هل كان النبي أمياً؟!
آية الله المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي
السؤال (853):
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه، والصلاة على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله الأخيار المنتجبين..
أما بعد.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
مولانا سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي..
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}(1)، وقال تعالى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ}(2), وقال سبحانه: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}(3), فهل كان النبي «صلى الله عليه وآله» لا يعرف الكتابة والقراءة، أم هناك شيء آخر؟!
الجواب:
بسمه تعالى, وله الحمد, والصلاة والسلام على محمد وآله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
1 ـ بالنسبة لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ}(4).. نقول له: إنه لا يدل على أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان أمياً لسببين:
الأول: إن المقصود بالأميين إن كان ـ كما قيل ـ هو سكان أم القرى, وهي مكة. فلا ربط للآية بالأمية التي أشرتم إليها في سؤالكم أصلاً..
وعلى هذا، فإذا كان هذا المعنى محتملاً في الآية احتمالاً معتداً به لم تعد صالحة للاستدلال بها على عدم معرفة الرسول بالقراءة والكتابة, لأن الاحتمال يبطل الاستدلال..
ثانياً: لو سلمنا أن المراد بالأميين هم من لا يعرفون القراءة والكتابة, فإن الآية لا تدل على أمية الرسول, بل تكون من قبيل قولك: بعثت إلى الجهلة في البلد الفلاني، والقبيلة الفلانية رجلاً منهم لكي يعلمهم, ويثقفهم, ويخرجهم من جهلهم, مع أن من ترسله ليس من الجهلة قطعاً. ولكنه من ذلك البلد، أو من تلك القبيلة.
فقوله: {رَسُولاً مِنْهُمْ} ليس معناه: أنه منهم في الأمية, إذ يمكن أن يكون المقصود أنه من جنسهم، أو منهم في النسب والعشيرة والعرق, أو منهم في البلد والسكنى والموطن.
2 ـ بالنسبة لقوله تعالى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ}(5), فهو لا يدل أيضاً على عدم معرفة الرسول, بالقراءة والكتابة, لأن مفاد الآية: أنك يا محمد قبل أن ننزل عليك وحينا لم تكن تعرف الكتاب (يعني القرآن بما فيه من شريعة, وسياسات, واعتقادات, وأخلاق, وأخبار الماضين, وحقائق ودقائق.. و.. و.. ولولا وحينا لم تدر ما الإيمان).
ولو كان المراد: الكتابة، لقال: ما كنت تدري الكتابة.
ثم إن القرآن هو النور الذي يهدي به الله من يشاء من عباده كما صرحت به نفس هذه الآية. أما الكتابة بما هي رسم الخط فليست نوراً يهدي به الله..
3 ـ أما قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}(6), فلا يدل أيضاً على عدم معرفة النبي «صلى الله عليه وآله» بالقراءة والكتابة أيضاً. لأن الآية تريد أن تقول: إنك يا محمد لم تقرأ كتب الأنبياء قبلك, ولم تتلها، ولكنه تعالى لم يذكر السبب في عدم تلاوته لها, هل هو عدم وصوله إليها؟! أو عدم معرفته بالقراءة؟! أو عدم حفظه لمضامينها؟! أو عدم اهتمامه بها؟! أم شيء آخر غير هذا كله؟!
وشاهدنا على ذلك: أنه يصح أن تقول لفلان العارف بجميع أنواع الخطوط, القارئ لكثير من الكتب: إنك لم تقرأ إلياذة هوميروس, ولم تقرأ تلمود اليهود, ولا توراتهم. مع أنه من أبرع الناس بالقراءة والكتابة.
كما أنه يصح القول: أيها الخطاط البارع إنك لم تخط بيمينك القرآن, ولا الإنجيل, ولا زبور داود, ولا صحف إبراهيم..
والخلاصة: إن عدم قراءته وكتابته لهذه الكتب أو تلك، وعدم تصديه لكتابتها قد يكون له أسباب مختلفة وعديدة.
والحمد لله, والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله..
--------------------------------------------
( 1) الآية 2 من سورة الجمعة.
( 2) الآية 52 من سورة الشورى.
( 3) الآية 52 من سورة الشورى.
( 4) الآية 48 من سورة العنكبوت.
( 5) الآية 52 من سورة الشورى.
( 6) الآية 48 من سورة العنكبوت.
