الجميع معني.. ولست معنيا إلا بنفسي
رحم الله أمرئ عرف قدر نفسه.. هكذا تعلمنا، وهكذا أستمدينا تربيتنا، ولأنني مفرد، سأتكلم بالنيابة عني، ولو أن لي لسان في جوف فمي، غير لساني، لما تكلمت بالنيابة عنه. ولذا من باب الرحمة التي وجب عليّ فيها معرفة نفسي، فأنني ها أنذا. وأسمي بحسب سياق الترتيب لحروفي معروف، وسيرتي رغم قصرها، إلا انني أتشرف بها، وتشرف القاصي والداني، وأعتقد بالضرورة الملحة أنني أكتب اليوم، جراء حزني البالغ وحرقتي العظيمة، حين أجد الناس تدّعي شيئا، وتقول بالآخر، وأشد من هذا حين يتهمون المثقف الحر الناضج، بإنه عدو الدين، وعدو المبادئ الإسلامية والاخلاقية، في الوقت الذي هو فيه أشدهم قرباً من الله ومن الدين، بحكم واقعي ثابت، فهو قد عبد الله من حيث عرفه، ولم يعبد الله من حيث عرفه الآخرين أو قاموا بتوجيهه أو توجيه دعوة للعبادة، وهذا أشبه كثيرا بمن يتلقى دعوة لحضور حفل أو مأدبة عشاء، عمن يتلقى من صديق أحد المدعويين تلك الدعوة وليس من صاحب الدعوة نفسه، فشتان بين القرب اللصيق وبين الواسطة في النقل.
أن ما حدث في السجال الدائر في موضوع (المختار الثقفي) وما يحدث دوما في كل نقاشاتنا التي تتحول بقدر قادر، من جدال إلى جدل، ومن لغة حكيمة إلى سفسطة، ومن ــ بارك الله بكم مولاي ــ إلى شتى أصناف البغضاء والعداء والشتمية ودفع السم بإتجاهات عدة، دون وعي مسبق، أو خلق محسوب، أو عرف مطلوب، او دين مذكور.. القضية القضية يا أصدقاء، أقولها وبأمانة، أن الإختلاف يفسد للود وفي الود وأهل الود وأصحاب الود، وجيران الود وأولاد عمومتهم ألف قضية وقضية، ولا يقولن لي أحد أن الإختلاف لايفعل، بلى يفعل، وربما أكثر.
أشعر بالشفقة على نفسي طبعا، لأنني أعتد بها، ومن حقي، ومن يقول أنها نرجسية فليقل، على الاقل أنا أعرف مكوني الفكري، وطريقتي المثلى، وإمتلائي بما لي، وإعتداد المرء بنفسه إنما يكون من معرفته بما منحه الله إياه وإحترامه لنفسه إحترامه لخالقه، ومن يحتقر ذاته، فإنما لا يعرف ولايعي أي نعمة كبرى، وأي حجة طولى أستودعها الله به. وأشعر بالخيبة حين يمر كل هذا الوقت وبعد كل هذه الفترة، أن نجد من يعرضك للإهانة بمجرد أنك لم تتفق معه في الرأي، أو لأنك خالفته في الدليل..
كل منا أيها الاحبة يرى الحقيقة من زاية واحدة، وكل منا أيها الاحبة، يعتقد بإن الحقيقة ملك يمينه هو، وملك يمين من يشرع له ثقافته ومنهاجه، وهنا أذكر مثل لطيف جدا: يحكي أن أثنين من الجند وصلا إلى نصب رمزي في ساحة ما، وكان أحدهما قد جاء من جهة الشمال والاخر من جهة الجنوب، فقال الاول أن هذا النصب لونه احمر، ثم قال الثاني بل ان لون النصب أزرق، وهكذا لم يتفقا، تعاركا حتى قتل كل منهم الآخر، والحقيقة ان النصب الرمزي كان مطلي باللونين الاحمر من جهة الشمال والازرق من جهة الجنوب.
نحن أيها الاحبة لانؤمن ولن نؤمن ولانؤمن برأي الاخرين، ونكذب بغازرة ومرارة حين نقول أننا، المهول في الامر اليوم، إنك أن عارضت السياسي، صرت دنينا متشددا وان عارضت دينيا صرت سياسيا علمانيا، وإن عارضت امر ما.. ربما مثل هذا يكون وسطا، صرت صداميا.. طيب لماذا لانكون انفسنا نحن، لانريد هذا المتشدد ولا ذاك العلماني، ولا الاخر.. لماذا نحاول دائما أن نكون أذناب ولا نكون القطب، لماذا ثقافة الإلتحاق بالاخرين.. إذ عليك ان تكون منتميا، وإلا فأنت في حل مني، أو إما تكون في خندقي، وإلا فأنت في خندق العدو. أنا اعتقد أيها الاحبة، لأننا لانحترم أنفسنا ولانعطها قدرها، صرنا بهذا الإتباع الأعمى. لذا وجب التذكير هنا لمن فاته أن يقرأ الموضوع في المختار الثقفي لطوله وسفسطته، لسنا أذناب صدام، أو أذناب علان.. ولا حتى أي أحد موجود الان، ولن نكون، لأنني (وبصيغة المفرد) أعظم شأنا من ان نكون، ومن يرى بنفسه ذلك لاضير، ولكن لايحاول أن يزج الناس خلف مؤخرة أحدهم ليكون معه ذنبا. لذا لن أرد على أحد بعينه هنا.. حتى لايكبر شأنه طبعا. ولايعلو مقامه.. ولاتتصاعد همته.
عموما.. لست بمعرض أن اخطب أو اعطيكم درسا، أنتم في غنى عنه، ولكنني أشعر بالحزن العميق ففي القضية التي أثيرت وفتحت بابا للجدل، في القسم المنوع والتي كانت تخص النقاش حول مسلسل المختار الذي عرض مؤخرا، وكنت سعيدا جدا، بإن اعضاء المنتدى بهذه الحماسة من أجل النقاش، وطالبنا الاخوة الاكارم بالدخول، والتحاور وفق الآليات التي نملك في النقد الثقافي، لكن تبين، أن البعض، للأسف أقولها.... أو دعوني أرجع للكلمة الأولى .. رحم الله أمرئ عرف قدر نفسه..
تعليق