إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الاستقرار النفسي لجماعة الانتظار

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الاستقرار النفسي لجماعة الانتظار



    الاستقرار النفسي لجماعة الانتظار:


    لعلَّ أهم ما يميز أتباع أهل البيت عليهم السلام المتطلعون لانتظار اليوم الموعود هو حالة الاستقرار النفسي الذي يميزهم عن غيرهم.
    وهذا الاستقرار ناشئ من حالة الاطمئنان المنبعثة من التطلع إلى مستقبل مشرق ترتسم صورته في ذهنية المنتظِر _ بالكسر _ من خلال فلسفة الانتظار التي يدين بها إلى الله تعالى، فحالات الإحباط الناشئة من ظروف سياسية تحيط بأتباع أهل البيت عليهم السلام لم تعد ذات أثر على مستقبل وجودهم، بل وحتّى على ما يتطلع إليه هؤلاء الأتباع من بناء هيكلتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كذلك، وهذا راجع إلى ما تحمله فلسفة الانتظار من آمال تعقدها النفسية الشيعية على قيام دولة المنتظَر _ بالفتح _ فعلى المستوى الفردي يشعر الفرد وهو يعيش حالة الانتظار بالأمل الكبير في تحقق أهدافه تحت ظل الدولة المهدوية المباركة.
    فالإحباطات النفسية لأسباب متعددة يمكن للفرد أن يتفاداها بما يعقده من آمال على تلك الدولة القادمة التي تبسط العدل والسلام في ربوع هذه الأرض المقهورة، فإذا لم يتحقق هدفه عاجلاً فإنّ مستقبله في الآجل سينجزه ذلك الإمام الموعود، وبذلك فإنّ هذا الفرد سيكون في حالة أمل دائم وترقب متفاءل يصنع من خلاله غده السعيد، وبذلك فإنّ الاستقرار النفسي الذي يعيشه المنتظِر هو إحدى خصوصياته، وهذا الاستقرار سيكون سبباً في الإبداع ومن ثَمَّ التكامل الذاتي.

    أما على المستوى الجماعي فإنّ جماعة الانتظار تطمح إلى تحقيق برامجها في ضوء الآمال المعقودة على ترقب الدولة المهدوية، وهذه الجماعة تستشعر معايشة قائدها معها في كل الأحوال، وتقطع أن نجاح ما تصبو إليه يكون مرهوناً بتسديد هذا القائد الإلهي ورضاه، وهو مصداق قوله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (3)، قال الصادق عليه السلام: (والمؤمنون هم الأئمّة) (4)، وهذا ما يناسبه سياق الآية.

    ومن غريب ما فسرته بعض المذاهب الإسلاميّة أن المقصود من قوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ) هم جماعة المؤمنين، وهذا من غريب ما وقع به هؤلاء دفعاً لمحذور الاعتراف بمقامات الأئمّة الأطهار عليهم السلام التي يقررها القرآن الكريم وتقتضيه شؤون خلافة الله في أرضه _ في بحث ليس هنا محل ذكره _، على أن الخطاب في الأمّة للمؤمنين، فكيف يكون بعد ذلك قول الحكيم حكيماً حينما يكون المخاطب المكلف هو نفس الشاهد على عمله؟! وما إلى غير ذلك من خروقات الرؤية السياسية التي تتدخل في التفسير القرآني والحديث النبوي من أجل (استحصال) حالات التأييد لمواقفها المناهضة لأهل البيت عليهم السلام.
    وعلى كل حال فإن نجاح جماعة الانتظار يكمن في تفاؤلها الطموح بقيام دولة الحق والعدل، وهي تسعى دائماً إلى صياغة أعمالها على أساس ذلك، لذا فهي في حيوية دائمة غير مشلولة نتيجة الإحباطات السياسية المحيطة بجماعة الانتظار، فضلاً عن أن هذه الجماعة تحقق نجاحها في خضم تحديات تواجهها دائماً.

    وعلى هذا فأيّ نجاح مهما تكون درجته سيكون له معناه في ظل هذه التحديات وهو مكسب مهم وقضية خطيرة في ظل ذلك.

    ومقابل هذا فإن أيّ تعثر في عمل هذه الجماعات سوف لن يسلمها إلى اليأس والتردد طالما هناك البديل الذي يحققه قيام الدولة المهدوية المباركة.
    وعلى هذا الأساس فإن جماعة الانتظار تعيش دائماً طموحاتها الواقعية، متحدية بذلك الصعاب والإحباطات التي تواجهها في ظل ظروف تتكالب على هذه الجماعة سعياً لإنهائها وتصفيتها.
    هذه الحالة من التفاؤل التي تعيشها جماعة الانتظار تبعث على الأمل في تحقيق برامجها وبناء حضارتها والسعي من أجل التكامل في كل الميادين.
    من هنا علمنا دواعي العمل الدائم الحثيث لجماعة الانتظار، وأسباب نجاحها على كل الأصعدة بالرغم من كل ما عانته وتعانيه من ظروف قاهرة يصعب معها الإبداع، فضلاً عن البقاء، لولا ذلك الأمل الذي يحدو جماعة الانتظار.

    وعلمنا في الوقت نفسه إمكانية تأسيس حضارة تعيش طموحاتها هذه الجماعة في ظل فلسفة الانتظار.

    إلى جانب ذلك، يعيش الفرد البعيد عن حالة الانتظار حالات التوجس من الفشل وهاجس الخوف على مستقبله المجهول، فأيّة قضية يواجهها هذا الفرد تودي بكل طموحاته وتشل قدراته، فهو يحاول أن يحقق مكسبه عاجلاً لغياب حوافز البديل فيما لو أخفق على صعيد عمله، فإن خسارته هذه ستكون فادحة فيما إذا هو أحس بعدم تعويضها بالبديل.
    والانتظار حالة أمل وطيد يعيشه المنتظِر _ بالكسر _ فإذا غابت عن الإنسان هذه الرؤية فلا بدَّ أن تحيط ذاته هواجس الخوف، وبذلك سيكون مهزوماً دائماً، غير جدير بإمكانية مواجهة الصعاب والمحن التي تعصف به في كل حين من خلال ظروف عالميةِ متقلبة وإقليمية غير مستقرة، وبذلك فلم يكن مثل هذا الفرد جديراً في بناء حضارة أو السعي لتكامل ذاته وبناء شخصيته.


    الكاتب: السيد محمد علي الحلو

    كتاب: الغيبة والانتظار قراءة تاريخ ورؤية مستقبل

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X