إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رسالة في التوحيد

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رسالة في التوحيد




    رسالة في التوحيد


    الحمد لله وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
    وعجل فرجهم ..







    في إثبات وجود الخالق جل جلاله

    لست أدري من أين جاءت فكرة الحاجة لإثبات وجود الخالق، ولماذا احتاجها الإنسان في الأصل ؟ بينما هو وفي قرارة نفسه يؤمن بوجود خالق له ، ويسعى وراء صانع ليعبده ، وتأريخ الأديان غير السماوية يثبت ذلك.
    فانظر الى عبدة النار ، وعبدة الأصنام والظواهر الطبيعية ... وغيرها ، فمن أين نشأ الشعور بالحاجة إلى الخالق ؟ أليس من الفطرة ومن شعور الإنسان ولا شعوره . وقد سأل سبحانه سؤالا يستثير به الفطرة : " أم خلقوا من غير شيء ، أم هم الخالقون ".


    وقد سئل بعض العلماء عن دليل وجود الخالق ؟
    فقال : وما هو الدليل على عدم وجوده ؟

    وفي هذا الصدد يقول سيد الشهداء الحسين عليه الصلاة والسلام في دعاء يوم عرفــــــة :
    كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك ؟
    أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك ؟
    متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ؟
    ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك “ ؟

    فسبحان من يستدل عليه بمخلوقاته ، وهو خالق كل شيء .


    وقد يتساءل العاقل عن سبب إنكار المنكرين لوجود الخالق ، والذين إذا رأى أحدهم دمية ملقاة أخذ يتفحصها ليجد بلد المنشأ منقوشا عليها ، كيف به إذا ادعى أحد بأن هذه اللعبة الصغيرة لا صانع لها ، وإنما وجدت هكذا وبمحض الصدفة ، أيقبل منا هذا الكلام ؟
    فكيف بالإنسان والمخلوقات الأخرى ؟

    فإذا كان للدمية الصغيرة يد لا تتحرك ، وعين لا ترى ، وأنف لا يشم ، ولسان لا ينطق، ومع هذا لا يقبل أي ملحد أن يقال له بأن لا صانع لهذه الدمية ، فكيف بالإنسان والمخلوقات العظيمة المتحركة الناطقة الشاربة الآكلة، بل والصانعة للعديد من المصنوعات والمخترعات ، ألا خالق لهذه المخلوقات ؟

    وأما بعض العلماء الأجانب ، فقد كانت لهم طرقهم الخاصة في إثبات الخالق، حيث يقول أحد مصممي العقول الإلكترونية السابقين ، ( كلودوم هاثاواي ) : “ لقد اشتغلت منذ سنوات عديدة بتصميم مخ إلكتروني...( متطور ) يعمل بطريقة الشد في اتجاهين .

    ولقد حققنا هدفنا باستخدام مئات من الأنابيب المفرغة والأدوات الكهربائية والميكانيكية ، والدوائر المعقدة ... وبعد اشتغالي باختراع هذا الجهاز سنة أو سنتين ، وبعد أن واجهت العديد من المشكلات التي تطلبها تصميمه ووصلت الى حلها ، صار من المستحيلات بالنسبة إليّ أن يتصور عقلي أن مثل هذا الجهاز يمكن عمله بأية طريقة أخرى غير استخدام العقل والذكاء والتصميم .

    وليس العالم من حولنا إلا مجموعة هائلة من التصميم والإبداع والتنظيم . وبرغم استقلال بعضها عن بعض ، فإنها متشابكة متداخلة ، وكل منها أكثر تعقيدا في ذرات تركيبها من ذلك المخ الإلكتروني الذي صنعته . فإذا كان هذا الجهاز يحتاج إلي تصميم ، أفلا يحتاج ذلك الجهاز الفسيولوجي الكيميائي البيولوجي الذي هو جسمي ، والذي ليس - هو - إلا ذرة بسيطة من ذرات هذا الكون اللانهائي في اتساعه وإبداعه، - ألا يحتاج - إلى مبدع يبدعه " [1].


    وأما الفلاسفة :
    فقد كان لهم طريق آخر لإثبات الخالق ، عن طريق قانون السببية . الذي يقضي بوجوب وجود سبب وعلة لكل حادث يحدث في الكون ، وهذا يعني بأن هناك سبب أو ما يسمى بالعلة وراء هذا الخلق التي نراها، وهذا السبب الذي أوجد العالم والمخلوقات لا بد أن يكون واحدا من ثلاث :

    1ـ إما أن يكون الإنسان هو خالق هذا الكون ، وهذا باطل ، لأن الإنسان يعلم بالضرورة أنه لم يخلق الأرض والسماء والمجرّات وغيرها .

