضعفين إذا ارتضى الله دينهم " 21 .
و ذيل هذه الرواية دالّ على التمييز بين " أصحاب الحدود " و بين " المستضعفين " في كون " المستضعفين " لا تجوز لهم الشفاعة حتّى يرتضي الله تعالى دينهم ، أي حتّى يدينوا بالعقائد الحقّة فحينئذ يكونوا على حدّ فسّاق المؤمنين من صلاح العقيدة لكنّهم أساؤوا العمل ; فهي تدلّ على إقامة الامتحان للمستضعفين ، و أنّه بالدرجة الأُولى في تبيان العقائد و الإيمان الحقّ ، كما مرّ في بعض الروايات أنّهم من : " أهل تبيان الله " .
و من جـملة هذا النمط من الروايات : رواية الصباح بن سيابة ، عن أبي عبـد الله ( عليه السلام ) ، قال : " إنّ الرجل ليحبّكم وما يدري ما تقولون فيدخله الله الجنّة ، و إنّ الرجل ليبغضكم و ما يدري ما تقولون فيدخله النار " 22 .
و هذه الرواية تبيّن مدى أهمّية تولّي أولياء الله ، والهلاك في ترك ولايتهم ، و إنّ التولّي والتبرّي منشأه من الأُصول الاعتقادية .
و في بعض الروايات التقييد بمَن أحبّ الشيعة لحبّهم سيّدة نساء العالمين الزهراء فاطمة (عليها السلام) 23 .
و في بعض الروايات الأُخرى أنّ ذلك بعد شفاعة المؤمنين في مَن أحبّهم 24 .
و على أي تقدير ; ﴿ ... وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ... ﴾ 25 ، كما في الآية الكريمة ، و رضاه بارتضاء دينه ، كما مرّ في رواية الأعمش ، و فُسّر بذلك في روايات الشفاعة ، فيدلّ على أنّ الامتحان الذي يقام للمستضعفين و نحوهم من أفراد الضلاّل القاصرين هو في الديانة و اعتناق الإيمان الحقّ .
أمّا كون الشفاعة موردها مَن ارتضى دينه فيدلّ عليه قوله تعالى : ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ 26 .
و في آية أُخرى : ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ 26 ، و هو شامل للكفر ; لأنّه ضرب من الشرك .
و قد أُطلق الكفر على جحود ولاية خليفة الله في أرضه ، كما في إبليس لعنه الله ، فيعمّ ولاية عليّ ( عليه السلام ) و ولده ( عليهم السلام ) ، كما وردت بذلك روايات عديدة في ذيل الآيتين في تفسيري البرهان و نور الثقلين ، فلاحظها .
و قوله تعالى : ﴿ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ﴾ 27 .
و قوله تعالى : ﴿ يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ﴾ 28 ، أي : معتقده .
و كذا قوله تعالى : ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ 29 ، فالآية قيّدت المغفرة بالهداية إضافةً إلى الإيمان و العمل الصالح .
فالهداية هي للولاية ; كما عرّفت في آيات عديدة أنّ الهداية الصراطية للإيصال إلى المطلوب هي الولاية و الإمامة ، كما في : ﴿ ... إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ 30 ، و : ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ... ﴾ 31 ، و : ﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾ 32 ، و : ﴿ ... أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ 33 .
و قد وردت روايات مستفيضة في ذيل الآية في بيان ذلك براهيناً ، فلاحظ تفسير البرهان 34 و نور الثقلين 35 ; فمقتضى الآية كون الامتحان و التبيان لأهل الأعذار من الضلاّل مستعقب لهدايتهم بالطاعة .
و يدلّ عليه رواية الحسين بن خالد ، عن الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين ( عليهم السلام ) ، قال : " قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : مَن لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي ، و من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شـفاعتي " ، ثمّ قال ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : " إنّما شـفاعتي لأهل الكبائر من أُمّتي ، فأمّا المحسنون فما عليهم من سبيل " . .
قال الحسـين بن خالد : فقلت للرضا (عليه السلام) : يا بن رسول الله! فما معنى قول الله عزّ و جلّ : ﴿ ... وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ... ﴾ 25 ؟ قال : " لا يشفعون إلاّ لمَن ارتضى الله دينه " 36 .
