" كونوا مع أميرِ المُؤمنين الإمام علي بن أبي طالب , عليه السلام , في مواعظهِ البليغةِ "
"مع" ثقافةُ النهي ( لا تَكُن مِمّن ) وضرورةُ التخلي عن الصفاتِ القبيحةِ والأخلاقِ الرذيلةِ "
:... ما زلنا في تلك المواعظ البليغة لسيّد البلغاء والفُصحاء، أميرِ المُؤمنين الإمام علي بن أبي طالب , عليه السلام ، والتي قَالَ عنها السَيّدُ الشَريفُ الرَضي - جَامعُ النَهجِ المُبارَكِ :
( ولو لم يكن في هذا الكتابِ إلاّ هذا الكلامُ لكَفَى بهِ مَوعِظَةً نَاجِعَةً وحِكمَةً بَالِغَةً وبَصيرةً لمُبصِرٍ وعِبرَةً لنَاظِرٍ مُفَكّرٍ ) .
وقد تعرّضنا إلى بعضٍ من تلك المواعظ العظيمة ، والتي بيّن فيها بعض الصفات السلبيّة القلبيّة والسُلوكيّة ، التي يُمرّ بها الإنسانُ ،وتسببُ له المشاكل .
ومن جملة ما قال : عليه السلام : ( لِرَجُلٍ سَأَلَه أَنْ يَعِظَه - لَا تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو الآخِرَةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ -........... يَصِفُ الْعِبْرَةَ ولَا يَعْتَبِرُ - ويُبَالِغُ فِي الْمَوْعِظَةِ ولَا يَتَّعِظُ - فَهُوَ بِالْقَوْلِ مُدِلٌّ ومِنَ الْعَمَلِ مُقِلٌّ - يُنَافِسُ فِيمَا يَفْنَى ويُسَامِحُ فِيمَا يَبْقَى – يَرَى الْغُنْمَ مَغْرَماً والْغُرْمَ مَغْنَماً - يَخْشَى الْمَوْتَ ولَا يُبَادِرُ الْفَوْتَ - يَسْتَعْظِمُ مِنْ مَعْصِيَةِ غَيْرِه مَا يَسْتَقِلُّ أَكْثَرَ مِنْه مِنْ نَفْسِه - ويَسْتَكْثِرُ مِنْ طَاعَتِه مَا يَحْقِرُه مِنْ طَاعَةِ غَيْرِه - فَهُوَ عَلَى النَّاسِ طَاعِنٌ ولِنَفْسِه مُدَاهِنٌ - اللَّهْوُ مَعَ الأَغْنِيَاءِ أَحَبُّ إِلَيْه مِنَ الذِّكْرِ مَعَ الْفُقَرَاءِ - يَحْكُمُ عَلَى غَيْرِه لِنَفْسِه ولَا يَحْكُمُ عَلَيْهَا لِغَيْرِه - يُرْشِدُ غَيْرَه ويُغْوِي نَفْسَه - فَهُوَ يُطَاعُ ويَعْصِي ويَسْتَوْفِي ولَا يُوفِي -)
: نهجُ البلاغةِ ، ت ، د ، صبحي الصالح ، ص 499.
