إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

العقل زينة الإنسان

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العقل زينة الإنسان

    العقل تلك الجوهرة الربانية الفريدة التي منحها الله لأكرم خلقه، وميّزه به عن سائر المخلوقات، ولو لا العقل لما عرفنا حقاً ولا باطلاً، ولكان الخير والشر عندنا سواء، ولا نستطيع ان نميز ما ينفعنا عن ما يضرنا.
    فيالها من روعة، ويالها من نعمة لا تضاهيها نعمة، ولا توازيها منة، ولا تدانيها هبة، انها كرامة الله التي أكرمنا بها «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً»(1).
    ومن الواضح ان هذه الكرامة والتفضيل في قبالة مسؤولية تلقى على عاتق الإنسان وليس من المنطقي ان يعطى هذه الجوهرة ويكون حاله كالأنعام يأكل وينام.
    ومن هنا جاءت الآيات والروايات من القرآن والعترة يوضحان حقيقة هذه الجوهرة.
    ومن الواضح ان الناس تختلف درجات عقولها، فمنهم العباقرة ومنهم دون ذلك، ولذلك ورد من أهل البيت«عليهم السلام» «ان الله يدان الناس على قدر عقولهم» فالحساب من الله على قدر ما أعطي الإنسان من عقل، وهكذا ورد عن النبي «صلى الله عليه وآله» «إنا معاشر الأنبياء أمرنا ان نلك الناس على قدر عقولهم» ولو كلمهم رسول الله بكنه عقله لما تحمله احد.
    فهل يا ترى فركنا في عظمة هذه الهدية الكبرى وهل شكرنا خالقنا على ذلك؟!
    إننا لا يمكن ان نؤدي شكر هذه النعمة ما لم نعرف ما الدور الذي جعل العقل من قبل خالقه؟ وكيف يمكن الاستعادة منه كما ينبغي؟
    أننا إذا رجعنا إلى أنفسنا نجد ان للعين وظيفة ميعنه وللإذن وظيفة وللأنف وظيفة وهكذا بقية الحواس والجوارح والأمر لا يختلف بالنسبة للجوانح فللقلب وظيفة وللخيال وظيفة وللعقل كذلك وظيفة، ولعل الوظيفتين الأهم للعقل هي التمييز بين الحق والباطل، وبين الخير والشر وما ينفعنا وما يضرنا بالحقيقة، فان الحية ناعمة الملمس ولكنها قاتلة السم.
    والحق والباطل وما ينفع وما يضر قد تختلف منهما الناس حسب الأهواء والملذات، والمصالح والمفاسد، فما يعده البعض نافعاً قد يجعله آخر مناراً، «مصائب قوم عند قوم فوائد».
    ولكن العقلاء اختلفوا عن الناس إذ حكموا عقولهم على أهوائهم، لم يتركوا شهواتهم تتحكم بهم.
    نظروا إلى الأمور نظرة متأنية وعرفوا ما يضرهم بالعقل وما ينفعهم، حسبوا للنتائج حسابها، فهم كما قال الإمام الباقر «عليه السلام» لهشام: «يا هشام ان العقلاء زهدوا في الدنيا، ورغبوا في الآخرة، لأنهم علموا ان الدنيا طالبة ومطلوبة، وان الآخرة طالبة ومطلوبة، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت، فيفسد عليه دنياه وآخرته» أصول الكافي ج1 كتاب العقل والجهل.
    فالعقل هو الرسول الباطن والحجة بين الله وبين العباد، كما ان الأنبياء والرسل والأئمة هم الحجج الظاهرة.
    والحقيقة ان من وظيفة الأنبياء هي تنبيه القول وتقويتها، ولذلك جاء في نهج البلاغة الخطبة الأولى «بعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه ليساندوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسي نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائف القول».
