إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

معجزات وكرامات الامام علي بن ابي طالب عليهما السلام

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • معجزات وكرامات الامام علي بن ابي طالب عليهما السلام

    فمن دلائل المولى أمير المؤمنين، وسيد الوصيين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام

    1 - حدثنا الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه [قال: حدثنا محمد بن الحسن بن الوليد] (1) قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد ابن زكريا، عن أبي المعافا (2) عن وكيع، عن زاذان، عن سلمان قال: كنا مع أمير المؤمنين عليه السلام ونحن نذكر شيئا من معجزات الانبياء عليهم السلام فقلت له: يا سيدي احب أن تريني ناقة ثمود، وشيئا من معجزاتك ؟ قال: أفعل [إن شاء الله تعالى ].
    ثم وثب فدخل منزله وخرج إلي وتحته فرس أدهم، وعليه قباء أبيض وقلنسوة بيضاء، ونادى: يا قنبر أخرج إلي ذلك الفرس.
    فأخرج فرسا آخر أدهم، فقال لي: اركب يا أبا عبد الله.
    قال سلمان: فركبته، فإذا له جناحان ملتصقان إلى جنبه، فصاح به الامام عليه السلام فحلق في الهواء، وكنت أسمع حفيف أجنحة الملائكة [وتسبيحها] تحت العرش ثم حضرنا على ساحل بحر عجاج مغطمط (3) الامواج، فنظر إليه الامام شزرا فسكن البحر.
    فقلت له: يا سيدي سكن البحر من غليانه من نظرك إليه ! فقال: يا سلمان، خشي أن آمر فيه بأمر.
    ثم قبض على يدي، وسار على وجه الماء، والفرسان يتبعاننا لا يقودهما أحد فوالله ما ابتلت أقدامنا ولا حوافر الخيل، فعبرنا ذلك البحر، ودفعنا (4) إلى جزيرة

    1) أثبتناه لانه طريق الصدوق (المولود بعد الثلاثمائة) الى الصفار (المتوفى سنة 290).
    راجع معجم رجال الحديث: 15 / 250.
    2) كذا، وفى البحار هكذا: وجدت في بعض الكتب: حدثنا محمد بن زكريا العلائى قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار المعروف بابن المعافا، عن وكيع...
    3) الغطمطة: اضطراب الامواج، وفى الاصل " مغمط ".
    4) أي: انتهينا. يقال: طريق يدفع الى مكان كذا: ينتهى إليه.



    [ 16 ]

    كثيرة الاشجار والاثمار والاطيار والانهار، وإذا شجرة عظيمة بلا ثمر، بل ورد وزهر (1).
    فهزها بقضيب كان بيده، فانشقت وخرجت منها ناقة طولها ثمانون ذراعا، وعرضها أربعون ذراعا، وخلفها قلوص (2) فقال لي: ادن منها واشرب من لبنها.
    [قال سلمان ]: فدنوت منها وشربت حتى رويت، وكان لبنها أعذب من الشهد وألين من الزبد وقد اكتفيت.
    قال صلوات الله عليه: هذا حسن ؟ قلت: حسن يا سيدي ! قال: تريد أن اريك أحسن منها ؟ فقلت: نعم يا سيدي.
    قال: يا سلمان ناد: اخرجي يا حسناء.
    فناديت (3) فخرجت ناقة طولها مائة وعشرون ذراعا، وعرضها ستون ذراعا [ورأسها] من الياقوت الاحمر [وصدرها من العنبر الاشهب، وقوائمها من الزبرجد الاخضر] وزمامها من الياقوت الاصفر، وجنبها الايمن من الذهب، وجنبها الايسر من الفضة، وضرعها من اللؤلؤ الرطب.
    فقال لي: يا سلمان اشرب من لبنها.
    قال سلمان: فالتقمت الضرع فإذا هي تحلب عملا صافيا محضا (4) فقلت: يا سيدي هذه لمن ؟ قال: هذه لك ولسائر الشيعة (5) من أوليائي.
    ثم قال: ارجعي.
    فرجعت من الوقت، وسار بي في تلك الجزيرة حتى ورد بي إلى شجرة عظيمة وفي أصلها مائدة عظيمة، عليها طعام يفوح منه رائحة المسك، وإذا بطائر في صورة النسر العظيم، قال [سلمان ]: فوثب ذلك الطير فسلم عليه، ورجع إلى موضعه

    1) " بلاصدع ولازهر " البحار.
    2) القلوص: الشابة من الابل، الطويلة القوائم.
    3) " قال سلمان: فنادى عليه السلام: اخرجي يا حسناه " البحار والمدينة.
    4) محضا: خالصا.
    5) " المؤمنين " المدينة.



    [ 17 ]

    فقلت: يا سيدي ما هذه المائدة ؟ قال: هذه منصوبة في هذا الموضع للشيعة من موالي إلى يوم القيامة.
    فقلت: ماهذا الطائر ؟ فقال: ملك موكل بها إلى يوم القيامة.
    فقلت: وحده يا سيدي ؟ فقال: يجتاز به الخضر عليه السلام كل يوم مرة.
    ثم قبض على يدي، وسار بي إلى بحر ثان، فعبرنا إذا بجزيرة عظيمة، فيها قصر لبنة من ذهب ولبنة من فضة بيضاء، وشرفه من العقيق الاصفر، وعلى ركن (2).
    أقبلت الملائكة تسلم عليه، ثم أذن لهم فرجعوا إلى مواضعهم.
    قال سلمان: ثم دخل الامام عليه السلام إلى القصر، فإذا فيه أشجار [وأثمار] وأنهار وأطيار وألوان النبات، فجعل الامام عليه السلام يتمشى فيه حتى وصل إلى آخره، فوقف على بركة كانت في البستان، ثم صعد إلى سطحه، فإذا كرسي من الذهب الاحمر، فجلس عليه، وأشرفنا على القصر، فإذا بحر أسود يغطمط (3) بأمواجه كالجبال الراسيات.
    فنظر إليه شزرا فسكن من غليانه حتى كان كالمذنب.
    فقلت: يا سيدي سكن البحر من غليانه لما نظرت إليه ! قال: خشي أن آمر فيه بأمر، أتدري يا سلمان أي بحر هذا ؟ فقلت: لا يا سيدي.
    فقال: هذا البحر الذي غرق فيه فرعون (لعنة الله) وقومه، إن المدينة حملت على محاميل (4) جناح جبرئيل عليه السلام ثم رمى بها في هذا البحر فهويت فيه لا تبلغ قراره إلى يوم القيامة.
    فقلت: يا سيدي هل سرنا فرسخين ؟ فقال: يا سلمان لقد سرت خمسين ألف فرسخ، ودرت حول الدنيا عشرين ألف

    1) " ألفا " المدينة.
    2) استظهرناها، وفى ط " ذلك الركن ".
    3) " يغطط " ط.
    4) كذا في ط. والظاهر " محامل " جمع محمل: ما يحمل فيه.



    [ 18 ]

    مرة، فقلت يا سيدي وكيف هذا ؟ ! فقال: يا سلمان إذا كان ذو القرنين طاف شرقها وغربها وبلغ إلى سد يأجوج ومأجوج فأنى يتعذر علي وأنا أخو سيد المرسلين، وأمين رب العالمين، وحجته على خلقه أجمعين.
    يا سلمان أما قرأت قول الله تعالى حيث يقول: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) (1) فقلت: بلى يا سيدي.
    فقال: يا سلمان أنا المرتضى من الرسول الذي أظهره الله على غيبه، أنا العالم الرباني، أنا الذي هون الله عليه الشدائد وطوى له البعيد.
    قال سلمان: فسمعت صالحا يصيح في السماء - يبلغ صوتا ولايرى الشخص - وهو يقول: صدقت، صدقت، أنت الصادق المصدق صلوات الله عليك.
    ثم وثب فركب الفرس وركبت معه وصاح به، وحلق في الهواء، ثم حضرنا بأرض الكوفة، هذا كله وقد مضى (2) من الليل ثلاث ساعات، فقال لي: يا سلمان، الويل كل الويل على من لا يعرفنا حق معرفتنا، وأنكر ولايتنا.
    يا سلمان أيما أفضل محمد صلى الله عليه وآله أم سليمان بن داود ؟ قال سلمان: [قلت:] بل محمد صلى الله عليه وآله.
    فقال: يا سلمان فهذا آصف بن برخيا قدر أن يحمل عرش بلقيس من اليمن إلى بيت المقدس في طرفة عين وعنده علم من الكتاب، ولا أفعل ذلك وعندي علم مائة كتاب وأربعة وعشرين (3) كتاب ؟ !

    1) سورة الجن: 26 و 27.
    2) " هذا وهذا ما مضى " ط.
    3) " مائة ألف كتاب وأربعة وعشرين ألف " ط، والمدينة، والمتن كما في البحار.
    والظاهر أن كليهما تصحيف اما روى الصدوق باسناده الى أبى ذر (رض) ضمن حديث أنه قال: يارسول الله كم أنزل الله تعالى من كتاب ؟ قال: مائة كتاب وأربعة كتب: أنزل الله تعالى على شيث خمسين صحيفة، وعلى ادريس ثلاثين صحيفة، وعلى ابراهيم


    [ 19 ]

    أنزل الله على شيث بن آدم عليه السلام خمسين صحيفة، وعلى إدريس عليه السلام ثلاثين صحيفة [وعلى نوح عليه السلام عشرين صحيفة] وعلى إبراهيم عليه السلام عشرين صحيفة، والتوراة والانجيل والزبور [والفرقان ].
    فقلت: صدقت يا سيدي هكذا [يكون الامام ].
    قال الامام عليه السلام: إعلم يا سلمان أن الشاك في امورنا وعلومنا كالممتري في معرفتنا وحقوقنا، وقد فرض الله عزوجل ولايتنا في كتابه، وبين فيه ما أوجب العمل به وهو غير مكشوف (1). (2).
    2 - ومنها: حدثنا إبراهيم بن الحسين (3) الهمداني، عن إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الغفار بن القاسم، عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام يرفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام: أن جبرئيل عليه السلام نزل على النبي صلى الله عليه وآله بجام (4) من الجنة فيه فاكهة كثيرة من فواكه

    عشرين صحيفة، وأنزل التوراة والانجيل والزبور والفرقان... الخير.
    (معاني الاخباره 333 ضمن ح 1، الخصال: 2 / 524 ضمن ح 13، ومثله المفيد في الاختصاص: 258 عن ابن عباس).
    وأخرج شرف الدين الاستر آبادى في تأويل الايات الظاهرة: 1 / 240 ح 24 هذه القطعة من الرواية الى آخره، برواية الشيخ المفيد عن رجاله مسندا الى سلمان الفارسى الا أن فيها:... ولا أقدر أنا وعندي علم ألف كتاب، أنزل الله منها على شيث بن آدم خمسين صحيفة... وذكر مثل رواية الصدوق.
    1) كذا، والظاهر " وهو مكشوف " كما في رواية الشيخ المفيد.
    2) البحار: 42 / 5 ح 1، اثبات الهداة: 5 / 84 ح 501، مدينة المعاجز: 88.
    3) " الحارث " ط. تصحيف، فالظاهر هو ابراهيم بن الحسين بن على بن مهران بن ديزيل الكسائي الهمداني.
    (لسان الميزان: 1 / 48).
    4) جام: اناء من فضة.



    [ 20 ]

    الجنة، فدفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله فسبح الجام وكبر وهلل في يده.
    ثم دفعه إلى أبي بكر فسكت الجام، ثم دفعه إلى عمر فسكت الجام.
    ثم دفعه إلى أمير المؤمنين، الجام وكبر وهلل في يده، ثم قال الجام: إني امرت أن لاأتكلم إلا في يد نبي أو وصي نبي(1).
    3 - وفى كتاب الانوار (2) بأن الجام من كف النبي صلى الله عليه وآله عرج إلى السماء وهو يقول بلسان فصيح سمعه كل من كان عند النبي صلى الله عليه وآله: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (3).(4).
    4 - وأيضا: وروي أن جبرائيل وميكائيل عليهما السلام أتيا به، فوضعاه في يد أمير المؤمنين عليه السلام بأمر النبي صلى الله عليه وآله فسلم عليه الجام، فرد عليه السلام: قال الله تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) (5) قال الصادق عليه السلام: أعطى الله أمير المؤمنين عليه السلام حياة طيبة بكرامات [و] أدلة وبراهين [و] معجزات، وقوة إيمانه، ويقين علمه وعمله، وفضله الله على جميع خلقه بعد النبي صلى الله عليهما وآلهما(6).

    1) عيون المعجزات: 11، عنه اثبات: 5 / 15 ح 318، والبحار: 39 / 129 ح 17 ومدينة المعاجز: 22 ح 30.
    2) كتاب الانوار في تاريخ الائمة الاطهار الشيخ أبى على محمد بن أبى بكر همام بن سهيل الكاتب الاسكافي المولود سنة 258 والمتوفى سنه 336. ذكره في الذريعة: 2 / 412 رقم 1646.
    3) الاحزاب: 33.
    4) نفس التخريجة السابقة.
    5) النحل: 97. أقول: وفى ذلك قال العونى: على كليم الجام إذ جاعه * كريمان في الاملاك مصطفيان وقال أيضا (غيره): امامى كليم الجان والجام بعد * لهل لكليم الجان والجام من مثل ! ؟
    6) عيون المعجزات: 12.



