إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

هل تدلّ آية الولاية على إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام)؟

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هل تدلّ آية الولاية على إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام)؟

    السؤال: دلالتها على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)
    هل تدلّ آية الولاية على إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام)؟
    الجواب:
    قال تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:55).
    ذهب المفسّرون والعلماء من الفريقين، إلى أنّها نزلت في حقّ الإمام عليّ(عليه السلام)، حينما تصدّق بخاتمه في أثناء الصلاة(1).
    ودلالة الآية الكريمة على ولاية الإمام عليّ(عليه السلام) واضحة، بعد أن قرنها الله تعالى بولايته وولاية الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومعلوم أنّ ولايتيهما عامّة، والرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فكذلك ولاية الإمام عليّ(عليه السلام) بحكم المقارنة.
    (1) انظر: شواهد التنزيل 1: 219 حديث 227، تاريخ مدينة دمشق 42: 357، أنساب الأشراف:150 حديث 151، تفسير الطبري 6: 388، الصواعق المحرقة 4: 104. (وراجع ما مضى من الأسانيد وتصحيحها).


    تعليق على الجواب (1)
    ولكن هناك من يقول: إنّ قوله تعالى: (( وَهُم رَاكِعُونَ )) إنّما هي صفة، أي: أنّهم يصلّون، وأيضاً هم يركعون، أي: أنّها تكرار للجملة، فحين ذكر أنّهم يصلّون ذكر أنّهم يصلّون مرّة أُخرى، بقوله: (( وَهُم رَاكِعُونَ ))، لأنّه يعبّر عن الصلاة تارة بالركوع، وهذا يدعو للاستغراب، فكيف أردّ عليه بالردّ الشافي؟
    .
    الجواب:
    إنّ آية الولاية من الآيات الصريحة والواضحة الدلالة على إمامة من آتى الزكاة في حال الركوع، وقد ذكرت روايات كثيرة من الفريقين أنّ سبب نزول الآية هو: تصدّق الإمام عليّ(عليه السلام) بخاتمه على الفقير، في حال الركوع أثناء صلاته.
    إذاً فهي دالّة على إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام)، ولكن في هذا ما يغيظ نفوساً ضعيفة الإيمان، تحمل في طيّاتها حالة البغض والحقد لعليّ وآله(عليهم السلام)، فأخذوا يبثّون الشبهة تلو الشبهة، بشأن هذه الآية وأمثالها، ومن تلك الشبه هي هذه الشبهة التي ذكرتموها، من فصل إيتاء الزكاة عن حال الركوع.
    ولعلّ أوّل من قال بها من القدماء هو أبو علي الجبّائي، كما ذكرها عنه تلميذه القاضي عبد الجبّار في كتاب (المغني)(1).
    وقد أجاب علماؤنا عن هذه الشبهة، ومنهم الشريف المرتضى في كتابه (الشافي في الإمامة)، بقوله: ((ليس يجوز حمل الآية على ما تأوّلها شيخك أبو علي، من جعله إيتاء الزكاة منفصلاً من حال الركوع، ولا بدّ على مقتضى اللسان واللغة من أن يكون الركوع حالاً لإيتاء الزكاة، والذي يدلّ على ذلك أنّ المفهوم من قول أحدنا: الكريم المستحقّ للمدح الذي يجود بماله وهو ضاحك، وفلان يغشى إخوانه وهو راكب، معنى الحال دون غيرها، حتّى إنّ قوله هذا يجري مجرى قوله: إنّه يجود بماله في حال ضحكه، ويغشى إخوانه في حال ركوبه.
    ويدلّ أيضاً عليه: أنّا متى حملنا قوله تعالى: (( يُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) على خلاف الحال، وجعلنا المراد بها أنّهم يؤتون الزكاة، ومن وصفهم أنّهم راكعون، من غير تعلّق لأحد الأمرين بالآخر، كنّا حاملين الكلام على معنى التكرار؛ لأنّه قد أفاد تعالى بوصفه لهم بأنّهم يقيمون الصلاة، وصفهم بأنّهم راكعون، لأنّ الصلاة مشتملة على الركوع وغيره، وإذا تأوّلناها على الوجه الذي اخترناه، استفدنا بها معنى زائداً، وزيادة الفائدة بكلام الحكيم أولى))(2).
    (1) المغني: 20 القسم الأوّل 137.
    (2) الشافي في الإمامة 2: 236.

    تعليق على الجواب (2)
    بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
    ذكر الطبري عدّة أقوال وردت فيمن نزلت الآية، وكان من بينهم عليّ بن أبي طالب، وذكر أيضاً عبادة بن الصامت، وقال أيضاً: إنّه قد قيل أنّه عني به جميع المؤمنين، ومن صفاتهم أنّهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، وكتاب ابن عساكر تاريخي لا يحتجّ به في العقائد، وأيضاً كتاب الأنساب.
    وأقول: إنّ الواضح البيّن من الآية أنّ الولاية، تكون في المؤمنين بعد الله ورسوله، وإن كان المعني في (( وَيؤتونَ الزَّكَاةَ وَهم رَاكعونَ )): عليّ، فتحديد الولاية جاء في المؤمنين، ومن ثمّ هل كان الأئمّة الاثنا عشر يؤتون الزكاة وهم راكعون أيضاً؟ (دلّل على ذلك إن كان نعم).


