بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
وللإمام زين العابدين (عليه السلام) معاجزٌ وكراماتٌ كثيرةٌ، سجَّلتها كتبُ التاريخ، نذكر بعضاً منها...
يتميّز الأئمّة (عليهم السلام) بارتباط خاصٍّ بالله تعالى وعالَم الغيب؛ بسبَب مقام العصمة والإمامة، ولهم ـ معاجزٌ وكرامَاتٌ تؤيِّد ارتباطهم بالله تعالى، وكونهم أئمّة.
وللإمام زين العابدين (عليه السلام) معاجزٌ وكراماتٌ كثيرةٌ، سجَّلتها كتبُ التاريخ، نذكر بعضاً منها(اُنظر: الخرائج والجرائح 1/255)
الكرامة الأُولى
عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: كان عبد الملك بن مروان يطوف بالبيت، وعلي ابن الحسين يطوف بين يديه، لا يلتفت إليه، ولم يكن عبد الملك يعرفه بوجهه.
فقال: مَن هذا الذي يطوف بين أيدينا ولا يلتفت إلينا؟ فقيل: هذا علي بن الحسين. فجلس مكانه، وقال: ردّوه إلي. فردّوه، فقال له: يا علي بن الحسين إنّي لست قاتل أبيك، فما يمنعك من المصير إلي!
فقال علي بن الحسين (عليه السلام): إنّ قاتل أبي أفسد – بما فعله – دنياه عليه، وأفسد أبي عليه بذلك آخرته، فإن أحببت أن تكون كهو، فكن. فقال: كلاّ، ولكن صر إلينا لتنال من دنيانا.
فجلس زين العابدين وبسط رداءه، فقال: اللّهم أره حرمة أوليائك عندك. فإذا رداءه مملوء درراً، يكاد شعاعها يخطف الأبصار. فقال له: مَن تكون هذه حرمته عند الله يحتاج إلى دنياك؟! ثمّ قال: اللّهم خذها، فلا حاجة لي فيها.
الكرامة الثانية
إنّ الحجّاج بن يوسف كتب إلى عبد الملك بن مروان: إن أردت أن يثبت ملكك فاقتل علي بن الحسين. فكتب عبد الملك إليه: أما بعد: فجنّبني دماء بني هاشم وأحقنها، فإنّي رأيت آل أبي سفيان لما أولعوا فيها لم يلبثوا أن أزال الله الملك عنهم. وبعث بالكتاب إليه سرّاً.
فكتب علي بن الحسين (عليه السلام) إلى عبد الملك من الساعة التي أنفذ فيها الكتاب إلى الحجّاج: وقفت على ما كتبت في حقن دماء بني هاشم، وقد شكر الله لك ذلك وثبت ملكك، وزاد في عمرك.
وبعث به مع غلام له بتاريخ الساعة التي أنفذ فيها عبد الملك كتابه إلى الحجّاج بذلك. فلمّا قدم الغلام وأوصل الكتاب إليه، نظر عبد الملك في تاريخ الكتاب فوجده موافقاً لتأريخ كتابه، فلم يشكّ في صدق زين العابدين (عليه السلام) ففرح بذلك، وبعث إليه بوقر دنانير، وسأله أن يبسط إليه بجميع حوائجه وحوائج أهل بيته ومواليه.
وكان في كتابه (عليه السلام): إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاني في النوم فعرفني ما كتبت به إلى الحجّاج وما شكر الله لك من ذلك.
الكرامة الثالثة
روي عن أبي خالد الكابلي قال: دعاني محمّد بن الحنفية، بعد قتل الحسين (عليه السلام) ورجوع علي بن الحسين (عليهما السلام) إلى المدينة، وكنّا بمكّة. فقال: صر إلى علي بن الحسين (عليه السلام) وقل له: إنّي أنا أكبر ولد أمير المؤمنين بعد أخوي الحسن والحسين، وأنا أحقّ بهذا الأمر منك، فينبغي أن تسلّمه إلي، وإن شئت فاختر حكماً نتحاكم إليه. فصرت إليه وأدّيت إليه رسالته.