    [ 21 ]

    5 - وأيضا فيه: حدثنا العباس بن الفضل، عن موسى بن عطية الانصاري، قال: حدثني حسان بن أحمد الازرق، عن أبي الاحوص، عن أبيه، عن عمار الساباطي، قال: قدم أمير المؤمنين عليه السلام المدائن فنزل بايوان كسرى، وكان معه دلف [ابن] منجم كسرى، فلما صلى الزوال قام [و] قال لدلف: قم معي.
    وكان معه جماعة من [أهل] ساباط (1) فما زال يطوف في مساكن كسرى ويقول لدلف: كان لكسرى [في] هذا المكان كذا وكذا، فيقول دلف: هو والله كذلك.
    فما زال على ذلك حتى طاف المواضع بجميع من كانوا معه ودلف يقول: يا سيدي كأنك وضعت [هذه] الاشياء في هذه الامكنة ! ! ثم نظر صلوات الله عليه إلى جمجة نخرة.
    فقال لبعض أصحابه: خذ هذه الجمجمة، وكانت مطروحة، وجاء عليه السلام إلى الايوان وجلس فيه، ودعا بطست، وصب فيه ماء، فقال له: دع هذه الجمجمة في الطست، ثم قال: أقسمت عليك يا جمجمة أخبريني من أنا ؟ ومن أنت ؟ فنطقت الجمجمة بلسان فصيح فقالت: أما أنت فأمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وإمام المتقين في الطاهر والباطن وأعظم من أن توصف، وأما أنا فعبد الله وابن أمة الله كسرى أنو شيروان (2).
    فانصرف القوم الذين كانوا معه من أهل ساباط إلى أهاليهم وأخبروهم بما كان وبما سمعوه من الجمجمة: فاضطربوا واختلفوا في معنى أمير المؤمنين عليه السلام فحضروه فقال بعضهم: قد أفسد هؤلاء قلوبنا بما أخبرونا عنك.
    وقال بعضهم فيك (3) مثل ما قال عبد الله بن سبأ (4) وأصحابه، ومثل ما قاله النصارى في

    1) ساباط: مدينة قرب المدائن بناها بلاش بن فيروز بن يزجرد، وتسمى ساباط كسرى.
    (مراصد الاطلاع: 2 / 680، والكامل في التاريخ: 1 / 411).
    2) " عبد الله بن أمة كسرى " ط.
    3) " فيه " ط. تصحيف.
    4) كذا ! روى في معرفة اختيار الرجال: 106 ح 170 باسناده عن ابن قولويه، عن سعد بن عبد الله عن محمد بن عثمان العبدى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سنان، عن أبيه


    [ 22 ]

    المسيح، فان تركتهم على هذا كفروا الناس.
    فلما سمع ذلك منهم قال: ما تحبون أن أصنع بهم ؟ قالوا: تحرقهم بالنار كما حرقت عبد الله بن سبأ وأصحابه.
    فأحضرهم وقال: ما حملكم على ما قلتم ؟ قالوا: سمعنا كلام الجمجمة النخرة ومخاطبتها إياك، ولايجوز ذلك إلا لله تعالى، فمن ذلك قلنا ما قلنا.
    فقال عليه السلام: ارجعوا عن كلامكم هذا، وتوبوا إلى الله.
    فقالوا: ماكنا نرجع عن قولنا، فاصنع بنا ما أنت صانع.
    فأمر عليه السلام أن تضرم لهم النار، فحرقهم، فلما احترقوا، قال: اسحقوهم وذروهم في الريح، فسحقوهم وذروهم في الريح.
    فلما كان من اليوم الثالث من إحراقهم دخل إليه أهل ساباط وقالوا: الله الله في دين محمد، إن الذين أحرقتهم بالنار قد رجعوا إلى منازلهم أحسن ما كانوا ! فقال عليه السلام: أليس قد أحرقتهم بالنار، وسحقتموهم وذريتموهم في الريح ؟ قالوا: بلى.
    قال عليه السلام: أحرقتهم والله أحياهم (1).(2).
    6 - وأيضاً: حدث أحمد بن محمد البزاز الكوفي، قال: حدثنا عبد الوهاب

    عن أبى جعفر عليه السلام ان عبد الله بن سبأ كان يدعى النبوة، ويزعم أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الله (تعالى الله عن ذلك) فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام... فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب، فأحرقه بالنار. راجع أيضا ح 171 - 174 من الكتاب المذكور، وكتاب " عبد الله بن سبأ " للسيد مرتضى العسكري ففيه دراسة وافية، حول هذا الرجل وحقيقته.
    1) " وأحييتهم " عيون.
    2) أخرجه في عيون المعجزات: 16 عن كتاب الانوار، عنه البحار: 41 / 213 ح 27 وعن الفضائل لابن شاذان: 70. وأخرجه في اثبات الهداة: 5 / 16 ح 320، ومدينة المعاجز: 34 ح 49 عن العيون.



    [ 23 ]

    قال: حدثنا أبو ذر حكيم، عن أبي اليسع، قال: حدثنا أبو رواحة الانصاري، عن حبة العرني قال: كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام وقد أراد حرب، معاوية، فنظرنا إلى جمجمة في جانب الفرات قد أتت عليها الازمنة، فوقف عليها أمير المؤمنين عليه السلام ودعاها، فأجابته بالتلبية، وتدحرجت (1) بين يديه، وتكلمت بلسان فصيح ثم أمرها [بالرجوع] فرجعت إلى مكانها كما كانت(2).
    7 - وفى رواية اخرى: أنه عليه السلام وقف على جمجمة نخرة في النهروان، فقال لها: من أنت ؟ فقالت: أنا فلان بن فلان(3).
    8 - ومنها: حدث محمد بن عثمان، قال: [حدثنا] أبو زيد النميري، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث (4) قال: حدثنا شعبة (5) عن سليمان الاعمش قال: حدثنا سهيل (6) بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: صليت الغداة مع النبي صلى الله عليه وآله فلما فرغ من صلاته وتسبيحه أقبل علينا بوجهه الكريم وأخذ معنا في الحديث، فأتاه رجل من الانصار، فقال: يارسول الله، إن كلب فلان الانصاري خرق ثوبي وخدش ساقي، ومنعني من الصلاة معك في الجماعة

    1) استظهرناها، وفى ط " قد دحرجت الى ".
    2) الفضائل لابن شاذان: 72 في حديث طويل عن أبى رواحة، عن المغربي (مثله)، عنه البحار: 41 / 215 ح 28، ومدينة المعاجز: 35 ح 51.
    3) نفس التخريجة السابقة.
    4) " عبد الوهاب " ط، تصحيف، راجع تهذيب التهذيب: 6 / 327.
    5) " سعيد " ط، تصحيف، وهو شعبة بن الحجاج العتكى الازدي، انظر تهذيب التهذيب: 4 / 222 وص 338.
    6) " سهل " ط، تصحيف، وهو من أقران سليمان الاعمش، انظر تهذيب التهذيب: 4 / 222 وص 263.


    [ 24 ]

    فأعرض (1) عنه.
    فلما كان في اليوم الثاني جاء رجل آخر وقال: يارسول الله إن كلب فلان الانصاري خرق ثوبي وخدش ساقي، ومنعني من الصلاة معك.
    فقال النبي صلى الله عليه وآله: قوموا بنا إليه (2) فان الكلب إذا كان عقورا وجب قتله.
    فقام صلى الله عليه وآله ونحن معه حتى أتى منزل الرجل، فبادر أنس بن مالك إلى الباب فدقه وقال: " النبي بالباب ".
    فأقبل الرجل مبادرا حتى فتح بابه، وخرج إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: فداك أبي وامي ما الذي جاء بك ؟ ألا وجهت إلي فكنت اجيبك ! فقال صلى الله عليه وآله: أخرج إلينا كلبك العقور، فقد وجب قتله، وقد خرق ثياب فلان و خدش ساقه، وكذا فعل اليوم بفلان بن فلان.
    فبادر الرجل إلى كلبه فشد في عنقه حبلا وجره إليه، ووقفه بين يديه، فلما نظر الكلب إلى النبي صلى الله عليه وآله واقفا قال: يارسول الله، ما الذي جاء بك ؟ ولم تقتلني ؟ فأخبره الخبر، فقال: يارسول الله، إن القوم منافقون نواصب مبغضوا علي بن أبي طالب عليه السلام، ولولا أنهم كذلك ما تعرضت [لسبيلهم ].
    فأوصى به النبي صلى الله عليه وآله خيرا، وتركه وانصرف (3).(4).
    9 - ومنها: قال حبة العرني، قال الحارث بن عبد الله الهمداني:

    1) أي صد لعلمه صلى الله عليه وآله به أنه معاد لامير المؤمنين على عليه السلام كما يفهم من آخر الحديث.
    وفى ط " فعرض ".
    2) زاد في ط " فقال ". تصحيف.
    3) " وانصرف الكلب " ط.
    4) أورده في عيون المعجرات: 18 مثله، عنه البحار: 41 / 246 ح 15، وعن الفضائل والروضة في الفضائل لابن شاذان: 154 (مخطوط) ومدينة المعاجز: 41 ح 7، ومستدرك الوسائل: 8 / 296 ح 1.



    [ 25 ]

    كنا مع أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم على باب الرحبة (1) إذ اجتاز بنا يهودي ومعه حوتان (2) فناداه أمير المؤمنين عليه السلام فقال لليهودي: بكم اشتريت أبويك من بني اسرائيل ! فصاح اليهودي صيحة عظيمة، وقال: أما تسمعون كلام علي بن أبي طالب، يذكر أنه يعلم الغيب وأني قد اشتريت أبي وامي من بني إسرائيل.
    فاجتمع عليه خلق كثير من الناس، وقد سمعوا كلام أمير المؤمنين عليه السلام وكلام اليهودي، وكنت أنظر إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقد تكلم بكلام لاأفهمه.
    فأقبل على أحد الحوتين وقال: أقسمت عليك أن تتكلمي وتقولي من أنا ؟ ومن كان أبوه (3) ؟ فنطقت السمكة بلسان فصيح [وقالت ]: أنت أمير المؤمنين ووصي رسول رب العالمين، علي بن أبي طالب عليه السلام وقالت لليهودي: يا فلان، أنا أبوك فلان بن فلان مت (4) في سنة كذا، وخلفت (5) عليك من المال كذا وكذا، والعلامة في يدك كذا وكذا.
    وأقبل عليه السلام على الاخرى وقال لها: أقسمت عليك أن تتكلمي وتقولي: من أنا ؟ ومن كانت امه ؟ فنطقت بلسان فصيح وقالت: أنت أمير المؤمنين، وسيد الوصيين علي بن أبي طالب، ثم قالت: يا فلان وأنا امك فلانة بنت فلان مت (6) في سنة كذا، والعلامة في يدك كذا [وكذا ].
    فقال القوم: نشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا

    1) الرحبة: على مرحلة من الكوفة، على يسار الحجاج إذا أرادوا مكة، خربت. (مراصد الاطلاع: 2 / 608).
    2) الحوت: السمك، وقد غلب في الكبير منه.
    3) " ومن أنت " العيون، وكذا التى تأتى.
    4) " مات " ط.
    5) " خلف " ط.
    6) " ماتت " ط.



    [ 26 ]

    عبده ورسوله، وأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حقا.
    فعادت الحوتتان إلى ما كانتا عليه، وآمن اليهودي وقال: أشهد أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأنك أمير المؤمنين.
    [وانصرف القوم] وقد ازدادوا معرفة بأمير المؤمنين(1).
    10 - ومنها: حدث نصير بن مدرك قال: قال عمار بن ياسر: كنت بين يدي مولاي أمير المؤمنين عليه السلام وكان يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من صفر، وإذا بزعقة (2) قد ملات المسامع، وكان عليه السلام على دكة القضاء فقال: يا عمار إئت بذي الفقار - وكان وزنه سبعة أمنان وثلثي [من] بالمكي - فبحثت به فانتضاه (3) من غمده وتركه، وقال: يا عمار هذا يوم أكشف فيه لاهل الكوفة جميعا الغمة ليزداد المؤمن وفاقا والمخالف نفاقا (4) يا عمار إئت بمن على الباب.
    قال عمار: فخرجت وإذا (5) بالباب امرأة في قبة على جمل وهي تصيح: " يا غياث المستغيثين، ويا غاية الطالبين، وياكنز الراغبين، وياذا القوة المتين ويا مطلق الاسير، وياراحم الشيخ الكبير، ويارازق الطفل الصغير، ويا قديم سبق قدمه كل قديم، ويا عون من لاعون له، وياسند من لاسند له، وياذخر من لاذخر له، ويا حرز من لاحرز له، يا عون الضعفاء وياكنز الفقراء إليك توجهت وبك توسلت، بيض

    1) أورده في عيون المعجزات: 20 بالاسناد عن جعفر بن محمد البجلى الكوفى، عن على ابن عمر الصيقل، عن توبه، عن أبيه، عن جده [حبة ظ] العرنى، عن الحارث (مثله) عنه اثبات الهداة: 5 / 16 ح 321، والبحار: 39 / 146 ح 11، ومدينة المعاجز: 40 ح 66.
    2) أي بصيحة.
    3) كذا في رواية ابن شاذان، أي سله. وفى ط والعيون " فصاع "، وفى المدينة " فصاح " صاع الشئ: ثناه ولواه. وصاح العنقود: إذا استتم خروجه من أكمته.
    4) زاد بعدها في ط " فقال ". والظاهر " ثم قال ".
    5) في " ط " كلمة مبهمة.



    [ 27 ]

    وجهي، وفرج همي، واكشف غمي ".
    قال: وحولها ألف فارس بسيوف مسلولة، قوم معها، وقوم عليها في الكلام فقلت: أجيبوا أمير المؤمنين.
    فنزلت عن الجمل، ونزل القوم معها ودخلوا المسجد، ووقفت المرأة بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام وقالت: يا علي إياك قصدت، فاكشف مابي من غمة، إنك ولي ذلك والقادر عليه.
    قال أمير المؤمنين عليه السلام: يا عمار ناد في الكوفة لينظروا إلى قضاء أمير المؤمنين.
    فناديت، فاجتمع الناس حتى صار المقدم عليه أقدام كثيرة.
    ثم قام (1) أمير المؤمنين عليه السلام [وقال ]: اسألوا عما بدالكم يا أهل الشام.
    فنهض من بينهم شيخ أشيب، عليه بردة أتحمية (2) وحلة عدنية، و [على رأسه] عمامة خز سوسية، فقال: السلام عليك يا كنز الفقراء، ويا ملجأ اللهفى، يا مولاي هذه الجارية ابنتي وما قربتها ببعل قط، وهي عاتق (3) حامل، وقد فضحتني في عشيرتي، وأنا معروف بالشدة والنجدة والبأس والسطوة [والشجاعة] والبراعة والنزاهة، أنا قلمس (4) عفريس (5) وليث [عسوس (6) ووجه على الاعداء] عبوس، لا تخمد لي نار ولا يضام لي جار، عزيز عند العرب بأسي ونجدتي وحملاتي وسطواتي، وقد بقيت

    1) " قال " ط.
    2) الا تحمى: ضرب من البرود.
    والتحمة: شدة السواد أو الشقرة.
    3) العاتق: الجارية التى قد أدركت وبلغت فخدرت في بيت أهلها ولم تتزوج، سميت بذلك لانها عتقت عن خدمة أبويها ولم يملكها زوج بعد.
    (لسان العرب: 10 / 235).
    4) القلمس: السيد العظيم، الكثير الخير والعطية، الداهية من الرجال (لسان العرب: 6 / 182) 5) عفريس: أسد. وفى العيون " قلمس بن عفريس ".
    6) عسوس: طلوب لما يأكل.