    الجواب:
    1- لا بدّ لك قبل أن تعلّق أن تقرأ كلّ ما كتب في الموضوع من إجابات على الأسئلة المطروحة، حتى يتم لك استيعاب الجواب من جميع جوانبه، وأمّا أن تكتفي بإجابة واحدة جاءت على قدر ما هو مطروح في السؤال، وتعتقد أنّه تمام الدليل في ما يدّعيه الشيعة، وأنّهم لم يجيبوا لحدّ الآن على الاعتراضات الواردة، فهو بعيد عن الإنصاف.
    2- لا بدّ في قراءتك للجواب أن تستوعب مقدار ما يراد من الدلالة لكلّ دليل مذكور بالضبط، لا أن تفهم من الدليل دلالة أوسع، أو دلالة أُخرى لا يريدها من ذكر الدليل.
    3- لا بدّ أن تعرف منحى ومجرى الدليل، وما هو موضعه الدلالي، ورتبته من بين المقدّمات الأُخرى للدليل، فلعلّ ما اعتبرته دليلاً ليس هو من صلب الاستدلال، أو ليس هو الدليل كاملاً، بل هو دليل على بعض مقدّمات الاستدلال، أو جزء الدليل.
    ولتوضيح ذلك، نقول على تعليقك:
    إنّ ما ذكر كدليل على نزول آية الولاية في عليّ(عليه السلام) كان تضافر واشتهار النقل من علماء الطرفين بأنّ الآية نزلت في عليّ(عليه السلام)، وليس الدليل هو الاستناد على ما نقله الطبري كأحد الآراء في الآية فقط؛ فلاحظ!
    ولذا يكون إيراد قول الطبري لأنّه أحد مفردات هذا التضافر, فقوله وقول غيره هو الذي يتمّم المدّعى من الشهرة والتضافر، حتى يصحّ الادّعاء بأنّ الآية نزلت في عليّ(عليه السلام).
    فالاعتراض بأنّ الطبري ذكر عدّة آراء يكون صحيحاً لو كان الدليل يتم بقوله هو وحده فقط، ولم يكن أحد الشواهد على التضافر، كما هو المدّعى.
    وأمّا القول في الآراء الأُخرى على التسليم بأنّها ظاهر قول الطبري:
    فأولاً: إنّها آراء شاذّة لا يأُخذ بها مقابل المشهور المتضافر، بل المجمع عليه، وفيه روايات صحيحة نقلنا بعضها في الأجوبة الأُخرى؛ فراجع!
    فتعداد الأقوال لا ينقض المدّعى، فالشاذّ يطرح ولا يعوّل عليه، وإلاّ لم يسلم لنا قول في آية واحدة من آيات القرآن الكريم.
    وثانياً: إنّ الطبري نفسه خبط وخلط (لو سلّمنا أنّه أراد ظاهرَ تعدّد الأقوال)، وحاول الإبهام عامداً؛ فإنّ المجموع من محصّل كلامه يؤدّي إلى التناقض، لو قبلنا بكلّ أقواله ظاهراً.
    فهو قد نقل أوّلاً بلفظة (قيل) - وهي لتمريض القول كما هو معروف - الرأي القائل بأنّ الآية نزلت في عبادة بن الصامت، وجاء بروايات (لا تثبت) مفادها التطابق بين قول وفعل عبادة بن الصامت، وبين أوّل الآية وهو معنى الولاية حسب ما فسّره )ملاحظة: أنّا لا نسلّم بأنّ معنى الولاية هو: النصرة)، ولم يأت بأيّ قول بأنّ عبادة هو من تصدّق بالخاتم.
    ثمّ إنّه عندما ذكر المعنيّ من قوله تعالى: (( وَالَّذينَ آمَنوا الَّذينَ يقيمونَ الصَّلاةَ وَيؤتونَ الزَّكَاةَ وَهم رَاكعونَ )) (المائدة:55), أورد رأيين، قدّمهما بقوله: ((فقال بعضهم، وقال بعضهم)) الأوّل: إنّ المعنيّ بها: عليّ(عليه السلام)، والثاني: إنّ المعني بها: جميع المؤمنين، واختفى (القيل) بأنّ الآية نزلت بحقّ عبادة بن الصامت!
    ومن الواضح أنّ الآية واحدة، بل أنّ الكلمات في الآية كلّها مترابطة وتؤدّي إلى معنى واحد، لا يمكن معه الفصل بين أوّل الآية والقول أنّها نزلت بسبب نزول غير السبب الذين نزلت به آخر الآية، فأمّا القول بأنّها نزلت كلّها بحقّ عبادة، أو كلّها بحقّ عليّ(عليه السلام)، أو كلّها بحقّ جميع المؤمنين، وهذا ما لم يفعله الطبري؛ فراجع كلامه!
    وجعل هذه الآية ذات المعنى المترابط الواحد قسمين: الأوّل نزل في حقّ عبادة, والآخر في حقّ عليّ(عليه السلام)، ما هو إلاّ تناقض؛ فلاحظ!
    ولكن هل نقبل من الطبري هذا؟!
    أو أنّ هناك مورد نزول واحد، هو في حقّ عليّ(عليه السلام) متحقّق عند الطبري، ولكن أراد إخفاءه وستره لأمر في نفسه! فلم يبرزه واضحاً في كلامه بدون لبس، وإنّما خلطه بغيره، وصاغ عباراته بحيث توهم القارئ المتسرّع بأنّ الأمر فيه أقوال وآراء، ويأخذه ظاهر التقسيم للأقوال، فيظنّ أنّ المراد هو تعدّد موارد النزول.
    وفعل الطبري هذا هو الذي يجعلنا نتّهمه!
