إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

النِّبراسُ القرانيّ.. الذي بدّل مسيرةَ الإنسان

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • النِّبراسُ القرانيّ.. الذي بدّل مسيرةَ الإنسان

    النِّبراسُ القرانيّ.. الذي بدّل مسيرةَ الإنسان
    من فاتحة الآيات القرآنية.. يستدلّ المرء على مغزى اهتمام القرآن بالعلم والتأكيد عليه كقيمةٍ أساسية راسخة: إقرأ باسم ربِّكَ الذي خَلَق. خَلَق الإنسانَ مِن عَلَق. إقرأ وربُّكَ الأكرم الذي علّم بالقلم، علّم الإنسانَ ما لم يَعلم .
    إنّ اجتماع « العلم » و « القراءة » و « القلم » في هذه الآية الجليلة ـ أيّها الأصدقاء ـ هو تحشيد للرموز الكبرى في المسيرة الإنسانية، والتي صَنَعت صرح الحضارة على اتّصال العصور المختلفة.
    ويتقدّس ذكرُ القلم تقديساً لا مثيلَ له عندما يُذكر في موضع القَسَم ن، والقلمِ وما يَسطُرون .. فالقلم ـ وهو يَسطُر نورَ المعرفة على الصحائف والرقائق والورق ـ إنّما يكثّف المعرفة تكثيفاً تامّاً، من أجل إشاعة العلم، وإيجاد تَواصُلٍ ثقافيّ وتفاعلٍ واسعِ النطاق بين الناس.

    * * *
    القلم نَقَل المعرفة من الانتشار الشفهيّ المحدود إلى الانتشار الواسع، كما وفّر للمعرفة خزاناتٍ كبرى صانَتها من الضِّياع، ذلك أن القلم بحدّ ذاته ثورةٌ كبرى وانتصار بشريّ عظيم، على طريقِ مكافحة الجهل والتخلّف، وبناء اللَّبِنات الكبرى في صرح الحضارة.
    من هنا ـ يا أصدقاءنا ـ يمكن استيعابُ الدلالات الهائلة في التوجيه القرآنيّ إلى العلم: وقُل ربِّ زِدْني علماً و عَلَّم آدمَ الأسماءَ كلَّها و إنما يخشَى اللهَ من عباده العلماء . بل إنّ مادّة « علم » ومشتقّاتها وردت في القرآن 855 مرّة.
    إنّ هذا التكريم الغزير للعلم.. يعني حَثَّ الإنسان على التعلّم وتطوّر المدارك والمعارف الإنسانية، من أجل بناء حياة بشرية عادلة وكريمة. وشأنَ الإعجاز القرآنيّ في البيان الذي يشكّل مناراً خالداً لا يَرقى إليه منار، ورد « العِلم » مَعْلَماً بارزاً في الثورة الاجتماعية العظمى التي أطلقتها الآياتُ القرآنية في عالَم الجزيرة والبداوة والقبائل المتناحرة.
    وعلى سعة ذلك العالَم البَدويّ والقَبَليّ المليء بالصراعات المريرة الدامية وبالخرافات، وبمظاهر التخلّف الذي لم تستطيع الديانات السابقة اقتلاعَه.. كانت الصيحة القرآنية صيحةَ الهدى التي لَمَّت شملَ عالمٍ واسعٍ في تَبَعثُرِه وتناقُضه واحتدامه، فليس « السحر » كامناً في البيان وحدَه، بل هو أيضاً ماثلٌ في العلم والتجديد والثورة الشاملة، المعبِّرة عن الحاجات العميقة للتبدّل الاجتماعي على هدى القرآن.
    لقد قَدَّم القرآن الكريم وحدةً نموذجية للبيان والعلم والهدى والعدل وهي الوحدة النِّبراسيّة التي وَجد فيها الإنسانُ الضالُّ رشدَه وهُداه.
    sigpic

