بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وال محمد
وعجل فرجهم واهلك عدوهم ياكريم
القارئ الباحث المنقب في أحاديث وروايات الرسول الأعظم وأهل البيت حول المهدي عليه السلام بما جآئت به كتب الشيعة والسنة على حداً سواء ،سيجد بدون شك أختلافات واضحة وتضارب في كلامهم من حيث الصفات الجسمية ، عمره الشريف في سنة الظهور ، وولادته عليه السلام وجهة ومكان الظهور وأمور أخرى كثيرة ، والتي لا تولد الا الشك والضنون عند القارئ من جهه ومن جهة أخرى تجبرنا الى أختراع تأويلات غير منطقية لمحاولة سد الثغرات في هذا التضارب الواضح .
ومعاذا الله أن يكون الرسول وأهل بيته صلوات الله عليهم مرادهم هو التضارب في كلامهم وبالتالي أختلاف أمة محمد وتكفير وضرب رقاب بعضهم البعض . وكيف وهم الرحمة الألهية المهداة للعالمين أجمعين .
وفي هذه المشاركة أردت أن أناقش أحد أحاديث أهل البيت عليهم السلام حول صاحب الأمر الأمام المهدي مكن الله له في الأرض قاصدا المعنى بالأبتعاد عن حشو الكلام متوكلا على الله سبحانه وتعالى فهو حسبي ونعم المعين ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .
عبد الواحد بن محمد، عن أبي عمير الليثي، عن محمد بن مسعود، عن محمد بن علي القمي، عن محمد بن يحيى، عن إبراهيم بن هاشم، عن أبي أحمد الازدي، عن ضريس الكناسي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (إن صاحب هذا الامر فيه سنة من يوسف ابن أمة سوداء يصلح الله أمره في ليلة واحدة).
1 ـ بحار الأنوار ـ للمجلسي ـ ج51 ص218.
2 ـ الغيبة ـ للنعماني ـ باب ما روي في صفته وسيرته وفعله وما نزل من القرآن فيه.
3 ـ كمال الدين وتمام النعمة ـ للصدوق ـ باب ما أخبر به أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام.
وسوف نناقش بأذن الله تعالى كل فقرة من فقرات الحديث كل على حده بعرضه على أحاديث أهل البيت عليهم السلام لنرى بحول الله وقوته أن كان الحديث يدل على أن المقصود والمشار اليه بصاحب الأمر هو الأمام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السلام او هو شخص آخر قد أخفوهُ عنا أهل البيت عليهم السلام لأمر ما أو لآخر.
ـ" فيه سنه من يوسف " ـ
جائت أحاديث وروايات أهل البيت تشير الى أن في صاحب الأمر الأمام المهدي عليه السلام سنن كثير من الأنبياء عليهم السلام وله من هذه السنن سنه من نبي الله يوسف عليه السلام ،وأذكر أولا أحاديث أهل البيت عليهم السلام بهذا الشأن.
ـ عن أبي بصيرقال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (في صاحب هذا الامر أربع سنن من أربعة أنبياء، سنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد صلوات الله عليهم أجمعين، فأما من موسى فخائف يترقب، وأما من يوسف فالسجن، وأما من عيسى فيقال له: إنه مات ولم يمت، وأما من محمد صلى الله عليه وآله فالسيف) .
1ـ الأمامة والتبصرة ـ للصدوق ـ ص94 .
2 ـ كمال الدين وتمام النعمة ـ للصدوق ـ ص158 .
3 ـ الغيبة ـ للطوسي ـ ص60 .
4 ـ بحار الأنوار ـ للمجلسي ـ ج51 ص217 .
5 ـ إعلام الورى بأعلام الهدى ـ الشيخ الطبرسي ـ ج2 ص233 .
عن أبى بصير قال: سمعت أبا جعفر الباقر(عليه السلام) يقول: ( في صاحب هذا الامر سنن من أربعة أنبياء سنة من موسى وسنة من عيسى وسنة من يوسف وسنة من محمد صلوات الله عليهم أجمعين، فقلت: ما سنة موسى؟ قال: خائف يترقب قلت: وما سنة عيسى؟ فقال: يقال فيه ما قيل في عيسى، قلت: فما سنة يوسف؟ قال: السجن والغيبة قلت: وما سنة محمد(صلى الله عليه وآله)؟ قال: إذا قام سار بسيرة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أنه يبين آثار محمد ويضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجا هرجا حتى يرضى الله، قلت: فكيف يعلم رضا الله؟ قال: يلقى الله في قلبه الرحمة)
1 ـ الغيبة ـ للنعماني ـ باب ما روي في غيبة الأمام المنتظر .