و عمدة الباب ما في صحيحة ابن أبي عمير ; قال : سمعت موسى بن جعفر ( عليه السلام ) يقول : " لا يخلد الله في النار إلاّ أهل الكفر و الجحود ، و أهل الضلال و الشرك ، و من اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصغائر " ، ـ ثمّ ذكر ( عليه السلام ) أنّ الشفاعة لأهل الكبائر من المؤمنين ـ . .
قال ابن أبي عمير : فقلت له : يا بن رسول الله ! فكيف تكون الشفاعة لأهل الكبائر و الله تعالى يقول : ﴿ ... وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ 25 ، و مَن يركب الكبائر لا يكون مرتضىً ؟!
فقال : " يا أبا أحمد ! ما من مؤمن يرتكب ذنباً إلاّ ساءه ذلك و ندم عليه ، و قد قال النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : كفى بالندم توبةً . و قال : مَن سرّته حسنة و ساءته سيّئة فهو مؤمن ; فمَن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن ، ولم تجب له الشفاعة ، و كان ظالماً ، و الله تعالى يقول : ﴿ ... مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ 37 " .
فقلت له : يا بن رسول الله ! و كيف لا يكون مؤمناً مَن لم يندم على ذنب يرتكبه ؟!
فقال : " يا أبا أحمد! ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي و هو يعلم أنّه سيعاقب عليها إلاّ نـدم على ما ارتكب ، و متى ندم كان تائباً مستحقّاً للشفاعة ، و متى لم يندم عليها كان مصـرّاً ، و المصـرّ لا يُغفر له ; لأنّه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب ، و لو كان مؤمناً بالعقوبة لندم ، و قد قال النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : لا كبيرة مع الاستغفار و لا صغيرة مع الإصرار . .
و أمّا قول الله : ﴿ ... وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ... ﴾ 25 ، فإنّهم لا يشفعون إلاّ لمَن ارتضى الله دينه ، و الدين الإقرار بالجزاء على الحسنات و السيّئات ، و مَن ارتضى الله دينه ندم على ما يرتكبه من الذنوب ; لمعرفته بعاقبته في القيامة " 38 ، فإنّه استدلال عقلي لتقييد الشفاعة بمَن ارتضى الله دينه و هو المؤمن ، و أنّ الضالّ القاصر لا تناله الشفاعة إلاّ بعد التبيان و الامتحان و تعرّفه على حقائق الإيمان فينخرط في زمرة المؤمنين .
و نظير الروايات المتقدّمة : ما رواه الصدوق بسنده عن أبي عبـد الله ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ ( عليهم السلام ) ، قال : " إنّ للجنّة ثمانية أبواب . . . و باب يدخل منه سائر المسلمين ممّن يشهد أن لا إله إلاّ الله ولم يكن في قلبه مقدار ذرّة من بغضنا أهل البيت " 39 .
فإنّ غاية دلالتها : على عدم خلودهم في النار ، و لا تنافي ما دلّ على امتحانهم و توقّف دخولهم الجنّة على إطاعتهم بالإيمان ، كما لا تنافي ما دلّ على دخولهم النار حقبة لتطهيرهم ثمّ دخولهم الجنّة ; فهناك فرق بين الخلود في النار و بين الدخول فيها و لو لحقبة منقطعة الأمد ، و كذلك بين الدخول في الجنّة ابتداءً و بين الدخول فيها لاحقاً ، فحساب الأكثرية و الأقلية من الناجين يختلف بحسب المقامين ، و قـد ورد عنهم ( عليهم السلام ) : " الناجون من النار قليل ; لغلبة الهوى و الضلال " 40 ، و الرواية ناظرة للنجاة من النار لا النجاة من الخلود فيها ، و قد تقدّم في حديث الكاظم ( عليه السلام ) أنّ طوائف المخلّدين أربع و ما عداهم لا يخلد .
السابعة
قد دلّت الآيات و الروايات المتواترة على أنّ قبول الأعمال مشروط ، و صحّتها كذلك مشروطة بعدّة شرائط ، لا يثاب العامل على عمله إلاّ بها ، و إلاّ يكون مردوداً بالنسبة إلى الثواب الأُخروي ، لا سيّما مثل الدخول في الجنّة ، بل الأدلّة دالّة على أنّ صحّة الاعتقادات مشروطة بالولاية ، نظير قوله تعالى المتقدّم : ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ 29 ، فقد قيّد الإيمان و العمل الصالح بالهداية ; فإنّ المغفرة ـ و هي النجاة من العقوبة ـ إذا كانت مقيّدة فكيف بالمثوبة ؟!
