إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

معنى الرافضة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • معنى الرافضة

    في بيان معنى الرافضة والمقصود منه
    بقلم : الشيخ لؤي المنصوري
    في بيان معنى الرفض لغة:
    قال الخليل في كتاب العين : (الرفض ترك الشيء. والرفض : الشيء المتحرك المتفرّق. ويجمع على أرفاض..
    والروافض : جند تركوا قائدهم وانصرفوا، كُلّ طائفة منهم رافضة، وهم قوم أيضاً لهم رأي وجدال يسمّون الروافض، والنسبة إليهم رافضي ). (1)
    وقال في الصحاح : (الرفض الترك، وقد رفضه، يرفضَهُ ويرفضُهُ رَفْضاً ورَفَضاً، والشيء رفيض ومرفوض
    والروافض : جند تركوا قائدهم وانصرفوا. .) (2).
    ويمكن الرجوع إلى الكتب اللغوية الأخرى لملاحظة معنى الكلمة إذ إن كلماتهم متقاربة في بيان معنى مادة (ر ف ض).
    والبحث يقع في بيان معنى الرفض في كلمات العلماء، سواء الفقهاء أو المؤرخين، وعلى ماذا تطلق هذه الكلمة ومن أين نشأت.
    فالبحث يقع في ثلاثة محاور
    1 ـ المحور الأوّل : منشأ اطلاق هذه الكلمة وفي أي زمن كان.
    2 ـ المحور الثاني : المراد من هذه الكلمة حينما تطلق.
    3 ـ المحور الثالث : الأمور المترتبة على بيان وتحديد اللفظة.
    المحور الأول : بداية استخدام هذه الكلمة ومتى استعملت.
    ذهب البعض إلى أنّ هذه الكلمة قديمة النشأة، ويرجع زمن استخدامها إلى عصر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، واورد لذلك عدة آثار منقولة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم للتدليل على قولهم، وقد ذكر ابن ابي عاصم في كتاب السنة باباً تحت عنوان (باب في ذكر الرافضة) أورد فيه أربع روايات وهي:
    1 ـ عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يكون قوم يسمون الرافضة يرفضون الإسلام).
    2 ـ عن ام سلمة قالت: كانت ليلتي، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندي، فجاءت إلي فاطمة مسلمة، فتبعها علي، فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأسه فقال : (أبشر يا علي، أنت وأصحابك في الجنّة، إلاّ أنّ ممن يزعم أنّه يحبك قوم يرفضون الإسلام، يلفظونه يقال لهم الرافضة، فإذا لقيتهم فجاهدهم فإنّهم مشركون.
    قلت : وما العلامة فيهم؟
    قال : يشهدون جمعة ولا جماعة ويطعنون على السلف).
    3 ـ عن ابن عبّاس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( يكون في آخر الزمان قوم ينبزون الرافضة، يرفضون الإسلام ويلفظونه، فاقتلوهم فإنّهم مشركون).
    4 ـ عن علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (سيأتي بعدي قوم لهم نبز يقال لهم الرافضة فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإنّهم مشركون.
    قلت : يا رسول الله وما العلامة فيهم؟
    قال : يقرضونك بما ليس فيك، ويطعنون على أصحابي ويشتمونهم). (3)
    وقد حقق كتاب السنة الشيخ السلفي المعاصر محمّد ناصرالدين الألباني، وحكم بضعف هذه الأحاديث.
    وأورد ابن عدي في الكامل في الضعفاء الأحاديث وحكم بضعفها، ففي الحديث الأوّل: كثير النوا أبوإسماعيل الكوفي وذكر بأنّه متروك. (4)
    وكذلك حكم بضعف الحديث الثاني لوجود سوار بن مصعب وهو منكر الحديث كما نص عليه البخاري والنسائي. (5)
    وحكم بضعف الحديث الثالث العقيلي في كتابه الضعفاء الكبير، لأن محمّد بن إسماعيل المؤدب ضعيف. (6)