    [ 28 ]

    - يا علي - حائرا في أمري فاكشف هذه الغمة [فهذه عظيمة لاأجد أعظم منها ].
    فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ما تقولين يا جارية فيما يقول لك أبوك ؟ فقالت: أما ما يقول أبي: إني عاتق فقد صدق، وأما ما يقول أني حامل، فوالله ما أعلم من نفسي خيانة قط يا أمير المؤمنين، أنت وصي رسول الله صلى الله عليه وآله ووارثه، لا يخفى عليك شئ وتعلم أني ما كذبت فيما قلت، ففرج عني غمي، يا فارج الهم.
    فصعد أمير المؤمنين عليه السلام المنبر وقال: الله أكبر، الله أكبر " جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا " (1) ثم قال عليه السلام: وإلي التسليم، وعلي بداية (2) الكوفة، فجاءت امرأة يقال لها: " حولاء " (3) وكانت قابلة نساء الكوفة، فقال: اضربي بينك وبين الناس حجابا، وانظري هذه الجارية أعاتق حامل ؟ ففعلت ما أمرها أمير المؤمنين عليه السلام فقالت: نعم يا أمير المؤمنين عاتق حامل.
    فقال عليه السلام: يا أهل الكوفة أين الائمة الذين ادعوا منزلتي ؟ ! أين من يدعي في نفسه أن له مقام الحق فيكشف هذه الغمة ؟ ! فقال عمرو بن حريث (4) كالمستهزئ: مالها غيرك يابن أبي طالب ! اليوم تثبت لنا إمامتك ! فقال أمير المؤمنين عليه السلام لاب الجارية: يا أبا الغضب المقطب، ألست أنت من أعمال دمشق ؟ قال: بلى.


    1) اقتباس من قوله تعالى في سورة الاسراء: 81.
    2) الداية: القابلة.
    3) " لبنى " العيون.
    4) أورد الدينورى في الاخبار الطوال: 223 أنه لما مات المغيرة وجمع معاوية لزياد الكوفة الى البصرة، كان يقيم بالبصرة ستة أشهر، وبالكوفة مثل ذلك، فخرج في بعض خرجاته الى البصرة، وخلف على الكوفة عمرو بن حريث العدوى، فصعد عمرو بن حريث ذات جمعة المنبر ليخطب فقعد له حجر بن عدى (ره) وأصحابه فحصبوه [أي رموه بالحجارة والحصى] فنزل عن المنبر، فدخل القصر وأغلق بابه.
    وللاطلاع على حمقه راجع معرفة اختيار الرجال: 83 ح 139 وص 85 ح 140.



    [ 29 ]

    قال: من قرية يقال لها أسعار [طريق بانياس (1) الجولة] ؟ فقال: نعم.
    فقال: هل فيكم من يقدر على قطعة ثلج ؟ فقال أبو الغضب: الثلج في بلادنا كثير (2).
    فقال عليه السلام: بيننا وبين بلادكم مائتا فرسخ وخمسون فرسخا ؟ قال: نعم.
    قال عمار: فمد يده وهو على منبر جامع الكوفة وردها، وفيها قطعة من الثلج [تقطر ماءا] ثم قال لداية الكوفة: ضعي هذا الثلج مما يلي فرج الجارية، سترمي علقة (3) وزنها سبعة وخمسون مثقالا (4) ودانقان (5).
    فأخذتها وخرجت بها من الجامع، وجاءت بطشت ووضعت الثلج على الموضع منها، فرمت علقة كبيرة، فوزنتها الداية [فوجدتها] كما قال أمير المؤمنين عليه السلام.
    وأقبلت الداية مع الجارية فوضعت العلقة بين يديه (6) فقال: وزنتيها ؟ قالت: نعم، فوزنها سبعة وخمسون مثقالا ودانقان.
    فقال عليه السلام: بلى (وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) (7).
    ثم قال: يا أبا الغضب، ابنتك مازنت، وإنما دخلت الموضع (8) [فدخلت] فيها هذه

    1) بانياس: اسم لقرية أو بلدة قرب دمشق، تحت الجبل الذى في غربي دمشق، يرى عليه الثلج.
    (مراصد الاطلاع: 1 / 158).
    2) أضاف في رواية بن شاذان " ولكن ما تقدر عليه ههنا ".
    3) العلق - بفتح العين واللام -: دود أسود وأحمر يكون بالماء يعلق بالبدن ويمص الدم.
    (حياة الحيوان: 2 / 70).
    4) " درهما " العيون.
    درهم أهل مكة: ستة دوانيق، ودراهم الاسلام المعدلة كل عشرة: سبعة مثاقيل.
    5) الدانق: سدس الدرهم.
    6) " يديها " ط.
    7) الانبياء: 47.
    8) المراد بالموضع بركة ماء. واللفظ في رواية ابن شاذان هكذا: وانما دخلت الموضع الذى فيه الماء.



    [ 30 ]

    العلقة وهي صبية بنت عشر سنين، فربت في بطنها إلى وقتنا هذا.
    فنهض أبوها وهو يقول: أشهد أنك تعلم ما في الارحام وما في الضمائر(1).
    11 - ومنها: وحدث بمثل هذا الحديث أبو عبد الله أحمد بن محمد بن أيوب بن العباس (2) الجوهري البغدادي، قال: حدثنا علي بن عيسى، قال: حدثنا جعفر بن مالك الفزاري البزاز، قال: حدثنا علي بن عيسى، قال: حدثنا جعفر بن مالك الفزاري البزاز، قال: حدثنا الحسين بن علي الخزاز، عن الحسن بن أبي سارة عن الحسن بن مسكان، عن المفضل بن عمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن جابر ابن عبد الله الانصاري أنه قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام جالسا ذات يوم على دكة القضاء بالكوفة، وذلك بعد صفين والحكمين، إذ دخل عليه أربعة أنفس طوال كأنهم أربع نخلات، فسلموا على أمير المؤمنين عليه السلام فنظر إليهم وقال: ما أنتم من بلادي ! فقالوا: لا يا أمير المؤمنين نحن من عمان اليمن، من جند معاوية.
    فقال لهم: ما تصنعون بأرضي وأنتم أعدائي ؟ فقالوا: معاذ الله يا أمير المؤمنين، ثم قالوا: إنما استخلفك رسول الله صلى الله عليه وآله بحفظ

    1) رواه في عيون المعجزات: 21 باسناده عن أبى التحف المصرى، عن العلا بن طيب ابن سعيد المغازلى البغدادي، عن نصر بن مسلم بن صفوان الجمال المكى، عن أبى هاشم المعروف بابن أخى طاهر بن زمعة، عن أصهب بن جنادة، عن بصير بن مدرك (مثله) عنه مدينة المعاجز: 101 ح 274. وأورد (مثله) ابن شاذان في الفضائل: 155، وفى الروضة في الفضائل: 149 ح 154 عنهما البحار: 40 / 277 ح 42. ورواه أبو الفوارس في أربعينه: 35 عن محمد بن الحسن السمرقندى، عن جماعة من الصادقين يرفعونه بالاسانيد الصحيحة الى زيد بن أرقم، عن عمار (مثله) وابن حسنويه في درر بحر المناقب: 127 عن عمار بن ياسر وزيد بن أرقم (مثله)، عنهما احقاق الحق: 8 / 712.
    2) الظاهر " عياش ": صاحب مقتضب الاثر وأخبار جابر الجعفي.



    [ 31 ]

    الدين وكشف الغمة، وقد دهانا أمر عظيم.
    فقال علي عليه السلام: وما هو ؟ فقالوا له: اخت لنا وهي بكر حامل، وقد تحرك الجنين في أحشائها ! فقال أمير المؤمنين عليه السلام: فأين هي ؟ فقالوا: هاهنا في هودج على باب المسجد.
    فقال لهم: علي بها.
    فادخلوا بها إليه.
    فقال عليه السلام: امشي عشر خطوات.
    ففعلت، فقال: ارجعي.
    ففعلت، فأمر أمير المؤمنين عليه السلام أن يشد لها إزار في جانب المسجد، وأمر بها فاقعدت من ورائه واستدعى بدينار الخصي - وكان يثق به - وبامرأة قابلة يقال لها " حولة العطارة " وأمرها أن تجس المرأة وتلمسها، وأشرف دينار عليها، فدخلت فجستها فقالت: يا أمير المؤمنين، عاتق حامل وقد تحرك الجنين في أحشائها.
    فأمرها أمير المؤمنين بالخروج من عندها، وأمر أن تجلس على كرسي عال وتنحي عنها سراويلها وتترك تحت ثيابها طستا.
    وأقبل على الصحابة يحدثهم والمرأة تسمع حديثه، ثم التفت صلوات الله عليه فزعق زعقة هائلة فاضطربت المرأة وارتعدت فرائصها، وانشقت العذرة، ووقعت في الطست علقة بكبر السنور (1) ثم قال لدينار الخصي: ادخل وأخرج الطست وفيه العلقة.
    وقال لاخوانها: أفي داركم التي تنزلونها بركة ماء ؟ قالوا: نعم.
    فقال عليه السلام: هذه نزلت فيها أيام الصيف تغتسل، فانسابت هذه العلقة، فما زالت تمص الدم حتى كبرت على هذه الصفة.
    فلما قال ذلك اضطرب أهل الجامع وقالوا فيه أقاويل مختلفة، وعندها أقام الاخوة العمانيين بالكوفة ولم يرجعوا إلى معاوية وحسن إيمانهم، وزوجوا اختهم بالكوفة، وكانوا من خواص الحسن والحسين عليهما السلام إلى أن قتلوا بكربلاء.
    12 - ومنها: حدثنا أبو التحف علي بن محمد بن إبراهيم المصري، قال:

    1) السنور: الهر.


    نفسي على ذكر اسم المرتضى طربت
    وفي سفينة اهل البيت قد ركبت
    اللهم صلي على محمد و ال محمد

  • #2
    [ 32 ]

    [ حدثني] الاشعث بن مرة، عن المثنى بن سعيد، عن هلال بن كيسان الكوفي (1) الجزار، عن الطيب الفواخري (2) عن عبد الله بن سلمة الفتحي (3) عن شقادة بن الاصيد العطار البغدادي، قال [حدثني] عبد المنعم بن الطيب (4) عن العلا بن وهب بن قيس، عن الوزير أبي محمد [بن] سايلويه (رضي الله عنه) فانه كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام [العارفين (5).
    وروى جماعتهم] عن ابن حريز (6) عن أبي الفتح المغازلي، عن أبي جعفر (7) ميثم التمار قال: كنت بين يدي مولاي أمير المؤمنين عليه السلام، إذ دخل علينا من الباب رجل مشذب (8) عليه قباء أدكن (9) قد اعتم بعمامة صفراء، وقد تقلد بسيفين، فنزل من غير سلام

    1) " الكرخي " ط.
    2) " الطلب الفواجرى " العيون.
    3) " القبحى " العيون.
    4) " الطيب القدورى " العيون.
    5) كذا.
    6) " أبى جرير " العيون.
    7) " أبى سالم " ط. ولم ترد كنيته هكذا الا في هذا الموضع من الرواية، ففى بقية الرواية وفى العيون والفضائل " أبى جعفر "، ولعله هو الارجح على ما رواه الشيخ المفيد في الارشاد - في كيفية قتل ميثم - ان ميثم التمار كان عبدا لامرأة من بنى أسد، فاشتراه أمير المؤمنين عليه السلام منها، فاعنقه فقال له: ما اسمك ؟ فقال: سالم فقال: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن اسمك الذى سماك به أبواك في العجم " ميثم ".
    قال: صدق الله ورسوله، وصدقت يا أمير المؤمنين، والله انه لاسمي.
    قال: فارجع الى اسمك الذى سماك به رسول الله صلى الله عليه وآله ودع سالما.
    فرجع الى ميثم واكننى ب‍ " أبى سالم ".
    وأما أولاده فهم: صالح وحمزة وعمران.
    وللاطلاع أكثر على شخصيته (رض) راجع رجالى الكشى: 8 ح 135 - 137، السيد الخوئى: 19 / 94 رقم 12916.
    8) مشذب: طويل ليس بكثير اللحم.
    9) دكن: مال لونه الى السراد، فهو أدكن.



    [ 33 ]

    ولم ينطق بكلام، فتطاول إليه الناس بالاعناق، ونظروا إليه [بالاماق، ووقفت إليه الناس من جميع] الافاق ومولانا أمير المؤمنين عليه السلام وإليه التسليم لا يرفع رأسه إليه.
    فلما هدأت من الناس الحواس، فصح عن لسان كأنه حسام صقيل جذب من غمده وقال: أيكم المجتبى في الشجاعة، والمعمم بالبراعة، والمدرع بالقناعة ؟ أيكم المولود في الحرم، والعالي في الشيم، والموصوف بالكرم ؟ أيكم أصلح الرأس، والثابت الاساس، والبطل الدعاس (1) والمضيق للانفاس، والاخذ بالقصاص ؟ أيكم غصن أبي طالب الرطيب [وبطله المهيب والسهم المصيب] والقسم النجيب ؟ أيكم الذي نصر به محمد صلى الله عليه وآله في زمانه فاعتز به سلطانه، وعظم به شأنه ؟ أيكم قاتل العمرو بن، وآسر العمرو بن - العمرو ان اللذان قتلهما: عمرو بن عبدود وعمرو بن الاشعب المخزومي، والعمرو ان اللذان أسرهما: عمرو بن معد يكرب وعمرو بن سعيد الغساني أسره في يوم بدر.
    قال أبو جعفر ميثم التمار: فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أنايا سعد (2) بن الفضل بن الربيع بن مدركة بن الصليب بن الاشعث بن أبي السمعمع بن الا حبل بن فزارة بن دعبل (3) بن عمرو الدويني (4) فقال: لبيك يا علي.
    فقال عليه السلام: سل ما بدالك، فأنا كنز الملهوف، وأنا الموصوف بالمعروف.
    أنا الذي قرعتني الصم الصلاب، وهطل بأمري السحاب، وأنا المنعوت بالكتاب.
    أنا الطور (5) ذو الاسباب، أنا " ق، والقرآن المجيد " أنا النبأ العظيم، أنا الصراط المستقيم

    1) الدعاس: الطعان.
    2) " سعيد " العيون.
    3) " دهيل " العيون.
    4) في رواية ابن شاذان هكذا " يا مالك يا أبا سعد بن الفضل بن الربيع بن مدركة بن نجيبة بن الصلت بن الحارث بن الاشعث بن السميمع الدوسى ".
    5) " الطود " العيون.