    وذلك أنّ الطبري بالحقيقة لم يقل أنّ الآية نزلت في حقّ عبادة وعليّ(عليه السلام) من منظور واحد؛ إذ أنّ الطبري عندما نسب سبب النزول إلى عبادة بن الصامت كان من جهة أنّ عبادة كان المخاطب بالآية، أو المخبر بها عن حاله، لا أنّه الذي يجب أن يُتولّى، أي: المعنيّ بقوله: (( وَالَّذينَ آمَنوا الَّذينَ... ))، بدليل صريح الروايات التي نقلها الطبري نفسه؛ إذ فيها أنّ عبادة تبرّأ من بني القينقاع، وقال: ((أتولّى الله ورسوله والمؤمنين))، أو قال: ((أتولّى الله ورسوله والذين آمنوا))، فعبادة هنا يخبر عن كونه يَتولّى لا أنّه هو المولّى، فنزلت الآية إخباراً عن حاله وبياناً له وللمؤمنين، في من يجب أن يتولوه وهم الله ورسوله والذين آمنوا...(أي: عليّ(عليه السلام)).
    فالآية بيان لمورد صاحب الولاية لا للذين يتولّوه.. نعم، هم المخاطبون بذلك، ومنهم: عبادة، وقد يكون أوّلهم، حسب قول الطبري، وإن كانت الرواية شاذّة.
    وقد ورد في ذلك غيرها الكثير، منها - كما في بعض رواياتنا -: أنّ قوماً من اليهود سألوا رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن وصيّه بعد أن أسلموا، فنزلت الآية، فخرج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى المسجد يسأل عمّن تصدّق بخاتم وهو راكع، فأخبره السائل أنّه عليّ(عليه السلام)(1).
    وعلى هذا يصحّ أن تقول: إنّ هؤلاء اليهود كانوا سبباً للنزول بسؤالهم النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن وصيّه.
    ولكن هذه الجهة غير الجهة المدّعاة مورد الاستدلال؛ فإنّ جهة قولنا بأنّ سبب نزولها كان عليّ(عليه السلام)، هو القول بأنّ الآية جاءت لتبيّن أنّ الذي يجب أن يُتولّى بعد الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو: عليّ(عليه السلام)؛ فهو الذي تصدّق بالخاتم وهو راكع، وأنّ المؤمنين جميعاً مأمورون في قول الله: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ )) بولايته وطاعته؛ فهو أولى بالأمر بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وليكن من المؤمنين عبادة بن الصامت فلا ضير.
    وكأنّ الآية بيان لمورد الولاية الحقيقي الذي يجب على عُبادة وغيره من المؤمنين التمسّك به، أو إخبار للمؤمنين عامّة ولبعضهم خاصّة، وهم: أصحاب السؤال بهذا المورد الحقيقي الذي يجب أن يُتولى؛ فلاحظ!
    وبهذا يتّضح قول الطبري، ولا تهافت في البين، وإن كنّا نتّهمه بعدم البيان والبسط بوضوح، لغاية الله يعلمها!!
    وأمّا القول بأنّ مورد النزول هو جميع المؤمنين، فهو لا يتم إلاّ على القول بأنّ معنى الولاية هي النصرة، وهذا ما لا نسلمه! ثمّ إنّ تخصيص مورد النزول بعليّ(عليه السلام) يرده، ولا يمكن أن يكون جميع المؤمنين هم ولاة الأمر إذا كان معنى الولاية هو الأولى بالأمر، إذ لا بدّ أن يكون واحداً في كلّ عصر.
    وبيان أنّها جاءت بمعنى الأولى بالأمر لا النصرة ذكرناه في محلّه؛ فراجع!
    وأمّا بخصوص كتاب ابن عساكر، و(الأنساب) للبلاذري، فإنّ اعتراضك وقع بسبب خطأ ووهم منهجي! فإنّا لم نحتجّ بما ورد عنهما لأجل أنّ كتابيهما معتبران؛ إذ لا توجد عندنا قاعدة بأنّ: كلّ كتاب معتبر فإنّا نأخذ بكلّ ما فيه، وكلّ كتاب غير معتبر فنردّ كلّ ما فيه، وإنّما نأخذ ما موجود في الكتب بالسند، ونحاكم السند كرواية مفردة، ويكون مؤلف الكتاب أحد الرواة لا غير.
    وهذا الاشتباه لا يقع فيه إلاّ من ثبت في ذهنه وجود كتب صحيحة غير القرآن ال?ريم، مثل البخاري ومسلم! فيأخذ بتصنيف الكتب إلى معتبرة وغير معتبرة، أو يستخدم ذلك عن عمد حتى يردّ ما يريد من الروايات التي لا تعجبه بعد أن يصنّف الكتاب الواردة فيه هذه الروايات بأنّه غير معتبر، كما هو منهج السلفية والوهابية المعاصرين، وإلاّ فإنّ مثل هذا المنهج لم يدخل في علم الحديث والدراية، ولم يتكلّم به علماؤهما؛ لأنّ بطلانه من الوضوح بمكان.
    وبعد أن ذكرنا لك المقدّمات الثلاث أوّلاً فلا بدّ أن يتوضّح لك مورد الاستدلال بما رويا.
    وأمّا ما ذكرته من المراد بالزكاة حالة الركوع فهو موضّح في جواب الأسئلة الأُخرى؛ فراجع!