    2ـ وإما أن يكون قد خلق هذا الكون شيء هو أقل قوة من الإنسان، وهذا أيضا باطل كالرأي السابق ،لأن فاقد الشيء لا يعطيه وهو بديهي .

    3ـ أو أن يكون قد خلق الخلق شيء هو أكبر قوة من الإنسان ، وهذا جواب منطقي يتناسب مع ما نراه من حسن تنظيم لهذا العالم وإبداع في خلق المخلوقات وسعة في الكون وأجرامه بكواكبه ونجومه ، ويدل على أن خالق العالم عالم قادر مستطيع يمكنه أن يصنع هذا الصنع المحكم ، فالصنعة المحكمة دليل على صانع مبدع .

    ثبت إذاً ، بأن هناك خالق للأشياء كلها ، عالم حكيم قادر مبدع ، ولكن هذا الخالق ، هل هو مخلوق ؟

    الجواب : ينطبق على الخالق أحد هذه الفروض :
    أن يكون قد خلق نفسه ، أو أن يكون قد خلقه غيره ، أو أن يكون قد وجد صدفة ، أو أن يكون أزليا أبديا ، لا أول له ولا آخر له .

    أما الفرض الأول :
    وهو أن يكون قد خلق نفسه ، فهو باطل قطعا ، لأنه يقتضي أن يكون الخالق موجودا قبل أن يكون موجودا ، وهو واضح البطلان :
    أـ لتوقف وجود الخالق على وجود نفسه في هذا الفرض ، فيكون علة لنفسه ومعلولا لها في نفس الوقت وهو باطل ، وهذا ما يسمى بالدور .

    ب ـ ويبطل كذلك لأنه يقتضي أن يكون الخالق عدما ( كنتيجة لهذا الدور ) ، لأن الدور يعني عدم الوجود ، مما يعني في النتيجة : أن الخالق غير موجود ، إذا كان محتاجا أن يوجِد نفسه [2].
    وهذه النتيجة تخالف ما ثبت قبلا من ضرورة وجود خالق للأشياء ... إذاً يبطل هذا الفرض .


    وأما الفرض الثاني :
    وهو أن يكون قد خلق الخالق خالق غيره ، فهو باطل كسابقه ، لأنه يقتضي التسلسل ، والتسلسل باطل .
    وبيان ذلك ، أن الفرضية هذه تقضي أن يكون الخالق مخلوقا ، أي قد خلقه خالق سبقه ولنسمه (ب) ، وهذا الخالق ( ب ) قد خلقه خالق سبقه أيضا ، ولنسمه (ج ) ، و(ج) خلقه (د) ، و(د) خلقه غيره ... وهكذا تستمر العملية :
    - فإذا انتهت عند خالق أخير لم يخلقه أحد كان هو مبدأ الوجود.

    - وإذا لم تنته العملية واستمرت السلسلة ، كان ذلك هو التسلسل الذي يعني في محصلته أن الخالق غير موجود ( على العكس من الثابت ) لذلك فهو باطل [3].


    وأما الفرض الثالث :
    وهو أن يكون الخالق قد وجد صدفة ، فهذا باطل كسابقيْه ، إذ لابد من وجود موجود لتحدث الصدفة بعده ، لأن الصدفة حدث لا يعني الإيجاد في معناه ، بل إن حدوث حركة من دون محرك أمر محال .
    فإذا أقررنا جواز حدوث حركة من دون محرك ، والإيجاد من دون موجد ، لجاز أن تبرد النار صدفة، ولجاز لمن سقط من سطح مبنى أن يطيــر إلى السماء بدل سقوطه على الأرض صدفة ، فإذا لم تقبل أو تصدق بإمكان أن يحدث ذلك صدفة ، فهل يقبل عاقل أن تخلق الصدفة خلقا منظما له هذه القابلية العظيمة على التحول والتبدل والرقي ؟
    بل هل يمكن للصدفة أن تخلق إلها خالقا ، له الكمال المطلق ؟
    كلا ، وبطلان تلك الاحتمالات يدل على فرض أخير لا خيار غيره .


    وأما الفرض الرابع :
    فبعد أن بطلت التفريعات الثلاث السابقة ، لم يبق إلا أن يكون الخالق موجودا لم يسبق وجوده وجود ، وأنه أبدي أزلي لا أول له ، ولا آخر له، وهو القادر الحكيم العليم ، وأنه هو خالق الأشياء كلها ، وهذا هو الفرض الرابع المطلوب .