آية_الله_المحقق_السيد_جعفر_مرتضى_العاملي
آية الله المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي
السؤال (853):
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه، والصلاة على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله الأخيار المنتجبين..
أما بعد.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
مولانا سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي..
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}(1)، وقال تعالى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ}(2), وقال سبحانه: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}(3), فهل كان النبي «صلى الله عليه وآله» لا يعرف الكتابة والقراءة، أم هناك شيء آخر؟!
الجواب:
بسمه تعالى, وله الحمد, والصلاة والسلام على محمد وآله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
1 ـ بالنسبة لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ}(4).. نقول له: إنه لا يدل على أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان أمياً لسببين:
الأول: إن المقصود بالأميين إن كان ـ كما قيل ـ هو سكان أم القرى, وهي مكة. فلا ربط للآية بالأمية التي أشرتم إليها في سؤالكم أصلاً..
وعلى هذا، فإذا كان هذا المعنى محتملاً في الآية احتمالاً معتداً به لم تعد صالحة للاستدلال بها على عدم معرفة الرسول بالقراءة والكتابة, لأن الاحتمال يبطل الاستدلال..
ثانياً: لو سلمنا أن المراد بالأميين هم من لا يعرفون القراءة والكتابة, فإن الآية لا تدل على أمية الرسول, بل تكون من قبيل قولك: بعثت إلى الجهلة في البلد الفلاني، والقبيلة الفلانية رجلاً منهم لكي يعلمهم, ويثقفهم, ويخرجهم من جهلهم, مع أن من ترسله ليس من الجهلة قطعاً. ولكنه من ذلك البلد، أو من تلك القبيلة.
فقوله: {رَسُولاً مِنْهُمْ} ليس معناه: أنه منهم في الأمية, إذ يمكن أن يكون المقصود أنه من جنسهم، أو منهم في النسب والعشيرة والعرق, أو منهم في البلد والسكنى والموطن.
2 ـ بالنسبة لقوله تعالى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ}(5), فهو لا يدل أيضاً على عدم معرفة الرسول, بالقراءة والكتابة, لأن مفاد الآية: أنك يا محمد قبل أن ننزل عليك وحينا لم تكن تعرف الكتاب (يعني القرآن بما فيه من شريعة, وسياسات, واعتقادات, وأخلاق, وأخبار الماضين, وحقائق ودقائق.. و.. و.. ولولا وحينا لم تدر ما الإيمان).
ولو كان المراد: الكتابة، لقال: ما كنت تدري الكتابة.
ثم إن القرآن هو النور الذي يهدي به الله من يشاء من عباده كما صرحت به نفس هذه الآية. أما الكتابة بما هي رسم الخط فليست نوراً يهدي به الله..
3 ـ أما قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}(6), فلا يدل أيضاً على عدم معرفة النبي «صلى الله عليه وآله» بالقراءة والكتابة أيضاً. لأن الآية تريد أن تقول: إنك يا محمد لم تقرأ كتب الأنبياء قبلك, ولم تتلها، ولكنه تعالى لم يذكر السبب في عدم تلاوته لها, هل هو عدم وصوله إليها؟! أو عدم معرفته بالقراءة؟! أو عدم حفظه لمضامينها؟! أو عدم اهتمامه بها؟! أم شيء آخر غير هذا كله؟!
وشاهدنا على ذلك: أنه يصح أن تقول لفلان العارف بجميع أنواع الخطوط, القارئ لكثير من الكتب: إنك لم تقرأ إلياذة هوميروس, ولم تقرأ تلمود اليهود, ولا توراتهم. مع أنه من أبرع الناس بالقراءة والكتابة.
كما أنه يصح القول: أيها الخطاط البارع إنك لم تخط بيمينك القرآن, ولا الإنجيل, ولا زبور داود, ولا صحف إبراهيم..
والخلاصة: إن عدم قراءته وكتابته لهذه الكتب أو تلك، وعدم تصديه لكتابتها قد يكون له أسباب مختلفة وعديدة.
والحمد لله, والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله..
--------------------------------------------
( 1) الآية 2 من سورة الجمعة.
( 2) الآية 52 من سورة الشورى.
( 3) الآية 52 من سورة الشورى.
( 4) الآية 48 من سورة العنكبوت.
( 5) الآية 52 من سورة الشورى.
( 6) الآية 48 من سورة العنكبوت.
آية_الله_المحقق_السيد_جعفر_مرتضى_العاملي