بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
مؤامرة السقيفة والإنقلاب على الرسول الأكرم (ص) !!
التوطئة:
أخبرت الأوامر الإلهية ومنها تحذير الأمة من الانقلاب والارتداد بعده صلى الله عليه وآله، وهو ما نبأ به (صلى الله عليه وآله) فعلياً.
وقد قال الله عز وجل: ”وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ“ (آل عمران: 145).
أما رسولنا الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد حذر مرارا وتكرارا من أن كثيرا من أصحابه سينقلبون بعده، وأنهم سيأخذون بسنن اليهود والنصارى، ومعلوم أن على رأس تلك السنن اليهودية والنصرانية هو تحريف الدين السماوي.
فقال (صلى الله عليه وآله) كما رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد: ”لتتبعنّ سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم! قلنا: يا رسول الله؛ اليهود والنصارى؟ قال: فمن“؟! (صحيح البخاري ج8 ص151 وصحيح مسلم ج8 ص57).
وقال (صلى الله عليه وآله) كما رواه البخاري: ”أنا فرطكم على الحوض وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول: يا رب أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك“! (صحيح البخاري ج7 ص206).
وأخرج البخاري أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ”يرد على يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول: يا رب أصحابي! فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، انهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى“. (المصدر نفسه).
وأخرج البخاري أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ”بينا أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم، فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال: انهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم، قلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: انهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم“.
====
إختار الله تعالى أهل بيت النبوة عليهم الصلاة والسلام؛ فأعطاهم دوراً خاصاً ومميزاً لقيادة الأمة؛ وبــأمر من الله بيّن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إستحـآلة إدراك الأمة للهدى إلا بالتمسك بـأثنين وهما كتاب الله بإعتباره: (القانون النافذ في مجتمع الأمة الإسلامية) وبأهل بيت النبوة بإعتبار عميدهم في كل زمـآن وهو قائد الأمة، وإمامهـآ ومرجعها، مثلما بيّن الرسول إستحالة تجنب الضلالة بغير التمسك بـالإثنين.
ولم يكتف الرسول بذلك إنما حدد الأئمة من بعده وسمى اثنى عشر إماما بإسمائهم وكلهم من ذريته الطاهرة، وكلهم عمداء لأهل بيت النبوة، فـ علي، وحسن، وحسين، وزين العابدين علي بن الحسين، والباقر.. سماهم الرسول، تسعة منهم لم يولدوا بعد.
وهكذا تلقى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمراً من ربه يعلن عليّ بن أبي طالب ولياً لعهده وإماماً من بعده، وكلف الله رسوله أن يعد الإمام علي إعداداً خاصآ للإمامة من بعده، وقبل ان ينتقل النبي إلى جوآر ربه أكد عهده لعلي وتوجه أمآم مئة ألف لإعلان البيعة وكان ذلك بغدير خم في حجة الودآع كما أشتهر في تاريخ وتوآتر في الحديث.
وحيث أن الأمة قد دلها الله ورسوله على الشخص المتصف بصفـات الإمامة أو القيادة أو المرجعية فإنها بهذه الحالة تقبل على إمامها الجديد فتبايعه بيسر وسهولة بدون هزة ولا رجة فيسير الجميع ضمن إطار الشرعية والمشروعة الإلهية، تحت قيادة الرجل الذي ارتضاه الله ورسوله لقيادة الأمة.
وقبلت الأمة اللإسلامية بالترتيبات الإلهية المتعلقة بالقيادة، أو الأمامة، أو المرجعية من بعد النبي، والتي بينهآ الرسول بيانا كاملاً، وأقتنعت الأمة أو تظاهرت بالأقتناع بإن أهل البيت وآل محمـد أحق بميرآث محمـد من غيرهم، ولم يندهش النآس من جمع الهاشميون للنبوة والملك معاً، (وربك يخلق مايشاء، ويختار، وماكان لهم الخيرة وماكان لمؤمن ولا مؤمنة إذ قضى الله ورسوله أمرآ أن يكون لهم الخيرة من أمرهم). ثم إن الله أعطى آل إبراهيم النبوة والملك والكتـآب،كمـآ ورد بالتنزيل.
ولم يثُر هذا الجمع حفيظة أحد، خاصة وأن المسلمين قد سمعوا بإن رسول الله خير من إبراهيم عليهما وآلهما الصلاة والسلام، وأحيطو علمـاً بالدور المميز لبني هاشم عامة ولأهل بيت النبوة خاصة في نصرة قضية الإسلام طوال عهدي النبوة في الدعوة والدولة ، وبالمكانة الدينية التي يتمتع بها علي بن أبي طالب عليه السلام وأهل بيت النبوة عليهم السلام ومن هنـآ تقبل الجميع الترتيبات الإلهية أو تظاهروا بقبولها، صحيح أن بطون قريش لم تقبل قلبياً بهذه الترتيبات، فهي تحسد الهاشميين، وتحقد على الامام علي لأنه قتل ساداتها، ومن هذا المنطلق عارضت بطون قريش النبوة الهاشمية وقاومتها بكل وسائل المقاومة، ثم فشلت وظهر أمر الله، ودخل الناس في دين الله افواجاً، ثم فشلت بطون قريش أمام حالة القناعة العامة بالترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول، وتظاهرت بقبولها، لان البطون موقنة بتعذر تغييرها أو تبديلها بذلك الوقت ، ولإنها مهزومة نفسيا ويائسة من الإنتصار على محمد في أي مواجهة، ثم إنها لم تعرف من يعلق الجرس! وهي كغيرها تفهم أو تتفهم بإن محمدً رجل وأقارب الرجل أولى به.
ولعلنا نجد شــــهآدة من معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله توضح هذا الأمر جلياً، إذا جاء أنه أرسل رسالة إلى محمد بن أبي بكر وجاء فيها بالحرف: ((وقد كنـآ وأبوك معنـآ في حياة من نبينا نرى حق أبن أبي طالب لازماً لنآ، وفضله مبرزاً علينا، فلما إختار الله لنبيه ماعنده، وأتم له ماوعده، أظهر دعوته وأفلج حجته قبضه الله إليه فكان أبوك وفاروقه أول من إبتزه وخالفه على ذلك، أتفقا وأتسقا..إلخ)) (مروج الذهب ج3 ص11).
فإذا كان معاوية الطليق إبن الطليق الذي قاد وأبوه الشرك والمواجهة ضد النبي طوآل 21 عاما، والذي قتل علي عليه السلام أخاه وجده وخاله وأبن خاله وسادات بني أميه يرى حق أبن أبي طالب لازما له، وفضله مبرزاً عليه، فالأولى بغيره أن يرى هذا الحق وهذا الفضل مما يعني أن الترتيبات الإلهية التي أعلنها النبي والمتعلقة بـالإمامة أو القيادة من بعده صارت قناعة عامة لدى النآس ،وقبلوا بها ولاتنزع هذه القناعة إلا بتدبير وجهد جبار وقوة خاصة.
وهناك شهادة أخرى من عمر بن الخطاب، فمع أن عمر هو الذي قاد الانقلاب على الرعية، ونفد نسف الترتيبات الإلهية المتعلقة بالقيادة والتي اعلنها الرسول وبينها بيانا كاملاً، وعلى الرغم من أنه قد نصب أبا بكر خليفة، ثم وصل إلى سدة الخلافة إلا أنه قد صدرت منه مجموعة من الاعترافات تفيد، بـإن آل محمـد هم الأولى بميراثه، وأن علي بن أبي طالب هو أولى النآس بخلافة النبي (ص) ليظمن عمر وقوف الأنصار إلى جانبه أو حيادهم فقط خاطبهم في سقيفة بني ساعدة قائلاً: ((إنه والله لاترضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم، ولكن العرب لاينبغي أن تولي هذا الأمر إلا من كانت النبوة فيهم، لنا بذلك على من خالفنا من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين، من ينازعنا سلطان محمد وميراثه ونحن أوليائه وعشيرته إلا مدل بباطل)). (الإمامة والسياسة ج1 ص6).
أنت تلاحظ أن حجة عمر هي حجة أهل بيت النبوة وقد وظفها عمر لصالحه، مع أنه من بني عدي ومحمد من بني هاشم ولكن عمر يقر صراحة بإن أهل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى بميراثه، وقد نقلت إقرار عمر بصيغته هذه الاكثرية من المؤرخين!
وفيما كان عمر يجلس على كرسي الخلافة؛ قال يوماً لابن عباس: ((أما والله يابني عبدالمطلب لقد كان علي أبن أبي طالب فيكم أولى بهذا الأمر مني ومن أبي بكر)) (الراغب في محاظراته 7/13، وكنز العمال 6/391).
وقال يوماً لابن عباس: ((يابن عباس والله صاحبك هذا لأولى بالأمر من بعد رسول الله ولكننا خفنا..)) (شرح النهج لعلامة المعتزلة أبن أبي الحديد 2/20).
وقال يوماً لابن عباس: ((ما أظن صاحبك إلا مظلوماً)) (شرح النهج لأبي الحديد 2/18).
ثم أعلن عمر بصراحة تامة: ((بأن الأمر كان لعلي بن أبي طالب فزحزحوه عنه لحداثة سنه، والدماء التي عليه)). (الطبقات لابن سعد 3/130).
فهذا إقرار واضح بإن عمر بن الخطاب يعلم علم اليقين بإن الأمر لعلي، وكيف ينسى ذلك، وهو أول من قدم التهاني لعلي بن أبي طالب في غدير خم!! ولكنه مقتنع بإن إختيار الرسول لعلي بن أبي طالب ليس مناسباً لحداثة سن علي!! هذا أولاً.
ويذكر أبن عباس قال له: ((والله ما ساتصغره رسول الله عندما أمره أن يـأخذ سورة براءة من صاحبك أبي بكر)) (شرح النهج 2/18).
والسبب الثاني، الدمآء التي على علي بن أبي طالب بالجهاد سبباً يحول دون حقه بالخلافة!! فعمر يكره سفك الدماء حتى ولو كانت في سبيل الله؛ وهذا هو السر في إنه لم يثبت أن عمر بن الخطاب قتل او جرح مشركـاً قط!
والخلاصه: أن عمر كان يعلم علم اليقين بـإن الولي من بعد النبي هو علي بن ابي طالب؛ وكان من أوائل اللذين تقدمو بالتهـآني لأمير المؤمنين في غدير خم ولما لا يعلم عمر، طـالما إن الطلقاء كمعـاويه والاعراب كانوا يعلمون، فقد قال الحسين ابن علي عليهما السلام لعمر يوماً: ((إنزل عن منبر أبي))!! فقال عمر: (هذا منبر أبيك لا منبر أبي، من أمرك بهذا))! (تاريخ دمشق لإبن عساكر ج4 ص321).
قيل لعمر إنك تفعل أموراً بعلي بن ابي طالب لاتفعلها لسواه؟ فقال عمر: ((إنه مولاي)). وقول عمر بن الخطاب: (هنيئاً لك يا إبن ابي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن و مؤمنه)). (قول مشهور). وهذا مايجعلنا نجزم أن عمر كغيره من أفراد المجتمع المسلم كان يعلم علم اليقين أن الأمر من بعد النبي لـ علي عليه السلام، حسب البيان النبوي، ولكن عمر بن الخطاب كآن يعتقد بأن بيان الرسول ليس وحياً من الله ، وإن الرسول كان يتكلم في الغضب والمرض، فلا ينبغي أن يحمل كلامه على محمل الجد!! ولعلَ هذا السر الذي حمل عمر في ما بعد على جمع الأحاديث المكتوبه عن رسول الله وحرقهآ، ومنعه الناس من كتابه أحاديث الرسول وروايتهـآ بدعوى؛ أن القرآن وحده يكفي!!