فقال: ارجع إليه وقل له: يا عم، اتق الله ولا تدع ما لم يجعله الله لك، فإن أبيت فبيني وبينك الحجر الأسود فأينا يشهد له الحجر الأسود فهو الإمام. فرجعت إليه بهذا الجواب.
فقال: قل له: قد أجبتك. قال أبو خالد: فسارا فدخلا جميعا، وأنا معهما، حتّى وافيا الحجر الأسود فقال علي بن الحسين (عليهما السلام): تقدّم يا عمّ، فإنّك أسن، فاسأله الشهادة لك.
فتقدّم محمّد، فصلّى ركعتين، ودعا بدعوات، ثمّ سأل الحجر بالشهادة إن كانت الإمامة له، فلم يجبه بشئ.
ثمّ قام علي بن الحسين (عليهما السلام) فصلّى ركعتين ثمّ قال: أيّها الحجر الذي جعله الله شاهداً لمَن يوافي بيته الحرام من وفود عباده، إن كنت تعلم أنّي صاحب الأمر وأنّي الإمام المفترض الطاعة على جميع عباد الله، فاشهد لي بذلك، ليعلم عمّي أنّه لا حقّ له في الإمامة.
فأنطق الله الحجر بلسان عربي مبين، فقال: يا محمّد بن علي، سلّم إلى علي ابن الحسين الأمر، فإنّه الإمام المفترض الطاعة عليك، وعلى جميع عباد الله دونك ودون الخلق أجمعين في زمانه. فقبّل محمّد ابن الحنفية رجله وقال: الأمر لك.
وقيل: إنّ ابن الحنفية إنّما فعل ذلك إزاحة لشكوك الناس في ذلك.
وفي رواية أُخرى: إنّ الله أنطق الحجر فقال: يا محمّد بن علي إنّ علي ابن الحسين هو الحقّ الذي لا يعتريه شك – لما علم من دينه وصلاحه – وحجّة الله عليك وعلى جميع مَن في الأرض ومَن في السماء، ومفترض الطاعة، فاسمع له وأطع. فقال محمّد: سمعنا سمعنا يا حجّة الله في أرضه وسمائه.
الكرامة الرابعة
روى جابر بن يزيد الجعفي، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين جالساً مع جماعة إذ أقبلت ظبية من الصحراء، حتّى وقفت قدامه فهمهمت وضربت بيديها الأرض. فقال بعضهم: يا ابن رسول الله، ما شأن هذه الظبية؟ قد أتتك مستأنسة.
قال: تذكر أن ابنا ليزيد طلب من أبيه خشفاً، فأمر بعض الصيّادين أن يصيد له خشفاً، فصاد بالأمس خشف هذه الظبية، ولم تكن قد أرضعته، وإنّها تسأل أن نحمله إليها لترضعه وتردّه عليه.
فأرسل علي بن الحسين (عليه السلام) إلى الصيّاد فأحضره وقال له: إنّ هذه الظبية تزعم أنّك أخذت خشفاً لها، وأنّها لم تسقه لبناً منذ أخذته، وقد سألتني أن أسألك أن تتصدّق به عليها. فقال: يا ابن رسول الله لست أستجرئ على هذا.
قال: إنّي أسألك أن تأتي به إليها لترضعه وتردّه إليك. ففعل الصيّاد. فلمّا رأته همهمت ودموعها تجري، فقال علي بن الحسين (عليه السلام) للصيّاد: بحقّي عليك إلاّ وهبته لها. فوهبه لها فانطلقت مع الخشف وهي تقول: أشهد أنّك من أهل بيت الرحمة، وأنّ بني أُميّة من أهل بيت اللعنة.
الكرامة الخامسة
إنّ أبا خالد الكابلي كان يخدم محمّد بن الحنفية دهراً، وما كان يشكّ أنّه إمام، حتّى أتاه يوماً فقال: إنّ لي حرمة، فأسألك برسول الله وبأمير المؤمنين إلاّ أخبرتني: أنت الإمام الذي فرض الله طاعته؟ فقال: عليّ، وعليك، وعلى كلّ مسلم الإمام علي بن الحسين.