    (1) انظر: تفسير البرهان 3: 423 في هذه الآية.

    تعليق على الجواب (3)
    والله العظيم أنا مندهش من هذه الإجابة!
    حتى لو سلّمنا بأنّ الآية نزلت في حقّ عليّ(رضي الله عنه)، ولكن هل قرأت الآية التي تسبق هذه الآية، والقرآن كلام الله وهو يفسر بعضه بعضاً، والولاية هنا تعني: محبّتهم وموالاتهم ومؤازرتهم على أساس الدين، بعدما نهانا الله في الآية التي تسبقها من موالاة اليهود والنصارى، والآية هنا حتى وإن نزلت في عليّ فهي تعمّم على كلّ من انتهج نهجه، وأبا بكر وعمر كانا على نهج عليّ، وكلّ الآيات الكريمة تعمم على المؤمنين، وإلاّ لتركنا كلّ الآيات التي نزلت في الرسول ونطبّقها عليه وحده.
    فمثلاً الله أمر النبيّ بإقامة الصلاة، فهل نتركها بحجّة أنّها نزلت في النبيّ؟
    الجواب:
    نزول هذه الآية في حقّ عليّ(عليه السلام) هو ممّا بان واشتهر، ودونك المصادر المذكورة في الأسئلة السابقة لتتأكّد من ذلك.
    ودعوى أنّها نزلت في غيره، أو في عامّة المؤمنين، فعلى المدّعي إثباتها، وإلاّ يبقى البيان الشاخص في نزول هذه الآية في عليّ(عليه السلام) عندما تصدّق بخاتمه هو الفارس في الميدان، وقد نقله ابن أبي حاتم في تفسيره بأسانيد بعضها صحيحه، كما نقل ذلك غيره؛ فراجع واغتنم!
    وانحصار الولاية بالثلاثة المذكورين في الآية: (( اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:55)، والمراد به، شخص أمير المؤمنين(عليه السلام) بحسب الروايات.. ينفي دخول غيرهم معهم، وإلاّ لا وجه للانحصار، وذلك لأنّ ولاية المحبّة والموالاة الدينية عامّة في جميع الأمّة، وهذا الأمر مجمع عليه، (( وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ )) (التوبة:71)، فلا وجه للحصر هنا بقيود وأحوال خاصّة إلاّ الإشارة إلى عليّ(عليه السلام).
    ثمّ إنّا لا نسلّم أن يصحّ تطبيق الآيات التي ورد فيها خطاب الله تعالى للمؤمنين، بلفظ: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) على جميع المؤمنين، لأنّها لم ترد في القرآن عامّة أو مطلقة دائماً، فمثلاً قد خصّصت في آية الولاية بقرينة: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، وهذه القرينة لا يمكن أن تكون مجرد وصف لجميع المؤمنين، لأنّ الثابت أنّ المؤمنين جميعاً لم يؤتوا الزكاة وهم راكعون، بل الذي فعل ذلك هو رجل واحد، وقد دلتنا الروايات الصحيحة على أنّه عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) دون سواه، ممّا يعني أنّ الآية نازلة في حقه وغير شاملة لسائر المؤمنين.
    فأمثال هذه الآيات ينبغي الرجوع فيها إلى القرائن الحالية والمقالية المتصلة أو المنفصلة، وعلم ذلك موكل إلى أهل الاختصاص من علماء التفسير والأُصول.
    ودعوى أنّ أبا بكر وعمر كانا على نهج عليّ(عليه السلام) يحتاج إلى تحقيق وبحث، والمعلوم المشهور أنّ عليّاً(عليه السلام) رفض البيعة في الشورى، ولم يوافق على الشرط الذي أشترطه عليه عبد الرحمن بن عوف، بسبب رفضه العمل على سيرة الشيخين؛ فراجع وتدبر!

    تعليق على الجواب (4)
    لو كان كلامك صحيح، فالمفروض أن تكون العبارة: ((الذي يؤتي الزكاة وهو راكع))، وليس الجمع، لأنّ المقصود واحد وليس المجموع.
    الجواب:
    من بلاغة العرب أن يأتوا بصيغة الجمع وإن كان المراد واحداً، وقد أجاب الزمخشري - خرّيت صناعة البلاغة - عن هذا الإشكال الذي قلته:
    قال: ((فإن قلت: كيف يصحّ أن يكون لعليّ(رضي الله عنه)، واللفظ لفظ الجماعة؟
    قلت: جيء به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً، ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه، ولينبّه على أنّ سجيّة المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البرّ والإحسان، وتفقّد الفقراء، حتى إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخّروه إلى الفراغ منها))(1).
    (1) الكشّاف 1: 624 قوله تعالى: (( وَهُم رَاكِعُونَ )).