ومن جهة ثانيه فإن عمر كان يعتقد بإن قرار الرسول بإختيار علي بن ابي طالب خليفه له ليس مناسباً لحداثه سن الإمام علي عليه السلام، ولان علي أثخن بقتل سادات بطون قريش وهم على شرك.
ومن جهة ثالثه فإن عمر كان يعتقد إنه ليس من الانصاف أن يكون النبي من بني هاشم وأن يكون الملك في بني هآشم!! قد لايصدق القارئ ذلك!! وحتى يقطع الشك باليقين فليراجع ماقاله عمر بلسانه، جيث قال لابن عباس يوماً: ((كرهت قريش أن تجتمع النبوة والملك فيكم بني هاشم))! (الكامل لابن أثير ج3 ص63 وتاريخ الطبري ج4 ص223 وشرح النهج ج3 ص 97).
وحسبك قول علامه المعتزله أبن أبي الحديد نقلا عن إبن إسحاق: ((كان عامه المهاجرين وجل الانصار لا يشكون ان علي بن أبي طالب هو صاحب الامر من بعد رسول الله)) !
وعبر قيس بن سعد بن عباده سيد الخزرج عن عمق هذه القناعه فقال في ما بعد عن علي عليه السلام: ((أيها النآس إنا قد بايعنا خير من نعلم بعد محمد نبينآ)). (تاريخ الطبري 5/228، والكآمل لابن أثير1/115، وشرح النهج لعلامه المعتزله 2/23).
وقال مقدآد بن عمرو متعجباً من فعلة قريش؛ واعجباً لقريش، ودفعهم هذا الامر عن أهل بيت نبيهم، وفيهم أول المؤمنين، وإبن عم رسول الله وأعلم النـاس وأفقههم في دين الله؛ أعظهم عنآء في الاسلام؛ وأبصرهم في الطريق؛ وأههداهم إلى الصراط المستقيم؛ والله؛ لقد زوروها عن الهادي المهتدي الطاهر النقي؛ والله ما أرادو اصلاحاً للأمه، ولاصواباً في المذاهب؛ ولكنهم آثروا الدنيا على الاخرة فبعداً وسحقاً للقوم الظالمين)). (تـاريخ اليعقوبي 2/140).
ولما قال المقداد: ((ما رأيت مثل ما أوتي أهل هذا البيت بعد نبيهم ولا أقضى منهم بالعدل ولا أعرف بالحق..-تأثر عبدالرحمن بن عوف- فقال للمقداد: يامقداد إتق الله! فإني أخشى عليك من الفتنه)). (العقد الفريد لابن عبد ربه 1/260 والطبري 5/37، وابن الأثير 29/ 3-30).
وقال المقداد يوماً: (ما رأيت مثل ما أوذي اهل هذا البيت بعد نبيهم فقال له عبد الرحمن: وما أنت وذلك يامقداد بن عمر؟!! فقال المقداد: إني والله احبهم بحب رسول الله؛ إن الحق معهم وفيهم ياعبدالرحمن؛ أعجب من قريش.. قد أجتمعوا على نزع سلطان رسول الله بعده من أيديهم؛ اما والله؛ ياعبدالرحمن؛ ولو أجد على قريش أنصاراً لقاتلتهم كقتالي إياهم مع رسول الله يوم بدر). (مروج المذهب للمسعودي1/440).
وقد كانت الانصار بأسرها قد تخلفت عن بيعه أبي بكر وقالت: لانبايع إلا علياً، أو قالت: منا أمير ومنكم أمير. (طبقات ابن سعد 2/128).
وتقاعس عن بيعه أبي بكر: ((طلحه والزبير، والمقداد، وسلمان، وعمار بن ياسر، وأبوذر، وخالد بن سعيد، ورجال من المهاجرين وأبو إلا علياً عليه السلام)). (الرياض النظرة للطبري 1/167).
وكان سعد بن عباده يقول لأبي بكر: ((وإيم الله، لو إن الجن اجتمعت لكم مع الانس مابايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي)). وكان لايصلي بصلاتهم ولايجمع معهم، ولايفيض بـإفاضتهم. (تاريخ الطبري3/198 و 200و107و210).
وبعدما أقيمت الحجة على أبي بكر قال: ((أقيلوني فلست بخيركم وعليّ فيكم)). ( علي والحاكمون ص109).
ولم يبايع الولي ولاعم النبي، ولابنو هاشم، حيث كانو مشغولين بمصيبتهم، والرسول مسجى بين أيديهم، وقد أغلق عليهم الباب. (سيرة ابن هاشم 4/336،والرياض النظرة للطبري 1/163،والإمامه والسياسه لابن قتيبه 1/11-14).
عندما جلس النبي على فراش الموت، كانت الأمه كلها على علم بالبيان النبوي لعصر مابعد النبوة وحتى قيام الساعه، كانت على علم بإن علياً هو الإمام من بعد النبي، وإن الحسن هم الإمام من بعد علي، وإن الحسيـن هو الإمام من بعد الحسن..إلخ، كانت على علم بالدور المميز لأهل بيت النبوة في قيادة الأمه من بعد النبي. وعلى علم بعمق الارتباط والتصور الشرعي بين الله ورسوله والقرآن الكريم من جهة، وبين الولي من بعد النبي وأهل بيت النبوة من جهة أخرى.
وكان من غير المتصور نجاح أي قوة بتقطيع شبكه الترابط أو تعكير شاشه هذا التصور، ولم تكن تدري أن الأنقلابين وخصوم الأمس قد دبرو أمرهم بليل بهيم!!
عندما أعلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولاية علي عليه السلام، سمعت بطون قريش -مهاجرها وطليقها- البيان النبوي فتأثروا تأثرا بالغاً وأدركوا ان الهاشميين سيجمعون النبوة مع الملك، وهكذا تحرم البطون من الشرفين معاً، ويختص الهاشميون والشرفين معاً، وأدركوا إن النبي جاد في ما يقوله، والأعظم فإن محمداً يقول أن هذه الترتيبات والتعيينات من عند الله لأنه يتبع مايوحى اليه!
وقررت قيادة البطون ــ المهاجرن والطلقاء معا ـ أن تتحرك؛ وأن تحول دون تحقيق ذلك، ورفعت شعاراً بدا لها معقولا، وعرضت قسمه لاح لها بأنها عادله، فقالت: لتبقى النبوة لبني هاشم لايشاركهم فيها أحد من البطون، ولتكن الخلافه لبطون قريش وللناس عند الاقتضاء لايشاركهم فيها هاشمي قط!
وفي سبيل إقناع الناس، ((بإجحاف بقسمه الله ورسوله))! وعدالة قسمه البطون، أخذ قادة البطون يبثون الدعايات والشائعات سراً التي تهدف إلى التشكيك بقول الرسول، وبشخص الرسول، وأن الترتيبات التي أعلنها الرسول ليست من عند الله، إنما هي بإجتهاده الشخصي وتأويله، إذ من غير المعقول أن يعطي الله النبوة لبني هاشم ثم يعطيهم الملك، ويجمع لهم الشرفين معاً، واستمالت هذه الدعايات الكاذبه والمنافقين ودغدغت احلامهم بتفويض الإسلام ووجدها فرصه، فمد المنافقون أيديهم القذرة للبطون ، وأدرك طلاب الدنيا أن بطون قريش والمنافقين كونوا حزباً قوياً، وأنهم قوة واقعية، قد تنجح فعلاً بانقلابها، وتستولي على السلطه بالقوة.
وتعاطف مع البطون طلاب الدنيا أيضاً، وانضمت المرتزقـه من الاعراب إلى هذا التجمع، وصار هذا التحالف الواقعي السري المكون من بطون قريش ومن المنافقين، ومن طلاب الدنيا، ومن المرتزقه ومن الاعراب، قوة هائله.
وصارت الفئه المؤمنه الصادقه اقليه، وسط بحر هذاالتجمع، وقد سمع المؤمنون الصادقون بدعايات البطون وشائعاتهم، فظنوها نفثات الصدور، وسمعوا بالتقارب الذي حدي بين بطون قريش والمنافقين والمرتزقه من الاعراب، ولكنهم لم يعطوا أهميه، فطوال تاريخ الدعوة والدوله الإسلاميه كان المؤمنون أقليه، وشكل المنافقون الأكثريه، ولكن المؤمنين كانو هم الفائزون، وكلمتهم في المجتمع هي العليا، وقياده البلاد بأيديهم.
لم تخطر فكرة وجود انقلاب على البال، ولافكرة وجود قاعدة شعبيه لهذا الانقلاب، ولا وجود للانقلابيين، ولو وجود خطط لهذا الانقلاب، ولم يخطر ببال أحد أن قاده الانقلاب سيواجهون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في بيته المقدس ويقولوه له ولكل جرأة: ((لا حاجة لنا بوصيتك ولا بكتابك، عندنا كتاب الله يكفينا أنت تهجر يا محمد))!!
مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس مفاجأة، لقــد أعلن رسول الله مراراً وتكرارا بـأنه سيمرض في ذلك العام، ويموت في مرضه لأنه قد خُيّر فاختار ماعندالله، فقال للناس في حجه الوداع: ((لا ألقاكم بعد عامي هذا)) وقال للناس في غدير خم: ((يوشك أن أُدعي فأجيب)). لقد قعد رسول الله على فراش المرض، في بيت عائشه، وأحيط الناس علماً بإن الرسول سيموت من مرضه هذا، كل شئ واضح تماماً، أكمل الله الدين وأتم النعمه، ولقـــد جرت العادة أن تجتمع الأسرة عند مرضها. وأن تستمع إليه، فيلخص لها الموقف. وجرت العاده أن تجتمع عليه القوم عند زعيمهم إذا مرض مرض الموت ليلخص لهم الموقف وليعبروا له عن ارتباطهم به، وعن تقدريهم لجهده المميز الذي بذلوه طوال فترة قيادته لهم، هذا أمر طبيعي قد ألفته البشرية كلها، وقد حدث ويحدث مع كل أرباب الأسر وزعماء العالم فكيف بسيد ولد آدم محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو قائد الدعوة وقائد الدوله، العارف بماضيه وحاظره ومستقبله المشفق على أمته الرؤوف الرحيم بها؟! فهو الأولى بتلخيص الموقف، وإصدار توجيهاته النهائيه بالوقت الذي يراه مناسباً، ولم لا؟ فمحمد سيبقى رسمياً رسول الله ومتمتعاً بحقوق الرساله، ويبقى قائداً للدوله وإماماً وولياً للأمه ومتمتعاً بصلاحياته كافة حتى اللحظه التي تصعد فيها روحه الطاهرة إلى بارئها عز وجل.
ثم إن رسول الله كان يقعد على فراش مملوك له، وداخل بيته المملوك له لا في بيوت الناس، ومن حق المريض اي مريض على الاطلاق أن يقول مايشاء، ومن حق صاحب البيت - أي صاحب البيت - أن يقول داخل بيته ما يشاء، هذا حق طبيعي للإنسان تعارفت عليه البشريه واحترمته على مختلف ألوانها ومعتقداتها، ومحمد كسيد ولد آدم وكإنسان هو الأولى بممارسه هذا الحق!! ثم إن محمداً رسول الله على صلة دائمة بالله تعالى، وعلى ارتباط عميق بالوحي، والملائكة تنزل وتصعد في كل لحظة، وأهل السماء في شغل شاغل لتغطيه حدث موته وهو يعي وعياً تاماً مايدور حوله، ومتأثر بحفاوة أهل السماء به!!
ثم إن محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا الوقت يخطط ويعبئ ويشرف على تسيير جيش أسامة انذاك!!
ومن كانت حاله كحالة النبي هذه، لايمكن أن يكون قاصراً، ولايمكن أن يكون بحاجة إلى توجيهات رعاع العرب، وليس مجنوناً، أو فاقداً للسـيطرة على نفسه، ولا هاجراً أو يهجر ،كما زعم عمر بن الخطاب، والانقلابيون الذين أقتحموا عليه الغرفة المقدسة!!