فجاء أبو خالد إلى علي بن الحسين (عليه السلام)، فلمّا سلّم عليه قال له: مرحباً بك يا كنكر، ما كنت لنا بزوّار! ما بدا لك فينا؟ فخرّ أبو خالد ساجداً لله تعالى لما سمعه منه، وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتّى عرفت إمامي.
قال: كيف عرفت؟ قال: إنّك دعوتني باسمي الذي سمّتني به أُمّي، ولقد كنت في عماء من أمري، ولقد خدمت محمّد بن الحنفية عمراً، فناشدته اليوم: أنت إمام؟ فأرشدني إليك فقال: هو الإمام عليّ، وعليك، وعلى الخلق كلهم. فلمّا دنوت منك سمّيتني باسمي الذي سمّتني به أُمّي، فعلمت أنّك الإمام الذي فرض الله عليّ وعلى كلّ مسلم طاعته.
وقال: ولدتني أُمّي فسمّتني وردان فدخل عليها والدي وقال: سمّيه كنكر. ووالله ما سمّاني به أحد من الناس – إلى يومي هذا – غيرك، فأشهد أنّك إمام مَن في الأرض، وإمام مَن في السماء.
الكرامة السادسة
روي عن أبي الصباح الكناني قال: سمعت الإمام الباقر (عليه السلام) يقول: خدم أبو خالد الكابلي، علي بن الحسين (عليهما السلام) برهة من الزمان، ثمّ شكا شدّة شوقه إلى والديه، وسأله الأذن في الخروج إليهما.
فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): يا كنكر إنّه يقدم علينا غداً رجل من أهل الشام له قدر وجاه ومال، ومعه ابنة له قد أصابها عارض من الجن، وهو يطلب معالجاً يعالجها، ويبذل في ذلك ماله، فإذا قدم فصر إليه أوّل الناس، وقل له: أنا أعالج ابنتك بعشرة آلاف درهم. فإنّه يطمئن إلى قولك، ويبذل لك ذلك، فلمّا كان من الغد قدم الشامي ومعه ابنته وطلب معالجاً.
فقال له أبو خالد: أنا أُعالجها على أن تعطيني عشرة آلاف درهم على أن لا يعود إليها أبداً. فضمن أبوها له ذلك. فقال أبو خالد لعليّ بن الحسين (عليه السلام)، فقال (عليه السلام): يا خالد إنّه سيغدر بك.
قال: قد ألزمته المال. قال: فانطلق، فخذ بإذن الجارية اليسرى وقال: يا خبيث يقول لك علي بن الحسين: أخرج من بدن هذه الجارية، ولا تعد إليها. ففعل كما أمره، فخرج عنها، وأفاقت الجارية من جنونها، وطالبه بالمال فدافعه فرجع إلى علي بن الحسين (عليه السلام).
فقال له: يا أبا خالد ألم أقل لك أنّه يغدر؟! ولكن سيعود إليها غداً، فإذا أتاك فقل: إنّما عاد إليها لأنّك لم تف بما ضمنت لي، فإن وضعت عشرة آلاف درهم على يد علي بن الحسين (عليه السلام) عالجتها على أن لا يعود إليها أبداً.
فلمّا كان بعد ذلك أصابها من الجن عارض، فأتى أبوها إلى أبي خالد، فقال له أبو خالد: ضع المال على يد علي بن الحسين (عليه السلام) فإنّي أُعالجها على أن لا يعود إليها أبداً.
فوضع المال على يدي علي بن الحسين (عليه السلام)، وذهب أبو خالد إلى الجارية وقال في أذنها كما قال أوّلاً، ثمّ قال: إن عدت إليها أحرقتك بنار الله. فخرج وأفاقت الجارية ولم يعد إليها، فأخذ أبو خالد المال وأذن له في الخروج إلى والديه، فخرج بالمال حتّى قدم على والديه.
