______________________________________
قَاَلَ أميرُ المُؤمِنين , الإمَامُ عَليُّ بن أبي طَالِبٍ , عَليه السَلامُ,:
( جُمِعَ الخَيرُ كُلُّه فِي ثَلاَثِ خِصَالٍ : النَظَرُ والسُكوتُ والكَلامُ ، فَكُلُّ نَظَرٍ لَيسَ فيه اعتِبَارٌ فَهو سَهوٌ ,وكُلُّ كَلامٍ ليَسَ فيه ذِكْرٌ فَهو لَغْوٌ*
، وكُلُّ سُكُوتٍ ليَسَ فيه فِكْرَةٌ فهو غَفْلَةٌ ، فَطُوبَى لِمَن كَانَ نَظَرَه عِبَرَاً ، وسُكوتُه فِكْرَاً ، وكَلامُه ذِكْرَاً ، وبَكَى عَلَى خَطيئَتِه ،*
وأمِنَ النّاسُ شَرّه ) .
: مَن لا يَحْضَرَهُ الفَقِيهُ , الشَيخُ الصَدوقُ,ج4,ص 405.
لا يَخفَى مَا لِلبَلاَغَةِ مِن أثَرٍ نَافِذٍ إلى عَقلِ وقَلبِ الإنسَانِ ,وقد كانَ أميرُ المُؤمنين , سيّدَ البُلَغَاءِ بَعدَ النبيّ الكَريمِ,
صَلّى اللهُ عليه وآله وسَلّم, وقد أودَعَ أسرَارَاً جَمّةً فِي ثنايا كَلامِه الشَريفِ , فهو الإمامُ المعصومُ والحَاكمُ والشجاعُ*
وهو الحَكيمُ والمُوجّهُ , وهو الأبُ الرحيمُ , وهو الذي لا يَرقى إليه الطيرُ ولا يَنحدرُ عنه السيلُ ,كَمَا ذَكَرَه هو فِي نَهجِ بَلاغَته .
وكَثيرةٌ هي كَلماتٌ أميرِ المُؤمنين , عَليه السَلامُ في التوجيهِ والارشادِ والنصيحةِ , وفي مَقامِ تَخفيفِ العِبءِ عن الإنسانِ*
لو أرادَ أنْ يَسلكَ مَسالكَِ الهُدى والتُقَى.
فقدَ جمَعَ كلماتٍ قِصَارٍ في مَداليلَ قَصيرةٍ , لكنها تحتوي على مَضامينَ عَميقَةٍ جدّاً.
إنَّ أميرَ المُؤمنين هو الناصحُ الشَفيقُ علينا ,ونحنُ عندما ندعو:
( اللّهُمّ إنّا نسألُكَ الخيرَ كُلّه ) أو ( أسألُكَ من كل خيرٍ أحاطَ به علمكَ) ,
فهذا كلامٌ واسعٌ , وأيّ مُفردةٍ دَخَلَتْ في الخَيرِ كانتْ مَشمولةً بالدعاءِ.
و تَفصيلُ كَلامِ أميرِ المُؤمنين , عَليه السَلامُ , يَقعُ في ثَلاثِ خِصَالٍ :
: الخِصْلةُ الأولّى :النَظَرُ *فَكُلُّ نَظَرٍ لَيسَ فيه اعتِبَارٌ فَهو سَهوٌ ,):
وواقعاً أننّا نَنظرُ ونسَكتُ ونتكلمُ فهل يعني ذلك أننا جَمعنا الخَيرَ كلّه ؟
والجوابُ : لا إنَّما يَقصدُ أميرُ المؤمنين أنَّ لكلٍّ مِن هذه الأمورِ شرائطَ وبمقتضاها يَتَحَقّقُ المَطلوبُ .
وحين يقولُ , عَليه السلامُ ( فَكُلُّ نَظَرٍ لَيسَ فيه اعتِبَارٌ فَهو سَهوٌ ,)
يعني أنَّ هناك مُقابلةً بين صفتين عَقدَهُمَا في كُلَّ مُفردَةٍ من هذه الخِصَالِ الثَلاثِ:
,النَظَرُ والسُكوتُ والكَلامُ :ففي كلِّ خصلةٍ تكونُ صفتانِ ,واحدةٌ منها في مَقامِ الخَيرِ , وأخرى في غَيرِ مَقامِ الخَيرِ.