    وقد تتساءل ما هو العقل؟ وأقول لقد سئل الإمام الصادق«عليه السلام» عن ذلك على ما رواه الكليني «ت138 أو 319» في أصول الكافي ج1
    فقال عليه السلام:
    «العقل: ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان»
    فمن لا يكتسب الجنة بعقله فليس بعاقل، وأي عقل له وهو يبيع أيام قلائل لسعادة الأبد.
    ولذلك ورد عنه أيضا عندما ذكر رجل بأنه عاقل وهو مبتلى بالوضوء الصلاة فقال «عليه السلام»: «وأي عقل له وهو يعبد الشيطان».
    فهل يا ترى هناك نعمة منسية اكبر من نعمة العقل؟!
    ان هنالك مؤثرات خارجية على العقل تؤدي إلى دفن العقول ولا نستفيد منها، وهذه المؤثرات هي الشهوات الباطلة والخيارات الفارغة، ومن هنا قيل: «كم من هوىً أمير تحته عقل أسير»، فلقد وقعت عقول بني البشر في أسر الأهواء والشهوات، ولذلك بعث الله الرسل والأنبياء، ليحثوا عليهم بالتبليغ ويشروا لهم العقول المدفونة تحت الأهواء وفي هذا السياق قال الباقر «عليه السلام» لهشام: في الكافي ج1 «يا هشام من سلط ثلاثاً على ثلاث فكأنها أعان على هدم عقله:
    ومن أظلم نور تفكره بطول أمله، ومحا طرائف حكمته بفضوله كلامه وإطفاء نور عبرته بشهوات نفسه، فكأنما أعان هواه على هدم عقله ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه»
    إذن الشهوات والكلام الزائد، ونسيان الموت هي التي تهدم بناء العقل وتدفنه.
    ولعل البعض يقول: فماذا تقولون بهذا التطور العلمي والمدني أليس هنا من نتاج العقل؟ بلى هو من نتاج العقل، ولكن مثلنا مثل طبيب ماهر قد كتشف مجموعة كبيرة من الأدوية والأمراض ثم قال: لا علم إلا هذا العلم ولا يؤثر علي شيء بعد ذلك
    فيقول له: ان هذه الكهرباء علم ومن وضع يده قتلته وليس القتل منحصراً بالأمراض.
    ولكن هذا الطبيب المغرور كان يقول لا تقتل الإنسان إلا الأمراض
    وها انا أضع يدي في هذا السلك لترون إني لا أموت ولا تؤثر علي لان صحتي ممتازة جداً، فوضع يده على السلك فمات.
    إذن يا عزيزي ليس من العقل ان نهدم آخرتنا بحجة طلب الدنيا وإصلاحها ولا من المعقول أيضا ان نهدم دنيانا بحجة إصلاح الآخرة، بل الصحيح «ان الدنيا مزرعة الآخرة» فأعمار الدنيا بما يضمن لنا سعادتنا في الدنيا والآخرة، ولا يمكن ان يقنع عاقل بتسخير العقل لحلاوة الدنيا ومشتهيات النفس فقط، ان تحجيم العقل ووضعه بهذه الدائرة الضيقة هي الخسارة الكبرى للإنسان، لان أفق العقل أوسع وأرحب، وليس لأنفسنا ثمن إلا الجنة فكيف نبيعها بشهوة أيام وثمن بخس، دون النظر إلى عواقب الأمور وما سيأتي بعد الموت وينتظرنا من حياة أبدية.
    وقد ذكر القرآن آيات كثيرة في مدح العقل والعقلاء وذم الجهل والذين لا يعقلون؟
    ونحن حينما نذكر العقل ونقدسه، ونجعله في مصاف الرسل والأنبياء، لا يعني هذا أننا نستغني عنهم، بل لان العقل يعرف الصادق فيصدقه، ويعرف الكاذب فيكذبه، ومن ذلك جاءت قدسية العقل.
    وما ورد عن الإمام الصادق «عليه السلام» يشرح لنا ذلك.
    حيث قال «ان أول الأمور، ومبدأها، وقوتها، وعمارتها التي لا ينتفع شيء إلا به، العقل الذي جعله الله زينة لخلقه ونوراً لهم» فالعقل زينة الإنسان وجماله.
