حبّ الدنيا | ||||||||||||||||||||||||||||
|
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
حبّ الدنيا
تقليص
X
-
حبّ الدنيا
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
- اقتباس
-
فالحياة الدنيا بنفسها غير مذمومة بل إن علاقة الإنسان بها وانخداعه واغتراره بها وغفلته عن الآخرة وانشغاله بالدنيا إلى الحدّ الذي ينسى معه الله تعالى ولقاءه هو المذموم. فالذمّ يتوجّه أوّلاً إلى سلوك الإنسان وعلاقته بالدنيا. هذه العلاقة التي قد تقوده إلى الوقوع في الحرام أو الإسراف في طلب حلال الدنيا دون حسيب أو رقيب، ودون الرجوع إلى الحدود والضّوابط الشرعيّة والأحكام الإلهية، والله تعالى هو القائل في كتابه الكريم:ï´؟وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفينَï´¾33، ï´؟كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبي فَقَدْ هَوىï´¾34.
فإن نقطة الانحراف الأساس والتي تنشأ منها كلّ العيوب هي الإفراط في اهتمام الإنسان بالدنيا وتعلّق قلبه بها وابتغاؤها بصورة مستقلّة وجعلها المنتهى والهدف.
علاج حب الدنيا:
يجب على الإنسان المجاهد أن يحرص وبكلّ قواه على نبذ كل تعلّق له بالدنيا، لأنَّ القليل من هذا التعلّق المحرّم ربّما يؤدّي به إلى الحرمان والعذاب الأليم ولعنة الاستبدال، يقول تعالىï´؟يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ * إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌï´¾35.
ولك أنْ تُلاحظ مدى دقّة كلمة ï´؟اثَّاقلتمï´¾ في الخطاب القرآني، إذ أن التعلّق بالدنيا دون الحياة الأخرى الأصيلة يثقل كاهل الإنسان ويعمي بصيرته فيرضى بما هو زائل وتافه أمام الدائم الأبدي! ولاحظ أيضاً أن الخطاب موجّه إلى خصوص المجاهدين، وهو صريح في بيان مراده من تعرية حقيقة الدنيا أمام المجاهد ليسهل عليه ترك تعلقه المدمر بها. والسبيل إلى ذلك من خلال ثلاثة أمور:
الأول: أن يعرف أن الدنيا ليست هي الهدف ولا الغاية، وأن السعادة فيها وضيعة وزائلة وغير باقية أصلاً ï´؟وَما أُوتيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزينَتُها وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَï´¾36.
روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه رأى جابر بن عبد الله وقد تنفّس الصعداء فقال عليه السلام: "يا جابر على ما تنفسك.. أعلى الدنيا؟ فقال جابر: نعم. فقال له الإمام: يا جابر ملاذ الدنيا سبعة: المأكول والمشروب، والملبوس، والمنكوح، والمركوب، والمشموم، والمسموع. فألذّ المأكولات العسل وهو بصق ذبابة. وأحلى المشروبات الماء وكفى
154
بإباحته وسباحته على وجه الأرض. وأعلى الملبوسات الديباج وهو من لعاب دود. وأعلى المنكوحات النساء، وهو مبال في مبال، وإنما يراد أحسن ما في المرأة أقبح ما فيها. وأعلى المركوبات الخيل وهو قواتل. وأجلّ المشمومات المسك وهو دم من سرّة دابة37.
وأجلّ المسموعات الغناء والترنم وهم إثم. فما هذه صفته لم يتنفّس عليه عاقل!! قال جابر بن عبد الله: فوالله ما خطرت الدنيا بعدها على قلبي"38.
الثاني: على الإنسان العاقل أن يتذكّر الموت دائماً، ويعتبر منه، ويحدّث نفسه به بالليل والنهار، لأنه أبلغ حقيقة وأقوى برهان على أن الإنسان لم يُخلق لهذه الحياة الدنيا، ولا للبقاء فيها. سأل أحدهم الإمام الباقر عليه السلام: "حدّثني بما أَنتفع به فقال: يا أَبا عبيدة أَكثر ذكر الموت فإنه لم يكثر إنسان ذكر الموت إلا زهد في الدنيا".
ثالثاً: على المجاهد أن يصحّح نظرته إلى الدنيا ويدرك أن حياته ليست محصورة بهذه الحياة، بل هناك حياة أخرى خالدة وراءها. وأن يكتشف العلاقة الواقعيّة بين الدنيا والآخرة، من خلال المقارنة بينهما ليدرك أن علاقة الدنيا بالآخرة هي علاقة الطريق بالهدف، أو الوسيلة بالغاية، فالدنيا "دار ممرّ لا دار مقر"39 كما قال مولى الموحّدين علي بن أبي طالب عليه السلام. أمّا لو نظر إليها نظر إعجاب وافتتان بزينتها واتّخذها هدفاً نهائيّاً له، فسوف تكون رؤيته الخاطئة هذه منشأً للكثير من الأخطاء الفكريّة والسلوكيّة في المستقبل، لأنه اتّخذ الوسيلة هدفاً والطريق مقصداً. إن حال صاحب هذه الرؤية حال من يوفّر
155
مستلزمات السفر إلى بلد ما لأداء عمل ما ضروري، وفي أثناء الطريق ينجذب إلى الخُضرة والمشاهد الجميلة حتى ينسى هدفه الأساس من الرحلة.