    تعليق على الجواب (5)
    جاءت الآية (( اللّهُ وَرَسُولُهُ )) بصيغة المفرد، وجاءت على أساس قولك من التعظيم لعليّ بصيغة الجمع, ولوكانت الآية تُبلِغ عن الإمامة ستكون واضحة بدون رواية تلحقها.
    الجواب:
    إنّ منهج عدم قبول الاستعانة بالسُنّة على تفسير القرآن منهج خاطئ، فالسُنّة الصحيحة الصادرة من المعصوم تكون مبيّنة وموضّحة للآيات القرآنية، فلا يصحّ رفضها وعدم قبولها.
    وإذا أمكن تحديد فهم بعض الآيات القرآنية على أساس الاستعانة بالقرآن فقط، فإنّ هذه الآية لا يمكن معرفة مصداقها بسهولة من خلال القرآن فقط، خصوصاً لعامّة المسلمين؛ لأنّها تحيل إلى قضية خارجية، وهيك التصدّق والزكاة في حال الركوع, وهذه القضية لا يمكن معرفة المراد منها خارجاً إلاّ من خلال الروايات والأخبار.
    والأخبار تشير إلى أنّ الذي قام بهذا العمل شخص واحد، وهو عليّ(عليه السلام)، بل إنّ هناك أخباراً أُخرى تشير إلى تصدّق بعض الصحابة عدّة مرّات بمثل الهيئة التي تصدّق بها عليّ(عليه السلام)، ومع ذلك لم تنزل فيه مثل ما نزل بحقّ عليّ(عليه السلام)، ممّا يؤكّد عدم صلاحية أي تصدّق للدخول كمصداق للآية, وكما يعترف بذلك ذلك الصحابي، ففي رواية عن عمر بن الخطّاب أنّه قال: ((أخرجت من مالي صدقة يتصدّق بها عنّي وأنا راكع أربعاً وعشرين مرّة على أن ينزل في ما نزل في عليّ(عليه السلام) فما نزل))(1).
    (1) سعد السعود: 90 ما أورده من كتاب ابن الحجام بخصوص قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).

    تعليق على الجواب (6)
    سؤالي يدور في خاطري منذ عرفت من هم إخواننا الشيعة ومذهبهم: وهو إذا كان تفسير الآية الكريمة (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )): أنّ الولاية هي لعلي كرّم الله وجهه؛ لأنّه تبرع بخاتمه في الصلاة, فهذا يقودني إلى التساءل بأنّ عليّ كرّم الله وجهه لم يكن تفكيره بالصلاة، بل كان تفكيره كلّه بما يريده من جاء وأخذ الخاتم, وهذا طبعاً لا يرضاه أحد, فما هو الردّ على هذا التساءل؟
    الجواب:
    إنّ المؤثّرات الخارجية الآتية عن طريق السمع والبصر وغيرها من الحواس، إنّما تؤثّر على الخشوع في الأفراد العاديين، أمثالنا نحن, أمّا الذي له درجة كمالية عالية كالإمام؛ فإنّ تلك المؤثّرات لا تؤثّر على خشوعه, بل هو في حال خشوعه يستطيع أن يسمع ويبصر, ويعي ما يسمع ويبصر.
    وإن أبيت إلاّ أن تنكر ذلك، فنقول لك: إذا كنت خاشعاً يوماً في صلاتك, وأنت فاتح عينيك أثناء الصلاة, وحصلت حركة معيّنة أثناء الصلاة, ولم تسلب خشوعك، هل تستطيع أن تصف تلك الحركة المعيّنة بعد الصلاة؟
    فإن قلت: نعم.
    نقول لك: إنّ اجتماع حالة البصر وحالة الخشوع عندك دليل إمكان اجتماع حالتي السمع والخشوع كذلك، سواء عندك أو عند غيرك.
    ومع ذلك، فإنّ سؤال السائل كان في بعض وقت الصلاة, ولم يستغرق كلّ وقتها, فالانتباه إلى قوله (خاصّة وإنّه لم يكن الأمر دنيويّاً بل كان في سبيل الله) للحظة دون معارضته للخشوع ممكن, وأمّا الأفعال القليلة بعد الالتفات من الإشارة إليه لأخذ خاتمه, ومدّ يده ليأخذه الفقير, فإنّه كان عبادة في عبادة لا تخدش في كمال الصلاة؛ فإنّ ما ينافي كمالها هو الانشغال عنها بأمر دنيوي سواء بالجوارح أو بالفؤاد, وهو ما لم يحصل عنده (عليه السلام), ومن هنا جاء مدحه في القرآن وعلى لسان رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمام الصحابة؛ فلاحظ!
    النقطة الأولى: الآية ذكرت الصلاة، والركوع هو من الصلاة، لذلك عندما أتت (راكعون) في هذا الموضع هي صفة هؤلاء الذين يؤتون الزكاة بأنّهم لا يدفعونها بكبر، وإنّما وهم راكعون منصاعين لأوامر الله عزّ وجلّ.
    الأمر الآخر: عليّ بن أبي طالب تصدّق بخاتم وهو يصلّي، هل تعتبر هذه بدعة في الدين؛ لأنّ محمّداً عليه الصلاة والسلام لم يرد أنّه تصدّق وهو في صلاته، وهذا أمر جديد، فمن الذي هدى عليّ(عليه السلام) إلى هذا الأمر؟
    النقطة الثالثة: الآية جاءت عامّة عن المؤمنين فهل عليّ هو المؤمن الوحيد؟
    آخر نقطة: أنت لِمَ تقول: أنّ الفريقين أجمعوا على أنّ هذه الآية نزلت في الإمام عليّ(عليه السلام)، أنا أقول لك: لا يا أخي كلامك غير صحيح، أهل السُنّة لا يقولون هذا القول.
    الجواب:

    جواب النقطة الأولى:
    لا يجوز أن تكون: (( وَهُم رَاكِعُونَ )) صفة مع وجود (الواو)، فالواو إمّا عاطفة، وإمّا حالية، وكونها عاطفة بعيد؛ لأنّ الركوع من ضمن أفعال وأركان الصلاة، فلا يصحّ تكراره، خصوصاً مع وجود فاصل أجنبي عن الصلاة، وهو الزكاة يفصل بين الجملتين.
    ولذلك لا يصحّ إلاّ أن تكون (الواو) هنا حالية، ويكون المعنى أنّهم: (يؤتون الزكاة حال ركوعهم).
    ويوجب هذا المعنى ورود النصوص الصريحة التي تؤكّد هذا المعنى، إذ ورد في إحدى روايات تصدّق أمير المؤمنين(عليه السلام) بالخاتم: (تصدَّق عليٌّ بخاتمه وهو راكع)(1)، كما روى الهيثمي في مجمع الزوائد(2)، والطبراني في أوسطه(3)، والسيوطي في تفسيره: ((عن عمّار بن ياسر، قال: وقف على عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه) سائل وهو راكع في تطوع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل...))(4)، الرواية.. وأخرج لها السيوطي شواهد في (لباب النقول)، وقال: ((فهذه شواهد يقوي بعضها بعضاً))(5)، ونقل مثله السيوطي عن الخطيب في (المتفق) عن ابن عبّاس، قال: ((تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع...))(6).
    وكذلك ورد في سبب نزول الآية عند الواحدي: (( (( وَهُم رَاكِعُونَ ))، قول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) للسائل: على أيّ حال أعطاك؟ قال: أعطاني وهو راكع، فكبّر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ تلا هذه الآية...))(7)، وهذا كلّه يؤكد المعنى الذي يلتزمه الشيعة، حيث ثبت سبب النزول، وثبت إرادة ذلك المعنى وهو أداء الزكاة حال الركوع.
    أمّا الاعتراض بذكر الصلاة وذكر الركوع بعد ذلك وهو جزء من الصلاة، فمع سبب النزول يندفع الإشكال؛ إذ أنّ للركوع في قصّة التصدّق أهمية ينبغي معها ذكرها، مع أنّ القرآن الكريم كثيراً ما يذكر الخاص بعد العام، مثل: قوله تعالى: (( وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاركَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ )) (البقرة:43).
    وقوله عزّ وجلّ: (( وَأَوحَينَا إِلَيهِم فِعلَ الخَيرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ )) (الأنبياء:73)؛ قال البيضاوي في تفسيرها ما معناه: وهو من عطف الخاص على العام للتفضيل(8)، وقوله تعالى: (( وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ )) (العصر:3)؛ وقال البيضاوي في تفسيره: ((وهذا من عطف الخاص على العام للمبالغة))(9).
    وذكر ابن تيمية في (دقائق التفسير) حديث النزول، وقال: ((فذكر أوّلاً الدعاء، ثمّ ذكر السؤال والاستغفار، والمستغفر سائل، كما أنّ السائل داعٍ، لكنّ ذكر السائل لدفع الشر بعد السائل الطالب للخير، وذكرهما جميعاً بعد ذكر الداعي الذي تناولهما وغيرها، فهو من باب عطف الخاص على العام))(10).
    وقال تعالى أيضاً: (( مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلكَافِرِينَ )) (البقرة:98)، قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره: ((قال الماتريدي... وخصّ جبريل وميكال بالذكر تشريفاً لهما وتفضيلاً. وقد ذكرنا عن أُستاذنا أبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير(قدس الله سره) أنّه كان يسمّي لنا هذا النوع بـ(التجريد)، وهو أن يكون الشيء مندرجاً تحت عموم، ثمّ تفرده بالذكر، وذلك لمعنى مختص به دون إفراد ذلك العام، فجبريل وميكال جُعلا كأنّهما من جنس آخر، ونُزّل التغاير في الوصف كالتغاير في الجنس فعطف، وهذا النوع من العطف، أعني: عطف الخاص على العام على سبيل التفضيل، هو من الأحكام التي انفردت بها الواو، فلا يجوز ذلك في غيرها من حروف العطف))(11). انتهى.
    فهذا الكلام كلّه مع عدم كون الواو حالية، أي أنّه سواء أكانت الواو عاطفة أم حالية تصحّ قصّة التصدّق.
    وبهذا يندفع إشكال ذكر الركوع بعد الصلاة وإرادته على معناه الحقيقي، مع الأخذ بنظر الاعتبار كون الحقيقة هي الظاهر والأصل، وكون المجاز هو التأويل والفرع، ولا يصار إلى المجاز إلاّ مع تعذّر الحمل على الحقيقة.
    فيصحّ أن يكون المعنى: الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة حال ركوعهم، إن فسرنا الواو بأنّها حالية، ويجوز أيضاً كون الواو عاطفة، فيكون من باب عطف الخاص على العام للأهمية أو لبيان الاختصاص؛ إذ لا يمكن أن يخطر على قلب أحد أن يتصدّق حال ركوعه، فكان ذكر الركوع من باب اختصاص أمير المؤمنين(عليه السلام) بالتصدّق حال الصلاة، وفي الركوع بالذات حيث ينقطع الإنسان المصلّي فيه عادة عن كلّ ما حوله، ولكنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) اجتمعت فيه الأضداد كما وصفه ابن الجوزي حين فسرّ خشوعه وفنائه مع الله تعالى وتصدّقه في الوقت نفسه، فتمثّل قائلاً:
    يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته ***** عن النديم ولا يلهو عن الناسِ
    أطاعه سكره حتّى تمكن من ***** فعل الصحاة فهذا واحد الناسِ
    ثمّ إنّه لا مبرر لتعلّق الولاية العامّة (حسب مدّعاكم في معنى الآية) بأمر جانبي قلبي، واشتراط عدمه ليُتّخذ وليّاً وأخاً في الله، وهو: عدم الكبر وعدم الرياء، بل الدليل على خلاف ذلك، إذ أنّ الإسلام يَشتَرط التلفّظ بالشهادتين فقط، كما في حديث أسامة بن زيد، دون النظر إلى الصدق والإخلاص والقبول، ويشهد لذلك عصمة دماء المنافقين حتّى مع معرفتهم واليقين بنفاقهم والقطع به، فالإسلام يتعامل مع الظاهر والحساب على الله تعالى يوم القيامة، يوم تبلى السرائر.