2 ـ كمال الدين وتمام النعمة ـ للصدوق ـ باب ما اخبر به ابو جعفر محمد بن علي ص329.
3 ـ بحار الأنوار ـ للمجلسي ـ ج52 ص347.
روايات أهل البيت هنا حددت تشابه سنة المهدي وسنة نبي الله يوسف عليهم السلام بفقرتين هما السجن والغيبة فقط.
ولكن لم نجد في أحاديث وروايات محمد وآل محمد عليهم السلام ما يشير صراحة على ان الأمام المهدي عليه السلام يسجن أن كان ذلك في غيبته الصغرى أوفي غيبته الكبرى او حتى بعد ظهوره وخروجه وأملاء الأرض عدلا وقسطا ،ومن قال أن الأمام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السلام سجن أو سوف يسجن عند ظهوره ، فاليأتنا بدليل واحد صحيح من روايات وأحاديث محمد وآل محمد عليهم السلام.
والشيخ الطوسي (رحمه الله) أدرك جيدا ان هذه الفقرة من الحديث لا تتفق مع أخبارات أهل البيت عليهم السلام بشأن المهدي ،ولذلك لجأ رحمه الله الى أيجاد مخرج ،حيث قال في كتابه الغيبة ص60 بعد أن ذكر الحديث أعلاه :ـ
(فما تضمن هذا الخبر من الخصال كلها حاصلة في صاحبنا (أي الأمام المهدي) فإن قيل صاحبكم لم يسجن في الحبس . قلنا : لم يسجن في الحبس وهو في معنى المسجون لانه بحيث لايوصل إليه ولايعرف شخصه على التعيين فكأنه مسجون).
وكلام الشيخ الطوسي (رحمه الله) مردود من وجوه.
أولا ـ كلام الأمام الباقر عليه السلام واضح في الحديث أعلاه لا يحتمل التؤيل حيث قال: أن صاحب هذا الأمر فيه سنّه من يوسف.
والسنة : هي الطريقة في تدبير الحكم ،والطريقة الجارية التي تجري بطبعها دائما أو غالبا ،وهي مشيئة الله وأمره الماضيين في خلقه ،قال الله تعالى في كتابه الكريم : ((سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)) سورة الأحزاب /62.
وكذلك تشير الآيات هنا الى أن ألله لا يغير سنته في خلقه ولا غيره قادر على ذلك ،وتجري فيكم سننه كما جرت سننه في الأمم السابقة.
وقال سبحانه وتعالى في سورة الأحزاب / الآية 38
(( مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا))
ونفهم من قوله تعالى (وكان أمر الله قدرا مقدورا)
أي يقدر من عنده سبحانه لكل أحد ما يلائم حاله ويناسبها.
أذن نستنتج من فهمنا لآيات الله البينات أن مراد الأمام من قوله (له سنه من يوسف) أن الله قد سنّ بأن يحبس في السجن صاحب الأمر كما كانت سنّته الجارية في نبي الله يوسف عليه السلام.
وأن قدرْْ الله وقضائه المبرم بأن يسجن يوسف كانت مطابقة لقضاء الله وقدره في صاحب الأمر.
ويتبين لنا أيضا إن الله سبحانه وتعالى كانت مشيئته الماضية في صاحب الأمر عليه السلام وهي السجن ،كما كانت مشيئته سبحانه في نبي الله يوسف عليه السلام
ثانيا ـ تشبيه الأمام هنا صلوات الله عليه وعلى آله تشبيه حقيقي وليس تشبيه معنوي بين صاحب الأمر ونبي الله يوسف عليهما السلام ،حيث قال رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله:
(( كائن في امتي ما كان في بني إسرائيل، حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ...))
1ـبحار الأنوار ج36 ص248 .
2 ـ كفاية الأثر في النص على الأئمة الأثني عشر ج1 ص18 .
ـ ومن الصحيحين، عن أبي سعيد الخدري أنرسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى قال: فمن).
بحار الأنوار ج28 ص30.