من المؤكد أن رسول الله قد حدد موعداً لكتابة توجيهاته النهائية وتلخيصه للموقف،
ومن المؤكد أنه قد طلب حظور عدد من أهل ثقته ومن خواصه ليشهدوا كتابة توجيهاته ،حتى يكونوا عوناً لولي الأمر من بعده، وحجٍة على خصمه، فمحمد ليس رجلاً عادياً ،إنما هو خيرة الله من خلقه، ورسول الله، و ولي الأمة، وقائد دولتها، فمن غير الممكن عقــلاً أن لايستحظر أحداً عند كتابة توجيهاته النهائيه.
طالما أن الرسول قد حدد الموعد داخل بيته، ولم يعلم به إلا أهل بيت النبوة وزوجات الرسول فكيف عرف عمر بن الخطاب بهذا الموعد المحدد حتى جاء إليه ومعه حشد هائل من أنصاره ومن قادة التحالف ليحولوا بين رسول الله وبين كتابة توجيهاته النهائية؟ ومن الذي أخبر عمر عن مضمون التوجيهات النهائيه حتـى عرفها تماماً وحشد حشده، أعترف عمر بن الخطاب في ما بعد قائلاً: ((لقد أراد رسول الله في مرضه أن يصرح باسم علي بن أبي طالب فمنعته)). (شرح النهج ج3 ص105).
مما يعني: أن عمر عرف وقت كتابـة التوجيهات النهائية، ومضمون هذه التوجيهات من مصدر ما داخل بيت الرسول!! عندئذ كانت مع عمر المدة الكافية ليجمع قادة التحالف، ويخبرهم بالموعد وبالمضمون معاً ويتفق وإياهم على خطة للحيلولة بين الرسول وبين كتابة ما أراد. فمن هو هذا المصدر من بيت الرسول الذي أنبــأ عمر بموعد كتابة التوجيهات النهائية وبمضمون هذه التوجيهات؟
هذا المصدر أو المخبر يكره علي بن أبي طالب بالضرورة، ويعارض خلافة علي للنبي؛ وتربطه بعمر وبأبي بكر علاقة قوية جداً ومميزة! ومن المستحيل استحالة مطلقه أن يكون من أهل بيت النبوة، إذن لابد أن يكون أحد الخدم، أو زوجات الرسول، والخدم لايجرؤون إطلاقاً على مثل هذا العمل الخطير، فيبقى الاحتمال المؤكد إن احد زوجات الرسول قد أطلعت عمر على وقت كتابة التوجيهات وعلى مظمون هذه التوجيهات لأنها سمعت الرسول يتكلم بذلك مع علي بن أبي طالب عليهما السلام.
وبهذه الحالة تقفز إلى الذهن حفصة زوجة الرسول وإبنه عمر بن الخطاب، وتقفز عائشه زوجة الرسول وإبنه أبو بكر، قال الواقدي في مغازيه: ((إن ابا بكر وعمر لايفترقان، وإن عائشة وحفصة ابنتاهما كانتا معاً)). ربما كانتا معا قد أخبرتا عمر، أو كانت إحداهما قد اخبرت عمر عن موعد كتابة التوجيهات النهائية وعن مضمون هذه التوجيهات.
وقد أخبرنا الله تعالى عن تظاهر زوجتين من زوجات الرسول عليه فقال: (إن تظاهرا عليه فأن الله هو مولاه). وقال عمر بـن الخطاب في ما بعد أن اللتين تظاهرتا على الرسول هما حفصة وعائشة، وهكذا اخرج البخاري في تفسير هذه الآيه (صحيح البخاري 3/137،3/136)، وأن الله سبحانه وتعالى طلب منهما أن تتوبا إلى الله، والتوبـة لاتطلب إلا من المذنب.
واتلوا ما أنزل الله تعالى: ((أن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما)). قالت عائشة للنبي يوما: ((أنت الذي تزعم أنك رسول الله))! ( آداب النكاح من الأحياء 2/35 لمحمد الغزالي، وذكره في مكاشفة القلوب باب 94 ص237)، ولهما ضرب الله مثلا امرأة نوح وامرأة لوط (تفسير القرطبي 18/202، وفتح القدير للشوكاني 5/255). كل هذا يرجع أن تكون إحداهما قد أخبرت عمر بموعد كتابة التوجيهات النهائية وبمضمون هذه التوجيهات. ولكن من منهما؟ لنتابع استقراءنا للنصوص:
روى البخاري في صحيحه (كتاب الجهاد والسير) باب ماجاء في أزواج الرسول عن عبدالله بن عمر بن الخطاب قال: ((قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة فقال: هاهنا الفتنة، هاهنا الفتنة، هاهنا الفتنة، - ثلاثا- من حيث يطلع قرن الشيطان)) راجع صحيح البخاري ج4 ص100.
وفي لفظ آخر خرج رسول الله من بيت عائشة فقال: ((رأس الكفر من ها هنا، من حيث يطلع قرن الشيطان)). (صحيح مسلم كتاب الفتن باب القتنة من المشرق 560/2, 31/18_ 33 بشرح النووي).
فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الرسول كان مريضاً في بيت عائشه وأن المواجهة بين الرسول وبين عمر بن الخطاب تمت في بيت عائشة قرب الاحتمال أن تكون عائشة زوجة النبي هي التي أخبرت عمر بن الخطاب عن موعد كتابة التوجيهات النهائية، وعن مضمون هذه التوجيهات!! وعلى اثرها استعد عمر وحشد عدداً كبيراً من أعوانه فكسروا خاطر النبي الشريف وحاولوا بينه وبين كتابة ما أراد.
ومن جهة أخرى، فأن عائشة كانت تكره الإمام علي وتحقد عليه ولاتطيق ولاتحتمل أن تلفظ حتى اسمه بدليل: عن عبيدالله بن عبدالله بن مسعود عن عائشة قالت: لما ثقل رسول الله وأشتد به وجعه.. فخرج بين رجلين تخط رجلاه الأرض بين ابن عباس ((تعني الفضل)) وبين رجل اخر قال عبيدالله فأخبرت عبدالله بن عباس بالذي قالت عائشه فقال لي عبدالله بن عباس هل تدري من الرجل الأخر الذي لم تسـم عائشة؟ قال:قلت لا. قال ابن عباس: هو علي بن أبي طالب، ثم قال: إن عائشة لاتطيب له نفساً بخير)).(الطبقات الكبرى لابن سعد 2/29بسند صحيح ط ليدن،2/232طبعة دار صادر بيروت،وصحيح البخاري باب مرض النبي ووفاته239 /5-140 طبعة دار الفكر "ولكن البخاري حذف لاتطيب له نفسا بخير" وراجع السيرة الحلبية 3/334 )!
عن عطاء بن يسار قال: جاء رجل فوقع في علي وفي عمار عند عائشة فقالت عائشة: ((أما علي فلست قائلة لك فيه شئ وأما عمار فقد سمعت رسول الله يقول فيه لايخير بين أمرين إلا اختار أرشدهما)). (مسند الإمام أحمد بن حنبل 6/113).
وفي ما بعد خرجت على الامام علي، وحاربته ونبحتها كلاب الحوأب، بدعوى المطالبة بدم عثمان مع أنها هي التي افتت بقتله!! (تاريخ اليعقوبي 2/152،وشرح النهج تحقيق أبي الفضل 215/ 6-216 وتذكرة الخواص ص 64/61، وتاريخ الطبري 4/407، والكامل لابن اثير 3/206)!
مع أن عائشة قد خسرت حربها، ووقعت أسيرة بعد أن اثارتها فتنة عمياء إلا أن الإمام علي أكرمها وأعادها معززة مكرمة. ولما قتل عثمان كانت تتصورأن الناس سيبايعون ابن عمها طللحة. قال البلارذي في أنساب الأشراف (ص217): (كانت عائشة في مكة حين بلغها قتل، ولم تكن تشك في أن طلحة هو صاحب الأمر فقالت:بعداً ((لنعثل)) أي لعثمان وسحقاً إيه ذا الأصبع أبا شبل إيه يا ابن عم لكأني أنظر إلى أصبعه وهو يبايع)،تعني بذلك ابن عمها طلحة.
ولما علمت أن طلحة لم يُبايع، وأن النـاس قد أجتمعوا على علي ابن ابي طالب صعقت فقالت: (والله، ليت أن هذه انطبقت على هذه) أي انطبقت السماء على الأرض. ثم قالت ردوني ردوني وقادت فتنتها العمياء بالتعاون مع طلحة والزبير أكثر المؤبلين على عثمان للمطالبة بدم عثمان!!
ومع أن الإمام علي أكرمها وأعادها معززة مكرمة إلى بيتها التي خرجت منه وقد أمرت أن تقرّ فيه إلا إنه لما بلغها موت الإمام علي ((سجدت لله شكراً)). (مقاتل الطالبين لأبي فرج الاصفهاني ص 43، وكتاب الجمل للشيخ المفيد 83-84).
هذه طبيعة مشاعر عائشة نحو علي بن أبي طالب عليه السلام، فمن الطبيعي أن تتحالف مع أي كان لصرف الأمر عنه، ومن الطبيعي أن تخبر عمر وأبا بكر عن موعد كتابة التوجيهات النبوية النهائية وعن مضمون هذه التوجيهات وأن تشترك معهما باتخاذ كل مايلزم للحيلولة بين الإمام علي وحقه الشرعي بالقيادة من بعد النبي، وهي تعلم علم اليقين أن علي هو صاحب الأمر شرعاً من بعد النبي.
ولكن كيف تحب من قتل اولاد عمها في بدر، إنها تكره علي وتكره ذريته، فعندما أرادوا دفن ابن النبي الحسن بن علي بجانب جده رسول الله، ركبت عائشة بغلاً، واستعونت بني أمية ليحولوا بين الحسن وبين أن يدفن بجانب جده!! (راجع ترجمه الحسن من مقاتل الطالبيين).
وجائها القاسم بن محمد بن أبي بكر وقال لها: ((ياعمة ماغسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر أتريدين أن يقال (يوم البغلة الشهباء))!! (مروج الذهب للمسعودي).
فعلت كل هذا وقد أذنت أن يدفن ابوها، وعمر بن الخطاب مع أن الدار لرسول الله لا لها ،ولها منها 1/9 الثمن فقط وفي ذلك يقول ابن العباس:
تجملت تبغلت
ولو عشت تفيّلت
لك التسع من الثمن
وبالكل تملّكت
والتي تفعل كل هذا يهون عليها أن تخبر عمر بن الخطاب وقادة التحالف عن موعد كتابة التوجيهات النبوية النهائية وعن مضمون هذه التوجيهات.
والمكانة التي تمتعت بها عائشة هي التي اخبرتهما بموعد ومضمون التوجيهات النبوية الإلهية، حتى عدا العدة، وحالا بين الرسول وبين كتابة ما أراد، وكسرا خاطره الشريف.
فلا أحد من المسلمين والمسلمات كان يأخذ عطاء في عهدي أبـي بكر وعمر أكثر من عائشة وحفصة، فلكل منهما إثتنا عشر ألفا فهما مميزتان على نساء الرسول اللواتي أعطيت لكل واحدة منهن عشرة الاف.
وكلمة عائشة عند عمر كانت أمراً، أنظر إلى قوله: ((ومن تأمرني أن أستخلف)) ذلك أنه لما طعن عمر أرسل ابنه عبدالله بن عمار ليستأذن عائشة فيدفن في بيت الرسول إلى جانبه وجانب أبي بكر، فقالت عائشة حباً وكرامة، ثم قالت لعبدالله بن عمر ((يا بني أبلغ عمر سلامي وقل لاتدع أمه محمد بلا راع، أستخلف عليهم ولاتدعهم بعدك هملاً، فإني أخشى عليهم الفتنة!!! عندئذ قال عمر: ومن تأمرني أن استخلف)). (الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري22/1).
