بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مراتب الولاية في القرآن الكريم
1ـ الولاية الذاتية: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ... ﴾
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مراتب الولاية في القرآن الكريم
يقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ 1.
الولاية في القرآن الكريم ـ كما تحكيها هذه الآية الشريفة ـ لها ثلاث مراتب طولية متدرّجة هي:
الولاية في القرآن الكريم ـ كما تحكيها هذه الآية الشريفة ـ لها ثلاث مراتب طولية متدرّجة هي:
1ـ الولاية الذاتية: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ... ﴾
وهي ولاية الله ـ سبحانه وتعالى ـ، وتُسمّى - كذلك - (الولاية الأصلية) و(ولاية الآصال) و(الولاية الاستقلالية)؛ لأنّها الأصل والمصدر لكل مراتب الولاية الأخرى، والأسّ الذي تتفرّع منه تلك المراتب، وهي الولاية التي يستقلّ العقل بالقول بها وفرضها وإنشائها والاعتقاد بها، ويؤمن بها حتى لو لم يكن هناك نصّ ديني، والنصوص الدينية عليها مؤكدة لتأسيسه، وليست مؤسسة لأمر جديد.
فالأصل يقتضي (أنّ لا ولاية لأحد على أحد)، ثمّ يُخصَّص هذا الحكم العقلي العام بمخصّصات عقلية أخرى تقضي بولاية الله على البشر؛ لأنّه الخالق، فله الولاية على خلقه، ولأنّه المنعم، فله ولاية على من أنعم عليهم، وشكر المنعم التام يقتضي تلك الولاية، ولأنّ البشر (ممكن الوجود)، ووجوده متقوّم بوجود الباري تعالى (واجب الوجود)، ولا وجود استقلالي للممكنات دون الواجب، فهو وليّها والقائم عليها، ولأنّه لابدّ من حفظ النظام، ولابدّ من سائس وولي يسعى لاستخراج القانون الأصلح للمجتمع وتنفيذه، والعقل يحكم بضرورة هذا لكي يتعايش الناس، وتسير أمورهم، كما يحكم أنّ الله العارف العليم الخبير بشؤون البشر هو الأولى أن يضع لهم ذلك النظام والتقنين والتشريع (الشريعة).
ومن ثمّ فهناك أربعة مخصّصات عقلية تثبت ولاية الله، وهي:أ- الخالقية.
ب - شكر المنعم.
ج - قيمومة الممكن بالواجب (الأصل الفلسفي).
د - حفظ النظام2.
والآية الشريفة تشير إلى هذه الولاية الأصلية لله.
2ـ الولاية الامتدادية:﴿ ... وَرَسُولُهُ ... ﴾ فالأصل يقتضي (أنّ لا ولاية لأحد على أحد)، ثمّ يُخصَّص هذا الحكم العقلي العام بمخصّصات عقلية أخرى تقضي بولاية الله على البشر؛ لأنّه الخالق، فله الولاية على خلقه، ولأنّه المنعم، فله ولاية على من أنعم عليهم، وشكر المنعم التام يقتضي تلك الولاية، ولأنّ البشر (ممكن الوجود)، ووجوده متقوّم بوجود الباري تعالى (واجب الوجود)، ولا وجود استقلالي للممكنات دون الواجب، فهو وليّها والقائم عليها، ولأنّه لابدّ من حفظ النظام، ولابدّ من سائس وولي يسعى لاستخراج القانون الأصلح للمجتمع وتنفيذه، والعقل يحكم بضرورة هذا لكي يتعايش الناس، وتسير أمورهم، كما يحكم أنّ الله العارف العليم الخبير بشؤون البشر هو الأولى أن يضع لهم ذلك النظام والتقنين والتشريع (الشريعة).
ومن ثمّ فهناك أربعة مخصّصات عقلية تثبت ولاية الله، وهي:أ- الخالقية.
ب - شكر المنعم.
ج - قيمومة الممكن بالواجب (الأصل الفلسفي).
د - حفظ النظام2.
والآية الشريفة تشير إلى هذه الولاية الأصلية لله.
وهي ولاية من افترض الله تعالى ولايته على العباد، وتُسمى - أيضاً - (ولاية التبع)، و(الولاية التبعية)؛ لأنّها امتداد وتبع لولاية الله.فمن ولاية الله تنشأ الولاية لمن منحه الله إياها على العباد، وهنا تقع ولاية الرسل والأوصياء والأئمة، ومنها ولاية الرسول التي هي امتداد وفرع لولاية الله تعالى.وإذا قلنا: إنّ المقصود من﴿ ... وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ 1هم المعصومون من أهل البيت، أي الإمام علي والصديقة الزهراء وأبناؤهما الأئمة، وبتعبير آخر: السيّدة الزهراء والأئمة الاثنا عشر، فسيكون هذا المقطع حديثاً خالصاً عن (الولاية الامتدادية)، وستكون الآية متحدثة عن مرتبتين فقط من مراتب الولاية هما: الولاية الذاتية، والولاية الامتدادية، ولن يكون فيها شاهد للمرتبة الثالثة من الولاية، وهي (الولاية الاعتبارية)، وسيكون علينا لإتمام دائرة الولاية أن نبحث عن مثال قرآني آخر يشهد لها.