    [ 34 ]

    أنا البارع، أنا العسوس (1) أنا القلمس، أنا العفرس (2) أنا المدعس (3) أنا ذو النبوة والسطوة، أنا العليم، أنا الحليم، أنا الحفيظ، أنا الرفيع، وبفضلي نطق كل كتاب وبعلمي شهد ذووا الالباب، أنا علي أخو رسول الله صلى الله عليه وآله وزوج ابنته، وأبو بنيه فقال الاعرابي: بلغنا عنك أنك تحبي الموتى، وتميت الاحياء، وتفقر وتغني وتقضي في الارض [وتمضي ليس لك مطاول يطاولك، ولا مصاول فيصاولك.
    أفهو كما بلغنا يافتى قومه ؟] فقال عليه السلام: قل ما بدالك.
    فقال: إني رسول إليك من ستين ألف رجل يقال لهم " العقيمة " وقد حملوا معي ميتا قد مات منذ مدة، وقد اختلفوا في سبب موته، وهو على باب المسجد، فان أحييته علمنا أنك صادق نجيب الاصل، وتحققنا أنك حجة الله في الارض، وإن لم تقدر على ذلك رددته إلى قومه وعلمنا أنك تدعي غير الصواب، وتظهر من نفسك ما لا تقدر عليه.
    فقال: يا أبا جعفر اركب بعيرا وطف في شوارع الكوفة ومحالها وناد: من أراد أن ينظر إلى ما أعطى الله عليا أخا رسول الله وبعل فاطمة الزهراء من الفضل و [ما أودعه رسول الله من] العلم فليخرج إلى النجف غدا.
    فلما رجع ميثم قال له أمير المؤمنين عليه السلام: خذ الاعرابي إلى ضيافتك [فغداة غد سيأتيك الله بالفرج.
    قال أبو جعفر ميثم ]: فأخذت الاعرابي ومعه محمل فيه الميث (4) وأنزلته منزلي، وأخدمته أهلي.
    فلما صلى أمير المؤمنين عليه السلام صلاة الفجر خرج وخرجت معه، ولم يبق في الكوفة بر ولافاجر [إلا] وقد خرج إلى النجف.
    [ثم] قال الامام عليه السلام: ائت يا أبا جعفر بالاعرابي وصاحبه الميت.
    فأتى بهما النجف

    1) العسوس: الطالب للصيد.
    2) العفرس: السابق السريع، الاسد.
    3) المدعس: الطعان.
    4) " صاحب الميت " ط. تصحيف.


    [ 35 ]

    ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: يا أهل الكوفة قولوا فينا ما ترونه منا، وارووا.
    (1) عنا ما تسمعونه [منا] ثم قال عليه السلام: أبرك يا أعرابي جملك هذا، وأخرج صاحبك - أنت وجماعة [من] المسلمين - من التابوت.
    فقال ميثم: فاخرج من التابوت عصب ديباج (2) أصفر فاحل فإذا تحته عصب ديباج أخضر، واحل فإذا تحته بدنة (3) من اللؤلؤ فيها غلام [ثم إعذاره (4)] بذوائب كذوائب المرأة الحسناء.
    فقال أمير المؤمنين عليه السلام: كم لميتك هذا ؟ فقال: أحد وأربعون يوما.
    فقال: وكيف كانت ميتته ؟ قال الاعرابي: إن أهله يريدون أن تحييه ليعلموا من قتله، لانه بات سالما وأصبح مذبوحا من اذنه إلى اذنه.
    فقال عليه السلام: من يطلب دمه ؟ فقال: خمسون رجلا من قومه يقصد بعضهم بعضا في في طلب دمه، فاكشف الشك والريب يا أخا رسول الله صلى الله عليه وآله.
    قال عليه السلام: قتله لانه زوجه يا بنته فخلاها وتزوج غيرها، فقتله حنقا عليه.
    فقالوا: لسنا نرضى بقولك، وإنما نريد أن يشهد الغلام (5) بنفسه عند أهله [على] من قتله ويرتفع من بينهم السيف والفتنة.
    فقام عليه السلام، فحمد الله تعالى وأثنى عليه وصلى على النبي وآله، ثم قال: يا أهل الكوفة، ما بقرة إسرائيل بأجل عند الله تعالى من علي أخي رسول الله، إنها أحيت (6) ميتا بعد سبعة أيام.
    ثم دنا عليه السلام من الميت، وقال: إن بقرة بني إسرائيل ضرب ببعضها الميت فعاش وإني لاضربه ببعضي لان بعضي عند الله خير من البقرة، ثم هزه برجله اليمنى وقال:

    1) " أوردوا " ط.
    2) العصب: ضرب من البرود. والديباج: الثوب الذى سداه ولحمته من الحرير.
    3) بدنة: قميص لاكم له درع قصيرة.
    4) اعذاره: شده.
    5) " الكلام " ط. تصحيف.
    6) " أحياه الله " ط. تصحيف.



    [ 36 ]

    قم باذن الله يا [مدرك بن] حنظلة بن غسان بن بحير بن فهم (1) بن سلامة بن طيب بن مدركة بن الاشعث بن الاحوص بن ذاهلة (2) بن عمر بن الفضل بن حباب (3) قم فقد أحياك علي باذن الله تعالى.
    فنهض غلام أحسن من الشمس أضعافا، وأوضأ (4) من القمر أوصافا، وقال: لبيك لبيك يا محيي العظام، ويا حجة الله على الانام، المتفرد بالفضل والانعام لبيك يا أمير المؤمنين، وياوصي رسول رب العالمين، يا علي بن أبي طالب.
    فقال أمير المؤمنين عليه السلام: من قتلك يا غلام ؟ فقال: عمي حريث بن زمعة بن ميكال بن الاصم (5).
    ثم قال عليه السلام للغلام: انطلق إلى أهلك.
    فقال: لا حاجة لي في القوم.
    فقال عليه السلام: ولم ؟ قال: أخاف أن يقتلني ثانيا [ولا تكون أنت فمن يحيني] ؟ فالتفت إلى الاعرابي فقال: امض أنت إلى أهلك.
    فقال الاعرابي: أنا معك ومعه إلى أن يأتي (6) اليقين (7).
    (8) وكانا مع أمير المؤمنين عليه السلام إلى أن قتلا بصفين رحمهما الله، فصار أهل الكوفة إلى أماكنهم، واختلفوا في أقوالهم وأقاويلهم فيه عليه السلام.


    1) " قهر " العيون.
    2) " واهلة " العيون.
    3) في رواية ابن شاذان هكذا: " مدرك بن حنظلة بن غسان بن يحيى بن سلامة بن الطبيب ".
    4) أوضا: أحسن.
    5) في رواية ابن شاذان هكذا " حبيب بن غسان ".
    6) " يأتيك " ط.
    7) اليقين: الاجل.
    8) أورده في عيون المعجزات: 24 بنفس الاسناد مثله، عنه مدينة المعاجز: 38 ح 64 (وعن البرسى). ورواه ابن شاذان في الفضائل: 1، وفى الروضة في الفضائل: 143 (مثله)، عنهما البحار: 40 / 274 ح 40، والموصلي في درر بحر المناقب: 101 (مثله)، عنه احقاق الحق: 8 / 726.



    [ 37 ]

    13 - ومنها: حدثنا عبد المنعم بن الاحوص [يرفعه برجاله] عن عمار بن ياسر قال: كنت بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام إذا بصوت قد أخذ جامع الكوفة فقال: يا عمار ائت بذي الفقار [الباقر للاعمار ].
    فجئته [بذي الفقار] فقال: اخرج يا عمار وامنع الرجل عن ظلامة المرأة، فان تركها وإلا منعته بذي الفقار.
    قال عمار: فخرجت فإذا أنا برجل وامرأة قد تعلفا بزمام جمل، والمرأة تقول: الجمل لي.
    والرجل يقول: الجمل لي.
    فقلت: إن أمير المؤمنين ينهاك عن ظلم [هذه] المرأة.
    فقال: يشتغل علي بشغله ويغسل يده من دماء المسلمين الذين قتلهم بالبصرة (1) أيريد أن يأخذ جملي ويدفعه إلى هذه المرأة الكاذبة ؟ ! قال عمار: فرجعت لاخبر مولاي، وإذا به قد خرج ولاح الغضب في وجهه فقال عليه السلام: ويلك خل جمل هذه المرأة ! فقال: هو لي.
    فقال أمير المؤمنين عليه السلام: كذبت يالعين.
    قال: فمن يشهد أنه للمرأة يا علي ؟ فقال عليه السلام: الشاهد الذي لا يكذبه أحد من أهل الكوفة.
    فقال الرجل: إذا شهد شاهد وكان صادقا سلمته إلى المرأة.
    فقال علي عليه السلام: أيها الجمل لمن أنت ؟ فقال بلسان فصيح: يا أمير المؤمنين وياسيد الوصيين، أنا لهذه المرأة منذ بضع عشرة سنة.
    فقال عليه السلام: خذي جملك، وعارض الرجل بضربة فقسمه نصفين(2).

    1) " بالنهر " ط. تصحيف.
    2) رواه في عيون المعجزات: 29 باسناده عن ابى التحف المصرى، عن شحيح (نجيح) ابن اليهودي الصباغ الحلبي، عن حبر (جبير) بن شقاوة، عن عبد المنعم بن الاحوص (مثله)، عنه مدينة المعاجز: 67 ح 161.
    وأورده ابن شاذان في الفضائل: 64، عنه البحار: 40 / 267 ح 37.
    وأخرجه ابن طاووس في اليقين: 72 ب 93 عن كتاب الاربعين لابن أبى الفوارس بالاسناد عن ابراهيم بن على العلوى الحسينى، عن الشيخ شهريار بن تاج الفارسى


    [ 38 ]

    14 - ومنها: حدثني سعيد بن مرة، يرفعه إلى عمار بن ياسر أنه قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام جالسا في دار القضاء، فنهض إليه رجل يقال له " صفوان بن الاكحل " وقال: يا أمير المؤمنين أنا رجل من شيعتك، وعلي ذنوب، واريد أن تطهرني منها [في الدنيا] لارتحل إلى الاخرة وما علي ذنب.
    فقال عليه السلام: أعظم ذنوبك ما هو ؟ قال: أنا ألوط بالصبيان.
    [فقال عليه السلام هو ذنب عظيم عظيم] ثم قال (1): أيما أحب إليك ضربة بذي الفقار أو اقلب عليك جدارا، أو أضرم لك نارا، فان ذلك جزاء من ارتكب ما ارتكبته ؟ فقال: يا مولاي أحرقني بالنار.
    فقال عليه السلام: يا عمار اجمع له ألف حزمة من قصب فأنا أضرمه، غدا بالنار، وقال للرجل: امض وأوص.
    قال: فمضى الرجل وأوصى بماله [وعليه] وقسم ماله بين أولاده، وأعطى كل ذي حق حقه، ثم بات على باب الحجرة التي (2) ببيت نوح عليه السلام شرقي جامع [الكوفة]

    عن أبى القاسم أحمد بن طاهر السورى، عن الشيخ أبى المختار، عن أبى النجيب على بن محمد، عن الاشعث بن مرة، عن الليثى، عن سعيد، عن هلال بن كيسان، عن الطيب القواصرى، عن عبد الله بن سلمة المنتجى، عن سفارة بن الاصيمد البغدادي، عن ابن حريز، عن أبى الفتح المغاز لى، عن عمار بن ياسر (مثله)، عنه البحار: 41 / 236 ح 7.
    1) في ط هكذا " فقال عليه السلام: وهى ذنب عظيم عظيم، فقال عليه السلام: أعظم ذنوبك ماهى ؟ قال: أنا ألوط بالصبيان، فقال ". والصحيح ما أثبتناه.
    2) " على باب حجرة أمير المؤمنين عليه السلام " العيون. عن كتاب محمد بن المثنى، عن جعفر بن محمد بن شريح، عن ذريح المحاربي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن حد المسجد - أي مسجد الكوفة... الى أن قال - وسألته عن بيت على فقال: " إذا دخلت فهو من عضادته اليمنى الى ساحة المسجد، وكان بينه وبين بيت نبى الله خوخة " يريد ببيت نبى الله: بين نوح وهو المقام الملاصق للمنبر الموجود الان... راجع تاريخ الكوفة: 26 للسيد البراقى.



    [ 39 ]

    فلما صلى فلما صلى أمير المؤمنين (عليه السلام وأنجانا الله به من الهلكة) قال: يا عمار، ناد بالكوفة: اخرجوا وانظروا كيف يحرق علي رجلا من شيعته بالنار.
    فقال أهل الكوفة: أليس قالوا إن شيعة علي ومحبيه لا تأكلهم النار ؟ وهذا رجل من شيعته تحرقه النار ! بطلت إمامته، فسمع ذلك أمير المؤمنين عليه السلام.
    [قال عمار:] فخرج الامام وأخرج الرجل، وبنى عليه ألف حزمة [من القصب] وأعطاه مقدحة وكبريتا وقال له: اقدح واحرق نفسك، فان كنت من شيعة علي وعارفيه ما تمسك النار، وإن كنت من المخالفين المكذبين فالنار تأكل لحمك وتكسر عظمك.
    قال: فقدح النار على نفسه، واحترق القصب وكان على الرجل ثياب بيض لم تعلقها (1) النار، ولم يقربها الدخان، فاستفتح الامام وقال: كذب العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيدا، وخسروا خسرانا مبينا.
    ثم قال: أنا قسيم الجنة والنار، وشهد [لي] بذلك حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله في مواطن كثيرة.
    وفيه قال عامر بن ثعلبة: علي حبه جنة (2) * قسيم النار والجنة وصي المصطفى حقا * إمام الانس والجنة (3). (4).

    1) تعلقها: تنشب بها.
    2) في الحديث " الامام جنة - بضم الجيم - " أي يتقى به ويستدفع به الشر. (مجمع البحرين: 6 / 230).
    3) وينسب هذا الشعر أيضا للشافعي كما في احقاق الحق: 15 / 188. وذكر ابن الفوطى في رواية أوردها في مجمع الاداب في معجم الالقاب: 3 / 594 أن أحمد بن حنبل كان قد أنشده أيضا.
    4) رواه في عيون المعجزات: 29 بنفس الاسناد (مثله)، عنه مدينة المعاجز: 40 ح 70.
    وأورده ابن شاذان في الفضائل: 74 عن عمار (مثله)، عنه البحار: 42 / 43 ح 16.
    ولهذه القصة نظير من وجه، فراجع الوسائل ج 18 ص 423 باب سقوط الحد بالتوبة.



