إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفات المتّقين

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفات المتّقين

    خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفات المتّقين


    من أبلغ الخطب الجامعة في صفات المتّقين وأحوالهم في الدنيا والآخرة ، هي خطبة أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين أسد الله الغالب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) لمّـا سأله همام عن حالات المتّقين ، فأجابه الإمام (عليه السلام) بأروع ما يجاب .
    وإليك الخطبة الشريفة كما في نهج البلاغة :
    « أمَّا بَعْدُ ، فَإنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى خَلَقَ الخَلْقَ حِينَ خَلَقَهُمْ ، فَألْزَمَهُمْ عِبَادَتَهُ ، وَكَلَّفَهُمْ طَاعَتَهُ ، غَنِيَّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ ، آمِناً مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ ، لأنَّهُ لا تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ مَنْ عَصَاهُ ، وَلا تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أطَاعَهُ .
    فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ مَعَايِشَهُمْ ، وَوَضَعَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا مَوَاضِعَهُمْ .
    فَوَصَفَهُمْ فِي الدِّينِ حَيْثُ وَصَفَهُمْ ، لَكِنَّهُ تَعَالى عَلِمَ قُصُورَهُمْ عَمَّـا تَصْلُحُ عَلَيْهِ شُؤُوُهُمْ ، وَيَسْتَقِيمُ دَاءَ أوْدَهُمْ فِي عَاجِلِهِمْ وَآجِلِهِمْ ، فَأدَّبَهُمْ بِأدَبِهِ فِي أمْرِهِ وَنَهْيِهِ ، فَأمَرَهُمْ تَخْيِيراً ، وَكَلَّفَهُمْ يَسِيراً ، وَأثَابَهُمْ كَثِيراً ، وَأمَازَ سُبْحَانَهُ بِعَدْلِ حُكْمِهِ وَحِكْمَتِهِ بَيْنَ المُؤْجِفِ مِنْ أنَامِهِ إلى مَرْضَاتِهِ وَمَحَبَّتِهِ ، وِبَيْنَ المُبْطِئِ عَنْهَا وَالمُسْتَظْهِرِ عَلى نِعْمَتِهِ مِنْهُمْ بِمَعْصِيَتِهِ ، فَذَلِكَ قَوْلُ الله عَزَّ وَجَلَّ : ( أمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أنْ نَجْعَلُهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَواءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) .
    فَالمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أهْلُ الفَضَائِلِ : مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ ، وَمَلْبَسُهُمُ الاقْتِصَادُ ، وَمَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ .
    بَخَعُوا للهِ تَعَالى بِطَاعَتِهِ ، وَخَضَعُوا لَهُ بِعِبَادَتِهِ ، رَاضِينَ عَنْهُ فِي كُلِّ حَالاتِهِ ، غَضُّوا أبْصَارَهُمْ عَمَّـا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمْ ، وَوَقَفُوا أسْمَاعَهُمْ عَلَى العِلْمِ بِدِينِهِ النَّافِعِ لَهُمْ .
    نُزِّلَتْ أنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي البَلاءِ كَالَّتِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاءِ ، رِضىً بِاللهِ عَنِ القَضَاءِ ، وَلَوْلا الأجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أرْوَاحُهُمْ فِي أجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْن ، شَوْقاً إلَى الثَّوَابِ ، وَخَوْفاً مِنَ العِقَابِ .
    عَظُمَ الخَالِقُ فِي أنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أعْيُنِهِمْ ، فَهُمْ وَالجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا ، فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ ، وَهُمْ وَالنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا ، فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ .
    قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ ، وَشُرُورُهُمْ مَأمُونَةٌ ، وَأجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ ، وَحَاجَاتُهُمْ خَفِيفَةٌ ، وَأنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ ، وَمَعُونَتُهُمْ لِلإسْلامِ عَظِيمَةٌ .
    صَبَرُوا أيَّاماً قَصِيرَةً فَأعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَةً . تِجَارَةٌ مُرْبِحَةٌ ، يَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُمْ .
    أرَادَتهُمُ الدُّنْيَا فَلَمْ يُرِيدُوهَا ، وَأسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أنْفُسَهُمْ مِنْهَا .
    أمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أقْدَامَهُمْ ، تَالِينَ لأجْزَاءِ القُرْآنِ يُرَتِّلُونَهُ تَرْتِيلا . يُحَزِّنُونَ بِهِ أنْفُسَهُمْ ، وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ ، وَمَا يُهَيِّجُ أحْزَانَهُمْ بُكَاءً عَنْ ذُنُوبِهِمْ وَجِرَاحِهِمْ وَوَجَعِ كُلُومِهِمْ . فَإذَا مَرُّوا بِآيَة فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إلَيْهَا طَمَعاً ، وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إلَيْهَا شَوْقاً ، وَظَنُّوا أ نَّهَا نُصْبَ أعْيُنِهِمْ . وَإذا مَرُّوا بِآيَة فِيهَا تَخْوِيفٌ أصْغَوْا إلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ ، وَاقْشَعَرَّتْ مِنْهَا جُلُودُهُمْ ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا قُلُوبُهُمْ ، وَظَنُّوا أنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا فِي اُصُولِ آذَانِهِمْ ، فَهُمْ حَانُونَ عَلى أوْسَاطِهِمْ ، مُفْتَرِشُونَ لِجِبَاهِهِمْ وَأكُفَّهِمْ وَرُكَبِهِمْ ، وَأطْرَافِ أقْدَامِهِمْ ، يُمَجِّدُونَ جَبَّاراً عَظِيماً ، تَجْرِي دُمُوعُهُمْ عَلى خُدُودِهِمْ ، يَطْلُبُونَ إلَى اللهِ تَعَالى فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ مِنَ النَّارِ ، قَدْ حَلى فِي أفْوَاهِهِمْ ، وَحَلى فِي قُلُوبِهِمْ طَعْمُ مُنَاجَاتِهِ وَلَذِيذُ الخَلْوَةِ بِهِ ، قَدْ أقْسَمَ اللهُ عَلى نَفْسِهِ بِجَلالِ عِزَّتِهِ لَيُورِثَهُمْ المَقَامَ الأعْلى فِي مَقْعَدِ صَدْق عِنْدَهُ .
    وَأمَّا النَّهَارَ فَحُلَمَاءُ عَلَمَاءُ ، أبْرَارٌ أتْقِيَاءُ . قَدْ بَرَاهُمْ الخَوْفَ بَرْيَ القِدَاحِ ، يَنْظُرُ إلَيْهمُ النَّاظِرُ فَيَحْسَبُهُمْ مَرْضَى ، وَمَا بِالقَوْمِ مِنْ مَرَض ; وَيَقُولُ : لَقَدْ خُولِطُوا ! وَلَقَدْ خَالَطَهُمْ أمْرٌ عَظِيمٌ ! إذَا ذَكَرُوا عَظَمَةَ اللهِ تَعَالى رَبَّهُمْ وَشِدَّةَ سُلْطَانِهِ مَعَ مَا يُخَالِطُهُمْ مِنْ ذِكْرِ المَوْتِ وَأهْوَالِ القِيَامَةِ ، أفْزَعَ ذَلِكَ قُلُوبَهُمْ ، وَطَاشَتْ لَهُ حِلُومُهُمْ ، وَذَهَلَتْ مِنْهُ عَقُولُهُمْ ، فَإذَا اسْتَقَامُوا مِنْ ذَلِكَ بَادَرُوا إلَى اللهِ تَعَالى بَالأعْمَالِ الزَّاكِيَةِ .
    لا يَرْضَوْنَ مِنْ أعْمَالِهِمُ القَلِيلَ ، وَلا يَسْتَكْثِرُونَ الكَثِيرَ . فَهُمْ لأنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ ، وَمِنْ أعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ .
    إذَا زُكِّيَ أحَدٌ مِنْهُمْ خَافَ مِمَّـا يُقَالُ لَهُ ، فَيَقُولُ : أنَا أعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي ، وَرَبِّي أعْلَمُ بِي مِنِّي بِنَفْسِي ! اللَّهُمَّ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ ، وَاجْعَلْنِي أفْضَلَ مِمَّـا يَظُنُّونَ ، وَاغْفِرْ لِي مَا لا يَعْلَمُونَ ، فَإنَّكَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ ، وَسَتَّارُ العُيُوبِ .
    فَمِنْ عَلامَةِ أحَدِهِمْ أنَّكَ تَرَى لَهُ قُوَّةً فِي دِين ، وَحَزْماً فِي لِين ، وَإيْمَاناً فِي يَقِين ، وَحِرْصاً فِي عِلْم ، وَعِلْماً فِي حِلْم ، وَكَيْساً فِي رِفْق ، وَرِفْقاً فِي كَيْس ، وَشَفَقَةً فِي نَفَقَة ، وَفِهْماً فِي فِقْه ، وَقَصْداً فِي غِنىً ، وَخُشُوعاً فِي عِبَادَة ، وَتَجَمُّلا فِي فَاقَة ، وَصَبْراً فِي شِدَّة ، وَرَحْمَةً لِلْمَجْهُودِ ، وَإعْطَاءً فِي حَقٍّ ، وَطَلَباً فِي حَلال ، وَنَشَاطاً فِي هُدىً ، وَتَحَرُّجاً عَنْ طَمَع ، وَاعْتِصَاماً فِي شَهْوَة ، وَبِرَّاً فِي اسْتِقَامَة .
    لا يَغُرُّهُ ثَنَاءُ مَنْ جَهَلَهُ ، وَلا يَدَعُ إحْصَاءَ مَا عَمِلَهُ ، مُسْتَبْطِئاً لِنَفْسِهِ فِي العَمَلِ ، قَدْ أحْيى عَقْلَهُ ، وَأمَاتَ شَهْوَتَهُ ، وَأطَاعَ رَبَّهُ ، وَعَصى نَفْسَهُ ، حَتَّى دَقَّ جَلِيلُهُ ، وَلَطُفَ غَلِيظُهُ ، وَبَرَقَ لَهُ لامِعٌ كَثِيرُ البَرْقِ ، فَأبَانَ لَهُ الطَّرِيقَ ، وَسَلَكَ بِهِ السَّبِيلَ ، وَتَدَافَعَتْهُ الأبْوَابُ إلى بَابِ السَّلامَةِ ، وَدَارِ الإقَامَةِ ، وَثَبُتَتْ رِجْلاهُ لِطَمَأنِينَةِ بَدَنِهِ فِي قَرَارِ الأمْنِ وَالرَّاحَةِ بِمَا اسْتَعْمَلَ قَلْبَهُ ، وَأرْضى رَبَّهُ ، يَعْمَلُ الأعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَهُوَ عَلَى وَجَل .
    يُمْسِي وَهَمُّهُ الشُّكْرُ ، وَيُصْبِحُ وَهَمُّهُ الذِّكْرُ .
    يَبِيتُ حَذِراً ، وَيُصْبِحُ فَرِحاً ; حَذِراً لِمَا حُذِّرَ مِنَ الغَفْلَةِ ، وَفَرِحاً بِمَا أصَابَ مِنَ الفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ .
    نِيَّتُهُ خَالِصَةً ، وَأعْمَالُهُ لَيْسَ فِيهَا غِشٌّ وَخَدِيْعَةٌ .
    نَظَرُهُ عِبْرَةً ، وَسُكُوتُهُ فِكْرَةً ، وَكَلامُهُ حِكْمَةً .
    إنِ اسْتَصْعَبَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِيَْما تَكْرَهُ لَمْ يُعْطِهَا سُؤْلَهَا فِيَما تُحِبُّ .
    قُرَّةُ عَيْنِهِ فِيَما لا يَزُولُ ، وَزَهَادَتُهُ فِيَما لا يَبْقى .