  • #2
    الاخ المبدع عمار الطائي

    جزاكم الله خيرا ولا حرمنا الباري من تألقكم المتواصل

    تعليق


    • #3
      وفقت اخي الطائي جعلها الله في ميزان حسناتك
      sigpic

      لاتسألني من انا والأهل أين
      هاك أسمي خادماً أم البنين

      تعليق


      • #4
        القرآن نور حقيقي
        النور أحد مظاهر تجلّي الله عزّ وجل ، فالله يشبّه نفسه بالنور إذ يقول :
        ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) (1) وهذا نور الله تبارك وتعالى قد تجلّى فخُلقت السموات والأرض والمخلوقات ، وبفضل عناية الله يقوم عالم الوجود ، وان فيض الوجود مافتئ ينهمر على الموجودات من مشكاة الجود ، وبالتالي تواصل المخلوقات والموجودات حياتها .

        قد يعبّر عن كلام الله بالنور أيضاً ، ففي ظل النور يبصر الإنسان الطريق وينجو من التيه والضلال ، وبما أنّ أسوء الضلال والانحراف وأكثره خسراناً هو الضلال والانحراف في مسيرة الحياة وتعرّض سعادة الإنسان للخطر ، فإنّ النور الحقيقي هو الذي ينقذ البشر والمجتمع الإنساني من الضلال والانحراف ، ويبيّن أمامهم الطريق الصحيح للكمال الإنساني ؛ ليميزوا طريق السعادة والكمال عن طرق السقوط والضلالة .
        على هذا الأساس عبّر الله جلّ وعلا عن القرآن بالنور إذ يقول :
        (
        قَدْ جَاءَكُم مِنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ) (2) أي أنّ نوراً وكتاباً منيراً قد جاءكم من ربّكم ؛ كي تميّزوا من خلال انتفاعكم به طريق السعادة عن طريق الشقاء ، ونظراً لأنّ موضوع البحث هو القرآن في منظار نهج البلاغة ، فإنّنا نغض الطرف هنا عن تفسير وتوضيح الآيات الواردة في هذا المجال ، ونتطرّق لتوضيح كلام الإمام علي ( ) بهذا الشأن .

        في الخطبة 189 وبعد وصفه للإسلام والنبي ( صلّى الله عليه وآله ) يقول علي ( ) في وصف القرآن الكريم : ( ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ نُوراً لا تُطْفَأُ مَصَابِيحُهُ ، وَسِرَاجاً لا يَخْبُو تَوَقُّدُهُ وَبَحْراً لا يُدْرَكُ قَعْرُهُ ) .
        إنّ علياً ( ) بوصفه للقرآن في هذه الخطبة يحاول من خلال ثلاث تشبيهات رائعة ، أنّ يعرّف قلوب المسلمين عظمة القرآن ، ويستقطب انتباههم أكثر فأكثر إلى هذه الثروة الإلهية الضخمة التي هي في متناول أيديهم .
        (1) النور : 35 .
        (2) المائدة : 15 .
        في البداية يصف ( ) القرآن بالنور فيقول :
        (
        أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ نُوراً لا تُطْفَأُ مَصَابِيحُهُ ) ، فالله الذي أنزل القرآن نوراً على النبي ( صلّى الله عليه وآله ) لكن هذا النور يختلف عن سائر الأنوار ، فهذه الحقيقة ـ القرآن الكريم ـ نور لا تنطفئ مصابيحه ولا يتوقف إشراقه أبداً ، إنّ القرآن ـ من باب تشبيه المعقول بالمحسوس ـ كمصدر عظيم للطاقة الكهربائية ، يقوم وعبر مصابيح شديدة الإنارة تتصل بشبكة إيصال الكهرباء ، بإضاءة الطرق إلى المقصد الذي تنتهي إليه في الليالي المظلمة ، وبوضع مصابيح الدلالة على مفترق طريقين أو عدة طريق ، يبيّن أمام الساعين لبلوغ غاياتهم الطريق الذي ينتهي إلى الهدف عن سائر الطرق ، التي تودي إلى الضلال والسقوط في الأودية الخطيرة .