وفي مَقامِ الخِصْلةِ الأولى ,وهي النَظرُ : فالإمامُ حَريصُ علينا بأنْ يكونَ نظرُنَا نظرَاً له مَعنى واعتبارٌ ,لأنّه إذا لم يَكن له
مَعنى واعتبارٌ فهو سَهوٌ ,والسَهو لا قيمَةَ له أصلاً.
إذاً ما هو الاعتبارُ الحاصلُ مِن النَظَرِ , وهذا هو المَطلبُ المُهمُّ للإنسانِ ,الذي يقولُ : إني أرى وأشاهدُ ,
ولكن ما هو الاعتبارُ الذي جُعِلَ فيه ؟*وهو السِرُّ في نجاحِ الناظرِ.
ونحنُ في عَالمِ الحَياةِ الدُنيا نتعرّضُ لكثيرٍ من الابتلاءِ , وهذه الدارُ الدنيا هي دارٌ بلاءٍ واقعاً , بلاءٌ في المَالِ والصَحَةِ
وضَنَكِ العيش, وفي العلِْمِ , وفي أصدقاءِ السوءِ ,وجميع الابتلاءاتِ حَسنةٌ أو غير حسنةٍ , هي في النتيجةِ
تمثلُ جزءاً*من تربيةِ الإنسانِ لنفسِه , وأنْ يتفكّرَ ويَستعملَ بعضَ حَواسّه حتى ينتجَ بمردودٍ إيجابي عليه ,.
ومن جملةِ هذه الأشياءِ هو أنْ يَلتفتَ لِمَا يُحيطُ به ,فالأشياءُ الماضيةُ تشبهُ الأشياءَ القادمةَ ,وهي تَجري وفقَ مَا مَضَى
وعلى الإنسانِ أنْ يَعتَبرَ.
وفي بعضِ الحَالاتِ يَرى الإنسانُ مَثلاً بيتا ًشَامِخَاً , ولم يرى إلى جانبه إنساناً ممدوحاً , وخلْفَه تَرِكَةٌ , قد لا يقومون بواجباتهم
تجاهه ,وعندها ينبغي أن يتأملَ بطرقِ الاكتسابِ أهي مِن حَلالٍ أو مِن حَرَامٍ ؟
أكانَ هذا البناءُ مِن أجلِ أنْ يعيشَ صاحبُه عِيشَةً مُرفّهَةً , وعلى حِسابِ قطيعةِ الرَحمِِ , وأيُّ تبعاتٍ ستلاحقه .
وفي بعضِ المُشاهداتِ نَسمعُ أنَّ شخصاً يُوصي في حَياتِه بأنْ يُدفعَ عنه رُدودَ مَظالمٍِ ,وهو قادرٌ على ذلك في حَال حياته,
ولكنه لم يفعل ,فقط يوصي,ومَن يدري أنّ الورثةَ أو أوصيائه قد لا يَقومون بذلك , أو قد يكون الأبناءُ غير بَارّين بآبائِهم.
وقد نرى إنساناً لم يكن عفيفا وكان سارقاً وكاذباً , وقد انتهتْ عاقبته إلى اللهِ تعالى , فلماذا لا نفكّرُ بأنَّ المَصيرَ*
هو المَصيرُ نفسه ,فالمَوتُ مَصيرنا لا مَحَالةَ.
وهنا وبمقتضى الاعتبارِ بالنظرِ ينبغي ذِكْرُ المَوتِ والاتَعاظُ به نَفسَاً وسُلُوكَاً ,ففي ذِكْرِ المَوتِ تَهذيبٌ للنفسِ وهَدمٌ للذاتها.
وإنَّ القلوبَ لتصدأ كَمَا يَصدأُ الحَديدُ , وجلائها ذِكْرُ المَوتِ ,فالنظرُ إذا لم يكن فيه اعتبارٌ فهو سهوٌ .