    والحديث الرابع في سنده محمّد بن أسعد الثعلبي وهو منكر الحديث كما نصّ على ذلك العقيلي والرازي. (7)
    هذه الأحاديث التي استدل بها صاحب الرأي الأوّل لإثبات أنّ هذا المصطلح والاطلاق مستخدم منذ عهده صلى الله عليه وآله وسلم.
    والملاحظ فيها أنّها جميعاً ضعيفة الإسناد، بل في رواتها إما كذّاب أو متروك بحيث لا يمكنها أن تصل حتّى إلى رتبة الحسن لغيره، لأنّ رواتها كما ذكرنا فيهم علّة الكذب أو الترك، فلا ترتقي إلى رتبة الضعيف أو الحسن لغيره.
    فهذا القول لا دليل نقلي أو تاريخي يدل عليه، وإنّما استند إلى روايات تبين أنّها في غاية الضعف.
    ولا بأس بأن نتعرض إلى قراءة سريعة في متون هذه الأخبار المتقدمة لنلاحظ متنها ومدى تناسقه.
    ففي الرواية الأولى أشارت إلى أنّهم يرفضون الإسلام، فظاهر هذه العبارة أنّهم ينكرون الشهادتين، وهذا ارتداد ورجوع عن الدين، لكنهم لم يذكروا فرقة بإسم الرافضة انكرت الإسلام وارتدت عن الدين، فمتنها لا وجود لمصداقه خارجاً.
    وأما الرواية الثانية فرقت أولاً بين طائفتين، طائفة تتبع الإمام علي عليه السلام وهؤلاء مبشرون بالجنّة، وهناك من يدعي أنّه يحب الإمام علي عليه السلام ولكنهم كذّابين لأنّهم يرفضون الإسلام ولا يقبلون به، ودليل ذلك عدم صلاتهم الجمعة ولا يحضرون الجماعة ويطعنون على السلف، وهذه الأمور غير صحيحة، لأنّ الإسلام لا يساوي هذه الأمور الثلاثة، بحيث الإسلام هو عبارة عن صلاة الجمعة والجماعة وعدم تناول السلف، فهذا حاطب بن بلتعة، منع الزكاة وترك حضور الجمعة والجماعة مع النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، لم يكفره النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يخرجه من الدين. (8)
    فلا مبرر لتفكير هؤلاء.
    ثُمّ ورد في المنزه لفظ السلف، وهذه عبارة جديدة ظهرت متأخرة عن زمن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، لأنّ المقصود بالسلف ما كان عليه صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتابعين، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه كان يسب ويشتم هؤلاء كما يعتقدون حيث ورد عنه (إنّما أنا بشر فأيما رجل من المسلمين سبيته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة)(9).
    فعند ذلك لا يمكن أن يرجع ويكفر من ينال من السلف مع أنّه كان ينال منهم ويدعو عليهم ويشتمهم ويسبهم.
    أضف إلى ذلك أنّ البدع ظهرت في القرن الأوّل أي بعد عهد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وفي الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، وهؤلاء خير القرون كما ورد ذلك في حقهم حيث قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : (خير القرون قرني ثُمّ الذين يلونهم ثُمّ الذي يلونهم) كما ورد في صحيح البخاري 3: 151 كتاب الشهادات، صحيح مسلم 1: 122.
    وهذا ينافي ظهور البدع في التابعين وكما نقل ذلك الإمام الذهبي في ميزان الاعتدال في ترجمة آيات بن ثعلب حيث ذكر هناك أن (البدعة على ضربين فبدعة صغرى كغلو التشيع أو كالتشيع بلا غلو ولا تحريف، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق، فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة)(10).
    بل وينافي الحديث الآخر وهو حديث الافتراق القائل : (تفترق هذه الأمة إلى ثلاثة وسبعين فرقة كُلّها في النار إلا واحدة. .)(11).
