إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

كلام في معنى العبودية

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كلام في معنى العبودية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    تقدم في قوله تعالى: Pوَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِيO، إن الدعاء والعبادة متحدان في الحقيقة([1])، وإن الآية الكريمة كما تشتمل على الحكم أعني إجابة الدعاء كذلك تشتمل على علله وأسبابه فكون الداعين عباداً لله تعالى هو الموجب لقربه منهم، وقربه منهم هو الموجب لإجابته المطلقة لدعائهم، فالسبب الحقيقي لإجابة الدعاء هو صيرورة الإِنسان عبداً لله تعالى، فما هو معنى العبادة؟
    العبد لغة هو المملوك من الإِنسان أو من كل ذي شعور بتجريد المعنى من خصوصية الإِنسان([2])، كما يعطيه قوله تعالى: Pإِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداًO([3])، والعبودية هي المملوكية([4])، وما ذكره بعضهم أن أصل العبودية الخضوع فهو من باب الأخذ بلازم المعنى وإلاّ فالخضوع متعدِ باللام والعبادة متعدية بنفسها.
    وبالجملة فالعبادة هي نصب العبد نفسه في مقام المملوكية لربه، ولازم ذلك ان تكون العبادة منافية للاستكبار وهذا معنى الخضوع المتقدم، قال تعالى: Pإِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَO ([5])، وهل التوحيد لازم للعبادة بمعنى المملوكية؟
    بالطبع لا، لجواز اشتراك أكثر من شخص في ملك عبد، قال تعالى: Pوَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداًO ([6] فعد الإشراك ممكناً ولذلك نهى عنه، والنهي لا يمكن إلاّ عن ممكن مقدور.
    وهنا لنا ان نسأل: هل ملكية الله تعالى لخلقه كملكيتنا للأشياء؟
    من الظاهر إن ملكية المالك العرفي كملكية الإِنسان لعبده، تجري في خصوص ما يراه العقلاء جائزاً، وأما ما لا يتعلق به الملك من شئون وجود العبد ككونه ابن فلان أو ذا طول في قامته فلا يتعلق به ملك، وكذا ما يراه العقلاء قبيحاً، فليس للمولى العرفي قتل او حرق العبد، فهو لا يملك ذلك، لكن الله سبحانه في ملكه لعباده على خلاف هذا النعت فلا يشوب ملكه ملك من سواه ولا أن العبد يتبعض في نسبته إليه تعالى فيكون شيء منه مملوكاً وشيء آخر غير مملوك، ولا تصرف من التصرفات فيه جائز وتصرف آخر غير جائز، فهو تعالى مالك على الإطلاق من غير شرط ولا قيد وغيره مملوك على الإطلاق من غير شرط ولا قيد، او قل ملكيته تعالى حقيقية تامة مطلقة، وملكيتنا اعتبارية مجازية ناقصة.
    لذا نجده تعالى منع التصرف في ملكه إلاّ بأذنه فقال عز من قائل: Pلَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِO([7])، وقال: Pإِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ O([8])، فليس لأحد التصرف في ملكه تعالى إلاّ من بعد أذنه.
    فحقيقة العبودية أن يرى الإِنسان نفسه وما يملك ملكاً محضاً لله تبارك وتعالى، وأن لله التصريف والتدبير لكل خلقه كيف شاء ومتى شاء، فحتى العبادة التي هي حقه تعالى على عبيده لا نملك ان نأتي بها لولاه تعالى، فلذا دائماً نكرر: Pإِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُO([9])،أي إنما نسبة العبادة إلى أنفسنا وادعائها لنا لا يصح إلاّ بالاستعانة بك لا مستقلين بذلك دونك.