        إنّ القرآن يؤدي مثل هذا الدور في المجتمع الديني الإسلامي وفي حياة المتطلعين للسعادة والفلاح ، مع فارق أنّ المصابيح التي يغذّيها هذا المصدر وتضيء طريق السعادة لا تنطفئ أبداً ، وبالتالي فإنّ طريق الحق مستقيم ولاحِب على الدوام ، وإنّ القرآن الكريم ومصابيحه المضيئة تنبّه أتباع القرآن على الدوام قائلةً لهم احذروا الانحراف عن جادة الحق .
        في مقطع آخر من هذه الخطبة يقول
        ( ) : ( ونوراً ليس معه ظلمة ) ، فالقرآن نور لا يدوم الظلام بوجوده ؛ لأنّ لهذا الكتاب السماوي مصابيح تستمد النور منه فتضيء طريق الهداية والسعادة دائماً .

        بالإضافة إلى ذلك فإنّ الأئمة ( عليهم السلام ) ـ الذين هم مفسرو الوحي الإلهي ـ هم بمثابة تلك المصابيح حيث يوضّحون معارف القرآن للناس ، ويقومون بما وهبهم الله من علم بتعريف المسلمين بحقيقة القرآن .
        مصابيح القرآن وأنواره
        كما نعرف أنّ القرآن والعترة ـ طبقاً لحديث الثقلين ـ بما يمثّلانه من وديعتين إلهيتين يكمّلان بعضهما البعض في طريق هداية الموحدين ، فبالتمسك بإحداهما والتخلّي عن الأخرى لا يتحقق الهدف من نزول القرآن المتمثل بهداية البشر . فالأئمة المعصومون ( عليهم السلام ) مصابيح يستمدون النور من هذا المصدر الإلهي ، وينيرون طريق الحياة للناس الذين ينشدون السعادة ؛ إذ إنّ علوم القرآن وحقيقته عندهم ، فتلك الذوات المقدسة هم الذين يستطيعون إرجاع المتشابهات إلى المحكمات ، وتمييز الطريق عن المنحدر وإرشاد بني الإنسان نحو طريق السعادة والكمال ، ويتعيّن على الناس أن يأخذوا معارف القرآن عنهم فقط ويقوموا بتطبيقها .
        إنّ حكمة الله تقتضي وسنّته تنص على أن يتعرّف الناس على معارف القرآن عن طريق أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وبتطبيقهم لها يعملون على ضمان سعادتهم الدنيوية والأخروية ، ولغرض تحقّق هذا الهدف فقد أبقى الله سبحانه وتعالى على طريق الانتهال من معارف القرآن مفتوحاً أمام التوّاقين للسعادة ؛ وذلك بوضعه لمنصب الإمامة ، رغم أنّ المعاندين وعبيد الدنيا هبّوا على مدى التاريخ ؛ ليحرموا الناس من نور الهداية الإلهية المتمثل بمذهب أهل البيت
        ( عليهم السلام ) ، لكن القرآن يصرّح أنّ هؤلاء لن يفلحوا بعملهم هذا :
        ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَن يُتِمّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (1) .

        لهذا السبب يشبّه علي ( ) القرآن بالسراج لا يخبو توقّده ولا ينطفئ نوره .
        إنّ معارف القرآن من العمق والسعة بحيث أنّ العارفين بعلوم أهل البيت ( عليهم السلام ) كلما تدبروا به ينالون في كل خطوة معرفةً ومعلومةً جديدة ، وبما أنّ هذا الكتاب السماوي نسخة من العلم الإلهي ، فإنّ التوّاقين للحقيقة مهما شربوا من ماء حقيقته الصافي فإنّهم ليسوا لا يرتوون فحسب بل يزدادون عطشاً ، من هنا نرى أنّ أولياء الله والعارفين بحقيقة القرآن ، يسعون بتلاوتهم لآيات الله أثناء الصلاة والتدبّر فيها ؛ إلى تلطيف أرواحهم ، ويضعون أنفسهم أكثر فأكثر في مصاف الإلهامات الإلهية ونزول المعارف