: الخِصْلَةُ الثانيةُ :السُكوتُ:*(وكُلُّ سُكُوتٍ ليَسَ فيه فِكْرَةٌ فهو غَفْلَة):
وما أكثرُ سكوتنا , ولكن ما هي انعكاساتُ هذا السكوتِ علينا ,
فتارةُ يتأملُ الإنسانُ بمصيرٍ لا بُدَّ منه , وهو أنّي ماذا عملتُ في سالفِ الزمانِ ,
وهل كنتُ في خلوةٍ مع ربي ولا أحد يراني , وماذا أسررتُ وما أضمرتُ؟
على الإنسانِ أنْ يُفكّرَ , ثمَّ يُصححَ مَا مَضَى منه , وما بَقي إنْ كان خيراً.
وهذا السكوتُ إذا لم تكن فيه حَالةٌ مِن حالاتِ التطورِ لنفسه فهو غفلةٌ ,
والغفلةُ لاتَ حين مندمِ, وينبغي بالعاقلِ أنْ لا يغفلَ أو ينامَ بسكوتِه,فَمَن نامَ لم يُنَم عنه , ومَن غَفَلَ لم يُغفَل عنه.
والإنسانُ إذا سكتَ لا بدّ أن يكونَ سكوتُه بتفكّرٍ وتعمّقٍ واداركٍ لِما هو عليه ,
وكم من فكرةٍ غيّرتْ حياةَ إنسانٍ للأبدِ نحو الأفضلِ.
:الخِصلَةُ الثالثةُ :الكَلامُ :*(وكُلُّ كَلامٍ ليَسَ فيه ذِكْرٌ فَهو لَغْوٌ):
وإنَّ مشكلتنَا في الكلامِ , والِلسَانِ وهو أضرُّ الجوارحِ بالإنسانِ ومَصيرِه
لأنَّ الأعمَالَ حَصَائِدُ الألسنِ ,وإنَّ مَا يَخرِجُ مِن فيه الإنسانِ يكونُ خطراً عليه ,
فإما أنْ يرفعه إلى مَقامٍ أو يَنزلُ به إلى الحَضيضِ.
فكلُّ كلامٍ ليس فيه ذكرٌ فهو لغوٌ , ونحن قد أمرْنَا بالإعراضِ عن اللغو ,
قال اللهُ تعالى(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3))),المؤمنون.
وما هو الذِكْرُ الذي أراده أمير المؤمنين , عليه السلامُ ,مِنّا ؟
هل مثلاً أن يقولَ الإنسانُ بلسانه : اللهُ أكبرُ أو الحمدُ للهِ و أو غير ذلك ,
دون ادراكٍ أو وعيٍ أو إيمانٍ بما نَذْكِرُ به ,نعم هذه من مصاديق الذِكْرِ ,
ولكن ما هو مطلوبٌ أعمقُ من ذلك , فينبغي أن يكون ذكرنا تقرباً للهِ تعالى بكلامِنا وفعلِنا وسُلُوكِنَا ,
وحضورنِا في مَحضَرِ الخَيرِ,*وأن يكون كلامنا وفقَ مباني الشَرعِ الحَكيم بالأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المُنكرِ*
,فضلاً عن التزاماتنا اليومية.
وأنْ نُراقبَ اللهَ في كلامِنا في السوقِ والمَدارسِ والأسَرِ وفي المَعملِ وغير ذلك.
وهذه المَقاطعُ مِن كلامِنا سَتُعَادُ علينا في يَومٍ ما في الآخرةِ يقيناً.
وإنْ كانتْ مَشاغلُ الدنيا تُبعدنا عن الآخرةِ , ولكن ينبغي أن تكونَ الدنيا طريقنا إلى الآخرةِ و جزءاً منها ,
وبأنْ نجعلَ كلامنا في الخيرِ كُلّه مَحضَرَاً وَمَوقفاً*بين الناسِ ,وأنْ نتجنبَ كلامَ السوءِ في مَحضَرِنَاِ ,
إنَّ كلَّ هذه الأشياءِ مِن النَظرِ والاعتبارِ والتفكرِ والذِكرِ هي فَضائلٌ أخلاقيّةٌ وقيميةٌ , وبخلافها هو مِن الرَذائلِ.
وبعد ذلك كُلِّه يذيّلُ أميرُ المؤمنين كلامه بقوله:
(، فَطُوبَى لِمَن كَانَ نَظَرَه عِبَرَاً ، وسُكوتُه فِكْرَاً ، وكَلامُه ذِكْرَاً ، وبَكَى عَلَى خَطيئَتِه ، وأمِنَ النّاسُ شَرّه ).