    [ 40 ]

    15 - ومنها: روى خالص بن ثعلبة، عن عمار بن ياسر قال: كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام وقد خرج من الكوفة إذ عبر بالضيعة التي يقال لها " النخيلة " (1) على فرسخين من الكوفة فخرج منها خمسون رجلا من اليهود وقالوا: أنت علي بن أبي طالب الامام ؟ فقال: أنا ذا.
    فقالوا: لنا صخرة مذكورة في كتبنا عليها اسم ستة من الانبياء، وها نحن نطلب الصخرة فلا نجدها، فان كنت إماما فأوجدنا الصخرة ؟ فقال علي عليه السلام: اتبعوني.
    قال عمار: فسار القوم خلفه إلى أن استبطن [بهم] البر وإذا بجبل من رمل عظيم، فقال: أيتها الريح انسفي الرمل عن الصخرة.
    فما كان إلا ساعة حتى نسفت الريح الرمل عن الصخرة، وظهرت الصخرة، فقال عليه السلام: هذه صخرتكم.
    فقالوا: عليها اسم ستة من الانبياء على ما سمعناه وقرأناه في كتبنا ولسنا نرى عليها الاسماء [فقال عليه السلام: الاسماء] التي عليها فهي على وجهها الذي على الارض، فاقلبوها، فاعصوصب (2) عليها ألف رجل فما قدروا على قلبها.
    فقال علي عليه السلام: تنحوا عنها فمد يده إليها وهو راكب فقلبها، فوجدوا عليها إسم ستة من الانبياء أصحاب الشريعة: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام.
    فقال نفر [من] اليهود: نشهد أن إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأنك أمير المؤمنين وسيد الوصيين وحجة الله في أرضه، من عرفك سعد ونجا، ومن خالفك ضل وغوى، وإلى الجحيم هوى، جلت مناقبك عن التحديد، وكثرت

    1) " النخلة " ط. " البجلة " العيون والفضائل. وكلها تصحيف لما في المتن. والنخيلة - تصغير نخلة -: موضع بقرب الكوفة على سمت الشام، وهو الموضع الذى خرج إليه على عليه السلام لما بلغه ما فعل بالانبار من قتل عامله عليها، وخطب خطبة مشهورة ذم فيها أهل الكوفة... (معجم البلدان: 5 / 278).
    2) اعصوصب: اجتمع.



    [ 41 ]

    آثار نعمك عن التعديد(1).
    16 - ومنها: حدثنا أبو التحف، قال: حدثنا محمد بن محمد بن عمرو بن حريث عن سعيد بن الاروع اللسعاني، قال: [حدثنا] سمرة بن الاصعب، عن مالك بن ثقيف، عن حمزة العطار الكوفي السبعي، عن سهيل بن وهب، عن الجراح المذكور (2) عن عبد الغفار بن ودود الجرهمي، قال: حدثنا سعيد بن عبد الكريم عن حذيفة اليمان قال: كنا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله إذ حفنا صوت عظيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: انظروا ما دهاكم ونزل بكم ! فخرجنا إلى ظاهر المدينة، فإذا بأربعين راكبا على أربعين ناقة حمراء بأربعين مركبا من العقيق، وعلى كل واحد بدنة من اللؤلؤ، وعلى رأس كل واحد قلنسوة مرصعة بالجواهر الثمينة يقدمهم غلام لانبات بعارضيه (3)

    1) رواه في عيون المعجزات: 31 باسناده عن أبى التحف المصرى، عن الحسن بن أبى الحسن السورانى - يرفعه الى - عمار بن ياسر مثله. عنه وعن البرسى مدينة المعاجز: 84 ح 209. وأورده ابن شاذان في الفضائل: 73، وفى الروضة: 36 ح 160. ورواه ابن أبى الفوارس في الاربعين: 41 عن الشيخ زكى الدين أحمد بن محمد عن القاضى شرف الدين بن أبى بكر النيشابوري، عن الحسن بن أبى الحسن العلوى عن جبير بن الرضا، عن عبد مسهر، عن سلمة بن الاصهب، عن كيسان بن أبى عاصم عن مرة بن سعد، عن أبى محمد بن جعديان، عن القائد أبى نصر بن منصور التسترى عن أبى عبد الله المهاطى، عن أبى القاسم القواس، عن سليم النجار، عن حامد بن سعيد عن خالص بن ثعلبة، عن عبد الله بن خالد بن سعيد العاص (كذا في اليقين، وفى احقاق الحق: عن سعيد بن العاص) عنه اليقين: 63 ب 87. وأخرجه في البحار: 41 / 257 ح 18 عن اليقين والفضائل والروضة، وفى احقاق الحق: 8 / 734 عن الاربعين.
    2) كذا.
    3) العارض: الخد، يريد لاشعر فيهما.



    [ 42 ]

    كأنه فلقة قمر، وهو ينادي: الحذار، الحذار، البدار (1) البدار إلى محمد المختار [المبعوث في الاقطار ].
    قال حذيفة: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرته، فقال: يا حذيفة، انطلق إلى حجرة كاشف الكرب، وهازم العرب، الليث الهصور (2) واللسان الشكور [والطرف النائي الغيور] والبطل الجسور، والعالم الصبور الذي جرى اسمه في التوراة والانجيل والزبور.
    قال حذيفة: فأسرعت إلى حجرة مولاي علي عليه السلام اريد [إخباره] فإذا به قد لقيني وقال: يا حذيفة ! جئتني لتخبرني بقوم أنا بهم عالم منذ خلقوا وولدوا ! قال حذيفة: فأقبل سائرا وأنا خلفه حتى دخل المسجد، والقوم حافون برسول الله صلى الله عليه وآله.
    فلما رأوه نهضوا له قياما، فقال صلوات الله عليه: كونوا على أماكنكم.
    فلما استقر به المجلس، قام الغلام الامرد قائما دون أصحابه وقال: أيكم الراهب إذا انسدل الظلام ؟ أيكم المنزه عن عبادة الاوثان والاصنام ؟ أيكم الشاكر لما أولاه المنان ؟ أيكم الساتر عورات النسوان ؟ أيكم الصابر يوم الضرب والطعان ؟ أيكم قاتل الاقران، ومهدم البنيان، وسيد الانس والجان ؟ أيكم أخو محمد [المصطفى] المختار، ومبدد المارقين في الاقطار ؟ أيكم لسان الصادق، ووصيه الناطق ؟ أيكم المنسوب إلى أبي طالب بالولد، والقاعد للظالمين بالرصد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي أجب الغلام، وقم بحاجته.
    فقال عليه السلام: أنا يا غلام، ادن مني فاني [اعطيك سؤالك و] اشفي غليلك بعون الله تعالى ومشيئته، فانطق بحاجتك لابلغك امنيتك، وليعلم المسلمون إني سفينة النجاة [وعصا موسى] والكلمة الكبرى، والنبأ العظيم [الذي هم فيه مختلفون] والصراط

    1) البدار: السرعة.
    2) الهصور: الشديد.
    الاسد لانه يهصر فريسته أي يكسرها كسرا.



    [ 43 ]

    المستقيم، الذي من حاد عنه ضل وغوى.
    فقال الغلام إن معي أخا وهو مولع بالصيد والقنص، وخرج في بعض أيامه متصيدا، فعارضته [عشر] بقرات وحش، فرمى إحداها وقتلها فانفلج (1) نصفه في الوقت، وقل كلامه حتى لا يكلمنا إلا إيماءا، وقد بلغنا أن صاحبكم يدفع عنه ونحن من بقايا قوم عاد، نسجد للاصنام ونقتسم بالازلام (2).
    فان شفى صاحبكم أخي آمنا على يده، ونحن تسعون ألفا، فينا البأس والنجدة والقوة والشدة، ولنا الكنوز من الذهب والفضة.
    نحن سباق جلاد، سواعدنا شداد وأسيافنا حداد، وقد أخبرتكم بما عندي.
    فقال أمير المؤمنين عليه السلام: وأين أخوك يا غلام ؟ فقال: سيأتي في هودج له.
    فقال عليه السلام: إذا جاء أخوك شفيت علته.
    [فالناس على مثل ذلك] إذ أقبلت امرأة عجوز تحت (3) محمل على جمل فأنزلته بباب المسجد، فقال الغلام: جاء أخي يا علي.
    فنهض عليه السلام ودنا من المحمل، وإذا فيه غلام له وجه صبيح، فلما نظر إليه بكى الغلام، وقال بلسان ضعيف: إليكم الملجأ والمشتكى يا أهل بيت النبوة.
    فقال أمير المؤمنين عليه السلام: اخرجوا الليلة إلى البقيع فستجدون من علي عجبا.
    قال [حذيفة ]: فاجتمع الناس من العصر في البقيع إلى أن هدا الليل، ثم خرج إليهم أمير المؤمنين عليه السلام وقال لهم: اتبعوني.
    فاتبعوه، فإذا بنارين متفرقة قليلة وكثيرة، فدخل في النار القليلة.
    قال حذيفة: فسمعنا زمجرة كزمجرة الرعد، فقلبها على النار الكثيرة، ودخل فيها

    1) الفالج: داء يحدث في أحد شقى البدن فيبطل احساسه وحركته.
    2) الازلام: جمع زلم - بفتح الزاى - قداح - أي سهام - لاريش لها ولانصل، كانوا يتفاءلون بها - أي في الجاهلية - في أسفارهم وأعمالهم... (مجمع البحرين: 6 / 79).
    3) كذا، والصحيح " بجنب " كما في الفضائل.



    [ 44 ]

    ونحن بالعبد [عنه] وننظر إلى النيران إلى أن أسفر الصبح، ثم طلع منها وقد كنا آيسنا منه، فجاء وبيده رأس دوره سبعة عشر إصبعا، له عين واحدة في جبهته، فأقبل إلى المحمل، وقال: قم باذن الله يا غلام، ما عليك من بأس.
    فنهض الغلام ويداه صحيحتان ورجلاه سالمتان، فانكب على رجل أمير المؤمنين عليه السلام يقبلها (1) وأسلم، وأسلم القوم الدين كانوا معه، والناس متحيرون فلا يتكلمون.
    فالتفت عليه السلام إليهم وقال: أيها الناس هذا رأس لعمر بن الاخيل بن لاقيس بن إبليس، كان في إثني عشر ألف فيلق من الجن وهو الذي فعل بالغلام ما فعل، فقاتلتهم وضربتهم بالاسم المكتوب على عصا موسى عليه السلام التي ضرب بها الحجر فانفلق، فماتوا كلهم، فاعتصموا بالله تعالى وبنبيه ووصيه، (2) 17 - ومنها: حدثنا القاضي أبو الحسن علي [بن] القاضي الطبراني، عن القاضي سعيد بن يونس المعروف بالقاضي الانصاري المقدسي، قال: حدثني المبارك بن صافي، عن خالص بن أبي سعيد، عن وهب الجمال، عن عبد المنعم بن سلمة، عن وهب الزايدي، عن القاضي يونس بن ميسرة المالكي، عن الشيخ المعتمر الرقي، قال: حدثنا صحاف الموصلي، عن الرئيس أبي محمد بن جميلة، عن حمزة البارزي الجيلاني، عن محمد بن دخيرة، عن أبي جعفر ميثم التمار قال: كنت بين يدي مولاي أمير المؤمنين عليه السلام إذ دخل غلام وجلس في وسط المسلمين

    1) " وقبلها " ط.
    2) رواه في عيون المعجزات: 32 باسناده عن أبى التحف مرفوعا الى حذيفة. عنه مدينة المعاجز: 102 ح 275. وأورده ابن شاذان في الفضائل: 159، والروضة: 152 ح 159 عن ابن عباس، عنهما البحار 391 / 186 ح 25.



    [ 45 ]

    فلما فرغ عليه السلام من الاحكام، نهض إليه الغلام.
    وقال: يا أبا تراب أنا إليك رسول، فصف لي (1) سمعك، واخل إلي ذهنك وانظر إلى ما خلفك وإلى مابين يديك، فقد جئتك برسالة تتزعزع لها الجبال، من رجل حفظ كتاب الله من أوله إلى آخره، وعلم علم القضايا والاحكام، وهو أبلغ منك في الكلام، وأحق منك بهذا المقام، فاستعد للجواب، ولا تزخرف المقال.
    فلاح الغضب في وجه أمير المؤمنين عليه السلام وقال لعمار: إركب جملك وطف في قبائل الكوفة، وقل لهم: أجيبوا عليا، ليعرفوا الحق من الباطل، والحلال من الحرام، والصحة من السقم.
    [قال ميثم:] فركب عمار [وخرج] فما كان إلا هنيئة حتى رأيت العرب كما قال الله تعالى: (إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون) (2) فضاق جامع الكوفة بهم، وتكاثف الناس كتكاثف الجراد على الزرع الغض في أوانه فنهض العالم الاورع، والبطين الانزع صلوات الله عليه، ورقى من المنبر مراق (3) ثم تنحنح، فسكت الناس، فقال: رحم الله من سمع فوعى، أيها الناس إن معاوية يزعم أنه أمير المؤمنين، وأن لا يكون الامام إماما حتى يحيي الموتى، أو ينزل من السماء مطرا، أو يأتي بما يشاء كل ذلك مما يعجز عنه غيره، وفيكم من يعلم أني الاية الباقية، والكلمة التامة والحجة البالغة، ولقد أرسل إلي معاوية اهلا من جاهلية العرب، ففسح في كلامه وعجرف (4) في مقاله، وأنتم تعلمون أني لو شئت لطحنت عظامه طحنا، ونسفت الارض من تحته نسفا، وخسفتها عليه خسفا، إلا أن احتمال الجاهل صدقة [عليه ].


    1) " الان " ط.
    2) يس: 53. وفى ط هكذا " ان كانت الا صيحة فإذا هم من الاجداث الى ربهم ينسلون " تصحيف.
    3) مراق: درجات.
    4) العجرفة: التكبر، الجفوة في الكلام.



    [ 46 ]

    ثم حمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي وآله، وأشار بيده اليمنى إلى الجو فدمدم، وأقبلت غمامة، وعلت سحابة، وسمعنا منها قائلا (1) يقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين، وياسيد الوصيين، ويا إمام المتقين ويا غياث المستغيثين، وياكنز الطالبين، ومعدن الراغبين.
    فأشار إلى السحابة، فدنت.
    قال ميثم: فرأيت الناس كلهم قد أخذتهم السكرة، فرفع رجله وركب السحابة وقال لعمار: اركب معي وقل: (بسم الله مجريها ومرسيها) (2).
    فركب عمار، وغابا عن أعيننا، فلما كان بعد ساعة أقبلت السحابة حتى أظلت جامع الكوفة، فالتفت فإذا مولاي عليه السلام جالس على دكة القضاء، وعمار بين يديه والناس حافون به، ثم قام وصعد المنبر وأخذ بالخطبة المعروفة ب‍ " الشقشقية " (3).
    فلما فرغ منها اضطرب الناس، وقالوا فيه أقاويل مختلفة، فمنهم من زاده الله إيمانا ويقينا، ومنهم من ازداد (4) كفرا وطغيانا.
    قال عمار: قد طارت بنا السحابة في الجو، فما كان إلا هنيئة حتى أشرفنا على بلد كبير حواليه أشجار وأنهار، فنزلت بنا السحابة، وإذا نحن في مدينة كبيرة، كثيرة الناس يتكلمون بكلام غير العربية، فاجتمعوا عليه ولاذوا به.
    فوعظهم وأنذرهم بمثل كلامهم، ثم قال: يا عمار اركب.
    ففعلت ما أمرني به، فأدركنا جامع الكوفة.
    ثم قال لي: يا عمار تعرف البلدة التي كنت فيها ؟ قلت: الله أعلم ورسوله ووليه.
    قال: كنا في الجزيرة السابعة من الصين، أخطب كما رأيتني، إن الله تبارك

    1) " فإذا " ط.
    2) هود: 41.
    3) وتشتمل هذه الخطبة الشريفة على الشكوى من أمر الخلافة، ثم ترجيح صبره عنها، ثم مبايعة الناس له.
    4) استظهرناها، وفى ط " زاده ".