ـ وعن جابر بن عبدالله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن استقمتم على الطريقة لعلي في ولايته اسقيتم ماء غدقا، وأكلتم من فوق رؤسكم ومن تحت أرجلكم، وأن لم تستقيموا اختلفت كلمتكم وشمت بكم عدوكم، ولتتبعن بني إسرائيل شيئا شيئا، لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم فيه ! وطوبى لمن تمسك بولاية علي من بعدي حتى يموت وبلغني وأنا عنه راض).
ونفهم هنا من أحاديث رسول الله (ص) مدى التطابق الكبير في مفردات سنن الله الماضية في الأمم السابقة وسنة الله في هذه الأمة ،ويخبرنا رسول الله (ص) أن في هذه الأمة سنة أن تخالف أصحابه وصيته في وصيه وخليفته علي عليه السلام وتغدر به ،كما كانت سنّة الله في أصحاب الأنبياء في بني أسرائيل خالفوا وصايا أنبيائهم بالتمسك بأوصيائهم من بعدهم وارتدوا على أدبارهم.
ويجري ذلك على الأمام المهدي عليه السلام بأن يسجن الأمام في سجون الظالمين كما أخبرنا الأمام الباقر عليه السلام بذلك بقوله: له سنة من يوسف وهي السجن في سجون الظالمين.
ـ" أبن أمه سوداء "ـ
الأمام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السلام أمه نرجس الرومية بنت ملك الروم وأمها من ذرية أحد حواري عيسى علية السلام.
والمعروف لدا الكل أن الشعب الرومي المعروف اليوم بالشعب الأوربي هو شعب ذو بشرة بيضاء أو المسمى بالجنس الأبيض والمتميز عن الأجناس الأخرى مثل الجنس الأسود والجنس الأصفر.
ونرجس سلام الله عليها هي بالنتيجة تكون أمرأة بيضاء لأنتمائها الى هذا الجنس الأبيض ،ولذلك جائت الأخبار أن أحد صفات الأمام المهدي عليه السلام أنه أبيض اللون .
قال أمير المؤمنين عليه السلام - وهوعلى المنبر -: يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض اللون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين بظهره شامتان: شامة على لون جلده وشامة على شبه شامة النبي صلى الله عليه وآله...) كمال الدين وتمام النعمة ـ للصدوق ـ ص653 .
ولكن في الحديث أعلاه يذكر الأمام الباقر عليه السلام ان الأمام المهدي عليه السلام أبن أمة سوداء وليس أبن أمة بيضاء وهذا مخالف للمشهور ،وقد أدرك جيدا العلامة المجلسي أن هذه الخصلة من الحديث لا يمكن أن تنطبق على صاحب الأمر الأمام المهدي أرواحنا له الفداء فعمد الى تؤيل كلام الأمام الباقر عليه السلام مرتابا في تؤيله هذا ،حيث قال رحمه الله في كتاب بحار الأنوار ما نصه:
(بيان: قوله عليه السلام: " ابن أمة سوداء ، يخالف كثيرا من الاخبار التي وردت في وصف امه عليه السلام ظاهرا إلا أن يحمل على الام بالواسطة أو المربية).
والواضح من كلام المجلسي (رحمه الله) التأكيد على أن أم الأمام المهدي عليه السلام ليست بأمة سوداء ،ويحمل ضناً منه وليس يقينا كلام الأمام الباقر عليه السلام على أنها الأم التي قامت برعاية وتربية الأمام المهدي عليه السلام.
وكلام المجلسي (رحمه الله) أيضا مردود من وجوه.
أولا ـ المراد من كلام الأمام الباقر عليه السلام في هذا الحديث هو الدلالة والتعيين على معرفة صاحب الأمر وعدم الأشتباه به وإتباعهُ وتمييزهُ ودعوته من الدعوات المنحرفة التي سوف تظهر قبله والتي تظهر منها متزامنة مع دعوته عليه السلام .
عن المفضل بن عمر قال: سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول...ولترفعن اثنى عشر راية مشتبهة لا يدرون امرها ما تصنع. قال المفضل: فبكيت وقلت سيدي وكيف تصنع أولياؤكم؟ فنظر الى شمس قد دخلت في الصفة فقال: ترى هذه الشمس يا مفضل؟ قلت نعم يا مولاي ، قال: والله لأمرنا انور من هذه الشمس ) .
1 ـ الغيبة ـ للشيخ الطوسي ـ ج1 ص348
2 ـ الغيبة ـ للنعماني ـ الباب العاشر، ج14 ص14 .
