الجبن والخوف من الموت | ||||||||||||||||||||||||||||
|
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
الجبن والخوف من الموت
تقليص
X
-
الجبن والخوف من الموت
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
- اقتباس
-
ويقول أمير المؤمنين عليه السلام: "أيُّها الناس إنّ الموت لا يفوتُه المُقيم، ولا يُعجِزه الهارب، ليس من الموت محيد ولا محيص، من لم يُقتل مات،
إنّ أفضل الموت القتل" وفي حديث آخر يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّ الله كتبَ القتل على قومٍ والموت على آخرين... فطوبَى للمجاهدين في سبيلِه والمقتولين في طاعتِه"19.120
والموت في الرؤية القرآنية والإسلامية ليس فناءً ولا إعداماً، إنّما هو حالة انتقال من دار إلى دار، من دنيا المحدودية والفناء إلى عالم الخلود والبقاء كما في الحديث عن الإمام علي عليه السلام حيث قال: "إنما الدّنيا دار مجاز، والآخرة دار قرار، فخذوا من ممرّكم لمقرِّكم"20. والإنسان لم يخلق إلا للخلود والبقاء كما ورد في وصية الإمام علي عليه السلام لابنه الإمام الحسن عليه السلام: "واعلم أنك إنما خلقت للآخرة لا للدنيا"21.
إنَّ كلَّ من يعرف حقيقة هذه الحياة الفانية والمتصرّمة ومفارقة روحه لجسده، ويؤمن بالحياة الخالدة في دار الآخرة، حيث ينتقل إليها روحاً وجسداً، فسوف تتبلور الرؤية أمامه وتتوضّح أكثر حقيقة هذه المرحلة الانتقالية المهمّة التي اسمها الموت، والتي هي بمثابة القنطرة التي سوف يعبر من خلالها إلى جنان الله الفسيحة والخالدة وستتبدّد مخاوفه ويسلّم أمره إلى الله ولا يكلّف إلا الصّبر، كما قال الإمام الحسين عليه السلام لأصحابه قبل واقعة الطفّ: "صبراً بني الكرام فما الموت إلا قنطرة يعبر بكم عن البؤس والضّرّاء إلى الجنان الواسعة والنّعيم الدّائمة، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر؟ وما هو لأعدائكم إلا كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب. إنّ أبي حدّثني
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ الدّنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، والموت جسر هؤلاءِ إلى جنانهم وجسر هؤلاء إلى جحيمهم"22.121
3- علّة الخوف من الموت:
علّة الخوف من الموت ترجع إلى ضعف الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر، والنظر إلى الموت على أنه فناء وإعدام للإنسان، مع أن الصحيح خلاف ذلك كما بيّنّا. ومن جهة ثانية سببه أيضاً أعمال الإنسان السّيئة في الدنيا وما احتطبه الإنسان على ظهره من الآثام والمعاصي والأعمال السيئة التي بطبيعة الحال سوف يخاف من نتائجها وعواقبها عند حلول الموت والحياة الآخرة. ففي الحديث عن الإمام الصادق قال: "أتى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلٌ فقال: ما لي لا أحب الموت؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم له: ألك مال؟ قال: نعم، قال صلى الله عليه وآله وسلم: فقدّمته؟ قال: لا، قال صلى الله عليه وآله وسلم: فمن ثم لا تحبّ الموت!"23.
وجاء رجلٌ إلى الإمام الحسن عليه السلام فقال له: "يا ابن رسول الله ما لنا نكره الموت ولا نحبّه؟ قال عليه السلام: إنكم أخربتم آخرتكم وعمّرتم دنياكم، فأنتم تكرهون النُقلة من العمران إلى الخراب"24.
إننا لو فكّرنا قليلاً لماذا يكره معظم الناس الموت ينفرون منه لوجدنا أن السبب يكمن في نظرتهم للموت حيث يرون فيه خسارة وزوال النعم الدنيوية. فالإنسان الذي يرى أن سعادته وكماله يكمنان في الدنيا وكمالاتها، كيف سيرضى بتركها والانتقال عنها إلى عالم آخر لم يمهّد له من قبل؟! فالذي كان محور
همّه وتعلّق قلبه بالنساء والأولاد والمال والجاه وغيرها من ملذّات الدنيا الفانية وشهواتها البالية كيف يمكنه أن يستغني عن مصدر سعادته هذه ويستأنس بالموت؟! في الحقيقة لو رجع أولئك الذين يفرّون من الموت إلى أنفسهم وسألوها عن السبب الحقيقي والخفيّ لنفورهم من الموت لأدركوا حتماً أن علّة هذا الأمر هو تعلّق قلوبهم بالدنيا وانعقاد آمالهم على لذائذها فكانت النتيجة أن غفلوا عن الآخرة والسعي الصالح لها ï´؟إِنَّ الَّذينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَï´¾25.122
إن من كانت همّته للدنيا ومن أجل تحصيل كمالاتها ومناصبها وجاهها وسمعتها لن يتعدّى أقصى طيرانه نيل هذه الملذّات الفانية والمشوبة بالمنغّصات حتماً. ومن كانت همّته لله وفي سبيل الله رأى الدنيا قفصاً ضيّقاً يمنعه من التحليق إلى كماله الحقيقي فيسعى للتحرّر منه والفرار من أسره كما في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الدّنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر"26.