    وكون الصلاة والزكاة يتقرّب بها المسلم إلى الله تعالى مطيعاً لأوامره، متذلّلاً في قبولها وتنفيذها إذ أنّ العبادات كلّها يشترط فيها هذا الشرط، فلماذا قُيّد هنا به دون غيره من الموارد مع وضوحه وبداهته في كلّ الأعمال؟
    والمشكلة الأكبر في كلّ ذلك هو الإتيان بلفظٍ غامض ومصطلح مستعمل في معنى عبادي آخر (( وَهُم رَاكِعُونَ )) مع إرادة معنى آخر (حسب زعمكم في معنى الآية).
    فيحصل بذلك الإبهام والإيهام مع أهميته وبداهته، فكيف يعبّر عنه بمثل هذا الغموض ويسمّيه: ركوعاً، ويقصد التذلّل والتسليم، أي يريد المجاز دون الحقيقة المتشرعية، أو بالأحرى الشرعية المستعملة والمشهورة بين المسلمين في ذلك الوقت؟!
    جواب النقطة الثانية:
    أمّا الإشكال الثاني فهو أعجب من الأوّل والله؛ إذ أن تعريف البدعة: أنّها إحداث شيء في الدين، وتشريعه والتعبد به من دون وجود أصل له في الشريعة، ولا إقرار عليه من المشرع، وهذان الأمران منفيان عن فعل أمير المؤمنين(عليه السلام)؛ إذ أنّه (عليه السلام) حينما تصدّق وهو في الصلاة كان بسبب سؤال ذلك الرجل، وعدم إعطاء أحد له، وهذا المحتاج أراد أن يدعو على المسلمين فمدّ له أمير المؤمنين(عليه السلام) إصبعه ونزع الخاتم له وأعطاه إياه، فكان فعله اضطرارياً..
    كما هو حال ذلك الصحابي الذي جاء متأخّراً عن الصلاة مع رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فركع قبل أن يصل إلى الصفوف، وبقي يمشي وهو راكع، وبعد ذلك امتدحه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأقرّه على حرصه مع عدم سبقه بذلك، فهل يستطيع أحد أن يصف فعل ذلك الصحابي بأنّه بدعة؟!
    فكذلك فعل أمير المؤمنين(عليه السلام)، بل إن فعل ذلك الصحابي أولى وأقرب لأن يوصف بكونه بدعة؛ إذ أنّه مشى في ركوعه، أمّا أمير المؤمنين(عليه السلام) فلم يفعل أكثر من الإيماء والإشارة بالخاتم لذلك السائل..
    ومع وجود روايات وأحاديث كثيرة عند المخالفين في التحرك الكثير في الصلاة دون أن يدعي أحد فيها بالانشغال، أو العبث، أو البطلان. مثل الرواية التي يُدعى فيها أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) صلّى يوماً بالمسلمين فتذكر أنّه مجنب، فتركهم في الصلاة، وذهب فاغتسل، وعاد وأكمل صلاته، وإمامته للصحابة!!
    وكذلك هناك رواية صلاة أبي بكر بالناس حين غياب النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) التي يروونها ويَدّعونها؛ ففيها: رجوع أبي بكر إلى الوراء، ونكوصه والتفاته، ورفع يديه فرحاً ليدعو ويشكر الله على أمر رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) له بالبقاء والتقدّم.
    وغير ذلك الكثير من الأمثلة والشواهد على الحركة في أثناء الصلاة، وكلّ ذلك لا يقول فيه أحد أنّه حركة وانشغال أثناء الصلاة، أمّا إيماء عليّ(عليه السلام) وإشارته لذلك السائل بخاتمه، ليأخذه بعد أن يئس من إعطاء أحد من الصحابة شيئاً له، والتصدّق عليه لحاجته، فيرد على ذلك عندهم ألف إشكال وإشكال، وألف سؤال وسؤال، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم!
    فالبدعة تشريع شيء في الدين، وإدخال ما ليس منه فيه، والحركة البسيطة جدّاً مع كونها طاعة لله تعالى، وفي سبيله، ومع كونها لضرورةٍ؛ لكون السائل أراد أن يرفع يديه، ويشكو إليه تعالى، ودفع الله به ما كان أعظم، أنّه قد دخل مسجد رسوله، وهو محتاج، ولم يعطه أحد شيئاً، فأجابه أمير المؤمنين(عليه السلام) قبل أن يدعو ويشكو إلى الله عزّ وجلّ، فهي ليست في شيء من التشريع أو الإدخال في الدين ما ليس منه!!
    أمّا زمن التشريع: فقد حدثت عشرات بل مئات الحوادث التي لم ينزل تشريعها أو إقرارها إلاّ بعد فعل أحد المسلمين لها، وخصوصاً موافقات القرآن لعمر؛ إذ لم نر أحداً منهم قد اعترض عليه بأنّه يبتدع، بل تجعل كلّ اجتهاداته وآرائه ينزل فيها القرآن ليشرّعها ويوافقها، بعد أن يفعلها عمر دون تشريع مسبق.
    أمّا أميرُ المؤمنين(عليه السلام) فلا بدّ أن يجعلوا أفعاله تلك بدعة، وغير مشرّعة مع نزول آية تمتدحه على فعله، وليست توافقه فقط، ويقرّه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بل يكبّر، ويحمد الله، ويشكره على فعل علي(عليه السلام) ذلك، ومع ذلك يبقى الحاقدون غير راضين عن أيّ فعل لكونه صادراً من أمير المؤمنين(عليه السلام).
    جواب النقطة الثالثة:
    أمّا مسألة الجمع مع إرادة المفرد، فإنّه أسلوب عربي معروف وبليغ ومستعمل في القرآن الكريم كثيراً، ومنه قوله تعالى: (( إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) (الحجر:9), فهذا كذاك.
    فسياق الآية العام لا ينفي ولا يعارض تخصيصها بسبب النزول الخاص، مع عدم فعل أحد من المسلمين لذلك الفعل في زمن أمير المؤمنين سواه (عليه السلام)، وقد ورد أن أئمّتنا(عليهم السلام) كلّهم قد فعلوا ذلك، فيكون العموم نافعاً لهذه النكتة المهمة؛ إذ لولا صيغة الجمع مع وجود أداة الحصر، فإنّ دخول سائر الأئمّة في الآية وشمول ولايتهم على المؤمنين يصبح صعباً ومتنافياً ولو ظاهراً مع الآية الكريمة.
    جواب النقطة الأخيرة:
    الإجماع المدّعى بين الفريقين في نزول هذه الآية في أمير المؤمنين(عليه السلام) لا يقصد منه الإجماع الاصطلاحي، وإنّما يقصد منه كما هو واضح: الاتّفاق بين الفريقين على رواية نزولها في أمير المؤمنين(عليه السلام)؛ إذ أنّك لو راجعت ما ذكرناه على صفحتنا تجد في أحد أجوبتنا تسعة عشر مصدراً تفسيرياً وغيره، قد ذكر نزولها في علي(عليه السلام) في قصّة التصدّق بالخاتم؛ فراجع لتعرف أقوال السُنّة ورواياتهم في نزول هذه الآية الكريمة في أمير المؤمنين(عليه السلام).

