الحلقة الاولى
مفهوم أهل البيت في القران
أهل البيت هذا المفهوم القديمبقدم بيت الله الحرام والمرتبط به ارتباطاً وثيقاً تعارف اليوم إطلاقه على الأربعةعشر المعصومين الخمسة أصحاب الكساء والتسعة من ولد الحسين (عليهم السلام أجمعين) وهذا صحيح وهو الحق .
إلا اننا لو بحثنا في هذه التسمية لوجدناها مرتبطة ببيتالله الحرام فالبيت هو الكعبة المشرفة وأهله هم الذين قاموا ببنائه وهما إبراهيموإسماعيل (عليهما السلام) وذرية إسماعيل من بعده الذين سكنوا بجواره وقاموا بعمارتهوخدمة زواره والتزموا دين الحنيفية ، دين إبراهيم (عليه السلام) فهؤلاء هم أهلالبيت الذين أشارت إليهم الكثير من الآيات القرانية ، قال تعالى :
{وَإِذْيَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَاتَقَبَّلْ مِنَّا انكَ انتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}البقرة ( 127) . وقال تعالى : {جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَالْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ ان اللّهَ يَعْلَمُمَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَان اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}( المائدة 97) .
وقال تعالى : {قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِرَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ انهُ حَمِيدٌمَّجِيدٌ}( هود 73) .
فهذه الآيات الكريمة كاشفة عن المعنى الذي ذهبنا إليهوخاصة بالنسبة للآية الشريفة ان أهل البيت هم آل إبراهيم (عليهم السلام) ومن هنايتضح ان معنى أهل البيت أعم مما يعتقده الكثير من المسلمين بما فيهم العلماءوالباحثين .
إلا انه قد يعترض علينا معترض فيقول : كيف صح وجاز إطلاق هذا اللقبعلى ذرية إبراهيم (عليهم السلام) وفيهم الكثير من الظالمين والمنحرفين والمشركينفالكثير من أهل مكة هم من ذرية إبراهيم إلا انهم من المشركين ومن أشد المحاربينللإسلام ، فكيف صحّ إطلاق هذا اللقب عليهم ؟
والحقيقة وقبل ذكر الجواب على هذاالتساؤل لابد من ذكر مقدمة ، وهي ان المولى تبارك وتعالى ذكر في الآية المتقدمة انرحمته وبركاته تتنزل على أهل البيت ومقتضى هذا التنزيل (أي نزول الرحمة والبركةالإلهية من جناب المولى تبارك وتعالى) ان يكون المشمول بهذه الرحمة والبركة مستحقاًلها ، لا انها وقعت من دون استحقاق لها ، حتى يتسنى للبعض الاعتراض على فعله عز وجل .
أما ما هو السبيل لحصول ذلك الاستحقاق من نزول الرحمة والبركة ، فقد بين جنابالحق تعالى ان ذلك متوقف على أمرين .
الأمر الأول :
حصول الإحسان فلولا إحسانالعبد بكل ما تفيده هذه الكلمة من معنى لما استحق العبد نزول الرحمة وقد قال عز منقائل :
{وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاًوَطَمَعاً ان رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}( الاعراف 56) .
فالآية الشريفة تبين لنا ان رحمة الله قريب من المحسنين .
وقال تعالى : {وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُنُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}( يوسف 56) .فلم يكن يصيبه الله برحمته لولا ان كان من المحسنين . وقال تعالى : {تِلْكَ آيَاتُالْكِتَابِ الْحَكِيمِ هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ}( لقمان 2-3).
فمنمجموع هذه الآيات يتبين لنا ان المولى تبارك وتعالى يخبرنا بان نزول الرحمة على قدرالإحسان فكلما ازداد إحسان العبد زادت رحمة الله عليه .
وان من أهم دواعي نزولالرحمة هو وقوع الإحسان من العبد فمتى ما كان العبد محسناً كان قريباً من رحمة اللهتبارك وتعالى .
الأمر الثاني :
هو حصول الإيمان فهو سبب لنزول البركة علىالعبد من جناب المولى عز وجل فالبركة لا يمكن ان تصيب العبد ان لم يكن مؤمناً ، قالتعالى : {وَلَوْ ان أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمبَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَاكَانواْ يَكْسِبُونَ }( الاعراف 96) .