و قوله تعالى : ﴿ ... إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ 41 ، و الغاية في تعبير الآية : أنّه قد قيّد القبول ليس بوصف العمل بالتقوى بل بوصف العامل بذلك ، و الصفة لا تصدق إلاّ مع تحقّقها في مجمل الأعمال و أركانها ، و هي العقائد الحقّة .
و كذا قوله تعالى : ﴿ ... أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ 42 ، فجعل تعالى أعمال إبليس كلّها هباءً منثوراً باستكباره على وليّ الله و عدم إطاعته لخليفة الله بتولّيه ، بل الملاحظ في واقعة إبليس ـ التي يستعرضها القرآن الكريم في سبع سور ـ أنّ كفره لم يكن شركاً بالذات الإلهية و لا بالصفات و لا بالمعاد و لا بالنـبوّة ، بل هو جحود لإمامة و خلافة آدم ( عليه السلام ) ، فلم يقبل الله تعالى اعتقاد إبليس ، كما لم يقبل أعماله ، و أطلق عليه الكفر بدل التوحيد . .
و السرّ في ذلك أنّ ذروة التوحيد و سنامه و مفتاحه و بابه هو التوحيد في الولاية ; فإنّ اليهود قائلون بالتوحيد في الذات و المعاد و هو توحيد الغاية ، و بالتوحيد في التشريع و هو النبوّة ، إلاّ أنّهم كافرون بالتوحيد في الولاية ; إذ قالوا : ﴿ ... يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ... ﴾ 43 ، فإنّهم حجبوا الذات الإلهية عن التصرّف في النظام البشري ، و قالوا بأنّ البشر مختارين في نظامهم الاجتماعي السياسي ، و أنّ الحاكمية السياسية ليست لله تعالى . .
و إنّك و إن أجهدت و أتعبت نفسك فلن تجد ديناً و مذهباً يعتقد بحاكمية الله تعالى السياسية و التنفيذية كحاكميته تعالى في التشريع و القانون ، كما كان حال حكومة الرسول ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و سيرته السياسية ، التي يستعرضها القرآن الكريم ; فإنّ الحاكم السياسي الأوّل في حكومته ( صلى الله عليه و آله و سلم ) كان هو الباري تعالى في المهمّات والمنعطفات في التدبير السياسي والعسكري والقضائي ، وقد اختفت حاكمية الله تعالى هذه في عهد الخلفاء الثلاثة ثمّ عاودت الظهور في عهد الأمير (عليه السلام) ، فإنّ أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) محالّ مشيئة الله تعالى و إراداته ، فتصرّفاتهم منوطة بإرادته المتنزّلة عليهم .
فهذه الحاكمية التوحيدية لا تجد لها أثراً في مذاهب المسلمين ، فضلا عن الأديان الأُخرى المحرّفة ، سوى مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فمن ثمّ كانت الإمامة و الولاية هي مظهر و مجلى التوحيد في الولاية ، و كان الاعتقاد بها هو كمال التوحيد و ذروته و سنامه ; إذ أنّ تجميد التوحيد في الذات أو في الصفات أو في التشريع أو في المعاد ـ إنّ إليه الرجعى والمنتهى ـ تعطيل له ، و لا تظهر ثمرته إلاّ بظهوره في الولاية و الحاكمية في مسـيرة البشـر .
و يمكن ملاحظة اشتراط الولاية في صحّة الاعتقاد ، فضلا عن الأعمال ، في جلّ الآيات الواردة في ولاية أهل البيت (عليهم السلام) ، و كذلك في كثير من الروايات . .
أمّا الآيات
فنظير قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ 44 .
فإنّه تعالى قد نفى تبليغ الرسالة ـ من الأساس ـ مع عدم إبلاغ ولاية عليّ ( عليه السلام ) للناس ، و هو يقتضي عدم الاعتداد بتوحيد الناس للذات الإلهية و بإقرارهم بالمعاد و النبوّة من دون ولاية عليّ ( عليه السلام ) ، أي أنّ التوحيد في جميع أبوابه و أركانه وحدة واحدة : توحيد الذات ، و توحيد الغاية و الخلوص ، و توحيد التشريع ، و توحيد الولاية .