    حديث ينافي خيرية الأمة والقرون مع هذا الافتراق الكثير. ومن هنا التفت علماء السنة إلى هذا الاشكال فحاولوا التوفيق بينها، وكتب الإمام الصنعاني كتاباً تحت عنوان (افتراق الأمة) لمعالجة المشكلة قال هناك في ص 53 : (إذا عرفت هذا فالحديث قد استشكل من جهتين:
    الجهة الأولى: ما فيه من الحكم على الأكثرية بالهلاك والكون بالنار، وذلك ينافي الأحاديث الواردة في الأمة بأنّها مرحومة وبأنّها أكثر الأمم في الجنّة، منها حديث أنس عنه صلى الله عليه وآله وسلم : (أمتي أمة مرحومة مغفور لها متاب عليها) وغيره مما مليت به كتب السنة من الأحاديث الدالة على سنة رحمة الله لها ولو سردناها لطال الكلام.
    ولما كان حديث افتراق الأمة مشكلاً كما ترى أجاب بعضهم الجهة الثانية من جهتي الاشكال: في تعيين الفرقة الناجية، فقد تكلم الناس فيها كُلّ فرقة تزعم أنّها هي الفرقة الناجية..).
    وأطال الكلام وجال محاولاً الاجابة على الاشكالين، ولكنه وقع في تناقض حيث حدد الفرقة الناجية في الجهة الثانية بما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، مع أنّ الكلام في المنهج المتبع لدى الاصحاب، لأننا وجدناهم أصحاب مشارب مختلفة، فممن نأخذ وعلى من نعتمد في معرفة سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وطريقته؟
    فهذه كُلّها تتنافى مع الحكم بكفر من يتناول السلف مع تناول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم للسلف، وتناول السلف بعضهم لبعض، بل وقع بينهم أكثر من ذلك وهو إسالة الدماء قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى الكبرى 4 : 85 : (لعن أهل صفين بعضهم بعضاً في القنوت، فلعن علي وأصحابه في قنوت الصلاة رجالاً معينين من أهل الشام، وكذلك أهل الشام لعنوا)، وقال في موضع آخر 7: 159 : (أوّل اختلاف وقع افترقت الأمة لأجله وصاروا مختلفين في الكتاب والسنة، وكفر بعضهم بعضاً وقاتل بعضهم بعضاً كما بسطنا هذا في مواضع أخر)، وقال في موضع آخر 23: 36.
    (وليس ذلك بأعظم من قول بعض أكابر الصحابة لبعض أكابرهم قدّام النبي إنّك منافق تجادل عن المنافقين، وقول القائل دعني أضرب عنق هذا المنافق، وليس ذلك بأعظم مما وقع بينهم من التأويل في القتال في الفتن والدعاء في القنوت باللعن وغيره، مع ما ثبت عن النبي من قول : لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض).
    فمن هذا العرض المتقدم يتضح أن لغة السلف لم تكن مستخدمة زمن النبي صلى الله عليه وآله، وأنّ النبي صلى الله عليه وآله كان يتناول بعض السلف، وأنّ السلف المقصود اختلفوا فيما بينهم زمن حياته الشريفة، وأنّهم تقاتلوا وتلاعنوا وتسابوا فيما بعده، وأنّ البدعة ظهرت فيهم، وأنّهم اختلفوا إلى فرق وطوائف متعددة، فلا يمكن أن يكون من هكذا حاله ميزاناً للتكفير ومقياساً للإيمان والشرك.
    الرأي الثاني: أنّ ظهور الكلمة كان في القرن الثاني الهجري عندما ثار زيد الشهيد ضد هشام بن عبدالملك، فاختلف من معه عليه فسمّاهم الرافضة، ففي مسند زيد بن علي :11 قال: (وفي تاريخ اليافعي : لما خرج زيد أتته طائفة كبيرة قالوا له: تبرأ من أبي بكر وعمر حتّى نبايعك.
    فقال: لا أتبرأ منهما.
    فقالوا: إذن نرفضك. قال: اذهبوا فأنتم الرافضة، فمن ذلك الوقت سمّوا رافضة).