قال: عليه السلام: ( لا تَكُن مِمّن ) يَصِفُ الْعِبْرَةَ ولَا يَعْتَبِرُ - ويُبَالِغُ فِي الْمَوْعِظَةِ
ولَا يَتَّعِظُ - فَهُوَ بِالْقَوْلِ مُدِلٌّ ومِنَ الْعَمَلِ مُقِلٌّ -::-
:. نرى بعضَ الناسِ يلقي الدروسَ والمواعظَ والنصائح للآخرين ، ويُشهِّرُ بفلانٍ وفلان
أنّه قد أخطأ ، وصدرَت منه الزّلاتُ والعثراتُ الكذائيّة ، وأحياناً يُبالغُ بما يمرّ به الآخرون
في التوصيف والتحليل والسرد ، ويتعالى على الآخرين ببلاغته وكلامه ومقالاته ،
ولكن هو نفسه لا يتّعظ ولا يعتبر بهذه المواعظ والدروس ، مثله كمثل الذي عنده مال كثير يوزّعه على الناس لينتفعوا به ، وهو بحاجة إليه أكثر منهم ، أو كالفلاّح الذي ينتج ثماراً نافعة وكثيرة ويوزعها على الناس ولا ينتفع منها لنفسه ،وكذا الحال في العلم يبذله لغيره
ولا ينتفع به ، وهذه هي الخسارة الكبيرة واقعاً ، لعدم الاعتبار بما عنده ،
وهكذا الذين يكتبون في مقالاتهم البليغة أخطاء غيرهم وينصحوهم ولا يعتبرون
بما يصفون.
فهذا الشخص هُوَ بِالْقَوْلِ مُدِلٌّ ومِنَ الْعَمَلِ مُقِلٌّ -:- بمعنى هو يستعلي على الآخرين بعلمه وقابلياته على الكتابة ولباقته ، وهو فرحٌ بهذه القدرات والقابليات ، ولكنه لا يعمل ما يقول
أو ما يكتب أو ما ينصح به غيره (مُقِلٌّ).
فكلامه كثير وعمله قليل ، والحال أنَّه علينا إذا ألقينا المواعظَ على الناس فلنرى أنفسنا
هل نُطبّق ما نقوله ونعمل به ، وعلينا الانتباه لذلك ، فلا بُدّ من إيجاد التوازن بين القول والعمل لفظاً وتطبيقا ، وإلاَّ فسيكون هناك تناقض بين مقدار ما نقول وما نفعل.
ثُمَّ يقولُ : عليه السلامُ: يُنَافِسُ فِيمَا يَفْنَى ويُسَامِحُ فِيمَا يَبْقَى – :-
ومعنى ما يفنى هو أمور الدنيا ، وما يبقى هي أمور الآخرة ، ..
إنَّ التنافس مع الآخرين هو شيء جيد ومطلوب ، وخاصة إذا ما اقترن بهمة عالية وطاقة ووقت ، ولكن لا ينبغي أن يكون ذلك في السعي لنيل حظوظ الدنيا الفانية ،
بل ينبغي توظيفه في كسب الآخرة ، لا أن ننشط في مظان الدينا ونكسل في مرام الآخرة.
والمفروض أن نأخذَ من هذه الدنيا بمقدار الضرورة والحاجة ، ولا نهمل أمور آخرتنا.
وقال: عليه السلام: يَرَى الْغُنْمَ مَغْرَماً والْغُرْمَ مَغْنَماً -::-
الغُنم هو الغنيمة ، والغُرم هو الخسارة والضرر ، وهنا فرق بين المفاهيم والمعايير هذه ، فيختلفُ مفهوم الغنيمة أو الغرامة عند الإنسان المؤمن ، وكذلك يختلفُ أيضاً عند الإنسان الدنيوي .
فبعض الناس يرى أنَّ صرفَ الحقوق المالية للآخرين نقصاً وضرراً بحاله ، وما يصرفه في موارد اللهو واللعب والشهوات المُحرّمة ، وما يكسبه في المعاملات المحرّمة والشبهات يرى ذلك كلّه مغنماً وغنيمةً.
بينما الغنيمة الحقيقية أن تصرف الحقوق لأهلها ، وأن تعمل لما سيبقى كما صنع الرسول الأكرم , وأهل بيته الأطهار .
وقد وردَ الذم والتوبيخ لبعض الأعراب ممن يتصفون بهذه الصفات السلبية قال تعالى: ((وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ))(98) التوبة.
وأما المؤمنُ فيكون مصداقاً لقوله تعالى: ((وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) (99)التوبة.
