إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فتوى عبد المجيد بن ابي رواد بقتل وكيع بن الجراح وسببها

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فتوى عبد المجيد بن ابي رواد بقتل وكيع بن الجراح وسببها

    بسم الله الرحمن الرحيم
    كان عبد المجيد بن أبي رواد فقيه مكة، قد أفتى بقتل وكيع بن الجراح – شيخ أحمد وابن معين والشافعي وطبقتهم- وذلك بعد أن استشاره هارون الرشيد واستشار سفيان بن عيينة في موضوع وكيع وحديثه، ففي (تاريخ الإسلام ت تدمري:
    حدَّث وكيع بهذا (أي الحديث في تنقص النبي) سنة حجّ الرشيد، فقدّموه إِليْهِ، فدعا الرشيد سُفْيان بْن عُيَيْنَة وعَبْد المجيد. فأمّا عَبْد المجيد فإنّه قَالَ: يجب أن يُقْتَلَ، فإنّه لم يروِ هذا إلا مِن في قلبه غش للنَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال سُفْيان: لا قتْلَ عَليْهِ، رجلٌ سَمِعَ حديثاً فرواه. المدينة شديدة الحرّ. تُوُفّي النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتُرِك ليلتين لأنّ القوم كانوا في إصلاح أمر الأمّة[1]. اه المراد، والحديث الذي رواه وكيع ضعيف بل منكر موضوع لا يصح، لكنه اعتقد صحته، وهذا موضوع آخر. إلا أن الغريب دفاعهم عن وكيع في حديث موضوع ينتقص النبي، بحجة أنه يرى صحته، بينما لا يتسامحون مع عبد المجيد في حديث صحيح السند ينتقص من معاوية[2]! ويرمونه بما ليس فيه من (احتمال التدليس)! هذا هو الغلو السلفي إلى اليوم، تصبح حماية معاوية أولى من حماية رسول الله من حيث الواقع والحكم على الرواة والأحاديث لا من حيث التشدق النظري.
    لعل أفضل من تحدث في هذا الأمر هو الذهبي فقال في ميزان الاعتدال إذ قال:
    ونقم على عبد المجيد أنه أفتى الرشيد بقتل وكيع، والحديث حدثناه قتيبة، حدثنا وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله البهي - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مات لم يدفن حتى ربا بطنه وانثنت خنصراه.
    قال قتيبة: حدث به وكيع بمكة، وكان سنة حج فيها الرشيد، فقدموه إليه، فدعا الرشيد سفيان بن عيينة وعبد المجيد (ابن أبي رواد) – أي استشارهم في وكيع وما حدث به -:
    فقال (عبد المجيد): يجب أن يقتل، فإنه لم يرو هذا إلا وفي قلبه غش للنبي صلى الله عليه وسلم.
    فسأل الرشيد سفيان، فقال: لا يجب عليه القتل، رجل سمع حديثاً فرواه، والمدينة شديدة الحر.
    توفى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين فترك إلى ليلة الاربعاء، فمن ذلك تغير.
    هذا هو الحديث الذي رواه وكيع وهو حديث ضعيف جداً أو موضوع، ولكن لا يباح به دم وكيع ولا غيره، فلم يقصد الانتقاص من النبي كما ظن عبد المجيد، والشهادة لله، فليس وكيع بهذا السوء، وحسن الظن واجب، ووكيع اغتر بهذا الحديث ككثير من الأحاديث الضعيفة التي يروونها معتقدين صحتها.