    وذهب إلى هذا الرأي ابن تيمية في منهاج السنة 2: 8، والنووي في شرح مسلم 1: 103، وابن خلدون في تاريخه 1: 198، الملل والنحل 1: 30، وابن حبيب في المحبر: 483، وابن السكيت في ترتيب اصلاح المنطق: 176، وابن قتيبة في غريب الحديث 1: 60، والطبري في تاريخه 5: 498.
    إلاّ أنّ هذا القول لم يستند إلى دليل ينهض في التدليل عليه، والرواية المنقولة عن زيد الشهيد لم تثبت بسندٍ معتبر أو نقلٍ يمكن الركون إليه والاستناد عليه، قال نور الله التستري في الصوارم المهرقة: 242 : (كذب محض، لأنّ الشيعة لو لم يعلموا علماً قطعياً بأنّ زيداً رضي الله عنه على ما عليه آبائه عليهم السلام من فساد حال الشيخين لما حضروا إليه من أوّل الأمر، ولما اغتروا باظهار تبريه لهما أيضاً لتجويزهم إعماله للتورية حينئذٍ، وإنّما توهم المخالف ذلك من حال زيد رضي الله عنه ومقاله من قول بعضهم لزيد عند اضطراره إلى الحرب مع قلة الأنصار: أين ابوبكر وعمر؟ يعني لو كانا خليفة هذا لما اضطر زيد إلى ذلك، فقال رضي الله عنه: هما أقاماني هذا المقام، فتوهم بعض من سمع ذلك أنّ مراده رضي الله عنه عدم التبري عنهما، وصار سبب فقد أنصاره من الشيعة.
    وليس كذلك، بل كان مراده أنّ غصبهما الخلافة عن آبائه عليهم السلام وحملهما الناس على رقاب آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أوجب إذلال زيد وسائر أولادهم رضي الله عنهم)
    ثُمّ إنّ هذه الحادثة وردت في أخبار الشيعة لكن بصورة تختلف عمّا نقلوها، بل في بعض الأخبار أنّه أجاب بما أجاب به جده علي بن ابي طالب عليه السلام فقال: (قل فيهما ما قال علي: كف كما كف لا تجاوز قوله)، وفي نقل آخر أنّه سكت : (سئل زيد بن علي عن ابي بكر وعمر فلم يجب فيهما، فلّما أصابته الرمية نزع الرمح من وجهه واستقبل الدم بيده حتّى صار كأنّه كبد، فقال: أين السائل عن أبي بكر وعمر؟ هما والله شركاء في هذا الدم، ثُمّ رمى به وراء ظهره) تقريب المعارف : 250.
    ولا يبعد من المحرفين والمنقولين إضافة ذلك الأمر؛ لأن عادتهم الدائمة وسيرتهم المستمرة هي التشنيع على المخالفين، وقذفهم بكُلّ تهمة وسبّه تلوح إليهم أو تقع بيدهم، وهذا تشنيعهم وتحريفهم لما ورد في حق علي عليه السلام، فهم لحفظ كرامة أبي بكر وعمر وغضب الزهراء عليها السلام عليهما لجأوا إلى وضع رواية في حق علي عليه السلام أنّه أغضب الزهراء عليها السلام بخطبته لبنت ابي جهل عدو الله في حياة أبيها، وقد روي الخبر المسور بن مخرمة، أما صناعة منه أووضع على لسانه، إذ إنّه كان ممن يستغفر لمعاوية بن أبي سفيان ويترضى عليه فقد ورد في تاريخ بغداد 1: 223 : (قال عروة : فلم نسمع المسور بعد ذلك يذكر معاوية إلاّ استغفر له).
    وذكر التستري في قاموس الرجال 10: 77 بأنّه يوم وفاة النبي صلى الله عليه وآله كان عمره ثمان سنين. وهذا ينافي روايته للخبر عن النبي صلى الله عليه وآله زمن حياته.
    وقد ذكر الذهبي في السير 3: 390 في ترجمته عدة أمور منها : (1ـ ولد بعد الهجرة بسنتين.
    2 ـ وكان يلزم عمر بن الخطاب ويحفظ عنه.
    3 ـ ذهب إلى معاوية يطلب منه نجدة عثمان.
    4 ـ كان مع ابن الزبير حينما ضرب مكة بالمنجنيق.
    5 ـ كُلّما ذكر معاوية صلّى عليه.
    6 ـ أن الخوارج كانت تغشاه وتعظمه وينتحلون رأيه.
    7 ـ كان ابن الزبير لا يقطع امراً دون مشورته). مراجع تاريخ الإسلام 5: 246.