فهو , عليه السلامُ , في مَقام مَدحِ كُلِّ مَن يفعلُ هذه الخِصَالِ ويَجمعُ الخَيرَ بها كلّه , وينبهنا إلى أنّه هناك نوعٌ من البشرِ
لا يَصدرُ منه إلاّ الشَرُّ ,فبمجردِ أنْ تَسمحَ له الفرصةُ يَنقلبُ إلى ذِئبٍ وظَالمٍ لأنّه لم يُربي نفسه*
على فَضائلِ الخَيرِ ومَجامِعه مِن النَظرَ والفِكرِ والذِكْرِ.
وإنَّ هذا الكلامَ من أمير المؤمنين , عليه السلامُ , هنا هو أشبه بإقامةِ الصَلاةِ مَفهوماً عن أدائها ظاهراً ,
فتارةً نُصَلي وتارةً نُقيمُ الصَلاةَ ,وفرقٌ كبيرٌ بين الأمرين.
فالصلاةُ الحقيقيةُ هي التي تُقرّبُ صاحبها مِن اللهِ ( الصلاةُ قُربانُ كلّ تقي)
فالإنسانُ قد يُصلي ولكنه يَكذبُ فما ينفعه ذلك منها؟
إنَّ إقامةَ الصلاةِ وصاحبها يَقولُ إيّاكَ نعبدُ وإياكَ نستعين تقتضي أن يفهمَ*ما يَقولَه ويتلفظَ به وما يترتبَ على ذلك .
وهنا ينبغي أنْ نُربي أنفسَنا وأبنائنا عَلى كُلِّ فضيلةٍ وأنْ نقيمَ الصَلاةَ ونُحافظَ عليها.
لأنّ الصلاةَ هي مَن تُقّومُ سُلُوكَنا , وإنَّ كلامَ أمير المؤمنينِ يحتاجُ إلى أذن واعيةٍ,🍃🍂
قالَ اللهُ تعالى((*لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12))) الحاقة.
قَاَلَ أميرُ المُؤمِنين , الإمَامُ عَليُّ بن أبي طَالِبٍ , عَليه السَلامُ,:
( جُمِعَ الخَيرُ كُلُّه فِي ثَلاَثِ خِصَالٍ : النَظَرُ والسُكوتُ والكَلامُ ، فَكُلُّ نَظَرٍ لَيسَ فيه اعتِبَارٌ فَهو سَهوٌ ,وكُلُّ كَلامٍ ليَسَ فيه ذِكْرٌ فَهو لَغْوٌ*
، وكُلُّ سُكُوتٍ ليَسَ فيه فِكْرَةٌ فهو غَفْلَةٌ ، فَطُوبَى لِمَن كَانَ نَظَرَه عِبَرَاً ، وسُكوتُه فِكْرَاً ، وكَلامُه ذِكْرَاً ، وبَكَى عَلَى خَطيئَتِه ،*
وأمِنَ النّاسُ شَرّه ) .
: مَن لا يَحْضَرَهُ الفَقِيهُ , الشَيخُ الصَدوقُ,ج4,ص 405.
لا يَخفَى مَا لِلبَلاَغَةِ مِن أثَرٍ نَافِذٍ إلى عَقلِ وقَلبِ الإنسَانِ ,وقد كانَ أميرُ المُؤمنين , سيّدَ البُلَغَاءِ بَعدَ النبيّ الكَريمِ,
صَلّى اللهُ عليه وآله وسَلّم, وقد أودَعَ أسرَارَاً جَمّةً فِي ثنايا كَلامِه الشَريفِ , فهو الإمامُ المعصومُ والحَاكمُ والشجاعُ*
وهو الحَكيمُ والمُوجّهُ , وهو الأبُ الرحيمُ , وهو الذي لا يَرقى إليه الطيرُ ولا يَنحدرُ عنه السيلُ ,كَمَا ذَكَرَه هو فِي نَهجِ بَلاغَته .
