اللهم صل على محمد وآل محمد
حبل الله المتين (۱)
حبل الله المتين (۱)
يُضرب الحبل مثلاً لكلّ وسيلة ينجو بها الإنسان ، خصوصاً إذا كان التخوّف من السّقوط ، فإنّ الحبل وسيلة ينجو بها المتسلّق في الجبال يمسك به ويحفظ نفسه من السقوط ، بل أكثر من ذلك فهو وسيلة للارتفاع وصعود القمم الشامخة وبلوغ الأمانيّ الصعبة.
ولمّا كانت جهنّم هي الهاوية وحُفر النيران الّتي لها جذب وتدعو من أدبر وتولّى وكلّ منّا واردها ، انحصر طريق النجاة بالتمسّك بالنّبيّ صلّى الله عليه وآله ؛ لأنّهم على الصراط المستقيم ، وهم حبل الله ، والتمسّك بهم منجاة من السقوط. وجاء في كثير من الأخبار تفسير حبل الله في قوله تعالى ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ) بالنّبيّ والأئمّة عليهم السلام. (۲)
عن إسحاق بن غالب عن أبي عبد الله الصّادق عليه السلام في خطبة طويلة له : ... مضىٰ رسول الله صلّى الله عليه وآله وخلّف في أمّته كتاب الله ووصيّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام أمير المؤمنين ، وإمام المتّقين ، وحبل الله المتين ، وعروته الوثقى. (۳)
وفي قوله تعالى : ( إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ ) (٤). قال : الحبل من الله كتاب الله ، والحبل من النّاس هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام. (٥)
وقال عليّ عليه السلام : أنا الهادي وأنا المهتدي ، وأنا أبو اليتامى والمساكين وأنا ملجأ كلّ ضعيف ومأمن كلّ خائف ، وأنا قائد المؤمنين إلى الجنّة ، وأنا حبل الله المتين ، وأنا العروة الوثقى ، وكلمة التقوى ، وأنا عين الله ، ولسانه الصادق. (٦)
وقال الثعلبيّ بإسناده : روى أبان بن تغلب عن جعفر بن محمّد عليهما السلام : نحن حبل الله ، قال الله عزّ وجلّ ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ). (۷)
وروى أبو سعيد الخُدريّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه قال : أيّها النّاس ، إنّي تركت فيكم خليفتين ، إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله حبلٌ ممدودٌ من السّماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي. ألا وإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض (۸). ويخبر رسول الله صلّى الله عليه وآله عن دنوّ أجله وقرب رحيله عن هذه الحياة : يقول : وإنّي تارك فيكم الثّقَلين.
وروى الشيخ المفيد رحمه الله في كتاب الغيبة تأويل هذه الآية ، وهو من محاسن التّأويل ، عن محمّد بن الحسن ، عن أبيه ، عن جدّه قال : قال عليّ بن الحسين عليهما السلام : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله ذات يوم جالساً في المسجد ، وأصحابه حوله ، فقال لهم : يطلع عليكم رجل من أهل الجنّة يسأل عمّا يعنيه. قال : فطلع علينا رجل شبيه برجال مصر ، فتقدّم وسلّم على رسول الله صلّى الله عليه وآله وجلس ، وقال : يا رسول الله ، إنّي سمعت الله يقول : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) ، فما هذا الحبل الّذي أمر الله بالاعتصام به ، ولا نتفرّق عنه ؟ قال : فأطرق ساعة ، ثمّ رفع رأسه ، وأشار إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام وقال : هذا حبل الله الّذي مَن تمسّك به عُصم في دنياه ، ولم يضلّ في أخراه ، الحديث. (۹)
وهذا الحديث المشهور بحديث الثقلين ، يدلّ على أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله خلّف لأُمّته هذين الثقلين العظيمين واعتمد عليهما ، وقرن سعادة المسلمين بالتمسّك بهما معاً.
واعتبر رسول الله صلّى الله عليه وآله عليّاً عليهالسلام عِدل القرآن وأحد الثقلين ، وصرّح أنّهما لن يفترقا إلى يوم القيامة ، فالقرآن مع العترة ، والعترة مع القرآن ، فمن لم يتمسّك بأهل البيت لم يتمسّك بالقرآن وإن زعم ذلك ، وهو في الآخرة من الخاسرين ، ويشمله قوله تعالى : ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ). (۱۰)
وممّا يؤسف له أنّ خصوم أهل البيت حرّفوا هذا الحديث النبويّ الشريف فحذفوا كلمة « عترتي » ووضعوا مكانها كلمة « سُنّتي » دفعاً لآل محمّد صلّى الله عليه وآله وتبريراً لتمسّكهم ـ حسب زعمهم ـ بالسُّنّة وتركهم العترة الطاهرة.
المطلب الأساسيّ في هذا الحديث هو أنّ الثقلين لايقبلان التفكيك بينهما فلا يتيسّر الأخذ بأحدهما دون الآخر كما قيل : « حسبنا كتاب الله ». وهذا هو المفهوم من الحديث لا الإخبار بأنّهما لا يختلفان ، ولا يفترقان ، ولا يقع بينهما الجدال ، فهذا أمر ضروريّ لم يحتج إلى البيان. والخبر برمّته متّفق عليه بين العامّة والخاصّة.