    فهذه الرواية يرويها أمثال البخاري ويخرجها في صحيحة والذي هو عندهم أصح كتاب بعد كتاب الله سبحانه وتعالى، مع أنّ راويها فيه الطامات السالفة والهنات المتقدمة إلاّ أنّ أبهة الصحبة جعلته بمنزلة رفيعة تقبل منه أمثال هذه الأوهام والافتراءات.
    والرواية واردة في كتب الشيعة أيضاً إلاّ أنّه بينهما بوناً شاسعاً، ففي علل الشرائع ورد أنّ شقياً جاء إلى فاطمة وأخبرها كذباً أنّ علي بن ابي طالب عليه السلام خطب بنت ابي جهل. وقد كذبه الإمام علي عليه السلام وبيّن أنّه مغترٍ لايؤخذ بالكلامه، ولعله نفس المسور بن مخرمة، إذ من يصلي على معاوية لا يبعد منه الافتراء على علي بن ابي طالب عليه السلام.
    الرأي الثالث: إن مصطلح الرفض سياسي استخدمه الساسة في أوّل الأمر ومن بعد ذلك انتقال إلى كتب المحدثين، فأول ظهور امره كان وليداً من القصور وأرباب المنافع، ثُمّ انتقل إلى علم الحديث وتوسع باطلاقه توسعاً شاسعاً جدا، ويطالعنا نصر بن مزاحم المنقري في كتابه وقعة صفين: 34 برسالة يبعث بها معاوية إلى عمرو بن العاص يذكر فيها هذا الأمر فيقول : (أما بعد؛ فإنّه كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك، وقد سقط إلينا مروان بن الحكم في رافضة أهل البصرة وقد قدم علي جرير بن عبدالله بن ربيعة علي فأقدم علي على بركة الله،فإني حسبت نفسي ولا غنى بنا عن رأيك). تاريخ مدينة دمشق 59: 130، تاريخ اليعقوبي 2: 184.
    ومما يؤيد كون هذا المصطلح ربيب السياسية ماورد في المحاسن 1: 157 عن أبي بصير قال : (قلت لأبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك اسم استحملت به الولاة دماءنا وأموالنا وعذابنا.
    قال : وما هو؟
    قلت : الرافضة.
    فقال أبو جعفر عليه السالم: إن سبعين رجلاً من معسكر فرعون رفضوا فرعون فأتوا موسى عليه السلام).
    فهو مصطلح استخدمه الحكام في كُلّ من يعارض حكمهم وسياستهم المتبعة تجاه الآخرين، فيقذفونهم بأسوأ الأُمور المنفرة والالفاظ النابية، لاظهارهم بمظهر المسيء والهدام والمخرب داخل المجتمع، لابعاد الآخرين عنهم وحجب صورتهم وصوتهم من الوصول إلى أعين وأسماع الناس، فلذلك يصورونهم يرفضون الدين إذا كان الاجتماع تغلب عليه الصورة الدينية، والمروق عن القانون إذا كان الاجتماع قانونياً ومتمسكاً بحدوده، والطعن بفكرة معينة يقدسها المجتمع أو يؤمن بها. . وهكذا يستخدم الحاكم شتى الطرق ومختلف الأساليب للوصول إلى غايته وهدفه، وهو البقاء على ملكه وسلطته على الآخرين، ومحاربة أي شخص يحاول المساس بذلك أو الدنو منه، فضلاً عمّن يطعن فيه ويراه فاسداً وغير صالح لقيادة الأمة والمجتمع أساساً.
    ومن ثُمّ انتقل هذا المصطلح إلى السنة الفقهاء المحدثين، لأنّ الحاكم والفقيه كان في بداية العهود الإسلامية المتقدمة على وفاق، إذ الحاكم يريد شرعية لحكمه من الفقهاء والعلماء الذين يعدلون ويوجبون طاعته مهما كان، والفقيه كان يريد العيش والسمة والسمعة عند الآخرين، فتوافق الاثنان في الغاية وإن اختلفا في الهدف، ووجد أحدهم الآخر حافظاً وموصلاً إلى غايته المتوخاة، فدخل المصطلح شيئاً فشيئاً إلى بطون الأخبار واصطبغ بالصبغة الشرعية بعدما استخدمه الفقهاء المحدثون، وهذا ادى إلى سيئة أخرى وهي عدم انضباطه وظهور معناه المحدد عند العلماء، حيث استخدم في أوّل الأمر ضمن دائرة معينّة ومن ثُمّ أخذ يتوسع فيه ويطلق من دون قيود وشروط وحدود. وهذا ما سنبحثه في النقطة اللاحقة.