يشير المولى جل وعلا في هذه الآية الشريفةإلى ان البركة لا تتأتى إلا بالإيمان والتقوى فهما العاملان والسببان اللذان ما انتوفرا في العبد أو الأمة حتى فتح الله تبارك وتعالى لهما باباً من السماء وآخر منالأرض ، وهذان البابان من بركاته سبحانه وتعالى . وإليك ما يؤكد ذلك ، فقد جاء فيالآية الكريمة : {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَوَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ}( هود 48)
فان الله تبارك وتعالى يخاطب في هذهالآية نوحاً والذين ركبوا معه في السفينة ، وهؤلاء هم المؤمنون فقط في زمن الطوفان ، ولما كانوا كذلك جعل الله عز وجل بركاته عليهم .
وكذلك قوله تعالى : {وَإِذْقَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَالثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَفَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَالْمَصِيرُ}( البقرة 126).
وبهذا يتبين لنا ان البركة من لوازم الإيمان فإذا لميكن العبد مؤمناً لم يكن مستحقاً لنزول البركة من الله عز وجل ، فنزول البركة متوقفعلى حصول الإيمان .
وبهذا يتضح لنا السبب في نزول الرحمة والبركة كما تبين انفاًعائد لكون أهل البيت من شانهم الإحسان ، فهم يفعلونه ويواضبون عليه حتى عرفوابكونهم محسنين ، كما انهم إضافة لكونهم محسنين فهم أيضاً مؤمنين ، وبذلك استحقوانزول الرحمة والبركة من قبله تعالى .
ومن هنا فلا يرد الاعتراض المتقدم والذيمفاده : كيف صح إطلاق لقب أهل البيت على ذرية إبراهيم (عليه السلام) علماً انالكثير منهم ظالمين ومشركين.
ولو تنزلنا جدلاً وقبلنا الاعتراض فقد اتضح ان أهلالبيت هم المحسنين المؤمنين فقط لا غيرهم ، فكل من لم يصدق عليه انه محسن ومؤمنبدين إبراهيم (عليه السلام) فهو ليس من أهل البيت حتماً فان المصداق الحقيقي لهذاالمفهوم في ذلك الزمان هم آل إبراهيم .
ولا نعني بذلك كل آل إبراهيم بل نعني كلمن اتصف بصفة الإحسان والإيمان من آل إبراهيم فهو من أهل البيت الذين ذكرتهم الآية ، وهذا هو المفهوم العام لأهل البيت .
ومن هنا عرف أهل مكة بأهل البيت ، وكانوايفتخرون بذلك ، ولما كان بنو هاشم هم سادة قريش وكانت بيدهم مفاتيح البيت وهم ذريةإبراهيم (عليه السلام) شاع وعرف عنهم انهم أهل البيت ، واستمر هذا الحال من بعدبعثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) .
إلا ان المولى تبارك وتعالى قلصالمصداق لهذا المفهوم وخصص بعض من الناس بكونهم هم أهل البيت لذلك قام تعالى بتخصيصهذا المفهوم بطائفة معينة من الناس تتصف بالإحسان والإيمان .
وليس معنى ذلك مجردإحسان أو إيمان الذي من الممكن ان يتحقق في أي فرد مؤمن ، فالمعنى أعمق من ذلكبكثير ، فان المقصود باتصافهم بهاتين الخصلتين هي كثرة إحسانهم وقوة إيمانهم بحيثشاع وعرف عنهم انهم محسنون وانهم مؤمنون .
وهؤلاء هم الخمسة أهل الكساء وهم محمدوعلي وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) فهؤلاء هم أهل البيت ، وفيهم نزل قوله تعالى :
{انمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَأَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}( الاحزاب 33) ، فقد نزلت هذه الآيةعلى أثر حديث الكساء حيث جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) علياًوفاطمة والحسن والحسين وجاء بالكساء فأدخلهم تحته وهو معهم ثم سئل المولى تباركوتعالى قائلا :
( اللهم هؤلاء أهل بيتي - إلى ان قال- فأذهب عنهم الرجس وطهرهمتطهيراً ) ، فنزل جبرائيل بهذه الآية ، وبهذا يتبين ان أهل البيت هم أهل الكساءخاصة ، ومما يؤكد ذلك هو سؤال أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ان تكون معهم فأبى رسول الله وقال لها انت على خير ، والمعلوم ان أم سلمة من خيرةأزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) بعد خديجة طبعاً ، إلا انه لم يدخلهاضمن نطاق أهل البيت .