وكَثيرةٌ هي كَلماتٌ أميرِ المُؤمنين , عَليه السَلامُ في التوجيهِ والارشادِ والنصيحةِ , وفي مَقامِ تَخفيفِ العِبءِ عن الإنسانِ*
لو أرادَ أنْ يَسلكَ مَسالكَِ الهُدى والتُقَى.
فقدَ جمَعَ كلماتٍ قِصَارٍ في مَداليلَ قَصيرةٍ , لكنها تحتوي على مَضامينَ عَميقَةٍ جدّاً.
إنَّ أميرَ المُؤمنين هو الناصحُ الشَفيقُ علينا ,ونحنُ عندما ندعو:
( اللّهُمّ إنّا نسألُكَ الخيرَ كُلّه ) أو ( أسألُكَ من كل خيرٍ أحاطَ به علمكَ) ,
فهذا كلامٌ واسعٌ , وأيّ مُفردةٍ دَخَلَتْ في الخَيرِ كانتْ مَشمولةً بالدعاءِ.
و تَفصيلُ كَلامِ أميرِ المُؤمنين , عَليه السَلامُ , يَقعُ في ثَلاثِ خِصَالٍ :
: الخِصْلةُ الأولّى :النَظَرُ *فَكُلُّ نَظَرٍ لَيسَ فيه اعتِبَارٌ فَهو سَهوٌ ,):
وواقعاً أننّا نَنظرُ ونسَكتُ ونتكلمُ فهل يعني ذلك أننا جَمعنا الخَيرَ كلّه ؟
والجوابُ : لا إنَّما يَقصدُ أميرُ المؤمنين أنَّ لكلٍّ مِن هذه الأمورِ شرائطَ وبمقتضاها يَتَحَقّقُ المَطلوبُ .
وحين يقولُ , عَليه السلامُ ( فَكُلُّ نَظَرٍ لَيسَ فيه اعتِبَارٌ فَهو سَهوٌ ,)
يعني أنَّ هناك مُقابلةً بين صفتين عَقدَهُمَا في كُلَّ مُفردَةٍ من هذه الخِصَالِ الثَلاثِ:
,النَظَرُ والسُكوتُ والكَلامُ :ففي كلِّ خصلةٍ تكونُ صفتانِ ,واحدةٌ منها في مَقامِ الخَيرِ , وأخرى في غَيرِ مَقامِ الخَيرِ.
وفي مَقامِ الخِصْلةِ الأولى ,وهي النَظرُ : فالإمامُ حَريصُ علينا بأنْ يكونَ نظرُنَا نظرَاً له مَعنى واعتبارٌ ,لأنّه إذا لم يَكن له
مَعنى واعتبارٌ فهو سَهوٌ ,والسَهو لا قيمَةَ له أصلاً.
إذاً ما هو الاعتبارُ الحاصلُ مِن النَظَرِ , وهذا هو المَطلبُ المُهمُّ للإنسانِ ,الذي يقولُ : إني أرى وأشاهدُ ,
ولكن ما هو الاعتبارُ الذي جُعِلَ فيه ؟*وهو السِرُّ في نجاحِ الناظرِ.
ونحنُ في عَالمِ الحَياةِ الدُنيا نتعرّضُ لكثيرٍ من الابتلاءِ , وهذه الدارُ الدنيا هي دارٌ بلاءٍ واقعاً , بلاءٌ في المَالِ والصَحَةِ
وضَنَكِ العيش, وفي العلِْمِ , وفي أصدقاءِ السوءِ ,وجميع الابتلاءاتِ حَسنةٌ أو غير حسنةٍ , هي في النتيجةِ
تمثلُ جزءاً*من تربيةِ الإنسانِ لنفسِه , وأنْ يتفكّرَ ويَستعملَ بعضَ حَواسّه حتى ينتجَ بمردودٍ إيجابي عليه ,.
ومن جملةِ هذه الأشياءِ هو أنْ يَلتفتَ لِمَا يُحيطُ به ,فالأشياءُ الماضيةُ تشبهُ الأشياءَ القادمةَ ,وهي تَجري وفقَ مَا مَضَى
وعلى الإنسانِ أنْ يَعتَبرَ.
