إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أهداف الجهاد

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أهداف الجهاد

    أهداف الجهاد
    أهداف الدرس:
    - بيان ملاك تشريع الجهاد وفلسفته.
    - بيان وتوضيح منطلقات الصراع بين الحق والباطل.
    - بيان أهم الأهداف الفردية والاجتماعية للجهاد.


    29

    فلسفة تشريع الجهاد:
    من الأسئلة التي تخطر في ذهن من يطّلعُ على حكم الجهاد في الإسلام، ومن أكثرها أهمّيّة، هي تلك التي تدور حول فلسفته: ما هو الهدف من تشريع حكم الجهاد؟ وهل يسعى الإسلام وراء فتح البلدان والسيطرة عليها؟ وهل الهدف الحقيقي هو جمع الغنائم؟ وهل الأهداف المادية هي التي تدفع بالمسلمين نحو الجهاد؟...

    والصواب أنّ أيّاً من الأمور المذكورة آنفاً لم تكن من أهداف الجهاد أصلاً. فالجهاد في الإسلام ليس مشابهاً لحروب طواغيت التاريخ وحملاتهم العسكرية، بل إنّ ما دفع لتشريع هذا الحكم في الحقيقة هو أمر فطريٌّ مغروسٌ ومتجذِّرٌ في نفوس جميع الموجودات,


    31

    إنّه حقُّ الدفاع. فكلّ موجودٍ حيٍّ، سواء كان إنساناً أم غير إنسان، يرى في الدِّفاع عن نفسه مقابل العدو حقاً طبيعياً له، وخالق العالم قد أودع في جميع الموجودات وسائل استيفاء هذا الحقّ.

    وإنّ الحقّ الفطري للدفاع عن النفس هو حقّ يتوسّل به حتى المتسلّطون والظَّالمون - ولو بغير حقّ - للدِّفاع عن نتائج أعمالهم وإنجازاتهم. وعليه، ليس هناك من شكٍّ ولا شُبهةٍ بشأن أصل الاستفادة من هذا الحقّ، وقد متَّنه الإسلامُ من خلال تشريعه لحكم الجهاد.

    الصراع بين الحق والباطل:

    في الواقع ليس من الممكن إلغاء شيءٍ اسمه صراع من على وجه هذه الأرض، طالما أن هنالك "حق" و"باطل" فالصراع قائم بين الحق والباطل منذ بدء الخليقة وهو موجود ومستمر، والحياة قائمة على معادلة الصراع كما يقول الله عزّ وجلّ:
    ﴿وَلَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمينَ1.

    فطبيعة الحياة إذاً قائمة على مبدأ الصراع، فالحيوانات مثلاً في حالة صراعٍ دائمٍ فيما بينها، ولهذا السبب هي مجهّزة بوسائل الهجوم والدفاع الطبيعية، مثل الأنياب، والمخالب، والقوة البدنية. أما الإنسان فيختلف في معركته عن الحيوان، فإذا كان الأخير يدخل الصراع دخولاً عشوائياً وبلا هدف، فإن الإنسان إنما يخوض الصراع من أجل هدف وخطة مرسومة. وبالطبع قد تختلف الأهداف عند هذا الإنسان وذاك، وقد يكون بعضها نبيلاً والبعض الآخر سيئاً وقبيحاً.


    32

    فالبعض يدخل الحرب من أجل نشر رسالات الله، والدفاع عن المستضعفين والمحرومين، ومن أجل إقامة العدل والحرية. والبعض الآخر قد يشعل نار الحرب ويهلك الحرث والنسل من أجل المصالح الدنيوية كحب السيطرة والتملّك، والوصول إلى دفّة الحكم. أي أن هنالك صراع حقٍّ وصراع باطل، وهناك معركة بين الحق والباطل.

    إن الصراع الحق -بحسب مفهوم الدين الإسلامي - هو من أجل إنهاء كل الصراعات الزائفة والباطلة التي تهدف إلى سلب حقوق الإنسان، وبالتالي هو دفاع عن الإنسان والإنسانية، وهو يهدف إلى تحقيق السلام والعدل والمساواة والحرية والرفاه الشامل، بما فيه مصلحة الإنسان فرداً وجماعة في الدنيا والآخرة. ومن هنا كان الجهاد في الشريعة الإسلامية فريضة واجبة مقدسة، بل و من أوجب الواجبات والفرائض حتى صار ذروة الإسلام كما في الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "ألا أخبرك بالإسلام أصله وفرعه وذروة سنامه قلت بلى جعلت فداك قال أمّا أصله فالصّلاة وفرعه الزّكاة وذروة سنامه الجهاد"2. وقال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "فوق كلّ ذي برّ برّ حتّى يُقتلَ الرّجل في سبيل الله فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ"3.

