سؤال للسيد المحقق جعفر مرتضى العاملي
يقول :
ظهر اشكال عند تفسير آية الولاية " انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"
بعد أن حلينا كل جوانب الاختلاف بتفسير الآية بين أكثر من مفسّر. طرحت أخت معنا السؤال أنه كيف انتبه الامام عليّ للسائل أثناء الركوع في الصلاة وهو معروف عنه أنه كان يغيب مع الله في الصلاة وكانوا اذا أصابه سهم أثناء الحروب ينزعوه منه وهو يصلي لأنه لا يشعر بهم نهائيا؟
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين ، محمد واله الطيبين الطاهرين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم اجمعين ، الى قيام يوم الدين .
ان الامور الشرعية والعبادية بشكل خاص ، تسمى في علم الاصول من الامور التوقيفية ، أي تتوقف معرفتها على بيان الشارع المقدس .
توضيح ذلك :
على سبيل المثال قال تعالى : ((قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ))
وهنا السؤال ، ماهي الفواحش ، هل هي الخمر او القتل او القمار ، فهذه تتوقف على بيان الشارع ، فقال الشارع ان الفاحشة هي اللواط (( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ )) والزنا ((وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلا )) ، وعليه فكل اية اتت على ذكر الفواحش يكون هذا هو المراد منها ، واما الخمر والقمار فليسا من الفواحش ، بل وصفهما بالاثم والرجس (( سْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ )) ((سْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ )) .
فعليه ، لو كان هناك احكام تختص بالفواحش ، فلانعممها الى غير الزنا واللواط ، الا اذا بين الشارع لنا في كتاب او سنة ، ان الامر الفلاني من الفواحش .
نأتي الان الى صلب المسألة وهي الصلاة ، فالمطلوب فيها من الشارع ركعتان او ثلاث او اربع ركعات لاغير ، حسب اختلاف وقتها ، والمطلوب فيها ايضا الخشوع .
والخشوع هنا له معنى لغوي : وهو السكون والهدوء والطمأنينة ، ولكن الشارع المقدس على مايظهر من موارد الاستعمال في القرآن الكريم ، استعمله في الخوف والمراقبة والطاعة والتذلل لعظمة الله تعالى ، فيكون الخشوع المطلوب في الصلاة هو هذا الخشوع لاغير ، ليس بمعنى ان لايتحرك وان يكون مطمئنا وغير خائف وما إلى ذلك .
ثم ان الخضوع أمام الله تعالى ، يكون باطاعة اوامره ، والارتداع عن معاصيه ، والصدقة لاشك انها مما أمر به الله تعالى ، وندب اليه .
ثم إنه تعالى رضي بهذا الفعل من الامير
، وأنه جمع بين طاعة الله تعالى الواجبة وهي الصلاة والمستحبة وهي الصدقة ، وهي لاتنافي الخشوع ، فهو عندما يصلي تكون حواسه ، عاملة وليس معطلة ، غاية مافي الامر أن الحواس مشغولة بالله تعالى وعبادته ، كما الانسان لو كان يتحدث مع شخص ومنجذب اليه ، فلو كلمه أحد ، لايلتفت الى كلام الشخص الاخر ، ولايفهم مراده لانشغاله بالمتحدث وهذه نعرفها من انفسنا وحياتنا اليومية .
فالامام
انشغلت حواسه كلها بالله تعالى ، وهو يشعر بما حوله ولكن لايهتم به ولايلتفت اليه ، ولكن عندما كان الذي حوله ، مما هو من شؤون طاعة الله ، فهو يلتفت ويهتم ، وهذا ليس انشعالا عن الله ولكن انشعال بالله فعلا .
وعودا على الامر التوقيفي فالله تعالى عرف الخاشعين في القرآن الكريم ( الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) ، فعندما يكون هذا معنى الخاشع الذي يعلم انه سيلاقي الله ويرجع الى الله ، فهو يعمل كل ما من شأنه ان يجعل هذا اللقاء حسنا ومريحا ، وهذه الرجعة امنة وسليمة .
وايضا ذكر الله تعالى في مقام اخر (( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ) فإن فلاح المؤمن يكون بإقامة الصلاة وعدم الالتفات الى اللغو وفعل الزكاة ، والامير
جمع بين هذه الثلاثة في وقت واحد .
وذكر تعالى في مقام آخر : ((((إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ )) فذكر المسارعة في الخيرات ودعاء الله رغبة فيما عنده والخوف منه والخشوع ، والامير ايضا جمع بين هذه الثلاثة ، فلم يرد
الابطاء في الخير او ان يسبقه احد الى الخير .
وذكر تعالى ايضا في موضع اخر : (( فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ )) ، ومعنى يمنعون الماعون يمنعون مساعدة الناس أو لايساعدونهم ، بأي نوع من أنواع المساعدة .
خلاصة ماتقدم :
اولا : ان العبادات امور توقيفية ، وقد رضي الله تعالى بهذا الفعل واعتبره عبادة وأثاب عليه في الدنيا والاخرة ، فلايحق لاحد اعتباره خروجا عن الخشوع او منافيا له .
ثانيا : اثبتنا ثانيا ان الخشوع ليس معناه فقدان الحواس بل معناه عدم التفاتها لغير ماهي مشغولة فيه ، وهو
فعلا لم يلتفت لغير ماهو مشغول فيه ، بل ازداد التفاتا الى الله تعالى .
ثالثا : انه
اصبح من مصاديق المسارع الى الخير والمتسابق الى الخير الذي ينص عليه القرآن الكريم .