    ثم قال الذهبي معتذرا عن وكيع: قلت: النبي صلى الله عليه وسلم سيد البشر،[وهو بشر] يأكل ويشرب وينام، ويقضى حاجته، ويمرض ويتداوى، ويتسوك ليطيب فمه، فهو في هذا كسائر المؤمنين، فلما مات - بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم - عمل به كما يعمل بالبشر من الغسل والتنظيف والكفن واللحد والدفن، لكن ما زال طيباً مطيباً، حياً وميتاً، وارتخاء أصابعه المقدسة، وانثناؤها، وربو بطنه ليس معنا نص على انتفائه، والحي قد يحصل له ريح وينتفخ منه جوفه، فلا يعد هذا – وإن كان قد وقع - عيباً ، وإنما معنا نص على أنه لا يبلى، وأن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الانبياء (%)، بل ويقع هذا لبعض الشهداء رضي الله عنهم.
    أما من روى حديث عبد الله البهي ليغض به من منصب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا زنديق، بل لو روى الشخص حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر، وحاول بذلك تنقصاً كفر وتزندق، وكذا لو روى حديث أنه سلّم من اثنتين، وقال: ما درى كم صلى! يقصد بقوله شينه (k) ونحو ذلك كفر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فالغلو والاطراء منهي عنه، والادب والتوقير واجب، فإذا اشتبه الاطراء بالتوقير توقف العالم وتورع، وسأل من هو أعلم منه حتى يتبين له الحق، فيقول به، وإلا فالسكوت واسع له، ويكفيه التوقير المنصوص عليه في أحاديث لا تحصى، وكذا يكفيه مجانبة الغلو الذي ارتكبه النصارى في عيسى (A)، ما رضوا له بالنبوة حتى رفعوه إلى الالهية وإلى الوالدية، وانتهكوا رتبة الربوبية الصمدية، فضلوا وخسروا، فإن إطراء رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤدى إلى إساءة الادب على الرب، نسأل الله تعالى أن يعصمنا بالتقوى، وأن يحفظ علينا حبنا للنبي صلى الله عليه وسلم كما يرضى[3]. انتهى كلام الذهبي.
    وأراه معتدلاً في الجملة، وإن كان بعضه منكر كقوله: (إن إطراء رسول الله يؤدي إلى إساءة الأدب مع الله)، كلا والله، وإنما نهى رسول الله عن الغلو في إطراءه كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فهو نهي عن إطراء خاص، كما أن باطن كلام الذهبي يحمل تصحيحاً لحديث البهي ، والحديث باطل منكر منقطع، لكن أعجبني في هذا القول ترك الإلزامات و جعل المدار على النية، والنية لا يعلمها إلا الله، مع حسن الظن بالمسلم أياً كان، فليت الذهبي نفسه اطرد في هذا في تراجمه لغير السلفيين، وكذلك السلفيون، ليتهم يلتزمون بهذا الاعتذار عن وكيع فيعممونه في غير وكيع، لكنهم يسيئون الظن بغيرهم ويعتذرون عن أنفسهم، فالجميع من أهل حديث وأهل رأي وسنة وشيعة ..الخ كلهم يريدون الجنة ورضا الله، فلو يعمم منهج الذهبي هذا بحيث يتم به الاعتذار عن السلفي وغيره، فيشمل التراحم وحسن الظن جميع المسلمين، لو كان هذا لكان أفضل وأقرب للعدل والإنصاف وفهم الآخر[4].