    [ 47 ]

    وتعالى أرسل رسوله صلى الله عليه وآله إلى كافة الناس، وعليه أن يدعوهم ويهدي المؤمنين منهم إلى صراط مستقيم، فاشكر ما أوليتك من نعمة، واكتمه (1) عن غير أهله، فان لله تعالى ألطافا خفية في خلقه لا يعلمها إلا هو ومن ارتضى من رسول (2).
    ثم قالوا له: قد أعطاك الله تعالى هذه القدره الباهرة وأنت تستنهض الناس على قتال معاوية ؟ ! فقال: إن الله تعالى تعبدهم بمجاهدة الكفار والمنافقين والناكثين والقاسطين والمارقين، والله لو شئت لمددت يدي هذه القصيرة في أرضكم هذه الطويلة، وضربت بها صدر معاوية بالشام، وأخذت بها من شاربه - أو قال: من لحيته - فمد يده عليه السلام وردها وفيها شعرات كثيرة، وتعجبوا من ذلك.
    ثم اتصل الخبر بعد مدة طويلة بأن معاوية سقط من سريره في اليوم الذي كان مد يده عليه السلام وغشي عليه ثم أفاق وافتقد من شاربه ولحيته شعرات.
    وروى أنه عليه السلام قال - لما تعجب الناس -: ولا تعجبوا من أمر الله سبحانه فان آصف [بن برخيا] كان وصيا، وكان عنده علم من الكتاب - على ما قصه الله تعالى في كتابه - [فأتى بعرش بلقيس من سبأ إلى بيت المقدس قبل أن يرتد إلى سليمان طرفه وأنا أكبر قدرة منه] فان عندي علم الكتاب كله (قال الله تعالى: (ومن عنده علم الكتاب) ماعنى به إلا عليا عليه السلام وصي رسول الله صلى الله عليه وآله (3) والله لو كسرت (4) لي

    1) استظهرناها، وفى ط والعيون " واكتم ".
    2) رواه في عيون المعجزات: 35 عن أبى التحف المصرى، عن القاضى الطبراني مرفوعا الى أبى جعفر ميثم التمار مثله، عنه مدينة المعاجز: 90 ح 229.
    3) يظهر أنه من كلام الراوى، والاية في سورة الرعد: 43. والروايات الواردة في هذا المعنى كثيرة، فقد روى الكليني في الكافي: 1 / 229 ح 6 باسناده عن ابن اذينه، عن بريدة العجلى، عن أبى جعفر عليه السلام في قوله عزوجل (ومن عنده علم الكتاب) قال: ايانا عنى، وعلى عليه السلام أولنا وخيرنا وأفضلنا بعد النبي صلى الله عليه وآله. راجع تأويل الايات 1 / 228.
    4) " طرحت " العيون.



    [ 48 ]

    الوسادة وجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الانجيل بانجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم(1). وهذا الفصل من كلامه عليه السلام معروف مشهور بين المؤالف والمخالف(2).
    18 - ومنها: حدثنا عبد المنعم بن سلمة، عن صالح بن ورقا الكوفي، عن جبير بن الحبيب البغدادي، قال: حدثنا عبد المنعم بن الملواح الجرهمي قال: حدثنا بكار بن بشر القمي، قال: حدثنا الوزير محمد بن سعيد بن ثعلبة، يرفعه إلى جابر بن عبد الله الانصاري قال: كان لي ولد وقد اعتل علة صعبة، فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله أن يدعو له، فقال: سل عليا فهو مني وأنا منه.
    فتداخلني قليل ريب، فجئته وهو يصلي.
    فلما فرغ من صلاته، سلمت عليه، فحدثته بما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لي: نعم.
    ثم [قام و] دنا من نخلة كانت هناك فقال: أيتها النخلة ! من أنا ؟ فسمعت منها أنينا كأنين النساء الحوامل [إذا أرادت] أن تضع ما معها (3).
    ثم سمعتها تقول: يا [أيها] (4) الانزع البطين، أنت أمير المؤمنين، ووصي رسول رب العالمين.
    أنت الاية الكبرى، وأنت الحجة العظمى. وسكتت.
    فالتفت عليه السلام [إلي] وقال: يا جابر قد زال الان الشك من قلبك، وصفى ذهنك اكتم (5) ما سمعت ورأيت عن غير أهله(6).

    1) أورده في عيون المعجزات: 37، قال: روت الشيعة من طرق شتى: أن قوما اجتمعوا على أمير المؤمنين عليه السلام وقالوا... وذكر مثله، عنه مدينة المعاجز: 79 ح 197.
    2) راجع تفصيل ذلك في كتابنا " جامع الاخبار والاثار عن الائمة الاطهار عليهم السلام " ج 1 / فضائل القرآن ص 489 ب 5.
    3) " حملها " ظ.
    4) أضفناها للزومها.
    5) زاد في ط " الان ".
    6) رواه في عيون المعجزات: 28 باسناده عن أبى التحف، عن عبد المنعم بن سلمة يرفعه الى جابر الانصاري مثله، عنه مدينة المعاجز: 100 ح 272.
    نفسي على ذكر اسم المرتضى طربت
    وفي سفينة اهل البيت قد ركبت
    اللهم صلي على محمد و ال محمد

    تعليق


    • #3
      [ 49 ]

      19 - ومنها: حدثنا سهل الطبري، عن نزار بن عبد العزيز، عن أبي عبد الله الكاتب البغدادي، عن ميمون بن عبد الرحمان الدباس، قال: حدثني الشيخ أبو محمد البصري، يرفعه إلى عمار بن ياسر قال: كنت بين يدي مولاي أمير المؤمنين عليه السلام إذ دخل عليه رجل وقال: يا أمير المؤمنين إليك المفزع والمشتكى ! فقال عليه السلام: ما قصتك ؟ فقال (1): ابن علي بن دوالب الصيرفي غصبني زوجني وفرق بيني وبين حليلتي، وأنا من حزبك وشيعتك.
      فقال: إئتني بالفاسق الفاجر.
      فخرجت إليه وهو في سوق يعرف بسوق بني الحاضر فقلت: أجب مولانا أمير المؤمنين عليه السلام.
      فنهض قائما وهو يقول: إذا نزل التقدير بطل التدبير.
      فجاء معي حتى أوقفته بين يدي مولاي عليه السلام ورأيت بيده قضيبا من العوسج فلما وقف الصيرفي بين يديه قال: يامن يعلم مكنون الاشياء وما في الضمائر والاوهام، ها أنذا واقف بين يديك وقوف المستسلم الذليل.
      فقال: يالعين ابن اللعين، والزنيم ابن الزنيم، أما تعلم أني أعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور، وأني حجة الله في أرضه وبين عباده، تفتك بحريم المؤمنين ؟ ! أتراك أمنت عقوبتي عاجلا وعقوبة لله آجلا ؟ ! ثم قال عليه السلام: يا عمار، جرده من ثيابه.
      ففعلت ما أمرني به.
      فقام إليه وقال: لا يأخذ قصاص المؤمن غيري.
      فقرعه بالقضيب على كبده وقال: إخسأ لعنك الله.
      قال عمار: [فرأيته - والله - قد] مسخه الله سلحفاة.
      ثم قال عليه السلام: رزقك الله في كل أربعين يوما شربة من الماء، ومأواك القفار

      1) " فقلت: مولاى " ط.



      [ 50 ]

      والبراري، وتلا: (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين) (1).(2).
      20 - ومنها: روي عن المفضل بن عمر أنه قال: سمعت الصادق عليه السلام يقول: إن أمير المؤمنين عليه السلام بلغه عن عمر بن الخطاب شئ، فأرسل سلمان وقال له: قل له: بلغني عنك كيت وكيت، وكرهت أن أعتب عليك في وجهك، فينبغي أن لاتذكر في إلا الحق [فقد أغضيت على القذى] (3) إلى أن يبلغ الكتاب أجله.
      فنهض إليه سلمان وأبلغه ذلك وعاتبه [ثم أخذ في ذكر مناقب أمير المؤمنين عليه السلام ووصف فضله وبراهينه ].
      فقال عمر: يا سلمان عندي كثير من عجائب علي، ولست انكر فضله.
      فقال سلمان: حدثني بشئ مما رأيته، فقال عمر: نعم يا أبا عبد الله، خلوت ذات يوم بابن أبي طالب في شئ من أمر الخمس، فقطع حديثي وقام من عندي وقال: مكانك حتى أعود إليك فقد عرضت لي حاجة.
      فخرج فما كان بأسرع من أن رجع

      1) البقرة: 65.
      2) رواه في عيون المعجزات: 39 عن أبى التحف يرفعه برجاله الى عمار بن ياسر وفى آخره هكذا "... ومأواك القفار والبرارى، هذا جزاء من أعار طرفه وقلبه وفرجه، ثم ولى وتلا (ولقد علمتم الذين... فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين) البقرة: 65 - 66. قال عمار: ثم جعل عليه السلام يقول: يقول قلبى لطرفي * أأنت كنت الدليلا فقال طرفي لقلبي * لانت كنت الرسولا فقلت كفا جميعا * تركتماني قتيلا عنه اثبات الهداة: 5 / 18 ح 327، ومدينة المعاجز: 104 ح 276.
      3) أي صبرت وأمسكت عنك عفوا.



      [ 51 ]

      وعلى ثيابه وعمامته غبار كثير، فقلت له: ما شأنك ؟ قال: أقبل نفر من الملائكة وفيهم رسول الله صلى الله عليه وآله يريدون مدينة بالمشرق يقال لها " جيحون " (1) فخرجت لاسلم عليهم، فهذه الغبرة ركبتني في سرعة المشي.
      فضحكت تعجبا حتى استلقيت على قفاي، فقلت: رجل مات وبلي وأنت تزعم أنك لقيته الساعة، وسلمت عليه ؟ ! هذا من العجائب ! فغضب ونظر إلي وقال: أتكذبني يابن الخطاب ؟ ! فقلت: لا تغضب وعد إلى ماكنا فيه، فان هذا الامر مما لا يكون.
      قال: فان أريتكه حتى لا تنكر منه شيئا، استغفرت الله مما قلت ؟ قلت: نعم.
      فقال: قم معي.
      فخرجت معه إلى طرف المدينة، فقال: اغمض عينيك.
      فغمضتهما فمسحهما بيده ثلاث مرات، ثم قال: افتحهما.
      ففتحتهما، فإذا أنا - والله - يا أبا عبد الله برسول الله في نفر من الملائكة لم انكر منهم شيئا، فبقيت - والله - متحيرا أنظر إليه، فلما أطلت قال لي: هل رأيته ؟ قلت: نعم.
      قال: غمض عينيك، فغمضتهما، ثم قال: افتحهما.
      ففتحتهما، فإذا لاعين ولا أثر.
      قال سلمان: [فقلت له:] هل رأيت من علي عليه السلام غير ذلك ؟ قال: نعم، لاأكف عنك، استقبلني يوما وأخذ بيدي ومضى بي إلى " الجبانة " (2) فكنا نتحدث في الطريق، وكان بيده قوس [فلما خلصنا إلى (3) الجبانة] رمى بقوسه

      1) جيحون:... وهو اسم وادى خراسان على وسط مدينة يقال لها " جيهان " فنسبه الناس إليها، وقالوا " جيحون " على عادتهم في قلب الالفاظ.
      وقال ابن الفقيه: يجئ جيحون من موضع يقال له " ريوساران " وهو جبل يتصل بناحية السند والهند وكابل... (معجم البلدان: 2 / 196).
      2) الجبان في الاصل: الصحراء، وأهل الكوفة يسمون المقابر جبانة... وبالكوفة محال تسمى بها... (معجم البلدان: 2 / 99).
      3) خلص الى المكان: وصل.



      [ 52 ]

      من يده، فصار ثعبانا عظيما مثل ثعبان عصا موسى عليه السلام ففغرفاه وأقبل نحوي ليبلعني فلما رأيت ذلك طارت روحي من الخوف وتنحيت، وضحكت في وجه علي وقلت: الامان، اذكر ماكان بيني وبينك من الجميل.
      فلما سمع هذا القول مني ضرب بيده إلى الثعبان وأخذه، فإذا هو قوسه التي كانت في يده، ثم قال عمر: يا أبا عبد الله فكتمت ذلك عن كل واحد وأخبرتك به إنهم أهل بيت يتوارثون هذه الاعجوبة كابرا عن كابر، ولقد كان عبد الله وأبو طالب يأتون بأمثال ذلك في الجاهلية، وأنا لا انكر فضل علي وسابقته ونجدته وكثرة علمه فارجع إليه واعتذر عني إليه، وأنشر (1) عليه بالجميل(2).
      21 - ومنها: في كتاب " الانوار ": حدث محمد بن أحمد (3) بن عبد ربه، قال: حدثني سليمان بن علي الدمشقي، عن أبي هاشم الرماني، عن زاذان، عن سلمان قال: كان النبي صلى الله عليه وآله ذات يوم جالسا بالابطح وعنده جماعة من أصحابه وهو مقبل علينا بالحديث إذ نظرنا إلى زوبعة قد ارتفعت، فأثارت الغبار، وما زالت تدنو والغبار يعلو إلى أن وقعت بحذاء النبي صلى الله عليه وآله ثم برز منها شخص كان فيها، ثم قال: يارسول الله، إني وافد قوم، وقد استجرنا بك فأجرنا، وابعث معي من قبلك من يشرف على قومنا، فان بعضهم قد بغى علينا، ليحكم بيننا وبينهم بحكم الله وبكتابه وخذ علي العهود والمواثيق المؤكدة أن أرده إليك سالما في غداة غد، إلا أن تحدث علي حادثة من عند الله.
      فقال له النبي صلى الله عليه وآله: من أنت، ومن قومك ؟

      1) نشر الخبر: أذاعه. وفى رواية ابن شاذان: واثق عنى.
      2) أورده في عيون المعجزات: 40 عن المفضل بن عمر مثله، عنه اثبات الهداة: 5 / 18 ح 328، وعنه مدينة المعجزات: 77 ح 192 وعن البرسى وغيرهما. وأورده ابن شاذان في الفضائل: 62 عن الصادق عليه السلام مرسلا مثله، عنه البحار: 42 / 42 ح 15.
      3) " أحمد بن محمد " العيون.