الكرامة السابعة
روى أبو بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان فيما أوصى به إليّ أبي علي بن الحسين (عليهما السلام) أن قال: يا بني إذا أنا مت فلا يلي غسلي غيرك، فإنّ الإمام لا يغسّله إلاّ إمام مثله. واعلم يا بني أن عبد الله أخاك سيدعو الناس إلى نفسه، فامنعه، فإن أبى فدعه، فإن عمره قصير.
قال الباقر (عليه السلام): فلمّا مضى أبي ادّعى عبد الله الإمامة فلم أنازعه، فلم يلبث إلاّ شهوراً يسيرة حتّى قضى نحبه.
الكرامة الثامنة
إنّ حمّاد بن حبيب الكوفي القطّان قال: خرجنا سنة حجّاجاً فرحلنا من زبالة فاستقبلتنا ريح سوداء مظلمة، فتقطّعت القافلة، فتهت في تلك البراري، فانتهيت إلى واد قفر، وجنّني الليل، فآويت إلى شجرة، فلمّا اختلط الظلام إذا أنا بشاب عليه أطمار بيض، قلت: هذا ولي من أولياء الله متى ما أحسّ بحركتي خشيت نفاره، فأخفيت نفسي فدنا إلى موضع، فتهيّأ للصلاة، وقد نبع له ماء، ثمّ وثب قائماً يقول: يا مَن حاز كلّ شئ ملكوتاً، وقهر كلّ شئ جبروتاً، صلّ على محمّد وآل محمد، وأولج قلبي فرح الاقبال إليك، وألحقني بميدان المطيعين لك.
ودخل في الصلاة، فتهيّأت أيضاً للصلاة، ثمّ قمت خلفه، وإذا بمحراب مثل في ذلك الوقت قدّامه، وكلّما مرّ بآية منها الوعد والوعيد يردّدها بانتحاب وحنين، فلمّا تقشّع الظلام قام، فقال: يا مَن قصده الضالون فأصابوه مرشداً، وأمه الخائفون فوجدوه معقلاً، ولجأ إليه العائدون فوجدوه موئلاً.
متى راحة مَن نصب لغيرك بدنه؟! ومتى فرح مَن قصد سواك بهمّته؟! إلهي قد انقشع الظلام ولم أقض من خدمتك وطراً، ولا من حياض مناجاتك صدراً، صلّ على محمّد وآل محمّد، وافعل بي أولى الأمرين بك.
ونهض فعلقت به، فقال: لو صدق توكّلك ما كنت ضالاً، ولكن اتبعني واقف أثري. وأخذ بيدي، فخيل إلي أن الأرض تميد من تحت قدمي. فلمّا انفجر عمود الصبح قال: هذه مكّة. فقلت: مَن أنت بالذي ترجوه؟ فقال: أما إذا أقسمت، فأنا علي بن الحسين.
الكرامة التاسعة
إنّ علي بن الحسين (عليه السلام) حجّ في السنة التي حجّ فيها هشام بن عبد الملك وهو خليفة، فاستجهر الناس منه (عليه السلام) وتشوفوا له وقالوا لهشام: مَن هو؟ قال هشام: لا أعرف. لئلا يرغب فيه، فقال الفرزدق وكان حاضرا: بل أنا أعرفه: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ** والبيت يعرفه والحل والحرم إلى آخرها .
فبعثه هشام، وحبسه، ومحا اسمه من الديوان، فبعث إليه علي بن الحسين (عليهما السلام) بصلة، فردّها، وقال: ما قلت ذلك إلاّ ديانة. فبعث بها إليه أيضاً، وقال: شكر الله لك ذلك. فلمّا طال الحبس عليه – وكان يوعده بالقتل – شكى إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) فدعا له فخلّصه الله، فجاء إليه وقال: يا بن رسول الله، إنّه محا اسمي من الديوان.
فقال: كم كان عطاؤك؟ قال: كذا. فأعطاه لأربعين سنة، وقال (عليه السلام): لو علمت أنّك تحتاج إلى أكثر من هذا لأعطيتك. فمات الفرزدق بعد أن مضى أربعون سنة.