وقال ، عليه السلامُ : - يَخْشَى الْمَوْتَ ولَا يُبَادِرُ الْفَوْتَ –:-
إنَّ الكثيرَ منّا يخاف من الموت لأنّه سيفوّت عليه أمور الدنيا وأمواله ، وبعضٌ آخر يخشى الموتَ لأنّه قد قصّرَ في عمره السابق ، ولم يبذله في تحصيل الطاعات والقُربات لله تعالى.
والشعور بالخوف من الموت هو أمر جيد عند الإنسان ، ولكن المشكلة في عدم المبادرة والمسارعة لتدارك ما فاته ، من تحصيل المزيد من الأعمال الصالحة والحسنات.
وكلنا مقصرون في ذلك ، وعلينا أن نبادرَ ونسارع للطاعات والخيرات ، لأنّنا لا نعلم ما بقي لنا من عمر .
قال - ::يَسْتَعْظِمُ مِنْ مَعْصِيَةِ غَيْرِه مَا يَسْتَقِلُّ أَكْثَرَ مِنْه مِنْ نَفْسِه - ويَسْتَكْثِرُ مِنْ طَاعَتِه مَا يَحْقِرُه مِنْ طَاعَةِ غَيْرِه - فَهُوَ عَلَى النَّاسِ طَاعِنٌ ولِنَفْسِه مُدَاهِنٌ –::
هذه الحالة هي موجودة عند الكثير , وفيها يرى العملَ الواحد بوجهين ،
ففي جانب معاصي الآخرين يستعظمها ويراها كبيرة ، ولا يرى لنفسه من ذلك شيئاً ،
بل يستصغر معاصي نفسه ,وفي جانب الطاعات يُعظّم طاعات نفسه ويُقلل من طاعات الآخرين وقيمتها ، وهذا يظهرُ كثيرا ما مثلاً في تأليف كتاب فيأخذه العُجبُ فيما كتب ويُصيبه الغرور , ويعتدُ بنفسه ,ولا يتواضع للآخرين .
بل كلّ همّه الطعن بغيره ولو لخطأ بسيط ، وينتقص من مشاريع الآخرين ، وينتقدهم ، متناسياً عيوب نفسه وأخطائه.
وقال :عليه السلام - :: اللَّهْوُ مَعَ الأَغْنِيَاءِ أَحَبُّ إِلَيْه مِنَ الذِّكْرِ مَعَ الْفُقَرَاءِ - يَحْكُمُ عَلَى غَيْرِه لِنَفْسِه ولَا يَحْكُمُ عَلَيْهَا لِغَيْرِه - يُرْشِدُ غَيْرَه ويُغْوِي نَفْسَه - فَهُوَ يُطَاعُ ويَعْصِي ويَسْتَوْفِي
ولَا يُوفِي -::-
بعض الناس هذا هو حاله كما وصف أمير المؤمنين ، عليه السلام ، يُقدّمُ اللهو واللعب مع الأغنياء المترفين وغير الملتزمين لا الأغنياء الصالحين ،على مساعدة الفقراء ، لأنَّ مصلحته تكون مع المترفين ،.
ثم يقول: عليه السلامُ ،: ويَسْتَوْفِي ولَا يُوفِي -::- بمعنى أنّه يطالب بحقه من الآخرين مادياً ومعنوياً ، ولكنه لا يفي بحقوقهم ، .
_______________________________________________
مَضمونُ خطبةِ الجُمعَةِ الأولى والتي ألقاهَا سَماحةُ الشيخ عبد المهدي الكربلائي ,دَامَ عِزّه, الوكيل الشرعي للمَرجعيّةِ الدّينيّةِ العُليا الشَريفةِ في الحَرَمِ الحُسَيني المُقدّس
,اليوم – السادس من جمادى الآخرة ,1439 هجري- الثالث والعشرون من شباط ,2018م.