      [ 53 ]

      قال: أنا " عطرفة (1) بن شمراخ " [أحد بني نجاح (2)] أنا وجماعة من أهلي كنا نسترق السمع، فلما منعنا من ذلك وبعثك (3) الله نبيا آمنا بك وصدقناك، وقد خالفنا بعض القوم، وأقاموا على ما كانوا عليه فوقع بيننا وبينهم الخلاف وهم أكثر منا عددا وقوة، وقد غلبوا على الماء والكلا، فابعث معي من يحكم بيننا بالحق.
      فقال له النبي صلى الله عليه وآله: فاكشف لنا عن وجهك حتى نراك على هيئتك التي أنت عليها.
      قال: فكشف لنا عن صورته، فنظرنا فإذا بشخص عليه شعر كثير، وإذا رأسه طويل طويل العينين (4) عيناه في طول رأسه، صغير الحدقتين، في فيه أسنان كأنها أسنان السباع، ثم إن النبي صلى الله عليه وآله أخذ عليه العهد والميثاق على أن يرد عليه في غداة غد من يبعث به معه.
      فلما فرغ من ذلك، التفت إلى أبي بكر وقال له: صر مع عطرفة وانظر إلى ماهم عليه واحكم بينهم بالحق.
      فقال: يارسول الله ! أين هم ؟ قال: هم تحت الارض.


      1) " غطرفة " العيون. " عرفطة " اليقين. وكذا في ما يأتى.
      2) " كاخ " الفضائل واليقين.
      3) كذا في رواية ابن أبى الفوارس، وفى ط، والعيون والفضائل هكذا: " فلما منعنا من ذلك آمنا، ولما بعثك ".
      قال تعالى شأنه: " وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الان يجد له شهابا رصدا " الجن: 9.
      قال في مجمع البيان: 10 / 369 قال البلخى: ان الشهب كانت لا محالة فيما مضى من الزمان، غير أنه لم يكن يمنع بها الجن عن صعود السماء، فلما بعث النبي (ص) منع بها الجن من الصعود.
      وروى في قرب الاسناد: 133 باسناده عن الحسن بن ظريف، عن معمر، عن الرضا عن أبيه عليهما السلام - في حديث طويل - قال: ان الجن كانوا يسترقون السمع قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله، فمنعت في أوان رسالته بالرجوم وانقضاض النجوم.
      لمزيد الاطلاع راجع البحار: 63 / 42 - 130 ب 2.
      4) " العين " ط.



      [ 54 ]

      فقال أبو بكر: كيف اطيق النزول في الارض ؟ وكيف أحكم بينهم ولا أعرف كلامهم ؟ ثم التفت إلى عمر بن الخطاب وقال له مثل قوله لابي بكر، فأجاب مثل جواب أبي بكر، ثم أقبل على عثمان، وقال له مثل ما قال لهما، فأجاب مثل إجاباتهما.
      ثم استدعى عليا (1) عليه السلام وقال له: يا علي صر مع عطرفة، فتشرف على قومه وتنظر إلى ماهم عليه، وتحكم بينهم بالحق.
      فقام أمير المؤمنين عليه السلام مع عطرفة، وقد تقلد سيفه.
      قال سلمان: فتبعته (2) إلى أن صار إلى الوادي، فلما توسطاه (3) نظر إلي أمير المؤمنين عليه السلام وقال: قد شكر الله تعالى سعيك يا أبا عبد الله فارجع.
      فوقفت أنظر إليهما، فانشقت الارض ودخلا فيها وعادت إلى ما كانت، ورجعت و [قد] تداخلني من الحسرة ما الله أعلم به، كل ذلك إشفاقا على أمير المؤمنين عليه السلام.
      فأصبح النبي صلى الله عليه وآله [وصلى بالناس الغداة، وجاء وجلس على الصفا (4) وحف به أصحابه، وتأخر أمير المؤمنين عليه السلام وارتفع النهار، وأكثر الناس الكلام إلى أن زالت الشمس] وقال المنافقون: قد أراحنا الله من أبي تراب، وذهب عنا افتخاره بابن عمه علينا، وأكثروا الكلام إلى أن صلى النبي صلى الله عليه وآله الصلاة الاولى، وعاد إلى مكانه وجلس على الصفا، ومازال أصحابه بالحديث إلى أن وجبت صلاة العصر وأكثروا في الكلام، وأظهروا اليأس من أمير المؤمنين عليه السلام فصلى النبي صلاة العصر وجلس على الصفا، وأظهر الفكر في أمير المؤمنين عليه السلام وظهرت شماتة المنافقين بأمير المؤمنين عليه السلام، وكادت الشمس تغرب فتيقن القوم أنه قد هلك، فإذا [قد] انشق

      1) " بعلى " ط، والعيون.
      2) " فتبعه " ط.
      3) الظاهر " توسطناه ".
      4) الصفا: مكان مرتفع من جبل أبى قبيس، بينه وبين المسجد الحرام عرض الوادي الذى هو طريق وسوق، وإذا وقف الواقف عليه كان قبال الحجر الاسود، ومنه يبتدئ السعي بينه وبين المروة. (مراصد الاطلاع: 2 / 843).



      [ 55 ]

      الصفا، وطلع أمير المؤمنين عليه السلام منه وسيفه يقطر دما ومعه عطرفة.
      فقام النبي صلى الله عليه وآله وقبل بين عينيه وجبينه، وقال له: ما الذي حبسك عني إلى هذا الوقت ؟ فقال عليه السلام: [صرت إلى جن كثيرة - قد بغوا على عطرفة وقومه - من المنافقين] فدعوتهم إلى ثلاث خصال فأبوا علي، وذلك أني دعوتهم إلى الايمان بالله تعالى، والاقرار بنبوتك ورسالتك، فأبوا ذلك كله، ودعوتهم إلى أداء الجزية فأبوا، وسألتهم أن يصالحوا عطرفة وقومه فيكون بعض المرعى لعطرفة وقومه، وكذلك الماء فأبوا ذلك كله، فوضعت سيفي فيهم وقتلت منهم ثمانين ألفا.
      فلما نظروا إلى ماحل بهم، طلبوا الامان والصلح، ثم آمنوا وصاروا إخوانا وزال الخلاف، ومازلت معهم إلى الساعة.
      فقال عطرفة: يارسول الله جزاك الله وأمير المؤمنين عنا خيرا(1).
      22 - ومنها: حدث محمد بن هشام (2) القطان، قال: حدثني الحسن بن الحكيم

      1) أخرجه في عيون المعجزات: 43 عن كتاب الانوار مثله.
      عنه البحار: 18 / 86 ح 4 وج 63 / 90 ح 54، ومدينة المعاجز: 21 ح 29.
      وأورده ابن شاذان في الفضائل: 60 عن زاذان، عن سلمان.
      وفى الروضة: 151 عن أبى سعيد مثله.
      ورواه ابن أبى الفوارس في أربعينه ح 26 باسناده عن على بن الحسين الطوسى، عن تاج الدين مسعود بن محمد الغزنوى، عن الحسن بن محمد، عن أحمد بن عبد الله الحافظ عن الطبراني، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن اسماعيل بن موسى الفزارى، عن تليد بن سليمان، عن أبى الحجاف، عن عطية، عن أبى سعيد الخدرى مثله. عنه اليقين في امرة أمير المؤمنين عليه السلام: 68 ب 90. وأخرجه في حلية الابرار: 1 / 270 عن الانوار، وفى البحار: 39 / 168 ح 9 عن الفضائل والروضة واليقين.
      2) " همام " العيون.



      [ 56 ]

      عن عباد بن صهيب، قال: حدثنا الاعمش، قال: نظرت ذات يوم وأنا في المسجد الحرام إلى رجل كان يصلي فأطال، وجلس يدعو بدعاء حسن إلى أن قال: يا رب إن ذبني عظيم وأنت أعظم منه، فلا يغفر الذنب العظيم إلا أنت يا عظيم.
      ثم انكب على الارض يستغفر ويبكي ويشهق في بكائه، وأنا أسمع واريد أن يرفع رأسه عن سجوده، فاقائله وأسأله عن ذنبه العظيم.
      فلما رفع رأسه أدار إلي وجهه ونظرت في وجهه فإذا وجهه كوجه كلب [ووبره] وبر (1) كلب، وبدنه بدن إنسان.
      فقلت له: يا عبد الله ما ذنبك الذي استوجبت أن يغير [الله به] خلقك ؟ فقال: إن ذنبي عظيم، وما احب أن يسمع به أحد، فما زلت به إلى أن قال: كنت رجلا ناصبيا أبغض أمير المؤمنين عليه السلام واظهر عداوته (2) ولا أكتمها فاجتاز بي ذات يوم رجل وأنا انكر أمير المؤمنين بغير واجب (3) فقال: مالك ! [إن كنت كاذبا] فلا أخرجك الله من الدنيا حتى يشوه خلقك فيكون شهرة في الدنيا قبل الاخرة.
      فبت معافا، فأصبحت فإذا وجهي وجه كلب، فندمت على ماكان مني، قتبت إلى الله مما كنت عليه، وأسأل الله الاقالة والمغفرة.
      قال الاعمش: فبقيت متحيرا متفكرا فيه وفي كلامه، وكنت احدث الناس بما رأيته، وكان المصدق أقل من المكذب(4).
      23 - ومنها: حدثني الشيخ أبو محمد الحسن بن محمد بن نصر، قال: [حدثنا]

      1) الوبر للابل والارانب ونحوها كالصوف للغنم.
      2) " ذلك " العيون.
      3) ظاهرا يريد أنه كان يعيب ويكفر أمير المؤمنين عليه السلام بغير علة.
      وفى العيون هكذا: وأنا أذكر أمير المؤمنين بغير الواجب.
      أي بغير ما يجب أن يذكر به (ع).
      4) رواه في عيون المعجزات: 46 بنفس الاسناد، عنه البحار: 41 / 222 ح 34.



      [ 57 ]

      الاسعد منصور بن الحسن بن علي بن المرزبان، قال: [حدثنا] الاستاد أبو القاسم الحسن بن الحسن الابنوراني، قال: [حدثنا] علي بن موسى الصائغ، قال: [حدثنا] الطيب القواصري، عن سعد بن أبي القاسم الحسين بن مأمون، قال: [حدثنا] أبو نصر محمد بن محمد القاشاني، قال: [حدثنا] أبو يعقوب بن اسحاق بن محمد بن أبان ابن لاحق النخعي أنه سمع مولانا الحسن الاخير عليه السلام يقول: سمعت أبي يحدث عن جده علي بن موسى عليه السلام [أنه قال: اعتل صعصعة بن صوحان العبدي (1) فعاده مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في جماعة من أصحابه، فلما (2) استقر بهم المجلس فرح صعصعة، فقال أمير المؤمنين عليه السلام:] لا تفتخرن على إخوانك بعيادتي إياك.
      ثم نظر إلى فهر (3) في وسط داره، فقال لاحد أصحابه: ناولنيه.
      فأخذه منه وأداره في كفه، فإذا به سفر جلة رطبة فدفعها إلى أحد أصحابه وقال: قطعها قطعا وادفع إلى كل واحد منا قطعة، وادفع إلى صعصعة قطعة، وإلي قطعة.
      ففعل ذلك، فأدار مولانا عليه السلام القطعة من السفر جلة في كفه، فإذا بها تفاحة فدفعها إلى ذلك الرجل وقال له: اقطعها وادفع إلى كل واحد قطعة، وإلى صعصعة [قطعة] وإلي قطعة.
      ففعل ذلك، فأدار مولانا علي عليه السلام قطعة التفاحة في كفه فإذا هي (4) حجر فهر.
      فرمى به إلى وسط الدار، فأكل صعصعة قطعتين واستوى جالسا وقال: شفيتني وزدت في إيماني وإيمان أصحابك، صلوات الله عليك يا أمير المؤمنين(5) .

      1) ترجم له السيد الخوئى في رجاله: 9 / 108 رقم 5914. وأورد رواية عيادة أمير المؤمنين عليه السلام له نقلا عن رجال الكشى: 67 ح 121.
      2) " فقال " ط.
      3) الفهر: حجر رقيق تسحق به الادوية.
      4) " به " ط.
      5) رواه في عيون المعجزات: 47 باسناده عن الحسن بن محمد بن محمد بن نصر يرفعه الى محمد بن أبان النخعي (مثله)، عنه مدينة المعاجز: 71 ح 179.



      [ 58 ]

      24 - ومنها: روي عن اسحاق السبيعي قال: دخلت مسجد الكوفة فإذا أنا بشيخ لاأعرفه ودموعه تسيل على خديه، فقلت له: يا شيخ ما يبكيك ؟ فقال: إني كنت رجلا يهوديا: وكانت لي ضيعة في ناحية " سورا " (1) فدخلت الكوفة بطعام على حمير اريد بيعه، فبينا أنا أسوق الحمير إذا فتقدتها من بين يدي، وكأن الارض ابتلعتها، فأتيت منزل الحارث الهمداني، وكان لي صديقا، وشكوت إليه ما أصابني، فأخذ بيدي ومضى بي إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأخبرته الخبر، فقال للحارث: انصرف إلى منزلك فاني ضامن الحمير والطعام.
      وأخذ أمير المؤمنين عليه السلام بيدي فمضى بي حتى انتهى إلى الموضع الذي فقدت الحمير [فيه] فوجه وجهه إلى القبلة ورفع يده إلى السماء، ثم سجد وسمعته يقول: والله ما على هذا عاهدتموني، وبايعتموني يا معشر الجن، وأيم الله لئن لم تردوا على اليهودي حميره وطعامه لانقضن عهدكم ولاجاهدنكم في الله حق جهاده.
      فوالله ما فرغ من كلامه حتى رأيت الحمير والطعام عليها تتجول حولي، فتقدم إلي يسوقها فسقتها وهو معي حتى انتهى إلى الرحبة، فقال: يا يهودي عليك بقية من الليل فضع عن حميرك (2) حتى تصبح، فوضعت عنها.
      ثم قال لي: ليس عليك بأس، ودخل المسجد، فلما فرغ من صلاته وطلعت الشمس، خرج إلي وعاونني على حمل الطعام، فبعته واستوفيت ثمنه، وقضيت حوائجي، فقلت له - عند فراغي من أمري -: أشهد أن لاإله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، و [أشهد] أنك عالم هذه الامة وخليفة الله على الجن والانس، فجزاك الله عن الاسلام وأهل الذمة خيرا.


      1) سورا: موضع من أرض باب، وقيل مدينة تحت الحلة وكورة قريبة من الفرات.
      وسوراء - بالمد والهمز - موضع قيل: الى جنب بغداد، وقيل: بغداد نفسها.
      (مراصد الاطلاع: 753).
      2) أي ألق ما عليها من حمل وطعام.