فقد جاء في الرواية الشريفة الواردة عن زيد بن علي عن أبيه (عليهما السلام) قال : ( كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) في بيت أمسلمة فأتى بحريرة فدعا علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فأكلوا منها ثمجلل عليهم كساء خيبرة ، ثم قال :
{انمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُالرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} .
فقالت أم سلمة : وانامعهم يا رسول الله ؟
قال : انت على خير )( بحار الانوار ج52 ، ص 213).
وأوردالقمي عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى : (انما يريد ...) قال : ( (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسينوذلك في بيت أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ثمألبسهم كساء له خيبرياً ودخل معهم فيه ، ثم قال :
( اللهم هؤلاء أهل بيتي الذينوعدتني اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، فنزلت هذه الآية .
فقالت أمسلمة : وانا معهم يا رسول الله ؟
قال : أبشري يا أم سلمة فانك على خير )( بحارالانوار ج 35 ، ص 206).
وبهذا يتبين لنا واضحاً ان أهل البيت هم الخمسة أهلالكساء لا غير وقد سألت أم سلمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) انتكون منهم فأبى (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) عليها ذلك رغم بشراه لها انها علىخير .
وهنا لابد من الإشارة إلى أمر مهم وهو ان منه المتعارف ان أهل البيت همالمعصومون الأربعة عشر وهذا يعني ان هناك تسعة آخرين يعدون من أهل البيت فكيف كانذلك ؟ وإذا كانوا من أهل البيت (عليهم السلام) فهل هم مشمولون بإذهاب الرجس عنهموالتطهير أم لا ؟! وما هو المقصود بقوله تعالى ((ليذهب عنكم الرجس)) ، فما هو الرجس ، وما هو المقصود بقوله تعالى : ((ويطهركم تطهيرا)) ما هي هذه الطهارة يا ترى ؟!
مفهوم أهل البيت في القران
أهل البيت هذا المفهوم القديمبقدم بيت الله الحرام والمرتبط به ارتباطاً وثيقاً تعارف اليوم إطلاقه على الأربعةعشر المعصومين الخمسة أصحاب الكساء والتسعة من ولد الحسين (عليهم السلام أجمعين) وهذا صحيح وهو الحق .
إلا اننا لو بحثنا في هذه التسمية لوجدناها مرتبطة ببيتالله الحرام فالبيت هو الكعبة المشرفة وأهله هم الذين قاموا ببنائه وهما إبراهيموإسماعيل (عليهما السلام) وذرية إسماعيل من بعده الذين سكنوا بجواره وقاموا بعمارتهوخدمة زواره والتزموا دين الحنيفية ، دين إبراهيم (عليه السلام) فهؤلاء هم أهلالبيت الذين أشارت إليهم الكثير من الآيات القرانية ، قال تعالى :
{وَإِذْيَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَاتَقَبَّلْ مِنَّا انكَ انتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}البقرة ( 127) . وقال تعالى : {جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَالْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ ان اللّهَ يَعْلَمُمَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَان اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}( المائدة 97) .
وقال تعالى : {قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِرَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ انهُ حَمِيدٌمَّجِيدٌ}( هود 73) .
فهذه الآيات الكريمة كاشفة عن المعنى الذي ذهبنا إليهوخاصة بالنسبة للآية الشريفة ان أهل البيت هم آل إبراهيم (عليهم السلام) ومن هنايتضح ان معنى أهل البيت أعم مما يعتقده الكثير من المسلمين بما فيهم العلماءوالباحثين .