فلو أمرته أم المؤمنين أن يستخلف أعرابياً من البادية لفعل، فهو مدين لها بمنصب الخلافة، فلو لم تخبره بموعد ومضمون التوجيهات النبوية النهائية لسار الأمر سيراً طبيعيا لما اختلف اثنان في ما بعد.
والخلاصة وغلى ضوء ماذكرنا: فإن عائشة هي المصدر والمخبر الذي أخبر عمر بن الخطاب وقادة التحالف بموعد كتابة التوجيهات النبوية النهائية وبمضمون هذه التوجيهات، مما أعطي عمر الوقت والفرصة ليجمع قادة التحالف ويقتحم بهم بيت رسول الله فيحولوا بينه وبين كتابة ما أراد.
منذ اعلان النبوة والرسالة، وبطون قريش بحركة لايستقيم لها حال، وهمها الاعظم صرف شرف النبوة عن محمد الهاشمي، والحيلولة بين العرب وبين الاعتراف بهذه النبوة، لا كراهية بالدين الجديد، فليس في الدين الجديد ماتعافه النفس البشرية، ولكن حسداً لبني هاشم، وبعد مقاومة ضارية، وحرب ضروس دامتا 21 عاماً قتل الهاشميون خلالها أكثر ابناء بطون قريش وجاهة وصارت البطون تحقد على محمد والهاشميون لانهم قتلة الأحبة وهكذا جمعت البطون بجيش جرار قوامه عشرة آلاف مقاتل يغزوها في عقر دارها بقيادة محمد والهاشميين، فاستسلمت وتلفظت بالشهادتين، ولكن الحسد والحقد على بني هاشم كانا قد استقرا في نفوس أبناء البطون نهائياً. ولم ينقب الرسول الكريم عما في نفوس البطون بلأكتفى بالظاهر لأن البواطن اختصاص إلهي، وفتح النبي صفحة جديدة، وقالت البطون أنها قد نسيت الماضي، وأسفت عليه وأنها تفتح صفحة جديدة أيضاً. وكان فتح مكه فرصة لألتقاء أبنـآء قبيلة قريش، المهاجر منهم والطليق، وفرصة لتذكر الذين قتلت أكثريتهم على يد الهاشميين وبسبب محمد، وكانت فرصة لتذكر الصيغة السياسية القائمة على اقتسام مناصب الشرف بين البطون، وعلى التوازن والتعادل في ما بينها.
وركز النبي تركزا خاصا على منصب القيادة من بعده وعلى اعتباره النظام الواقعي الامثل الذي يبقى جموع المسلمين داخل اطار الشرعية والمشروعية، وبأمر من ربه قدم الرسول علي بن أبي طالب كأول إمام وقائد للأمه من بعده.
حظر اللذين اصطفاهم النبي ليكتب أمامهم التوجيهات النهائية وليلخص أمامهم الموقف، وفجأة حظر عمر بن الخطاب ومعه قادة التحالف وعدد كبير من أعوانه، الذين اتفق معهم عمر على خطة تحول بين النبي وبين كتابة ما أراد. وحظور أعوان عمر لم يكن بالحسبان!! كيف يفعل النبي أمام هذه المفاجأة؟ هل يلغي الموعد، ويضرب موعداً جديداً، أم يمضي قدماً إلى حيث أمره الله؟ لقد أختار النبي الحل الاخير فقال:
((قربو أكتب لكم كتابا لن تضلو بعده أبدا)) وفي رواية ثانية: ((أئتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تظلو بعده أبدا)) وفي رواية ثالثة: ((أئتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تظلو بعده أبدا)) وفي رواية رابعة: ((أئتوني أكتب لكم كتابا لاتظلو بعده أبدا)) وفي رواية خامسة: ((أئتوني أكتب لكم كتابا لن تظلو بعده أبدا)) وفي رواية سادسة قال: ((ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لاتظلوا بعده أبدا))، وفي روايه سابعة قال الرسول: ((هلم أكتب لكم كتابا لن تظلوا بعده)).
هذا ماقال الرسول حسب كل الروايات، وهذا سبب المواجهة المباشر بين الرسول وعمر بن الخطاب وحزبه!
انظر ملياً إلى هذه الرويات السبع التي أُسندت للرسول (ص):هل فيها خطأ؟ هل فيها غلط!! هل فيها أساءة لأحد!! من يرفض التأمين ضد الضلالة، ولماذا،ولمصلحه من هذا الرفض؟ ثم أن الرسول في بيته، ومن حق الانسان أن يقول داخل بيته مايشاء، ثم إن الرسول مسلم ومن حق المسلم أن يوصي ثم أن الرسول مازال رسولا وقائداً للدولة وسيبقى حتى تصعد روحه الطاهرة إلى بارئها متمتعا بصلاحياته كرئيس. أنه وبكل المعايير العقلية الإنسانية والدينية لايوجد مايبرر موآجهة الرسول بسبب قوله: ((هلم أكتب لكم كتابا لاتظلو بعده أبدآ)) بل إن المؤمن الصادق يستجيب لله ولرسوله، ويفرح بهذا العرض الذي يحصن الأمة ضد الضلالة ابدآ!!
والغريب أنه ما إن أتم الرسول جملته: ((قربوا أكتب لكم كتاباً)) حتى تصدى له عمر بن الخطاب وقال متجاهلاً للنبي وموجها كلامه للحاظرين: ((إن النبي يهجر وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله)). (تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي ص 62، وسر العالمين وكشف مافي الدارين لأبي حامد الغزالي ص21).
وما أن أتم عمر كلامه حتى قال أعوانه بصوت واحد متجاهلين وجود الرسول وموجهين كلامهم للحظور: ((هجر رسول الله، إن رسول الله يهجر، ما شأنه أهجر؟ استفهموه ؟ ماله أهجر؟ استفتهموه؟ وردد أتباع عمر مع كل جملة من الجمل الاربعة قافية: ((القول ما قال عمر)) متجاهلين بالكامل وجود الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)!
وصعق الحظور من غير حزب عمر من هول ماسمعوه فقالوا: قربوا يكتب لكم الرسول..، ويرد عمر متجاهلاً وجود النبي: ((إن النبي يهجر، وعندنا كتاب الله حسبـــنا كتاب الله))!! - وعلى الفور- يضج أتباعه بالقافية: القول ماقال عمر إن النبي يهجر، ما له استفهموه أهجر؟ ما شأنه أهجر!!
قال ابن سعـد في طبقاته (2/243-244): ((لما مرض الرسول قال: ((ائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لن تظلو بعده أبدآ، قالت النسوة: ألا تسمعون رسول الله قربوا.. فقال عمر: إنكن صويحبات يوسف، فقال الرسول: ((دعوهن فإنهن خير منكم))!
يبدو أن النساء المجتمعات في بيت رسول الله بمناسبة مرضه سمعن اللغط والمشادة بين عمر وأتباعه من جهة، الذين يحاولون بكل ما أوتوا من قوة أن يحولوا بين الرسول وبين كتابة ما أراد وبين المؤمنين الصادقين الحاظرين الذين استجابوا لله وللرسول، فعندئذ تجمعن أمام الباب أو من وراء الستر، وتعجبن مما يفعل عمر وحزبه فقلن ماقلنه وعنئذ نهرهن عمر وقال انتن صويحبات يوسف فرد الرسول عليه ذلك الرد الموجع.
كثر اللغط، وكثر اللغو، وكثر الاختلاف، وأترفعت الاصوآت، وتنازع الفريقان، فريق عمر والفريق اللذي يؤيد الرسول وسمعت النساء ماجرى وهتفن: ألا تسمعون رسول الله!
وصاح عمر وحزبه بالنساء، ورد الرسول على عمر وحزبه ردا موجعاً، وصارت الكتابة بهذا الجو مستحيلة، لان عمر وحزبه كانو على استعداد لفعل أي شئ يحول بين الرسول وبين كتابة ما أراد، وقد أدرك الرسول ذلك ورأى الكثرة التي جلبها لهذه الغاية.
رأى الرسول كثرة حزب عمر، إصرارهم على فعل اي شئ للحيلولة دون الرسول ودون كتابة ما أراد، فلو أصر الرسول على كتابة ما أراد لاصر عمر وحزبه على إثبات هجر رسول الله، مع مايجره هذا الإتهام من اللغط والاختلاف، وارتفاع الاصوات عند النبي قد كثـر، وحدثت مشادة كادت تؤدي للتنازع، بل وبدأ التنازع فعلا، لذلك رأى رسول الله أن يصرف النظر عن كتابة توجيهاته النهائية، وتلخيصه للموقف، وحسم موضوع هذا التجمع، فعندما وصل الأمر بالنساء لانتقاد تصرفات عمر، ورد عمر وحزبه على النساء متهمين إياهم ((بـإنهم صويحبات يوسف)) تكلم رسول الله وأجاب عمر وحزبه ((بإنهن خير منكم)). (طبقات ابن سعد 244-243/2).
وقال الرسول: ((دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه)) أو ((ذروني فالذي انا فيه خير مما تدعوني إليه)). أو قال: ((قومو عني ولاينبغي عني التنازع))، أو قال ((قومو عني)) وهذا ما تمناه عمر وحزبه، فبعد مانجح عمر وحزبه بالحيلولة دون رسول الله وكتابة ما أراد، فقد تحققت الغاية من اقتحامهم لبيت الرسول، ولم يعد مايوجب البقاء!(صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قومو عني 9/7، وصحيح مسلم بشرح النووي 95/11، ومسند الإمام أحمد 356/2، ح 2992، وصحيح بخاري 31/4، وصحيح مسلم 16/2، ومسند أحمد 286/3،و355/1، وتاريخ الطبري 192/2، والكامل لابن أثير 320/2، وتذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 62، وسر العالميين وكشف مافي الدارين لأبي حامد الغزالي ص21).
لقد أعترف عمر في مابعد، بإنه وحزبه لم يحولوا بين الرسول وبين كتابة ما أراد لأن المرض قد أشتد به، أو لأن القرآن وحده يكفي كما زعموا يومها، إنما صدوا النبي عن كتابة ما أراد حتى لا يجعلوا الأمر لعلي بن أبي طالب!! (شرح النهج لعلامة المعتزلة ابن ابي الحديد114/3).
ولننظر في حوادث مشابهة لما جرى؛ لنعرف هل أن هذا التعامل الفظ والغليظ والوقح وقع فيها أم لا؟!
لقد مرض أبو بكر مرضا شديدا قبل أن يموت، فدعا عثمان قبيل وفاته بقليل ليكتب توجيهاته النهائية، وطلب من عثمان أن لايسمع أحد وقال لعثمان أكتب: ((إني قد وليت عليكم - فأغمي على أبي بكر من شدة الوجع - فكتب عثمان إسم (عمر) ((إني قد وليت عليكم عمر)) فلما أفاق أبو بكر من غيبوبته، فطلب عثمان أن يقرأ له ماكتب فقرأ عثمان، فسر ابو بكر وقال: ((لو كتبت نفسك لكنت أهلاً لهآ))! وأصغى المسلمون لأبي بكر ونفذوا تعليماته وعاملوه بكل التوقير والاحترام ولم يقولوا إن أبا بكر هجر، ولا قالو إن المرض قد أشتد به، ولا قالو حسبنا كتاب الله! (تاريخ الطبري 429/3،وسيرة عمر لابن الجوزي ص37،وتاريخ ابن خلدون 85/2).
عندما اراد أبو بكر أن يكتب توجيهاته النهائية وهو مريض وقبيل وفاته كان عمر جالسا مع المجموعة التي اختتارها أبو بكر ليشهدوا كتابة توجيهاته النهائية ومعه شديد مولى أبي بكر حاملا للصحيفة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
مؤامرة السقيفة والإنقلاب على الرسول الأكرم (ص) !!
