1ـالمقايسة بين آدم و بينهم عليهم السلام:
قال الله عز و جل/و قلنا يا آدم اسكن أنت و زوجك الجنة و كلا منها رغدا حيث شئتما و لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين*فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه/ـالآية (1) .
و قال عز و جل:/و يا آدم اسكن أنت و زوجك الجنة فكلا من حيث شئتما و لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين*فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما و قال ما نهيكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أو تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين*و قاسمهما إني لكما لمن الناصحين*فدليهمابغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما و طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة و ناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة و أقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين*/ (2) .
و قال عز و جل:/و لقد عهدنا الى آدم من قبل فنسي و لم نجد له عزما*و إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى*فقلنا يا ادم إن هذا عدو لك و لزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى*إن لك ألا تجوع فيها و لا تعرى*و أنك لا تظمؤا فيها و لا تضحى*فوسوس إليه الشيطان قال يا ادم هل أدلك على شجرة الخلد و ملك لا يبلى*فأكلا منها فبدت لهما سواتهما و طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة و عصى ادم ربه فغوى* (3)
خلاصة الآيات،أن الله عز و جل خلق آدم و زوجه،و اسكنهما الجنة و أباح لهما الجنة و جميع نعمه إلا قربهما من شجرة منهية،و أذن لهما في الأكل أكلا واسعا هنيئا من أي مكان كان لأنه عز و جل قال:/و كلا منها رغدا حيث شئتما و لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين*فأزلهما الشيطان عنها/أي حولها و زحزحهما عن الجنة/فأخرجهما مما كانا فيه/أي من ذلك المكان أو النعمة الذى كانا فيها/.و في سورة الأعراف:/فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما/و فى سورة طه:/و عصى آدم ربه فغوى/
أخى العزيز!شاهدت ما أوردناه قبلا من معنى التطهير من الرجس في اللغة بتطهيرهم من كل ما تنفر عنه الطبع و ما يعده العقل قبيحا،أفليست الزلة من آدم و زوجه مما يعده العقل قبيحا؟و ما معنى العصيان؟و ما معنى الغواية؟و هل علمت معنى/و لقد عهدنا إلى ادم من قبل فنسي و لم نجد له عزما؟/أنشدك الله و رسولهكيف تقايس آية التطهير بالآيات التى جاءت في آدم و زوجه؟هل/إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا/مساوية مع هذه الآيات:/لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين*فأزلهما الشيطان عنها و فوسوس لهما الشيطان و فدليهما بغرور و بدت لهما سواتهما و ألم أنهكما عن تلكما الشجرة و و لقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي و لم نجد له عزما و عصى آدم ربه فغوى؟/
و هل هذه الآيات التي جاءت في شأن آدم و زوجه و خروجهما عن الجنة بقربهما إلى الشجرة المنهية مساوية مع الآيات التي جاءت في سورة الإنسان في شأن علي عليه السلام و أهل بيته عليهم السلام و هي قوله تعالى:
/و يطعمون الطعام على حبه مسكينا و يتيما و أسيرا*إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء و لا شكورا*/ (4)
فآدم لما أن عصى زال فضله
و في هل أتى شكر الإمام على الرفد
خلاصة آيات سورة الدهر(الإنسان):/و يطعمون الطعام على حبه مسكينا و يتيما و أسيرا*/المراد بإطعام الطعام الإحسان إلى المحتاجين بأي وجه كان،و مؤاساتهم مع أن الطعام محبوب لهم لأنهم في حال الفاقة و الحاجة./إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء و لا شكورا*/أي لا نمن عليكم و لا نتوقع منكم مكافأة مما ينقص الأجر،و لا نطلب منكم مجازاة تكافئوننا بها و لا تشكرونا لدى الناس.و عن سعيد بن جبير:«أما و الله ما قالوه بألسنتهم و لكن علم الله ما في قلوبهم فأثنى به عليهم».
أيها القارىء الكريم!فانظر تفاسير العامة فى شأن نزول الآيات حتى اتضح
لك الحقيقة في المقايسة بين أهل البيتـصلوات الله عليهم أجمعينـو غيرهم.قال جار الله الزمخشري في تفسيره«الكشاف (5) »:«عن ابن عباسـرضى الله عنهـ:إن الحسن و الحسين عليهما السلام مرضا،فعادهما رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في ناس معه،فقالوا:يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك،فنذر علي و فاطمة عليهما السلام و فضه جارية لهما إن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام،فشفيا،و ما معهم شيء،فاستقرض علي عليه السلام من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير،فطحنت فاطمة عليها السلام صاعا فاختبزت خمسة أقراص على عددهم،فوضعوها بين أيديهم ليفطروا،فوقف عليهم سائل فقال:السلام عليكم،أهل بيت محمد!مسكين من مساكين المسلمين،أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة،فآثروه و باتوا لم يذوقوا إلا الماء،و أصبحوا صياما،فلما أمسوا و وضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه،و وقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك،فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن و الحسين عليهما السلام و أقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فلما أبصرهم و هم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال صلى الله عليه و آله و سلم:ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم،و قام فانطلق معهم،فرأى فاطمة عليها السلام في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها،و غارت عيناها،فساءه ذلك،فنزل جبرئيل عليه السلام و قال:خذها يا محمد،هناك الله في أهل بيتك،فأقرأه السورة».
و ذكر العلامة النيشابوري في تفسيره«غرائب القرآن (6) »عين ما تقدم،ثم قال:«و يروى أن السائل في الليالي جبرائيل،أراد بذلك ابتلاء هم بأذن الله سبحانه».
قال أبو الفضل شهاب الدين السيد محمود الآلوسي البغدادي في«روح المعاني (7) »بعد نقل ما تقدم من«الكشاف»بمثله:«و ما ذا عسى يقول امرؤ فيهما[يعني عليا و فاطمة عليها السلام]سوى أن عليا مولى المؤمنين،و وصي النبي صلى الله عليه و آله و سلم،وفاطمة البضعة الأحمدية و الجزء المحمدي صلى الله عليه و آله و سلم،و أما الحسنان فالروح و الريحان و سيدا شباب الجنان،و ليس هذا من الرفض بل ما سواه عندي هو الغي.و من اللطائف على القول بنزولها فيهم أنه سبحانه لم يذكر فيها الحور العين،و أنما صرح عز و جل بولدان مخلدين رعاية لحرمة البتول و قرة عين الرسول صلى الله عليه و آله و سلم».
أقول:و أن شئت زيادة توضيح فراجع:«الدر المنثور»،لجلال الدين السيوطي (8) ،و«البحر المحيط»لأبي حيان الأندلسي المغربي (9) ،«ينابيع المودة،للشيخ سليمان القندوزي الحنفي (10) و«كفاية الطالب»للحافظ الكنجي الشافعي (11) و فيه:«أن السائل الأول كان جبرئيل،و الثاني ميكائيل،و الثالث كان إسرافيل عليهم السلام .
2ـمقايسة بين الخليل عليه السلام و الأمير عليه السلام:
قال الله عز و جل في قصة إبراهيم:/و إذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى و لكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا و اعلم أن الله عزيز حكيم (12) /
خلاصة الآية أن إبراهيم عليه السلام لما رأى جيفة تمزقها سباع البر و البحر طلب من ربه أن يطلعه على كيفية إحياء الموتى،فأمره تعالى عز شأنه أن يأخذ أربعة من الطير فيقطعهن أجزاء،و يجعلها على عدة جبال،ثم يدعوهن إليه حتى يحصل له الاطمينان على كيفية إحياء الموتى.
أخى العزيز!لازم لك أن تتوجه بأن الخليل عليه السلام طلب من الله تعالى كيفيةالأحياء لا أصل الأحياء،و نظير هذا أن يقول القائل:«كيف يحكم زيد في الناس»؟و هو لا يشك أنه يحكم فيهم،و لو كان سائلا عن ثبوت الحكم يقول:«أيحكم زيد»؟فالقائل في الاول لا شك له في أصل الحكم بل في كيفيته.و إنما سأل الخليل عليه السلام أن يشاهد كيفية جمع أجزاء الموتى بعد تفرقها و إيصال الأعصاب و الجلود بعد تمزقها.