    معنى الرفض عند المحدثين والفقهاء
    إذا رجعنا إلى كلمات المحدثين نجد أنّهم استخدموا هذا اللفظ في معنىً وفي فرقة وطائفة معينّة، وهم الخطابية أصحاب محمّد مقلاص أبوزينب، وهو الذي يتظاهر مع اتباعه بألوهية الإمام الصادق عليه السلام، وأنّ أبا الخطاب نبي مرسل، أمر الصادق عليه السلام بطاعته، ويعتقدون بحلية المحارم جميعها وأن الشريعة رفعت، ويؤمن بالتناسخ، وأنّ الأئمة هم الآلهة، وكان يعتقد بأنّ الفواحش رجل تتمثل بصورته. . إلى غير ذلك من الأمور والمعتقدات الفاسدة.
    وقد ورد ذمه والبراءة منه في كلمات الإمام الصادق عليه السلام كثيراً، حتّى قال فيهم الصادق عليه السلام: (إنّ فيهم من يكذب حتّى إنّ الشيطان ليحتاج إلى كذبه) اختيار معرفة الرجال 2: 584. وغير ذلك من الروايات المتواترة في ذمه وذم أصحابه وفساد معتقدهم. ومن معتقداتهم الهدامة أنّهم يجوزون الكذب لأصحابهم، أن يجوز الكذب لنصرة خطابي آخر والشهادة زوراً له، فلذلك حينما ذكر المحدثون الرافضة وعدم جواز الأخذ عنهم عللوا ذلك بأنّهم يشهدون الزور ففي كتاب النكتب علي بن الصلاح 3: 99 قال: (قال أشهب: سئل مالك عن الرافضة؟ قال : لا نكلمهم ولا نروي عنهم، فإنّهم يكذبون).
    وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: لم أر أشهد بالزور من الرافضة.
    وقال يزيد بن هارون: يكتب عن كُلّ صاحب بدعة إذا لم يكن داعية إلاّ الرافضة فإنّهم يكذبون).
    وفي كتاب فتح الملك العلي للمحدث الصديق الغماري: 90 : (قال شريك: احمل العلم عن كُلّ من لقيت إلاّ الرافضة فإنّهم يضعون الحديث ويتخذونه ديناً).
    ثُمّ قال: (ثُمّ هم غير موجودين في أسانيد الأخبار المخرجة في دواوين أهل السنة إلاّ على سبيل القلة والندرة، وإنّما الموجود فيها أهل التشيع بغلو أو بلا غلو كما سبق عن الذهبي).
    ففرق الصديق الغماري بين الرافضة وبين الشيعة، وأنكر وجود الرافضة في أخبار وأسانيد أهل السنة، والموجود هم الشيعة فقط، وبالفعل فإن كتب السنة فيها الكثير من الأسانيد الشيعية مما يدلل على تفرقتهم بين الشيعة وبين الرافضة.
    وفي حاشية إعانة الطالبين 2: 11: ( قال الكردي: الرافضة والشيعة والزيدية متقاربون. ثُمّ قال: قال في المواقف: الشيعة إثنا وعشرون فرقة).
    وذكر ابن قتيبة في المعارف : 623 فرق الرافضة ولم يذكر فيها الشيعة بل ذكر فيهم الخطابية فقال: (هم ينسبون إلى أبي الخطاب، ولا أدري ممن هو غير أنّه كان يأمرأصحابه أن يشهدوا على من خالفهم بالزور في الأموال والدماء والفروج، وقال : إن دماءهم ونساءهم لكم حلال).
    وقال الخضري في أصول الفقه: 213 : (أما المبتدعون ببدع غير مكفرة فأكثرهم على هذا القول بقبول رواياتهم، وهو المعقول ماداموا لا يدينون بالكذب، ولا نظن أنّ هذا معتقد لأي طائفة من المسلمين، وإن نسب إلى الخطابية أنّهم يدينون بالشهادة لمن يوافقهم في الاعتقاد).
    ومن هذا المنطلق حكم الأئمة بعدم جواز شهادة الرافضة الخطابية، لأنّ معتقدهم جواز الكذب وشهادة الزور قال في جواهر العقود 2: 354 : (قال أبوحنيفة والشافعي: تقبل شهادتهم ـ أي أهل الأهواء ـ إذا كانوا متجنبين الكذب إلاّ الخطابية من الرافضة فإنّهم يصدقون من حلف عندهم أنّ له على فلان كذا، فيشهدون له بذلك).