التوطئة:
أخبرت الأوامر الإلهية ومنها تحذير الأمة من الانقلاب والارتداد بعده صلى الله عليه وآله، وهو ما نبأ به (صلى الله عليه وآله) فعلياً.
وقد قال الله عز وجل: ”وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ“ (آل عمران: 145).
أما رسولنا الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد حذر مرارا وتكرارا من أن كثيرا من أصحابه سينقلبون بعده، وأنهم سيأخذون بسنن اليهود والنصارى، ومعلوم أن على رأس تلك السنن اليهودية والنصرانية هو تحريف الدين السماوي.
فقال (صلى الله عليه وآله) كما رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد: ”لتتبعنّ سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم! قلنا: يا رسول الله؛ اليهود والنصارى؟ قال: فمن“؟! (صحيح البخاري ج8 ص151 وصحيح مسلم ج8 ص57).
وقال (صلى الله عليه وآله) كما رواه البخاري: ”أنا فرطكم على الحوض وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول: يا رب أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك“! (صحيح البخاري ج7 ص206).
وأخرج البخاري أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ”يرد على يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول: يا رب أصحابي! فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، انهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى“. (المصدر نفسه).
وأخرج البخاري أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ”بينا أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم، فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال: انهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم، قلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: انهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم“.
====
إختار الله تعالى أهل بيت النبوة عليهم الصلاة والسلام؛ فأعطاهم دوراً خاصاً ومميزاً لقيادة الأمة؛ وبــأمر من الله بيّن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إستحـآلة إدراك الأمة للهدى إلا بالتمسك بـأثنين وهما كتاب الله بإعتباره: (القانون النافذ في مجتمع الأمة الإسلامية) وبأهل بيت النبوة بإعتبار عميدهم في كل زمـآن وهو قائد الأمة، وإمامهـآ ومرجعها، مثلما بيّن الرسول إستحالة تجنب الضلالة بغير التمسك بـالإثنين.
ولم يكتف الرسول بذلك إنما حدد الأئمة من بعده وسمى اثنى عشر إماما بإسمائهم وكلهم من ذريته الطاهرة، وكلهم عمداء لأهل بيت النبوة، فـ علي، وحسن، وحسين، وزين العابدين علي بن الحسين، والباقر.. سماهم الرسول، تسعة منهم لم يولدوا بعد.
وهكذا تلقى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمراً من ربه يعلن عليّ بن أبي طالب ولياً لعهده وإماماً من بعده، وكلف الله رسوله أن يعد الإمام علي إعداداً خاصآ للإمامة من بعده، وقبل ان ينتقل النبي إلى جوآر ربه أكد عهده لعلي وتوجه أمآم مئة ألف لإعلان البيعة وكان ذلك بغدير خم في حجة الودآع كما أشتهر في تاريخ وتوآتر في الحديث.
وحيث أن الأمة قد دلها الله ورسوله على الشخص المتصف بصفـات الإمامة أو القيادة أو المرجعية فإنها بهذه الحالة تقبل على إمامها الجديد فتبايعه بيسر وسهولة بدون هزة ولا رجة فيسير الجميع ضمن إطار الشرعية والمشروعة الإلهية، تحت قيادة الرجل الذي ارتضاه الله ورسوله لقيادة الأمة.
وقبلت الأمة اللإسلامية بالترتيبات الإلهية المتعلقة بالقيادة، أو الأمامة، أو المرجعية من بعد النبي، والتي بينهآ الرسول بيانا كاملاً، وأقتنعت الأمة أو تظاهرت بالأقتناع بإن أهل البيت وآل محمـد أحق بميرآث محمـد من غيرهم، ولم يندهش النآس من جمع الهاشميون للنبوة والملك معاً، (وربك يخلق مايشاء، ويختار، وماكان لهم الخيرة وماكان لمؤمن ولا مؤمنة إذ قضى الله ورسوله أمرآ أن يكون لهم الخيرة من أمرهم). ثم إن الله أعطى آل إبراهيم النبوة والملك والكتـآب،كمـآ ورد بالتنزيل.
ولم يثُر هذا الجمع حفيظة أحد، خاصة وأن المسلمين قد سمعوا بإن رسول الله خير من إبراهيم عليهما وآلهما الصلاة والسلام، وأحيطو علمـاً بالدور المميز لبني هاشم عامة ولأهل بيت النبوة خاصة في نصرة قضية الإسلام طوال عهدي النبوة في الدعوة والدولة ، وبالمكانة الدينية التي يتمتع بها علي بن أبي طالب عليه السلام وأهل بيت النبوة عليهم السلام ومن هنـآ تقبل الجميع الترتيبات الإلهية أو تظاهروا بقبولها، صحيح أن بطون قريش لم تقبل قلبياً بهذه الترتيبات، فهي تحسد الهاشميين، وتحقد على الامام علي لأنه قتل ساداتها، ومن هذا المنطلق عارضت بطون قريش النبوة الهاشمية وقاومتها بكل وسائل المقاومة، ثم فشلت وظهر أمر الله، ودخل الناس في دين الله افواجاً، ثم فشلت بطون قريش أمام حالة القناعة العامة بالترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول، وتظاهرت بقبولها، لان البطون موقنة بتعذر تغييرها أو تبديلها بذلك الوقت ، ولإنها مهزومة نفسيا ويائسة من الإنتصار على محمد في أي مواجهة، ثم إنها لم تعرف من يعلق الجرس! وهي كغيرها تفهم أو تتفهم بإن محمدً رجل وأقارب الرجل أولى به.
ولعلنا نجد شــــهآدة من معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله توضح هذا الأمر جلياً، إذا جاء أنه أرسل رسالة إلى محمد بن أبي بكر وجاء فيها بالحرف: ((وقد كنـآ وأبوك معنـآ في حياة من نبينا نرى حق أبن أبي طالب لازماً لنآ، وفضله مبرزاً علينا، فلما إختار الله لنبيه ماعنده، وأتم له ماوعده، أظهر دعوته وأفلج حجته قبضه الله إليه فكان أبوك وفاروقه أول من إبتزه وخالفه على ذلك، أتفقا وأتسقا..إلخ)) (مروج الذهب ج3 ص11).
فإذا كان معاوية الطليق إبن الطليق الذي قاد وأبوه الشرك والمواجهة ضد النبي طوآل 21 عاما، والذي قتل علي عليه السلام أخاه وجده وخاله وأبن خاله وسادات بني أميه يرى حق أبن أبي طالب لازما له، وفضله مبرزاً عليه، فالأولى بغيره أن يرى هذا الحق وهذا الفضل مما يعني أن الترتيبات الإلهية التي أعلنها النبي والمتعلقة بـالإمامة أو القيادة من بعده صارت قناعة عامة لدى النآس ،وقبلوا بها ولاتنزع هذه القناعة إلا بتدبير وجهد جبار وقوة خاصة.
وهناك شهادة أخرى من عمر بن الخطاب، فمع أن عمر هو الذي قاد الانقلاب على الرعية، ونفد نسف الترتيبات الإلهية المتعلقة بالقيادة والتي اعلنها الرسول وبينها بيانا كاملاً، وعلى الرغم من أنه قد نصب أبا بكر خليفة، ثم وصل إلى سدة الخلافة إلا أنه قد صدرت منه مجموعة من الاعترافات تفيد، بـإن آل محمـد هم الأولى بميراثه، وأن علي بن أبي طالب هو أولى النآس بخلافة النبي (ص) ليظمن عمر وقوف الأنصار إلى جانبه أو حيادهم فقط خاطبهم في سقيفة بني ساعدة قائلاً: ((إنه والله لاترضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم، ولكن العرب لاينبغي أن تولي هذا الأمر إلا من كانت النبوة فيهم، لنا بذلك على من خالفنا من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين، من ينازعنا سلطان محمد وميراثه ونحن أوليائه وعشيرته إلا مدل بباطل)). (الإمامة والسياسة ج1 ص6).
أنت تلاحظ أن حجة عمر هي حجة أهل بيت النبوة وقد وظفها عمر لصالحه، مع أنه من بني عدي ومحمد من بني هاشم ولكن عمر يقر صراحة بإن أهل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى بميراثه، وقد نقلت إقرار عمر بصيغته هذه الاكثرية من المؤرخين!
وفيما كان عمر يجلس على كرسي الخلافة؛ قال يوماً لابن عباس: ((أما والله يابني عبدالمطلب لقد كان علي أبن أبي طالب فيكم أولى بهذا الأمر مني ومن أبي بكر)) (الراغب في محاظراته 7/13، وكنز العمال 6/391).
وقال يوماً لابن عباس: ((يابن عباس والله صاحبك هذا لأولى بالأمر من بعد رسول الله ولكننا خفنا..)) (شرح النهج لعلامة المعتزلة أبن أبي الحديد 2/20).
وقال يوماً لابن عباس: ((ما أظن صاحبك إلا مظلوماً)) (شرح النهج لأبي الحديد 2/18).
ثم أعلن عمر بصراحة تامة: ((بأن الأمر كان لعلي بن أبي طالب فزحزحوه عنه لحداثة سنه، والدماء التي عليه)). (الطبقات لابن سعد 3/130).
فهذا إقرار واضح بإن عمر بن الخطاب يعلم علم اليقين بإن الأمر لعلي، وكيف ينسى ذلك، وهو أول من قدم التهاني لعلي بن أبي طالب في غدير خم!! ولكنه مقتنع بإن إختيار الرسول لعلي بن أبي طالب ليس مناسباً لحداثة سن علي!! هذا أولاً.
ويذكر أبن عباس قال له: ((والله ما ساتصغره رسول الله عندما أمره أن يـأخذ سورة براءة من صاحبك أبي بكر)) (شرح النهج 2/18).
والسبب الثاني، الدمآء التي على علي بن أبي طالب بالجهاد سبباً يحول دون حقه بالخلافة!! فعمر يكره سفك الدماء حتى ولو كانت في سبيل الله؛ وهذا هو السر في إنه لم يثبت أن عمر بن الخطاب قتل او جرح مشركـاً قط!
والخلاصه: أن عمر كان يعلم علم اليقين بـإن الولي من بعد النبي هو علي بن ابي طالب؛ وكان من أوائل اللذين تقدمو بالتهـآني لأمير المؤمنين في غدير خم ولما لا يعلم عمر، طـالما إن الطلقاء كمعـاويه والاعراب كانوا يعلمون، فقد قال الحسين ابن علي عليهما السلام لعمر يوماً: ((إنزل عن منبر أبي))!! فقال عمر: (هذا منبر أبيك لا منبر أبي، من أمرك بهذا))! (تاريخ دمشق لإبن عساكر ج4 ص321).
قيل لعمر إنك تفعل أموراً بعلي بن ابي طالب لاتفعلها لسواه؟ فقال عمر: ((إنه مولاي)). وقول عمر بن الخطاب: (هنيئاً لك يا إبن ابي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن و مؤمنه)). (قول مشهور). وهذا مايجعلنا نجزم أن عمر كغيره من أفراد المجتمع المسلم كان يعلم علم اليقين أن الأمر من بعد النبي لـ علي عليه السلام، حسب البيان النبوي، ولكن عمر بن الخطاب كآن يعتقد بأن بيان الرسول ليس وحياً من الله ، وإن الرسول كان يتكلم في الغضب والمرض، فلا ينبغي أن يحمل كلامه على محمل الجد!! ولعلَ هذا السر الذي حمل عمر في ما بعد على جمع الأحاديث المكتوبه عن رسول الله وحرقهآ، ومنعه الناس من كتابه أحاديث الرسول وروايتهـآ بدعوى؛ أن القرآن وحده يكفي!!