قال شهاب الدين الآلوسي في تفسيره«روح المعاني (13) :«يعجبني ما حرره بعض المحققين في هذا المقام و بسطه في الذب عن الخليل عليه السلام من الكلام،و هو أن السؤال لم يكن عن شك في أمر دينيـو العياذ باللهـو لكنه سؤال عن كيفية الإحياء ليحيط بها علما،و كيفية الاحياء لا يشترط في الإيمان الإحاطة بصورتها،و يدل على ذلك ورود السؤال بصيغة«كيف»موضوعها و السؤال عن الحالـإلى أن قالـو معنى الطمأنية حينئذ سكون القلب عن الجولان في كيفيات الإحياء المتحملة بظهور التصوير المشاهد،و عدم حصول هذه الطمانينة قبل لا ينافي حصول الايمان بالقدرة على الاحياء على أكمل الوجوه،و لا أرى رؤية الكيفية زادت في إيمانه المطلوب منه عليه السلام شيئا و إنما افادت أمرا لا يجب الايمان به.
و من هنا تعلم أن علياـكرم الله وجههـلم يثبت لنفسه مرتبة في الإيمان أعلى من مرتبة الخليل فيه،بقوله عليه السلام:«لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا»كما ظنه جهلة الشيعة و كثير من أصحابنا لما لم يقف على ما حررنا تجشم لدفع ما عسى أن يتوهم من كلامي الخليل و الأمير من أفضلية الثاني على الأول (14) ».
و عن العلامة الطباطبائي رحمه الله في تفسير«الميزان (15) »:«و الطمأنينة و الإطمينانسكون النفس بعد انزعاجها و اضطرابها،و هو مأخوذ من قولهم اطمأنت الأرض،و أرض مطمئنة إذا كانت فيه انخفاض يستقر فيها الماء إذا سال إليهاـإلى أن قالـقوله تعالى حكاية عنه عليه السلام«ليطمئن قلبي»مطلق يدل على كون مطلوبه عليه السلام من هذا السؤال حصول الايمان المطلق و قطع منابت كل خطور قلبي و أعراقه».
و عن الفخر الرازي في«تفسيره الكبير» (16) :«قوله تعالى:«قال بلى و لكن ليطمئن قلبي»قالوا:و المراد منه أن يزول عنه الخواطر التي تعرض للمستدل».
أيها القارىء العزيز!إذا سأل الخليل عليه السلام أن يريه الله عز و جل كيفية الاحياء حتى يحصل له الاطمينان و يرتفع عنه كل خطور الجنان يظهر لك أن في نفسه الشريفة حالات و خواطر و إلا كان سؤاله عليه السلام عن كيفية إحياء الموتى عبثا،فما تقول في هذه الخواطر و الوساوس هل هي موجودة في أهل البيت عليهم السلام أو أذهبها الله عنهم كلها و طهرهم منها تطهيرا؟فأنت إذا أمعنت النظر فيما سبق عرفت أن جميع أنواع الرجس مطلقا سواء كان عصيانا أو وسوسة أو اضطرابا أو شكا مدفوعة عنهمـصلوات الله عليهم أجمعينـفبهذا البيان ظهر فضله عليه السلام عليه عليه السلام بلا ريب.
نعم،بقي هناشي لازم أن نشير إليه و هو أن ما استفدناه من الآيةـمن أن في نفس الخليل عليه السلام أحوالا و خواطرا،و هي منتفية عن أهل البيت عليهم السلامـإنما يصح إذا كان مورد الإطمينان و متعلقه في قوله عليه السلام إحياء الموتى،و أما إذا كان موضع الإطمينان الخلة كما جاءت في الرواية فلا،و الرواية هذه:عن علي بن محمد بن الجهم قال:«حضرت مجلس المأمون و عنده الرضا عليه السلام،فقال له المأمون:يا بن رسول الله!أليس من قولك أن الأنبياء معصومون؟قال عليه السلام:بلى،قال:فما معنى قول الله عز و جل:«و عصى آدم ربه فغوى (17) »ـإلى أن قال:ـفأخبرني عن قولإبراهيم عليه السلام:«رب أرني كيف تحيى الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى و لكن ليطمئن قلبي (18) ».قال الرضا عليه السلام:إن الله كان أوحى إلى إبراهيم عليه السلام أني متخذ من عبادي خليلا إن سألني إحياء الموتى أجبته.فوقع في نفس إبراهيم عليه السلام أنه ذلك الخليل،فقال :رب أرني كيف تحيى الموتى؟قال:أو لم تؤمن؟قال:بلى و لكن ليطمئن قلبي على الخلة (19) ».
أقول:هذا الحديث و إن جاء في كتب الحدث ك«العيون»و«تفسير البرهان»و«نور الثقلين»،إلا أنه لا يخلو عن شىء كما قال العلامة الطباطبائي رحمه الله في«تفسير الميزان» (20) «فما نقله[علي بن الجهم]من جوابه عليه السلام في آدم لا يوافق مذهب أئمة أهل البيت عليهم السلام المستفيض عنهم من عصمة الأنبياء من الصغائر و الكبائر قبل النبوة و بعدها،فالرواية لا تخلو عن شيء».و الله أعلم.
كون الخليل عليه السلام من شيعة الامير عليه السلام
قال الله تعالى:/و إن من شيعته لإبراهيم (21) /.قال القرطبي في تفسيره الكبير«الجامع لأحكام القرآن(22) »:«قال الكلبي و الفراء:المعنى:و إن من شيعة محمد صلى الله عليه و آله و سلم لأبراهيم .فالهاء في«شيعته»على هذا لمحمد صلى الله عليه و آله و سلم،و على الأول[أي على قول ابن عباس و مجاهد]لنوح».
و قال الطبري في تفسير (23) :«و قد زعم بعض أهل العربية أن معنى ذلك:و إن من شيعة محمد صلى الله عليه و آله و سلم لإبراهيم».
قال الفخر الرازي:«الضمير فى قوله من«شيعته»إلى ماذا يعود؟فيه قولان:الأولـو هو الأظهرـإنه عائد إلى نوح عليه السلام.الثاني:قال الكلبي:المراد من شيعة محمد صلى الله عليه و آله و سلم لإبراهيم(24) ».
قال الآلوسي:«و ذهب الفراء إلى أن ضمير«شيعته»لنبينا محمد صلى الله عليه و آله و سلمـإلى أن قال:ـو قلما يقال للمتقدم هو شيعة المتأخر،و منه قول الكميتـ(رحمه الله)ـ:
و مالى إلا آل أحمد شيعة
و ما لي إلا مشعب الحق مشعب (25)
قال العلامة الطباطبائي:/و إن من شيعته لإبراهيم،الشيعة هم القوم المشايعون لغيرهم الذاهبون على أثرهم،و بالجملة كل من وافق غيره في طريقته فهو من شيعته،تقدم أو تأخر،قال تعالى :/و حيل بينهم و بين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل (26) /.
أيها القارىء الكريم!أنت بعد ما لاحظت أقوال المفسرين،و علمت آرائهم يحصل لك الإطمينان بأن الهاء في«شيعته»يمكن أن يعود إلى المتقدم أو المتأخر،أي إن المفسرين يجوزون أن يعود الضمير إلى نوح عليه السلام لأنه عليه السلام تقدم ذكره قبل إبراهيم عليه السلام أو إلى نبينا محمد صلى الله عليه و آله و سلم فإذا جاز عود الضمير إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يجوز أن يعود إلى أخيه و وصيه و عيبة علمه الذي هو بمنزلة نفسه و روحه مع ورود دليل نقلي يؤيده عن طريق أهل البيتـصلوات الله عليهم أجمعينـ،و إليك بعض نصوصها :
عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال:«قوله عز و جل:/و إن من شيعته لإبراهيم/أيإبراهيم عليه السلام من شيعة علي عليه السلام (27) ».