وحدهم أولئك الذين أدركوا أنّ "الدنيا ساعة"27، وأنها "مزرعة الآخرة"28 والذين لا يرضون بالسعادة المحدودة عن المطلقة بدلاً، هم الذين يجعلون دنياهم سفراً دائماً نحو محبوبهم حيث الكمال الحقيقي والسعادة الحقيقية والراحة الأبدية.
4- كيفيّة الخلاص من هذا الخوف:123
أما كيفيّة التخلّص من الخوف من الموت فعبر خطوات أولاها تكمن في إدراك حقيقة الموت كما تقدّم، لأنه يقلّل إلى حدٍّ كبير عامل الخوف منه. والخطوة الثانية بعد معرفة حقيقة الموت هي بالاستعداد كما في الحديث"هذا هو الموت فاستعدّوا له"29. والاستعداد للموت يكون من خلال الإيمان والاعتقاد الصحيح بالله واليوم الآخر، والعمل الصالح الذي لا يبتغي منه المرء إلا وجه الله تعالى والتقرّب إليه، كذلك وتذكّر الموت دائماً والاتّعاظ به وبمجرياته.
وفي رواية أخرى عن الإمام الجواد عليه السلام قال: "والذي بعث محمداً بالحقّ نبياً إن من استعدّ للموت حق الاستعداد فهو أنفع له من هذا الدواء لهذا العلاج، أما إنّهم لو عرفوا ما يؤدي إليه الموت من النّعم لاستعدوه وأحبّوه أشدّ ما يستدعي العاقل الحازم الدواء لدفع الآفات واجتلاب السلامات"30.
وعن كيفيّة الاستعداد للموت يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثيراً ما يوصي أصحابه بذكر الموت فيقول أكثروا ذكر الموت فإنّه هادم اللذّات، حائل بينكم وبين الشّهوات"31.
وعنه عليه السلام: "إنّما الاستعداد للموت تجنّب الحرام وبذل النّدى والخير"32.
وفي رواية أخرى، قيل لأمير المؤمنين عليه السلام: "ما الاستعداد للموت؟ قال عليه السلام أداء الفرائض واجتناب المحارم والاشتمال على المكارم ثمّ لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه، والله ما يبالي ابن أبي طالب أوقع على الموت أم وقع الموت عليه"33.
124المفاهيم الرئيسية 1- الجبن هو الخوف غير المنطقي وهو يقابل الشجاعة والجرأة.
2- صفة الجبن لا تنسجم مع الإيمان القوي والراسخ بالله، وهو يورث الإنسان المذلّة والهوان.
3- للجبن دوافع عديدة أهمّها: ضعف الإيمان والنفس، الخوف من قوّة العدوّ، الجهل والاعتقادات الخاطئة، حبّ الراحة، الحوادث السلبية والتجارب الحياتية المؤلمة، الإفراط في توخّي الحذر.
4- للجبن علاجان، الأول علمي عبر التفكّر في الآثار السلبية له، وعلاج عمليّ يكمن بقطع كل دوافع وجذور هذه الرذيلة من النفس من خلال إقحامها في المواقف الخطيرة حتى تتعود.
5- بيّن الإسلام رؤيته الواقعية للموت إذ هو في نهاية الأمر واقعٌ لا محالة على كل إنسان، يقول تعالىï´؟كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِï´¾.
6- لا يمكن لأحد أن يفرّ من الموت أو أن يحدّد كيفيّته، بل هو أمر بيد الله وحده ï´؟قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًاï´¾.
7- الموت في الرؤية القرآنية والإسلامية ليس فناء ولا إعداماً، بل هو حالة انتقال من دار إلى دار، من دنيا المحدودية والفناء إلى عالم الخلود والبقاء.
8- إن علّة الخوف من الموت تكون من جهة ضعف الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر، والنظر إلى الموت على أنه فناء وإعدام للإنسان، مع أن الصحيح خلاف ذلك.
9- كيفية التخلّص من الخوف من الموت تكمن في إدراك حقيقة الموت، لأنه يقلّل إلى حدٍّ كبير عامل الخوف منه، كما في الحديث عن الأمير عليه السلام "إنّما الاستعداد للموت تجنّب الحرام وبذل النّدى والخير".
- اقتباس
- تعليق
تعليق