_______________________________________________
: تدوين وتقرير – مُرْتَضَى عَلِي الحِلّي – النَجَفُ الأشْرَفُ –
- كَتَبْنَا بقَصدِ القُربَةِ للهِ تعالى , رَاجينَ القَبولَ والنَفعَ العَامَ , ونسألَكم الدُعاءَ-
_______________________________________________
"مع" ثقافةُ النهي ( لا تَكُن مِمّن ) وضرورةُ التخلي عن الصفاتِ القبيحةِ والأخلاقِ الرذيلةِ "
:... ما زلنا في تلك المواعظ البليغة لسيّد البلغاء والفُصحاء، أميرِ المُؤمنين الإمام علي بن أبي طالب , عليه السلام ، والتي قَالَ عنها السَيّدُ الشَريفُ الرَضي - جَامعُ النَهجِ المُبارَكِ :
( ولو لم يكن في هذا الكتابِ إلاّ هذا الكلامُ لكَفَى بهِ مَوعِظَةً نَاجِعَةً وحِكمَةً بَالِغَةً وبَصيرةً لمُبصِرٍ وعِبرَةً لنَاظِرٍ مُفَكّرٍ ) .
وقد تعرّضنا إلى بعضٍ من تلك المواعظ العظيمة ، والتي بيّن فيها بعض الصفات السلبيّة القلبيّة والسُلوكيّة ، التي يُمرّ بها الإنسانُ ،وتسببُ له المشاكل .
ومن جملة ما قال : عليه السلام : ( لِرَجُلٍ سَأَلَه أَنْ يَعِظَه - لَا تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو الآخِرَةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ -........... يَصِفُ الْعِبْرَةَ ولَا يَعْتَبِرُ - ويُبَالِغُ فِي الْمَوْعِظَةِ ولَا يَتَّعِظُ - فَهُوَ بِالْقَوْلِ مُدِلٌّ ومِنَ الْعَمَلِ مُقِلٌّ - يُنَافِسُ فِيمَا يَفْنَى ويُسَامِحُ فِيمَا يَبْقَى – يَرَى الْغُنْمَ مَغْرَماً والْغُرْمَ مَغْنَماً - يَخْشَى الْمَوْتَ ولَا يُبَادِرُ الْفَوْتَ - يَسْتَعْظِمُ مِنْ مَعْصِيَةِ غَيْرِه مَا يَسْتَقِلُّ أَكْثَرَ مِنْه مِنْ نَفْسِه - ويَسْتَكْثِرُ مِنْ طَاعَتِه مَا يَحْقِرُه مِنْ طَاعَةِ غَيْرِه - فَهُوَ عَلَى النَّاسِ طَاعِنٌ ولِنَفْسِه مُدَاهِنٌ - اللَّهْوُ مَعَ الأَغْنِيَاءِ أَحَبُّ إِلَيْه مِنَ الذِّكْرِ مَعَ الْفُقَرَاءِ - يَحْكُمُ عَلَى غَيْرِه لِنَفْسِه ولَا يَحْكُمُ عَلَيْهَا لِغَيْرِه - يُرْشِدُ غَيْرَه ويُغْوِي نَفْسَه - فَهُوَ يُطَاعُ ويَعْصِي ويَسْتَوْفِي ولَا يُوفِي -)
: نهجُ البلاغةِ ، ت ، د ، صبحي الصالح ، ص 499.
قال: عليه السلام: ( لا تَكُن مِمّن ) يَصِفُ الْعِبْرَةَ ولَا يَعْتَبِرُ - ويُبَالِغُ فِي الْمَوْعِظَةِ
ولَا يَتَّعِظُ - فَهُوَ بِالْقَوْلِ مُدِلٌّ ومِنَ الْعَمَلِ مُقِلٌّ -::-
:. نرى بعضَ الناسِ يلقي الدروسَ والمواعظَ والنصائح للآخرين ، ويُشهِّرُ بفلانٍ وفلان
أنّه قد أخطأ ، وصدرَت منه الزّلاتُ والعثراتُ الكذائيّة ، وأحياناً يُبالغُ بما يمرّ به الآخرون
في التوصيف والتحليل والسرد ، ويتعالى على الآخرين ببلاغته وكلامه ومقالاته ،
ولكن هو نفسه لا يتّعظ ولا يعتبر بهذه المواعظ والدروس ، مثله كمثل الذي عنده مال كثير يوزّعه على الناس لينتفعوا به ، وهو بحاجة إليه أكثر منهم ، أو كالفلاّح الذي ينتج ثماراً نافعة وكثيرة ويوزعها على الناس ولا ينتفع منها لنفسه ،وكذا الحال في العلم يبذله لغيره
ولا ينتفع به ، وهذه هي الخسارة الكبيرة واقعاً ، لعدم الاعتبار بما عنده ،
وهكذا الذين يكتبون في مقالاتهم البليغة أخطاء غيرهم وينصحوهم ولا يعتبرون
بما يصفون.