و سأل جابر بن يزيد الجعفي جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام عن تفسير هذه الآية:«و إن من شيعته لابراهيم»فقال عليه السلام:«إن الله سبحانه لما خلق إبراهيم عليه السلام كشف له عن بصره،فنظر فرأى نورا إلى جنب العرش فقال:إلهي!ما هذا النور؟فقيل:هذا نور محمد صلى الله عليه و آله و سلم صفوتي من خلقي و رأى نورا إلى جنبه،فقال:إلهي!و ما هذا النور؟فقيل له:هذا نور علي بن أبي طالب ناصر دينى.و رأى إلى جنبهما ثلاثة أنوار،فقال:إلهي!و ما هذه الأنوار؟فقيل:هذه نور فاطمة فطمت محبيها من النار،و نور ولديها الحسن و الحسين.فقال :إلهي و أرى تسعة أنوار قد حفوا بهم (28) .قيل:يا إبراهيم!هؤلاء الأئمة من ولد علي و فاطمة،فقال إبراهيم:إلهي!بحق هؤلاء الخمسة إلا ما عرفتني من التسعة؟فقيل:يا إبراهيم!أولهم علي بن الحسين،و ابنة محمد،و ابنة جعفر،و ابنة موسى،و ابنة على،و ابنة محمد،و ابنة على،و ابنة الحسن،و الحجة القائم إبنهـصلوات الله عليهم أجمعينـ.فقال إبراهيم:إلهي و سيدي!أرى أنوارا قد أحدقوا بهم لا يحصي عددهم إلا أنت.قيل:يا إبراهيم!هؤلاء شيعتهم شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام .فقال إبراهيم:و بما تعرف شيعته؟فقال:بصلاة إحدى و خمسين،و الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم،و القنوت قبل الركوع،و التختم في اليمين.فعند ذلك قال إبراهيم:اللهم اجعلني من شيعة أمير المؤمنين،قال:فأخبر الله في كتابه فقال:/و إن من شيعته لإبراهيم/ (29) .
3ـالمقايسة بين موسى و علي عليهما السلام:
قال الله عز و جل فىـقصة موسى:/فلما أتيها نودي من شاطىء الواد الأيمن فيالبقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين*و أن ألق عصاك فلما راها تهتز كأنها جآن ولى مدبرا و لم يعقب يا موسى أقبل و لا تخف إنك من الآمنين*اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء و اضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون و ملائه إنهم كانوا قوما فاسقين*قال رب إني قتلت منهم نفسا فاخاف أن يقتلون*/ (30)
خلاصة الآيات:أن موسىـعلى نبينا و آله و عليه السلامـلما رجع من مدين مع أهله،و ما معه من الغنم ضل الطريق،و بينما هو كذلك إذ رأى نارا تضيء عن بعد،فقال لأهله:انتظروا قليلا إني أبصرت نارا لعلي اتيكم منها بخبر الطريق أو آتيكم بقطعة من الحطب فيها نار لتستدفئوا بها من البرد،فلما جاء إلى النار التي أبصرها من جانب الطور ناداه ربه من الجانب الأيمن من الوادي:يا موسى!إني أنا الله رب العالمين،و أمره تعالى أن يلقي عصاه حتى يكون آية على نبوته من الله تعالى،فألقاها فصارت حية تسعى،فلما و رآها تتحرك و تضطرب كأنها جان من الحيات لسرعة عدوها و خفه حركتها خاف موسى عليه السلام و ولى مدبرا و لم يرجع،فجاءه النداء من الله تعالى:يا موسى!أقبل و لا تخف مما تهرب منه،هي عصاك،إنما أردنا أن نريك آية لتكون عونك،يا موسى!أدخل يدك في جيب قميصك تخرج و لها شعاع يضىء من غير سوء و لا برص.
فلما خاف موسى عليه السلام من العصا تارة،و من شعاع يده مرة اخرى،أمره ربه أن تضع يده على صدره ليزول ما به من الخوف و الدهشة كما يشاهد من حال الطير إذا خاف نشر جناحيه،و إذا أمن ضمهما إليه.ثم قال عز و جل:يا موسى!فذانك برهانان،أي ما تقدم من جعل العصا حية،و خروج اليد بيضاء من غير سوء،و هما دليلان واضحان على قدرة ربك و صحة نبوتك،فبناء على ذلك فاذهب إلىفرعون و ملائه إنهم قد طغوا.قال:رب إني قتلت منهم نفسا و أخاف منهم أن يقتلون.
أيها القارىء الكريم!انشدك بالله،هل تجد منصفا يقضي بالمساواة بين هذه الآيات التي جاءت في موسى عليه السلام مع اشتمالها على خوفه من الحية و هربه منها و خوفه من القتل،و بين آية التطهير التي هي مشتملة على إذهاب جميع أنواع الرجس عن أهل البيت عليهم السلام حتى الاضطراب و الوسوسة و الريب و الخوف؟و يقول:لا فرق بين هذه الآيات و الآية التي جائت في تضحية علي عليه السلام بنفسه الشريفة،و ذلك حين أراد النبي صلى الله عليه و آله و سلم الهجرة من مكة أمره عليه السلام أن ينام و يبيت في فراشه؟!و هي قوله عز و جل:/و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله و الله رؤف بالعباد (31) /.
و قد روى كثير من علماء العامة نزولها في أمير المؤمنين عليه السلام.قال الفخر الرازي :«في سبب النزول روايات،(و الرواية الثالثة)نزلت في علي بن أبي طالب،بات على فراش رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ليلة خروجه إلى الغار،و يروى أنه لما نام على فراشه قام جبرئيل عليه السلام عند رأسه،و ميكائيل عند رجليه،و جبرئيل ينادي:بخ بخ،من مثلك يا ابن أبي طالب؟يباهي الله بك الملائكة،و نزلت الآية (32) ».
و قال ابو حيان الاندلسي:«و قيل:نزلت في علي عليه السلام حين خلفه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بمكة لقضاء ديونه و رد الودائع،و أمره بمبيته على فراشه ليلة خرج مهاجرا صلى الله عليه و آله و سلم (33) ».
و قال الآلوسي:«و قال الإمامية و بعض منا:إنها نزلت في عليـكرم الله تعالىوجههـحين استخلفه النبي صلى الله عليه و آله و سلم على فراشه بمكة لما خرج إلى الغار (34) ».
و قال القرطبي:«و قيل:نزلت في عليـرضى الله عنهـحين تركه النبي صلى الله عليه و آله و سلم على فراشه ليلة خرج إلى الغار،على ما يأتي بيانه في براءة إن شاء الله (35) ».
و قال الحافظ،الشيخ سليمان الحنفي القندوزي:«قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم :أوحى الله إلى جبرئيل و ميكائيل:أني آخيت بينكما و جعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه،فايكما يؤثر أخاه عمره؟فكلاهما كرها الموت،فأوحى الله إليهما:أني آخيت بين علي وليي و بين محمد نبيي،فآثر علي حياته للنبي،فرقد على فراش النبي يقيه بمهجته،اهبطا إلى الأرض و احفظاه من عدوه،فهبطا فجلس جبرئيل عند رأسه،و ميكائيل عند رجليه،و جعل جبرئيل يقول:بخ بخ،من مثلك يا ابن أبي طالب؟و الله عز و جل يباهي بك الملائكة،فأنزل الله الآية (36) ».
و لنزول هذه الآية في شأن علي عليه السلام مصادر عديدة من كتب العامة و الخاصة،فإن شئت أكثر مما ذكرنا فراجع«تذكرة الخواص»،و«كفاية الطالب»،و«البحار»،(ج 9،ط أمين الضرب)و«مسند أحمد»،و«الفصول المهمة»،و تفاسير الفريقين ذيل الآية الشريفة.
و يعجبني أن اورد ما ذكره عبد الكريم الخطيب في كتابه القيم«علي ابن أبي طالب بقية النبوة و خاتم الخلافة (37) »،قال:«لقد دعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عليا ليلة الهجرة،و طلب إليه أن يبيت في المكان الذي اعتاد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم أن يبيت فيه،و أن يتغطى بالبرد الحضرمي الذي كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم يتغطى به حتى إذا نظر ناظر منقريش إلى الدار رأى كأن النبي صلى الله عليه و آله و سلم نائم في مكانه مغطى بالبرد الذي يتغطى به.و هذا الذي كان من علي في ليلة الهجرة إذا نظر إليه في فجر الإحداث التي عرضت للإمام علي في حياته بعد تلك الليلة فإنه يرفع لعيني الناظر أمارات واضحة و إشارات دالة على أن هذا التدبير الذي كان في تلك الليلة لم يكن أمرا عارضا،بل هو عن حكمة لها آثارهاـإلى أن قال:ـإنه إذا غاب شخص الرسول كان علي هو الشخصية المهياة لأن تخلفه و تمثل شخصه و تقوم مقامه.