المصدر : موقع الشيعة
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
وللإمام زين العابدين (عليه السلام) معاجزٌ وكراماتٌ كثيرةٌ، سجَّلتها كتبُ التاريخ، نذكر بعضاً منها...
يتميّز الأئمّة (عليهم السلام) بارتباط خاصٍّ بالله تعالى وعالَم الغيب؛ بسبَب مقام العصمة والإمامة، ولهم ـ معاجزٌ وكرامَاتٌ تؤيِّد ارتباطهم بالله تعالى، وكونهم أئمّة.
وللإمام زين العابدين (عليه السلام) معاجزٌ وكراماتٌ كثيرةٌ، سجَّلتها كتبُ التاريخ، نذكر بعضاً منها(اُنظر: الخرائج والجرائح 1/255)
الكرامة الأُولى
عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: كان عبد الملك بن مروان يطوف بالبيت، وعلي ابن الحسين يطوف بين يديه، لا يلتفت إليه، ولم يكن عبد الملك يعرفه بوجهه.
فقال: مَن هذا الذي يطوف بين أيدينا ولا يلتفت إلينا؟ فقيل: هذا علي بن الحسين. فجلس مكانه، وقال: ردّوه إلي. فردّوه، فقال له: يا علي بن الحسين إنّي لست قاتل أبيك، فما يمنعك من المصير إلي!
فقال علي بن الحسين (عليه السلام): إنّ قاتل أبي أفسد – بما فعله – دنياه عليه، وأفسد أبي عليه بذلك آخرته، فإن أحببت أن تكون كهو، فكن. فقال: كلاّ، ولكن صر إلينا لتنال من دنيانا.
فجلس زين العابدين وبسط رداءه، فقال: اللّهم أره حرمة أوليائك عندك. فإذا رداءه مملوء درراً، يكاد شعاعها يخطف الأبصار. فقال له: مَن تكون هذه حرمته عند الله يحتاج إلى دنياك؟! ثمّ قال: اللّهم خذها، فلا حاجة لي فيها.
الكرامة الثانية
إنّ الحجّاج بن يوسف كتب إلى عبد الملك بن مروان: إن أردت أن يثبت ملكك فاقتل علي بن الحسين. فكتب عبد الملك إليه: أما بعد: فجنّبني دماء بني هاشم وأحقنها، فإنّي رأيت آل أبي سفيان لما أولعوا فيها لم يلبثوا أن أزال الله الملك عنهم. وبعث بالكتاب إليه سرّاً.
فكتب علي بن الحسين (عليه السلام) إلى عبد الملك من الساعة التي أنفذ فيها الكتاب إلى الحجّاج: وقفت على ما كتبت في حقن دماء بني هاشم، وقد شكر الله لك ذلك وثبت ملكك، وزاد في عمرك.
وبعث به مع غلام له بتاريخ الساعة التي أنفذ فيها عبد الملك كتابه إلى الحجّاج بذلك. فلمّا قدم الغلام وأوصل الكتاب إليه، نظر عبد الملك في تاريخ الكتاب فوجده موافقاً لتأريخ كتابه، فلم يشكّ في صدق زين العابدين (عليه السلام) ففرح بذلك، وبعث إليه بوقر دنانير، وسأله أن يبسط إليه بجميع حوائجه وحوائج أهل بيته ومواليه.
وكان في كتابه (عليه السلام): إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاني في النوم فعرفني ما كتبت به إلى الحجّاج وما شكر الله لك من ذلك.
الكرامة الثالثة
روي عن أبي خالد الكابلي قال: دعاني محمّد بن الحنفية، بعد قتل الحسين (عليه السلام) ورجوع علي بن الحسين (عليهما السلام) إلى المدينة، وكنّا بمكّة. فقال: صر إلى علي بن الحسين (عليه السلام) وقل له: إنّي أنا أكبر ولد أمير المؤمنين بعد أخوي الحسن والحسين، وأنا أحقّ بهذا الأمر منك، فينبغي أن تسلّمه إلي، وإن شئت فاختر حكماً نتحاكم إليه. فصرت إليه وأدّيت إليه رسالته.