    أهداف الجهاد في سبيل الله:

    إن معرفة الأهداف الواقعية للجهاد ووضعها نصب أعيننا من الأمور الهامّة والضرورية لنجاح أيّ عمل جهادي، فالعمل الذي لا يملك هدفاً إلهيّاً واضحاً


    33

    ومشخّصاً هو عمل عبثيٌّ في أغلب الأحيان، واحتمالات الفشل فيه أكثر بكثير من فرص النجاح، ناهيك عن أنه لو سجّل نجاحاً مرحلياً فهو بعيد عن مشروع العدالة ومصلحة الإنسانية قال الله تعالى ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ4. فلمعرفة الهدف من أيّ عمل أو تكليف دور أساسيّ في تحقيق النتائج المرجوّة، وبالتالي تفادي حصول التعدّي ووقوع الإهمال أو التداخل في الوظائف والمهمّات والتي لن تعود بالفائدة في نهاية المطاف على أحدٍ بل الجميع سيكون خاسراً!

    وللجهاد في سبيل الله نوعان من الأهداف، فهناك أهداف على المستوى الفردي وأخرى على المستوى الاجتماعي.

    الأهداف الشخصية والفردية للجهاد:

    قد تتعدّد الأهداف الشخصية للجهاد وتختلف من شخصٍ إلى آخر، فأبواب طاعة الله تعالى كثيرة، ولكن يمكن أن نختصر هذه الأهداف الفردية بثلاثة أهداف أساسية، وكل الأهداف الأخرى في الحقيقة ترجع إليها وهي:
    1- الدفاع عن النفس:
    من حق كلّ نفس بشرية أن تدافع عن كل ما كان المساس به مهدداً لوجودها، وعن المال والعرض والأرض والكرامة والوطن. فقد ورد في كتاب الله تعالى قوله:
    ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ5. ولهذا جاء في حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من مات دون عقال

    34

    من ماله مات شهيداً"6. وقد أفتى فقهاء المسلمين جميعاً بوجوب الدفاع عن النفس، فلا إشكال في أنه من حقّ الإنسان أن يدفع المحارب والمهاجم واللصّ ونحوهم عن نفسه وحريمه وماله ما استطاع، حتى لو أدّى ذلك إلى قتل المهاجم7.

    2- نيل رضى الله تعالى:

    وهو الهدف الأسمى والأساسي الذي تتمحور حوله كلّ حركة يقوم بها الإنسان المؤمن أو سكون يلتزم به. وإذا غدا الجهاد طريقاً لتحقيق رضى الله تعالى، وباباً للتقرّب منه، فأيّ نعمة وأيّ توفيق لمن أتيح له الدخول إلى هذا الميدان الذي عبّر عنه أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً: "أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى ودرع الله الحصينة وجنّته الوثيقة"8.

    3- الفوز بمقام الشهادة:

    إن الشهادة كانت أمنية الصلحاء والجائزة التي يرغب بها كل مجاهد بعد طول عناء وجهاد في سبيل الله تعالى.
    بل نجد الأئمة المعصومين ‏عليهم السلام ينتظرون لحظة الشهادة ويعتبرونها كرامة من الله تعالى، فهذا الإمام زين العابدين عليه السلام يقول مخاطباً ابن زياد: "أبالقتل تهدّدني يا ابن زياد؟! أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة"9. هذا هو النهج الإسلامي الصحيح الذي يؤكّد على حب الشهادة،


    35

    فكما أن النصر والظفر هي أمنيته فكذلك الشهادة هي أمنية له. يقول تعالى في كتابه الحكيم: ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ10. إنها حقاً لكرامة ليس دونها كرامة أن تُختم حياة الإنسان بالشهادة في سبيل الله!