حين نظرنا إلى علي و هو في برد الرسول و في مثوى منامه الذي اعتاد أن ينام فيه فقلنا :هذا خلف الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و القائم مقامهـانتهى ملخصا».
4ـالمقايسة بين زكريا و على عليهما السلام:
قال الله عز و جل في قصة زكريا:/قال رب إني وهن العظم مني و اشتعل الرأس شيبا و لم أكن بدعائك رب شقيا*و إني خفت الموالي من ورائي و كانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا*يرثني و يرث من آل يعقوب و اجعله رب رضيا*يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا*قال رب أنى يكون لي غلام و كانت امرأتي عاقرا و قد بلغت من الكبر عتيا*قال كذلك قال ربك هو علي هين و قد خلقتك من قبل و لم تك شيئا*قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا* (38) /.
خلاصة الآيات:أن زكريا عليه السلام كان نبيا عظيما من أنبياء بني إسرائيل،و هو شيخ كبير لم يكن له ولد و كانت امرأته عاقرا،فنادى ربه نداء خفيا مستترا عن أعين الناس لأنه أبعد من الريا،قال:رب إني ضعفت قواي و وهن العظم منيـو ذكر العظم لأنه عمود البدن و أساسهـو اضطرم المشيب في سواد رأسي،و انتشر بياض الشعر كما ينشر شعاع النار في الهشيم،يا رب إني خفت من أبناء عمي منبعديـو كأن بني عمه كانوا من شرار بني إسرائيلـفأعطني من واسع فضلك و عظم جودك و عطائكـلا بطريق الأسباب العاديةـولدا يرثني و يرث من آل يعقوب،و اجعله رب رضيا.
فاستجاب الله تبارك و تعالى دعاءه و تولى تسمية الولد بنفسه فقال:يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى فلما سمع هذه البشرى صار متعجبا،فقال:من أي وجه كان لي ولد و امراتي عاقر،و قد ضعفت من الكبر؟و قال الله تعالى في رد كلامه:يا زكريا!إني إذا أردت شيئا كان دون أن يتوقف على الأسباب العادية التى رسمتها للحمل و الولادة،يا زكريا!ليس خلق هذا الغلام الذي وعدتك بأعجب من خلق البشر جملة من العدم.قال زكريا:يا رب اجعل لي علامة تدلني على تحقق المسؤول.فقال الله تبارك و تعالى:علامتك على وجود المبشر به و حصول الحمل ألا تقدر على تكلم الناس بكلامهم المعروف ثلاث ليال و أنت صحيح الجسم ليست بك علة و لا مرض.
أخى العزيز!احب أن تلاحظ الآيات مرة اخرى بعين الدقة و النظر فإنه عليه السلام لما طلب من الله ولدا و نادى ربه نداء خفيا،و قال:و لم أكن بدعائك رب شقيا،استجاب الله عز شأنه دعاءه و بشره بغلام اسمه يحيى،فما معنى لاستفهامه عليه السلام بقوله:أنى يكون لي غلام و كانت امرأتي عاقرا و قد بلغت من الكبر عتيا مع ذكره عليه السلام هذين الأمرين في ضمن دعائه و هو قوله تعالى حكاية عنه:«قال رب إني وهن العظم مني و اشتعل الرأس شيبا...و كانت امرأتي عاقرا»؟أهذا استفهام إنكاريـالعياذ باللهـ؟لا،لأنه لا يناسب مقام النبوة،بل هو مبني على استعجابه عليه السلام.
قال العلامة الطباطبائي رحمه الله:«فإن من بشر بما لا يتوقعه لتوفر الموانع و فقدان الأسباب تضطرب نفسه بادى ما يسمعها،فيأخذ في السؤال عن خصوصيات ما بشر به ليطمئن قلبه و يسكن اضطراب نفسه فإن الخطورات النفسانية ربما لا تنقطعمع وجود العلم و الإيمان (39) ».
نعم،إن زكريا عليه السلام كان يوقن أن الله تعالى يعطيه ولدا و سماه يحيى،مع ذلك له اضطراب و قلق و أحوال و خواطر في كيفية الإعطاء حتى قال:رب اجعل لي آية و قال الله عز و جل:إنك لا تقدر على التكلم مع الناس إلا رمزا.
أيها القراء الكرام!أنشدكم الله و رسله هل يمكن لأحد أن يجد في شأن أهل البيت عليهم السلام موردا مثل ما ذكر من أحوال زكريا عليه السلام؟أعني أنهم عليهم السلام طلبوا من الله تعالى شيئا،و هو عز و جل شأنه استجاب دعاءهم و بشرهم به،و مع ذلك قالوا:أنى لنا ذلك؟و أحوالنا كذا و كذا،اللهم اجعل لنا اية حتى نكون من الطمئنين.لا،و الله،فإن آية التطهير تدل دلالة واضحة و صراحة قاطعة على أنهم عليهم السلام في أعلى درجات اليقين و الإطمينان،لا تشوبهم وسوسة من الوساوس،و لا خاطرة من الخطورات النفسانية حتى لو كشف الغطاء عنهم ما ازدادوا يقينا،لأن الله عز شأنه أذهب عنهم جميع أنواع الرجس،و من أنواعه القلق و الإضطراب،و طهرهم تطهيرا.أمن الإنصاف أن يقايس أحد هذه الآيات التي جاءت في زكريا عليه السلام بآية المباهلة التي جاءت في أهل البيتـصلوات الله عليهم أجمعينـفي مقام الدعاء و الإبتهال؟و نحن نذكرها و نتكلم عليها فيما بعد،إن شاء الله تعالى.
------------------------------
1ـالبقرة،2: .36
2ـالاعراف،22ـ .19
3ـطه،121ـ .115
4ـالانسان،8 و .9
5ـالمصدر،ج 4:ص 197،ط قاهرة.
6ـالنيشابوري:غرائب القرآن،ج:.
7ـالمصدر،ج 29:ص 158،ط بيروت.
8ـالسيوطي:الدر المنثور،ج 6:ص 299،ط بيروت.
9ـابو حيان:تفسير البحر المحيط،ج 8:ص .395
10ـالقندوزي:ينابيع المودة،ص 93،ط اسلامبول.
11الكنجي:كفاية الطالب/الباب 98:ص 345،ط الغري.
12ـالبقرة،2: .261
13ـالمصدر،ج 3:ص 26،ط بيروت.
14ـمورد الحاجة من نقل كلامه قوله«عسى أن يتوهم»ـالخ،و انما نتكلم على رده أفضلية الامام عليه السلام بعيد هذا.
15ـالمصدر،ج 2:ص .394
16ـالمصدر،ج 7:ص .40
17ـطه، .121
18ـالبقرة، .260
19ـالحويزى،حسن بن الجمعة:نور الثقلين،ج 1:ص .275
20ـالمصدر،ج 1:ص .147
21ـالصافات، .83
22ـالمصدر،ج 15:ص .91
23ـالطبري:جامع البيان،ج 24:ص .68
24ـالرازي:التفسير الكبير،ج 26:ص .146
25ـالآلوسي:تفسير روح المعانى،ج:ص.
26ـالطباطبائي:الميزان،ج 17:ص 153.و الآية في سبأ،34: .54
27ـالبحراني:البرهان،ج 4:ص .20
28ـو فى«تاويل الآيات»المخطوط لشرف الدين النجفى:«قد أحدقوا بهم».
29ـالبحراني:البرهان،ج 4:ص .20
30ـالقصص،28:33ـ .30
31ـالبقرة،2: .207
32ـفخر الدين رازي:التفسير الكبير،ج 5:ص 223،ط مصر.
33ـأبو حيان:البحر المحيط،ج 2:ص 118،ط مصر.
34ـالآلوسي:روح المعانى،ج 2:ص .97
35ـالقرطبي:الجامع لاحكام القرآن،ج 3:ص .21
36ـقندوزي:ينابيع المودة،ص .92
37ـعبد الكريم الخطيب:علي بن ابي طالب بقية النبوة و خاتم الخلافة،صص 103 و 107،ط دار المعرفةـبيروت.