وأمر الأمام المهدي عليه السلام أمر ينتظره العالم بأسره لأنه هو الأمل الذي تُمد اليه الأعناق بالخلاص من الظلم والجور الذي ظهر على العالم أجمع.
وأمر الأمام المهدي عليه السلام أمر عظيم قد أكدت عليه رُسوُل الله وأنبيائه وأئمة أهل البيت عليهم السلام على وجود مخلص في آخر الزمان ووجوب معرفته ونصرته ومن تخلف عنه أو زاغ عن نصرته فقد زاغ عن الحق وخرج من الدين الحنيف.
عن الصادق جعفربن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال:قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من أنكر القائم من ولدي فقد أنكرني). كمال الدين وتمام النعمة ـ باب في من أنكر القائم الثاني عشر من الأئمة عليهم السلام.
فليس من الصواب أن نحمل كلام الأمام عليه السلام على معناً آخر غير معناه الحقيقي ،والأمام المهدي عليه السلام وأمره من عقائد الدين الحنيف .هذا من جهه ومن جهة أخرى أذا حملنا معنى كلام الأمام على أن المراد بالأمة السوداء أمهُ بالواسطة أو المربيه ،قد بطل التعيين والأستدلال على شخصية الأمام المهدي عليه السلام ومعرفته ،وقد وضع الأمام علامة ضنيّة غير ثابته عقلا والمسألة سوف تكون قابلة للكذب والتصديق عند الظهور المقدس.
ثانيا ـ لايوجد في التأريخ وأخبارات أهل البيت ذكر لأي أمرأة تكفلت بتربية الأمام المهدي علية السلام والأهتمام به بعد موت السيدة نرجس سلام الله عليها أو ذكر أسمها أو صفتها بأنها سوداء اللون .
ثالثا ـ ذكر العلامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار حديث واضح في معناه وضوح الشمس في رابعة النهار على إن أم صاحب الأمر التي ولدته هي أمرإة سوداء.
عن زيد الكناسي قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام يقولنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة إن صاحب هذا الامر فيه شبه من يوسف من أمة سوداء يصلح الله له أمره في ليلة) .
بحار الأنوار ج51 ص42 .
اللهم صلي على محمد وال محمد
وعجل فرجهم واهلك عدوهم ياكريم
القارئ الباحث المنقب في أحاديث وروايات الرسول الأعظم وأهل البيت حول المهدي عليه السلام بما جآئت به كتب الشيعة والسنة على حداً سواء ،سيجد بدون شك أختلافات واضحة وتضارب في كلامهم من حيث الصفات الجسمية ، عمره الشريف في سنة الظهور ، وولادته عليه السلام وجهة ومكان الظهور وأمور أخرى كثيرة ، والتي لا تولد الا الشك والضنون عند القارئ من جهه ومن جهة أخرى تجبرنا الى أختراع تأويلات غير منطقية لمحاولة سد الثغرات في هذا التضارب الواضح .
ومعاذا الله أن يكون الرسول وأهل بيته صلوات الله عليهم مرادهم هو التضارب في كلامهم وبالتالي أختلاف أمة محمد وتكفير وضرب رقاب بعضهم البعض . وكيف وهم الرحمة الألهية المهداة للعالمين أجمعين .
وفي هذه المشاركة أردت أن أناقش أحد أحاديث أهل البيت عليهم السلام حول صاحب الأمر الأمام المهدي مكن الله له في الأرض قاصدا المعنى بالأبتعاد عن حشو الكلام متوكلا على الله سبحانه وتعالى فهو حسبي ونعم المعين ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .
عبد الواحد بن محمد، عن أبي عمير الليثي، عن محمد بن مسعود، عن محمد بن علي القمي، عن محمد بن يحيى، عن إبراهيم بن هاشم، عن أبي أحمد الازدي، عن ضريس الكناسي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (إن صاحب هذا الامر فيه سنة من يوسف ابن أمة سوداء يصلح الله أمره في ليلة واحدة).
1 ـ بحار الأنوار ـ للمجلسي ـ ج51 ص218.
2 ـ الغيبة ـ للنعماني ـ باب ما روي في صفته وسيرته وفعله وما نزل من القرآن فيه.
3 ـ كمال الدين وتمام النعمة ـ للصدوق ـ باب ما أخبر به أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام.