فهذا الشخص هُوَ بِالْقَوْلِ مُدِلٌّ ومِنَ الْعَمَلِ مُقِلٌّ -:- بمعنى هو يستعلي على الآخرين بعلمه وقابلياته على الكتابة ولباقته ، وهو فرحٌ بهذه القدرات والقابليات ، ولكنه لا يعمل ما يقول
أو ما يكتب أو ما ينصح به غيره (مُقِلٌّ).
فكلامه كثير وعمله قليل ، والحال أنَّه علينا إذا ألقينا المواعظَ على الناس فلنرى أنفسنا
هل نُطبّق ما نقوله ونعمل به ، وعلينا الانتباه لذلك ، فلا بُدّ من إيجاد التوازن بين القول والعمل لفظاً وتطبيقا ، وإلاَّ فسيكون هناك تناقض بين مقدار ما نقول وما نفعل.
ثُمَّ يقولُ : عليه السلامُ: يُنَافِسُ فِيمَا يَفْنَى ويُسَامِحُ فِيمَا يَبْقَى – :-
ومعنى ما يفنى هو أمور الدنيا ، وما يبقى هي أمور الآخرة ، ..
إنَّ التنافس مع الآخرين هو شيء جيد ومطلوب ، وخاصة إذا ما اقترن بهمة عالية وطاقة ووقت ، ولكن لا ينبغي أن يكون ذلك في السعي لنيل حظوظ الدنيا الفانية ،
بل ينبغي توظيفه في كسب الآخرة ، لا أن ننشط في مظان الدينا ونكسل في مرام الآخرة.
والمفروض أن نأخذَ من هذه الدنيا بمقدار الضرورة والحاجة ، ولا نهمل أمور آخرتنا.
وقال: عليه السلام: يَرَى الْغُنْمَ مَغْرَماً والْغُرْمَ مَغْنَماً -::-
الغُنم هو الغنيمة ، والغُرم هو الخسارة والضرر ، وهنا فرق بين المفاهيم والمعايير هذه ، فيختلفُ مفهوم الغنيمة أو الغرامة عند الإنسان المؤمن ، وكذلك يختلفُ أيضاً عند الإنسان الدنيوي .
فبعض الناس يرى أنَّ صرفَ الحقوق المالية للآخرين نقصاً وضرراً بحاله ، وما يصرفه في موارد اللهو واللعب والشهوات المُحرّمة ، وما يكسبه في المعاملات المحرّمة والشبهات يرى ذلك كلّه مغنماً وغنيمةً.
بينما الغنيمة الحقيقية أن تصرف الحقوق لأهلها ، وأن تعمل لما سيبقى كما صنع الرسول الأكرم , وأهل بيته الأطهار .
وقد وردَ الذم والتوبيخ لبعض الأعراب ممن يتصفون بهذه الصفات السلبية قال تعالى: ((وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ))(98) التوبة.
وأما المؤمنُ فيكون مصداقاً لقوله تعالى: ((وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) (99)التوبة.
وقال ، عليه السلامُ : - يَخْشَى الْمَوْتَ ولَا يُبَادِرُ الْفَوْتَ –:-
إنَّ الكثيرَ منّا يخاف من الموت لأنّه سيفوّت عليه أمور الدنيا وأمواله ، وبعضٌ آخر يخشى الموتَ لأنّه قد قصّرَ في عمره السابق ، ولم يبذله في تحصيل الطاعات والقُربات لله تعالى.