    الأهداف الدينية والاجتماعية للجهاد: ‏

    إنّ أهداف الجهاد لا تقف عند الأفراد أو عند أعتاب الحالة الفردية، بل للجهاد دوره الاجتماعي وآثاره العامة التي تطال المجتمع والبيئة العامّة. ويمكن اختصار مصالح المجتمع ضمن الأهداف التالية:

    1- حفظ الدين وحمايته:

    كتب الإمام الباقر عليه السلام في رسالة إلى بعض خلفاء بني أميّة يحدّثهم عن ذلك فقال: "...ومن ذلك ما ضَيَّع الجهاد الذي فضَّلهُ الله عزّ وجلّ على الأعمال وفضّل عَامِلَهُ على العُمَّال تفضيلاً في الدّرجات والمغفرة والرّحمة، لأنّهُ ظهر به الدّين، وبه يُدفَع عن الدّين، وبه اشترى الله من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بالجنّة بَيْعاً مُفْلِحاً مُنْجِحاً اشترط عليهم فيه حِفْظَ الحدود"11.

    فحماية الدين وحفظ حدوده الشرعية من أن تُعطّل أحكامه، والحفاظ على منهج الإسلام وعلى حدود الأمّة الإسلامية وحماية استقلالها وحماية الإنسان من تلاعب الظالمين، كلّها أمور تدعونا إلى الجهاد، الذي هو طريق لصلاح الدين والدنيا على حدٍّ سواء، لا كما يُظنّ بأنه على خلاف صلاح الدنيا وإعمارها، كما قال


    36

    الإمام علي عليه السلام: "إن الله فرض الجهاد وعظّمه وجعله نصره وناصره والله ما صلح الدنيا ولا دين إلا به"12.

    لذا أكّدت الروايات على هذا المنطلق والهدف الأساسي للجهاد كما ذكر أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام في قوله: "اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان، ولا التماس شيءٍ من فضول الحطام، ولكن لنَرِدَ المَعَالِم من دينك، ونُظهِر الإصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المُعَطَّلَةُ من حدودك"13.

    2- إحقاق الحقّ:

    من الأهداف المهمّة والأساسية لتشريع الجهاد كونه الوسيلة الأنجع لذلك، إحقاق الحق وجعل كلمة الله تعالى هي العليا، وإبطال الباطل وجعل كلمته هي السفلى بعد اليأس من الوسائل السلميّة الأخرى، حيث يقول تعالى في كتابه الكريم:
    ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الحْقَّ ويُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ14.

    يبيّن الله تعالى في هذه الآية نعمه ومننه على عباده، فهو وعد المسلمين بإحدى الطائفتين إما "العير" والسيطرة على القافلة التجارية لقريش، أو "النفير" ومواجهة جيش قريش، والأولى كان يتمنّاها المسلمون وقد اختار لهم الله سبحانه المواجهة العسكرية مع قريش وهي "الشوكة" والتي هي تعبير يرمز إلى الحدّة والشدّة، وأصلها مأخوذ من الشوك، واستعملت هذه الكلمة أيضاً في


    37

    نصول الرماح، ثمّ استعملت توسّعاً في كلّ نوع من الأسلحة، لما تمثّله هذه الأسلحة من القوّة والقدرة والشدّة.

    إن الثمرة العملية من الحرب التي يخوضها المؤمنون في سبيل الله تعالى تظهر بعد أن تضع تلك الحرب أوزارها، إذ يرى المراقب أنَّ الخير والصلاح كان يكمن في تحطيم قوّة العدوّ العسكرية لتصبح الطريق أسهل أمام انتصارات كبرى في المستقبل.

    3- القضاء على الشرك:

    من أهداف تشريع الحق تعالى للجهاد أيضاً، أنه يريد أن يكون المعبود الأوحد في كل أرجاء الأرض، حيث يقول الله تعالى في كتابه العزيز:
    ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتىَ‏ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ15، إنّ المراد بالفتنة هنا الشرك بالله. وكفّار قريش كانوا يقبضون على المؤمنين بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبرسالته ويعذّبونهم ويجبرونهم على ترك الإسلام والرجوع إلى الكفر، فعُرف عملهم هذا بالفتنة، وعندها أُمر المسلمون بقتالهم حتى يطهّروا الأرض من عبادة غير الحق، ويكون الإيمان بالله الواحد الأحد هو الحاكم دون غيره.