وسوف نناقش بأذن الله تعالى كل فقرة من فقرات الحديث كل على حده بعرضه على أحاديث أهل البيت عليهم السلام لنرى بحول الله وقوته أن كان الحديث يدل على أن المقصود والمشار اليه بصاحب الأمر هو الأمام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السلام او هو شخص آخر قد أخفوهُ عنا أهل البيت عليهم السلام لأمر ما أو لآخر.
ـ" فيه سنه من يوسف " ـ
جائت أحاديث وروايات أهل البيت تشير الى أن في صاحب الأمر الأمام المهدي عليه السلام سنن كثير من الأنبياء عليهم السلام وله من هذه السنن سنه من نبي الله يوسف عليه السلام ،وأذكر أولا أحاديث أهل البيت عليهم السلام بهذا الشأن.
ـ عن أبي بصيرقال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (في صاحب هذا الامر أربع سنن من أربعة أنبياء، سنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد صلوات الله عليهم أجمعين، فأما من موسى فخائف يترقب، وأما من يوسف فالسجن، وأما من عيسى فيقال له: إنه مات ولم يمت، وأما من محمد صلى الله عليه وآله فالسيف) .
1ـ الأمامة والتبصرة ـ للصدوق ـ ص94 .
2 ـ كمال الدين وتمام النعمة ـ للصدوق ـ ص158 .
3 ـ الغيبة ـ للطوسي ـ ص60 .
4 ـ بحار الأنوار ـ للمجلسي ـ ج51 ص217 .
5 ـ إعلام الورى بأعلام الهدى ـ الشيخ الطبرسي ـ ج2 ص233 .
عن أبى بصير قال: سمعت أبا جعفر الباقر(عليه السلام) يقول: ( في صاحب هذا الامر سنن من أربعة أنبياء سنة من موسى وسنة من عيسى وسنة من يوسف وسنة من محمد صلوات الله عليهم أجمعين، فقلت: ما سنة موسى؟ قال: خائف يترقب قلت: وما سنة عيسى؟ فقال: يقال فيه ما قيل في عيسى، قلت: فما سنة يوسف؟ قال: السجن والغيبة قلت: وما سنة محمد(صلى الله عليه وآله)؟ قال: إذا قام سار بسيرة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أنه يبين آثار محمد ويضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجا هرجا حتى يرضى الله، قلت: فكيف يعلم رضا الله؟ قال: يلقى الله في قلبه الرحمة)
1 ـ الغيبة ـ للنعماني ـ باب ما روي في غيبة الأمام المنتظر .
2 ـ كمال الدين وتمام النعمة ـ للصدوق ـ باب ما اخبر به ابو جعفر محمد بن علي ص329.
3 ـ بحار الأنوار ـ للمجلسي ـ ج52 ص347.
روايات أهل البيت هنا حددت تشابه سنة المهدي وسنة نبي الله يوسف عليهم السلام بفقرتين هما السجن والغيبة فقط.
ولكن لم نجد في أحاديث وروايات محمد وآل محمد عليهم السلام ما يشير صراحة على ان الأمام المهدي عليه السلام يسجن أن كان ذلك في غيبته الصغرى أوفي غيبته الكبرى او حتى بعد ظهوره وخروجه وأملاء الأرض عدلا وقسطا ،ومن قال أن الأمام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السلام سجن أو سوف يسجن عند ظهوره ، فاليأتنا بدليل واحد صحيح من روايات وأحاديث محمد وآل محمد عليهم السلام.
والشيخ الطوسي (رحمه الله) أدرك جيدا ان هذه الفقرة من الحديث لا تتفق مع أخبارات أهل البيت عليهم السلام بشأن المهدي ،ولذلك لجأ رحمه الله الى أيجاد مخرج ،حيث قال في كتابه الغيبة ص60 بعد أن ذكر الحديث أعلاه :ـ
(فما تضمن هذا الخبر من الخصال كلها حاصلة في صاحبنا (أي الأمام المهدي) فإن قيل صاحبكم لم يسجن في الحبس . قلنا : لم يسجن في الحبس وهو في معنى المسجون لانه بحيث لايوصل إليه ولايعرف شخصه على التعيين فكأنه مسجون).
وكلام الشيخ الطوسي (رحمه الله) مردود من وجوه.
أولا ـ كلام الأمام الباقر عليه السلام واضح في الحديث أعلاه لا يحتمل التؤيل حيث قال: أن صاحب هذا الأمر فيه سنّه من يوسف.