      [ 59 ]

      ثم انطلقت إلى ضيعتي، وأقمت بها، ثم اشتقت إلى لقائه الان، فسألت عنه ؟ فقالوا: قبض، فجلست حيث تراني أبكي عليه صلوات الله عليه صلاة داعية إلى يوم الدين(1).
      25 - ومنها: روي عن أبي ذر الغفاري أنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض غزواته في زمان الشتاء، فلما أمسينا هبت ريح باردة، وعلتنا غمامة هطلت غيثا، فلما انتصف الليل جاء عمر بن الخطاب ووقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: إن الناس قد أخذهم البرد، وقد ابتلت المقادح والزناد [فلم توقد] وقد أشرفوا على الهلكة لشدة البرد.
      فالتفت النبي صلى الله عليه وآله إلى أمير المؤمنين وقال: قم يا علي واجعل لهم نارا.
      فقام عليه السلام وعمد إلى شجر أخضر، فقطع غصنا من أغصانه وجعل لهم منه نارا (2) وأوقد منها في كل مكان، واصطلوا بها، وشكروا الله تعالى وأثتوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى أمير المؤمنين عليه السلام(3).

      1) روى الخصيبى في الهداية الكبرى: 126 عن أبى الحسن محمد بن يحيى الفارسى عن جعفر بن حباب، عن محمد بن على الادمى، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبى حمزة الثمالى، عن أبى اسحاق القرشى (نحوه). وأورد المسعودي في اثبات الوصية: 148 عن أبى اسحاق السبيعى مرسلا (مثله) والديلمي في ارشاد القلوب: 274 بالاسناد الى أبى حمزة الثمالى، عن السبيعى (نحوه)، عنه البحار: 39 / 189 ح 26.
      وأخرج ابن شهر اشوب في المناقب: 2 / 306 نقلا عن المعجزات والروضة ودلائل ابن عقدة عن أبى اسحاق السبيعى والحارث الاعور (نحوه)، عنه البحار المذكور ص 182 ضمن ح 23، ومدينة المعاجز: 49 ح 94.
      2) قال تعالى في سوره يس: 80: (الذى جعل لكم من الشجر الاخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون).
      3) أورده في عيون المعجزات: 47 عن أبى ذر (مثله) عنه مدينة المعاجز: 84 ح 210.



      [ 60 ]

      26 - ومنها: [ما] روي عن الاصبغ بن نباتة، قال: دخلت في بعض الايام على أمير المؤمنين عليه السلام في جامع الكوفة، وإذ ابجم غفير ومعهم عبد أسود، فقالوا: يا أمير المؤمنين هذا العبد سارق.
      فقال له الامام عليه السلام: أسارق أنت يا غلام ؟ فقال له: نعم.
      فقال له مرة ثانية: أسارق أنت يا غلام ؟ فقال له: نعم يا مولاي.
      فقال له الامام عليه السلام: إن قلتها ثالثة قطعت يمينك.
      فقال له: أسارق أنت يا غلام ؟ قال: نعم يا مولاي.
      فأمر الامام عليه السلام بقطع يمينه، فقطعت، فأخذها بشماله هي تقطر دما، فلقيه ابن الكوا (1) - وكان يشنأ (2) أمير المؤمنين عليه السلام - فقال له: من قطع يمينك ؟ قال: قطع يميني الانزع البطين، وباب اليقين، وحبل الله المتين، والشافع يوم الدين، المصلي إحدى وخمسين.
      وقال: قطع يميني إمام التقى، ابن عم المصطفى، شقيق النبي المجتبى، ليث الثرى، غيث الورى، وحتف العدى، ومفتاح الندى، ومصباح الدجى.
      قطع يميني إمام الحق، وسيد الخلق، فاروق الدين، وسيد العابدين، وإمام المتقين، وخير المهتدين، وأهل السابقين، وحجة الله على الخلق أجمعين.
      قطع يميني إمام بدري حجازي، مكي مدني، بطحي أبطحي، هاشمي قرشي أريحي مولوي، طالبي لوذعي، الولي الوصي.
      قطع يميني داحي باب خيبر، وقاتل مرحب ومن كفر، وأفضل من حج واعتمر وهلل وكبر، فصام وأفطر، وحلق ونحر.


      1) ذكر ابن عبد ربه في العقد الفريد: 5 / 93: ان عليا عليه السلام لما اختلف عليه أهل النهروان والقرى وأصحاب البرانس ونزلوا قرية يقال لها: " حروراء " وذلك بعد وقعة الجمل، رجع إليهم على بن أبى طالب عليه السلام فقال لهم: يا هؤلاء ! من زعيمكم ؟ قالوا: ابن الكوا....
      2) يشنأ: يبغض مع عداوة وسوء خلق.



      [ 61 ]

      قطع يميني شجاع جرئ، جواد سخي، بهلول شريف الاصل، ابن عم الرسول وزوج البتول، وسيف الله المسلول، المردودة له الشمس عند الافول.
      قطع يميني، صاحب القبلتين، الضارب بالسيفين، الطاعن بالرمحين، وارث المشعرين، لم يشرك بالله طرفة عين، ذو كفين، وأفصح كل ذي شفتين، أبو السيدين الحسن والحسين.
      قطع يميني عين المشارق والمغارب، تاج لؤي بن غالب، أسد الله الغالب علي ابن أبي طالب، عليه من الصلاة أفضلها، ومن التحيات أكملها.
      فلما فرغ الغلام من الثناء مضى لسبيله، ودخل عبد الله بن الكوا على الامام عليه السلام فقال له: السلام عليك يا أمير المؤمنين.
      فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: السلام على من اتبع الهدى، وخشي عواقب الردى فقال له: يا أبا الحسنين إنك قطعت يمين غلام أسود وسمعته يثني عليك بكل جميل.
      فقال: وما سمعته يقول ؟ قال: يقول كذا وكذا، وأعاد عليه جميع ما قال الغلام.
      فقال الامام عليه السلام لولديه الحسن والحسين عليهما السلام: أمضيا وائتياني بالعبد.
      فمضيا في طلبه فوجداه في كندة، فقالا له: أجب أمير المؤمنين يا غلام.
      قال: فلما مثل بين يدي أمير المؤمنين، قال له الامام: قطعت يمينك وأنت تثني علي بما قد بلغني ! فقال: يا أمير المؤمنين ما قطعتها إلا بحق واجب أوجبه الله ورسوله.
      فقال [الامام عليه السلام ]: أعطني الكف فأخذ الامام الكف وغطاه بالرداء، وكبر وصلى ركعتين وتكلم بكلمات، وسمعته يقول في آخر دعائه: " آمين رب العالمين " وركبه على الزند، وقال لاصحابه: اكشفوا الرداء عن الكف.
      فكشفوا الرداء، وإذا الكف على الزند، باذن الله.



      [ 62 ]

      ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: ألم أقل لك يابن الكوا ؟ إن لنا محبين لو قطعناهم إربا إربا ما ازدادوا لنا إلا حبا، ولنا مبغضين لو ألعقنا (1) لهم العسل ما ازدادوا لنا إلا بغضا، وهكذا من يحبنا ينال شفاعتنا يوم القيامة(2).
      27 - ومنها: قد ذكر أن أعثم الكوفي - وهو رجل معاند - قال: لما كان يوم صفين برز رجل من أهل الشام فقال [له] أمير المؤمنين عليه السلام: ارجع فلابد خلفك ابن آكلة الاكباد نار جهنم.
      قال الشامي: الساعة يبين (3) أي منا يدخل نار جهنم.
      قطعنه أمير المؤمنين عليه السلام برمحه ودفعه على الهواء، فصاح اللعين، وقال: يا أمير المؤمنين ! لقد رأيت نار جهنم وأصبحت من النادمين.
      فقال عليه السلام: " ألان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين " (4).
      28 - ومنها: روى (5) ابن جرير الطبري باسناد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله قال: لما فعل أولاد يعقوب عليه السلام ما فعلوه، وعادوا إليه فسألهم عنه ؟ فقالوا: أكله الذئب.
      فلم يصدقهم، وخرجوا من عنده إلى الصحراء، فأصابوا ذئبا وقبضوا عليه وأحضروه بين يدي يعقوب عليه السلام فنطق الذئب بالسلام عليه.
      فقال له يعقوب عليه السلام: أكلت ابني ؟ فقال: يا نبي الله ! والله ما أكلت لحم إنسي قط

      1) لعق العسل ونحوه: لحسه وتناوله بلسانه أو اصبعه.
      2) أورد هذا الحديث جماعة من الافاضل وفى كتب الفريقين بألفاظ مختلفة، ذكرنا أكثرها عند تحقيق كتاب الخرائج والجرائح: 2 / 561 ح 19، فراجع.
      3) يبين: يتضح ويظهر.
      4) اقتباس قوله تعالى في سورة يونس: 91.
      عند غرق فرعون وايمانه وقتئذ.
      5) " قال " ظاهرا. وقد صرح المصنف باسمه ولقبه وكيته في بداية الباب الثالث أيضا الى أواخر الكتاب في صدر أكثر الاخبار، كما سترى - جريا على عادة القدماء.



      [ 63 ]

      وإنك لتعلم أن لحوم الانبياء ولحوم أولادهم تحرم على الوحش، ولست من بلادك هذه، وإنما قدمتها الساعة.
      فقال له: ومن أين أنت ؟ وما أقدمك هذه البلاد ؟ فقال: أنا من أرض مصر، اجتزت بهذه البلاد قاصدا لزيارة أخ لي بخراسان.
      فقال يعقوب عليه السلام: وما قصدك بهذه الزيارة ؟ فقال الذئب: كنت مع أبيك نوح عليه السلام في السفينة، فأخبرني عن جبرئيل عليه السلام عن الله (سبحانه وتعالى) أنه " من زار أخا له في الله تعالى لا لرياء (1) أو سمعة ولاطلب محمدة كتب له بكل خطوة عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات " (2).
      فقال يعقوب عليه السلام: وما تصنع أيها الذئب بهذه الزيارة، وأنتم معشر الوحوش لا تثابون على طاعة ولا تعاقبون على معصية ! ؟.
      فقال الذئب: أجعل ثواب ذلك لعلي بن أبي طالب عليه السلام وصي سيد المرسلين ولشيعته.
      فقال يعقوب عليه السلام لبنيه: اكتبوا الخبر عن الذئب.
      فقال الذئب: إنا معشر البهائم لا نكلم إلا نبيا أو وصيا ! فأملى عليهم ليكتبوا [ثم] (3) قال يعقوب عليه السلام: زودوا ذئبنا.
      فقال الذئب: والله ما ازددت زادا قط، ولا حاجة بي إلى زودتك.
      فقال يعقوب عليه السلام: ولم داك ؟ فقال الذئب:

      1) " للرياء " ط. تصحيف.
      2) راجع في ذلك الكافي: 2 / 170 (باب زيارة الاخوان)، والبحار: 74 / 342 باب 21.
      3) أضفناها للزومها.



      [ 64 ]

      لانني قد صحبت خالق الاجساد و - الارزاق وهو لا يترك جسدا بغير رزق(1).
      29 - ومنها: منقول هذا الخبر من المجلد الثاني عشر من تاريخ محمد النجار شيخ المحدثين بالمدرسة المستنصرية، باسناد مرفوع إلى أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لما أراد الله أن يهلك قوم نوح عليه السلام أوحى (2) إليه أن شق ألواح الساج (3) فلما شقها لم يدر مايصنع بها، فهبط جبرئيل فأراه هيئة السفينة، ومعه تابوت بها (4) مائة ألف مسمار وتسعة وعشرون ألف مسمار، فسمر بالمسامير كلها السفينة إلى أن بقيت خمسة مسامير.
      فضرب بيده إلى مسمار فأشرق بيده وأضاء كما يضئ الكوكب الدري في افق السماء، فتحير نوح عليه السلام فأنطق الله ذلك المسمار بلسان طلق ذلق(5).
      فقال: أنا على اسم خير الانبياء " محمد بن عبد الله ".
      فهبط جبرئيل عليه السلام فقال له: ماهذا المسمار الذي ما رأيت مثله ؟ فقال: هذا باسم سيد الانبياء " محمد بن عبد الله " صلى الله عليه وآله أسمره (6) على أولها على جانب السفينة الايمن.
      ثم ضرب بيده إلى مسمار ثان، فأشرق وأنار، فقال نوح عليه السلام: وما هذا المسمار ؟

      1) أخرج نحوه في المخلاة: 533 عن الثعلبي وتلميذه من المفسرين.
      أقول: روى الشريف أبو يعلى محمد بن شريف أبو القاسم حسن الاقساسى باسناده من طريق الجمهور في كتابه في تفسير قصيدة اللامى حديث كلام الذئب مع أمير المؤمنين عليه السلام ما لفظ آخره: قال - أي الامام عليه السلام -: وكيف تكون شريفا وأنت ذئب ؟ قال: شريف لانى من شيعتك، وأخبرني أبى أنى من ولد ذلك الذئب الذى اصطاده أولاد يعقوب، فقالوا: هذا أكل أخانا بالامس، وانه متهم.
      2) " أوحى الله " ط.
      3) الساج: شجر عظيم صلب الخشب.
      4) " معها " ط. تصحيف.
      5) أي فصيح بليغ ذو حدة.
      6) أي شده. ومنه: سمر اللوح أي شده بالمسمار.



      [ 65 ]

      فقال: هذا مسمار أخيه وابن عمه سيد الاوصياء علي بن أبي طالب عليه السلام فأسمره على جانب السفينة الايسر في أولها.
      ثم ضرب بيده إلى مسمار ثالث، فزهر وأشرق وأنار: فقال [جبرئيل ]: هذا مسمار فاطمة عليها السلام فأسمره إلى جانب مسمار أبيها.
      ثم ضرب بيده إلى مسمار رابع، فزهر وأنار.
      فقال: هذا مسمار الحسن عليه السلام فاسمره إلى جانب مسمار أبيه.
      ثم ضرب: بيده إلى مسمار خامس، فزهر وأنار وأظهر النداوة، فقال جبرئيل عليه السلام: هذا مسمار الحسين عليه السلام فأسمره إلى الجانب الايسر من مسمار أبيه.
      فقال نوح عليه السلام: يا جبرئيل ما هذه النداوة ؟ فقال: هذا الدم.
      فذكر قصة الحسين عليه السلام وما تعمل الامة به، لعن الله قاتله [وظالمه وخاذله ](1).
      1) أخرجه في البحار: 11 / 228 ح 49 وج 44 / 230 ح 12 عن الخرائج والجرائح.
      نفسي على ذكر اسم المرتضى طربت
      وفي سفينة اهل البيت قد ركبت
      اللهم صلي على محمد و ال محمد

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
      x
      يعمل...
      X