    يَمْزُجُ الحِلْمَ بِالعِلْمِ ، وَالعِلْمَ بِالعَقْلِ ، وَالعَقْلَ بِالصَّبْرِ ، وَالقَوْلَ بِالعَمَلِ .
    تَرَاهُ بَعِيداً كَسَلُهُ ، قَرِيباً أمَلُهُ ، قَلِيلا زَلَلُهُ ، دَائِماً نَشَاطُهُ ، مُتَوَقَّعاً أجَلَهُ ، كَثِيراً ذِكْرُهُ ، مَعْدُوماً كِبْرُهُ ، مَتِيناً صَبْرُهُ ، ذَاكِراً رَبَّهُ ، خَاشِعاً قَلْبُهُ ، عَازِباً جَهْلُهُ ، قَانِعَةً نَفْسُهُ وَبِالَّذي قُدِرَ لَهُ ، مَنْزُوراً أكْلُهُ ، سَهْلا أمْرُهُ ، حَرِيزاً دِيْنُهُ ، مَيِّتَةً شَهْوَتُهُ ، مَكْظُوماً غَيْظُهُ ، صَافِياً خُلْقُهُ ، آمِناً مِنْهُ جَارُهُ ، ناصِحاً فِي السِّرِّ وَالعَلانِيَةِ ، مُنَاصِحاً مُتَباذِلا مُتَوَاضِعاً ، لا يَهْجُرُ أخَاهُ ، وَلا يَغْتَابُهُ ، وَلا يَمْكُرُ بِهِ ، لا يُحَدِّثُ الأصْدِقَاءَ بِالَّذِي يُؤْتَمَنُ عَلَيْهِ ، وَلا يَكْتُمْ شَهَادَةَ الأعْدَاءِ ، وَلا يَعْمَلُ شَيْئاً مِنَ الحَقِّ رِئاءً ، وَلا يَتْرُكُهُ حَيَاءً ، الخَيْرُ مِنْهُ مَأمُولٌ ، وَالشَّرُّ مِنْهُ مَأمُونٌ .
    إنْ كَانَ فِي الغَافِلِينَ كُتِبَ فِي الذَّاكِرِينَ ، وَإنْ كَانَ فِي الذَّاكِرِينَ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ .
    يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ ، وَيُعْطِي مَنْ حَرَمَهُ ، وَيَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ ، لا يَعْزِبُ حُلْمُهُ ، وَلا يَعْجَلُ فِيَما يُرِيْبُهُ ، وَلا يَأسَفُ عَلى مَا فَاتَهُ ، وَلا يَحْزَنُ عَلى مَا أصَابَهُ ، وَيَصْفَحُ عَمَّـا تَبَيَّنَ لَهُ ، وَلا يَرْجُو مَا لا يَجُوزُ لَهُ الرَّجَاءَ ، وَلا يَفْشَلُ فِي الشِّدَّةِ ، وَلا يَبْطُرُ فِي الرَّخَاءِ .
    بَعِيداً فُحْشُهُ ، لَيِّناً قَوْلُهُ ، غَائِباً مُنْكَرُهُ ، حَاضِراً مَعْرُوفُهُ ، صَادِقاً قَوْلُهُ ، حَسَناً فَعْلُهُ ، مُقْبِلا خَيْرُهُ ، مُدْبِراً شَرُّهُ .
    حَيَاؤُهُ يَعْلُو شَهْوَتَهُ ، وَوِدَّهُ يَعْلُو حَسَدَهُ ، وَعَفْوُهُ يَعْلُو حِقْدَهُ .
    فِي الزَّلازِلِ وَقُورٌ ، وَفِي المَكَارِهِ صَبُورٌ ، وَفِي الرَّخَاءِ شَكُورٌ .
    لا يَحِيفُ عَلى مَنْ يُبْغِضُ ، وَلا يَأثَمُ فِيْمَنْ يُحِبُّ ، وَلا يَدَّعِي مَا لَيْسَ لَهُ ، وَلا يَجْحَدُ حَقَّاً هُوَ عَلَيْهِ ، وَيَعْتَرِفُ بِالحَقِّ قَبْلَ أنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ .
    هَشَّاشٌ ، بَشَّاشٌ ، لا بِعَابِس وَلا بِجَسَّاس ، صَلِبٌ كَظِم بَسَّام ، دَقِيقُ النَّظَرِ ، عَظِيمُ الحَذَرِ ، لا يَبْخَلُ ، وَإنْ بُخِلَ عَلَيْهِ صَبَرَ ، لا يُضِيعُ مَا اسْتُحْفِظَ ، وَلا يَنْسَى مَا ذُكِّرَ ، وَلا يُنَابِزُ بِالألْقَابِ ، وَلا يَبْغِي عَلى أحَد ، وَلا يُهِمُّ بِالحَسَدِ ، وَلا يُضَارُّ بِالجَارِ ، وَلا يَشْمَتُ بِالمَصَائِبِ .
    مُؤَدٍّ لِلأمَانَاتِ ، سَرِيعٌ إلَى الخَيْرَاتِ ، بَطِيءٌ عَنِ المُنْكَرَاتِ ، يَأمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَيَفْعَلُهُ ، وَيَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ وَيَجْتَنِبُهُ ، وَلا يَدْخُلُ فِي البَاطِلِ ، وَلا يَخْرُجُ مِنَ الحَقِّ ، عَقِلَ فَاسْتَحْيَا ، وَقَنَعَ فَاسْتَغْنى .
    إنْ صَمَتَ لَمْ يَغمْهُ صَمْتُهُ ، وَإنْ نَطَقَ لَمْ يَعْلُو لَفْظَهُ ، وَإنْ ضَحِكَ لَمْ يَعْلُ صَوْتُهُ .
    لا يَجْمَحُ بِهِ الغَيْظُ ، وَلا يَغْلِبُهُ الهَوى ، وَلا يَقْهَرُهُ الشُّحَّ ، وَلا يَطْمَعُ فِيَما لَيْسَ لَهُ .
    يُخَالِطُ النَّاسَ بِعِلْم ، وَيُفَارِقُهُمْ بِسَلْم ، يَتَكَلَّمُ لِيَغْنَمَ ، وَيَصْمِتُ لِيَعْلَمَ ، وَيَسْألُ لِيَفْهَمَ ، وَيَتَّجِرُ لِيَغْنَمَ ، لا يَنْصِتُ لِلْخَيْرِ فَيَفْخَرَ بِهِ ، وَلا يَتَكَلَّمُ لِيَتَجَبَّرَ بِهِ عَلى مَنْ سِواهُ ، وَإنْ بُغِيَ عَلَيْهِ صَبَرَ حَتَّى يَكُونَ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ هُوَ المُنْتَصِرُ الَّذِي يَنْتَقِمُ لَهُ .
    نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاء ، وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَة .
    أتْعَبَ نَفْسَهُ لآخِرَتِهِ ، وَأرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ .
    بُعْدُهُ عَمَّنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ زُهْدٌ وَنَزَاهَةٌ ، وَدُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنْهُ لِينٌ وَرَحْمَةٌ .
    لَيْسَ تَبَاعُدُهُ بِكِبْر وَعَظَمَة ، وَلا دُنُوُّهُ بِمَكْر وَخَدِيعَة ، بَلْ يَقْتَدِي بِمَنْ سَلَفَ مِنْ أهْلِ الخَيْرِ قَبْلَهُ ، وَهُوَ إمَامٌ لِمَنْ خَلَفَ مِنْ أهْلِ البِرِّ بَعْدَهُ .
    يَا هُمَامُ ، المُؤْمِنُ هَوَ الكَيِّسُ الفَطِنُ ، بِشْرَهُ فِي وَجْهِهِ ، وَحُزْنَهُ فِي قَلْبِهِ .
    أوْسَعَ شَيْء صَدْراً ، وَأذَلَّ شَيْء نَفْساً ، وَأرْفَعَ قَدْراً .
    زَاجِرٌ عَنْ كُلِّ فَان ، حَاضِرٌ عَلى كُلِّ حَسَن .