38ـمريم،19:10ـ .4
39ـالطباطبائي:الميزان،ج 14:ص .14
قال الله عز و جل/و قلنا يا آدم اسكن أنت و زوجك الجنة و كلا منها رغدا حيث شئتما و لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين*فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه/ـالآية (1) .
و قال عز و جل:/و يا آدم اسكن أنت و زوجك الجنة فكلا من حيث شئتما و لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين*فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما و قال ما نهيكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أو تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين*و قاسمهما إني لكما لمن الناصحين*فدليهمابغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما و طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة و ناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة و أقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين*/ (2) .
و قال عز و جل:/و لقد عهدنا الى آدم من قبل فنسي و لم نجد له عزما*و إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى*فقلنا يا ادم إن هذا عدو لك و لزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى*إن لك ألا تجوع فيها و لا تعرى*و أنك لا تظمؤا فيها و لا تضحى*فوسوس إليه الشيطان قال يا ادم هل أدلك على شجرة الخلد و ملك لا يبلى*فأكلا منها فبدت لهما سواتهما و طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة و عصى ادم ربه فغوى* (3)
خلاصة الآيات،أن الله عز و جل خلق آدم و زوجه،و اسكنهما الجنة و أباح لهما الجنة و جميع نعمه إلا قربهما من شجرة منهية،و أذن لهما في الأكل أكلا واسعا هنيئا من أي مكان كان لأنه عز و جل قال:/و كلا منها رغدا حيث شئتما و لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين*فأزلهما الشيطان عنها/أي حولها و زحزحهما عن الجنة/فأخرجهما مما كانا فيه/أي من ذلك المكان أو النعمة الذى كانا فيها/.و في سورة الأعراف:/فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما/و فى سورة طه:/و عصى آدم ربه فغوى/
أخى العزيز!شاهدت ما أوردناه قبلا من معنى التطهير من الرجس في اللغة بتطهيرهم من كل ما تنفر عنه الطبع و ما يعده العقل قبيحا،أفليست الزلة من آدم و زوجه مما يعده العقل قبيحا؟و ما معنى العصيان؟و ما معنى الغواية؟و هل علمت معنى/و لقد عهدنا إلى ادم من قبل فنسي و لم نجد له عزما؟/أنشدك الله و رسولهكيف تقايس آية التطهير بالآيات التى جاءت في آدم و زوجه؟هل/إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا/مساوية مع هذه الآيات:/لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين*فأزلهما الشيطان عنها و فوسوس لهما الشيطان و فدليهما بغرور و بدت لهما سواتهما و ألم أنهكما عن تلكما الشجرة و و لقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي و لم نجد له عزما و عصى آدم ربه فغوى؟/
و هل هذه الآيات التي جاءت في شأن آدم و زوجه و خروجهما عن الجنة بقربهما إلى الشجرة المنهية مساوية مع الآيات التي جاءت في سورة الإنسان في شأن علي عليه السلام و أهل بيته عليهم السلام و هي قوله تعالى:
/و يطعمون الطعام على حبه مسكينا و يتيما و أسيرا*إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء و لا شكورا*/ (4)
فآدم لما أن عصى زال فضله
و في هل أتى شكر الإمام على الرفد
خلاصة آيات سورة الدهر(الإنسان):/و يطعمون الطعام على حبه مسكينا و يتيما و أسيرا*/المراد بإطعام الطعام الإحسان إلى المحتاجين بأي وجه كان،و مؤاساتهم مع أن الطعام محبوب لهم لأنهم في حال الفاقة و الحاجة./إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء و لا شكورا*/أي لا نمن عليكم و لا نتوقع منكم مكافأة مما ينقص الأجر،و لا نطلب منكم مجازاة تكافئوننا بها و لا تشكرونا لدى الناس.و عن سعيد بن جبير:«أما و الله ما قالوه بألسنتهم و لكن علم الله ما في قلوبهم فأثنى به عليهم».
أيها القارىء الكريم!فانظر تفاسير العامة فى شأن نزول الآيات حتى اتضح
لك الحقيقة في المقايسة بين أهل البيتـصلوات الله عليهم أجمعينـو غيرهم.قال جار الله الزمخشري في تفسيره«الكشاف (5) »:«عن ابن عباسـرضى الله عنهـ:إن الحسن و الحسين عليهما السلام مرضا،فعادهما رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في ناس معه،فقالوا:يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك،فنذر علي و فاطمة عليهما السلام و فضه جارية لهما إن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام،فشفيا،و ما معهم شيء،فاستقرض علي عليه السلام من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير،فطحنت فاطمة عليها السلام صاعا فاختبزت خمسة أقراص على عددهم،فوضعوها بين أيديهم ليفطروا،فوقف عليهم سائل فقال:السلام عليكم،أهل بيت محمد!مسكين من مساكين المسلمين،أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة،فآثروه و باتوا لم يذوقوا إلا الماء،و أصبحوا صياما،فلما أمسوا و وضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه،و وقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك،فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن و الحسين عليهما السلام و أقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فلما أبصرهم و هم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال صلى الله عليه و آله و سلم:ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم،و قام فانطلق معهم،فرأى فاطمة عليها السلام في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها،و غارت عيناها،فساءه ذلك،فنزل جبرئيل عليه السلام و قال:خذها يا محمد،هناك الله في أهل بيتك،فأقرأه السورة».
و ذكر العلامة النيشابوري في تفسيره«غرائب القرآن (6) »عين ما تقدم،ثم قال:«و يروى أن السائل في الليالي جبرائيل،أراد بذلك ابتلاء هم بأذن الله سبحانه».
قال أبو الفضل شهاب الدين السيد محمود الآلوسي البغدادي في«روح المعاني (7) »بعد نقل ما تقدم من«الكشاف»بمثله:«و ما ذا عسى يقول امرؤ فيهما[يعني عليا و فاطمة عليها السلام]سوى أن عليا مولى المؤمنين،و وصي النبي صلى الله عليه و آله و سلم،وفاطمة البضعة الأحمدية و الجزء المحمدي صلى الله عليه و آله و سلم،و أما الحسنان فالروح و الريحان و سيدا شباب الجنان،و ليس هذا من الرفض بل ما سواه عندي هو الغي.و من اللطائف على القول بنزولها فيهم أنه سبحانه لم يذكر فيها الحور العين،و أنما صرح عز و جل بولدان مخلدين رعاية لحرمة البتول و قرة عين الرسول صلى الله عليه و آله و سلم».
أقول:و أن شئت زيادة توضيح فراجع:«الدر المنثور»،لجلال الدين السيوطي (8) ،و«البحر المحيط»لأبي حيان الأندلسي المغربي (9) ،«ينابيع المودة،للشيخ سليمان القندوزي الحنفي (10) و«كفاية الطالب»للحافظ الكنجي الشافعي (11) و فيه:«أن السائل الأول كان جبرئيل،و الثاني ميكائيل،و الثالث كان إسرافيل عليهم السلام .
2ـمقايسة بين الخليل عليه السلام و الأمير عليه السلام:
قال الله عز و جل في قصة إبراهيم:/و إذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى و لكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا و اعلم أن الله عزيز حكيم (12) /
خلاصة الآية أن إبراهيم عليه السلام لما رأى جيفة تمزقها سباع البر و البحر طلب من ربه أن يطلعه على كيفية إحياء الموتى،فأمره تعالى عز شأنه أن يأخذ أربعة من الطير فيقطعهن أجزاء،و يجعلها على عدة جبال،ثم يدعوهن إليه حتى يحصل له الاطمينان على كيفية إحياء الموتى.
أخى العزيز!لازم لك أن تتوجه بأن الخليل عليه السلام طلب من الله تعالى كيفيةالأحياء لا أصل الأحياء،و نظير هذا أن يقول القائل:«كيف يحكم زيد في الناس»؟و هو لا يشك أنه يحكم فيهم،و لو كان سائلا عن ثبوت الحكم يقول:«أيحكم زيد»؟فالقائل في الاول لا شك له في أصل الحكم بل في كيفيته.و إنما سأل الخليل عليه السلام أن يشاهد كيفية جمع أجزاء الموتى بعد تفرقها و إيصال الأعصاب و الجلود بعد تمزقها.