        (1) الصف : 8 .
        الإلهية اللامتناهية .
        إنّ القرآن شمس ساطعة لا تفنى معارفه ، وإشراقها أبدية ، لأنّ هذا الكتاب كبحرٍ عميقٍ ، لا يتيسر الوصول إلى أعماقه إلاّ للنبي ( صلّى الله عليه وآله ) والأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) العارفين بـ ( علم الكتاب ) وإنّ أي إنسان وأي مجتمع يصبو إلى التعرّف على القرآن وكلام الله ، وينظّم حياته الفردية والاجتماعية على أساس تعاليم هذا الكتاب ، فلا طريق أمامه سوى التمسّك بالقرآن على أساس تفسير وبيان النبي ( صلّى الله عليه وآله ) والأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) ، والاقتداء بسيرتهم ونهجهم ، وتأييداً لهذا الأمر نشير إلى مقاطع من روايتين فقط .
        يقول الإمام الصادق ( ) : ( ونحن قناديل النبوة ومصابيح الرسالة ، ونحن نور الأنوار وكلمة الجبار ، ونحن راية الحق التي مَن تبعها نجا ومَن تأخر عنها هوى ، ونحن مصابيح المشكاة التي فيها نور النور ) (1) بما يعني أنّ الناس يجب أن يهتدوا بهدى الأئمة ( عليهم السلام ) نحو النبوة والرسالة ، التي هي الهداية إلى الحق ، ومنا ينطلق نور جميع الأنوار ، فحاكمية الله إنّما تتحقق من خلال ولايتنا .
        وروي شبيه هذا الكلام عن الإمام السجاد
        ( ) أيضاً إذ يقول ( ) :

        ( إنّ مثلنا في كتاب الله كمثل المشكاة والمشكاة في القنديل فنحن المشكاة ، فيها مصباح والمصباح محمد ( صلّى الله عليه وآله ) ، المصباح في زجاجةٍ نحن الزجاجة ، كأنّها كوكب دريّ توقد من شجرة مباركة زيتونة معروفة ، لا شرقية ولا غربية لا منكَرة ولا دعيّة ، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نارٌ ، نور القرآن على نورٍ يهدي الله لنوره مَن يشاء ، ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم ، بأن يهدي مَن أحبّ إلى ولايتنا ) (2) ، في كلامه ( ) هذا فسّر الآية 35 من سورة النور بالنبي ( صلّى الله عليه وآله ) وأهل البيت والأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) ، فيقول ( ) إنّ مثلنا نحن أهل البيت في القرآن كالمشكاة ، التي عن طريقها ينير نور الهداية الإلهية الطريق أمام العباد ، ونحن أهل البيت بمثابة الزجاجة نعكس للعباد نور المصباح ونبراس الهداية وهو نور النبوة ، وهذا النور ينبثق عن شجرة النور الإلهي المباركة الممتد
        (1) بحار الأنوار : 26 ، 259 .
        (2) بحار الأنوار : ج23 ، ص314 .
        شعاعها ولا يمكن إنكارها ، وهذه الحقيقة لا شرقية ولا غربية لا مجهولة ولا متروكة .
        يقول الإمام السجاد ( ) : إنّ حقيقة النبي ( صلّى الله عليه وآله ) وأهل بيته الكرام ( عليهم السلام ) بمثابة المصباح الشفاف الذي يشع نوراً دون حاجة لشعلة ، فنور القرآن يقوم على ذلك النور ـ ولاية أهل البيت ( عليهم السلام ) ـ الذي يهدي الله إليه مَن يشاء .
        التعديل الأخير تم بواسطة العشق المحمدي; الساعة 08-07-2011, 10:55 PM.
        sigpic

        تعليق


        • #5

          أنار الله قلوبكم وعقولكم وابصاركم بنور القران العظيم
          كل الشكر للطرح المبارك والنير

          مثابين ان شاء الله
          طلبت الله شكثر ياحسين لامره ولامرتين جيك من الحسه ياحسين لومره
          كل خوفي أموت وماأجي الحضره



          تعليق


          • #6
            المشاركة الأصلية بواسطة آمال يوسف مشاهدة المشاركة

            أنار الله قلوبكم وعقولكم وابصاركم بنور القران العظيم
            كل الشكر للطرح المبارك والنير

            مثابين ان شاء الله
            الاخت الفاضلة
            امال يوسف
            جعلكم الله من اهل البصيرة في دينهم


            المشاركة الأصلية بواسطة العشق المحمدي مشاهدة المشاركة
            القرآن نور حقيقي
            النور أحد مظاهر تجلّي الله عزّ وجل ، فالله يشبّه نفسه بالنور إذ يقول :
            ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) (1) وهذا نور الله تبارك وتعالى قد تجلّى فخُلقت السموات والأرض والمخلوقات ، وبفضل عناية الله يقوم عالم الوجود ، وان فيض الوجود مافتئ ينهمر على الموجودات من مشكاة الجود ، وبالتالي تواصل المخلوقات والموجودات حياتها .