3ـ الولاية الاعتبارية:﴿ ... وَالَّذِينَ آمَنُوا ... ﴾ وهي ولاية من سنّ الله والمعصوم ولايته (ولو في بعض شؤون ومتعلقات الولاية)، كولاية الفقيه والفقهاء، وولاية الأمة، وولاية المؤمنين على بعضهم، وولاية الآباء على الأبناء.وهذا معتمد على نصوص كثيرة منها تحديد المقصود بقوله تعالى:﴿ ... وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ 1:أـ فإذا فسّرناه بالمعصومين من أهل بيت النبي، كان ذلك تفصيلاً لأفراد الولاية الامتدادية، وأنّها للرسول والزهراء والأئمة، كما تقدّم في المرتبة الثانية للولاية، ولن يكون في الآية شاهد للولاية الاعتبارية.ب ـ وإذا فسّرناه بالفقهاء ـ كما يفعل البعض ـ كان هذا شاهداً للولاية الاعتبارية، وإشارة لقسم منها وهو: ولاية الفقيه والفقهاء.ج ـ وإذا فسّرناه بولاية الأمة المؤمنة على نفسها، فسيكون ـ كذلك ـ حديثاً عن (الولاية الاعتبارية)، ومثالاً لقسم منها، وهو (ولاية الأمة)، أي الولاية السياسية للأمة على نفسها، وعدم اشتراط كون الولي على الأمة فقيهاً مرجعاً.د ـ وإذا فسّرناه بعموم المؤمنين، فسيكون ـ كذلك ـ شاهداً للولاية الاعتبارية، ومثالاً لولاية المؤمنين عموماً على بعضهم (ولاية المؤمنين)، التي حكتها آيات أخرى كقوله تعالى:﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ 3.وفي الصور الثلاث الأخيرة من هذه التفسيرات الأربعة سيكون قوله تعالى:﴿ ... وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ 1حديثاً خالصاً عن الولاية الاعتبارية سواء تمثلت في ولاية الفقيه، أم ولاية الأمة، أم ولاية المؤمنين، وسيكون تأسيس الولاية الامتدادية مشتقاً من كلمة﴿ ... وَرَسُولُهُ ... ﴾ 1التي ستُفسّر بالرسول الأكرم، ومن يمتدّ لهم منصبه من عترته الطاهرة المعصومة؛ لأنّهم خلفاؤه، ولهم منصبه من بعده.
المسار القرآني لمراتب الولايةوهذه الخطوط الثلاثة للولاية (الذاتية ـ الامتدادية ـ الاعتبارية) تمثل مساراً قرآنياً عاماً كثر ذكره في القرآن الكريم على نحو ذكر مراتب الولاية في آية واحدة أو في آيات متفرّقة، ومن ذلك:
- [*=center]﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ 4.
[*=center]
[*=center]﴿ النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ﴾ 5.
[*=center]
[*=center]﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ... ﴾ 6.
[*=center]
[*=center]﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ 3.
[*=center]
من شذا الآية: وقبل أن نسدلّ الستار على البستان البهيج لهذه الآية نقف بعض وقفات ننتشي فيها بسكر شذاها العبق:
- [*=center]بدأت الآية الكريمة بالأداة﴿ إِنَّمَا ... ﴾ 1 (إِنَّمَا)، وهي أداة تدلّ على الحصر، أي أنّ هذه المراتب الثلاث التي ذكرتها هي المراتب الحقيقية للولاية، فهو حصر حقيقي، لا إضافي.
[*=center]
[*=center]جاءت ﴿ ... وَلِيُّكُمُ ... ﴾ 1بصيغة المفرد مع أنّ المشمول بها ثلاثة هم﴿ ... اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ... ﴾ 1؛ لإثبات أنّها ولاية واحدة لها مستويات، ومن ثمّ فالإفراد هنا أدقّ من الجمع ﴿ ... أَوْلِيَائِكُمْ ... ﴾ 5، فهي ولاية واحدة لها مراتب طولية متدرّجة:
[*=center]فالولاية الأصلية لله، ومنها تنبثق ولاية الرسول، ومن ولاية الرسول تنبثق ولاية العترة المعصومة. والعموم ـ هنا ـ (عموم مجموعي) ـ حسب التعبير الأصولي ـ، فالكفر والتكذيب لأيّ مرتبة من مراتب الولاية هو كفر وتكذيب بالجميع.
[*=center]
المصادر
1. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 55، الصفحة: 117.
2. الشيخ علي آل موسى، (السلطان والمجتمع: بحث فقهي في آلية التعامل)، تقرير لبحوث العلامة الشيخ عبد اللطيف الشبيب (ره)، مجلة (البصائر)، العدد 21، السنة التاسعة، خريف 1417هـ/ 1996م، ص 12- 15.
3. a. b. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 71، الصفحة: 198.
4. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 59، الصفحة: 87.
5. a. b. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 6، الصفحة: 418.
6. القران الكريم: سورة الأنفال (8)، الآية: 72، الصفحة: 186.
1. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 55، الصفحة: 117.
2. الشيخ علي آل موسى، (السلطان والمجتمع: بحث فقهي في آلية التعامل)، تقرير لبحوث العلامة الشيخ عبد اللطيف الشبيب (ره)، مجلة (البصائر)، العدد 21، السنة التاسعة، خريف 1417هـ/ 1996م، ص 12- 15.
3. a. b. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 71، الصفحة: 198.
4. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 59، الصفحة: 87.
5. a. b. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 6، الصفحة: 418.
6. القران الكريم: سورة الأنفال (8)، الآية: 72، الصفحة: 186.