أنّ النبي صلى الله عليه وآله قال: بعثت لأتمم مكارم الأخلاق .
ولا التباس في ذلك ، فإنّ أمر المعاد والمعاش لاينتظم ، ولا يتهنأ طالبه إلا بالخُلق الكريم ، فلا تتوهم أن العمل الصالح الكثير ينفع من دون تهذيب الخلق وتقويمه ، بل يجيئ الخلق السيئ فيُفسد العمل الصالح ، كما يفسد الخلّ العسل فأي نفع فيما عاقبته الفساد
ولاتتوهّم أنّ العلم الكثير ينفع من دون إصلاح الخلق وتهذيبه ، حاشا وكلا ّ، فإنّ أهل البيت عليهم السلام قالوا: لا تكونوا علماء جبّارين ، فيذهب بحقكم باطلُكم
ولا تتوهّم أنّ صاحب الخلق السيئ ، يقدر أن يتهنّأ بمعاشرة والد أو ولد أو زوج .
أو صديق أو رفيق أو دار أو أستاذ أو تلميذ ..كلا ، بل كلهم يتأذّون منه وينفرون عنه ، وكيف يمكنه اكتساب الكمالات المتفرّقة في الناس ، وأهل الكمال ينفرون منه ويهربون عنه
واعلم أنّ من نظر إلى طريقة أهل البيت عليهم السلام ،وتتبع في أثارهم وجد هدايتهم للخلق ، وجلبهم للدين ، إنما هو بأخلاقهم الكـريمة ،وبذلك أمروا شيعتهم فقالـوا : كونوا دعاة للنـاس بغير ألسنتكم . الكافي
بل يعنون بأخلاقكم الكريمة ، وأفعالكم الجميلة ، حتى تكونوا قدوة لمن اقتدى ،وأسوة لمن تأسّى.
فإذا ظهر أنّ أمر المعاش والمعاد إنما يتمّان بمكارمالأخلاق ، وإنّ إتمام مكارم الأخلاق هو فائدة البعثة ، التي ما صلح الوجود إلا بها، تبيّن أنّ تهذيب الأخلاق مقدّمٌ على كلّ واجب وأهم من كل لازم ، ومع ذلك هو مفتاحكل خير ، والمنبع لكل حسن ، والجالب لكل ثمرة ، والمبدأ لكل غاية.
أنّ لأهل البيت (عليهم السلام) أصولاً في الأخلاق ، وقواعد وضوابط تُعين ملاحظتها على كسب الأخلاق بسهولة ويسر ، لا بتكلف وعسر ، كما يدورعليه كلام علماء الأخلاق.
فإنّ النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أتانا في علم الشريعة بالشريعة السمحة السهلة ، موافقاً لما أخبرنا به ربه عزّ وجلّ ، من أنه يريد بنا اليسر ولايريد بنا العسر ، وأنه ما جعل علينا في الدين من حرج .. كذلك في علم الطريقة فتحلنا أبواب اليسير ، وسدّ عنا أبواب العسير.
فلا يثبطنّك الشيطان عن أخذ نصيبك من علم الأخلاق ، بأن ذلك أمر صعب يتوقف على مجاهدة النفس ، ورياضات بالغة !.. وأين أنت عن ذلك؟!.. فإنا رأينا أهل المجاهدات الشاقة ، والرياضات البالغة ، ماأوصلتهم إلا لمقاصد دنيوية ، ومقامات ردية ، من غير رسوخ لهم بطريقة أهل البيت عليهم السلام ، ولا تشبه لهم في أطوارهم.
أن المطلوب من العبد التخلّق بالأخلاق الكريمة التي بشرفها نسبت إلىالرب ، رب العزة ، فقد ورد عنهم : تخلّقوا بأخلاق الله.
وهي أخلاق محمد (صلى الله عليه واله وسلم) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وشيعتهم.
واعلم أنّ قوام ذلك المعنى ونظامه إنما هو الجلوس على بساط الاستقامة ،ومجانبة الإفراط والتفريط ، فتقرّب إلى الله تعالى بما تيسّر لك من الطاعات ،واجتناب ما يكرهه من السيئات.
وإياك أن تتعلق بالإكثار من الأعمال من دون ملاحظة الضبط والإتقان ، فإن ّأمراً واحداً تتقنه وتضبطه وتوقعه على وجهه على وفق الوضع المراد ،ينتج نتيجه الألوف من الأعمال الحسنة ، لا على وجه الضبط والإتقان، بل الآلاف الكثيرة من الأعمال الحسنة غير المتقنة ، لا تنتج نتيجة واحدة من الأعمال المتقنة المضبوطة ،
بل لا نسبة بينها عند أهل المعرفة والحكمة
تعليق