            قد يعبّر عن كلام الله بالنور أيضاً ، ففي ظل النور يبصر الإنسان الطريق وينجو من التيه والضلال ، وبما أنّ أسوء الضلال والانحراف وأكثره خسراناً هو الضلال والانحراف في مسيرة الحياة وتعرّض سعادة الإنسان للخطر ، فإنّ النور الحقيقي هو الذي ينقذ البشر والمجتمع الإنساني من الضلال والانحراف ، ويبيّن أمامهم الطريق الصحيح للكمال الإنساني ؛ ليميزوا طريق السعادة والكمال عن طرق السقوط والضلالة .
            على هذا الأساس عبّر الله جلّ وعلا عن القرآن بالنور إذ يقول :
            (
            قَدْ جَاءَكُم مِنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ) (2) أي أنّ نوراً وكتاباً منيراً قد جاءكم من ربّكم ؛ كي تميّزوا من خلال انتفاعكم به طريق السعادة عن طريق الشقاء ، ونظراً لأنّ موضوع البحث هو القرآن في منظار نهج البلاغة ، فإنّنا نغض الطرف هنا عن تفسير وتوضيح الآيات الواردة في هذا المجال ، ونتطرّق لتوضيح كلام الإمام علي ( ) بهذا الشأن .

            في الخطبة 189 وبعد وصفه للإسلام والنبي ( صلّى الله عليه وآله ) يقول علي ( ) في وصف القرآن الكريم : ( ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ نُوراً لا تُطْفَأُ مَصَابِيحُهُ ، وَسِرَاجاً لا يَخْبُو تَوَقُّدُهُ وَبَحْراً لا يُدْرَكُ قَعْرُهُ ) .
            إنّ علياً ( ) بوصفه للقرآن في هذه الخطبة يحاول من خلال ثلاث تشبيهات رائعة ، أنّ يعرّف قلوب المسلمين عظمة القرآن ، ويستقطب انتباههم أكثر فأكثر إلى هذه الثروة الإلهية الضخمة التي هي في متناول أيديهم .
            (1) النور : 35 .
            (2) المائدة : 15 .
            في البداية يصف ( ) القرآن بالنور فيقول :
            (
            أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ نُوراً لا تُطْفَأُ مَصَابِيحُهُ ) ، فالله الذي أنزل القرآن نوراً على النبي ( صلّى الله عليه وآله ) لكن هذا النور يختلف عن سائر الأنوار ، فهذه الحقيقة ـ القرآن الكريم ـ نور لا تنطفئ مصابيحه ولا يتوقف إشراقه أبداً ، إنّ القرآن ـ من باب تشبيه المعقول بالمحسوس ـ كمصدر عظيم للطاقة الكهربائية ، يقوم وعبر مصابيح شديدة الإنارة تتصل بشبكة إيصال الكهرباء ، بإضاءة الطرق إلى المقصد الذي تنتهي إليه في الليالي المظلمة ، وبوضع مصابيح الدلالة على مفترق طريقين أو عدة طريق ، يبيّن أمام الساعين لبلوغ غاياتهم الطريق الذي ينتهي إلى الهدف عن سائر الطرق ، التي تودي إلى الضلال والسقوط في الأودية الخطيرة .