    إنّ الناس في جميع المجتمعات البشريّة لهم الحقّ في أن يسمعوا مقالة الحقّ لأنهم أحرار في قبول دعوة الأنبياء، ولو تصدّى فرد أو جماعة لسلب هذا الحقّ المشروع منهم أو منع صوت الحقّ من الوصول إلى الناس ليتحرّروا من قيود الأسر والعبوديّة الفكريّة والاجتماعيّة، لاعتبر هذا العمل عدوانياً بنظر كل عقلاء العالم فضلاً عن شريعة الأديان، وكان للمعتدى عليه حق الاستفادة من جميع الوسائل


    38

    المتاحة لتهيئة هذه الحريّة، ولو كان ذلك عبر استخدام القوّة المشروعة كالجهاد والقتال العسكريين.

    4- إزالة الظلم والعدوان:
    قال الله تعالى في كتابه الكريم:
    ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً16.

    إنَّ المؤمن المجاهد أبعد ما يكون عن الأنانية والعيش ضمن دائرة الهموم الشخصيّة الخاصّة الضيّقة بل إنَّه إنسان رساليّ يحمل همّ الإنسانية كلها، ويستشعر أكثر من غيره معاني ومفردات الظلم وتأثيره الهدام على الفرد والمجتمع، ولذا تراه يبادر ومن دون أدنى خوفٍ أو وجلٍ أو تردّدٍ إلى قلع جذور الفساد والظلم. وأما جهاده فإنَّه لا يعرف الحدود الجغرافية ولا القوميّات ولا التكتلات العرقية، بل هو يحمل همَّ نصرة المظلوم وتحقيق العدل، وكما ترى أن الآية المباركة تحثّ المؤمنين على نصرة المستضعفين ومواجهة الظلم والعدوان كجزءٍ من مفهوم الحركة الاجتماعية الناهضة.

    5- إعلاء ذكر الله:

    من الأهداف الأساسيّة لتشريع القتال في سبيل الله، إعلاء ذكر الحق كما يقول عزّ اسمه في كتابه المجيد:
    ﴿وَلَوْ لَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لهَّدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ

    39

    لَقَوِىٌّ عَزِيز17.

    تشريع القتال إنّما هو لحفظ المجتمع من شرّ أعداء الدين الذين يسعون إلى إطفاء نور الله وذكره. ولولا ذلك لهُدّمت المعابد الدينية والمشاعر الإلهية ونسخت العبادات والمناسك، لأن اللّه تعالى لو لم يدفع بعض الناس ببعضهم عن طريق الإذن بالجهاد، لهدّمت أماكن العبادة والمساجد التي يذكر فيها اسم اللّه. ولو تكاسل المؤمنون وغضّوا الطرف عن فساد الطواغيت والمستكبرين ومنحوهم الطاعة، لما أبقى هؤلاء أثراً لمراكز عبادة اللّه. إذ أنّهم سيجدون الساحة خالية من العوائق فيعملون على تخريب المعابد، لأنّها تبثّ الوعي في الناس، وتعبّؤهم في مجابهة الظلم والكفر والانحراف. وإنّ كلّ دعوةٍ لعبادة اللّه وتوحيده تعارضها دعوة المتجبّرين الذين يريدون أن يعبدهم الناس من دون الله تعالى تشبُّهاً منهم بالحق تعالى، والذين يعملون على هدم أماكن توحيد اللّه وعبادته.

    إنّ الصراع قائم وباستمرار بين الدعوتين، وطبيعيّ أن يقوم المؤمنون بصدّ الدعوة المقابلة والوقوف في وجهها، طبقاً لتعاليم الإسلام العزيز الذي شرَّع الجهاد بهذا الغرض والذي يتمحور حول إعلاء ذكر الله وعلى كلّ المستويات.

    6- كفّ بأس الكفار:

    من أهداف الجهاد في سبيل الله أيضاً ردّ كيد الكفّار إلى نحورهم وكفّ بأسهم، حيث يقول تعالى في القرآن الكريم:
    ﴿فَقَاتِلْ فىِ سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ المُْؤْمِنِينَ عَسىَ اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا18.

    40

    بعد أن أمر الله تعالى نبيّه محمد صلى الله عليه وآله وسلم بمواجهة أعدائه وجهادهم، رغم قلّة الناصر، بيّن له أحد الأهداف الأساسية لهذا التكليف المقدّس، ألا وهو الجهاد في سبيل الله والذي هو الطريق لكسر شوكة الظالمين وقوّتهم، وكفّ أذاهم وشدّتهم وبأسهم عن المؤمنين الموحّدين. كما أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالالتزام بهذا التكليف ولو كان وحيداً فريداً، معتمداً على الله تعالى مصدر كلّ قدرة وقوّة في هذا العالم، إذ هو عزَّ اسمه أقوى من كلِّ ما يدبِّرُهُ الأعداء من مكائد ودسائس بوجه دعوة الحق.