وقال الحاكم الحسكانيّ بإسناده في تفسير قوله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ) عن عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام ، عن آبائه عن عليّ عليه السلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : مَن أحبّ أن يركب سفينة النجاة ويستمسك بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل الله المتين ، فليوالِ عليّاً ، وليأتمّ بالهداة من ولده.
وعنه أيضاً وعن جعفر بن محمّد عليهما السلام قال : نحن حبل الله الّذي قال الله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ) ، فالمستمسك بولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام المستمسك بالبرّ ، فمن تمسّك به كان مؤمناً ومن تركه كان خارجاً من الإيمان. (۱۱)
وقال زين الدين عليّ بن يوسف بن جبر بإسناده عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال : إذا كان يوم القيامة نودي : أين خليفة الله في أرضه ؟ فيقوم داود فيقال ، لسنا إيّاك أردنا وإن كنت لله خليفة ، فيقوم عليّ بن أبي طالب عليه السلام فيأتي النداء : يا معشر الخلائق ، هذا عليّ بن أبي طالب خليفة الله في أرضه ، وحجّته على عباده ، فمَن تعلّق بحبله في دار الدنيا فليتعلّق بحبله في هذا اليوم ، ليستضيء بنوره وليتبعه إلى الجنّة. (۱۲)
----------------------------
----------------------------
1- . ورد هذ اللفظ في كتاب الله تعالى كما ورد في السنة المطهرة
۲. أمالي الطوسيّ ۲۷۲؛ مناقب آل أبي طالب ۲، ۲۷۳؛ شواهد التنزيل ۱ / ۱٦۸ـ ۱۷۰؛ الهداية الكبرى ۲۳۹.
۳. اللوامع النورانيّة ۳۹، ٤۰.
٤. آل عمران / ۱۱۲.
٥. اللوامع النورانيّة ٦٤.
٦. التوحيد للصدوق ۱٦٤ ؛ ينابيع المودّة ۳ / ٤۰۱.
۷. تفسير الثعلبيّ ۳ / ۱٦۳؛ الصواعق المحرقة ۱٥۱، والآية في سورة آل عمران / ۱۰۳.
۸. مسند أحمد بن حنبل ٥ / ۱۸۹، ۱۹۰، ٤۹۲، ٦ / ۲۳۲، ۲٤٤ ؛ مصابيح السنّة ٤ / ۱۹۰؛ طبقات ابن سعد ۱ / ۱۹٤ ؛ المستدرك للحاكم ۳ / ۱۱۰؛ الموطّأ ۲ / ۸۹۹رقم ۳؛ تهذيب التهذيب ۸ / ۳۷۷؛ الصواعق المحرقة ۱٤٥ ؛ ۱٤۹، ۱۲٦ ، وفيه : أنّي مخلّف فيكم كتاب ربّي عزّ وجلّ وعترتي أهل بيتي ، ثمّ أخذ بيد عليّ فرفعها ، فقال : هذا عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ لا يفترقان حتّى يردا عَلَيّ الحوض ؛ تذكرة الخواصّ ۳۲۲؛ المعجم الكبير للطبرانيّ ۳ / ۱۰۹، ٥ / ۱٦٦ رقم ٤۹٦۹؛ المعجم الأوسط للطبرانيّ ۷ / ٤۹رقم ٦۰۸۱؛ المعجم الصغير ۱ / ۱۳۱، ۷۱، ذكر أخبار إصبهان ۱ / ۱٦۱؛ حلية الأولياء ٤ / ۲۳؛ المناقب لابن مغازليّ ۱۸، ۲۳٤ ـ ۲۳٦ ؛ سنن الدارميّ ۲ / ٤۳۱، كتاب فضائل القرآن ؛ خصائص النسائيّ ۱۱۲رقم ۷۸؛ مجمع الزوائد ۹ / ۱۸۳؛ المناقب للخوارزميّ ۱٥٤ رقم ۱۸۲؛ سنن الترمذيّ ٥ / ٦۳۳رقم ۳۷۱۳؛ السنن الكبرى للبيهقيّ ٥ / ٤٥ رقم ۸۱٤۸؛ تهذيب الكمال ۱۱ / ۹۰؛ فيض القدير ۳ / ۱٥ ، وفيه : في هذا الحديث تصريح بأنّهما ـ أيّ القرآن والعترة ـ كتوأمين خلّفهما وأوصى أُمّته بحسن معاملتهما وإيثار حقّهما على أنفسهم والاستماك بهما في الدّين.
۹. الغيبة للنعمانيّ ٤۱، باب ۲؛ تأويل الآيات الظاهرة ۱۲۳؛ نهج الإيمان ٥٤۷.
۱۰. الكهف / ۱۰۳ـ ۱۰٤.
۱۱. شواهد التنزيل ۱ / ۱٦۸، ۱٦۹.
۱۲. نهج الإيمان ۳۸۹؛ مناقب آل أبي طالب ۳ / ۷۸.
تعليق