    فملكه تعالى يغاير ملك غيره مغايرة الجد مع الدعوى والحقيقة مع المجاز فإنه تعالى يملك عباده ملكاً طلقاً محيطاً بهم لا يستقلون دونه في أنفسهم وأفعالهم وسائر ما ينسب إليهم من الأزواج والأولاد والمال والجاه وغيرها، فكل ما يملكونه وما ينسب إليهم بأي نحو من الأنحاء فهو في الحقيقة ملك له وليس لغيره التصرف به إلاّ بإذنه.
    وعليه فما يملكه الإِنسان ملكاً حقيقياً كنفسه، وبدنه، وسمعه، وبصره، وفعله، وأثره، وما يملكه ملكاً اعتبارياً كزوجه وماله وجاهه وماله وحقه، إنما يملكه بإذنه تعالى فهو الذي جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة، وهو الذي خلق كل شيء وقدره تقديراً.
    وتصديق هذا الأمر ما حكاه القرآن من أنه سبحانه يحول بين الشيء ونفسه، Pأَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ O([10])، فالقلب هو النفس المدركة. ومن هكذا حاله وشأنه فمن باب أولى يحول بين المرء وبين ما يملكه او يتعلق به ومنسوب اليه من ولد أو زوج أوصديق أو مال أوجاه أو حق، وهذا هو معنى القرب في قوله عز من قائل: Pوَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ O([11])، وقوله تعالى: Pوَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَO([12])، فهو أقرب إلى خلقه من كل شيء مفروض فهو سبحانه قريب على الإطلاق.
    وبالجملة فملكه سبحانه لعباده ملكاً حقيقياً وكونهم عباداً له هو الموجب لكونه تعالى قريباً منهم على الإطلاق وأقرب إليهم من كل شيء عند القياس وهذا الملك الموجب لجواز كل تصرف شاء كيفما شاء من غير دافع ولا مانع يقضي أن لله سبحانه أن يجيب أي دعاء دعا به أحد من خلقه ويرفع بالإعطاء والتصرف حاجته التي سأله فيها فإن الملك عام، والسلطان والإحاطة واقعتان على جميع التقادير من غير تقيد بتقدير دون تقدير لا كما يقوله اليهود: إن الله لما خلق الأشياء وقدر التقادير تم الأمر، وخرج زمام التصرف الجديد من يده بما حتمه من القضاء، فلا نسخ ولا بداء ولا استجابة لدعاء لأن الأمر مفروغ عنه، ولا كما يقوله جماعة من هذه الأمة وهم قدماء المعتزلة: أنْ لا صنع لله في أفعال عباده وهم القدرية الذين سماهم رسول الله k مجوس هذه الأمة فيما رواه الفريقان من قوله k: القدرية مجوس هذه الأمة([13]).
    بل الملك لله سبحانه على الإطلاق ولا يملك شيء شيئا إلاّ بتمليك منه سبحانه وإذن فما شاءه ملكه وأذن في وقوعه، يقع، وما لم يشأ ولم يملك ولم يأذن فيه لا يقع وإن بذل في طريق وقوعه كل جهد وعناية، قال تعالى: Pيَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إلى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُO ([14]).
    وعليه فما السبب في عدم تحقق الإجابة لكثير من الدعوات؟!!


    ([1]) وهي نصب العبد نفسه في مقام المملوكية والتبعية لله.

    ([2]) لسان العرب: مادة عبد.

    ([3]) مريم: 93.

    ([4]) راجع الميزان في تفسير القرآن: ج2، ص16.

    ([5]) غافر: 60.

    ([6]) الكهف: 110.

    ([7]) البقرة: 255.

    ([8]) يونس: 3.

    ([9]) الفاتحة: 5.

    ([10]) الأنفال: 24.

    ([11]) ق: 16.

    ([12]) الواقعة: 85.

    ([13]) أخرجه ابن بطة في «الإبانة» (كتاب القدر : 2/101/رقم 1517، و121/رقم 1549)، والبيهقي في «القدر» (2/676-677/رقم.

    ([14]) الفاطر: 15.




  • #2
    اللهم صل على محمد وال محمد
    احسنتم وبارك الله بكم
    شكرا لكم كثيرا

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X