يقول :
ظهر اشكال عند تفسير آية الولاية " انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"
بعد أن حلينا كل جوانب الاختلاف بتفسير الآية بين أكثر من مفسّر. طرحت أخت معنا السؤال أنه كيف انتبه الامام عليّ للسائل أثناء الركوع في الصلاة وهو معروف عنه أنه كان يغيب مع الله في الصلاة وكانوا اذا أصابه سهم أثناء الحروب ينزعوه منه وهو يصلي لأنه لا يشعر بهم نهائيا؟
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين ، محمد واله الطيبين الطاهرين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم اجمعين ، الى قيام يوم الدين .
ان الامور الشرعية والعبادية بشكل خاص ، تسمى في علم الاصول من الامور التوقيفية ، أي تتوقف معرفتها على بيان الشارع المقدس .
توضيح ذلك :
على سبيل المثال قال تعالى : ((قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ))
وهنا السؤال ، ماهي الفواحش ، هل هي الخمر او القتل او القمار ، فهذه تتوقف على بيان الشارع ، فقال الشارع ان الفاحشة هي اللواط (( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ )) والزنا ((وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلا )) ، وعليه فكل اية اتت على ذكر الفواحش يكون هذا هو المراد منها ، واما الخمر والقمار فليسا من الفواحش ، بل وصفهما بالاثم والرجس (( سْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ )) ((سْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ )) .
فعليه ، لو كان هناك احكام تختص بالفواحش ، فلانعممها الى غير الزنا واللواط ، الا اذا بين الشارع لنا في كتاب او سنة ، ان الامر الفلاني من الفواحش .
نأتي الان الى صلب المسألة وهي الصلاة ، فالمطلوب فيها من الشارع ركعتان او ثلاث او اربع ركعات لاغير ، حسب اختلاف وقتها ، والمطلوب فيها ايضا الخشوع .
والخشوع هنا له معنى لغوي : وهو السكون والهدوء والطمأنينة ، ولكن الشارع المقدس على مايظهر من موارد الاستعمال في القرآن الكريم ، استعمله في الخوف والمراقبة والطاعة والتذلل لعظمة الله تعالى ، فيكون الخشوع المطلوب في الصلاة هو هذا الخشوع لاغير ، ليس بمعنى ان لايتحرك وان يكون مطمئنا وغير خائف وما إلى ذلك .
ثم ان الخضوع أمام الله تعالى ، يكون باطاعة اوامره ، والارتداع عن معاصيه ، والصدقة لاشك انها مما أمر به الله تعالى ، وندب اليه .
ثم إنه تعالى رضي بهذا الفعل من الامير
، وأنه جمع بين طاعة الله تعالى الواجبة وهي الصلاة والمستحبة وهي الصدقة ، وهي لاتنافي الخشوع ، فهو عندما يصلي تكون حواسه ، عاملة وليس معطلة ، غاية مافي الامر أن الحواس مشغولة بالله تعالى وعبادته ، كما الانسان لو كان يتحدث مع شخص ومنجذب اليه ، فلو كلمه أحد ، لايلتفت الى كلام الشخص الاخر ، ولايفهم مراده لانشغاله بالمتحدث وهذه نعرفها من انفسنا وحياتنا اليومية .
فالامام
انشغلت حواسه كلها بالله تعالى ، وهو يشعر بما حوله ولكن لايهتم به ولايلتفت اليه ، ولكن عندما كان الذي حوله ، مما هو من شؤون طاعة الله ، فهو يلتفت ويهتم ، وهذا ليس انشعالا عن الله ولكن انشعال بالله فعلا .
وعودا على الامر التوقيفي فالله تعالى عرف الخاشعين في القرآن الكريم ( الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) ، فعندما يكون هذا معنى الخاشع الذي يعلم انه سيلاقي الله ويرجع الى الله ، فهو يعمل كل ما من شأنه ان يجعل هذا اللقاء حسنا ومريحا ، وهذه الرجعة امنة وسليمة .
وايضا ذكر الله تعالى في مقام اخر (( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ) فإن فلاح المؤمن يكون بإقامة الصلاة وعدم الالتفات الى اللغو وفعل الزكاة ، والامير
جمع بين هذه الثلاثة في وقت واحد .
وذكر تعالى في مقام آخر : ((((إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ )) فذكر المسارعة في الخيرات ودعاء الله رغبة فيما عنده والخوف منه والخشوع ، والامير ايضا جمع بين هذه الثلاثة ، فلم يرد
الابطاء في الخير او ان يسبقه احد الى الخير .
وذكر تعالى ايضا في موضع اخر : (( فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ )) ، ومعنى يمنعون الماعون يمنعون مساعدة الناس أو لايساعدونهم ، بأي نوع من أنواع المساعدة .
خلاصة ماتقدم :
اولا : ان العبادات امور توقيفية ، وقد رضي الله تعالى بهذا الفعل واعتبره عبادة وأثاب عليه في الدنيا والاخرة ، فلايحق لاحد اعتباره خروجا عن الخشوع او منافيا له .
ثانيا : اثبتنا ثانيا ان الخشوع ليس معناه فقدان الحواس بل معناه عدم التفاتها لغير ماهي مشغولة فيه ، وهو
فعلا لم يلتفت لغير ماهو مشغول فيه ، بل ازداد التفاتا الى الله تعالى .
ثالثا : انه
اصبح من مصاديق المسارع الى الخير والمتسابق الى الخير الذي ينص عليه القرآن الكريم .