آخر الزمان في نهج البلاغة
الباحث: علي عباس فاضل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين وبعد:
ذكر أمير المؤمنين عليه السلام كل ما يخص الأمة الإسلامية صغيره وكبيره، فهو باب مدينة العلم التي يؤمُّها الناس من كل فجٍّ عميق، ولم يكن غائبا حال الناس في آخر الزمان عن أمير المؤمنين عليه السلام، إذا تناوله في كلامه المبارك، وسنسلط الضوء في هذا الأسطر عن ما جاء في نهج البلاغة عن آخر الزمان.
وجاء في النهج قوله عليه السلام ((وَذلِكَ زَمَانٌ لاَ يَنْجُو فِيهِ إِلاَّ كُلُّ مٌؤْمِن نُوَمَة، إِنْ شَهِدَ لَمْ يُعْرَفْ، وَإِنْ غَابَ لَمْ يُفْتَقَدْ، أُولَئِكَ مَصَابِيحُ الْهُدَى، وَأَعْلاَمُ السُّرَى، لَيْسُوا بِالْمَسَايِيحِ، وَلاَ الْمَذَايِيعِ الْبُذُرِ، أُولَئِكَ يَفْتَحُ اللهُ لَهُمْ أَبْوَابَ رَحْمَتِهِ، وَيَكْشِفُ عَنْهُمْ ضَرَّاءَ نِقْمَتِهِ. أَيُّهَا النَّاسُ، سَيَأْتي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يُكْفَأُ فِيهِ الإسْلاَمُ، كَمَا يُكْفَأُ الإنَاءُ بِمَا فِيهِ. أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ قَدْ أَعَاذَكُمْ مِنْ أَنْ يَجُورَ عَلَيْكُمْ، وَلَمْ يُعِذْكُمْ مِنْ أَنْ يَبْتَلِيكُمْ، وَقَدْ قَالِ جَلَّ مِنْ قَائِل: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ)([1])))([2]).
فالإمام عليه السلام يتحدث في هذا النص عن زمان آتٍ، يكون فيه الناس على وفق هذه الصفات التي ذكرها فيهم، (وَذلِكَ زَمَانٌ لاَ يَنْجُو فِيهِ إِلاَّ كُلُّ مٌؤْمِن نُوَمَة، إِنْ شَهِدَ لَمْ يُعْرَفْ، وَإِنْ غَابَ لَمْ يُفْتَقَدْ)، وهو إشارة إلى أن المؤمن لا وجود له بين الناس منعزل عنهم لا يؤثر وجوده من عدمه فيهم وقد كنى الإمام عليه السلام بذلك بقوله (نومة)([3])، إذ (يدل سياق الكلام على أن المراد بالزمان المشار إليه، الزمان الذي يعرض الناس فيه عن الدين)([4]).
أما قوله عليه السلامأولئك مصابيح الهدى، وأعلام السرى). يريد بذلك المؤمنين المخلصين؛ لأنهم يعملون بعلمهم ، ويخلصون لدينهم ، ولأن سيرتهم وأعمالهم تترك أطيب الأثر في النفوس ، وربما اهتدى بهم الكثير من التائهين والمنحرفين (ليسوا بالمساييح) لا يسيحون ويمشون بين الناس بالفساد (ولا المذاييع البذر) لا يذيعون الفاحشة، ويبذرون النميمة والوشاية (أولئك يفتح اللَّه لهم أبواب رحمته) ويسكنهم فسيح جنته([5]).
ثم يذكر حال الإسلام في هذا الزمن فيقول: (أيها الناس سيأتي عليكم زمان يكفأ فيه الإسلام كما يكفأ الإناء بما فيه) .
قال ابن أبي الحديد : (يريد أنه سيأتي على الناس زمان تنقلب فيه الأمور الدينية إلى أضدادها ونقائضها)([6]). وقال ابن أبي الحديد إنه شهد هذا الزمان فيقصد زمانه الذي عاش فيه، وها نحن نعيش ما يشابه ما ذكره أمير المؤمنين عليه السلام.
وبين محمد جواد مغنية أن هذا الزمان (تتحرك فيه الرغبات، وتنطلق الميول والأهواء، ويكثر فيه التنافس والتباهي بأسباب الدنيا وزينتها كالسيارات والعمارات، والأثاث والرياش كالعصر الذي نعيش فيه. وليس من شك ان أحسن الناس عاقبة حينذاك هو الرجل المجهول، فهو لا ينافس أحدا، ولا أحد ينافسه ويحسده على شيء من الحطام. إنه يعمل من أجل قوته بهدوء، ويطيع ربه بلا جعجعة، ويشغله الخوف منه عن الناس وما يعبثون)([7]).
ومن النصوص التي تحاكي آخر الزمان ما جاء عنه (عليه السلام): (يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يُقَرَّبُ فِيهِ إِلاَّ الْمَاحِلُ، وَلاَ يُظَرَّفُ فِيهِ إِلاَّ الْفَاجِرُ، وَلاَ يُضَعَّفُ فِيهِ إِلاَّ الْمُنْصِفُ، يَعُدُّونَ الصَّدَقَةَ فِيهِ غُرْماً، وَصِلَةَ الرَّحِمِ مَنّاً، وَالْعِبَادَةَ اسْتِطَالَةً عَلَى النَّاس! فَعِنْدَ ذلِكَ يَكُونُ السُّلْطَانُ بِمَشُورَةِ الامَاءِ، وَإِمَارَةِ الصِّبْيَانِ، وَتَدْبِيرِ الْخِصْيَانِ!)([8])، وقال (عليه السلام): (يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يَبْقى فِيهِمْ مِنَ الْقُرآنِ إِلاَّ رَسْمُهُ، وَمِنَ الإسْلاَمِ إِلاَّ اسْمُهُ، مَسَاجِدُهُمْ يَوْمَئِذ عَامِرَةٌ مِنَ البُنَى، خَرَابٌ مِنَ الْهُدَى، سُكَّانُهَا وَعُمَّارُهَا شَرُّ أَهْلِ الأرْضِ، مِنْهُمْ تَخْرُجُ الْفِتْنَةُ، وَإِلَيْهِمْ تَأوِي الْخَطِيئَةُ، يَرُدُّونَ مَنْ شَذَّ عَنْهَا فِيهَا، وَيَسُوقوُنَ مَن تأَخَّرَ عَنْهَا إِلَيْهَا، يَقُولُ اللهُ تعالى: فَبِي حَلَفْتُ لأبْعَثَنَّ عَلَى أُولئِكَ فِتْنَةً أَتْرُك الْحَلِيمَ فِيهَا حَيْرَانَ، وَقَدْ فَعَلَ، وَنَحْنُ نَسْتَقِيلُ اللهَ عَثْرَةَ الْغَفْلَةِ)([9]).
الهوامش:
[1] سورة المؤمنون: 30.
[2] نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 249- 150.
[3] ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 3/ 19.
[4] في ظلال نهج البلاغة: 2/ 104.
[5] ينظر في ظلال نهج البلاغة: 2/ 105.
[6] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7/ 109.
[7] في ظلال نهج البلاغة، محمد جواد مغنية: 2/ 104- 105.
[8] نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 485- 486.
[9] نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 540.
تعليق