    لا حَقُودٌ وَلا حَسُود ، وَلا وَثَّابٌ وَلا سَبَّابٌ ، وَلا عَيَّابٌ وَلا مُغْتَاب .
    يَكْرَهُ الرِّفْعَةَ ، وَيَشْنَأُ السُّمْعَةَ ، طَوِيلٌ غَمُّهُ ، بَعِيدٌ هَمُّهُ ، كَثِيرٌ صَمْتُهُ ، مَشْغُولٌ وَقْتَهُ بِمَا يَنْفَعُهُ ، وَقُورٌ ذَكُورٌ ، شَكُورٌ مَغْمُورٌ بِفِكْرَتِهِ ، ظَنِينٌ بِخِلَّتِهِ ، سَهْلُ الخَلِيقَةِ ، لَيِّنُ العَرِيكَةِ ، رَصِينُ الوَفَاءِ ، قَلِيلُ الأذى ، لا مُتَأفِّك وَلا مُتَهَتِّك ، كَثِيرٌ عِلْمُهُ ، عَظِيمٌ حِلْمُهُ .
    لا يَبْخَلُ ، وَلا يَعْجَلُ ، وَلا يَضْجِرُ ، وَلا يَبْطَرُ ، وَلا يَحِيفُ فِي حُكْمِهِ ، وَلا يَجُورَ فِي عِلْمِهِ .
    نَفْسُهُ أصْلَبُ مِنَ الصَّلْدِ ، وَهُوَ أذَلُّ مِنَ العَبْدِ ، وَمُكَادَحَتُهُ أحْلَى مِنَ الشَّهْدِ .
    لا جَشِعٌ ، وَلا هَلِعٌ ، وَلا عَنِفٌ ، وَلا صَلِفٌ ، وَلا مُتَكَلِّفٌ ، وَلا مُتَعَمِّقٌ ، جَمِيلُ المُنَازَعَةِ ، كَرِيمُ المُرَاجَعَةِ ، عَدْلٌ إنْ غَضِبَ ، رَفِيقْ إنْ طُلِبَ ، لا يَتَهَوَّرُ ، وَلا يَتَجَبَّرُ ، خَالِصُ الوِدِّ ، وَثِيقَ العَهْدِ ، وَفِيِّ العَقْدِ ، شَفِيقٌ وَصُولٌ ، حَلِيمٌ ، خَمُولٌ ، قَلِيلُ الفُضُولِ ، رَاض عَنِ اللهِ ، مُخَالِفٌ لِهَوَاهُ ، لا يَغْلِظُ عَلى مَنْ يُؤذِيهِ ، وَلا يَخُوضُ فِيَما لا يَعْنِيهِ ، نَاصِرٌ لِلدِّينِ ، مُحَام عَنِ المُؤْمِنِينَ ، كَهْفٌ لِلْمُسْلِمِينَ ، لا يَخْرِقُ الثَّنَاءَ سَمْعُهُ ، وَلا يَنْكِي الطَّمَعُ قَلْبَهُ ، وَلا يَصْرِفُ اللَّعِبُ حُكْمَهُ ، وَلا يَطَّلِعُ الجَاهِلُ عِلْمَهُ ، قَوَّالٌ فَعَّالٌ ، عَالِمٌ حَازِمٌ ، لا بِفَحَّاش ، وَلا بِطَيَّاش ، وَصُولٌ بِغَيْرِ غُنْج ، بَذُولٌ بِغَيْرِ سَرْد ، لا بِخَتَّار وَلا بِغَدَّار ، لا يَقْتَفِي أثَراً ، وَلا يَحِيفُ بَشَراً ، رَفِيقٌ بِالخَلْقِ ، سَاع فِي الأرْضِ ، عَوْنٌ لِلضَّعِيفِ ، غَوْثٌ لِلَّهِيفِ ، لا يَهْتِكُ سِتْراً ، وَلا يَكْشِفُ سِرَّاً ، كَثِيرُ البَلْوى ، قَلِيلُ الشَّكْوى ، إنْ رَأى خَيْراً ذَكَرَهُ ، وَإنْ عَايَنَ شَرَّاً سَتَرَهُ ، يَسْتُرُ العَيْبَ ، وَيَحْفِظُ الغَيْبَ ، وَيُقِيلُ العَثْرَةَ ، وَيَغْفِرُ الزَّلَّةَ ، لا يَطَّلِعُ عَلى نُصْح فَيَذَرَهُ ، وَلا يَدَعُ حَيْفاً فَيُصْلِحَهُ ، أمِينٌ رَصِينٌ ، تَقِيٌّ رَضِيٌّ ، يَقْبَلُ العُذْرَ ، وَيُجْمِلُ الذِّكْرَ ، وَيُحْسِنُ بِالنَّاسِ الظَّنَّ ، وَيَتَّهِمُ عَلَى العَيْبِ نَفْسَهُ ، يُحِبُّ فِي اللهِ بِفِقْه وَعِلْم ، وَيَقْطَعُ فِي اللهِ بِحَزْم وَعَزْم ، لا يَخْرِقُ بِهِ فَرَحٌ ، وَلا يَطِيشُ بِهِ قَرْحٌ ، مُذَكِّرٌ لِلْعالِمِ ، مُعَلِّمٌ لِلْجاهِلِ ، لا يَتَوَقَّعُ لَهُ بَائِقَةٌ ، وَلا يَخَافُ لَهُ غَائِلَةٌ ، كُلُّ سَعْي عِنْدَهُ أخْلَصُ مِنْ سَعْيِهِ ، وَكُلَّ نَفْس عِنْدَهُ أصْلَحُ مِنْ نَفْسِهِ ، عَالِمٌ بَعَيْبِهِ ، شَاغِلٌ بِغَمِّهِ ، لا يَثِقُ بِغَيْرِ رَبَّهِ ، غَرِيبٌ وَحِيدٌ حَزِينٌ ، يُحِبُّ فِي اللهِ ، وَيُجَاهِدُ فِي اللهِ لِيَتْبَعَ رِضَاهُ ، وَلا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ ، وَلا يُوَالِي فِي سَخَطِ رَبِّهِ ، مُجَالِسٌ لأهْلِ الفَقْرِ ، مُصَادِقٌ لأهْلِ الصِّدْقِ ، مُؤَازِرٌ لأهْلِ الحَقِّ ، عَوْنٌ لِلْغَرِيبِ ، أبٌ لِلْيَتِيمِ ، بَعْلٌ لِلأرْمَلَةِ ، حَفِيٌّ بِأهْلِ المَسْكَنَةِ ، مَرْجُوٌّ لِكُلِّ كَرِيهَة ، مَأمُولٌ لِكُلِّ شِدَّة ، اُوْلَئِكَ شِيْعَتُنَا وَأحِبَّتُنَا وَمِنَّا وَمَعَنَا .
    فصعق همام صعقة كانت نفسه فيها .
    فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : أمَا وَاللهِ لَقَدْ كُنْتُ أخَافُهَا عَلَيْهِ .
    ثمّ قال : أهَكَذَا تَصْنَعُ المَوَاعِظُ البَالِغَةُ بِأهْلِهَا ؟
    فقال له قائل : فما بالك أنت يا أمير المؤمنين ؟
    فقال (عليه السلام) :
    وَيْحَكَ ، إنَّ لِكُلِّ أجَل وَقْتاً لا يَعْدُوهُ ، وَسَبَباً لا يَتَجَاوَزُهُ . فَمَهْلا ، لا تَعُدْ لِمِثْلِهَا ، فَإنَّمَا نَفَثَ الشَّيْطَانُ عَلى لِسَانِكَ !




  • #2
    السلام عليك ياامير المؤمنين علي عليه السلام مااحلى هذه الكلمات المفيده . شكرا لك اخي

    تعليق


    • #3
      جمال وروعة خطبة المتقين تشع نورها في قلوب مواليه
      تحياتي



      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
      x
      يعمل...
      X