وفي بعضِ الحَالاتِ يَرى الإنسانُ مَثلاً بيتا ًشَامِخَاً , ولم يرى إلى جانبه إنساناً ممدوحاً , وخلْفَه تَرِكَةٌ , قد لا يقومون بواجباتهم
تجاهه ,وعندها ينبغي أن يتأملَ بطرقِ الاكتسابِ أهي مِن حَلالٍ أو مِن حَرَامٍ ؟
أكانَ هذا البناءُ مِن أجلِ أنْ يعيشَ صاحبُه عِيشَةً مُرفّهَةً , وعلى حِسابِ قطيعةِ الرَحمِِ , وأيُّ تبعاتٍ ستلاحقه .
وفي بعضِ المُشاهداتِ نَسمعُ أنَّ شخصاً يُوصي في حَياتِه بأنْ يُدفعَ عنه رُدودَ مَظالمٍِ ,وهو قادرٌ على ذلك في حَال حياته,
ولكنه لم يفعل ,فقط يوصي,ومَن يدري أنّ الورثةَ أو أوصيائه قد لا يَقومون بذلك , أو قد يكون الأبناءُ غير بَارّين بآبائِهم.
وقد نرى إنساناً لم يكن عفيفا وكان سارقاً وكاذباً , وقد انتهتْ عاقبته إلى اللهِ تعالى , فلماذا لا نفكّرُ بأنَّ المَصيرَ*
هو المَصيرُ نفسه ,فالمَوتُ مَصيرنا لا مَحَالةَ.
وهنا وبمقتضى الاعتبارِ بالنظرِ ينبغي ذِكْرُ المَوتِ والاتَعاظُ به نَفسَاً وسُلُوكَاً ,ففي ذِكْرِ المَوتِ تَهذيبٌ للنفسِ وهَدمٌ للذاتها.
وإنَّ القلوبَ لتصدأ كَمَا يَصدأُ الحَديدُ , وجلائها ذِكْرُ المَوتِ ,فالنظرُ إذا لم يكن فيه اعتبارٌ فهو سهوٌ .
: الخِصْلَةُ الثانيةُ :السُكوتُ:*(وكُلُّ سُكُوتٍ ليَسَ فيه فِكْرَةٌ فهو غَفْلَة):
وما أكثرُ سكوتنا , ولكن ما هي انعكاساتُ هذا السكوتِ علينا ,
فتارةُ يتأملُ الإنسانُ بمصيرٍ لا بُدَّ منه , وهو أنّي ماذا عملتُ في سالفِ الزمانِ ,
وهل كنتُ في خلوةٍ مع ربي ولا أحد يراني , وماذا أسررتُ وما أضمرتُ؟
على الإنسانِ أنْ يُفكّرَ , ثمَّ يُصححَ مَا مَضَى منه , وما بَقي إنْ كان خيراً.
وهذا السكوتُ إذا لم تكن فيه حَالةٌ مِن حالاتِ التطورِ لنفسه فهو غفلةٌ ,
والغفلةُ لاتَ حين مندمِ, وينبغي بالعاقلِ أنْ لا يغفلَ أو ينامَ بسكوتِه,فَمَن نامَ لم يُنَم عنه , ومَن غَفَلَ لم يُغفَل عنه.
والإنسانُ إذا سكتَ لا بدّ أن يكونَ سكوتُه بتفكّرٍ وتعمّقٍ واداركٍ لِما هو عليه ,
وكم من فكرةٍ غيّرتْ حياةَ إنسانٍ للأبدِ نحو الأفضلِ.
:الخِصلَةُ الثالثةُ :الكَلامُ :*(وكُلُّ كَلامٍ ليَسَ فيه ذِكْرٌ فَهو لَغْوٌ):
وإنَّ مشكلتنَا في الكلامِ , والِلسَانِ وهو أضرُّ الجوارحِ بالإنسانِ ومَصيرِه
لأنَّ الأعمَالَ حَصَائِدُ الألسنِ ,وإنَّ مَا يَخرِجُ مِن فيه الإنسانِ يكونُ خطراً عليه ,
فإما أنْ يرفعه إلى مَقامٍ أو يَنزلُ به إلى الحَضيضِ.
فكلُّ كلامٍ ليس فيه ذكرٌ فهو لغوٌ , ونحن قد أمرْنَا بالإعراضِ عن اللغو ,
قال اللهُ تعالى(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3))),المؤمنون.