            إنّ القرآن يؤدي مثل هذا الدور في المجتمع الديني الإسلامي وفي حياة المتطلعين للسعادة والفلاح ، مع فارق أنّ المصابيح التي يغذّيها هذا المصدر وتضيء طريق السعادة لا تنطفئ أبداً ، وبالتالي فإنّ طريق الحق مستقيم ولاحِب على الدوام ، وإنّ القرآن الكريم ومصابيحه المضيئة تنبّه أتباع القرآن على الدوام قائلةً لهم احذروا الانحراف عن جادة الحق .
            في مقطع آخر من هذه الخطبة يقول
            ( ) : ( ونوراً ليس معه ظلمة ) ، فالقرآن نور لا يدوم الظلام بوجوده ؛ لأنّ لهذا الكتاب السماوي مصابيح تستمد النور منه فتضيء طريق الهداية والسعادة دائماً .

            بالإضافة إلى ذلك فإنّ الأئمة ( عليهم السلام ) ـ الذين هم مفسرو الوحي الإلهي ـ هم بمثابة تلك المصابيح حيث يوضّحون معارف القرآن للناس ، ويقومون بما وهبهم الله من علم بتعريف المسلمين بحقيقة القرآن .
            مصابيح القرآن وأنواره
            كما نعرف أنّ القرآن والعترة ـ طبقاً لحديث الثقلين ـ بما يمثّلانه من وديعتين إلهيتين يكمّلان بعضهما البعض في طريق هداية الموحدين ، فبالتمسك بإحداهما والتخلّي عن الأخرى لا يتحقق الهدف من نزول القرآن المتمثل بهداية البشر . فالأئمة المعصومون ( عليهم السلام ) مصابيح يستمدون النور من هذا المصدر الإلهي ، وينيرون طريق الحياة للناس الذين ينشدون السعادة ؛ إذ إنّ علوم القرآن وحقيقته عندهم ، فتلك الذوات المقدسة هم الذين يستطيعون إرجاع المتشابهات إلى المحكمات ، وتمييز الطريق عن المنحدر وإرشاد بني الإنسان نحو طريق السعادة والكمال ، ويتعيّن على الناس أن يأخذوا معارف القرآن عنهم فقط ويقوموا بتطبيقها .
            إنّ حكمة الله تقتضي وسنّته تنص على أن يتعرّف الناس على معارف القرآن عن طريق أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وبتطبيقهم لها يعملون على ضمان سعادتهم الدنيوية والأخروية ، ولغرض تحقّق هذا الهدف فقد أبقى الله سبحانه وتعالى على طريق الانتهال من معارف القرآن مفتوحاً أمام التوّاقين للسعادة ؛ وذلك بوضعه لمنصب الإمامة ، رغم أنّ المعاندين وعبيد الدنيا هبّوا على مدى التاريخ ؛ ليحرموا الناس من نور الهداية الإلهية المتمثل بمذهب أهل البيت
            ( عليهم السلام ) ، لكن القرآن يصرّح أنّ هؤلاء لن يفلحوا بعملهم هذا :
            ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَن يُتِمّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (1) .

            لهذا السبب يشبّه علي ( ) القرآن بالسراج لا يخبو توقّده ولا ينطفئ نوره .
            إنّ معارف القرآن من العمق والسعة بحيث أنّ العارفين بعلوم أهل البيت ( عليهم السلام ) كلما تدبروا به ينالون في كل خطوة معرفةً ومعلومةً جديدة ، وبما أنّ هذا الكتاب السماوي نسخة من العلم الإلهي ، فإنّ التوّاقين للحقيقة مهما شربوا من ماء حقيقته الصافي فإنّهم ليسوا لا يرتوون فحسب بل يزدادون عطشاً ، من هنا نرى أنّ أولياء الله والعارفين بحقيقة القرآن ، يسعون بتلاوتهم لآيات الله أثناء الصلاة والتدبّر فيها ؛ إلى تلطيف أرواحهم ، ويضعون أنفسهم أكثر فأكثر في مصاف الإلهامات الإلهية ونزول المعارف