    (1) تفسير ابن أبي حاتم 4: 1162.
    (2) مجمع الزوائد 7: 17 سورة المائدة.
    (3) المعجم الأوسط 6: 218.
    (4) الدرّ المنثور 2: 293.
    (5) لباب النقول: 93.
    (6) الدرّ المنثور 2: 293.
    (7) أسباب نزول: 133 سورة المائدة وغيرها.
    (8) تفسير البيضاوي 4: 101.
    (9) تفسير البيضاوي 5: 526.
    (10) دقائق التفسير2: 359.
    (11) البحر المحيط 1: 490.

    تعقيب على الجواب (1)
    ..
    والله إنّي لاعجب أشدّ العجب من قوم يعاندون حتى علماءهم الأعلام! فتلك كتب أعلامكم زاخرة بالأحاديث التي وصلت حدّ التواتر، ولا أعلم لماذا هذا العناد في تفسير هذه الآية بالذات؟!
    ولو أنّها نزلت في غير أمير المؤمنين عليّ(سلام الله عليه) لقامت الدنيا ولم تقعد، ولاعتبرت فضيلة لا تدانيها فضيلة، ولكن الحمد لله (( الله أعلم حيث يجعل رسالته )).
    وإذا ما أردنا تفسير هذا العناد، فيتّضح: إمّا لغرض حقد دفين على هذه الشخصية الفذّة التي لم ينقل التاريخ كمثل بطولاتها والتزامها وإيمانها، وإمّا: أنّه عناد مقابل النصّ والقرآن، وفي كلتا الحالتين مصير أصحابها معروف، فسبحان الله عمّا تصفون.
    والحمد لله رب العالمين.

  • #2
    الأخ الكريم
    ( الشيخ عباس محمد )
    دمتم ودامت مواضيعكم وأختيارتكم الهادفه
    تحياتي وتقديري





    ولولا أبو طالب وأبنه * لما مثل الدين شخصا وقاما
    فذاك بمكة آوى وحامى * وهذا بيثرب جس الحماما

    فلله ذا فاتحا للهدى * ولله ذا للمعالي ختاما
    وما ضر مجد أبي طالب * جهول لغا أو بصير تعامى
    كما لا يضر إياب الصبا * ح من ظن ضوء النهار الظلاما

    [/CENTER]

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X