والشعور بالخوف من الموت هو أمر جيد عند الإنسان ، ولكن المشكلة في عدم المبادرة والمسارعة لتدارك ما فاته ، من تحصيل المزيد من الأعمال الصالحة والحسنات.
وكلنا مقصرون في ذلك ، وعلينا أن نبادرَ ونسارع للطاعات والخيرات ، لأنّنا لا نعلم ما بقي لنا من عمر .
قال - ::يَسْتَعْظِمُ مِنْ مَعْصِيَةِ غَيْرِه مَا يَسْتَقِلُّ أَكْثَرَ مِنْه مِنْ نَفْسِه - ويَسْتَكْثِرُ مِنْ طَاعَتِه مَا يَحْقِرُه مِنْ طَاعَةِ غَيْرِه - فَهُوَ عَلَى النَّاسِ طَاعِنٌ ولِنَفْسِه مُدَاهِنٌ –::
هذه الحالة هي موجودة عند الكثير , وفيها يرى العملَ الواحد بوجهين ،
ففي جانب معاصي الآخرين يستعظمها ويراها كبيرة ، ولا يرى لنفسه من ذلك شيئاً ،
بل يستصغر معاصي نفسه ,وفي جانب الطاعات يُعظّم طاعات نفسه ويُقلل من طاعات الآخرين وقيمتها ، وهذا يظهرُ كثيرا ما مثلاً في تأليف كتاب فيأخذه العُجبُ فيما كتب ويُصيبه الغرور , ويعتدُ بنفسه ,ولا يتواضع للآخرين .
بل كلّ همّه الطعن بغيره ولو لخطأ بسيط ، وينتقص من مشاريع الآخرين ، وينتقدهم ، متناسياً عيوب نفسه وأخطائه.
وقال :عليه السلام - :: اللَّهْوُ مَعَ الأَغْنِيَاءِ أَحَبُّ إِلَيْه مِنَ الذِّكْرِ مَعَ الْفُقَرَاءِ - يَحْكُمُ عَلَى غَيْرِه لِنَفْسِه ولَا يَحْكُمُ عَلَيْهَا لِغَيْرِه - يُرْشِدُ غَيْرَه ويُغْوِي نَفْسَه - فَهُوَ يُطَاعُ ويَعْصِي ويَسْتَوْفِي
ولَا يُوفِي -::-
بعض الناس هذا هو حاله كما وصف أمير المؤمنين ، عليه السلام ، يُقدّمُ اللهو واللعب مع الأغنياء المترفين وغير الملتزمين لا الأغنياء الصالحين ،على مساعدة الفقراء ، لأنَّ مصلحته تكون مع المترفين ،.
ثم يقول: عليه السلامُ ،: ويَسْتَوْفِي ولَا يُوفِي -::- بمعنى أنّه يطالب بحقه من الآخرين مادياً ومعنوياً ، ولكنه لا يفي بحقوقهم ، .
_______________________________________________
مَضمونُ خطبةِ الجُمعَةِ الأولى والتي ألقاهَا سَماحةُ الشيخ عبد المهدي الكربلائي ,دَامَ عِزّه, الوكيل الشرعي للمَرجعيّةِ الدّينيّةِ العُليا الشَريفةِ في الحَرَمِ الحُسَيني المُقدّس
,اليوم – السادس من جمادى الآخرة ,1439 هجري- الثالث والعشرون من شباط ,2018م.
_______________________________________________
: تدوين وتقرير – مُرْتَضَى عَلِي الحِلّي – النَجَفُ الأشْرَفُ –
- كَتَبْنَا بقَصدِ القُربَةِ للهِ تعالى , رَاجينَ القَبولَ والنَفعَ العَامَ , ونسألَكم الدُعاءَ-
_______________________________________________
تعليق