قال شهاب الدين الآلوسي في تفسيره«روح المعاني (13) :«يعجبني ما حرره بعض المحققين في هذا المقام و بسطه في الذب عن الخليل عليه السلام من الكلام،و هو أن السؤال لم يكن عن شك في أمر دينيـو العياذ باللهـو لكنه سؤال عن كيفية الإحياء ليحيط بها علما،و كيفية الاحياء لا يشترط في الإيمان الإحاطة بصورتها،و يدل على ذلك ورود السؤال بصيغة«كيف»موضوعها و السؤال عن الحالـإلى أن قالـو معنى الطمأنية حينئذ سكون القلب عن الجولان في كيفيات الإحياء المتحملة بظهور التصوير المشاهد،و عدم حصول هذه الطمانينة قبل لا ينافي حصول الايمان بالقدرة على الاحياء على أكمل الوجوه،و لا أرى رؤية الكيفية زادت في إيمانه المطلوب منه عليه السلام شيئا و إنما افادت أمرا لا يجب الايمان به.
و من هنا تعلم أن علياـكرم الله وجههـلم يثبت لنفسه مرتبة في الإيمان أعلى من مرتبة الخليل فيه،بقوله عليه السلام:«لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا»كما ظنه جهلة الشيعة و كثير من أصحابنا لما لم يقف على ما حررنا تجشم لدفع ما عسى أن يتوهم من كلامي الخليل و الأمير من أفضلية الثاني على الأول (14) ».
و عن العلامة الطباطبائي رحمه الله في تفسير«الميزان (15) »:«و الطمأنينة و الإطمينانسكون النفس بعد انزعاجها و اضطرابها،و هو مأخوذ من قولهم اطمأنت الأرض،و أرض مطمئنة إذا كانت فيه انخفاض يستقر فيها الماء إذا سال إليهاـإلى أن قالـقوله تعالى حكاية عنه عليه السلام«ليطمئن قلبي»مطلق يدل على كون مطلوبه عليه السلام من هذا السؤال حصول الايمان المطلق و قطع منابت كل خطور قلبي و أعراقه».
و عن الفخر الرازي في«تفسيره الكبير» (16) :«قوله تعالى:«قال بلى و لكن ليطمئن قلبي»قالوا:و المراد منه أن يزول عنه الخواطر التي تعرض للمستدل».
أيها القارىء العزيز!إذا سأل الخليل عليه السلام أن يريه الله عز و جل كيفية الاحياء حتى يحصل له الاطمينان و يرتفع عنه كل خطور الجنان يظهر لك أن في نفسه الشريفة حالات و خواطر و إلا كان سؤاله عليه السلام عن كيفية إحياء الموتى عبثا،فما تقول في هذه الخواطر و الوساوس هل هي موجودة في أهل البيت عليهم السلام أو أذهبها الله عنهم كلها و طهرهم منها تطهيرا؟فأنت إذا أمعنت النظر فيما سبق عرفت أن جميع أنواع الرجس مطلقا سواء كان عصيانا أو وسوسة أو اضطرابا أو شكا مدفوعة عنهمـصلوات الله عليهم أجمعينـفبهذا البيان ظهر فضله عليه السلام عليه عليه السلام بلا ريب.
نعم،بقي هناشي لازم أن نشير إليه و هو أن ما استفدناه من الآيةـمن أن في نفس الخليل عليه السلام أحوالا و خواطرا،و هي منتفية عن أهل البيت عليهم السلامـإنما يصح إذا كان مورد الإطمينان و متعلقه في قوله عليه السلام إحياء الموتى،و أما إذا كان موضع الإطمينان الخلة كما جاءت في الرواية فلا،و الرواية هذه:عن علي بن محمد بن الجهم قال:«حضرت مجلس المأمون و عنده الرضا عليه السلام،فقال له المأمون:يا بن رسول الله!أليس من قولك أن الأنبياء معصومون؟قال عليه السلام:بلى،قال:فما معنى قول الله عز و جل:«و عصى آدم ربه فغوى (17) »ـإلى أن قال:ـفأخبرني عن قولإبراهيم عليه السلام:«رب أرني كيف تحيى الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى و لكن ليطمئن قلبي (18) ».قال الرضا عليه السلام:إن الله كان أوحى إلى إبراهيم عليه السلام أني متخذ من عبادي خليلا إن سألني إحياء الموتى أجبته.فوقع في نفس إبراهيم عليه السلام أنه ذلك الخليل،فقال :رب أرني كيف تحيى الموتى؟قال:أو لم تؤمن؟قال:بلى و لكن ليطمئن قلبي على الخلة (19) ».
أقول:هذا الحديث و إن جاء في كتب الحدث ك«العيون»و«تفسير البرهان»و«نور الثقلين»،إلا أنه لا يخلو عن شىء كما قال العلامة الطباطبائي رحمه الله في«تفسير الميزان» (20) «فما نقله[علي بن الجهم]من جوابه عليه السلام في آدم لا يوافق مذهب أئمة أهل البيت عليهم السلام المستفيض عنهم من عصمة الأنبياء من الصغائر و الكبائر قبل النبوة و بعدها،فالرواية لا تخلو عن شيء».و الله أعلم.
كون الخليل عليه السلام من شيعة الامير عليه السلام
قال الله تعالى:/و إن من شيعته لإبراهيم (21) /.قال القرطبي في تفسيره الكبير«الجامع لأحكام القرآن(22) »:«قال الكلبي و الفراء:المعنى:و إن من شيعة محمد صلى الله عليه و آله و سلم لأبراهيم .فالهاء في«شيعته»على هذا لمحمد صلى الله عليه و آله و سلم،و على الأول[أي على قول ابن عباس و مجاهد]لنوح».
و قال الطبري في تفسير (23) :«و قد زعم بعض أهل العربية أن معنى ذلك:و إن من شيعة محمد صلى الله عليه و آله و سلم لإبراهيم».
قال الفخر الرازي:«الضمير فى قوله من«شيعته»إلى ماذا يعود؟فيه قولان:الأولـو هو الأظهرـإنه عائد إلى نوح عليه السلام.الثاني:قال الكلبي:المراد من شيعة محمد صلى الله عليه و آله و سلم لإبراهيم(24) ».
قال الآلوسي:«و ذهب الفراء إلى أن ضمير«شيعته»لنبينا محمد صلى الله عليه و آله و سلمـإلى أن قال:ـو قلما يقال للمتقدم هو شيعة المتأخر،و منه قول الكميتـ(رحمه الله)ـ:
و مالى إلا آل أحمد شيعة
و ما لي إلا مشعب الحق مشعب (25)
قال العلامة الطباطبائي:/و إن من شيعته لإبراهيم،الشيعة هم القوم المشايعون لغيرهم الذاهبون على أثرهم،و بالجملة كل من وافق غيره في طريقته فهو من شيعته،تقدم أو تأخر،قال تعالى :/و حيل بينهم و بين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل (26) /.
أيها القارىء الكريم!أنت بعد ما لاحظت أقوال المفسرين،و علمت آرائهم يحصل لك الإطمينان بأن الهاء في«شيعته»يمكن أن يعود إلى المتقدم أو المتأخر،أي إن المفسرين يجوزون أن يعود الضمير إلى نوح عليه السلام لأنه عليه السلام تقدم ذكره قبل إبراهيم عليه السلام أو إلى نبينا محمد صلى الله عليه و آله و سلم فإذا جاز عود الضمير إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يجوز أن يعود إلى أخيه و وصيه و عيبة علمه الذي هو بمنزلة نفسه و روحه مع ورود دليل نقلي يؤيده عن طريق أهل البيتـصلوات الله عليهم أجمعينـ،و إليك بعض نصوصها :
عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال:«قوله عز و جل:/و إن من شيعته لإبراهيم/أيإبراهيم عليه السلام من شيعة علي عليه السلام (27) ».