فقال: ارجع إليه وقل له: يا عم، اتق الله ولا تدع ما لم يجعله الله لك، فإن أبيت فبيني وبينك الحجر الأسود فأينا يشهد له الحجر الأسود فهو الإمام. فرجعت إليه بهذا الجواب.
فقال: قل له: قد أجبتك. قال أبو خالد: فسارا فدخلا جميعا، وأنا معهما، حتّى وافيا الحجر الأسود فقال علي بن الحسين (عليهما السلام): تقدّم يا عمّ، فإنّك أسن، فاسأله الشهادة لك.
فتقدّم محمّد، فصلّى ركعتين، ودعا بدعوات، ثمّ سأل الحجر بالشهادة إن كانت الإمامة له، فلم يجبه بشئ.
ثمّ قام علي بن الحسين (عليهما السلام) فصلّى ركعتين ثمّ قال: أيّها الحجر الذي جعله الله شاهداً لمَن يوافي بيته الحرام من وفود عباده، إن كنت تعلم أنّي صاحب الأمر وأنّي الإمام المفترض الطاعة على جميع عباد الله، فاشهد لي بذلك، ليعلم عمّي أنّه لا حقّ له في الإمامة.
فأنطق الله الحجر بلسان عربي مبين، فقال: يا محمّد بن علي، سلّم إلى علي ابن الحسين الأمر، فإنّه الإمام المفترض الطاعة عليك، وعلى جميع عباد الله دونك ودون الخلق أجمعين في زمانه. فقبّل محمّد ابن الحنفية رجله وقال: الأمر لك.
وقيل: إنّ ابن الحنفية إنّما فعل ذلك إزاحة لشكوك الناس في ذلك.
وفي رواية أُخرى: إنّ الله أنطق الحجر فقال: يا محمّد بن علي إنّ علي ابن الحسين هو الحقّ الذي لا يعتريه شك – لما علم من دينه وصلاحه – وحجّة الله عليك وعلى جميع مَن في الأرض ومَن في السماء، ومفترض الطاعة، فاسمع له وأطع. فقال محمّد: سمعنا سمعنا يا حجّة الله في أرضه وسمائه.
الكرامة الرابعة
روى جابر بن يزيد الجعفي، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين جالساً مع جماعة إذ أقبلت ظبية من الصحراء، حتّى وقفت قدامه فهمهمت وضربت بيديها الأرض. فقال بعضهم: يا ابن رسول الله، ما شأن هذه الظبية؟ قد أتتك مستأنسة.
قال: تذكر أن ابنا ليزيد طلب من أبيه خشفاً، فأمر بعض الصيّادين أن يصيد له خشفاً، فصاد بالأمس خشف هذه الظبية، ولم تكن قد أرضعته، وإنّها تسأل أن نحمله إليها لترضعه وتردّه عليه.
فأرسل علي بن الحسين (عليه السلام) إلى الصيّاد فأحضره وقال له: إنّ هذه الظبية تزعم أنّك أخذت خشفاً لها، وأنّها لم تسقه لبناً منذ أخذته، وقد سألتني أن أسألك أن تتصدّق به عليها. فقال: يا ابن رسول الله لست أستجرئ على هذا.
قال: إنّي أسألك أن تأتي به إليها لترضعه وتردّه إليك. ففعل الصيّاد. فلمّا رأته همهمت ودموعها تجري، فقال علي بن الحسين (عليه السلام) للصيّاد: بحقّي عليك إلاّ وهبته لها. فوهبه لها فانطلقت مع الخشف وهي تقول: أشهد أنّك من أهل بيت الرحمة، وأنّ بني أُميّة من أهل بيت اللعنة.
الكرامة الخامسة
إنّ أبا خالد الكابلي كان يخدم محمّد بن الحنفية دهراً، وما كان يشكّ أنّه إمام، حتّى أتاه يوماً فقال: إنّ لي حرمة، فأسألك برسول الله وبأمير المؤمنين إلاّ أخبرتني: أنت الإمام الذي فرض الله طاعته؟ فقال: عليّ، وعليك، وعلى كلّ مسلم الإمام علي بن الحسين.