ومن جهة ثانيه فإن عمر كان يعتقد بإن قرار الرسول بإختيار علي بن ابي طالب خليفه له ليس مناسباً لحداثه سن الإمام علي عليه السلام، ولان علي أثخن بقتل سادات بطون قريش وهم على شرك.
ومن جهة ثالثه فإن عمر كان يعتقد إنه ليس من الانصاف أن يكون النبي من بني هاشم وأن يكون الملك في بني هآشم!! قد لايصدق القارئ ذلك!! وحتى يقطع الشك باليقين فليراجع ماقاله عمر بلسانه، جيث قال لابن عباس يوماً: ((كرهت قريش أن تجتمع النبوة والملك فيكم بني هاشم))! (الكامل لابن أثير ج3 ص63 وتاريخ الطبري ج4 ص223 وشرح النهج ج3 ص 97).
وحسبك قول علامه المعتزله أبن أبي الحديد نقلا عن إبن إسحاق: ((كان عامه المهاجرين وجل الانصار لا يشكون ان علي بن أبي طالب هو صاحب الامر من بعد رسول الله)) !
وعبر قيس بن سعد بن عباده سيد الخزرج عن عمق هذه القناعه فقال في ما بعد عن علي عليه السلام: ((أيها النآس إنا قد بايعنا خير من نعلم بعد محمد نبينآ)). (تاريخ الطبري 5/228، والكآمل لابن أثير1/115، وشرح النهج لعلامه المعتزله 2/23).
وقال مقدآد بن عمرو متعجباً من فعلة قريش؛ واعجباً لقريش، ودفعهم هذا الامر عن أهل بيت نبيهم، وفيهم أول المؤمنين، وإبن عم رسول الله وأعلم النـاس وأفقههم في دين الله؛ أعظهم عنآء في الاسلام؛ وأبصرهم في الطريق؛ وأههداهم إلى الصراط المستقيم؛ والله؛ لقد زوروها عن الهادي المهتدي الطاهر النقي؛ والله ما أرادو اصلاحاً للأمه، ولاصواباً في المذاهب؛ ولكنهم آثروا الدنيا على الاخرة فبعداً وسحقاً للقوم الظالمين)). (تـاريخ اليعقوبي 2/140).
ولما قال المقداد: ((ما رأيت مثل ما أوتي أهل هذا البيت بعد نبيهم ولا أقضى منهم بالعدل ولا أعرف بالحق..-تأثر عبدالرحمن بن عوف- فقال للمقداد: يامقداد إتق الله! فإني أخشى عليك من الفتنه)). (العقد الفريد لابن عبد ربه 1/260 والطبري 5/37، وابن الأثير 29/ 3-30).
وقال المقداد يوماً: (ما رأيت مثل ما أوذي اهل هذا البيت بعد نبيهم فقال له عبد الرحمن: وما أنت وذلك يامقداد بن عمر؟!! فقال المقداد: إني والله احبهم بحب رسول الله؛ إن الحق معهم وفيهم ياعبدالرحمن؛ أعجب من قريش.. قد أجتمعوا على نزع سلطان رسول الله بعده من أيديهم؛ اما والله؛ ياعبدالرحمن؛ ولو أجد على قريش أنصاراً لقاتلتهم كقتالي إياهم مع رسول الله يوم بدر). (مروج المذهب للمسعودي1/440).
وقد كانت الانصار بأسرها قد تخلفت عن بيعه أبي بكر وقالت: لانبايع إلا علياً، أو قالت: منا أمير ومنكم أمير. (طبقات ابن سعد 2/128).
وتقاعس عن بيعه أبي بكر: ((طلحه والزبير، والمقداد، وسلمان، وعمار بن ياسر، وأبوذر، وخالد بن سعيد، ورجال من المهاجرين وأبو إلا علياً عليه السلام)). (الرياض النظرة للطبري 1/167).
وكان سعد بن عباده يقول لأبي بكر: ((وإيم الله، لو إن الجن اجتمعت لكم مع الانس مابايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي)). وكان لايصلي بصلاتهم ولايجمع معهم، ولايفيض بـإفاضتهم. (تاريخ الطبري3/198 و 200و107و210).
وبعدما أقيمت الحجة على أبي بكر قال: ((أقيلوني فلست بخيركم وعليّ فيكم)). ( علي والحاكمون ص109).
ولم يبايع الولي ولاعم النبي، ولابنو هاشم، حيث كانو مشغولين بمصيبتهم، والرسول مسجى بين أيديهم، وقد أغلق عليهم الباب. (سيرة ابن هاشم 4/336،والرياض النظرة للطبري 1/163،والإمامه والسياسه لابن قتيبه 1/11-14).
عندما جلس النبي على فراش الموت، كانت الأمه كلها على علم بالبيان النبوي لعصر مابعد النبوة وحتى قيام الساعه، كانت على علم بإن علياً هو الإمام من بعد النبي، وإن الحسن هم الإمام من بعد علي، وإن الحسيـن هو الإمام من بعد الحسن..إلخ، كانت على علم بالدور المميز لأهل بيت النبوة في قيادة الأمه من بعد النبي. وعلى علم بعمق الارتباط والتصور الشرعي بين الله ورسوله والقرآن الكريم من جهة، وبين الولي من بعد النبي وأهل بيت النبوة من جهة أخرى.
وكان من غير المتصور نجاح أي قوة بتقطيع شبكه الترابط أو تعكير شاشه هذا التصور، ولم تكن تدري أن الأنقلابين وخصوم الأمس قد دبرو أمرهم بليل بهيم!!
عندما أعلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولاية علي عليه السلام، سمعت بطون قريش -مهاجرها وطليقها- البيان النبوي فتأثروا تأثرا بالغاً وأدركوا ان الهاشميين سيجمعون النبوة مع الملك، وهكذا تحرم البطون من الشرفين معاً، ويختص الهاشميون والشرفين معاً، وأدركوا إن النبي جاد في ما يقوله، والأعظم فإن محمداً يقول أن هذه الترتيبات والتعيينات من عند الله لأنه يتبع مايوحى اليه!
وقررت قيادة البطون ــ المهاجرن والطلقاء معا ـ أن تتحرك؛ وأن تحول دون تحقيق ذلك، ورفعت شعاراً بدا لها معقولا، وعرضت قسمه لاح لها بأنها عادله، فقالت: لتبقى النبوة لبني هاشم لايشاركهم فيها أحد من البطون، ولتكن الخلافه لبطون قريش وللناس عند الاقتضاء لايشاركهم فيها هاشمي قط!
وفي سبيل إقناع الناس، ((بإجحاف بقسمه الله ورسوله))! وعدالة قسمه البطون، أخذ قادة البطون يبثون الدعايات والشائعات سراً التي تهدف إلى التشكيك بقول الرسول، وبشخص الرسول، وأن الترتيبات التي أعلنها الرسول ليست من عند الله، إنما هي بإجتهاده الشخصي وتأويله، إذ من غير المعقول أن يعطي الله النبوة لبني هاشم ثم يعطيهم الملك، ويجمع لهم الشرفين معاً، واستمالت هذه الدعايات الكاذبه والمنافقين ودغدغت احلامهم بتفويض الإسلام ووجدها فرصه، فمد المنافقون أيديهم القذرة للبطون ، وأدرك طلاب الدنيا أن بطون قريش والمنافقين كونوا حزباً قوياً، وأنهم قوة واقعية، قد تنجح فعلاً بانقلابها، وتستولي على السلطه بالقوة.
وتعاطف مع البطون طلاب الدنيا أيضاً، وانضمت المرتزقـه من الاعراب إلى هذا التجمع، وصار هذا التحالف الواقعي السري المكون من بطون قريش ومن المنافقين، ومن طلاب الدنيا، ومن المرتزقه ومن الاعراب، قوة هائله.
وصارت الفئه المؤمنه الصادقه اقليه، وسط بحر هذاالتجمع، وقد سمع المؤمنون الصادقون بدعايات البطون وشائعاتهم، فظنوها نفثات الصدور، وسمعوا بالتقارب الذي حدي بين بطون قريش والمنافقين والمرتزقه من الاعراب، ولكنهم لم يعطوا أهميه، فطوال تاريخ الدعوة والدوله الإسلاميه كان المؤمنون أقليه، وشكل المنافقون الأكثريه، ولكن المؤمنين كانو هم الفائزون، وكلمتهم في المجتمع هي العليا، وقياده البلاد بأيديهم.
لم تخطر فكرة وجود انقلاب على البال، ولافكرة وجود قاعدة شعبيه لهذا الانقلاب، ولا وجود للانقلابيين، ولو وجود خطط لهذا الانقلاب، ولم يخطر ببال أحد أن قاده الانقلاب سيواجهون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في بيته المقدس ويقولوه له ولكل جرأة: ((لا حاجة لنا بوصيتك ولا بكتابك، عندنا كتاب الله يكفينا أنت تهجر يا محمد))!!
مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس مفاجأة، لقــد أعلن رسول الله مراراً وتكرارا بـأنه سيمرض في ذلك العام، ويموت في مرضه لأنه قد خُيّر فاختار ماعندالله، فقال للناس في حجه الوداع: ((لا ألقاكم بعد عامي هذا)) وقال للناس في غدير خم: ((يوشك أن أُدعي فأجيب)). لقد قعد رسول الله على فراش المرض، في بيت عائشه، وأحيط الناس علماً بإن الرسول سيموت من مرضه هذا، كل شئ واضح تماماً، أكمل الله الدين وأتم النعمه، ولقـــد جرت العادة أن تجتمع الأسرة عند مرضها. وأن تستمع إليه، فيلخص لها الموقف. وجرت العاده أن تجتمع عليه القوم عند زعيمهم إذا مرض مرض الموت ليلخص لهم الموقف وليعبروا له عن ارتباطهم به، وعن تقدريهم لجهده المميز الذي بذلوه طوال فترة قيادته لهم، هذا أمر طبيعي قد ألفته البشرية كلها، وقد حدث ويحدث مع كل أرباب الأسر وزعماء العالم فكيف بسيد ولد آدم محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو قائد الدعوة وقائد الدوله، العارف بماضيه وحاظره ومستقبله المشفق على أمته الرؤوف الرحيم بها؟! فهو الأولى بتلخيص الموقف، وإصدار توجيهاته النهائيه بالوقت الذي يراه مناسباً، ولم لا؟ فمحمد سيبقى رسمياً رسول الله ومتمتعاً بحقوق الرساله، ويبقى قائداً للدوله وإماماً وولياً للأمه ومتمتعاً بصلاحياته كافة حتى اللحظه التي تصعد فيها روحه الطاهرة إلى بارئها عز وجل.
ثم إن رسول الله كان يقعد على فراش مملوك له، وداخل بيته المملوك له لا في بيوت الناس، ومن حق المريض اي مريض على الاطلاق أن يقول مايشاء، ومن حق صاحب البيت - أي صاحب البيت - أن يقول داخل بيته ما يشاء، هذا حق طبيعي للإنسان تعارفت عليه البشريه واحترمته على مختلف ألوانها ومعتقداتها، ومحمد كسيد ولد آدم وكإنسان هو الأولى بممارسه هذا الحق!! ثم إن محمداً رسول الله على صلة دائمة بالله تعالى، وعلى ارتباط عميق بالوحي، والملائكة تنزل وتصعد في كل لحظة، وأهل السماء في شغل شاغل لتغطيه حدث موته وهو يعي وعياً تاماً مايدور حوله، ومتأثر بحفاوة أهل السماء به!!
ثم إن محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا الوقت يخطط ويعبئ ويشرف على تسيير جيش أسامة انذاك!!
ومن كانت حاله كحالة النبي هذه، لايمكن أن يكون قاصراً، ولايمكن أن يكون بحاجة إلى توجيهات رعاع العرب، وليس مجنوناً، أو فاقداً للسـيطرة على نفسه، ولا هاجراً أو يهجر ،كما زعم عمر بن الخطاب، والانقلابيون الذين أقتحموا عليه الغرفة المقدسة!!