و سأل جابر بن يزيد الجعفي جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام عن تفسير هذه الآية:«و إن من شيعته لابراهيم»فقال عليه السلام:«إن الله سبحانه لما خلق إبراهيم عليه السلام كشف له عن بصره،فنظر فرأى نورا إلى جنب العرش فقال:إلهي!ما هذا النور؟فقيل:هذا نور محمد صلى الله عليه و آله و سلم صفوتي من خلقي و رأى نورا إلى جنبه،فقال:إلهي!و ما هذا النور؟فقيل له:هذا نور علي بن أبي طالب ناصر دينى.و رأى إلى جنبهما ثلاثة أنوار،فقال:إلهي!و ما هذه الأنوار؟فقيل:هذه نور فاطمة فطمت محبيها من النار،و نور ولديها الحسن و الحسين.فقال :إلهي و أرى تسعة أنوار قد حفوا بهم (28) .قيل:يا إبراهيم!هؤلاء الأئمة من ولد علي و فاطمة،فقال إبراهيم:إلهي!بحق هؤلاء الخمسة إلا ما عرفتني من التسعة؟فقيل:يا إبراهيم!أولهم علي بن الحسين،و ابنة محمد،و ابنة جعفر،و ابنة موسى،و ابنة على،و ابنة محمد،و ابنة على،و ابنة الحسن،و الحجة القائم إبنهـصلوات الله عليهم أجمعينـ.فقال إبراهيم:إلهي و سيدي!أرى أنوارا قد أحدقوا بهم لا يحصي عددهم إلا أنت.قيل:يا إبراهيم!هؤلاء شيعتهم شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام .فقال إبراهيم:و بما تعرف شيعته؟فقال:بصلاة إحدى و خمسين،و الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم،و القنوت قبل الركوع،و التختم في اليمين.فعند ذلك قال إبراهيم:اللهم اجعلني من شيعة أمير المؤمنين،قال:فأخبر الله في كتابه فقال:/و إن من شيعته لإبراهيم/ (29) .
3ـالمقايسة بين موسى و علي عليهما السلام:
قال الله عز و جل فىـقصة موسى:/فلما أتيها نودي من شاطىء الواد الأيمن فيالبقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين*و أن ألق عصاك فلما راها تهتز كأنها جآن ولى مدبرا و لم يعقب يا موسى أقبل و لا تخف إنك من الآمنين*اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء و اضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون و ملائه إنهم كانوا قوما فاسقين*قال رب إني قتلت منهم نفسا فاخاف أن يقتلون*/ (30)
خلاصة الآيات:أن موسىـعلى نبينا و آله و عليه السلامـلما رجع من مدين مع أهله،و ما معه من الغنم ضل الطريق،و بينما هو كذلك إذ رأى نارا تضيء عن بعد،فقال لأهله:انتظروا قليلا إني أبصرت نارا لعلي اتيكم منها بخبر الطريق أو آتيكم بقطعة من الحطب فيها نار لتستدفئوا بها من البرد،فلما جاء إلى النار التي أبصرها من جانب الطور ناداه ربه من الجانب الأيمن من الوادي:يا موسى!إني أنا الله رب العالمين،و أمره تعالى أن يلقي عصاه حتى يكون آية على نبوته من الله تعالى،فألقاها فصارت حية تسعى،فلما و رآها تتحرك و تضطرب كأنها جان من الحيات لسرعة عدوها و خفه حركتها خاف موسى عليه السلام و ولى مدبرا و لم يرجع،فجاءه النداء من الله تعالى:يا موسى!أقبل و لا تخف مما تهرب منه،هي عصاك،إنما أردنا أن نريك آية لتكون عونك،يا موسى!أدخل يدك في جيب قميصك تخرج و لها شعاع يضىء من غير سوء و لا برص.
فلما خاف موسى عليه السلام من العصا تارة،و من شعاع يده مرة اخرى،أمره ربه أن تضع يده على صدره ليزول ما به من الخوف و الدهشة كما يشاهد من حال الطير إذا خاف نشر جناحيه،و إذا أمن ضمهما إليه.ثم قال عز و جل:يا موسى!فذانك برهانان،أي ما تقدم من جعل العصا حية،و خروج اليد بيضاء من غير سوء،و هما دليلان واضحان على قدرة ربك و صحة نبوتك،فبناء على ذلك فاذهب إلىفرعون و ملائه إنهم قد طغوا.قال:رب إني قتلت منهم نفسا و أخاف منهم أن يقتلون.
أيها القارىء الكريم!انشدك بالله،هل تجد منصفا يقضي بالمساواة بين هذه الآيات التي جاءت في موسى عليه السلام مع اشتمالها على خوفه من الحية و هربه منها و خوفه من القتل،و بين آية التطهير التي هي مشتملة على إذهاب جميع أنواع الرجس عن أهل البيت عليهم السلام حتى الاضطراب و الوسوسة و الريب و الخوف؟و يقول:لا فرق بين هذه الآيات و الآية التي جائت في تضحية علي عليه السلام بنفسه الشريفة،و ذلك حين أراد النبي صلى الله عليه و آله و سلم الهجرة من مكة أمره عليه السلام أن ينام و يبيت في فراشه؟!و هي قوله عز و جل:/و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله و الله رؤف بالعباد (31) /.
و قد روى كثير من علماء العامة نزولها في أمير المؤمنين عليه السلام.قال الفخر الرازي :«في سبب النزول روايات،(و الرواية الثالثة)نزلت في علي بن أبي طالب،بات على فراش رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ليلة خروجه إلى الغار،و يروى أنه لما نام على فراشه قام جبرئيل عليه السلام عند رأسه،و ميكائيل عند رجليه،و جبرئيل ينادي:بخ بخ،من مثلك يا ابن أبي طالب؟يباهي الله بك الملائكة،و نزلت الآية (32) ».
و قال ابو حيان الاندلسي:«و قيل:نزلت في علي عليه السلام حين خلفه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بمكة لقضاء ديونه و رد الودائع،و أمره بمبيته على فراشه ليلة خرج مهاجرا صلى الله عليه و آله و سلم (33) ».
و قال الآلوسي:«و قال الإمامية و بعض منا:إنها نزلت في عليـكرم الله تعالىوجههـحين استخلفه النبي صلى الله عليه و آله و سلم على فراشه بمكة لما خرج إلى الغار (34) ».
و قال القرطبي:«و قيل:نزلت في عليـرضى الله عنهـحين تركه النبي صلى الله عليه و آله و سلم على فراشه ليلة خرج إلى الغار،على ما يأتي بيانه في براءة إن شاء الله (35) ».
و قال الحافظ،الشيخ سليمان الحنفي القندوزي:«قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم :أوحى الله إلى جبرئيل و ميكائيل:أني آخيت بينكما و جعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه،فايكما يؤثر أخاه عمره؟فكلاهما كرها الموت،فأوحى الله إليهما:أني آخيت بين علي وليي و بين محمد نبيي،فآثر علي حياته للنبي،فرقد على فراش النبي يقيه بمهجته،اهبطا إلى الأرض و احفظاه من عدوه،فهبطا فجلس جبرئيل عند رأسه،و ميكائيل عند رجليه،و جعل جبرئيل يقول:بخ بخ،من مثلك يا ابن أبي طالب؟و الله عز و جل يباهي بك الملائكة،فأنزل الله الآية (36) ».
و لنزول هذه الآية في شأن علي عليه السلام مصادر عديدة من كتب العامة و الخاصة،فإن شئت أكثر مما ذكرنا فراجع«تذكرة الخواص»،و«كفاية الطالب»،و«البحار»،(ج 9،ط أمين الضرب)و«مسند أحمد»،و«الفصول المهمة»،و تفاسير الفريقين ذيل الآية الشريفة.
و يعجبني أن اورد ما ذكره عبد الكريم الخطيب في كتابه القيم«علي ابن أبي طالب بقية النبوة و خاتم الخلافة (37) »،قال:«لقد دعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عليا ليلة الهجرة،و طلب إليه أن يبيت في المكان الذي اعتاد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم أن يبيت فيه،و أن يتغطى بالبرد الحضرمي الذي كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم يتغطى به حتى إذا نظر ناظر منقريش إلى الدار رأى كأن النبي صلى الله عليه و آله و سلم نائم في مكانه مغطى بالبرد الذي يتغطى به.و هذا الذي كان من علي في ليلة الهجرة إذا نظر إليه في فجر الإحداث التي عرضت للإمام علي في حياته بعد تلك الليلة فإنه يرفع لعيني الناظر أمارات واضحة و إشارات دالة على أن هذا التدبير الذي كان في تلك الليلة لم يكن أمرا عارضا،بل هو عن حكمة لها آثارهاـإلى أن قال:ـإنه إذا غاب شخص الرسول كان علي هو الشخصية المهياة لأن تخلفه و تمثل شخصه و تقوم مقامه.