فجاء أبو خالد إلى علي بن الحسين (عليه السلام)، فلمّا سلّم عليه قال له: مرحباً بك يا كنكر، ما كنت لنا بزوّار! ما بدا لك فينا؟ فخرّ أبو خالد ساجداً لله تعالى لما سمعه منه، وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتّى عرفت إمامي.
قال: كيف عرفت؟ قال: إنّك دعوتني باسمي الذي سمّتني به أُمّي، ولقد كنت في عماء من أمري، ولقد خدمت محمّد بن الحنفية عمراً، فناشدته اليوم: أنت إمام؟ فأرشدني إليك فقال: هو الإمام عليّ، وعليك، وعلى الخلق كلهم. فلمّا دنوت منك سمّيتني باسمي الذي سمّتني به أُمّي، فعلمت أنّك الإمام الذي فرض الله عليّ وعلى كلّ مسلم طاعته.
وقال: ولدتني أُمّي فسمّتني وردان فدخل عليها والدي وقال: سمّيه كنكر. ووالله ما سمّاني به أحد من الناس – إلى يومي هذا – غيرك، فأشهد أنّك إمام مَن في الأرض، وإمام مَن في السماء.
الكرامة السادسة
روي عن أبي الصباح الكناني قال: سمعت الإمام الباقر (عليه السلام) يقول: خدم أبو خالد الكابلي، علي بن الحسين (عليهما السلام) برهة من الزمان، ثمّ شكا شدّة شوقه إلى والديه، وسأله الأذن في الخروج إليهما.
فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): يا كنكر إنّه يقدم علينا غداً رجل من أهل الشام له قدر وجاه ومال، ومعه ابنة له قد أصابها عارض من الجن، وهو يطلب معالجاً يعالجها، ويبذل في ذلك ماله، فإذا قدم فصر إليه أوّل الناس، وقل له: أنا أعالج ابنتك بعشرة آلاف درهم. فإنّه يطمئن إلى قولك، ويبذل لك ذلك، فلمّا كان من الغد قدم الشامي ومعه ابنته وطلب معالجاً.
فقال له أبو خالد: أنا أُعالجها على أن تعطيني عشرة آلاف درهم على أن لا يعود إليها أبداً. فضمن أبوها له ذلك. فقال أبو خالد لعليّ بن الحسين (عليه السلام)، فقال (عليه السلام): يا خالد إنّه سيغدر بك.
قال: قد ألزمته المال. قال: فانطلق، فخذ بإذن الجارية اليسرى وقال: يا خبيث يقول لك علي بن الحسين: أخرج من بدن هذه الجارية، ولا تعد إليها. ففعل كما أمره، فخرج عنها، وأفاقت الجارية من جنونها، وطالبه بالمال فدافعه فرجع إلى علي بن الحسين (عليه السلام).
فقال له: يا أبا خالد ألم أقل لك أنّه يغدر؟! ولكن سيعود إليها غداً، فإذا أتاك فقل: إنّما عاد إليها لأنّك لم تف بما ضمنت لي، فإن وضعت عشرة آلاف درهم على يد علي بن الحسين (عليه السلام) عالجتها على أن لا يعود إليها أبداً.
فلمّا كان بعد ذلك أصابها من الجن عارض، فأتى أبوها إلى أبي خالد، فقال له أبو خالد: ضع المال على يد علي بن الحسين (عليه السلام) فإنّي أُعالجها على أن لا يعود إليها أبداً.
فوضع المال على يدي علي بن الحسين (عليه السلام)، وذهب أبو خالد إلى الجارية وقال في أذنها كما قال أوّلاً، ثمّ قال: إن عدت إليها أحرقتك بنار الله. فخرج وأفاقت الجارية ولم يعد إليها، فأخذ أبو خالد المال وأذن له في الخروج إلى والديه، فخرج بالمال حتّى قدم على والديه.