والسنة : هي الطريقة في تدبير الحكم ،والطريقة الجارية التي تجري بطبعها دائما أو غالبا ،وهي مشيئة الله وأمره الماضيين في خلقه ،قال الله تعالى في كتابه الكريم : ((سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)) سورة الأحزاب /62.
وكذلك تشير الآيات هنا الى أن ألله لا يغير سنته في خلقه ولا غيره قادر على ذلك ،وتجري فيكم سننه كما جرت سننه في الأمم السابقة.
وقال سبحانه وتعالى في سورة الأحزاب / الآية 38
(( مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا))
ونفهم من قوله تعالى (وكان أمر الله قدرا مقدورا)
أي يقدر من عنده سبحانه لكل أحد ما يلائم حاله ويناسبها.
أذن نستنتج من فهمنا لآيات الله البينات أن مراد الأمام من قوله (له سنه من يوسف) أن الله قد سنّ بأن يحبس في السجن صاحب الأمر كما كانت سنّته الجارية في نبي الله يوسف عليه السلام.
وأن قدرْْ الله وقضائه المبرم بأن يسجن يوسف كانت مطابقة لقضاء الله وقدره في صاحب الأمر.
ويتبين لنا أيضا إن الله سبحانه وتعالى كانت مشيئته الماضية في صاحب الأمر عليه السلام وهي السجن ،كما كانت مشيئته سبحانه في نبي الله يوسف عليه السلام
ثانيا ـ تشبيه الأمام هنا صلوات الله عليه وعلى آله تشبيه حقيقي وليس تشبيه معنوي بين صاحب الأمر ونبي الله يوسف عليهما السلام ،حيث قال رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله:
(( كائن في امتي ما كان في بني إسرائيل، حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ...))
1ـبحار الأنوار ج36 ص248 .
2 ـ كفاية الأثر في النص على الأئمة الأثني عشر ج1 ص18 .
ـ ومن الصحيحين، عن أبي سعيد الخدري أنرسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى قال: فمن).
بحار الأنوار ج28 ص30.
ـ وعن جابر بن عبدالله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن استقمتم على الطريقة لعلي في ولايته اسقيتم ماء غدقا، وأكلتم من فوق رؤسكم ومن تحت أرجلكم، وأن لم تستقيموا اختلفت كلمتكم وشمت بكم عدوكم، ولتتبعن بني إسرائيل شيئا شيئا، لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم فيه ! وطوبى لمن تمسك بولاية علي من بعدي حتى يموت وبلغني وأنا عنه راض).
ونفهم هنا من أحاديث رسول الله (ص) مدى التطابق الكبير في مفردات سنن الله الماضية في الأمم السابقة وسنة الله في هذه الأمة ،ويخبرنا رسول الله (ص) أن في هذه الأمة سنة أن تخالف أصحابه وصيته في وصيه وخليفته علي عليه السلام وتغدر به ،كما كانت سنّة الله في أصحاب الأنبياء في بني أسرائيل خالفوا وصايا أنبيائهم بالتمسك بأوصيائهم من بعدهم وارتدوا على أدبارهم.
ويجري ذلك على الأمام المهدي عليه السلام بأن يسجن الأمام في سجون الظالمين كما أخبرنا الأمام الباقر عليه السلام بذلك بقوله: له سنة من يوسف وهي السجن في سجون الظالمين.
ـ" أبن أمه سوداء "ـ
الأمام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السلام أمه نرجس الرومية بنت ملك الروم وأمها من ذرية أحد حواري عيسى علية السلام.
والمعروف لدا الكل أن الشعب الرومي المعروف اليوم بالشعب الأوربي هو شعب ذو بشرة بيضاء أو المسمى بالجنس الأبيض والمتميز عن الأجناس الأخرى مثل الجنس الأسود والجنس الأصفر.
ونرجس سلام الله عليها هي بالنتيجة تكون أمرأة بيضاء لأنتمائها الى هذا الجنس الأبيض ،ولذلك جائت الأخبار أن أحد صفات الأمام المهدي عليه السلام أنه أبيض اللون .
قال أمير المؤمنين عليه السلام - وهوعلى المنبر -: يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض اللون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين بظهره شامتان: شامة على لون جلده وشامة على شبه شامة النبي صلى الله عليه وآله...) كمال الدين وتمام النعمة ـ للصدوق ـ ص653 .