حين نظرنا إلى علي و هو في برد الرسول و في مثوى منامه الذي اعتاد أن ينام فيه فقلنا :هذا خلف الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و القائم مقامهـانتهى ملخصا».
4ـالمقايسة بين زكريا و على عليهما السلام:
قال الله عز و جل في قصة زكريا:/قال رب إني وهن العظم مني و اشتعل الرأس شيبا و لم أكن بدعائك رب شقيا*و إني خفت الموالي من ورائي و كانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا*يرثني و يرث من آل يعقوب و اجعله رب رضيا*يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا*قال رب أنى يكون لي غلام و كانت امرأتي عاقرا و قد بلغت من الكبر عتيا*قال كذلك قال ربك هو علي هين و قد خلقتك من قبل و لم تك شيئا*قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا* (38) /.
خلاصة الآيات:أن زكريا عليه السلام كان نبيا عظيما من أنبياء بني إسرائيل،و هو شيخ كبير لم يكن له ولد و كانت امرأته عاقرا،فنادى ربه نداء خفيا مستترا عن أعين الناس لأنه أبعد من الريا،قال:رب إني ضعفت قواي و وهن العظم منيـو ذكر العظم لأنه عمود البدن و أساسهـو اضطرم المشيب في سواد رأسي،و انتشر بياض الشعر كما ينشر شعاع النار في الهشيم،يا رب إني خفت من أبناء عمي منبعديـو كأن بني عمه كانوا من شرار بني إسرائيلـفأعطني من واسع فضلك و عظم جودك و عطائكـلا بطريق الأسباب العاديةـولدا يرثني و يرث من آل يعقوب،و اجعله رب رضيا.
فاستجاب الله تبارك و تعالى دعاءه و تولى تسمية الولد بنفسه فقال:يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى فلما سمع هذه البشرى صار متعجبا،فقال:من أي وجه كان لي ولد و امراتي عاقر،و قد ضعفت من الكبر؟و قال الله تعالى في رد كلامه:يا زكريا!إني إذا أردت شيئا كان دون أن يتوقف على الأسباب العادية التى رسمتها للحمل و الولادة،يا زكريا!ليس خلق هذا الغلام الذي وعدتك بأعجب من خلق البشر جملة من العدم.قال زكريا:يا رب اجعل لي علامة تدلني على تحقق المسؤول.فقال الله تبارك و تعالى:علامتك على وجود المبشر به و حصول الحمل ألا تقدر على تكلم الناس بكلامهم المعروف ثلاث ليال و أنت صحيح الجسم ليست بك علة و لا مرض.
أخى العزيز!احب أن تلاحظ الآيات مرة اخرى بعين الدقة و النظر فإنه عليه السلام لما طلب من الله ولدا و نادى ربه نداء خفيا،و قال:و لم أكن بدعائك رب شقيا،استجاب الله عز شأنه دعاءه و بشره بغلام اسمه يحيى،فما معنى لاستفهامه عليه السلام بقوله:أنى يكون لي غلام و كانت امرأتي عاقرا و قد بلغت من الكبر عتيا مع ذكره عليه السلام هذين الأمرين في ضمن دعائه و هو قوله تعالى حكاية عنه:«قال رب إني وهن العظم مني و اشتعل الرأس شيبا...و كانت امرأتي عاقرا»؟أهذا استفهام إنكاريـالعياذ باللهـ؟لا،لأنه لا يناسب مقام النبوة،بل هو مبني على استعجابه عليه السلام.
قال العلامة الطباطبائي رحمه الله:«فإن من بشر بما لا يتوقعه لتوفر الموانع و فقدان الأسباب تضطرب نفسه بادى ما يسمعها،فيأخذ في السؤال عن خصوصيات ما بشر به ليطمئن قلبه و يسكن اضطراب نفسه فإن الخطورات النفسانية ربما لا تنقطعمع وجود العلم و الإيمان (39) ».
نعم،إن زكريا عليه السلام كان يوقن أن الله تعالى يعطيه ولدا و سماه يحيى،مع ذلك له اضطراب و قلق و أحوال و خواطر في كيفية الإعطاء حتى قال:رب اجعل لي آية و قال الله عز و جل:إنك لا تقدر على التكلم مع الناس إلا رمزا.
أيها القراء الكرام!أنشدكم الله و رسله هل يمكن لأحد أن يجد في شأن أهل البيت عليهم السلام موردا مثل ما ذكر من أحوال زكريا عليه السلام؟أعني أنهم عليهم السلام طلبوا من الله تعالى شيئا،و هو عز و جل شأنه استجاب دعاءهم و بشرهم به،و مع ذلك قالوا:أنى لنا ذلك؟و أحوالنا كذا و كذا،اللهم اجعل لنا اية حتى نكون من الطمئنين.لا،و الله،فإن آية التطهير تدل دلالة واضحة و صراحة قاطعة على أنهم عليهم السلام في أعلى درجات اليقين و الإطمينان،لا تشوبهم وسوسة من الوساوس،و لا خاطرة من الخطورات النفسانية حتى لو كشف الغطاء عنهم ما ازدادوا يقينا،لأن الله عز شأنه أذهب عنهم جميع أنواع الرجس،و من أنواعه القلق و الإضطراب،و طهرهم تطهيرا.أمن الإنصاف أن يقايس أحد هذه الآيات التي جاءت في زكريا عليه السلام بآية المباهلة التي جاءت في أهل البيتـصلوات الله عليهم أجمعينـفي مقام الدعاء و الإبتهال؟و نحن نذكرها و نتكلم عليها فيما بعد،إن شاء الله تعالى.
------------------------------
1ـالبقرة،2: .36
2ـالاعراف،22ـ .19
3ـطه،121ـ .115
4ـالانسان،8 و .9
5ـالمصدر،ج 4:ص 197،ط قاهرة.
6ـالنيشابوري:غرائب القرآن،ج:.
7ـالمصدر،ج 29:ص 158،ط بيروت.
8ـالسيوطي:الدر المنثور،ج 6:ص 299،ط بيروت.
9ـابو حيان:تفسير البحر المحيط،ج 8:ص .395
10ـالقندوزي:ينابيع المودة،ص 93،ط اسلامبول.
11الكنجي:كفاية الطالب/الباب 98:ص 345،ط الغري.
12ـالبقرة،2: .261
13ـالمصدر،ج 3:ص 26،ط بيروت.
14ـمورد الحاجة من نقل كلامه قوله«عسى أن يتوهم»ـالخ،و انما نتكلم على رده أفضلية الامام عليه السلام بعيد هذا.
15ـالمصدر،ج 2:ص .394
16ـالمصدر،ج 7:ص .40
17ـطه، .121
18ـالبقرة، .260
19ـالحويزى،حسن بن الجمعة:نور الثقلين،ج 1:ص .275
20ـالمصدر،ج 1:ص .147
21ـالصافات، .83
22ـالمصدر،ج 15:ص .91
23ـالطبري:جامع البيان،ج 24:ص .68
24ـالرازي:التفسير الكبير،ج 26:ص .146
25ـالآلوسي:تفسير روح المعانى،ج:ص.
26ـالطباطبائي:الميزان،ج 17:ص 153.و الآية في سبأ،34: .54
27ـالبحراني:البرهان،ج 4:ص .20
28ـو فى«تاويل الآيات»المخطوط لشرف الدين النجفى:«قد أحدقوا بهم».
29ـالبحراني:البرهان،ج 4:ص .20
30ـالقصص،28:33ـ .30
31ـالبقرة،2: .207
32ـفخر الدين رازي:التفسير الكبير،ج 5:ص 223،ط مصر.
33ـأبو حيان:البحر المحيط،ج 2:ص 118،ط مصر.
34ـالآلوسي:روح المعانى،ج 2:ص .97
35ـالقرطبي:الجامع لاحكام القرآن،ج 3:ص .21
36ـقندوزي:ينابيع المودة،ص .92
37ـعبد الكريم الخطيب:علي بن ابي طالب بقية النبوة و خاتم الخلافة،صص 103 و 107،ط دار المعرفةـبيروت.
38ـمريم،19:10ـ .4
39ـالطباطبائي:الميزان،ج 14:ص .14