            (1) الصف : 8 .
            الإلهية اللامتناهية .
            إنّ القرآن شمس ساطعة لا تفنى معارفه ، وإشراقها أبدية ، لأنّ هذا الكتاب كبحرٍ عميقٍ ، لا يتيسر الوصول إلى أعماقه إلاّ للنبي ( صلّى الله عليه وآله ) والأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) العارفين بـ ( علم الكتاب ) وإنّ أي إنسان وأي مجتمع يصبو إلى التعرّف على القرآن وكلام الله ، وينظّم حياته الفردية والاجتماعية على أساس تعاليم هذا الكتاب ، فلا طريق أمامه سوى التمسّك بالقرآن على أساس تفسير وبيان النبي ( صلّى الله عليه وآله ) والأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) ، والاقتداء بسيرتهم ونهجهم ، وتأييداً لهذا الأمر نشير إلى مقاطع من روايتين فقط .
            يقول الإمام الصادق ( ) : ( ونحن قناديل النبوة ومصابيح الرسالة ، ونحن نور الأنوار وكلمة الجبار ، ونحن راية الحق التي مَن تبعها نجا ومَن تأخر عنها هوى ، ونحن مصابيح المشكاة التي فيها نور النور ) (1) بما يعني أنّ الناس يجب أن يهتدوا بهدى الأئمة ( عليهم السلام ) نحو النبوة والرسالة ، التي هي الهداية إلى الحق ، ومنا ينطلق نور جميع الأنوار ، فحاكمية الله إنّما تتحقق من خلال ولايتنا .
            وروي شبيه هذا الكلام عن الإمام السجاد
            ( ) أيضاً إذ يقول ( ) :

            ( إنّ مثلنا في كتاب الله كمثل المشكاة والمشكاة في القنديل فنحن المشكاة ، فيها مصباح والمصباح محمد ( صلّى الله عليه وآله ) ، المصباح في زجاجةٍ نحن الزجاجة ، كأنّها كوكب دريّ توقد من شجرة مباركة زيتونة معروفة ، لا شرقية ولا غربية لا منكَرة ولا دعيّة ، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نارٌ ، نور القرآن على نورٍ يهدي الله لنوره مَن يشاء ، ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم ، بأن يهدي مَن أحبّ إلى ولايتنا ) (2) ، في كلامه ( ) هذا فسّر الآية 35 من سورة النور بالنبي ( صلّى الله عليه وآله ) وأهل البيت والأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) ، فيقول ( ) إنّ مثلنا نحن أهل البيت في القرآن كالمشكاة ، التي عن طريقها ينير نور الهداية الإلهية الطريق أمام العباد ، ونحن أهل البيت بمثابة الزجاجة نعكس للعباد نور المصباح ونبراس الهداية وهو نور النبوة ، وهذا النور ينبثق عن شجرة النور الإلهي المباركة الممتد
            (1) بحار الأنوار : 26 ، 259 .
            (2) بحار الأنوار : ج23 ، ص314 .
            شعاعها ولا يمكن إنكارها ، وهذه الحقيقة لا شرقية ولا غربية لا مجهولة ولا متروكة .
            يقول الإمام السجاد ( ) : إنّ حقيقة النبي ( صلّى الله عليه وآله ) وأهل بيته الكرام ( عليهم السلام ) بمثابة المصباح الشفاف الذي يشع نوراً دون حاجة لشعلة ، فنور القرآن يقوم على ذلك النور ـ ولاية أهل البيت ( عليهم السلام ) ـ الذي يهدي الله إليه مَن يشاء .
            الاخت الفاضلة
            العشق المحمدي
            ان تجلي النور الالهي لواجب الوجود هو التحقق الرباني في اهل البيت عليهم السلام
            شاكرا الشكر الجزيل الاضافة الاكثر من قيمة


            المشاركة الأصلية بواسطة احمد الحجي مشاهدة المشاركة
            وفقت اخي الطائي جعلها الله في ميزان حسناتك
            الاخ الفاضل
            احمد الحجي
            وفقكم الله لكل خير وانار دربكم بنور الولاية


            المشاركة الأصلية بواسطة العجرشي مشاهدة المشاركة
            الاخ المبدع عمار الطائي

            جزاكم الله خيرا ولا حرمنا الباري من تألقكم المتواصل
            الاخ العزيز
            العجرشي
            الابداع والتواصل صفة ملازمة لكم
            sigpic

            تعليق

            المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
            حفظ-تلقائي
            Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
            x
            يعمل...
            X