    وهنا يجدر تقسيم الموجودات إلى ثلاثة أقسام هي :
    أ - ممكن الوجود : وهو الذي يخلقه غيره ، ويحتاج إلى خالق .
    ب - ممتنع الوجود : وهو ما يستحيل وجوده ، كالشيء ونقيضه.
    ج - واجب الوجود : وهو الخالق الذي لا يحتاج إلى خالق ، بل يفيض
    الوجود على العالم ، وهو أزلي أبدي .


    سؤال : هل يجب أن يكون الخالق كاملا في صفاته ؟
    الجواب :
    أولا : نعم ، فلو لم يكن الواجب كاملا ، فهو بين أمرين :
    أ‌- أن يمكن له الكمال ، فيشترك بالإمكان مع الممكن بصفاته وهو مستحيل لأنه واجب الوجود ، فيبطل عليه جواز الكمال .
    ب‌- أن يمتنع عليه الكمال ، وبذلك يكون الممكن أفضل من الواجب وهو باطل .
    فإذا لم يكن الخالق ممكن الكمال حسب الفرض الأول ، ولم يكن ممتنع الكمال حسب الفرض الثاني ، تعيّن أن يكون واجب الكمال ، ويتم المطلوب بذلك .

    ثانيا : قلنا بأن الخالق أزلي أبدي وهو كمال الحياة ، لذا لزم أن يكون كذلك في سائر صفاته الذاتية لأنها عين ذاته ، فلا يصح كمال حياته دون كمال قدرته وكمال قدرته دون كمال علمه وهكذا ، لأن علمه عين حياته وحياته عين قدرته ،وهذا من الأدلة المحكمة التي تظهر بالتأمل .


    لماذا خلقنا الخالق سبحانه ؟
    إن فِعل الخالق يستبطن الحكمة بالضرورة وإن لم نعلمها صراحة ، فما هي الحكمة ؟

    بما أن الله تعالى لا يعبث ، ولا يظلم ، ولا يحتاج لأحد ، لذلك يتعين أن يكون الخلق تفضلا منه لمصلحة غيره ، وهم خلقه .


    كيف تتحقق مصلحة الخلق ؟
    الجواب :
    إذا أراد الله تعالى أن ينفع أحدا فهو بين أمرين :
    الأول : أن يعطي العباد كلهم من المنافع بدرجة واحدة ، وحظا واحدا .
    الثاني : أن يعطي العباد حسب اجتهادهم واستحقاقهم .

    والأمر الأول يلزم منه أن يعطي الفاضل و المفضول بدرجة واحدة ، والطيب والشرير بمنزلة واحدة ، وذلك ظلم فوق كونه عبثا ، حاشاه .
    والأمر الثاني هو المطلوب ، ويتناسب مع كمال الخالق المنزه عن العبث والظلم ، فلا يصح أن يساوي من يستحق بمــن لا يستحق ، ويتم ترجيح بعضهم على بعض بالاختبار ، لتتم الحجة على البشر .

    هل يسيّر الله الإنسان لعمل الصالحات أو السيئات خلال فترة الاختبار أم أن الإنسان مخير ؟

    أولا : لا يصدق الاختبار على الإنسان إذا كان مسيّرا .
    ثانيا : من الظلم أن يسير الله الإنسان فيجعله ظالما ثم يعاقبه .

    والسؤال : كيف يعرف الإنسان الإحسان ليعمل به ، والمعصية ليتركها ؟
    الجواب : من خلال النبوة والإمامة ، فهي أول ما يجب أن يبحث فيه المكلف.




    [1] - محاضرات في العقيدة الإسلامية لأحمد البهادلي ص210 .

    [2] - وتوضيح ذلك :
    إذا أردنا أن نتحقق من وجود (أ) فإن (أ) لا يمكن أن يوجد قبل أن يوجد ( أ ) نفسه ، فإذا لم يوجد ( أ ) ليوجد نفسه ويخلقها ، فإن هذا يعني أن ( أ ) غير موجود ، ولن يوجد .


    [3] - مثال على بطلان التسلسل : إذا قال أحدهم : لن يدخل هذه الغرفة إنسان ، إلا إذا دخلها إنسان قبله، فإن ذلك يعني بأنه لن يدخل الغرفة أحد ، وهذا ما نعنيه عندما نقول أنه لا يوجد خالق إلا إذا أوجده خالق قبله ... فإن ذلك يعني بأن لا خالق لنا ، خلافا لما ثبت قبلا ، وخلافا للواقع المدرَك الذي يدل على الوجود .




المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X