استدعاء المعتصم العباسي الإمامَ ( عليه السلام ) :
بويع الخليفة العباسي المعتصم سنة ( 218 هـ ) ، وما أن استَتَبَّ له أمر الملك ، وانقادت له البلاد شرقاً وغرباً ، حتى أخذ يتناهى إلى سمعه بروز نجم الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، واستقطابه لجماهير الأمّة ، وأخذه بزمام المبادرة شيئاً فشيئاً .
وتتسارع التقارير إلى الحاكم الجديد بتحرك الإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) وسط الأمّة الإسلامية .
وعلى أساس ذلك قَرَّر المعتصم العباسي - وبمشورة مستشاريه ووزرائه ، ومنهم قاضي القضاة ابن أبي دؤاد الإيادي ، المعروف ببغضه لأهل البيت ( عليهم السلام ) والذي كان يسيطر على المعتصم ، وقراراته وسياسته - أن يبعث بكتاب إلى واليه على المدينة المنورة ، محمد بن عبد الملك الزيَّات ، في عام ( 219 هـ ) ، بحمل الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، وزوجته أم الفضل ، بِكُلِّ إكرام وإجلال ، وعلى أحسن مركب إلى ( بغداد ) .
فلم يكن بُدّ للإمام ( عليه السلام ) من الاستجابة لهذا الاستدعاء ، الذي يُشَمُّ منه الإجبار والإكراه .
وقد أحسَّ الإمام ( عليه السلام ) بأنَّ رحلته هذه هي الأخيرة ، التي لا عودة بعدها .
لذلك فقد خَلَّف ابنه أبا الحسن الثالث ، وهو الإمام الهادي ( عليه السلام ) في ( المدينة ) ، بعد أن اصطحبه معه إلى ( مَكَّة ) لأداء مراسم الحجّ .
وأوصى له بِوَصاياه ، وسَلَّمه مواريث الإمامة ، وأشهد أصحابه بأنَّه ( عليه السلام ) إمامهم من بعده .
وتستمر الاستعدادات لترحيل الإمام ( عليه السلام ) إلى بغداد ، ويَستمْهِلهُم الإمام ( عليه السلام ) لحين إنتهاء الموسم .
وفعلاً ، يؤدي الإمام الجواد ( عليه السلام ) مراسم الحج ، ويترك ( مَكَّة ) فور أداء المناسك معرجاً على مدينة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، لِيُخلِّف ( عليه السلام ) فيها ابنه الوصي الوريث .
يبدو أن الإمام الجواد ( عليه السلام ) خرج من ( المدينة ) مُتَّجهاً إلى ( بغداد ) غير زائرٍ جَدَّه المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) ، وكأنَّه ( عليه السلام ) أراد بهذه العملية التعبير عن احتجاجه على هذا الاستدعاء ، وأن خروجه من مدينة جَدِّه ( صلى الله عليه وآله ) إنّما هو مكره عليه .
ويواصل الإمام ( عليه السلام ) رحلته إلى المصير المحتوم ، وقد أخبر أحد أصحابه بأنه غير عائدٍ من رحلته هذه مَرَّة أخرى .
فروى محمد بن القاسم ، عن أبيه : لمَّا خرج - الإمام الجواد ( عليه السلام ) - من ( المدينة ) في المرة الأخيرة ، قال ( عليه السلام ) : ( مَا أطْيَبكِ يا طيْبَة !! فَلَسْتُ بِعَائدٍ إِليكِ ) .
وبُعَيد هذا فقد أخبر الإمام ( عليه السلام ) أصحابه في السنة التي تُوفِّي فيها بأنه ( عليه السلام ) راحل عنهم هذا العام .
فعن محمد بن الفرج الرخجي ، قال : كتب إليَّ أبو جعفر ( عليه السلام ) قائلاً : ( اِحملوا إليَّ الخُمْس ، فإنِّي لستُ آخذه منكم سوى عامي هذا ) .
وصول الإمام ( عليه السلام ) :
وأخيراً ينتهي به ( عليه السلام ) المسير إلى ( بغداد ) ، عاصمة الدولة العباسية ، مَقَرُّه ( عليه السلام ) ، ومثواه الأخير الأبدي ، ودخلها لليلتين بَقِيَتا من المحرم سنة ( 220 هـ ) .
وما أن وصل ( عليه السلام ) إليها ، وحطَّ فيها رحاله ، حتى أخذ المعتصم يدبِّر ويعمل الحيلة في قتل الإمام ( عليه السلام ) بشكل سرِّي ، ولذلك فقد شكَّل مُثلَّثاً لتدبير عملية الاغتيال بكلِّ هدوء .
مُثلَّث الاغتيال :
على الرغم من تعدد الروايات في كيفية شهادة الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، إلا أنَّ أغلبها تُجمِع على أن الإمام ( عليه السلام ) اغتيل مسموماً .
وأنَّ مثلث الاغتيال قد تمثَّل في زوجته زينب المُكنَّاة بـ( أم الفضل ) ، وهي بنت بنت المأمون .
وهي المباشر الأول التي قَدَّمت للإمام عنباً مسموماً ، وتمثَّل أيضاً في أخيها جعفر ، والمدبر والمساعد لهم على هذا الأمر هو المعتصم بن هارون .
فقد ذكر ذلك غير واحد من المؤرخين ومنهم المؤرخ الشهير المسعودي حيث يقول : لما انصرف أبو جعفر ( عليه السلام ) إلى ( العراق ) ، لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يُدبِّران ويعملان على قتله ( عليه السلام ) .
فقال جعفر لأخته أم الفضل - وكانت لأمّه وأبيه - في ذلك ، لأنه وقف على انحرافها عنه ، وغِيرتها عليه ، لتفضيله أم أبي الحسن ابنه عليها ، مع شِدَّة محبتها له ، ولأنها لم تُرزَق منه ولد ، فأجابت أخاها جعفراً .
وقال غيره : ثم إنَّ المعتصم جعل يعمل الحيلة في قتل أبي جعفر ( عليه السلام ) ، وأشار إلى ابنة المأمون زوجته بأن تُسِمَّه .
لأنَّه وقف على انحرافها عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، وشِدَّة غيرتها عليه ، لتفضيله أم أبي الحسن ابنه عليها ، ولأنه لم يرزق منها ولد ، فأجابته إلى ذلك .
شهادة الإمام الجواد ( عليه السلام ) :
رُوِي أنَّ مثلث الاغتيال ( المعتصم ، وجعفر ، وأم الفضل ) ، كانوا قد تشاوَرُوا وتعاونوا على قتل الإمام ( عليه السلام ) ، والتخلّص منه بعد قدومه إلى ( بغداد ) ، بل ما استُدعِي ( عليه السلام ) إلاَّ لهذا الغَرَض .
وفي ذلك يقول المؤرخ علي بن الحسين المسعودي : ( وجعلوا - المعتصم بن هارون ، وجعفر بن المأمون ، وأخته أم الفضل - سُمّاً في شيء من عنب رازقي ، وكان يعجبه ( عليه السلام ) العنب الرازقي ، فلمَّا أكلَ ( عليه السلام ) منه نَدمَتْ ، وجعَلَتْ تبكي .
فقال ( عليه السلام ) لها : ( مَا بُكَاؤك ؟!! ، والله لَيَضربنَّكِ اللهُ بِفَقر لا يَنجَبِر ، وبَلاء لا يَنْسَتِر ) .
فَبُليت بِعِلَّة في أغمض المواضع من جوارحها ، وصارت ناسوراً ينتقض عليها في كلِّ وقت .
فأنْفَقَت مالها ، وجميع ملكها على تلك العِلَّة ، حتى احتاجت إلى رفد الناس .
وتردَّى جعفر في بئر فَأُخرِج ميتاً ، وكانَ سكراناً .
ولما حضرت الإمام ( عليه السلام ) الوفاة ، بعد أن سرى السُّمَّ في بدنه الشريف ، نص على أبي الحسن الهادي ( عليه السلام ) ، وأوصى إليه .
وكانت شهادته ( عليه السلام ) في آخر ذي القعدة 220 هـ .
وحُفِر للجثمان المقدَّس قبرٌ ملاصقٌ لقبر جدِّه الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، في مقبرة قريش بـ( بغداد ) ، فَوَارَوهُ ( عليه السلام ) فيه .
وانطفأت بشهادته ( عليه السلام ) شُعلَة مشرقة ، من الإمامة والقيادة الواعية ، المفكرة في الإسلام .