من المؤكد أن رسول الله قد حدد موعداً لكتابة توجيهاته النهائية وتلخيصه للموقف،
ومن المؤكد أنه قد طلب حظور عدد من أهل ثقته ومن خواصه ليشهدوا كتابة توجيهاته ،حتى يكونوا عوناً لولي الأمر من بعده، وحجٍة على خصمه، فمحمد ليس رجلاً عادياً ،إنما هو خيرة الله من خلقه، ورسول الله، و ولي الأمة، وقائد دولتها، فمن غير الممكن عقــلاً أن لايستحظر أحداً عند كتابة توجيهاته النهائيه.
طالما أن الرسول قد حدد الموعد داخل بيته، ولم يعلم به إلا أهل بيت النبوة وزوجات الرسول فكيف عرف عمر بن الخطاب بهذا الموعد المحدد حتى جاء إليه ومعه حشد هائل من أنصاره ومن قادة التحالف ليحولوا بين رسول الله وبين كتابة توجيهاته النهائية؟ ومن الذي أخبر عمر عن مضمون التوجيهات النهائيه حتـى عرفها تماماً وحشد حشده، أعترف عمر بن الخطاب في ما بعد قائلاً: ((لقد أراد رسول الله في مرضه أن يصرح باسم علي بن أبي طالب فمنعته)). (شرح النهج ج3 ص105).
مما يعني: أن عمر عرف وقت كتابـة التوجيهات النهائية، ومضمون هذه التوجيهات من مصدر ما داخل بيت الرسول!! عندئذ كانت مع عمر المدة الكافية ليجمع قادة التحالف، ويخبرهم بالموعد وبالمضمون معاً ويتفق وإياهم على خطة للحيلولة بين الرسول وبين كتابة ما أراد. فمن هو هذا المصدر من بيت الرسول الذي أنبــأ عمر بموعد كتابة التوجيهات النهائية وبمضمون هذه التوجيهات؟
هذا المصدر أو المخبر يكره علي بن أبي طالب بالضرورة، ويعارض خلافة علي للنبي؛ وتربطه بعمر وبأبي بكر علاقة قوية جداً ومميزة! ومن المستحيل استحالة مطلقه أن يكون من أهل بيت النبوة، إذن لابد أن يكون أحد الخدم، أو زوجات الرسول، والخدم لايجرؤون إطلاقاً على مثل هذا العمل الخطير، فيبقى الاحتمال المؤكد إن احد زوجات الرسول قد أطلعت عمر على وقت كتابة التوجيهات وعلى مظمون هذه التوجيهات لأنها سمعت الرسول يتكلم بذلك مع علي بن أبي طالب عليهما السلام.
وبهذه الحالة تقفز إلى الذهن حفصة زوجة الرسول وإبنه عمر بن الخطاب، وتقفز عائشه زوجة الرسول وإبنه أبو بكر، قال الواقدي في مغازيه: ((إن ابا بكر وعمر لايفترقان، وإن عائشة وحفصة ابنتاهما كانتا معاً)). ربما كانتا معا قد أخبرتا عمر، أو كانت إحداهما قد اخبرت عمر عن موعد كتابة التوجيهات النهائية وعن مضمون هذه التوجيهات.
وقد أخبرنا الله تعالى عن تظاهر زوجتين من زوجات الرسول عليه فقال: (إن تظاهرا عليه فأن الله هو مولاه). وقال عمر بـن الخطاب في ما بعد أن اللتين تظاهرتا على الرسول هما حفصة وعائشة، وهكذا اخرج البخاري في تفسير هذه الآيه (صحيح البخاري 3/137،3/136)، وأن الله سبحانه وتعالى طلب منهما أن تتوبا إلى الله، والتوبـة لاتطلب إلا من المذنب.
واتلوا ما أنزل الله تعالى: ((أن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما)). قالت عائشة للنبي يوما: ((أنت الذي تزعم أنك رسول الله))! ( آداب النكاح من الأحياء 2/35 لمحمد الغزالي، وذكره في مكاشفة القلوب باب 94 ص237)، ولهما ضرب الله مثلا امرأة نوح وامرأة لوط (تفسير القرطبي 18/202، وفتح القدير للشوكاني 5/255). كل هذا يرجع أن تكون إحداهما قد أخبرت عمر بموعد كتابة التوجيهات النهائية وبمضمون هذه التوجيهات. ولكن من منهما؟ لنتابع استقراءنا للنصوص:
روى البخاري في صحيحه (كتاب الجهاد والسير) باب ماجاء في أزواج الرسول عن عبدالله بن عمر بن الخطاب قال: ((قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة فقال: هاهنا الفتنة، هاهنا الفتنة، هاهنا الفتنة، - ثلاثا- من حيث يطلع قرن الشيطان)) راجع صحيح البخاري ج4 ص100.
وفي لفظ آخر خرج رسول الله من بيت عائشة فقال: ((رأس الكفر من ها هنا، من حيث يطلع قرن الشيطان)). (صحيح مسلم كتاب الفتن باب القتنة من المشرق 560/2, 31/18_ 33 بشرح النووي).
فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الرسول كان مريضاً في بيت عائشه وأن المواجهة بين الرسول وبين عمر بن الخطاب تمت في بيت عائشة قرب الاحتمال أن تكون عائشة زوجة النبي هي التي أخبرت عمر بن الخطاب عن موعد كتابة التوجيهات النهائية، وعن مضمون هذه التوجيهات!! وعلى اثرها استعد عمر وحشد عدداً كبيراً من أعوانه فكسروا خاطر النبي الشريف وحاولوا بينه وبين كتابة ما أراد.
ومن جهة أخرى، فأن عائشة كانت تكره الإمام علي وتحقد عليه ولاتطيق ولاتحتمل أن تلفظ حتى اسمه بدليل: عن عبيدالله بن عبدالله بن مسعود عن عائشة قالت: لما ثقل رسول الله وأشتد به وجعه.. فخرج بين رجلين تخط رجلاه الأرض بين ابن عباس ((تعني الفضل)) وبين رجل اخر قال عبيدالله فأخبرت عبدالله بن عباس بالذي قالت عائشه فقال لي عبدالله بن عباس هل تدري من الرجل الأخر الذي لم تسـم عائشة؟ قال:قلت لا. قال ابن عباس: هو علي بن أبي طالب، ثم قال: إن عائشة لاتطيب له نفساً بخير)).(الطبقات الكبرى لابن سعد 2/29بسند صحيح ط ليدن،2/232طبعة دار صادر بيروت،وصحيح البخاري باب مرض النبي ووفاته239 /5-140 طبعة دار الفكر "ولكن البخاري حذف لاتطيب له نفسا بخير" وراجع السيرة الحلبية 3/334 )!
عن عطاء بن يسار قال: جاء رجل فوقع في علي وفي عمار عند عائشة فقالت عائشة: ((أما علي فلست قائلة لك فيه شئ وأما عمار فقد سمعت رسول الله يقول فيه لايخير بين أمرين إلا اختار أرشدهما)). (مسند الإمام أحمد بن حنبل 6/113).
وفي ما بعد خرجت على الامام علي، وحاربته ونبحتها كلاب الحوأب، بدعوى المطالبة بدم عثمان مع أنها هي التي افتت بقتله!! (تاريخ اليعقوبي 2/152،وشرح النهج تحقيق أبي الفضل 215/ 6-216 وتذكرة الخواص ص 64/61، وتاريخ الطبري 4/407، والكامل لابن اثير 3/206)!
مع أن عائشة قد خسرت حربها، ووقعت أسيرة بعد أن اثارتها فتنة عمياء إلا أن الإمام علي أكرمها وأعادها معززة مكرمة. ولما قتل عثمان كانت تتصورأن الناس سيبايعون ابن عمها طللحة. قال البلارذي في أنساب الأشراف (ص217): (كانت عائشة في مكة حين بلغها قتل، ولم تكن تشك في أن طلحة هو صاحب الأمر فقالت:بعداً ((لنعثل)) أي لعثمان وسحقاً إيه ذا الأصبع أبا شبل إيه يا ابن عم لكأني أنظر إلى أصبعه وهو يبايع)،تعني بذلك ابن عمها طلحة.
ولما علمت أن طلحة لم يُبايع، وأن النـاس قد أجتمعوا على علي ابن ابي طالب صعقت فقالت: (والله، ليت أن هذه انطبقت على هذه) أي انطبقت السماء على الأرض. ثم قالت ردوني ردوني وقادت فتنتها العمياء بالتعاون مع طلحة والزبير أكثر المؤبلين على عثمان للمطالبة بدم عثمان!!
ومع أن الإمام علي أكرمها وأعادها معززة مكرمة إلى بيتها التي خرجت منه وقد أمرت أن تقرّ فيه إلا إنه لما بلغها موت الإمام علي ((سجدت لله شكراً)). (مقاتل الطالبين لأبي فرج الاصفهاني ص 43، وكتاب الجمل للشيخ المفيد 83-84).
هذه طبيعة مشاعر عائشة نحو علي بن أبي طالب عليه السلام، فمن الطبيعي أن تتحالف مع أي كان لصرف الأمر عنه، ومن الطبيعي أن تخبر عمر وأبا بكر عن موعد كتابة التوجيهات النبوية النهائية وعن مضمون هذه التوجيهات وأن تشترك معهما باتخاذ كل مايلزم للحيلولة بين الإمام علي وحقه الشرعي بالقيادة من بعد النبي، وهي تعلم علم اليقين أن علي هو صاحب الأمر شرعاً من بعد النبي.
ولكن كيف تحب من قتل اولاد عمها في بدر، إنها تكره علي وتكره ذريته، فعندما أرادوا دفن ابن النبي الحسن بن علي بجانب جده رسول الله، ركبت عائشة بغلاً، واستعونت بني أمية ليحولوا بين الحسن وبين أن يدفن بجانب جده!! (راجع ترجمه الحسن من مقاتل الطالبيين).
وجائها القاسم بن محمد بن أبي بكر وقال لها: ((ياعمة ماغسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر أتريدين أن يقال (يوم البغلة الشهباء))!! (مروج الذهب للمسعودي).
فعلت كل هذا وقد أذنت أن يدفن ابوها، وعمر بن الخطاب مع أن الدار لرسول الله لا لها ،ولها منها 1/9 الثمن فقط وفي ذلك يقول ابن العباس:
تجملت تبغلت
ولو عشت تفيّلت
لك التسع من الثمن
وبالكل تملّكت
والتي تفعل كل هذا يهون عليها أن تخبر عمر بن الخطاب وقادة التحالف عن موعد كتابة التوجيهات النبوية النهائية وعن مضمون هذه التوجيهات.
والمكانة التي تمتعت بها عائشة هي التي اخبرتهما بموعد ومضمون التوجيهات النبوية الإلهية، حتى عدا العدة، وحالا بين الرسول وبين كتابة ما أراد، وكسرا خاطره الشريف.
فلا أحد من المسلمين والمسلمات كان يأخذ عطاء في عهدي أبـي بكر وعمر أكثر من عائشة وحفصة، فلكل منهما إثتنا عشر ألفا فهما مميزتان على نساء الرسول اللواتي أعطيت لكل واحدة منهن عشرة الاف.
وكلمة عائشة عند عمر كانت أمراً، أنظر إلى قوله: ((ومن تأمرني أن أستخلف)) ذلك أنه لما طعن عمر أرسل ابنه عبدالله بن عمار ليستأذن عائشة فيدفن في بيت الرسول إلى جانبه وجانب أبي بكر، فقالت عائشة حباً وكرامة، ثم قالت لعبدالله بن عمر ((يا بني أبلغ عمر سلامي وقل لاتدع أمه محمد بلا راع، أستخلف عليهم ولاتدعهم بعدك هملاً، فإني أخشى عليهم الفتنة!!! عندئذ قال عمر: ومن تأمرني أن استخلف)). (الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري22/1).