وما هو الذِكْرُ الذي أراده أمير المؤمنين , عليه السلامُ ,مِنّا ؟
هل مثلاً أن يقولَ الإنسانُ بلسانه : اللهُ أكبرُ أو الحمدُ للهِ و أو غير ذلك ,
دون ادراكٍ أو وعيٍ أو إيمانٍ بما نَذْكِرُ به ,نعم هذه من مصاديق الذِكْرِ ,
ولكن ما هو مطلوبٌ أعمقُ من ذلك , فينبغي أن يكون ذكرنا تقرباً للهِ تعالى بكلامِنا وفعلِنا وسُلُوكِنَا ,
وحضورنِا في مَحضَرِ الخَيرِ,*وأن يكون كلامنا وفقَ مباني الشَرعِ الحَكيم بالأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المُنكرِ*
,فضلاً عن التزاماتنا اليومية.
وأنْ نُراقبَ اللهَ في كلامِنا في السوقِ والمَدارسِ والأسَرِ وفي المَعملِ وغير ذلك.
وهذه المَقاطعُ مِن كلامِنا سَتُعَادُ علينا في يَومٍ ما في الآخرةِ يقيناً.
وإنْ كانتْ مَشاغلُ الدنيا تُبعدنا عن الآخرةِ , ولكن ينبغي أن تكونَ الدنيا طريقنا إلى الآخرةِ و جزءاً منها ,
وبأنْ نجعلَ كلامنا في الخيرِ كُلّه مَحضَرَاً وَمَوقفاً*بين الناسِ ,وأنْ نتجنبَ كلامَ السوءِ في مَحضَرِنَاِ ,
إنَّ كلَّ هذه الأشياءِ مِن النَظرِ والاعتبارِ والتفكرِ والذِكرِ هي فَضائلٌ أخلاقيّةٌ وقيميةٌ , وبخلافها هو مِن الرَذائلِ.
وبعد ذلك كُلِّه يذيّلُ أميرُ المؤمنين كلامه بقوله:
(، فَطُوبَى لِمَن كَانَ نَظَرَه عِبَرَاً ، وسُكوتُه فِكْرَاً ، وكَلامُه ذِكْرَاً ، وبَكَى عَلَى خَطيئَتِه ، وأمِنَ النّاسُ شَرّه ).
فهو , عليه السلامُ , في مَقام مَدحِ كُلِّ مَن يفعلُ هذه الخِصَالِ ويَجمعُ الخَيرَ بها كلّه , وينبهنا إلى أنّه هناك نوعٌ من البشرِ
لا يَصدرُ منه إلاّ الشَرُّ ,فبمجردِ أنْ تَسمحَ له الفرصةُ يَنقلبُ إلى ذِئبٍ وظَالمٍ لأنّه لم يُربي نفسه*
على فَضائلِ الخَيرِ ومَجامِعه مِن النَظرَ والفِكرِ والذِكْرِ.
وإنَّ هذا الكلامَ من أمير المؤمنين , عليه السلامُ , هنا هو أشبه بإقامةِ الصَلاةِ مَفهوماً عن أدائها ظاهراً ,
فتارةً نُصَلي وتارةً نُقيمُ الصَلاةَ ,وفرقٌ كبيرٌ بين الأمرين.
فالصلاةُ الحقيقيةُ هي التي تُقرّبُ صاحبها مِن اللهِ ( الصلاةُ قُربانُ كلّ تقي)
فالإنسانُ قد يُصلي ولكنه يَكذبُ فما ينفعه ذلك منها؟
إنَّ إقامةَ الصلاةِ وصاحبها يَقولُ إيّاكَ نعبدُ وإياكَ نستعين تقتضي أن يفهمَ*ما يَقولَه ويتلفظَ به وما يترتبَ على ذلك .
وهنا ينبغي أنْ نُربي أنفسَنا وأبنائنا عَلى كُلِّ فضيلةٍ وأنْ نقيمَ الصَلاةَ ونُحافظَ عليها.
لأنّ الصلاةَ هي مَن تُقّومُ سُلُوكَنا , وإنَّ كلامَ أمير المؤمنينِ يحتاجُ إلى أذن واعيةٍ,🍃🍂
قالَ اللهُ تعالى((*لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12))) الحاقة.
تعليق