مؤسسة السبطين العالمية
بويع الخليفة العباسي المعتصم سنة ( 218 هـ ) ، وما أن استَتَبَّ له أمر الملك ، وانقادت له البلاد شرقاً وغرباً ، حتى أخذ يتناهى إلى سمعه بروز نجم الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، واستقطابه لجماهير الأمّة ، وأخذه بزمام المبادرة شيئاً فشيئاً .
وتتسارع التقارير إلى الحاكم الجديد بتحرك الإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) وسط الأمّة الإسلامية .
وعلى أساس ذلك قَرَّر المعتصم العباسي - وبمشورة مستشاريه ووزرائه ، ومنهم قاضي القضاة ابن أبي دؤاد الإيادي ، المعروف ببغضه لأهل البيت ( عليهم السلام ) والذي كان يسيطر على المعتصم ، وقراراته وسياسته - أن يبعث بكتاب إلى واليه على المدينة المنورة ، محمد بن عبد الملك الزيَّات ، في عام ( 219 هـ ) ، بحمل الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، وزوجته أم الفضل ، بِكُلِّ إكرام وإجلال ، وعلى أحسن مركب إلى ( بغداد ) .
فلم يكن بُدّ للإمام ( عليه السلام ) من الاستجابة لهذا الاستدعاء ، الذي يُشَمُّ منه الإجبار والإكراه .
وقد أحسَّ الإمام ( عليه السلام ) بأنَّ رحلته هذه هي الأخيرة ، التي لا عودة بعدها .
لذلك فقد خَلَّف ابنه أبا الحسن الثالث ، وهو الإمام الهادي ( عليه السلام ) في ( المدينة ) ، بعد أن اصطحبه معه إلى ( مَكَّة ) لأداء مراسم الحجّ .
وأوصى له بِوَصاياه ، وسَلَّمه مواريث الإمامة ، وأشهد أصحابه بأنَّه ( عليه السلام ) إمامهم من بعده .
وتستمر الاستعدادات لترحيل الإمام ( عليه السلام ) إلى بغداد ، ويَستمْهِلهُم الإمام ( عليه السلام ) لحين إنتهاء الموسم .
وفعلاً ، يؤدي الإمام الجواد ( عليه السلام ) مراسم الحج ، ويترك ( مَكَّة ) فور أداء المناسك معرجاً على مدينة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، لِيُخلِّف ( عليه السلام ) فيها ابنه الوصي الوريث .
يبدو أن الإمام الجواد ( عليه السلام ) خرج من ( المدينة ) مُتَّجهاً إلى ( بغداد ) غير زائرٍ جَدَّه المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) ، وكأنَّه ( عليه السلام ) أراد بهذه العملية التعبير عن احتجاجه على هذا الاستدعاء ، وأن خروجه من مدينة جَدِّه ( صلى الله عليه وآله ) إنّما هو مكره عليه .
ويواصل الإمام ( عليه السلام ) رحلته إلى المصير المحتوم ، وقد أخبر أحد أصحابه بأنه غير عائدٍ من رحلته هذه مَرَّة أخرى .
فروى محمد بن القاسم ، عن أبيه : لمَّا خرج - الإمام الجواد ( عليه السلام ) - من ( المدينة ) في المرة الأخيرة ، قال ( عليه السلام ) : ( مَا أطْيَبكِ يا طيْبَة !! فَلَسْتُ بِعَائدٍ إِليكِ ) .
وبُعَيد هذا فقد أخبر الإمام ( عليه السلام ) أصحابه في السنة التي تُوفِّي فيها بأنه ( عليه السلام ) راحل عنهم هذا العام .
فعن محمد بن الفرج الرخجي ، قال : كتب إليَّ أبو جعفر ( عليه السلام ) قائلاً : ( اِحملوا إليَّ الخُمْس ، فإنِّي لستُ آخذه منكم سوى عامي هذا ) .
وصول الإمام ( عليه السلام ) :
وأخيراً ينتهي به ( عليه السلام ) المسير إلى ( بغداد ) ، عاصمة الدولة العباسية ، مَقَرُّه ( عليه السلام ) ، ومثواه الأخير الأبدي ، ودخلها لليلتين بَقِيَتا من المحرم سنة ( 220 هـ ) .
