كي لا تضيع القدس
شفقنا- يجب ألا تغيب قضية الاحتلال الصهيوني لفلسطين عن وجدان هذه الأمة، لما لها من جذور رسالية وروحية من جانب، وسياسية من جانب آخر.. ولما وقع عليها من ظلم في سالف الأيام كالحرب الصليبية، أو ما يقع عليها اليوم من احتلال صهيوني وتهميش سياسي مُتعمّد.. يجب علينا أن نضعها على قائمة أولوياتنا، وألا ننحدر بها إلى أسفل قائمة الاهتمامات السياسية كما يُرادُ لها، وألا نضعها ضمن قوائم الانتظار المؤجلة، ثم نستغرق في قضايا جزئية وهامشية يُراد منِّا أن ننسى القضية الأهم بسببها، مثلما شُغِلنا في مراحل سابقة بالحديث الواسع والاهتمام البالغ على مستوى السياسة العالمية عن بناء مستوطنات جديدة من عدمه، أو التحليلات المطوّلة حول تداعيات بناء الجدار الفاصل وتأثيراته على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.. أو الوقوف طويلاً عند حوادث بسيطة وهامشية وننسى وحشية الجرائم التي يقوم بها الصهاينة هنا أو هناك، كل ذلك لِننسى القُدس قضيّتنا الأهم. ولو لاحظنا أن سياسة أمريكا -المدافع الأول عن إسرائيل – كانت تعمل جاهدة ولسنوات طوال على تأجيل النقاش حول مدينة القدس -عمداً- في كل مراحل المفاوضات التي حصلت سابقاً، رغم أنَّ الصهاينة كانوا في المُقابل يستكملون عمليات الاستيطان في القدس بخطى حثيثة ومتسارعة، إلى أن لم يبق هناك شيء في القُدس يُمكن التفاوض عليه سوى هويتها.
إذا ما أردنا أن نفهم كيف حصل ذلك فعلينا أولاً أن ندرس الأسباب التي ساهمت في الاستيلاء على المدينة المقدسة بعدما كانت تحت أيدينا، وما العوامل التي انحدرت بسببها هذه الأمة سياسياً لتصل إلى ما وصلت إليه؟ وما هي العوامل التي أدت إلى نشوب حرب 1967م، والتي كانت أهم خسائرها أننا فقدنا فيها القدس، لا سيما المدينة القديمة منها؟ وماذا كانت حالة الدول العربية حينما خاضت تلك الحرب؟ وهل تمَّ الاستعداد لها جيداً؟ وألا نغفل عن الأوضاع السياسية في العالم والتي لها التأثير الأكبر في أي حرب.. ثم بعد كل ذلك نسائل أنفسنا: هل سنستوعب الدروس السابقة ونتلافى أخطاءها؟ ولا بد لنا أيضاً أن نكرس بعضاً من وقتنا لدراسة واقعنا المعاصر، سواءً عربيا ممثلاً في جامعة الدول العربية أو إسلامياً ممثلاً في منظمة التعاون الإسلامي، وعلينا أن نعي كيف تمَّ تحوير قضية فلسطين من قضية محورية لتحرير أرض وشعب لتُدرج في أجندات قضايا الحرب ضد الإرهاب؟! لا بد لنا أن نتحلّى بقليل من الشجاعة لندرس كل هذه الهزائم مثلما ندرس انتصاراتنا..
ينبغي علينا أن نترك حالة اللامبالاة التي يعيشها البعض منِّا، وألا ينغلق كل منِّا على نفسه، حيث تنامت المقولات التي تقول: مالنا ولفلسطين والقدس؟ فالغرب يرانا كعرب ومسلمين إننا قضية واحدة، فإذا ما فشلنا في جانب، فالفشل يتسرب إلى بقية الجوانب، وكذلك لو انتصرنا في موقع معين، فإنهم يُحوّرون الحقائق ليصنعوا من ذلك النصر فشلاً، مثلما حصل في حرب 10 رمضان حينما انتصر فيها الجيش المصري على الجيش الإسرائيلي بعدما اجتاز قناة السويس، ولكن السياسة الغربية وألاعيبها حوّلت الانتصار على الأرض إلى هزيمة.
يريدنا الله تعالى أن نتحد، إذ لا يمكن لشخص أن يعيش الحرية مالم يمتلك مقوماتها، ولا يمكنه استشعار العزة مالم يكن حرّاً.. ولعل القرار الأمريكي الأخير بنقل سفارة بلاده إلى القدس هو سبب لنا لأن نتوحد.. فالقدس ليست مجرد مسجدٍ أقصى للمسلمين أو مدينة أصيلة للعرب، بل هي متصلة بأبعاد دينية وثقافية بل ومصيرية. فالمسلمون وبرغم اختلافاتهم العرقية والقومية والمذهبية، كما هو حال اليهود وبرغم اختلاف مذاهبهم، إلا أنهم ينضوون جميعهم تحت راية واحدة أمام القضايا المصيرية.. القضية التي يجب أن نعمل عليها الآن هي تجميد كل الخلافات والالتفاف جميعاً حول القضية المركزية قضية فلسطين.. وعلينا العمل قبل كل ذلك على نبذ كل من يحاول حرف الأمة عن مسارها ولكي لا يشغلوننا بهوامش النزاعات، فهم الطابور الخامس للصهيونية علِموا بذلك أو لم يعلموا، إن قضيتنا باختصار هي: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}[آل عمران -103].
في الختام أورد لكم تغريدة جميلة للأستاذ والباحث العماني خميس العدوي على منصة التواصل الاجتماعي تويتر لخّص فيها القضية حين قال: “أنظر إلى القضية الفلسطينية بأنها قضية ظلم من قِبل الصهاينة والاستكبار الغربي، ولا تعنيني فيها قضايا السياسة والدين ومساومات السلام ونحوها، الظلم يبقى ظلماً ولو أُرغِم الناس على قبوله، ولا شيء يبرر الظلم إلا رفعه وإزالته.|رُفِعت الأقلام، وجفّت الصحف”.
*عبدالله العجمي- رئيس لجنة الثقافة والتعليم بالاتحاد العربي الأفريقي للإعلام الرقمي