فلو أمرته أم المؤمنين أن يستخلف أعرابياً من البادية لفعل، فهو مدين لها بمنصب الخلافة، فلو لم تخبره بموعد ومضمون التوجيهات النبوية النهائية لسار الأمر سيراً طبيعيا لما اختلف اثنان في ما بعد.
والخلاصة وغلى ضوء ماذكرنا: فإن عائشة هي المصدر والمخبر الذي أخبر عمر بن الخطاب وقادة التحالف بموعد كتابة التوجيهات النبوية النهائية وبمضمون هذه التوجيهات، مما أعطي عمر الوقت والفرصة ليجمع قادة التحالف ويقتحم بهم بيت رسول الله فيحولوا بينه وبين كتابة ما أراد.
منذ اعلان النبوة والرسالة، وبطون قريش بحركة لايستقيم لها حال، وهمها الاعظم صرف شرف النبوة عن محمد الهاشمي، والحيلولة بين العرب وبين الاعتراف بهذه النبوة، لا كراهية بالدين الجديد، فليس في الدين الجديد ماتعافه النفس البشرية، ولكن حسداً لبني هاشم، وبعد مقاومة ضارية، وحرب ضروس دامتا 21 عاماً قتل الهاشميون خلالها أكثر ابناء بطون قريش وجاهة وصارت البطون تحقد على محمد والهاشميون لانهم قتلة الأحبة وهكذا جمعت البطون بجيش جرار قوامه عشرة آلاف مقاتل يغزوها في عقر دارها بقيادة محمد والهاشميين، فاستسلمت وتلفظت بالشهادتين، ولكن الحسد والحقد على بني هاشم كانا قد استقرا في نفوس أبناء البطون نهائياً. ولم ينقب الرسول الكريم عما في نفوس البطون بلأكتفى بالظاهر لأن البواطن اختصاص إلهي، وفتح النبي صفحة جديدة، وقالت البطون أنها قد نسيت الماضي، وأسفت عليه وأنها تفتح صفحة جديدة أيضاً. وكان فتح مكه فرصة لألتقاء أبنـآء قبيلة قريش، المهاجر منهم والطليق، وفرصة لتذكر الذين قتلت أكثريتهم على يد الهاشميين وبسبب محمد، وكانت فرصة لتذكر الصيغة السياسية القائمة على اقتسام مناصب الشرف بين البطون، وعلى التوازن والتعادل في ما بينها.
وركز النبي تركزا خاصا على منصب القيادة من بعده وعلى اعتباره النظام الواقعي الامثل الذي يبقى جموع المسلمين داخل اطار الشرعية والمشروعية، وبأمر من ربه قدم الرسول علي بن أبي طالب كأول إمام وقائد للأمه من بعده.
حظر اللذين اصطفاهم النبي ليكتب أمامهم التوجيهات النهائية وليلخص أمامهم الموقف، وفجأة حظر عمر بن الخطاب ومعه قادة التحالف وعدد كبير من أعوانه، الذين اتفق معهم عمر على خطة تحول بين النبي وبين كتابة ما أراد. وحظور أعوان عمر لم يكن بالحسبان!! كيف يفعل النبي أمام هذه المفاجأة؟ هل يلغي الموعد، ويضرب موعداً جديداً، أم يمضي قدماً إلى حيث أمره الله؟ لقد أختار النبي الحل الاخير فقال:
((قربو أكتب لكم كتابا لن تضلو بعده أبدا)) وفي رواية ثانية: ((أئتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تظلو بعده أبدا)) وفي رواية ثالثة: ((أئتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تظلو بعده أبدا)) وفي رواية رابعة: ((أئتوني أكتب لكم كتابا لاتظلو بعده أبدا)) وفي رواية خامسة: ((أئتوني أكتب لكم كتابا لن تظلو بعده أبدا)) وفي رواية سادسة قال: ((ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لاتظلوا بعده أبدا))، وفي روايه سابعة قال الرسول: ((هلم أكتب لكم كتابا لن تظلوا بعده)).
هذا ماقال الرسول حسب كل الروايات، وهذا سبب المواجهة المباشر بين الرسول وعمر بن الخطاب وحزبه!
انظر ملياً إلى هذه الرويات السبع التي أُسندت للرسول (ص):هل فيها خطأ؟ هل فيها غلط!! هل فيها أساءة لأحد!! من يرفض التأمين ضد الضلالة، ولماذا،ولمصلحه من هذا الرفض؟ ثم أن الرسول في بيته، ومن حق الانسان أن يقول داخل بيته مايشاء، ثم إن الرسول مسلم ومن حق المسلم أن يوصي ثم أن الرسول مازال رسولا وقائداً للدولة وسيبقى حتى تصعد روحه الطاهرة إلى بارئها متمتعا بصلاحياته كرئيس. أنه وبكل المعايير العقلية الإنسانية والدينية لايوجد مايبرر موآجهة الرسول بسبب قوله: ((هلم أكتب لكم كتابا لاتظلو بعده أبدآ)) بل إن المؤمن الصادق يستجيب لله ولرسوله، ويفرح بهذا العرض الذي يحصن الأمة ضد الضلالة ابدآ!!
والغريب أنه ما إن أتم الرسول جملته: ((قربوا أكتب لكم كتاباً)) حتى تصدى له عمر بن الخطاب وقال متجاهلاً للنبي وموجها كلامه للحاظرين: ((إن النبي يهجر وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله)). (تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي ص 62، وسر العالمين وكشف مافي الدارين لأبي حامد الغزالي ص21).
وما أن أتم عمر كلامه حتى قال أعوانه بصوت واحد متجاهلين وجود الرسول وموجهين كلامهم للحظور: ((هجر رسول الله، إن رسول الله يهجر، ما شأنه أهجر؟ استفهموه ؟ ماله أهجر؟ استفتهموه؟ وردد أتباع عمر مع كل جملة من الجمل الاربعة قافية: ((القول ما قال عمر)) متجاهلين بالكامل وجود الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)!
وصعق الحظور من غير حزب عمر من هول ماسمعوه فقالوا: قربوا يكتب لكم الرسول..، ويرد عمر متجاهلاً وجود النبي: ((إن النبي يهجر، وعندنا كتاب الله حسبـــنا كتاب الله))!! - وعلى الفور- يضج أتباعه بالقافية: القول ماقال عمر إن النبي يهجر، ما له استفهموه أهجر؟ ما شأنه أهجر!!
قال ابن سعـد في طبقاته (2/243-244): ((لما مرض الرسول قال: ((ائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لن تظلو بعده أبدآ، قالت النسوة: ألا تسمعون رسول الله قربوا.. فقال عمر: إنكن صويحبات يوسف، فقال الرسول: ((دعوهن فإنهن خير منكم))!
يبدو أن النساء المجتمعات في بيت رسول الله بمناسبة مرضه سمعن اللغط والمشادة بين عمر وأتباعه من جهة، الذين يحاولون بكل ما أوتوا من قوة أن يحولوا بين الرسول وبين كتابة ما أراد وبين المؤمنين الصادقين الحاظرين الذين استجابوا لله وللرسول، فعندئذ تجمعن أمام الباب أو من وراء الستر، وتعجبن مما يفعل عمر وحزبه فقلن ماقلنه وعنئذ نهرهن عمر وقال انتن صويحبات يوسف فرد الرسول عليه ذلك الرد الموجع.
كثر اللغط، وكثر اللغو، وكثر الاختلاف، وأترفعت الاصوآت، وتنازع الفريقان، فريق عمر والفريق اللذي يؤيد الرسول وسمعت النساء ماجرى وهتفن: ألا تسمعون رسول الله!
وصاح عمر وحزبه بالنساء، ورد الرسول على عمر وحزبه ردا موجعاً، وصارت الكتابة بهذا الجو مستحيلة، لان عمر وحزبه كانو على استعداد لفعل أي شئ يحول بين الرسول وبين كتابة ما أراد، وقد أدرك الرسول ذلك ورأى الكثرة التي جلبها لهذه الغاية.
رأى الرسول كثرة حزب عمر، إصرارهم على فعل اي شئ للحيلولة دون الرسول ودون كتابة ما أراد، فلو أصر الرسول على كتابة ما أراد لاصر عمر وحزبه على إثبات هجر رسول الله، مع مايجره هذا الإتهام من اللغط والاختلاف، وارتفاع الاصوات عند النبي قد كثـر، وحدثت مشادة كادت تؤدي للتنازع، بل وبدأ التنازع فعلا، لذلك رأى رسول الله أن يصرف النظر عن كتابة توجيهاته النهائية، وتلخيصه للموقف، وحسم موضوع هذا التجمع، فعندما وصل الأمر بالنساء لانتقاد تصرفات عمر، ورد عمر وحزبه على النساء متهمين إياهم ((بـإنهم صويحبات يوسف)) تكلم رسول الله وأجاب عمر وحزبه ((بإنهن خير منكم)). (طبقات ابن سعد 244-243/2).
وقال الرسول: ((دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه)) أو ((ذروني فالذي انا فيه خير مما تدعوني إليه)). أو قال: ((قومو عني ولاينبغي عني التنازع))، أو قال ((قومو عني)) وهذا ما تمناه عمر وحزبه، فبعد مانجح عمر وحزبه بالحيلولة دون رسول الله وكتابة ما أراد، فقد تحققت الغاية من اقتحامهم لبيت الرسول، ولم يعد مايوجب البقاء!(صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قومو عني 9/7، وصحيح مسلم بشرح النووي 95/11، ومسند الإمام أحمد 356/2، ح 2992، وصحيح بخاري 31/4، وصحيح مسلم 16/2، ومسند أحمد 286/3،و355/1، وتاريخ الطبري 192/2، والكامل لابن أثير 320/2، وتذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 62، وسر العالميين وكشف مافي الدارين لأبي حامد الغزالي ص21).
لقد أعترف عمر في مابعد، بإنه وحزبه لم يحولوا بين الرسول وبين كتابة ما أراد لأن المرض قد أشتد به، أو لأن القرآن وحده يكفي كما زعموا يومها، إنما صدوا النبي عن كتابة ما أراد حتى لا يجعلوا الأمر لعلي بن أبي طالب!! (شرح النهج لعلامة المعتزلة ابن ابي الحديد114/3).
ولننظر في حوادث مشابهة لما جرى؛ لنعرف هل أن هذا التعامل الفظ والغليظ والوقح وقع فيها أم لا؟!
لقد مرض أبو بكر مرضا شديدا قبل أن يموت، فدعا عثمان قبيل وفاته بقليل ليكتب توجيهاته النهائية، وطلب من عثمان أن لايسمع أحد وقال لعثمان أكتب: ((إني قد وليت عليكم - فأغمي على أبي بكر من شدة الوجع - فكتب عثمان إسم (عمر) ((إني قد وليت عليكم عمر)) فلما أفاق أبو بكر من غيبوبته، فطلب عثمان أن يقرأ له ماكتب فقرأ عثمان، فسر ابو بكر وقال: ((لو كتبت نفسك لكنت أهلاً لهآ))! وأصغى المسلمون لأبي بكر ونفذوا تعليماته وعاملوه بكل التوقير والاحترام ولم يقولوا إن أبا بكر هجر، ولا قالو إن المرض قد أشتد به، ولا قالو حسبنا كتاب الله! (تاريخ الطبري 429/3،وسيرة عمر لابن الجوزي ص37،وتاريخ ابن خلدون 85/2).
عندما اراد أبو بكر أن يكتب توجيهاته النهائية وهو مريض وقبيل وفاته كان عمر جالسا مع المجموعة التي اختتارها أبو بكر ليشهدوا كتابة توجيهاته النهائية ومعه شديد مولى أبي بكر حاملا للصحيفة.
تعليق