وما أن وصل ( عليه السلام ) إليها ، وحطَّ فيها رحاله ، حتى أخذ المعتصم يدبِّر ويعمل الحيلة في قتل الإمام ( عليه السلام ) بشكل سرِّي ، ولذلك فقد شكَّل مُثلَّثاً لتدبير عملية الاغتيال بكلِّ هدوء .
مُثلَّث الاغتيال :
على الرغم من تعدد الروايات في كيفية شهادة الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، إلا أنَّ أغلبها تُجمِع على أن الإمام ( عليه السلام ) اغتيل مسموماً .
وأنَّ مثلث الاغتيال قد تمثَّل في زوجته زينب المُكنَّاة بـ( أم الفضل ) ، وهي بنت بنت المأمون .
وهي المباشر الأول التي قَدَّمت للإمام عنباً مسموماً ، وتمثَّل أيضاً في أخيها جعفر ، والمدبر والمساعد لهم على هذا الأمر هو المعتصم بن هارون .
فقد ذكر ذلك غير واحد من المؤرخين ومنهم المؤرخ الشهير المسعودي حيث يقول : لما انصرف أبو جعفر ( عليه السلام ) إلى ( العراق ) ، لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يُدبِّران ويعملان على قتله ( عليه السلام ) .
فقال جعفر لأخته أم الفضل - وكانت لأمّه وأبيه - في ذلك ، لأنه وقف على انحرافها عنه ، وغِيرتها عليه ، لتفضيله أم أبي الحسن ابنه عليها ، مع شِدَّة محبتها له ، ولأنها لم تُرزَق منه ولد ، فأجابت أخاها جعفراً .
وقال غيره : ثم إنَّ المعتصم جعل يعمل الحيلة في قتل أبي جعفر ( عليه السلام ) ، وأشار إلى ابنة المأمون زوجته بأن تُسِمَّه .
لأنَّه وقف على انحرافها عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، وشِدَّة غيرتها عليه ، لتفضيله أم أبي الحسن ابنه عليها ، ولأنه لم يرزق منها ولد ، فأجابته إلى ذلك .
شهادة الإمام الجواد ( عليه السلام ) :
رُوِي أنَّ مثلث الاغتيال ( المعتصم ، وجعفر ، وأم الفضل ) ، كانوا قد تشاوَرُوا وتعاونوا على قتل الإمام ( عليه السلام ) ، والتخلّص منه بعد قدومه إلى ( بغداد ) ، بل ما استُدعِي ( عليه السلام ) إلاَّ لهذا الغَرَض .
وفي ذلك يقول المؤرخ علي بن الحسين المسعودي : ( وجعلوا - المعتصم بن هارون ، وجعفر بن المأمون ، وأخته أم الفضل - سُمّاً في شيء من عنب رازقي ، وكان يعجبه ( عليه السلام ) العنب الرازقي ، فلمَّا أكلَ ( عليه السلام ) منه نَدمَتْ ، وجعَلَتْ تبكي .
فقال ( عليه السلام ) لها : ( مَا بُكَاؤك ؟!! ، والله لَيَضربنَّكِ اللهُ بِفَقر لا يَنجَبِر ، وبَلاء لا يَنْسَتِر ) .
فَبُليت بِعِلَّة في أغمض المواضع من جوارحها ، وصارت ناسوراً ينتقض عليها في كلِّ وقت .
فأنْفَقَت مالها ، وجميع ملكها على تلك العِلَّة ، حتى احتاجت إلى رفد الناس .
وتردَّى جعفر في بئر فَأُخرِج ميتاً ، وكانَ سكراناً .
ولما حضرت الإمام ( عليه السلام ) الوفاة ، بعد أن سرى السُّمَّ في بدنه الشريف ، نص على أبي الحسن الهادي ( عليه السلام ) ، وأوصى إليه .
وكانت شهادته ( عليه السلام ) في آخر ذي القعدة 220 هـ .
وحُفِر للجثمان المقدَّس قبرٌ ملاصقٌ لقبر جدِّه الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، في مقبرة قريش بـ( بغداد ) ، فَوَارَوهُ ( عليه السلام ) فيه .
وانطفأت بشهادته ( عليه السلام ) شُعلَة مشرقة ، من الإمامة والقيادة الواعية ، المفكرة في الإسلام .
مؤسسة السبطين العالمية