الكرامة السابعة
روى أبو بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان فيما أوصى به إليّ أبي علي بن الحسين (عليهما السلام) أن قال: يا بني إذا أنا مت فلا يلي غسلي غيرك، فإنّ الإمام لا يغسّله إلاّ إمام مثله. واعلم يا بني أن عبد الله أخاك سيدعو الناس إلى نفسه، فامنعه، فإن أبى فدعه، فإن عمره قصير.
قال الباقر (عليه السلام): فلمّا مضى أبي ادّعى عبد الله الإمامة فلم أنازعه، فلم يلبث إلاّ شهوراً يسيرة حتّى قضى نحبه.
الكرامة الثامنة
إنّ حمّاد بن حبيب الكوفي القطّان قال: خرجنا سنة حجّاجاً فرحلنا من زبالة فاستقبلتنا ريح سوداء مظلمة، فتقطّعت القافلة، فتهت في تلك البراري، فانتهيت إلى واد قفر، وجنّني الليل، فآويت إلى شجرة، فلمّا اختلط الظلام إذا أنا بشاب عليه أطمار بيض، قلت: هذا ولي من أولياء الله متى ما أحسّ بحركتي خشيت نفاره، فأخفيت نفسي فدنا إلى موضع، فتهيّأ للصلاة، وقد نبع له ماء، ثمّ وثب قائماً يقول: يا مَن حاز كلّ شئ ملكوتاً، وقهر كلّ شئ جبروتاً، صلّ على محمّد وآل محمد، وأولج قلبي فرح الاقبال إليك، وألحقني بميدان المطيعين لك.
ودخل في الصلاة، فتهيّأت أيضاً للصلاة، ثمّ قمت خلفه، وإذا بمحراب مثل في ذلك الوقت قدّامه، وكلّما مرّ بآية منها الوعد والوعيد يردّدها بانتحاب وحنين، فلمّا تقشّع الظلام قام، فقال: يا مَن قصده الضالون فأصابوه مرشداً، وأمه الخائفون فوجدوه معقلاً، ولجأ إليه العائدون فوجدوه موئلاً.
متى راحة مَن نصب لغيرك بدنه؟! ومتى فرح مَن قصد سواك بهمّته؟! إلهي قد انقشع الظلام ولم أقض من خدمتك وطراً، ولا من حياض مناجاتك صدراً، صلّ على محمّد وآل محمّد، وافعل بي أولى الأمرين بك.
ونهض فعلقت به، فقال: لو صدق توكّلك ما كنت ضالاً، ولكن اتبعني واقف أثري. وأخذ بيدي، فخيل إلي أن الأرض تميد من تحت قدمي. فلمّا انفجر عمود الصبح قال: هذه مكّة. فقلت: مَن أنت بالذي ترجوه؟ فقال: أما إذا أقسمت، فأنا علي بن الحسين.
الكرامة التاسعة
إنّ علي بن الحسين (عليه السلام) حجّ في السنة التي حجّ فيها هشام بن عبد الملك وهو خليفة، فاستجهر الناس منه (عليه السلام) وتشوفوا له وقالوا لهشام: مَن هو؟ قال هشام: لا أعرف. لئلا يرغب فيه، فقال الفرزدق وكان حاضرا: بل أنا أعرفه: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ** والبيت يعرفه والحل والحرم إلى آخرها .
فبعثه هشام، وحبسه، ومحا اسمه من الديوان، فبعث إليه علي بن الحسين (عليهما السلام) بصلة، فردّها، وقال: ما قلت ذلك إلاّ ديانة. فبعث بها إليه أيضاً، وقال: شكر الله لك ذلك. فلمّا طال الحبس عليه – وكان يوعده بالقتل – شكى إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) فدعا له فخلّصه الله، فجاء إليه وقال: يا بن رسول الله، إنّه محا اسمي من الديوان.
فقال: كم كان عطاؤك؟ قال: كذا. فأعطاه لأربعين سنة، وقال (عليه السلام): لو علمت أنّك تحتاج إلى أكثر من هذا لأعطيتك. فمات الفرزدق بعد أن مضى أربعون سنة.
المصدر : موقع الشيعة
تعليق