    7- الاستقلال والحرية:

    الاستقلال والحرية لهما الأهمية الكبرى في الحياة الاجتماعية الناجحة، بل يشكّلان الدافع نحو الإبداع والتطوّر في كل الميادين، ولذلك عملت القوى المستعمرة على حرمان الشعوب منها كي يسهل لها السيطرة والتسلّط على البلاد والعباد. إن كل حضارة وكل مجتمع يحتاج إلى عناصر القوة كي تبقى لديه حالة الاستقلال والحرية، وأهم عناصر القوّة هي القوات المسلّحة المقتدرة، التي تمنع طمع الطامعين وتضمن عدم تقديمهم وتجاوزهم.

    ومع غياب مثل هذه القوّة سيكون من غير الممكن المحافظة على الاستقلال والحرية. ومجرّد وجود طاقات علمية واقتصادية عالية لا يعتبر لوحده ضماناً لاستقلال الدول والشعوب، بل القوات المسلحة وحضورها الدائم وقيامها بواجباتها في الميادين اللازمة هي التي تضمن الاستقلال والحرية وتضمن بقاء وتفعيل الطاقات العلمية والاقتصادية. وعليه، فالحركة الجهادية من جملة أهدافها تحقيق وحماية الاستقلال والحرية.


    41

    8- استنهاض الشعوب:
    عندما تعيش المجتمعات نوعاً من الإحباط واليأس والاسترخاء والتراجع عن مواجهة الأعداء، فإن العدو سيتمكن من السيطرة على مقدّراتها وسيفرض هيمنته وتسلّطه عليها وستكون ذليلة أمامه مهما كانت تمتلك من طاقات ومن نقاط قوة في مواجهته، لذلك وقبل كل شي‏ءٍ لا بدّ من تأمين إرادة المواجهة والحضور في الميادين اللازمة. واستئصال حالة الإحباط والتحييد والاسترخاء. وهذا لا يتأتّى إلا من خلال تقديم القدوة المجاهدة بشكلها المشرق والصحيح، لتستثير كوامن الجهاد في ضمير الأمّة وتعيدها إلى ساحة الحضور. إذاً لا بد من إثبات القدرة الجهادية والإمساك بزمام المبادرة لتعود الأمة إلى الثقة بنفسها، وهذا ما يعبّر عنه بالعمل الجهادي لاستنهاض الشعوب.


    42

    المفاهيم الرئيسية
    1- الهدف من تشريع الجهاد هو الحفاظ على النفس والدين، ويسمى بحقّ الدفاع.
    2- إن الصراع في المفهوم الديني هو الصراع لإرساء الحق الذي يريد تحقيق حكم الله على الأرض وما سواه صراع زائف وباطل.

    3- من أهداف الجهاد الأساسية حماية الدين وحفظ حدوده الشرعية، خوفاً من أن تُعطّل أحكامه، والحفاظ على منهج الإسلام وعلى حدود الأمّة الإسلامية وحماية استقلالها وحماية الإنسان من ظلم الظالمين.

    4- الجهاد هو طريق لصلاح الدين والدنيا على حدٍّ سواء، إذ قد يظنّ البعض أنه على خلاف صلاح الدنيا وإعمارها، قال الإمام علي عليه السلام: "إن الله فرض الجهاد وعظّمه وجعله نصره وناصره والله ما صلح الدنيا ولا دين إلا به".

    5- إنَّ للجهاد أهدافاً منها الشخصية التي تتعلَّق بذات الإنسان وما يطمح إليه من أهدافٍ خاصّة هي نتيجة خصوصيّة شخصيته الفكرية والمعنوية. ومن هذه الأهداف الشخصية: الدفاع عن النفس، الفوز بمقام الشهادة.

    6- للجهاد أهداف اجتماعية هي بمجموعها تحافظ على الصالح العام للمسلمين في الدنيا والآخرة. ومن هذه الأهداف الدينية والاجتماعية: إحقاق الحقّ، القضاء على الشرك، إزالة الظلم والعدوان، إعلاء ذكر الله تعالى، كفّ بأس الكفار، الاستقلال والحرية، استنهاض الشعوب.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X