    وقال الإمام الذهبي في ميزان الاعتدال 1: 5 في ترجمة أبان بن تغلب بعد أن ذكر توثيق الأئمة له: (كيف ساغ توثيق مبتدع وحد الثقة العدالة والاتقان فكيف يكون عدلاً من هو صاحب بدعة؟
    وجوابه: إنّ البدعة على ضربين ؛ فبدعة صغرى كغلو التشيع أو كالتشيع بلا غلو ولا تحريف، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق، فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثارالنبوية، وهذه مفسدة بينة).
    فحكم على أبان بأنّه شيعي وليس برافضي، فلذلك يقبل قوله وتقبل روايته.
    وأيضاً ذكر أنّ هؤلاء كثيرون ولا يمكن رد آثارهم لأنّه يلزم منه رد جملة كبيرة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة لا يمكن الالتزام بها فهؤلاء ليسوا روافض، لأن الروافض يكذبون ويبيحون الكذب فلا يقال في حقهم أنّ رد أحاديثهم يلزم منه رد جملة من الآثار النبوية، بل العكس صحيح الأخذ بآثارهم فيه مفسدة لأنّهم كذّابين.
    ومما يشهد على عدم شمول مصطلح الرفض لاتباع علي عليه السلام وللشيعة المؤمنين بالإمامة، وأنّ الخطابية هم الروافض وهم المقصودين في كلام المحدثين ما ذكروه حول عباد بن يعقوب الرواجني قال الذهبي في ترجمته كما في سير أعلام النبلاء 11: 536 الشيخ العالم الصدوق محدث الشيعة أبوسعيد عباد بن يعقوب الأسدي الرواجني المبتدع.
    روى عنه البخاري حديثاً قرن فيه معه آخر، والترمذي وابن ماجة وأبوبكر البزار، وصالح جزرة وابن خزيمة ومحمد بن علي الحكيم الترمذي، وابن صاعد، وابن أبي داود وآخرون. قال ابوحاتم: شيخ ثقة.
    وقال الحاكم: كان ابن خزيمة يقول: حدثنا الثقة في روايته المتهم في دينه عباد بن يعقوب وقال ابن عدي: فيه غلو في التشيع.
    وروى عبدان عن ثقة أنّ عباداً كان يشتم السلف.
    وروى علي بن محمّد الحبيبي عن صالح جزرة قال: كان عباد يشتم عثمان رضي الله عنه، وسمعته يقول: الله أعدل من أن يدخل طلحة والزبير الجنّة قاتلا علياً بعد أن بايعاه.
    وقال ابن جرير: سمعته يقول: من لم يبرأ في حلاله كُلّ يوم من أعداء آل محمّد حشر معهم.
    قال محمّد بن المظفر الحافظ حدثنا القاسم المطرز قال: دخلت على عباد بالكوفة وكان يمتحن الطلبة، فقال: من حفر البحر؟ قلت: الله. قال: هو كذلك ولكن من حفر؟
    قلت: يذكر الشيخ. قال: حفره علي.
    فمن أجراه؟ قلت: الله. قال : هو كذلك ولكن من اجراه؟ قلت: يفيدني الشيخ.
    قال: أجراه الحسين، وكان ضريراً، فرأيت سيفاً وحجفة (ترس) فقلت: لمن هذا؟ قال: أعددته لاقاتل به مع المهدي.. إسناده صحيح. وما اعتقده يتعمد الكذب أبداً).
    فعباد فيه كُلّ صفات التشيع القائم ومع ذلك لم يتهم بالرفض، بل على العكس من ذلك وثقه واخرج له امثال البخاري الذي لم يخرج لجعفر بن محمّد الصادق عليه السلام، مما يدل على أنّ الرفض يقصد به الكذب وهم الفرقة المتبعة لأبي الخطاب لأنّ أمثال عباد في كتب وأخبار السنة كثير جداً، ومع ذلك أخرجوا لهم وأخذوا برواياتهم وأخبارهم في أصح الكتب عندهم.
    فمصطلح الرفض ولد في أحضان السياسة وخرج من البلاط، ودخل كتب المحدثين والرواة، واطلقوه على فرقة ضالة منحرفة تسمى الخطابية أصحاب محمد بن مقلاص أبوزينب. معاصراً للصادق عليه السلام، وادعى أموراً عدة منها نسخ الشريعة وتحليل المحرمات وتأليه الإنسان، وقد ذمه الإمام الصادق عليه السلام وتبرأ منه وبيّن فساد عقيدته ومذهبه بأحاديث متواترة كثيرة يمكن الرجوع اليها في كتب التراجم.