و لازم الكفر و الإشراك في مقام من مقامات التوحيد هو الكفر و الإشراك الخفي المبطّن في بقية المقامات ، و ذيل الآية صريح في ترتّب الكفر على ذلك في مقابل الإيمان ، لا ما يقابل ظاهر الإسلام ; إذ الظاهر مترتّب على الإقرار بالشهادتين لساناً .
و نظير قوله تعالى : ﴿ ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ... ﴾ 45 .
فإنّ الإكمال يستعمل في تحوّل الشيء في الأطوار النوعية من نوع إلى نـوع ، و الإتمام يسـتعمل في انضمام الأجزاء الخارجية بعضها إلى بعض ، ففي التعبير عناية فائقة في كون الدين لم يكتمل طوره النوعي التام إلاّ بالولاية ، و أمّا النعمة الدنيوية فلا تتمّ أجزاءها إلاّ بها أيضاً ، و إن كان للأجزاء قوام مستقلّ ، كمَن امتنع عن المحرّمات و الفواحش فإنّه يتنعّم بالوقاية من مفاسدها الدنيوية ، و هذا ممّا يبيّن الاختلاف الماهوي بين الإسلام في ظاهر اللسان و بين الإيمان في مكنون القلب و مقام العمل و هو الإسلام بوجوده الحقيقي .
ثمّ إنّ في الآية تقييد رضا الربّ بكون الإسلام ديناً بالولاية ، فالإسلام من توحيد الذات و التشريع ( النبوّة ) و المعاد و توحيد الغاية معلّق رضا الربّ به بشرطية الولاية ، فضلا عن العمل بفرائض الفروع .
و نظير ذلك : ما في سورة الحمد ( الفاتحة ) . .
فالمصلّي عندما يقرّ لربّه في النصف الأوّل من السورة بالتوحيد في الذات ﴿ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ 46 ، و الصفات ﴿ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴾ 47 ، و في الغاية و المعاد ﴿ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ 48 ، و في التشريع ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ 49 في جميع الأُمور في الحياة الفردية و الاجتماعية ; فإنّه يعود في النصف الثاني من السورة ليطلب الهداية إلى الصراط المستقيم ﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ﴾ 50 .
فإنّ كلّ ما تقدّم من إقراره و تسليمه بالعقائد الحقّة لم يكفه حتّى يثمر ذلك في طيّه صراط التوحيد المستقيم ، و هو صراط ثلّة في هذه الأُمّة و مجموعة موصوفة بثلاث صفات : ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ ... ﴾ 51 أي منعم عليهم بنعمة خاصّة لهم دون سائر الأُمّة و هي نعمة الاصطفاء و الاجتباء ، كما في الاستعمال القرآني لاصطفاء الأنبياء و الأوصياء .
وفي هذه الأُمّـة قد أنعم الباري تعالى على أهل البيت ( عليهم السلام ) قربى النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) بالتطهير الخاص بهم ، و أنّهم الّذين يمسّـون و يصلون إلى الوجود الغيبي العلوي للقرآن في الكتاب المكنون في اللوح المحفوظ .
و الصفة الثانية : ﴿ ... غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ ... ﴾ 51 ، و هي العصمة العملية ، فلا يغضبون ربّهم قطّ .
و الصفة الثالثة : ﴿ ... وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾ 51 ، و هي العصمة العلمية . .
فجعل الولاية لهؤلاء ثمرة لإقرار المصلّي بالتوحيد في المواطن الأربعة في النصف الأوّل من السورة .
و نظير ذلك قوله تعالى : ﴿ ... قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ... ﴾ 52 .
فإنّه جعل مودّة و اتّباع و تولّي قربى النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) عدل كلّ الرسالة المتضمّنة لتوحيد الذات و الصفات و التشريع و الغاية لبيان أنّ توحيد الولاية هو ثمرة التوحيد في سائر المقامات ، و هو الذروة والسنام ، و قد أشار إلى ذلك أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في وصفه للمسلمين بعد رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) أنّهم : " أخذوا بالشجرة و ضيّعوا الثمرة " 53 .
وكذلك سائر الآيات الواردة في ولايتهم (عليهم السلام) تبيّن هذه الحقيقة الدينية . .
-----------------------
يتبع
-----------------------
يتبع
تعليق