إلا انه قد يعترض علينا معترض فيقول : كيف صح وجاز إطلاق هذا اللقبعلى ذرية إبراهيم (عليهم السلام) وفيهم الكثير من الظالمين والمنحرفين والمشركينفالكثير من أهل مكة هم من ذرية إبراهيم إلا انهم من المشركين ومن أشد المحاربينللإسلام ، فكيف صحّ إطلاق هذا اللقب عليهم ؟
والحقيقة وقبل ذكر الجواب على هذاالتساؤل لابد من ذكر مقدمة ، وهي ان المولى تبارك وتعالى ذكر في الآية المتقدمة انرحمته وبركاته تتنزل على أهل البيت ومقتضى هذا التنزيل (أي نزول الرحمة والبركةالإلهية من جناب المولى تبارك وتعالى) ان يكون المشمول بهذه الرحمة والبركة مستحقاًلها ، لا انها وقعت من دون استحقاق لها ، حتى يتسنى للبعض الاعتراض على فعله عز وجل .
أما ما هو السبيل لحصول ذلك الاستحقاق من نزول الرحمة والبركة ، فقد بين جنابالحق تعالى ان ذلك متوقف على أمرين .
الأمر الأول :
حصول الإحسان فلولا إحسانالعبد بكل ما تفيده هذه الكلمة من معنى لما استحق العبد نزول الرحمة وقد قال عز منقائل :
{وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاًوَطَمَعاً ان رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}( الاعراف 56) .
فالآية الشريفة تبين لنا ان رحمة الله قريب من المحسنين .
وقال تعالى : {وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُنُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}( يوسف 56) .فلم يكن يصيبه الله برحمته لولا ان كان من المحسنين . وقال تعالى : {تِلْكَ آيَاتُالْكِتَابِ الْحَكِيمِ هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ}( لقمان 2-3).
فمنمجموع هذه الآيات يتبين لنا ان المولى تبارك وتعالى يخبرنا بان نزول الرحمة على قدرالإحسان فكلما ازداد إحسان العبد زادت رحمة الله عليه .
وان من أهم دواعي نزولالرحمة هو وقوع الإحسان من العبد فمتى ما كان العبد محسناً كان قريباً من رحمة اللهتبارك وتعالى .
الأمر الثاني :
هو حصول الإيمان فهو سبب لنزول البركة علىالعبد من جناب المولى عز وجل فالبركة لا يمكن ان تصيب العبد ان لم يكن مؤمناً ، قالتعالى : {وَلَوْ ان أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمبَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَاكَانواْ يَكْسِبُونَ }( الاعراف 96) .
يشير المولى جل وعلا في هذه الآية الشريفةإلى ان البركة لا تتأتى إلا بالإيمان والتقوى فهما العاملان والسببان اللذان ما انتوفرا في العبد أو الأمة حتى فتح الله تبارك وتعالى لهما باباً من السماء وآخر منالأرض ، وهذان البابان من بركاته سبحانه وتعالى . وإليك ما يؤكد ذلك ، فقد جاء فيالآية الكريمة : {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَوَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ}( هود 48)
فان الله تبارك وتعالى يخاطب في هذهالآية نوحاً والذين ركبوا معه في السفينة ، وهؤلاء هم المؤمنون فقط في زمن الطوفان ، ولما كانوا كذلك جعل الله عز وجل بركاته عليهم .
وكذلك قوله تعالى : {وَإِذْقَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَالثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَفَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَالْمَصِيرُ}( البقرة 126).
وبهذا يتبين لنا ان البركة من لوازم الإيمان فإذا لميكن العبد مؤمناً لم يكن مستحقاً لنزول البركة من الله عز وجل ، فنزول البركة متوقفعلى حصول الإيمان .
وبهذا يتضح لنا السبب في نزول الرحمة والبركة كما تبين انفاًعائد لكون أهل البيت من شانهم الإحسان ، فهم يفعلونه ويواضبون عليه حتى عرفوابكونهم محسنين ، كما انهم إضافة لكونهم محسنين فهم أيضاً مؤمنين ، وبذلك استحقوانزول الرحمة والبركة من قبله تعالى .
ومن هنا فلا يرد الاعتراض المتقدم والذيمفاده : كيف صح إطلاق لقب أهل البيت على ذرية إبراهيم (عليه السلام) علماً انالكثير منهم ظالمين ومشركين.
ولو تنزلنا جدلاً وقبلنا الاعتراض فقد اتضح ان أهلالبيت هم المحسنين المؤمنين فقط لا غيرهم ، فكل من لم يصدق عليه انه محسن ومؤمنبدين إبراهيم (عليه السلام) فهو ليس من أهل البيت حتماً فان المصداق الحقيقي لهذاالمفهوم في ذلك الزمان هم آل إبراهيم .