    (1) كتاب العين 2: 20، لغة رفض.

    (2) الصحاح في اللغة 1 : 262، مادة رفض.

    (3) راجع الأحاديث في كتاب السنة لإبن ابي عاصم رقم الأحاديث : 814 ـ 815 ـ 816 ـ 817.

    (4) الكامل في الضعفاء 6: 66 ت 1602.

    (5)التاريخ الصغير 2 : 152، كتاب الضعفاء والمتروكين : 187.

    (6) الضعفاء الكبير للعقيلي 2 : 314 ت 459.

    (7) ضعفاء العقيلي 4: 30 ت1581، الجرح والتعديل 7: 208 ت 1152.

    (8) مراجع القصة في فتح الباري 3 : 211، تخريج الأحاديث والآثار 2 :85، الكشاف عن حقائق التنزيل 2 : 203، أسباب النزول : 171، تفسير السمعاني 2 : 331.

    (9) صحيح مسلم 8 : 25 باب من لعنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مسند أ؛مد 3: 384 باضافة : (أو شتمته).

    (10) ميزان الاعتدال 1: 5 ت2.

    (11) سنن ابن ماجة 2: 1322، المعجم الأوسط 6 : 234.



    منقول من موسوعة اسئلة الشيعة من كتب السنة
    التعديل الأخير تم بواسطة تقوى القلوب; الساعة 26-10-2010, 03:22 PM.



المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X