    ثم قال: فبالعقل عرف العباد خالقهم، وأنهم مخلوقون، وأنه المدبر لهم، وأنهم مدبرون، وانه الباقي وهم الفانون، واستدلوا بعقولهم على ما رأوا من خلقه سمائه وأرضه، وشمسه وقمره، وليله ونهاره، وبأن له ولهم خالقاً مدبراً لم يزل ولا يزال، وعرفوا به الحسن والقبيح وأن الظلمة في الجهل، وأن النور في العلم، فهذا ما دلهم عليه العقل.
    ولكن هذا لا يكفي ما لم يعرف طاعة الله فيطيعه ويعرف معصية الله فيجتنبها وهذا ما دلت عليه الأنبياء وورثتهم الذين جعلهم الله أئمة للعباد ومناراً للبلاد.
    ومن هنا أجاب الإمام عليه السلام. لما قيل له: فهل يكتفي العباد بالعقل دون غيره؟
    قال: «إن العاقل لدلالة عقله الذي جعله الله قوامه، وينته، وهدايته علم ان الله هو الحق، وانه هو ربه، وعلم ان لخالقه حجة، وان له كراهية، وان له طاعة، وان له معينة، فلم يجد عقله يدله على ذلك «أي على هذه القاعات والمعاصي»، وعلم انه لا يوصل إليه إلا بالعلم وطلبه، وانه لا ينتفع بعقله ان لم يصب ذلك بعلمه، فوجب على العاقل طلب العلم والأدب الذي لا قوام إلا به» الكافي ج1 باب العقل والجهل الحديث الأخير.
    ومن هنا تعرف مدى حرقة قلب الإمام «عليه السلام» على أصحابه، حيث يقول: «لوددت ان السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الدين».
    ولكن فلينظر الإنسان ممن يأخذ دينه، هل يأخذه من أي كان، ممن هب ودب؟ وهل يجزيه ان يسمع من هذه الفضائية أو من تلك ويطبق؟ ان هذا ما لا يرتضيه العقل، بل القرآن يقول: «فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ».
    فصاحب العقل المبشر من قبل الله هو من يتبع أحسن الأقوال، «ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وقال: إنني من المحسنين»
    ولذلك قال الإمام الباقر «عليه السلام» لهشام: «يا هشام نصب الحق لطاعة الله، ولا نجاة إلا بالطاعة، والطاعة بالعلم، والعلم بالتعلم، والتعلم بالعقل يعتقد، ولا علم إلا من عالم رباني، ومعرفة العلم بالعقل».
    فكيف يزكو عمل إنسان ترك ربه واتبع هواه، وترك كتاب الله وراء ظهره، وقتل رسل ربه، وأدار بوجهه عن حملة القرآن.
    فما هو حالنا لو قيل لنا كيف يزكوا عن الله عملنا، وقد شغلنا قلوبنا عن أمر ربنا، واطعنا أهواءنا على غلبة عقولنا، فيا لها من خسارة ويا حسرة على العباد، إذ أصبحت زينة الإنسان العوبة بيد الأهواء والشهوات، اللهم يا منقذ الغرقى، ويا منجي الهلكى أنقذنا ونجنا وعجل في فرج مولانا صاحب الزمان، بحق محمد وآله الأطهار، وكمل لنا عقولنا.
    والحمد لله رب العالمين.

    ــــــــــــــــــــــــ
    1ـ الإسراء: 70.
    sigpic

  • #2
    اللهم صل على محمد وال محمد ........ نحمد الله على نعمت العقل ونشكر الله على هذه النعمه وهي نعمت العقل التي اعطاناها رب العالمين والانسان بلا عقل لايسوى اي شي .
    ولك جزيل الشكر اخ عمار على مواضيعك المفيده لنا

    تعليق


    • #3
      بوركت الايادي

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
      x
      يعمل...
      X