ولكن في الحديث أعلاه يذكر الأمام الباقر عليه السلام ان الأمام المهدي عليه السلام أبن أمة سوداء وليس أبن أمة بيضاء وهذا مخالف للمشهور ،وقد أدرك جيدا العلامة المجلسي أن هذه الخصلة من الحديث لا يمكن أن تنطبق على صاحب الأمر الأمام المهدي أرواحنا له الفداء فعمد الى تؤيل كلام الأمام الباقر عليه السلام مرتابا في تؤيله هذا ،حيث قال رحمه الله في كتاب بحار الأنوار ما نصه:
(بيان: قوله عليه السلام: " ابن أمة سوداء ، يخالف كثيرا من الاخبار التي وردت في وصف امه عليه السلام ظاهرا إلا أن يحمل على الام بالواسطة أو المربية).
والواضح من كلام المجلسي (رحمه الله) التأكيد على أن أم الأمام المهدي عليه السلام ليست بأمة سوداء ،ويحمل ضناً منه وليس يقينا كلام الأمام الباقر عليه السلام على أنها الأم التي قامت برعاية وتربية الأمام المهدي عليه السلام.
وكلام المجلسي (رحمه الله) أيضا مردود من وجوه.
أولا ـ المراد من كلام الأمام الباقر عليه السلام في هذا الحديث هو الدلالة والتعيين على معرفة صاحب الأمر وعدم الأشتباه به وإتباعهُ وتمييزهُ ودعوته من الدعوات المنحرفة التي سوف تظهر قبله والتي تظهر منها متزامنة مع دعوته عليه السلام .
عن المفضل بن عمر قال: سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول...ولترفعن اثنى عشر راية مشتبهة لا يدرون امرها ما تصنع. قال المفضل: فبكيت وقلت سيدي وكيف تصنع أولياؤكم؟ فنظر الى شمس قد دخلت في الصفة فقال: ترى هذه الشمس يا مفضل؟ قلت نعم يا مولاي ، قال: والله لأمرنا انور من هذه الشمس ) .
1 ـ الغيبة ـ للشيخ الطوسي ـ ج1 ص348
2 ـ الغيبة ـ للنعماني ـ الباب العاشر، ج14 ص14 .
وأمر الأمام المهدي عليه السلام أمر ينتظره العالم بأسره لأنه هو الأمل الذي تُمد اليه الأعناق بالخلاص من الظلم والجور الذي ظهر على العالم أجمع.
وأمر الأمام المهدي عليه السلام أمر عظيم قد أكدت عليه رُسوُل الله وأنبيائه وأئمة أهل البيت عليهم السلام على وجود مخلص في آخر الزمان ووجوب معرفته ونصرته ومن تخلف عنه أو زاغ عن نصرته فقد زاغ عن الحق وخرج من الدين الحنيف.
عن الصادق جعفربن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال:قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من أنكر القائم من ولدي فقد أنكرني). كمال الدين وتمام النعمة ـ باب في من أنكر القائم الثاني عشر من الأئمة عليهم السلام.
فليس من الصواب أن نحمل كلام الأمام عليه السلام على معناً آخر غير معناه الحقيقي ،والأمام المهدي عليه السلام وأمره من عقائد الدين الحنيف .هذا من جهه ومن جهة أخرى أذا حملنا معنى كلام الأمام على أن المراد بالأمة السوداء أمهُ بالواسطة أو المربيه ،قد بطل التعيين والأستدلال على شخصية الأمام المهدي عليه السلام ومعرفته ،وقد وضع الأمام علامة ضنيّة غير ثابته عقلا والمسألة سوف تكون قابلة للكذب والتصديق عند الظهور المقدس.
ثانيا ـ لايوجد في التأريخ وأخبارات أهل البيت ذكر لأي أمرأة تكفلت بتربية الأمام المهدي علية السلام والأهتمام به بعد موت السيدة نرجس سلام الله عليها أو ذكر أسمها أو صفتها بأنها سوداء اللون .
ثالثا ـ ذكر العلامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار حديث واضح في معناه وضوح الشمس في رابعة النهار على إن أم صاحب الأمر التي ولدته هي أمرإة سوداء.
عن زيد الكناسي قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام يقولنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة إن صاحب هذا الامر فيه شبه من يوسف من أمة سوداء يصلح الله له أمره في ليلة) .
بحار الأنوار ج51 ص42 .
تعليق