    2 - عبيد الله بن عمر العدوي ثم العمري (نحو 145هـ): شيخ عبد المجيد، محدث مشهور ثقة من رجال الكتب الستة، وهو راوية نافع، روى عنه أكثر مما روى مالك، ومن الأسانيد الذهبية عند أهل الحديث (مالك عن نافع عن ابن عمر)، وفي ظني أنهم ما تركوا ذهبية (عبيد الله عن نافع عن ابن عمر) إلا لأن عبيد الله بن عمر العدوي كان أجرأ من مالك في بث ما يزعج أهل الحديث من حديث نافع عن ابن عمر، مع أن أحمد قدمه على مالك في نافع، وترجمة عبيد الله بن عمر في تقريب التهذيب لابن حجر إذ قال: عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني أبو عثمان ثقة ثبت قدمه أحمد بن صالح على مالك في نافع وقدمه ابن معين في القاسم عن عائشة على الزهري عن عروة عنها من الخامسة مات سنة بضع وأربعين ع وهو مشهور لا يحتاج إلى توسع في التعريف.

    3 - نافع مولى ابن عمر (118هـ): من رجال الجماعة وهو ثقة عندهم ومشهور جداً، إلا أنهم لم يصفوه بالنصب، مع أنه كان رجلاً فيه نصب، فكيف روى الحديث؟ لأحد سببين: إما أنه رواه ليضعفه فاختفى التضعيف وأخذ تلميذه أصل الحديث وهذا يحدث كثيراً ، وإما أنه على آخر ما كان عليه ابن عمر، فإن ابن عمر في آخر حياته ندم على ترك قتال معاوية مع علي، وأفصح عن أحاديث في ذم معاوية، ولعل ذلك من جملة الأسباب التي دعت الحجاج لقتله اغتيالاً : (والغريب أن غلاة السلفية ونواصب العصر يخفون اغتيال الحجاج له حماية لبني أمية، مع أن قصة الاغتيال في صحيح البخاري وتوسع ابن حجر في شرح ذلك في فتح الباري)!.

    4 - ابن عمر (74هـ): صحابي غني عن التعريف، اغتاله الحجاج بن يوسف في الحج بمكة، ومن مكر الحجاج أنه ذهب إليه ليعرف هل اكتشف أنه القاتل أم لا! ولما سأله وجد عند ابن عمر الخبر اليقين! ومع ذلك صلى عليه الحجاج إمعاناً في التلبيس، وقد عرف حينها ابن عمر أنه أخطأ في ترك قتال الفئة الباغية[5]، وفي هذه عبرة وأي عبرة؟ فما أكثر العبر وما أقل الاعتبار.
    إذا ؛ فهذا الإسناد - عبد المجيد عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر- صحيح، رجاله ثقات حجازيون، ولولا أثر دولة معاوية على أهل الحديث لربما دخل هذا الحديث في الصحيح.


    [1] تاريخ الإسلام: ج13 / ص 454.

    [2] بل ادعى سفيان بن عيينة أن الحديث الذي رواه وكيع – وهو في تنقص النبي – حديث معروف! يا ترى لو كان الحديث في تنقص معاوية هل سيقول سفيان : هذا حديث معروف؟ ففي تاريخ الإسلام ت تدمري (13 / 451) قَالَ ابن خشرم: فلمّا حدّث وكيع بهذا بمكة اجتمعت قريش وأرادوا صَلْبه، ونصبوا خشبة ليصلبوه، فجاء ابن عُيَيْنَة، فقال لهم: الله، هذا فقيه أهل العراق وابن فقيهه، وهذا حديث معروف! ، قَالَ: ولم أكن سمعته، إلّا أنّي أدرت تخليص وكيع . هنا سفيان بن عيينة شهادته باطلة، لم يكن قد سمع بالحديث، لكنه قال : حديث معروف! فهل هذا يفيد بأن سفيان بن عيينة أو غيره من أهل الحديث قد يضعون الحديث عند الضرورة؟ إن شاء الله لا.

    [3] ميزان الاعتدال: ج2 / ص 649.