ولا نعني بذلك كل آل إبراهيم بل نعني كلمن اتصف بصفة الإحسان والإيمان من آل إبراهيم فهو من أهل البيت الذين ذكرتهم الآية ، وهذا هو المفهوم العام لأهل البيت .
ومن هنا عرف أهل مكة بأهل البيت ، وكانوايفتخرون بذلك ، ولما كان بنو هاشم هم سادة قريش وكانت بيدهم مفاتيح البيت وهم ذريةإبراهيم (عليه السلام) شاع وعرف عنهم انهم أهل البيت ، واستمر هذا الحال من بعدبعثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) .
إلا ان المولى تبارك وتعالى قلصالمصداق لهذا المفهوم وخصص بعض من الناس بكونهم هم أهل البيت لذلك قام تعالى بتخصيصهذا المفهوم بطائفة معينة من الناس تتصف بالإحسان والإيمان .
وليس معنى ذلك مجردإحسان أو إيمان الذي من الممكن ان يتحقق في أي فرد مؤمن ، فالمعنى أعمق من ذلكبكثير ، فان المقصود باتصافهم بهاتين الخصلتين هي كثرة إحسانهم وقوة إيمانهم بحيثشاع وعرف عنهم انهم محسنون وانهم مؤمنون .
وهؤلاء هم الخمسة أهل الكساء وهم محمدوعلي وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) فهؤلاء هم أهل البيت ، وفيهم نزل قوله تعالى :
{انمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَأَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}( الاحزاب 33) ، فقد نزلت هذه الآيةعلى أثر حديث الكساء حيث جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) علياًوفاطمة والحسن والحسين وجاء بالكساء فأدخلهم تحته وهو معهم ثم سئل المولى تباركوتعالى قائلا :
( اللهم هؤلاء أهل بيتي - إلى ان قال- فأذهب عنهم الرجس وطهرهمتطهيراً ) ، فنزل جبرائيل بهذه الآية ، وبهذا يتبين ان أهل البيت هم أهل الكساءخاصة ، ومما يؤكد ذلك هو سؤال أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ان تكون معهم فأبى رسول الله وقال لها انت على خير ، والمعلوم ان أم سلمة من خيرةأزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) بعد خديجة طبعاً ، إلا انه لم يدخلهاضمن نطاق أهل البيت .
فقد جاء في الرواية الشريفة الواردة عن زيد بن علي عن أبيه (عليهما السلام) قال : ( كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) في بيت أمسلمة فأتى بحريرة فدعا علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فأكلوا منها ثمجلل عليهم كساء خيبرة ، ثم قال :
{انمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُالرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} .
فقالت أم سلمة : وانامعهم يا رسول الله ؟
قال : انت على خير )( بحار الانوار ج52 ، ص 213).
وأوردالقمي عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى : (انما يريد ...) قال : ( (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسينوذلك في بيت أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ثمألبسهم كساء له خيبرياً ودخل معهم فيه ، ثم قال :
( اللهم هؤلاء أهل بيتي الذينوعدتني اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، فنزلت هذه الآية .
فقالت أمسلمة : وانا معهم يا رسول الله ؟
قال : أبشري يا أم سلمة فانك على خير )( بحارالانوار ج 35 ، ص 206).
وبهذا يتبين لنا واضحاً ان أهل البيت هم الخمسة أهلالكساء لا غير وقد سألت أم سلمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) انتكون منهم فأبى (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) عليها ذلك رغم بشراه لها انها علىخير .
وهنا لابد من الإشارة إلى أمر مهم وهو ان منه المتعارف ان أهل البيت همالمعصومون الأربعة عشر وهذا يعني ان هناك تسعة آخرين يعدون من أهل البيت فكيف كانذلك ؟ وإذا كانوا من أهل البيت (عليهم السلام) فهل هم مشمولون بإذهاب الرجس عنهموالتطهير أم لا ؟! وما هو المقصود بقوله تعالى ((ليذهب عنكم الرجس)) ، فما هو الرجس ، وما هو المقصود بقوله تعالى : ((ويطهركم تطهيرا)) ما هي هذه الطهارة يا ترى ؟!
تعليق