الرابع: الزهد، فالذين يزهدون في الدنيا، لا يتخلّفون أبداً عن الجهاد. يقول الإمام علي عليه السلام: "من زهد في الدنيا أعتق نفسه، وأرضى ربه"40. وحقيقة الزهد يوضحها القرآن الكريم بقوله تعالى ï´؟لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْï´¾41. فالمجاهد لا بّد وأن لا يتأثر ولا يعير اهتماماً لأعراض الدنيا الفانية، سواء ما خسر منها أو ما سيحصل عليه. فهو يتعامل مع الدنيا من موقع القوة، أي من موقع المعرفة بحقيقتها والعالِم بحدودها، ولذا فهو لا يمكنه أن يتمسّك ويتعلّق بشيء منها مقابل طاعة الله تعالى. وهذه المعرفة والقوة، هي بوابة الحرية الحقيقية للإنسان المجاهد الذي يأبى الخضوع للاستكبار والظلم والتعدّي، وفي ذات الوقت فإنَّهُ يأبى الخضوع للدنيا وكلِّ زينتها الآنية.
156
المفاهيم الرئيسية
1- الاكتفاء والرضا بالحياة الدنيا والاطمئنان إليها يمكن أن يكون سبباً للكثير من المشاكل والتي منها دخول النار والعياذ بالله، لأن ذلك يكشف عن غفلة الإنسان عن الله.
2- منشأ حب الدنيا أمران: الأول توهّم الإنسان أن كماله وسعادته وراحته فيها. والثاني: جهل الإنسان بحقيقة الحياة الدنيا الفانية، وبدورها الحقيقيّ.
3- إنّ الدنيا في الحقيقة دنياءان: دنيا ممدوحة ودنيا مذمومة، ما قال السجاد عليه السلام: "الدنيا دنياءان: دنيا بلاغ، ودنيا ملعونة".
4- إن طلب الدنيا وطيّباتها ليس حراماً ومذموماً على نحو الإطلاق، يقول الله تعالى ï´؟قُلْ مَنْ حَرَّمَ زينَةَ اللَّهِ الَّتي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِï´¾ ولكن المشكلة هي في التعلّق القلبي بها الذي ينسي الآخرة ويجعل الإنسان غافلاً عنها.
5- يجب على الإنسان المجاهد أن يحرص وبكلّ قواه على نبذ كل تعلّق له بالدنيا، فالقليل من هذا التعلّق المحرّم يؤدّي به إلى الحرمان والعذاب الأليم ولعنة الاستبدال، يقول تعالى ï´؟يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِï´¾.
6- إنّ تعرية حقيقة الدّنيا أمام المجاهد تسهّل عليه ترك تعلّقه بها. والسّبيل إلى ذلك من خلال ثلاثة أمور:
أولاً: أن يعرف أنّ الدّنيا ليست هي الهدف ولا الغاية.
ثانياً: أن يتذكّر الموت دائماً، ويعتبر منه، ويحدِّث نفسه به بالليل والنهار.
ثالثاً: أن يصحّح نظرته إلى الدنيا ويدرك أن حياته ليست محصورة بهذه الحياة، بل هناك حياة أخرى خالدة وراءها.
هوامش
1- يونس، 7-8.
2- وسائل الشيعة، ج16، ص9.
3- الأعراف،51,
4- غرر الحكم، ص121.
5- بحار الأنوار،ج33،ص274.
6- إبراهيم، 2-3.
7- البقرة، 86.
8- النّازعات، 37-39.
9- الأعلى، 16-17.
10- الأنعام، 32.
11- آل عمران، 185.
12- مستدرك الوسائل، ج12، ص36.
13- الشعراء، 89.
14- مستدرك الوسائل، ج12، ص40.
15- مستدرك الوسائل، ج12، ص40
16- م.ن.
17- الكافي، ج2، ص 317
18- الرحمن، 26.
19- مستدرك الوسائل، ج12، ص36.
20- النساء، 77.
21- بحار الأنوار، ج14،ص 312.
22- غرر الحكم، ص 149.
23- عوالي اللآلي، ج1، ص267.
24- مستدرك الوسائل، ج11، ص13.
25- بحار الأنوار، ج28، ص234.
26- وسائل الشيعة، ج16، ص9.
27- الكافي، ج8، ص131.
28- مستدرك الوسائل، ج12، ص 42
29- الكافي، ج2، ص131.
30- الأعراف، 32.
31- أصول الكافي، ج5،، ص72.
32- بحار الأنوار، ج70، ص 100.
33- الأعراف، 31.
34- طه، 81.
35- التوبة، 38-39.
36- القصص، 60.
37- بحار الأنوار، ج75، ص11.
38- الكافي، ج2، ص131.
39- ميزان الحكمة، ج2، ص919.
40- عيون الحكم والمواعظ، ص462.
41- الحديد، 23.التعديل الأخير تم بواسطة الهادي; الساعة 12-04-2019, 08:51 AM.
- اقتباس
- تعليق
تعليق