    [4]وقد كرر الذهبي الاعتذار عن وكيع مع معاتبة في مواضع أخرى من كتبه، فقال في سير أعلام النبلاء ط الحديث (7 /570) معلقاً
    على موقف وكيع: )) فَهَذِهِ زَلَّةُ عَالِمٍ، فَمَا لِوَكِيْعٍ، وَلِرِوَايَةِ هَذَا الخَبَرِ المُنْكَرِ، المُنْقَطِ عِ الإِسْنَادِ! كَادَتْ نَفْسُهُ أَنْ تَذْهَبَ غَلَطا ، وَالقَائِمُوْنَ عَلَيْهِ مَعْذُوْرُوْنَ، بَلْ مَأْجُورُوْنَ، فَإِنَّهُم تَخَيَّلُوا مِنْ إِشَاعَةِ هَذَا الخَبَرِ ا لمَرْدُوْدِ، غَضّا مَا لِمَنْصِبِ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ يُوْهِمُ ذَلكِ، وَلَكِنْ إِذَا تَأَمَّلتَه، فَلاَ بَأْسَ -إِنْ شَاءَ اللهُ- بِذَلكِ، فَإِنَّ الحَيَّ قَدْ يَرْبُو جَوْفُهُ، وَتَستَرخِي مَفَاصِلُهُ...الخ، وقال في سير أعلام النبلاء ط الحديث (7 / 572): قَالَ قُتَيْبَةُ: فَكَانَ وَكِيْعٌ إِذَا ذَكَرَ فِعلَ عَبْدِ المَجِيْدِ، قَالَ: ذَاكَ جَاهِلٌ، سَمِعَ حَدِيْثا لَمْ يَعْرِفْ وَجْهَهُ، فَتَكَلَّمَ بِمَا تَكَلَّمَ، قُلْتُ (الذهبي): فَرَضنَا أَنَّهُ مَا فهم توجيه الحديث على ما تزعم، أفما لك عَقلٌ وَوَرَعٌ؟ أَمَّا سَمِعْتَ قَوْلَ الإِمَامِ عَلِيٍّ: حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُوْنَ، وَدَعُوا مَا يُنْكِرُوْنَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُوْلهُ؟ أَمَا سَمِعْتَ فِي الحَدِيْثِ: "مَا أَنْتَ مُحَدِّثٌ قَوْما حَدِيْثا لاَ تَبْلُغُهُ عُقُوْلُهُم، إِلاَّ كَانَ فِتْنَة لِبَعْضِ هِم"؟) فهذا عتاب من الذهبي لوكيع لكن كأنه يثبت الحديث سامحه الله، فلو صرح إن الحديث منقطع منكر لكان أبلغ وأوفى.

    [5] قال ابن عبد البر في ترجمته في كتابه الإستيعاب (1 / 290 ): (... وكان الحجاج قد أمر رجلاً فسم زج رمح، وزحمه في الطريق ووضع الزج في ظهر قدمه! وذلك أن الحجاج خطب يوما وأخر الصلاة، فقال ابن عمر: إن الشمس لا تنتظرك فقال له الحجاج: لقد هممت أن أضرب الذي فيه عيناك. قال: إن تفعل فإنك سفيه مسلط. وقيل: إنه أخفى قوله ذلك عن الحجاج، ولم يسمعه وكان يتقدم في المواقف بعرفة وغيرها إلى المواضع التي كان النبي صلى الله عليه وسلم وقف بها فكان ذلك يعز على الحجاج فأمر الحجاج رجلاً معه حربة يقال: إنها كانت مسمومة فلما دفع الناس من عرفة لصق به ذلك الرجل فأمر الحربة على قدمه وهي في غرز راحلته فمرض منها أياما فدخل عليه الحجاج يعوده، فقال له: من فعل بك يا أبا الرحمن؟ فقال: ما تصنع به؟ قال: قتلني الله إن لم أقتله. قال: ما أراك فاعلاً أنت الذي أمرت الذي بخسني بالحربة. فقال: لا تفعل يا أبا عبد الرحمن. وخرج عنه. وروي أنه قال للحجاج إذ قال له: من فعل بك قال: أنت الذي أمرت بإدخال السلاح في الحرم فلبث أياما ثم مات وصلى عليه الحجاج.
    حدثنا أبو القاسم خلف بن القاسم الحافظ قال: حدثنا عبد الله عمر بن إسحاق بن معمر الجوهري، قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين، قال: حدثنا أبو سعيد يحيى بن سليمان الجعفي، قال: حدثنا أسباط بن محمد، قال حدثنا عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت عن عبد الله بن عمر قال: ما آسى على شيء إلا أني لم أقاتل مع علي رضي الله عنه الفئة الباغية



المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X